فصل
أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها لفظا ومعنى ، أما لفظا فقوله : (وَإِدْبارَ النُّجُومِ) وافتتح هذه بالنجم مع واو القسم ، وأما معنّى فلأنه تعالى لما قال لنبيه : «ومن اللّيل فسبّحه وإدبار النّجوم» بين له أنه (جزأه في أجزاء (١) مكابدة النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بالنجم) وبعده (عما لا يجوز له) (٢) فقال : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى)(٣).
قوله : (إِذا هَوى) في العامل في هذا الظرف أوجه وعلى كل منها إشكال.
أحدها : أنه منصوب بفعل القسم المحذوف تقديره : أقسم بالنجم وقت هويه. قاله أبو البقاء (٤). وهو مشكل ؛ فإن فعل القسم إنشاء والإنشاء حال و «إذا» لما يستقبل من الزمان فكيف يتلاقيان؟!.
الثاني : أن العامل فيه مقدر على أنه حال من (النّجم) أقسم به حال كونه مستقرا في زمان هويّه. وهو مشكل من وجهين :
أحدهما : أن النجم جثّة والزمان لا يكون حالا كما لا يكون خبرا.
والثاني : أن (إذا) للمستقبل فيكف يكون حالا؟!.
وقد أجيب عن الأول بأن المراد بالنّجم القطعة من القرآن والقرآن قد نزل منجما في عشرين سنة. وهذا تفسير عن ابن عباس وعن غيره.
وعن الثاني بأنها حال مقدرة.
الثالث : أن العامل فيه نفس النجم إذا أريد به القرآن. قاله أبو البقاء (٥). وفيه نظر ؛ لأن القرآن لا يعمل في الظرف إذا أريد أنه اسم لهذا الكتاب المخصوص. وقد يقال : إنّ النجم بمعنى المنجّم كأنه قيل والقرآن المنجّم في هذا الوقت.
وهذا البحث وارد في مواضع منها : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها) وما بعده [الشمس : ١ ـ ٥] وقوله : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل : ١] (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [الضحى: ١ و ٢] وسيأتي في الشمس بحث أخص من هذا إن شاء الله تعالى (٦). والهويّ (٧) قال الراغب : سقوط
__________________
(١) ما بين القوسين بياض في النسختين وتكملة من الرازي.
(٢) ما بين القوسين هذين وجد في النسختين ولم يوجد في الرازي.
(٣) وانظر تفسير الرازي ٢٨ / ٢٧٧ ، ٢٧٩.
(٤) التبيان ١١٨٦.
(٥) التبيان المرجع السابق.
(٦) عند قوله تعالى : «وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها» من الآية الثانية من الشمس. وقد استقى المؤلف ذلك من كلام أبي حيان في البحر ٨ / ٤٨٠ ، إلا أنه برّر وخرج قول أبي البقاء وهو قوله : إن العامل فيه نفس النجم إذا أريد به القرآن.
(٧) ضبطها ابن بري نقلا عن صاحب اللسان بالفتح فقط ـ فتح الهاء بينما أجيز فيها الفتح والضمّ عن كثير وانظر اللسان هوى ٤٧٢٧.