بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

فيتوجّه عليه : بأن الحكم المذكور على تقدير ثبوته كما هو الشأن في جميع موارد ثبوته لا يصلح إلاّ بيانا للتكليف المجهول ؛ ضرورة كونه إرشاديّا صرفا لا يترتّب عليه إلاّ العقاب المحتمل على تقدير ثبوت الواقع في مورده ، ولا يكون حكما شرعيّا مولويّا ظاهريّا هذا.

مع أنّه على تقدير كونه قاعدة ظاهريّة يترتب عليه تنجز الخطاب بالنسبة إلى الواقع المحتمل في مورده قطعا ، سواء قلنا بالعقاب على مخالفة الأحكام الظاهريّة بالنظر إلى أنفسها ، أم لا ـ كما هو التحقيق عندنا ـ فلو تمّت عوقب على مخالفة الواقع الثابت في موردها قطعا سواء قلنا بالعقاب على مخالفتها بالنظر إلى نفسها أم لا.

فإذا كان مبنى منع ورود القاعدة على قاعدة القبح ما أفاده : من منع صلاحيّة كونها بيانا بالنسبة إلى الواقع ـ كما هو ظاهر ما أفاده بقوله : « فلا تصلح للورود على قاعدة القبح المذكور ، بل قاعدة القبح واردة عليها » (١) (٢) عقيب

__________________

إبطال قاعدة دفع الضرر ليتحقّق عدم البيان وإلاّ فإنّه بيان ظاهري كما عرفت.

وثانيا : أنّا نمنع توقّف تحقّق موضوع قاعدة دفع الضّرر أعني احتمال الضرر على إبطال قاعدة قبح العقاب بل نحكم بتحقق موضوعه حيث لا يكون الجهل بالضّرر عذرا في إدراك العقل.

توضيح ذلك يعرف من الشرح المذكور في التعليقيّة الآتية » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ١١٤.

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٥٧.

٥٢١

__________________

(٢) قال السيّد اليزدي توضيحا لما سبق وشرحا لهذا المقطع من عبارة المصنّف قدس‌سره :

« قد جعل المصنّف رحمه‌الله هذا الكلام تتمة لما أجاب عن الإعتراض من أنّ قاعدة دفع الضرر قاعدة ظاهريّة والأولى جعله جوابا مستقلاّ وهو حق الجواب. تقريره :

أنّا لا نحتمل الضرر في مورد مسألتنا بعد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان حتى يعارض بقاعدة دفع الضرر المحتمل لعدم موضوعه وهو احتمال الضّرر.

لا يقال : إنّ جريان كلّ من القاعدتين رافع لموضوع الأخرى ولا وجه لترجيح تقديم جريان القاعدة الأولى لارتفاع موضوع القاعدة الثانية فإنه ليس بأولى من العكس فالتعارض بعد بحاله.

لأنّا نقول : إن التعارض في الأحكام العقليّة غير معقول للزوم التناقض واقعا وإنّما يقع التعارض في الأحكام الشرعيّة بملاحظة أدلّتها المعهودة التي لا يتميّز عند العقل صحيحها من سقيمها وحقّها من باطلها ، فيتعارض فردان من الدليل الكذائي لتساويهما من حيث دليليّتها الظاهريّة وتصادقهما في موضوع واحد بحسب ما يظهر لنا من موضوع الدليلين وهذا بخلاف الأدلة العقليّة ؛ فإنّ موضوعاتها ممتازة لا يمكن صدق موضوع حكمين منها على أمر واحد كي يحصل التعارض ، بل المورد إمّا من مصاديق هذا الحكم دون ذاك أو من مصاديق ذاك دون هذا ، وما يتخيّل من التصادق كما فيما نحن فيه إنما هو بالنّظر الجلّي وأمّا بالنظر الدقيق فيعرف دخوله في أحدهما وخروجه عن الآخر.

ففيما نحن فيه نقول :

إن العقل بعد دقّة النظر يحكم بأن المشتبه بالشبهة البدويّة موضوع لحكمه بقبح العقاب عليه

٥٢٢

قوله : « فلو تمّت عوقب على مخالفتها » (١) ـ توجّه عليه المناقشة لا محالة هذا.

ولكنك خبير بفساد التوهّم المذكور ؛ فإن البيان الرافع لصغرى قاعدة القبح وإن كان أعمّ من البيان العقلي ولو كان ظاهريّا على ما ذكر في بيان التوهّم ، إلاّ أن قاعدة وجوب الدّفع لا تجري في المقام حتى نتكلّم في كونها بيانا ؛ لأنّ إجراءها يتوقّف على تحقّق موضوعها وهو احتمال العقاب مع قطع النّظر عن ملاحظة حكم العقل بوجوب الدفع ، واحتمال العقاب على مخالفة الحكم الإلهي الواقعي يتوقّف على أحد أمرين :

أحدهما : وجود البيان بالنسبة إليه ولو في مرحلة الظاهر.

