بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

العقل في باب دفع الضرر المحتمل كما ستقف على تفصيل القول فيه. فلا بد من حملها على ما لا يجري فيه دليل البراءة من صور العلم الإجمالي ، فلا بد أن يكون مراده قدس‌سره من تماميّة أدلّة الاحتياط ودلالتها هو المعنى الأوّل.

الشبهة التحريميّة أدلّة البراءة / السنّة

(١٠٢) قوله قدس‌سره : ( فإن حرمة شرب التتن ـ مثلا ـ ممّا لا يعلمون ، فهي مرفوعة عنهم ومعنى رفعها ـ كرفع الخطأ والنسيان ـ ... ). ( ج ٢ / ٢٨ )

دلالة ( ما لا يعلمون ) على البراءة فيما لا نص فيه

أقول : ما أفاده في تقريب دلالة الصحيحة (١) على المدّعى ، يتم على أحد وجهين :

أحدهما : أن يريد من الموصول في ( ما لا يعلمون ) خصوص الحكم المجهول.

ثانيهما : أن يريد منه المعنى الأعمّ من فعل المكلّف ـ الذي هو الموضوع ـ

__________________

(١) أقول : ليست الرّواية بتلك المثابة من الصحّة فما عن بعضهم : من ان الحديث صحيح ـ رجاله كلّهم ثقات أمّا احمد العطّار فهو وإن لم يوثّق صريحا في كلمات الرجاليّين المتقدمين لكنّه من مشائخ الصّدوق في عداد ابن الوليد وهو أيضا لم يوثّق ... إلى ما آخر ذكره ـ غير تام إذ لا أحد من مشائخ الصّدوق في عداد ابن الوليد رحمه‌الله كيف وأنّى وهو ابن بجدتها وسابق حلبتها وأمّا احمد بن محمد بن يحيى العطّار فليس بتلك المنزلة ، على أن الخبر لا يخلو من إشكال من جهتين : إحداهما : احتمال الإرسال من جهة حريز. والأخرى : اختلاف المتون المذكورة.

٤٢١

ومن الحكم ـ بناء على جواز إرادتهما معا ـ.

وعلى الأول : يختصّ بالشبهات الحكمية ، وعلى الثاني : يعمّها والشبهات الموضوعيّة ، كما أنه على تقدير إرادة خصوص الموضوع يختصّ بالشبهات الموضوعيّة ، ولا يجوز الاستدلال بها على المدّعى.

كما أنه مبني على أحد الوجهين في المقدّر :

أحدهما : جميع الآثار.

ثانيهما : المؤاخذة من حيث كونها الأثر المناسب على البيان الذي ستقف عليه ونتعرّض له بعد ذلك.

فلا ينافي تقدير ما يقتضي المؤاخذة كإيجاب الاحتياط ونحوه ؛ من حيث كونها أمرا غير شرعيّ هذا.

ولكن قد يتوهّم : أن تقريب الدّلالة لا يتوقّف على تقدير بالنّسبة إلى قوله :( ما لا يعلمون ) (١) (٢) بعد إرادة الحكم من الموصول ؛ فإن تقدير جميع الآثار أو

__________________

(١) التوحيد : ٣٥٣ « بيانه في مشيئة الله » ـ ح ٢٤ ، والخصال : ٤١٧ باب « النهي عن تسعة أشياء » ـ ح ٩ ، عنهما وسائل الشيعة : ج ١٥ / ٣٦٩ باب « جملة مما عفي عنه » ـ ح ١.

(٢) قال الشيخ غلام رضا القمّي في قلائد الفرائد : ( ج ١ / ٣٠٧ ) :

« انّه لا بد من باب دلالة الإقتضاء من تقدير شيء فيه ؛ لانّ هذه الأشياء بأنفسها لم ترفع عن

٤٢٢

خصوص المؤاخذة بالنسبة إلى أخواته من فقرات الرّواية ، إنّما هو من جهة دلالة الاقتضاء ولزوم الكذب على تقدير حملها على ظواهرها وهذا المحظور غير متوجّه بالنسبة إلى قوله : ( ما لا يعلمون ) على هذا الفرض ؛ لأن رفع الحكم الشرعي كإثباته شرعا باختيار الشارع وجعله ، فلا يلزم هناك كذب على تقدير إرادة

__________________

هذه الأمّة بالحس والعيان ومحتملات هذا المقدّر أمور ثلاثة :

أحدها : جميع الآثار.

