اللّمم هاهنا : الإلمام بالنساء وشدة الحرص والتّوقان إليهن.
فصل في الظهار (١)
اعلم أن الظّهار كان من أشدّ طلاق الجاهلية ؛ لأنه في التحريم أوكد ما يمكن ، فإن كان الحكم صار مقرّرا في الشرع كانت الآية ناسخة له ، وإلا لم يفد نسخا ؛ لأن النسخ إنما يدخل في الشّرائع لا في عادة الجاهلية ، لكن الذي روي أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال لها : «حرمت» أو «ما أراك إلّا قد حرمت» كالدلالة على أنه كان شرعا.
فأما ما روي أنه توقف في الحكم فلا يدل على ذلك.
وفي الآية دليل على أن من انقطع رجاؤه عن الخلق ولم يبق له في مهمه أحد سوى الخالق كفاه الله ذلك المهمّ.
فصل فيما حكاه الله عن هذه المرأة (٢)
اعلم أنّ الله ـ تعالى ـ حكى عن هذه المرأة أمرين :
أحدهما : المجادلة وهو قوله تعالى : (تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها) أي : في شأن زوجها ، وتلك المجادلة هي أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كلما قال لها : «حرمت عليه» ، قالت : والله ما ذكر طلاقا.
والثاني : شكواها إلى الله فاقتها ووحدتها ، وقولها : إن لي صبية صغارا.
فصل في سمع الله تعالى
قال القرطبي (٣) : الأصل في السماع إدراك المسموعات وهو اختيار أبي الحسن ، وقال ابن فورك : الصحيح أنه إدراك المسموع.
وقال الحاكم أبو عبد الله : «السميع» هو المدرك للأصوات التي يدركها المخلوقون بآذانهم من غير أن يكون له أذن ، وذلك راجع إلى أن الأصوات لا تخفى عليه ، وإن كان غير موصوف بالحس المركب في الأذن كالأصم من النّاس لما لم يكن له هذه الحاسة لم يكن أهلا لإدراك الصوت ، والسمع والبصر صفتان كالعلم والقدرة ، والحياة والإرادة ، فهما من صفات الذات لم يزل الخالق سبحانه متّصفا بهما.
وقرىء (٤) : «تحاورك» أي : تراجعك الكلام.
__________________
(١) الفخر الرازي ٢٩ / ٢١٨.
(٢) ينظر السابق.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٧٧.
(٤) وقد نسبها ابن عطية إلى مصحف عبد الله ، ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٢٧٣ ، والقرطبي ١٧ / ١٧٧.