ثانيهما : ترك الفحص عنه عند احتمال الوقوف عليه بالفحص.

وليس شيء منهما متحقّقا في محل البحث.

أمّا الثاني : فظاهر ؛ حيث إن المفروض الحكم بالترخيص بعد الفحص عن وجود الدليل على الحرمة.

__________________

لأنّه يجعل مثل هذا الجهل عذرا للمكلّف ، كما انه يحكم بأن المشتبه بالشبهة المحصورة موضوع لقاعدة دفع الضرر ؛ إذ لا يحكم بكون مثل هذا الجهل عذرا للمكلّف ، ولذا يحتمل الضّرر ويحكم بوجوب دفعه بما يتمكّن من الإحتياط » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ١١٧.

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٥٧.

٥٢٣

وأمّا الأوّل ؛ فلأن المفروض عدم وجود بيان من الخارج بالنسبة إلى التحريم المحتمل.

فينحصر الأمر في جعل نفس حكم العقل بوجوب الدفع بيانا وهو لا يصلح له جدّا بعد توقّفه عليه ، للزوم الدّور الظاهر ، فجعل القاعدة بيانا ورافعا لموضوع قاعدة القبح وواردة عليها دوريّ ، فيختصّ جريانها بموارد وجود البيان بالنسبة إلى الواقع ، كمواضع العلم الإجمالي بالتكليف المنجّز ، أو موارد احتمال العقاب من دون بيان ، كمواضع احتمال التكليف الإلزامي من دون فحص في موارد الشكّ في الحكم الكلي. ومن هنا اتّفقوا على وجوب النّظر في معجزة مدّعي النبوّة من حيث احتمال الضّرر في تركه.

فتبين ممّا ذكرنا كله : أن القاعدة لا تصلح مانعة من جريان قاعدة القبح والتمسّك بها في المقام ، وهذا البيان كما ترى ، تمام لا يحتاج إلى جعل قاعدة القبح واردة على قاعدة وجوب الدفع ، وإن كان الأمر كذلك في نفس الأمر ، من حيث إن عدم احتمال العقاب على الواقع المحتمل بعد الفحص في مظان وجوده واليأس عنه ، مستند إلى حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ولا يتوجّه عليه لزوم الدور أصلا ؛ حتى قيل بتعاكس الدورين مع امتناعه ؛ ضرورة أن عدم العلم بالتحريم لا يستند إلى حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان.

وهذا بخلاف احتمال العقاب ؛ فإنه لا بدّ أن يستند إلى حكم العقل بوجوب

٥٢٤

الدفع على تقدير إجرائه والاستناد إليه ، ويشهد لما ذكرنا ـ مع وضوح أمره ـ : أن توهّم : ورود القاعدة على قاعدة قبح العقاب من غير بيان ، يوجب رفع اليد عن القاعدة رأسا وعدم العمل بها في مورد من الموارد ، وهذا بخلاف العكس ؛ فإن موارد إعمال قاعدة وجوب الدفع على ما عرفته لا تحصى كثرة هذا.

وإن شئت قلت : إن كبرى القاعدتين عقلية قطعيّة يحكم العقل بها على سبيل البداهة والضرورة ، فكل مورد يحكم بعدم جريان إحداهما فلا بدّ أن يستند إلى عدم الموضوع والصغرى ؛ ضرورة امتناع طريان التخصيص في الأحكام العقلية ، وقد عرفت : عدم تحقق احتمال العقاب في المقام ومحلّ البحث.

نعم ، البيان الصّالح لرفع موضوع القاعدة : هو حكم الشارع بوجوب الاحتياط في موارد احتمال الحكم بالوجوب الظاهري الشرعي على ما ستقف على شرح القول فيه عن قريب.

وأمّا ما أفاده شيخنا قدس‌سره بقوله المتقدّم : « فلو تمّت عوقب على مخالفتها ... الى آخره » (١) فقد يوجّه : بأن المراد من تماميّتها بعد البناء على عدم صلاحيتها للبيان بالنسبة إلى الواقع المحتمل من حيث لزوم الدور المحال ، لا معنى لها إلاّ بجعلها حكما ظاهريّا وطلبا نفسيّا يعاقب على مخالفته من غير أن يكون بيانا بالنسبة إلى

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٥٧.

٥٢٥

الواقع ، مع أنّ هذا المعنى ممّا لا يمكن الالتزام به بالنسبة إلى القاعدة المبتنية على مجرّد الطلب العقلي الإرشادي ، فهذا القول في مقام الاعتراض وإلزام الخصم بما يكون ظاهر الفساد هذا.

وقد مضى شطر من الكلام فيما يتعلّق بالمقام في الجزء الأوّل من التعليقة عند الكلام على الاستدلال بحجيّة الظنّ بدفع الضرر المظنون (١) ولعلّه يأتي بعض الكلام فيه في الشبهة الموضوعية (٢).

