وقال السّدي : إنه ـ تعالى ـ شبّه عرض الجنة بعرض السّموات السبع والأرضين السبع ، ولا شك أن طوله أزيد من عرضه (١).
وقيل : هذا تمثيل للعباد بما يعقلونه ، وأكبر ما في أنفسهم مقدار السموات والأرض.
قاله الزجاج (٢) ، وهو اختيار ابن عبّاس (٣).
وقال طارق بن شهاب : قال قوم من أهل «الحيرة» لعمر رضي الله عنه : أرأيت قول الله عزوجل : (عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) فأين النّار؟ قال لهم عمر : أرأيتم الليل إذا ولّى وجاء النهار ، فأين يكون الليل؟ فقالوا : لقد نزعت بما في التوراة مثله (٤).
قوله : (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) شرط الإيمان لا غير ، والمعتزلة وإن زعموا أن لفظ الإيمان يفيد جملة الطّاعات ، لكنهم اعترفوا بأن لفظ الإيمان إذا عدي بالباء ، فإنه باق على مفهومه الأصلي وهو التصديق ، فالآية حجة عليهم ، ومما يؤكّد ذلك قوله تعالى بعده : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) فبين أن الجنة فضل الله يؤتيها من يشاء ، سواء أطاع أم عصى.
فإن قيل : فيلزمكم أن تقطعوا بحصول الجنة لجميع العصاة ، وأن تقطعوا بأنه لا عقاب لهم؟ فالجواب (٥) : قلنا : نقطع بحصول الجنّة ، ولا نقطع بنفي العقاب عنهم ؛ لأنهم إذا عذّبوا مدة ، ثم نقلوا إلى الجنة ، وبقوا فيها أبد الآباد ، فقد كانت الجنّة معدة لهم.
فإن قيل : فالمرتد قد آمن بالله ، فوجب ألّا يدخل تحت هذه الآية.
قلنا : فالجواب خص من العموم ، فبقي العموم حجة فيما عداه.
فصل في أن الجنة مخلوقة أم لا؟ (٦)
احتجوا بهذه الآية على أن الجنة مخلوقة.
قالت المعتزلة : هذه الآية لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجهين :
الأول : أن قوله تعالى (أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها) [الرعد : ٣٥] يدل على أن من صفتها بعد وجودها ألا تفتى ، لكنها لو كانت الآن موجودة لفنيت بدليل قوله تعالى (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨].
__________________
(١) ينظر : المصدر السابق.
(٢) ينظر : معاني القرآن له ٥ / ١٢٨.
(٣) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٠٥.
(٤) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٧ / ١٦٦).
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٢٩ / ٢٠٥.
(٦) ينظر : المصدر السابق.