وقيل : بالملائكة. وقيل : بالتسمية. وهذا يقوّي قول مكّيّ. فإن قلنا : ما لهم بالآخرة فهو جواب كما قلنا : إنهم وإن كانوا يقولون : إن الأصنام شفعاؤنا عند الله ، وكانوا يربطون الإبل على قبور الموتى ليركبوها لكن ما كانوا يقولون به عن علم.
وإن قلنا بالتسمية ففيه إشكال ، وهو أن العلم بالتسمية حاصل لهم فإنهم يعلمون أنّهم (ليسوا (١) في شكّ).
والجواب : أن التسمية قد يكون واضعها الأول عالما بأنه وضع ، وقد يكون استعمالا معنويا يتطرق إليه الصدق والكذب والعلم. فمثال الصدق من وضع أولا اسم السماء لموضوعها وقال : هذا سماء ، ومثال الكذب إذا قلنا بعد ذلك للماء والحجر : هذا سماء ، فإنه كذب ومن اعتقد فهو جاهل وكذلك قولهم في الملائكة : إنّهم بنات الله لم تكن تسمية وضعية ، وإنما أرادوا به أنهم موصوفون باسم يجب به استعمال لفظ البنات فيهم ، وذلك كذب ومعتقده جاهل ، فالمراد التسمية التي هي عن وصف حقيقي لا التسمية الوضعيّة ؛ لأنهم عالمون بها فهذا هو المراد. قاله ابن الخطيب (٢).
وقوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) تقدم الكلام عليه.
وقوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) قيل : الحق بمعنى العلم أي لا يقوم الظنّ مقام العلم. وقيل : الحق بمعنى العذاب ، أي إنّ ظنهم لا ينقذهم من العذاب.
قال ابن الخطيب : المراد منه أن الظن لا يغني في الاعتقادات شيئا وأما الأفعال العرفية أو الشرعية فإنه يتبع عند عدم الوصول إلى اليقين. ويحتمل أن يقال : المراد من الحق هو الله والمعنى أن الظن لا يفيد شيئا من الله أي أن الأوصاف الإلهيّة لا تستخرج بالظنون بدليل قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ).
فإن قيل : أليس الظن قد يصيب فكيف يحكم عليه بأنه لا يغني أصلا؟
فالجواب : أن المكلف لا يحتاج إلى مميز يميّز الحقّ من الباطل ؛ ليعتقد الحق ويميز الخير من الشر ليفعل الخير لكن في الحق ينبغي أن يكون جازما لاعتقاد مطابقته ، والظّانّ لا يكون جازما وفي الخير ربما يعتبر الظن في مواضع.
فصل
اعلم أن الله تعالى منع من الظن في ثلاثة مواضع :
أحدها : قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ).
__________________
(١) زيادة من الرازي.
(٢) بالمعنى ٢٨ / ٣١٠.