(١١٥) قوله قدس‌سره : ( هذا كله إن أريد بـ « الضّرر » العقاب ، وإن أريد به مضرّة اخرى ... إلى آخره. ( ج ٢ / ٥٧ )

في منع استقلال العقل بلزوم دفع الضرر

المحتمل الدنيوي

أقول : قد عرفت في مطاوي كلماتنا السابقة : أن الأحكام الشرعيّة على مذهب العدليّة مبنيّة على الجهات الكامنة في أفعال المكلّفين من المصالح المفاسد بحيث لا تعلّق للعلم بالحكم في وجودها أصلا ، فاحتمال التحريم لا ينفكّ عن احتمال الضرر والمفسدة في الفعل ، كما أن الظنّ به ظنّ بها والعلم به علم بها سواء

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ١ / ١٨٣.

(٢) بحر الفوائد : ج ٢ / ٥٨.

٥٢٦

كانت دنيويّة أو دينيّة غير العقاب ، فوجود هذا الضرر كنفس الحكم الشرعي المعلول له مقدّم على العلم والبيان لا تعلّق له فيه أصلا ، فإن سلّم حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل الدنيوي ، ولو كان موهوما لم يصلح قاعدة القبح للورود عليه ، بل هو وارد عليها ورافع لموضوعها كما هو ظاهر.

والمستفاد من كلامه في المنع عن مزاحمة الحكم المذكور للقاعدة وجهان :

أحدهما : المنع من استقلال العقل في الحكم بلزوم دفع الضرر الدنيوي المحتمل ، كيف! ولو بني عليه لكان مشترك الورود في المقام بالبيان الذي ستقف عليه. مضافا إلى ورود النقض على الأخباري بالشبهة الوجوبية والموضوعيّة ، وإنّما المسلّم حكم العقل والشرع بقبح الإقدام على المضرّ الدنيوي وتحريم ارتكابه ، فالمحرّم هو مفهوم الإضرار ، وصدقه في مورد الشكّ في الحكم الشرعي مشكوك كالشكّ في صدق المسكر المعلوم الحرمة على المائع الخاصّ ، وفي الشبهة الموضوعيّة (١) لا يجب الاحتياط باعتراف الأخباريّين ، فليس هنا ما

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« فيه منع كون الشبهة من مثل هذه الجهة موضوعيّة ؛ إذ الملاك فيها ما كان المرجع فيها غير الشارع من المميّزات الخارجيّة ، ومن المعلوم انه لا طريق إلى المصالح والمفاسد التي تكون مناطات للأحكام الشرعيّة في غير ما استقل به العقل إلاّ البيان الشرعي لها أي الأحكام ؛ فإنه بيان لمناطاتها على نحو الإنّ أيضا ، سلّمنا لكن لا وجه للإعتراف بعدم وجوب الاحتياط

٥٢٧

__________________

فيها بمجرّد تسميتها شبهة موضوعيّة بحسب الإصطلاح لا من الأصوليّين ولا من الأخبارييّن وذلك لعدم ما هو منشأ الإعتراف به في غيرها من الشبهات الموضوعيّة ها هنا.

أمّا العقل فالمفروض حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل ، وأمّا النقل فمثل قوله عليه‌السلام : « كل شيء فيه حلال وحرام » فسيجيء منه قدس‌سره : أنه مختص بما اذا كان منشأ الإشتباه فيه وجود الحلال والحرام فعلا تحت الشيء وعدم ما يميّزانه من أيّ منهما ومن المعلوم انه ليس منشأ الإشتباه في المقام هو وجود القسمين ، كيف! ولو كان جميع الاشياء غيره معلوم الضّرر أو النّفع لكان هو على ما كان عليه من احتمال الضرر.

إن قلت : هبه لكن ما تقدّم من أدلّة البراءة يؤمننا من هذه المضرّة ، إمّا لكشفها عن عدم كون المفاسد الكامنة مضارّا فعليّه بحيث يترتب على فعل المكلّف مطلقا ولو مع جهله بحرمته ، بل يدور فعليّتها مدار فعليّة الحرمة وتنجّزها ، وإمّا لكشفها عن تدارك ما ربّما يقع فيه المكلّف من المضرّة وذلك حيث لا يجوّز الإذن في الإقتحام في المضرّة الفعليّة من دون تداركها وحينئذ فلا مجال لقاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل حيث لا إحتمال له مطلقا ، أو على نحو يجب التحرّز عنه فيكون بيانا لقاعدة « قبح العقاب بلا بيان » فتدبّر.

