فصل
المعنى ولقد جاءهم من ربهم البيان بالكتاب والرسول أنها ليست بآلهة وأن العبادة لا تصلح إلّا لله الواحد القهار.
(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) أيظن أن له ما يتمنى ويشتهي من شفاعة الأصنام. ويحتمل أن يكون معناه : هل للإنسان أن يعبد بالتمني والاشتهاء ما تهوى نفسه.
قوله (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) أي ليس كما ظن وتمنى بل لله الآخرة والأولى لا يملك فيها أحد شيئا إلّا بإذنه.
قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧) وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨) فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى)(٣٠)
قوله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) «كم» هنا خبرية تفيد التكثير ، ومحلها الرفع على الابتداء. و (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) هو الخبر. والعامة على إفراد الشفاعة. وجمع الضمير اعتبارا بمعنى «ملك» وبمعنى «كم». وزيد بن عليّ شفاعته بإفرادها اعتبر لفظ «كم وملك». وابن مقسم شفاعاتهم بجمعها (١). و «شيئا» (٢) مصدر أي شيئا من الإغناء.
فصل
المعنى وكم من ملك في السموات ممن يعبدهم هؤلاء الكفار ويرجون شفاعتهم عند الله لا تغني شفاعتهم شيئا إلّا من بعد أن يأذن الله في الشفاعة (لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) أي من أهل التوحيد.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يريد لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله عنه. وجمع الكناية في قوله : (شَفاعَتُهُمْ) والملك واحد ؛ لأن المراد من قوله : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) الكثرة ، فهو كقوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ)(٣) [الحاقة : ٤٧].
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) اعلم أن المراد بالذين لا يؤمنون بالآخرة هم الذين لا يؤمنون بالرسل ، لأن كل من آمن بالرسل
__________________
(١) وهو اختيار صاحب الكامل في القراءات الخمسين للهذلي فيما نقله صاحب البحر المحيط ٨ / ١٦٣.
(٢) فليست مفعولا به وهي نائب عن المفعول المطلق (المصدر السابق).
(٣) وانظر تفسير البغوي ٦ / ٢٦٤.