إنه الميزان الذي يوزن به ، قال : طغيانه النّجس (١).
قال ابن عباس : لا تخونوا من وزنتم له (٢).
وعنه أيضا أنه قال : يا معشر الموالي وليتم أمرين بهما هلك الناس : المكيال والميزان.
ومن قال : إنه طغيان (٣) الحكم ، قال : طغيانه التحريف.
وقيل : فيه إضمار ، أي : وضع الميزان وأمركم ألا تطغوا فيه.
فإن قيل (٤) : العلم لا شك في كونه نعمة ، وأما الميزان فأي نعمة عظيمة فيه حتى يعد بسببها في الآلاء؟.
فالجواب : أن النفوس تأبى الغبن ، ولا يرضى أحد بأن يغلبه غيره ، ولو في الشيء اليسير ، ويرى أن ذلك استهانة به ، فلا يترك خصمه يغلبه ، ثم إن عند عدم المعيار الذي به تؤخذ الحقوق ، كل أحد يذهب إلى أن خصمه يغلبه ، فوضع الله ـ تعالى ـ معيارا بين به التّساوي ، ولا يقع به البغضاء بين الناس ، وهو الميزان ، فهو نعمة كاملة ، ولا ينظر إلى عدم ظهور نعمته وكثرته ، وسهولة الوصول إليه كالهواء والماء الذي لا يبين فضلهما إلّا عند فقدهما.
قوله : (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ).
أي : افعلوه مستقيما بالعدل.
وقال أبو الدرداء : أقيموا لسان الميزان بالقسط والعدل (٥).
وقال ابن عيينة : الإقامة باليد ، والقسط بالقلب.
وقال مجاهد : القسط : العدل بالرومية (٦).
وقيل : هو كقولك : أقام الصلاة ، أي : أتى بها في وقتها ، وأقام الناس أسواقهم ، أي : أتوا بها لوقتها ، أي : لا تدعوا التعامل بالوزن والعدل.
قوله : (وَلا تُخْسِرُوا).
العامة (٧) على ضم التاء وكسر السين ، من «أخسر» أي : نقص ، كقوله : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) [المطففين : ٣].
وقرأ زيد (٨) بن علي ، وبلال بن أبي بردة : بفتح التاء وكسر السين ، فيكون «فعل ،
__________________
(١) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٠١.
(٢) ذكره الطبري في «تفسيره» (١١ / ٥٥٧).
(٣) في ب : طغيانه.
(٤) ينظر : الرازي ٢٩ / ٨٠.
(٥) ينظر : القرطبي ١٧ / ١٠١ ، ١٠٢.
(٦) ذكره الماوردي (٥ / ٤٢٥) عن مجاهد.
(٧) ينظر : الدر المصون ٦ / ٢٣٧ ، والبحر المحيط ٨ / ١٨٨.
(٨) ينظر : الكشاف ٤ / ٤٤٤ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٢٢٥ ، والبحر المحيط ٨ / ١٨٨ ، والدر المصون ٦ / ٢٣٧.