قلت : هذا إذا كان الإذن في الإقتحام في المضرّة الفعليّة مطلقا من دون تداركها قبيحا والمنع عنه بمكان من الإمكان فيما إذا كان هناك حكمة ومصلحة داعية إليه بحيث يقبح معها عدمه. فتخلّص بما ذكرنا : انه لا مجال للإستدلال للبراءة بقاعدة قبح العقاب بلا بيان إلاّ على مذهب الأشاعرة أو مذهب العدليّة إذا لم تكن المفاسد التي تدعوا إلى التحريم مضارّا فعليّة بحيث يجب التحرّز عنها وإن كانت علّة تامّة لإنشاء التحريم ولا يجدي في ذلك أخبار البراءة إلاّ

٥٢٨

يقتضي وجوب دفع الضرر المحتمل حتى يكون بيانا بالنسبة إلى الواقع ورافعا لموضوع قاعدة القبح. فالضرر وإن كان محتملا عند احتمال التحريم ، إلا أنه لا يجب دفعه.

ثانيهما : أن حكم العقل بلزوم دفع الضرر سواء كان أخرويّا أو دنيويا وسواء كان معلوما أو مظنونا أو مشكوكا أو موهوما على تقدير تسليم حكمه بالنسبة إلى جميع مراتب الضرر ، مقيد بعدم تداركه من جانب الشارع. كيف! وقد يؤذن في الإقدام على الضرر المعلوم ، بل يؤمر به ، فالواجب هو دفع الضرر الغير المتدارك ، ولما كان الإذن مع التدارك بالنسبة إلى الضرر الأخروي ممّا لا معنى له ، فكلما ثبت إذن من الشارع في فعل فلا محالة يكشف عن عدم الضرر الأخروي بالنسبة إليه.

__________________

على تقدير أن يكون الإذن في الإقتحام في محتمل الضّرر قبيحا بلا تدارك على تقدير الوقوع فيه ، وقد عرفت منعه ، او على تقدير عدم وجوب دفع الضّرر المحتمل عقلا وإلاّ فحكمه به يكون بيانا دائما للحجّة على التكليف المشكوك فيكون واردا على قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

هذا مع قطع النّظر عن أخبار البراءة ، وأمّا بملاحظتها فالعقاب على المشتبه مأمون لرخصة الشارع وإذنه في الإقتحام وإن وقع في المفسدة المحتملة التي حكم العقل بالتحرّز عنها ولولاه لجوّز العقاب عليها لو وقع فيها ، وينبغي التأمّل التام في المقام » إنتهى.

أنظر درر الفوائد : ٢٠٥.

٥٢٩

وأمّا الضرر الدّنيوي فلما كان مجامعا للتدارك ، فكلّما ورد إذن من الشارع في مورده فيكشف عن التدارك بالنسبة إليه ، فيرتفع موضوع حكم العقل بوجوب الدفع ، ولو باعتبار قيده. فإذا حكم الشارع بإباحة ما لم يعلم حرمته فيكشف منه تدارك المفسدة فيه على تقدير حرمته في نفس الأمر.

هذا بعض الكلام فيما يتعلّق بالمقام ، وقد أسمعناك شرحه في الجزء الأوّل من التعليقة (١).

ولكنّ الجواب عن عدم ورود حكم العقل في باب الضرر الدنيوي على قاعدة القبح : هو الوجه الأول حقيقة ، وأمّا الوجه الثاني ؛ فيتوقّف على التمسّك بذيل الدليل النقلي على البراءة ، ومعه لا حاجة إلى التمسّك بقاعدة القبح وبدونه يكون حكم العقل واردا عليها كما لا يخفى.

(١١٦) قوله : ( والظاهر أن المراد به ما لا يطاق الامتثال به ) (٢) (٣). ( ج ٢ / ٥٨ )

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ١ / ١٨٣.

(٢) أقول : للسيّد المجدّد الشيرازي ١ ها هنا تعليقه مفصّلة تستحق المراجعة إليها نقتطف منها ما يلي :« مراده بما لا يطاق بقرينة ما ذكره شيخنا ١ هو ما لا يطاق الامتثال به فيكون حاصل كلامه :أن التكليف بالمعنى المذكور ـ بأمر لا طريق للمكلف إلى العلم بتعلّق التكليف به ـ تكليف بما لا يطاق الإمتثال به وهو قبيح فيكون التكليف المذكور قبيحا وإنّما لم يحتج على بطلان

٥٣٠

__________________

ذلك إتكالا على وضوحه.

ووجه استدلاله بذلك على مسألة البراءة : انه لو كان التكليف المشكوك فيه في الواقع منجزّا على المكلّف وموجبا للزوم الإتيان به بطريق الإحتياط لكان ذلك التكليف تكليفا بما لا طريق إلى العلم به وهو قبيح ؛ لكونه تكليفا بما لا يطاق الإتيان به فيكون باطلا ، فيكون المقدّم مثله فحينئذ لا شيء يقتضي وجوب الإحتياط في مورد الشك في التكليف.

إلى أن قال :

وشيخنا الأستاذ قدس‌سره لمّا رأى عدم تماميّة هذا المقدار الذي ذكره السيّد قدس‌سره على إثبات أصالة البراءة فأكمله بقوله : [ واحتمال كون الغرض من التكليف ... ] فقوله : ( ذلك ... إلى آخره ) تتميم لذلك الدليل ».

