قرأ الحسن (١) : «رآفة» بزنة «فعالة».
قال مقاتل : المراد من الرّأفة والرحمة : المودّة فكان يوادّ بعضهم بعضا كما وصف الله ـ تعالى ـ أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم بقوله : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(٢) [الفتح : ٢٩].
وقيل : هذا إشارة إلى أنهم أمروا في الإنجيل بالصّفح ، وترك إيذاء الناس وألان الله قلوبهم لذلك ، بخلاف اليهود الذين قست قلوبهم ، وحرّفوا الكلم عن مواضعه.
والرّأفة : [اللّين.
والرحمة :](٣) الشّفقة.
وقيل : الرأفة تخفيف الكل ، والرحمة تحمل الثقل.
وقيل : الرّأفة : أشد من الرحمة وتم الكلام.
فصل في أن أفعال العبد خلق لله تعالى (٤)
دلت هذه الآية على أن فعل العبد خلق الله تعالى ؛ لأنه حكم بأن هذه مجعولة ، وحكم بأنهم ابتدعوا تلك الرهبانية.
قال القاضي (٥) : المراد بذلك أنه ـ تعالى ـ لطف بهم حتى قويت دواعيهم في الرّهبانية التي هي تحمّل الكلفة الزائدة على ما يجب.
والجواب : أن هذا ترك للظاهر من غير دليل ، وإن سلمنا ذلك فهو يحصل مقصودنا ؛ لأن الحال الاستواء بمنع حصول الرّجحان ؛ لأنّ حصول الرجحان عند الاستواء ممتنع ، فعند المرجوحية أولى بأن يصير ممتنعا ، وإذا امتنع المرجوح وجب الراجح ضرورة أنه لا خروج عن طرفي النقيض.
قوله : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها). في انتصابها وجهان (٦) :
أحدهما : أنها معطوفة على (رَأْفَةً وَرَحْمَةً).
و «جعل» إما بمعنى «خلق» ، وإما بمعنى «صيّر» ، و «ابتدعوها» على هذا صفة ل «رهبانية» ، وإنما خصّت بذكر الابتداع ؛ لأن الرّأفة والرحمة في القلب أمر غريزة لا تكسّب للإنسان فيها ، بخلاف الرهبانية ، فإنها أفعال البدن ، وللإنسان فيها تكسّب ، إلا أن أبا البقاء منع هذا الوجه ، بأن ما جعله الله لا يبتدعونه (٧).
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٢٦ ، والرازي ٢٩ / ٢١٣ ، والدر المصون ٦ / ٢٨١.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (٢٩ / ٢١٣)
(٣) سقط من أ.
(٤) ينظر : الرازي ٢٩ / ٢١٣.
(٥) ينظر : الرازي (٢٩ / ٢١٣).
(٦) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٨١.
(٧) ينظر : الإملاء ٢ / ١٢١١.