والثاني : هو المؤاخذة في الجميع.

والثالث : ما هو الأثر المناسب في كلّ منها.

وعلى التقادير يتمّ الإستدلال.

أمّا على الاوّلين فواضح. وأمّا على الأخير ، فلأنّ موضوع الإستدلال هو ( ما لا يعلمون ) والأثر المناسب له هو المؤاخذة.

قد يقال : إنّ إرادة الحكم فيما لا يعلمون امر ممكن فلا موجب للتصرّف في ظاهره ، وهذا بخلاف أخواته ؛ فإن نسبة الرّفع اليها كما عرفت غير ممكن ، فلا بدّ من إرتكاب خلاف الظاهر فيها.

وفيه : انّه إن اريد من صلاحيّة نسبة الرّفع إلى الحكم المجهول صلاحيّتها بالنسبة إلى الحكم الثاني فهو فاسد ؛ لأنّه مستلزم للدّور.

مضافا إلى انّه إن كان موجودا فلا يرتفع بالجهل به ، وإن كان معدوما فليس بثابت حتّى يرتفع.

وإن أريد الحكم الفعلي ، فمعلوم أنّ الحكم الفعلي ليس في قبال الحكم الثاني وإنّما هو عينه ، وتسميته بالفعلي إنّما هو من جهة ترتّب المؤاخذة على مخالفته فيرجع إلى رفع المؤاخذة.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ منشأ الأثر اذا كان قابلا للإرتفاع فهو أولى بالرّفع من أثره هذا » إنتهى.

٤٢٣

الظاهر منه. ومجرّد إرادة الخلاف من أخواته بالقرينة العقليّة الصارفة لا يوجب إرادته منه ؛ إذ ليس فيه إلاّ التفكيك في السّياق ، ولا يقاوم ظهوره على تقدير اعتباره وكونه لفظيا ، الظهور المذكور هذا.

ولكنك خبير بفساد التوهّم المذكور ؛ لأن المراد من رفع الحكم إن كان رفعه بحسب الواقع بحيث يكون الحكم الواقعي الثاني مرفوعا عن الجاهل ومختصا بالعالم به ، فهو مناف لنفس الرواية.

مضافا إلى استلزامه للدّور والتصويب ونحوهما من المحذورات. وإن كان رفعه بحسب الظاهر والفعليّة والتنجّز ، فهو راجع إلى ما ذكره لا محالة ؛ لما أسمعناك مرارا عند الكلام في بيان حقيقة الحكم وأقسامه : أن التنجّز والفعليّة من مراتب الحكم الواقعي بالنّظر إلى استحقاق المؤاخذة عليه ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى رفع المؤاخذة وإيجاب الاحتياط المقتضي لها كما لا يخفى.

٤٢٤

(١٠٣) قوله قدس‌سره : ( ويمكن أن يورد عليه : بأن الظاهر من الموصول فيما لا يعلمون ... الى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٢٨ )

__________________

(١) قال الفاضل الكرماني قدس‌سره :

« وفيه ـ مع تسليم كون ما ذكر قرينة على ذلك ـ : ان الفعل وهو الشرب معلوم ، إنّما المجهول هو موضوعه وما تعلّق به ووقع عليه والجهل به تارة باعتبار حقيقته بحيث لو علمت كان وصفه معلوما كالمائع المردّد بين كونه خمرا أو خلاّ ؛ فإنّ الجهل هنا باعتبار حقيقة هذا المائع بحيث لو ارتفع الجهل بها وعلم كونه خمرا علم وصفه وهو كونه خمرا حراما أو علم كونه خلاّ علم كونه خلاّ حلالا. وتارة باعتبار وصفه مع العلم بحقيقته كالتتن ؛ فإن حقيقته وذاته غير مجهولة إنما الجهل باعتبار وصفه وهو أنّ هذه الحقيقة المعلومة هل هي متّصفة بحلّيّة الشرب أو حرمته والفعل الغير المعلوم الذي فرضه المصنّف موضوعا مجهول بالإعتبارين الشبهة الموضوعيّة والحكميّة والتخصيص بالشبهة الموضوعيّة دون الحكميّة لا وجه له ، فإذا كان مصداق الموصول هو ارتكاب ما جهل حقيقته أو حكمه مع تبيّن حقيقته فيكون المعنى رفع المؤاخذة على هذا الإرتكاب لو صادف حراما واقعيّا سواء كانت تلك المصادفة في ارتكاب مجهول الحقيقة أو الحكم.