إلى آخر ما ذكره السيّد المجدّد وعليك بمراجعته. أنظر تقريرات المجدد الشيرازي قدس‌سره :ج ٤ / ٥٦ ـ ٦٠. أقول : وأنظر أيضا قلائد الفرائد : ج ١ / ٣٤٨ ـ ٣٥٢.

(٣) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« وذلك حيث انه لا يعقل أن يكون التكليف المجهول باعثا وداعيا إلى المأمور به وزجرا ومانعا عن المنهيّ عنه ، ومجرّد الفعل أو الترك بدون أن يكون الأمر أو النهي داعيا أو زاجرا لا يكاد أن يكون إمتثالا مع أن الغرض من التكليف مطلقا ولو توصّليّا هو الإمتثال بحيث لو لم يكن للمكلّف من قبل نفسه بعث أو زجر صار هو باعثه أو زاجره ولا ينافي ذلك سقوط التكليف في التوصّليّات بمجرّد الفعل أو الترك كما لا يخفى.

وبالجملة : لمّا كان الغرض من التكليف هو الإمتثال ولا يكاد يترتّب عليه بدون العلم به كان

٥٣١

__________________

وجوده بدونه كعدمه ، فلا يجوز أن يؤاخذ عليه ما لم يعلم به فافهم » إنتهى.

أنظر درر الفوائد : ٢٠٧.

وعلّق عليه الشيخ رحمة الله قائلا :

« أقول : يمكن أن يقال في مسألة البراءة : أن المطلوب بالنّهي هو نفس أن لا تفعل كما هو التحقيق دون الكف ، فالمطلوب يحصل بمجرّد الترك من غير اعتبار أمر زائد سواء قلنا امتثال النّهي هو هذا أم قلنا بسقوط التكليف بدونه وإن توقّف الثواب عليه فافهم » إنتهى.

الفرائد المحشّى : ٢٠٤.

* قال المحقق الفقيه آغا رضا الهمداني قدس‌سره :

« أقول : هذا التفسير لا يخلو من إجمال.

وتوضيحه : إنه يمتنع أن يلتزم المكلف بفعل ليس له طريق من عقل أو نقل يرشده إلى لزومه ، فإلزام المكلّف بالخروج عن عهدة ذلك الفعل الذي لم يعلم لزومه عليه تكليف بغير المقدور ومؤاخذته على ترك امتثال الأمر الواقعي الذي لم يعلمه قبيح فإنه ما لم يعلم بمطلوبيّة الفعل لا يعقل أن يدعوه طلبه الواقعي المتعلّق به إلى العمل فلا يكون بعنوان إيجاده بقصد إمتثال ذلك الطلب فعلا إختياريا له.

نعم متى إحتمل كونه مطلوبا في الواقع ربّما يبعثه الإحتمال على الخروج عن عهدة الأمر المحتمل فيأتي بالفعل برجاء المطلوبيّة فيصحّ عبادة ولكن لا يصدق عليه إسم الإطاعة ولا يحسن مؤاخذته على ترك الإعتناء بهذا الإحتمال ما لم يكن دليل عقلي أو نقلي يدل على لزوم رعايته.

٥٣٢

توجيه لكلام السيّد أبي المكارم في الغنية (١)

__________________

والحاصل : انّ التزام المكلّف بالخروج عن عهدة تكليف موقوف على أن يعرف ذلك التكليف أو يدل دليل عقلي أو نقلي على أنّه متى احتمله يجب عليه الإعتناء بذلك الإحتمال فيكون تكليفه في مقام العمل حينئذ هو الإحتياط ، لا بمعنى أن الإحتياط من حيث هو مطلوب نفسي كي يترتّب المؤاخذة على مخالفة من حيث هو ـ كما يظهر من عبارة المصنّف ; في هذا المقام ـ بل المقصود بالأمر بالإحتياط تنجيز التكليف بالواقعيّات المجهولة ، والتحرّز عن مخالفتها فيكون الإحتياط وجها من وجوه الواقعيّات التي عرف وجوبها بهذا الوجه وإن لم يميّزها عمّا عداها من المشبّهات ولا يقدح ذلك في جواز المؤاخذة على مخالفتها بعد قيام الدليل على وجوب مراعاة الإحتمال ووجوب الإحتياط في كلّ محتمل التكليف من باب المقدمة العلميّة كما هو المفروض.

فتخلّص ممّا ذكر : إن التكليف واقعيّا كان أو ظاهريّا ، لا بد في تنجّزه على المكلّف من أن ينتهي إلى العلم وإلاّ فلا يعقل الإلتزام بإطاعته فليتأمّل » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ١٦٤.

(١) قال السيّد المحقّق اليزدي قدس‌سره :

« يمكن أن يكون كلامه [ أي : صاحب الغنية ] هذا ناظرا إلى خصوص الجاهل الغافل ، وعليه لم يستدل بالدليل المذكور على البراءة المتنازع فيها ، ويمكن أن يكون ناظرا إلى الأعمّ منه ومن الجاهل الملتفت الذي نتكلّم عليه.

