٢٣] فقالوا بعد مدة : لو ذكرتنا ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) الآية.
وقيل (١) : هذا خطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لأنه قال عقيبه : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) أي : ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقرآن ، وألّا يكونوا كمتقدمي قوم موسى وقوم عيسى ؛ إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيهم ، فقست قلوبهم.
قوله : (وَما نَزَلَ).
قرأ نافع وحفص : «نزل» مخففا مبنيّا للفاعل.
وباقي السبعة كذلك إلّا (٢) أنها مشددة.
والجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية (٣) : «ما نزّل» مشددا مبنيّا للمفعول.
وعبد الله (٤) : «أنزل» مبنيّا للفاعل ، وهو الله تعالى.
و «ما» في قراءة «ما نزل» مخففا ، يتعين أن تكون اسمية ، ولا يجوز أن تكون مصدرية لئلا يخلو الفعل من الفاعل ، وما عداها يجوز أن تكون مصدرية ، وأن تكون بمعنى «الذي».
فإن قلت (٥) : فقراءة الجحدري ومن معه ينبغي أن تكون فيها اسمية لئلّا يخلو الفعل من مرفوع؟ فالجواب : أن الجار وهو قوله : «من الحقّ» يقوم مقام الفاعل.
فصل في معنى الآية
قال ابن الخطيب (٦) : يحتمل أن يكون المراد بذكر الله ، وما نزل من الحق هو القرآن ؛ لأنه جامع للوصفين الذّكر والموعظة ، وأنه حق نازل من السماء ، ويحتمل أن يكون المراد هو ذكر الله مطلقا ، و (ما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) هو القرآن ، وإنما قدم الخشوع بالذكر على الخشوع بما نزل من القرآن ؛ لأن الخشوع والخوف والخشية لا تحصل إلا عند ذكر الله تعالى ، فأما حصولها عند سماع القرآن ، فذلك لأجل اشتمال القرآن على ذكر الله.
__________________
(١) ينظر : الجامع لأحكام القرآن ١٧ / ١٦٢.
(٢) ينظر : السبعة ٦٢٦ ، والحجة ٦ / ٢٧٣ ، ٢٧٤ ، وإعراب القراءات ٢ / ٣٥١ ، وحجة القراءات ٧٠٠ ، والعنوان ١٨٦ ، وشرح شعلة ٥٩٨ ، وشرح الطيبة ٦ / ٤٠ ، وإتحاف ٢ / ٥٢٢.
(٣) ينظر السابق ، والمحرر الوجيز ٥ / ٢٦٤ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٢٢ ، والدر المصون ٦ / ٢٧٧ ، والتخريجات النحوية ٢٧٧.
(٤) السابق.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٧٧.
(٦) التفسير الكبير ٢٩ / ٢٠٠.