وأمّا إذا كان المراد من الموصول هو نفس الأمر المجهول الحقيقة أو الحرمة ، فلا معنى لتعلّق المؤاخذة به بدون ملاحظة معنى الارتكاب ونحوه مطلقا ، فكما لا معنى للمؤاخذة على نفس الحرام المجهول أو الحرمة ـ كما عبّر المصنّف ـ لا معنى للمؤاخذة على نفس الخمر المجهولة ، فما وقع من المصنّف من التفرقة بين الأمرين وصحّة تعلّق المؤاخذة بالثاني دون الأوّل لا وجه له ، فإن لم يلائم عموم الموصول للحكم بناء على ان المقدّر المؤاخذة على

٤٢٥

الوجوه المحتملة في حديث ( ما لا يعلمون )

أقول : توضيح ما أفاده من اختصاص الموصول بالشبهات الموضوعيّة وعدم شمول الحديث الشريف للشبهات الحكمية وبيان الوجه في شموله لها وتنقيح القول في ذلك يحتاج إلى شرح الكلام في محتملات الرّواية ووجوه معانيها.

فنقول : إنه لا إشكال في عدم جواز إرادة الظاهر من نسبة الرّفع إلى التسعة من حيث لزوم الكذب على الشارع بعد فرض وجود التسعة بالوجدان في هذه الأمة ، فلا بد أن يكون المراد بمقتضى العقل بالنظر إلى دلالة الاقتضاء خلاف الظاهر منها ، إمّا بالمجاز في الكلمة ، أو الحذف والتقدير ، أو التصرّف في النسبة (١).

__________________

نفس هذه المذكورات لم يلائم شموله للموضوع أيضا بهذا الإعتبار ، بل لا يصح ، واذا صحّ في الثاني بملاحظة معنى ما يجعله ملائما من الإرتكاب ونحوه صحّ في الأوّل أيضا.

وكيف كان : منع شمول الخبر للشبهة الحكميّة بما ذكر شبهة غير نقيّة » إنتهى.

أنظر الفرائد المحشّى : ١٩٥.

أقول : وانظر قلائد الفرائد : ج ١ / ٣٠٨ فانّه لا يخلو من فائدة وإن كان الذي جاء في البحر ما عليه من مزيد.

(١) قال المحقق النائيني قدس‌سره :

٤٢٦

والأمر العقلي : بأن يريد من نسبة الرّفع إليها رفع غيرها مما يأتي من الوجوه ، كما هو الشأن في أمثال ذلك كنسبة النقض إلى المتيقّن في الأخبار الواردة في عدم

__________________

« ربّما يتوهّم : أنّ رفع الخطأ وغيره حيث لا يمكن حقيقة فلا بد من التقدير من باب دلالة الإقتضاء ، وقد اختلف في بحث دلالة الإقتضاء في أنّ المقدّر إذا دار أمره بين الخصوص أو العموم ، أو الأخذ بأظهر الخواص أو الحكم بالإجمال وعليه : فيقع النّزاع في أنّ المقدّر في المقام ما هو؟ فهل هو خصوص العقاب أو تمام الآثار ، أو أظهرها ، أو يحكم بالإجمال؟

ولكنّه لا يخفى فساد هذا التوهّم ؛ فإنّه يبتني على كون المراد من الرّفع هو الرّفع الخارجي حتى تتوقّف صحّة الكلام على التقدير ، وأمّا اذا كان المراد منه الرفع في عالم التشريع فلا يحتاج إلى تقدير شيء أصلا » إنتهى. أجود التقريرات : ج ٣ / ٢٩٦.

وقال أيضا « الغرض في المقام مجرّد بيان أنّ دلالة الإقتضاء لا تقتضي تقديرا في الكلام حتى يبحث عمّا هو المقدّر » إنتهى. أنظر فوائد الأصول : ج ٣ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

* وعلّق المحقق العراقي قدس‌سره على كلام النائيني المزبور قائلا :

« يا ليت أمثال هذه البيانات بتوقيع أو وحي! إذ لو كان المراد من الرفع التشريعي تشريع رفع هذه الأمور حقيقة فهو غلط ، وإن كان الغرض جعل الشارع رفعها تنزيلا فهو يناسب مع الإخباريّة أيضا وإن كان الغرص عدم جعلها في موارد أحكامه وتشريعاته فهو رفع حقيقي لهذه الأمور في دائرة أحكامه لا مطلقا ، فلا يخرج هذا الرّفع أيضا عن التكوين غايته في مورد خاص إذ مرجع هذا المعنى إلى رفع الخطأ حقيقة في الشرعيّات وهكذا ، فهو عين الرفع الحقيقي لها غاية الأمر لا مطلقا وهذا المعنى أيضا قابل للإخبارية فلا يبقى في البين إلا توهّم تشريع الرّفع بجعله غير ما ذكرنا وعليه بشرحه وهذا الذي لا نفهم له معنى محصّلا » إنتهى.