وكيف كان : يمكن الإستدلال به كما هو صريح بعض من تأخّر على التقريب المذكور في المتن » إنتهى. انظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ١٢١.

٥٣٣

أقول : لا يخفى عليك : أنّ توجيه كلامهم بما أفاده ، وتنزيله عليه مع الغضّ عمّا يتوجه عليه كما ستقف عليه ، موجب لتخصيص محل كلامهم بما يعتبر في صحّته سقوط الأمر المتعلّق به الامتثال والإطاعة ؛ ضرورة عدم جريان التوجيه المذكور في التوصّليات الّتي لا يطلب فيها إلا نفس الفعل ، فيخرج غالب صور محل البحث عنه ، بل كثير من صور الشّكّ في الحكم الشرعيّ عنه ، حتّى الشبهة الوجوبيّة ؛ فإن محلّ الكلام في مسائل هذه المباحث لا يختصّ بالتعبّديات. كيف! ولم يجدوا مثالا للحرام التعبّدي في الشرعيّات ، مع أنّه لا معنى لتخصيص البحث بالتعبّدي كما هو ظاهر.

فقد ظهر ممّا ذكرنا : ما يتوجّه على الشقّ الأوّل من وجهي المناقشة في التوجيه المذكور ؛ فإنه لو كان التكليف المحتمل من التعبّديات على تقدير ثبوته لم يحتمل كون الغرض منه مجرّد صدور الفعل ، ولو بدون قصد الإطاعة رأسا وإن كان توصّليا على تقدير ثبوته لم يكن الغرض منه إلاّ ذلك ، فالاحتمال المذكور ساقط على كل تقدير.

وفرض الكلام فيما تردّد أمره بين التوصّلي والتعبّدي على تقدير ثبوته ، فيحمل كون الغرض منه مجرد صدور الفعل ؛ نظرا إلى احتمال كونه توصّليّا كما ترى ؛ إذ هو موجب لتخصيص محل البحث بفرد نادر على تقدير وقوعه فتدبّر.

وأمّا الشقّ الثاني والوجه الآخر منهما ، وهو : كون الغرض من التكليف

٥٣٤

العمل بمقتضاه وتحصيل متعلّقه في الخارج بداعي احتمال كونه مطلوبا مع الشّك فيه ، فلا يتوجّه عليه شيء عند التأمّل.

فإن غاية ما يرد عليه : ما أفاده شيخنا الأستاذ العلامة بقوله ـ في دفع الاحتمال المذكور وإفساده ـ : « بأنه إن قام دليل على وجوب إتيان الشاك في التكليف بالفعل لاحتمال المطلوب عليه ، أغنى ذلك عن التكليف بنفس الفعل ، وإلاّ لم ينفع التكليف المشكوك في تحصيل الغرض المذكور ... إلى آخر ما أفاده » (١).

وهو كما ترى ، فإنه يتوجّه عليه ـ على تقدير قيام الدليل على وجوب الإتيان ، أو الترك لاحتمال الوجوب أو التحريم الواقعيّين بحيث يجعل الداعي احتمال التكليف ، مثل ما دلّ على وجوب الاحتياط على تقدير القول بدلالته عليه ـ : أنه كيف يغني ذلك عن التكليف الواقعي؟ مع أنه يترتّب عليه آثار وثمرات غير ما يترتّب على مجرّد الحكم الظاهري.

بل التحقيق : استحالة إغنائه عنه وعدم إمكانه مع كونه متفرّعا عليه ، كما هو الشأن في جميع الأحكام الظاهريّة بالنسبة إلى الأحكام الواقعيّة الثابتة في مواردها ؛ فإنه لا معنى لالتزام تأثير الحكم الظاهري في رفع الحكم الواقعي الثابت في مورده من غير فرق بين وجوب الاحتياط وغيره من الأحكام الظاهريّة ، وعلى تقدير عدم قيام الدليل عليه في محل البحث كما هو الحقّ عندنا مع احتماله ،

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٥٨.

٥٣٥

يحكم بعدم وجوب العمل بمقتضى التكليف المحتمل ؛ من حيث قبح العقاب من غير بيان ، لا من حيث قبح التكليف بما لا يطاق.

