لتعريف الجنس وهو أن كل واحد كذب جميع الرسل وذلك على وجهين :
أحدهما : أن المكذب للرسول مكذب لكل الرّسل.
وثانيهما : أن المذكورين كانوا منكرين للرسالة والحشر بالكلية (١).
قوله : (فَحَقَّ وَعِيدِ) أي وجب لهم عذابي أي ما أوعد الله تعالى من نصرة الرسل عليهم وإهلاكهم.
قوله تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨)
قوله : (أَفَعَيِينا) العامة على ياء مكسورة بعدها ياء ساكنة. وقرأ ابن أبي عبلة أفعيّنا(٢) بتشديد الياء من غير إشباع ، وهذه القراءة على إشكالها قرأ بها الوليد بن مسلم وأبو جعفر وشيبة ونافع في رواية (٣). وروى ابن خالويه عن ابن عبلة أفعيّينا كذلك ، لكنه أتى بعد الياء المشددة بأخرى ساكنة (٤) وخرجها أبو حيان (٥) على لغة من يقول في عيي عيّ وفي حيي حيّ بالإدغام. ثم لما أسند هذا الفعل وهو مدغم اعتبر لغة بكر بن وائل وهو أنهم لا يفكون الإدغام في مثل هذا إذا أسندوا ذلك الفعل المدغم لتاء المتكلم ولا إحدى أخواتها التي تسكن لها لام الفعل فيقولون في ردّ ردّت وردّنا ، قال : وعلى هذه اللغة تكون التاء مفتوحة (٦). ولم يذكر توجيه القراءة الأخرى. وتوجيهها أنها من عيّا يعيّي كحلّى يحلّي.
فصل
ومعنى أفعيينا بالخلق الأول أي أعجزنا حين خلقناهم أولا فتعبنا بالإعادة. وهذا تقريع لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث ، ويقال لكل من عجز عن شيء عيي به.
(بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) أي شك (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) وهو البعث. والمراد بالخلق الأول قبل
__________________
(١) ويجوز أن تكون لتعريف العهد أي أن كل واحد كذب رسوله فهم كذبوا الرسل. وانظر الرازي ٢٨ / ١٦١.
(٢) في (ب) أفعيينا تحريف.
(٣) نقله أبو حيان في البحر ٨ / ١٢٣ عن الهذليّ صاحب القراءات الخمسين. وهي شاذة. ولم أجد هذه القراءة إلا في البحر لصاحبه أبي حيان.
(٤) مختصر ابن خالويه ١٤٤.
(٥) قال : وفكرت في توجيه هذه القراءة إذ لم يذكر أحد توجيهها فخرجتها على لغة من أدغم الياء في الياء في الماضي فقال : عيّوحيّ ، فلما أدغم ألحقه ضمير المتكلم المعظّم نفسه ولم يفك الإدغام فقال عينا وهي لغة لبعض بكر بن وائل يقولون في رددت ورددنا : ردّت وردّنا ، فلا يفكون. وانظر البحر ٨ / ١٢٣.
(٦) المرجع السابق.