فصل في تحرير معنى الآية
قال ابن الخطيب (١) : الألف واللام في لفظ «النجوى» لا يمكن أن يكون للاستغراق ؛ لأن في «النجوى» ما يكون من الله ولله ، بل المراد منه : المعهود السابق ، وهو النجوى بالإثم ليحزن المؤمنين إذا رأوهم متناجين.
قال المفسرون (٢) : معنى قوله تعالى : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) وتوهموا أن المسلمين أصيبوا في السّرايا ، أو إذا رأو اجتماعهم على مكايدة المسلمين ، وربما كانوا يناجون النبي صلىاللهعليهوسلم فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي صلىاللهعليهوسلم (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ) أي : التناجي (شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي : بمشيئته.
وقيل : بعلمه.
وعن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ بأمره.
(وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي : يكلون أمرهم إليه ، ويفوضون [جميع](٣) شئونهم إلى عونه.
فصل في النهي عن التناجي
روى ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد»(٤).
وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتّى يختلطوا بالنّاس من أجل أن يحزنه» (٥).
فبين في هذا الحديث غاية المنع ، وهو أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر ، وذلك أنه كان يتحدث مع رجل ، فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعا ، فقال له وللأول : تأخّرا وناجى الرجل الطّالب للمناجاة. خرجه في «الموطأ» (٦) ونبه فيه على العلة بقوله: «من أجل أن يحزنه» أي : يقع في نفسه ما يحزن لأجله ، وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره ، أو أنهم لم يروه أهلا بأن يشركوه في حديثهم ، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان ، وأحاديث النفس ، ويحصل ذلك كله من بقائه وحده ، فإذا كان معه غيره أمن ذلك ، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد ، فلا يتناجى أربعة دون واحد ، ولا عشرة ولا ألف مثلا ، لوجود ذلك المعنى في حقه ، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع ، فيكون بالمنع أولى ، وإنما خص الثلاثة بالذكر ؛ لأنه أول عدد يتأتى ذلك فيه.
__________________
(١) التفسير الكبير ٢٩ / ٢٣٣.
(٢) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٩١.
(٣) سقط من : أ.
(٤) تقدم.
(٥) تقدم.
(٦) ينظر : موطأ الإمام مالك ٢ / ٩٨٨.