كيف! ولا إشكال في حسن الاحتياط ورجحانه ، ولا خلاف من أحد فيه ، والأخبار المتضافرة ناطقة به ، مضافا إلى دلالة الكتاب والعقل عليه ، مع أنه لا فرق في قبح التكليف بما لا يطاق بين التكليف الوجوبي والاستحبابي اتفاقا ، فيكشف ذلك عن بطلان الاستناد في المقام إلى قاعدة قبح التكليف بما لا يطاق.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر : أن ما أفاده بعد القول المتقدّم بقوله : « والحاصل : أن التكليف المجهول ... الى آخره » (١) لا محصّل له ؛ حيث إن المستند للقضية المذكورة ؛ يعني عدم صلاحية التكليف المشكوك لحمل المكلف بالعمل بمقتضاه إنما هو ما ارتكز في العقل من قبح العقاب من غير بيان ، أو ما دلّ من النقل على البراءة في مورد البحث. وأين هذا من قبح التكليف بما لا يطاق؟

والحاصل : أنه إن كان المراد من عدم إمكان الامتثال في موارد الشك في التكليف ، عدم إمكان الإتيان بالفعل بداعي الأمر المحقّق بحيث يقصد من الفعل امتثاله ، فهو أمر مسلّم لا نزاع فيه أصلا ، إلاّ أنّ أحدا لم يتوهّم القول بوجوب الفعل أو الترك في محل البحث بهذا العنوان.

وإن كان المراد منه عدم إمكان الامتثال رأسا وبالنسبة إلى جميع مراتبه

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٥٨.

٥٣٦

حتّى الاحتمالي منها ، فهو ممنوع جدّا. كيف! والوجدان يشهد بخلافه.

وإن كان المراد أن التكليف الواقعي المحتمل لا يدلّ على وجوب الإتيان بالفعل بداعي احتمال المطلوبيّة ، فيتوجّه عليه : أنّ أحدا لم يدّع ذلك ، كيف! والتكليف المعلوم لا يقتضي ذلك ولا يدلّ عليه ؛ ضرورة أن وجوب الامتثال وإطاعة الأحكام الشرعيّة متأخّر عن الحكم الشرعي ومتفرّع عليه ، فلا يعقل دلالة إنشاء الحكم عليه. ومن قال بوجوب الاحتياط لم يقل به من جهة دلالة نفس التكليف المحتمل عليه ، مع أنه على تقدير كون وجوب الامتثال من مداليل إنشاء الحكم والغضّ عن عدم إمكانه لا يمكن القول به مع الشك فيه ؛ ضرورة قضيّة تبعيّة المدلول للدّليل الشكّ فيه مع الشكّ في الدّليل ، لا الجزم به مع الشك فيه ، هذا كلّه.

مضافا إلى أن اللازم من التوجيه المذكور الالتزام بسقوط الاحتياط رأسا حتى فيما قام الإجماع عليه ؛ فإن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص بإجماع وغيره وقيام الدليل على وجوبه لا يخرجه عن حقيقته ، فهذه مفسدة أخرى لما أفاده من التوجيه.

فقد تبيّن ممّا ذكرنا كلّه : أن ما أفاده السيّد ومن تبعه من الاستدلال على حكم المقام لا محصّل له عند التأمّل ، فيغلب على الظنّ كون مراد السيّد قدس‌سره مما ذكره ، نفي التكليف عن الغافل بقرينة ذكر ذلك في دليل اشتراط العلم للتكليف ، في قبال الغفلة عن التكليف رأسا فتأمّل.

٥٣٧

(١١٧) قوله قدس‌سره : ( واعلم : أن هذا الدليل العقلي كبعض ... الى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٥٩ )

__________________

(١) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« لا يخفى انه قد توهم العبارة خلاف المقصود وهو أن موضوع قاعدة قبح العقاب على تكليف من دون بيان مقيّد بعدم وجوب الاحتياط حتى بالنسبة إلى التكاليف الواقعيّة المجهولة بحيث لو فرض وجوبه بفرض تماميّة أدلته فلا يبقى لهذه القاعدة مطلقا موضوع فيكون الإحتياط واردا على هذه القاعدة مطلقا. والموهم لذلك هو قوله قدس‌سره : ( انما هو إطلاق القول بكون تلك القاعدة معلّقة على عدم وجوب الإحتياط ) فإنه ظاهر فيما ذكر ، مع انه خلاف المقصود.

مضافا إلى فساده في نفسه حيث إنّ وجوب الإحتياط كيف يعقل كونه بيانا للتكاليف الواقعيّة المجهولة؟ بل إنّما هو بيان لحكم موضوع نفسه وهو مشكوك الحكم مثلا ، فلا يعقل ارتفاع موضوع تلك القاعدة بالنسبة إلى التكاليف الواقعيّة المجهولة مع وجوبه ، ولا يقول به الأخباريّون أيضا ، بل المقصود كونها معلّقة بالنسبة إلى هذا التكليف الظاهري الخاص وهو الإحتياط على عدم تماميّة أدلة وجوبه بحيث لو ثبت منها وجوبه لم يبق لتلك القاعدة موضوع بالنسبة إلى هذا الحكم الظاهري المشكوك فيه قبل ؛ فإنّ القاعدة المذكورة جارية في مطلق التكليف المجهول سواء كان واقعيّا أو ظاهريّا وارتفاع موضوعها عن واحد منها إنّما هو ببيان نفس ذلك الواحد.