٤٢٧

جواز نقض اليقين بالشك على وجه يأتي الإشارة إليه في باب الاستصحاب ، كالتحريم المنسوب إلى الأعيان ونسبة السؤال إلى القرية في قوله تعالى : ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) (١) إلى غير ذلك.

وإن كان الأظهر من هذه الوجوه : الأخير منها عند الدوران وعدم قيام القرينة على إرادة غيره كما برهن عليه في محلّه.

ثمّ بعد البناء على التصرّف في النسبة أو التقدير فهل يجعل المنسوب إليه في المقام أو المقدّر جميع الآثار والأحكام ، واللّوازم أو الأثر المناسب ، وإن اتفق كونه المؤاخذة بالنسبة إلى بعضها أو المؤاخذة عليها لا من حيث كونها أثرا مناسبا لها؟ وجوه.

وهذا نظير ما ذكروا في نسبة التحريم إلى الأعيان ؛ من أن المراد : تحريم جميع الأفعال المنسوب إليها ، أو خصوص ما كان مناسبا ومقصودا منها في العادة.

ثمّ الموصول في قوله عليه‌السلام : ( ما لا يعلمون ) على ما عرفت الإشارة إليه يحتمل أن يكون المراد منه : خصوص الموضوع ، أو خصوص الحكم ، أو الأعمّ منهما ، والاستدلال بالرّواية مبنيّ على أحد الوجهين الأخيرين ؛ إذ على الأول :يخرج عن محل البحث من غير فرق بين محتملات المختار ومحتملات المقدّر كما هو ظاهر.

وبعد ذلك نقول : لا إشكال في بعد إرادة المعنى الثالث ، أي : المعنى الجامع

__________________

(١) يوسف : ٨٢.

٤٢٨

بين الموضوع الحكم ، بل قد يقال بعدم إمكانه ؛ لعدم الجامع بين نسبة عدم العلم إلى الحكم والموضوع. فإنّ المراد من عدم العلم بالحكم : عدم العلم بذاته ، ومن عدم العلم بالموضوع عدم العلم بعنوانه ، أي : عدم العلم بكونه من مصاديق الحلال أو الحرام من حيث كونه مردّدا بينهما ، وإلاّ فذاته معلومة فتدبّر.

وكيف كان : لا إشكال في توقّف إرادته على تكلّف بعيد وتمحّل بارد ، فلا يحمل اللّفظ عليه ، فمبني الاستدلال على إرادة المعنى الثاني فيدور الأمر بينه وبين المعنى الأوّل.

والذي يقرّ به ويبعّد المعنى الثاني أمور :

أحدها : ظهور كون المراد من الموصول في ( ما لا يعلمون ) ما أريد من أخواته من الفقرات المذكورة في الرواية لوحدة السياق. ولا إشكال في كون المراد منها : الموضوع. أعني : فعل المكلّف. أمّا بالنسبة إلى غير الخطأ والنسيان فظاهر ، وأمّا بالنّسبة إليهما فلأن إرادة الخطأ والنسيان بالنسبة إلى الحكم يحتاج إلى تكلّف. مع أنه على تقدير إرادته يراد من حيث إنه فعل المكلّف بالنسبة إلى الخطأ فتدبّر.

ثانيها : أن الظاهر من محتملات المقدّر هو الثالث. أي : المؤاخذة على المذكورات لا من حيث كونها أثرا لها ولا معنى للمؤاخذة على الحكم ؛ ضرورة كونه فعل الشارع.

٤٢٩

نعم ، على تقدير إرادة الأثر المناسب أو جميع الآثار يسقط الاستدلال بهذا الوجه ؛ إذ كما إن ارتكاب الحرام له دخل وتأثير في استحقاق المؤاخذة ، كذلك للنهي الصادر من الشارع دخل وتأثير في الاستحقاق فيصحّ نسبة الرفع إلى المؤاخذة من حيث كونها من آثارها كما هو واضح.

