صلىاللهعليهوسلم ـ إذ نزل من السماء ليلة المعراج. والهويّ النزول ، يقال هوى يهوي هويّا (١). والكلام في قوله : (وَالنَّجْمِ) كالكلام في قوله : (وَالطُّورِ) حيث لم يقل : والنّجوم (٢) ولا الأطوار وقال : (وَالذَّارِياتِ) [الذاريات : ١] (وَالْمُرْسَلاتِ)(٣) [المرسلات : ١] كما تقدم.
فصل
السور التي تقدمت وافتتاحها بالقسم بالأشياء دون الحروف هي «الصّافّات» ، و «الذّاريات» و «الطّور» وهذه السورة بعدها فالأولى أن يقسم لإثبات الوحدانية كما قال : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) [الصافات : ٤] وفي الثانية أقسم لوقوع الحشر والجزاء كما قال تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) [الذاريات : ٥ و ٦] وفي الثالثة لدوام العذاب بعد وقوعه كما قال تعالى : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) [الطور : ٧ و ٨] وفي هذه أقسم لإثبات النبوة لتكمل الأصول الثلاثة الوحدانية ، والحشر ، والنبوة.
واعلم أنه تعالى لم يقسم على الوحدانية ولا على النبوة كثيرا ، لأنه أقسم على الوحدانية في سورة واحدة وهي «والصّافّات» ، وأما النبوة فأقسم عليها بأمر واحد في هذه السورة وبأمرين في سورة (والضّحى) وأكثر من القسم على الحشر وما يتعلق به فقال : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل : ١] (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) [الشمس : ١] (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) [البروج : ١] إلى غير ذلك وكلها في الحشر أو ما يتعلق به ، وذلك لأن دلائل الوحدانية كثيرة كلها عقلية كما قيل :
٤٥٤٢ ـ وفي كلّ شيء له آية |
|
تدلّ على أنّه الواحد |
ودلائل النبوة أيضا كثيرة وهي المعجزات المشهورة وأما الحشر ووقوعه فلا يمكن إثباته إلّا بالسمع فأكثر فيه القسم ليقطع بها المكلف ويعتقده اعتقادا جازما.
فصل
قال ابن الخطيب : والفائدة في تقييد القسم به بوقت هويه إذا كان في وسط السماء بعيدا عن الأرض لا يهتدي إليه (٤) السّاري لأنه لا يعلم به المشرق من المغرب ولا الجنوب من الشّمال. فإذا زال عن وسط السماء تبين بزواله جانب المغرب من المشرق والجنوب عن الشمال. وخص الهويّ دون الطلوع لعموم الاهتداء به في الدين والدنيا كما قال الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [الأنعام : ٧٦]. وفيه لطيفة وهي أن القسم بالنجم يقتضي تعظيمه وقد كان منهم من يعبده فنبه بهويّه على عدم صلاحيته للإلهيّة بأفوله.
__________________
(١) البغوي والقرطبي السابقين أيضا.
(٢) حيث أراد الجنس.
(٣) انظر البغوي السابق ثم الرازي ٢٨ / ٢٧٩.
(٤) في (ب) به.