وبالجملة : لمّا كان النّزاع في المقام ـ أعني : الشبهة التحريميّة ـ في وجوب الإحتياط وعدمه فالقاعدة تنفي العقاب عن التكليف بالاحتياط مع احتماله ، وتثبت البراءة ما لم يثبت وجوب الإحتياط بأدلته ، فإذا وجب ارتفع موضوعها عن الإحتياط لمعلوميّة حكمه حينئذ فتنتفي أصالة البراءة الثابتة بها » إنتهى. أنظر تقريرات المجدد الشيرازي : ج ٤ / ٦٠.

٥٣٨

أقول : لا إشكال فيما أفاده : من كون الدليل المذكور بمنزلة الأصل في المسألة كبعض ما دلّ على البراءة من الأدلّة النقلية المتقدّمة بالنسبة إلى جميع ما يفرض من الأخبار الدالة على وجوب الاحتياط بالوجوب الظاهري الشرعي في محتمل التحريم ، إلاّ أنّه مجرّد فرض غير واقع ، لما ستقف عليه من عدم دلالة خبر من الأخبار على هذا المعنى.

(١١٨) قوله قدس‌سره : ( وفيه : أن الاستدلال به مبنيّ ... الى آخره ) (١) (٢). ( ج ٢ / ٥٩ )

__________________

(١) أقول : وأنظر قلائد الفرئد : ج ١ / ٣٥٣.

(٢) قال المحقق المؤسس الطهراني قدس‌سره :

« زعم الأستاذ قدس‌سره : أن قبح العقاب من غير بيان دليل مستقل وأنّ الإستصحاب في المقام مثبت حيث أنّ استحقاق العقاب ليس أثرا شرعيّا مجعولا وإنّما هو أثر عقلي للعصيان ».

وفيه : أن الأصل لا يترتّب عليه إلاّ الإعذار وقطع العذر ، والتعبير بالوجوب والحرمة وغيرهما مرجعه إلى ذلك ؛ فإنّ الحكم الظاهري لا حقيقة له سوى ذلك كما حقّقناه في مواضع عديدة ، ألا ترى أنّ المستصحب اذا كان نفس الحكم فلا يعقل أن يترتّب عليه أثر شرعي ، وإثبات الحكم المماثل لا معنى له إلاّ الإعذار أو قطع العذر في الإمتثال؟

فظهر أنّ ما زعمه : من أنّ الاستصحاب في المقام لا يتم الا بانضمام قبح العقاب بلا بيان فاسد وأنّ الأمر بالعكس.

كما أنّ ما توهّم : أنّ حجّيّة الاستصحاب من باب الظنّ عند السلف وأنّ جماعة بنوا على حجّيّة الأصل المثبت وأنّ الأخبار تدلّ على حجّيّته تعبّدا ، فاسد. وقد أوضحناه في محلّه : انه

٥٣٩

في الاعتراض على المستدل بالاستصحاب على البراءة

أقول : الاستدلال بالاستصحاب في المقام سواء قيل به : من باب الظنّ ، أو التعبّد ، مبنيّ على الإغماض ممّا عرفت : من الأدلّة النقلية والعقليّة على البراءة ، أو عدم تماميّتها عند المستدلّ بالاستصحاب ، وإلاّ فلا معنى للاستدلال به في المقام حتى على القول باعتباره من باب الظنّ ، وإثباته جميع ما لا ينفكّ من المستصحب من اللوازم والمقارنات ، لما عرفت إجمالا وستعرف تفصيلا في باب الاستصحاب إن شاء الله تعالى : من اختصاص جريانه بما ترتّب الأثر المقصود إتيانه

__________________

عند الجميع أصل عقلائي وأنّ المثبت ليس ما زعمه وإنّما المقصود في هذا المقام بيان أنّ أصل البراءة ليس إلاّ إستصحاب حال العقل وأن الدّليل المعروف محصّله الرّكون إلى الإستصحاب وقبح العقاب إنّما هو من جهة وجود رافع الإستحقاق وقبح عقاب المعذور من أبده البديهيّات ، بل لا معنى للإستناد إليه ؛ فإن المقصود إنّما هو بيان جريان الأصل وأنّ الجاهل معذور ، وأمّا قبح فعليّة العقاب كعدم قبحه فيما إذا كان التكليف مستصحبا فلا يتعلّق بهما غرض في هذا الفن فكما يقبح قولك فيما كان الأصل بقاء التكليف انّ الدليل على وجوب الاحتياط عدم قبح العقاب على تقدير المصادفة فكذا في المقام فإنّ الأمن من العقاب والتحذير منه إنّما يتعلّق بهما الغرض في المواعظ لا في الفنون » إنتهى.

أنظر محجة العلماء : ج ٢ / ١١.

* أقول : وأنظر أجود التقريرات : ج ٣ / ٣٢٩. ومقالات الأصول : ج ٢ / ١٧٧ ، ونهاية الافكار : ج ٣ / ٢٣٨.

٥٤٠