والمعنى الأول وإن كان أقرب اعتبارا إلى المعنى الحقيقي ؛ ضرورة كون الموجود الذي لا يترتّب عليه أثر الوجود أصلا ، أقرب إلى المعدوم من الموجود الذي يترتّب عليه الأثر في الجملة ، إلاّ أنه قرب اعتباريّ لا عرفيّ ، ولذا لم يجعل في باب الاستعارة وجه الشبه جميع آثار المستعار منه ولوازمه ، بل ما يظهر منه عرفا ويساعد عليه العرف بحسب الموارد.

وأمّا المعنى الثاني ؛ فهو وإن كان أقرب عرفا في نفسه بالنّسبة إلى المعنى الأوّل ، إلاّ أن الظاهر في خصوص المقام المعنى الثالث ؛ فيتعين إرادة الموضوع من الموصول على ما عرفت.

لا يقال : إنّما ذكر إنما يستقيم لو جعل المقدّر نفس المؤاخذة ، وسيجيء : أنه لا مناص من تقدير حكم شرعي قابل للرفع على كل تقدير ، وهو وجوب التحفّظ بالنسبة إلى الخطأ والنسيان ، والاحتياط بالنسبة إلى ( ما لا يعلمون ) إلى غير ذلك. فنسبة الرّفع إلى المؤاخذة ، إنّما هي من حيث كونها من آثار وجوب الاحتياط بحكم العقل ، سواء فرض مورده الحكم الشرعي المشتبه أو الموضوع المشتبه من غير فرق بينهما.

٤٣٠

لأنّا نقول : المرفوع أوّلا وبالّذات وإن كان وجوب الاحتياط في ( ما لا يعلمون ) ويترتّب عليه قهرا استحقاق المؤاخذة على الحرام الواقعي ـ على ما ستقف على شرح القول فيه ـ إلاّ أنه لا يتفاوت الأمر في الظهور الذي ادعيناه ، لأنا نقول : الظاهر من الرواية رفع وجوب الاحتياط بالنسبة إلى ما لولاه ، لاستحقّ المكلّف المؤاخذة عليه فينطبق مورده على فعل المكلف ولا يشمل الحكم كما هو ظاهر.

ثالثها : لزوم التقييد على تقدير إرادة الحكم بما بعد الفحص ؛ ضرورة اشتراط الفحص في الرجوع إلى الأصل في الشبهة الحكمية ـ على ما ستقف على تفصيل القول فيه ـ وهذا بخلاف إرادة الموضوع ؛ فإنه لا يلزمها تقييد أصلا.

رابعها : أن تعميم الموصول يوجب التخصيص في أدلّة الآثار والأحكام المترتبة على التسعة فلا بد من الحكم باختصاص الحديث برفع المؤاخذة حتى لا يوجب التخصيص فيها.

وقد يناقش فيه : تارة : بأن ذلك إنما يستقيم فيما لو كان تقدير المؤاخذة متيقنا على كلّ تقدير ، وإلاّ فللخصم أن يقول بتقدير الأثر المناسب ، أو دوران الأمر بينه وبين تقدير المؤاخذة. اللهم إلا أن يفرض كون تقدير المؤاخذة أظهر بالنّسبة إليه عند الدوران.

وأخرى : بأن ذلك إنّما يستقيم ويفيد فيما حكم بإجمال الحديث والرجوع إليها بعد الإجمال لا لإثبات ظهور الحديث.

٤٣١

اللهم إلاّ أن يريد أن يتمسّك بظهوره لرفع إجماله وهو محلّ كلام ، فيما لو ورد هناك عام وورد دليل منفصل مجمل يوجب تخصيصه على تقدير ولا يوجبه على تقدير آخر ، كما إذا ورد من المولى أمر بإكرام العلماء وورد منه نهي عن إكرام زيد ، وكان مشتركا بين عالم وجاهل ؛ فإنه لا إشكال في أن إجماله لا يسري في ظهور العام ، وأمّا سراية ظهوره في إجماله ورفعه ، والحكم بأنه ظاهر ؛ من جهة أصالة العموم في إرادة الجاهل فهو محل تأمّل.

