والذوق استعارة للمبالغة لقوة الإدراك في الذّوق ؛ فإن الإنسان يشارك غيره في اللّمس ، ويختصّ بإدراك المطعوم فيحصل الألم العظيم ، والمعنى ذوقوا أيها المكذّبون بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مسّ سقر يوم يسحب المجرمون المتقدمون في النار (١).
قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩) وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)(٥٥)
قوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ) العامة على نصب «كل» على الاشتغال. وأبو السّمّال بالرفع (٢) وقد رجح الناس ـ بل بعضهم أوجب ـ النّصب ، قال : لأن الرفع يوهم ما لا يجوز على قواعد أهل السنة ، وذلك أنه إذا رفع : «كل شيء» كان مبتدأ ، و «خلقناه» صفة ل «كلّ» أو «شيء» و «بقدر» خبره (٣).
وحينئذ يكون له مفهوم لا يخفى على متأمّله ، فيلزم أن يكون الشيء الذي ليس مخلوقا لله تعالى لا بقدر كذا قدره بعضهم. وقال أبو البقاء : وإنما كان النصب أولى لدلالته على عموم الخلق ، والرفع لا يدل على عمومية بل يفيد أن كل شيء مخلوق فهو بقدر (٤).
وقال مكي بن أبي طالب : كان الاختيار على أصول البصريين رفع «كلّ» كما أن الاختيار عندهم في قولك (٥) : «زيد ضربته» الرفع والاختيار عند الكوفيين النصب فيه بخلاف(٦) قولنا : زيد أكرمته ، لأنه قد تقدم في الآية شيء عمل (٧) فيما بعده وهو «إنّ». والاختيار (٨) عندهم النصب فيه. وقد أجمع القراء على النصب في (كلّ) على الاختيار فيه عند الكوفيين ليدل (٩) ذلك على عموم الأشياء المخلوقات أنها لله تعالى (١٠) بخلاف ما قاله أهل الزّيغ من أن ثمّ مخلوقات لغير الله تعالى. وإنما دل النصب في «كل» على
__________________
(١) قال بهذه التأويلات والاحتمالات فخر الدين الرّازيّ فقد نقل عنه المؤلف معنى من هذا التفسير وانظر التفسير الكبير ١٥ / ٧٢.
(٢) وهذه قراءة شاذة ذكرها ابن جني في المحتسب ٢ / ٣٠٠ والبحر المحيط ٨ / ١٨٣ وابن عطية فيما نقل عنه صاحب البحر المرجع السابق وابن خالويه في المختصر ١٤٨ ، والزمخشري في الكشاف ٤ / ٤١ ، والقرطبي في الجامع ١٧ / ١٤٧. وغير ذلك.
(٣) قاله صاحب التبيان ١١٩٦.
(٤) التبيان المرجع السابق.
(٥) في مشكل الإعراب : قولهم.
(٦) وفيه : قوله.
(٧) وفيه : قد عمل فيما بعده.
(٨) في المشكل أيضا : فالاختيار بالفاء.
(٩) وفيه : وليدل.
(١٠) وفيه : لله عزوجل.