قوله : (لَها طَلْعٌ) يجوز أن تكون الجملة حالا من النخل أو من الضمير في (باسِقاتٍ)(١) ويجوز أن يكون الحال وحده «لها» وطلع فاعل به. ونضيد بمعنى منضود بعضها فوق بعض في كمامها كما في سنبلة الزرع ، وهو عجيب ، فإن الأشجار الطوال ثمارها بعضها على بعض ، لكل واحد منها أصل يخرج منه كالجوز واللّوز وغيرهما ، والطّلع كالسّنبلة الواحدة يكون على أصل واحد (٢).
قوله : (رِزْقاً) يجوز أن يكون حالا أي مرزوقا للعباد أي ذا رزق ، وإن يكون مصدرا من معنى أنبتنا ؛ لأن إنبات هذه رزق فكأنه قال : أنبتناها إنباتا للعباد (٣) ويجوز أن تكون مفعولا له (٤) للعباد ، إمّا صفة ، وإما متعلق بالمصدر ، وإما مفعولا للمصدر ، واللام زائدة ، أي رزقا العباد.
فصل
قال ابن الخطيب : ما الحكمة في قوله عند خلق السماء والأرض : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) وفي الثمار قال : (رِزْقاً) والثمار أيضا فيها تبصرة وفي السماء والأرض أيضا منفعة غير التبصرة والتذكرة؟
نقول : فيه وجوه :
أحدها : أن الاستدلال وقع لوجود أمرين : أحدهما الاعادة ، والثاني : البقاء بعد الإعادة ، فإن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٥) ـ كان يخبرهم بحشر وجمع يكون بعده الثواب الدائم ، والعقاب الدائم ، وأنكروا ذلك ، فقال أما الأوّل فالله القادر على خلق السموات والأرض قادر على خلق الخلق بعد الفناء ، وأما الثاني فلأن البقاء في الدنيا بالرزق والقادر على إخراج الأرزاق من النّخل (٦) والشجر قادر على أن يرزق بعد الحشر فكان الأوّل تبصرة وتذكرة بالخلق ، والثاني تذكرة بالبقاء بالرزق ، ويدل على هذا الفصل بينهما بقوله تعالى : (تَبْصِرَةً وَذِكْرى) حيث ذكر ذلك بعد الآيتين ، ثم بدأ بذكر الماء وإنزاله وإنبات النبات.
ثانيها : منفعة الثمار الظاهرة وهي الرزق فذكرها ، ومنفعة السماء الظاهرة ليست أمرا عائدا إلى انتفاع العباد لبعدها عن ذهنهم حتى أنهم لو توهموا عدم الزرع والثمر لظنوا أن يهلكوا ولو توهموا عدم السماء فوقهم لقالوا : لا يضرنا ذلك مع أن الأمر بالعكس أولى لأنّ السماء سبب الأرزاق بقدرة الله تعالى ، وفيها منافع غير ذلك والثمار وإن لم تكن كان (٧) العيش كما أنزل الله على قوم المنّ والسلوى ، وعلى قوم المائدة من السماء فذكر الأظهر للناس في هذا المواضع.
__________________
(١) التبيان ١١٧٤.
(٢) الرازي ٢٨ / ١٥٧.
(٣) قال بهذين الوجهين العكبري في مرجعه السابق.
(٤) الكشاف ٤ / ٥.
(٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٦) في الرازي : النجم.
(٧) كذا في النسختين والأصح : ما كان العيش.