ومن هنا أمر شيخنا قدس‌سره بالتأمّل (١). وإن كان الأظهر عندنا رفع العموم للإجمال ، لكن لا بدّ أن يعلم أن المقام من قبيل ما ذكرنا من المثال ، لا من دوران الأمر في المخصّص بين ما يوجب قلّة التخصيص وكثرته ، كما أفاده شيخنا في « الكتاب » بقوله : « فإن المخصّص إذا كان مجملا ... الى آخره » (٢) فإن الحقّ فيه عندنا وعنده قدس‌سره التفصيل بين المخصّص المتصل والمنفصل فيما إذا كان مجملا بحسب المفهوم كما حققناه في مسألة التخصيص بالمجمل.

خامسها : أن الحكم بعمومها يوجب التخصيص فيها من حيث عدم ارتفاعها بالنسيان والخطأ وغيرهما. وقد حكم شيخنا قدس‌سره بكونه أبعد من سابقه ؛ من حيث كونه ناشئا عن عدم تحصيل معنى الرواية كما هو حقّه ؛ فإنه مبني على توهّم عدم

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٠.

(٢) نفس المصدر : ج ٢ / ٣١.

٤٣٢

الفرق على العموم بين الآثار الشرعيّة وغيرها ، وكذا ما يترتّب في الشرع على ذات الفعل ، أو عليه بوصف النسيان والخطأ وسيجيء ما هو المراد على تقدير العموم ، وفساد ما توهّم من عدم الفرق هذا.

مضافا إلى أن الرّواية إن كانت ظاهرة في عموم المرفوع ، لا توجب طروّ التّخصيص صرفها عنه ، وإن لم تكن ظاهرة فيه لا يوجب ظهورها في غيره فتدبّر.

سادسها : تقييد رفع الحسد والتفكّر في ذيل الرّواية ، بعدم الإظهار ؛ فإنه يناسب إرادة رفع المؤاخذة عنهما فيكون المقدّر في غيرهما ذلك أيضا فتدبّر.

هذا بعض الكلام فيما يقتضي ظهور الرّواية في إرادة الموضوع من الموصول.

في بيان إرادة الشبهة الحكمية

من حديث ( ما لا يعلمون )

وأمّا ما يقتضي إرادة الحكم منه أو يوجب وهن إرادة الموضوع منه فأمور :

أحدها : نسبة عدم العلم إلى نفس الموصول ، وهي تقتضي إرادة الحكم منه ؛ إذ على تقدير إرادة الموضوع على ما عرفت ، لا بد أن يتوسّع في النسبة ويراد منها : عدم العلم به باعتبار عنوانه.

فإن شئت قلت : المراد من الموصول الشيء المجهول والمشتبه. وفعل المكلف ليس فيه اشتباه بالنظر إلى ذاته ، وإنّما الاشتباه فيه من حيث كونه حلالا أو

٤٣٣

حراما أي : مصداقا لعنوان علم حرمته ، أو مصداقا لعنوان علم حلّيّته وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى أخواته ؛ فإنّ مورد الخطأ أو النسيان أو الإكراه أو الاضطرار نفس فعل المكلّف ، وهذا الظهور أقوى من ظهور وحدة السياق على تقدير اعتباره وكونه لفظيّا يعتمد عليه في المحاورات في تفهيم المراد عند أهل اللسان والعرف ، وإن كانت نسبته رفع المؤاخذة إليه من حيث كونه سببا له لا من حيث كونه موردا على هذا التقدير ، إلاّ أنه لا مناص منه بعد ملاحظة الظهور المذكور فتدبّر.

ثانيها : إرادة غير المؤاخذة من النبوي في رواية « المحاسن » (١) المذكورة في « الكتاب » (٢) فإن المراد من اللزوم في السؤال هي صحّة الحلف بحيث يترتّب عليه الحنث وسائر أحكامه كما هو ظاهر ، فحكم الإمام عليه‌السلام بعدم الصحّة واللّزوم ، استشهادا بالنبويّ يدلّ على عدم اختصاص المرفوع بالحديث الشريف بالمؤاخذة فيعمّ جميع الآثار ؛ إذ لا واسطة كما هو ظاهر ، فيسقط ظهور الرّواية في الشبهة الموضوعيّة ، بل مورد الرّواية السؤال عن حكم الواقعة من حيث كون الشك فيه إن كان موردا لإكراه الحلف فتأمل.

والحلف بالطلاق والعتاق وصدقة ما يملك وإن كان باطلا عند الإمامية في

__________________

(١) المحاسن : ج ٢ / ٣٣٩ ـ ح ١٢٤ ، الوسائل : ج ٢٣ / ٢٢٦ باب « جواز الحلف باليمين الكاذبة للتقية » ـ ح ١٢.

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٢٩.

٤٣٤

حالة الاختيار أيضا ؛ حيث إنه لا بد من الحلف بالله ، إلاّ أن الاستشهاد بالنبويّ يدلّ على ما ذكرنا.

ودعوى : كونه نبويّا آخر بعيد. كما أن القول بالتعميم ـ في خصوص الثلاثة من التسعة أيضا ـ بعيد من حيث لزوم التفكيك بين الفقرات وهو المراد من أمر شيخنا قدس‌سره بالتأمّل (١).

ثالثها : أن تخصيص المرفوع باستحقاق المؤاخذة يوجب عدم اختصاص المرفوع بهذه الأمة ، وهو خلاف ظاهر الحديث الشريف ؛ فإن سوقه في مقام الامتنان على الأمة المرحومة من جهة نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حيث كونه أشرف الأنبياء قدرا وأعلاهم درجة وأفضلهم عند الله تبارك وتعالى.

بيان الملازمة : أنّ المؤاخذة على كثير ممّا ذكر في الرواية كالخطأ والنسيان وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطرّوا إليه ، وما أكرهوا عليه ، قبيحة بحكم العقل من غير فرق بين الأمم ، فلا بد من الحكم بتعميم المرفوع حتى يكون رفع جميع الآثار من خواصّ الأمة المرحومة. وإن كانت المؤاخذة مرفوعة من جميع الأمم فيسقط ظهور الرواية عن الاختصاص بالشبهة الموضوعيّة ؛ لابتنائه على تخصيص المرفوع بالمؤاخذة.

ودعوى : كون الاختصاص بالأمة المرحومة مع تقدير خصوص المؤاخذة

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٠.

٤٣٥

باعتبار مجموع التسعة من حيث المجموع ، وإن كانت المؤاخذة على أكثرها مرفوعة من جميع الأمم مما تضحك به الثكلى كما لا يخفى هذا.

وقد تفصّى شيخنا الأستاذ العلامة قدس‌سره عن هذا الإشكال ـ على تقدير اختصاص المرفوع بالمؤاخذة بعد النقض بالكتاب العزيز ؛ فإن صريحه استيهاب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلة المعراج المؤاخذة على النسيان والخطأ ونحوهما ممّا هو مورد الإشكال في الحديث ، بقوله تعالى : ( رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا ) (١) بقوله : « لكن الذي يهوّن الأمر في الرّواية جريان هذا الإشكال في الكتاب العزيز أيضا ... إلى آخره ) (٢) ـ :بمنع قبح المؤاخذة على الأمور المذكورة بقول مطلق في حكم العقل ، وإنّما تقبح عليها في الجملة فيحمل الآية على تقدير الاختصاص بتقدير المؤاخذة على إرادة رفعها عن هذه الأمّة بقول مطلق ؛ حيث إنّ المؤاخذة على النسيان والخطأ الصّادرين عن ترك التحفّظ لا قبح فيها عقلا ، وكذا العقاب على ما لا يعلم مع إمكان الاحتياط وكذا التكليف الشّاق الناشىء عن اختيار المكلّف بقوله : « والذي يحسم أصل الإشكال مع استقلال العقل بقبح المؤاخذة على هذه الأمور بقول مطلق إلى آخر ما أفاده » (٣).

__________________

(١) البقرة : ٢٨٦.

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٠.

(٣) المصدر السابق : ج ٢ / ٣٠.

٤٣٦

ولكن قد يناقش فيما أفاده ـ بالنسبة إلى ( ما لا يعلمون ) ـ : بأن مورد حكم العقل بقبح المؤاخذة على « ما لا يعلمون » إنّما هو فيما أمكن فيه الاحتياط كما ستقف على تفصيل القول فيه عند الاستدلال في الدليل العقلي على البراءة في « الكتاب ».

فلو بدّل قوله قدس‌سره : « مع إمكان الاحتياط » (١). بـ « مع إيجاب الاحتياط » كان سليما عن المناقشة فلعلّه سهو من قلمه الشريف.

نعم ، لو كان الدليل العقلي على البراءة ما توهّمه السيّد أبو المكارم : من قبح التكليف بما لا يطاق ، كان ما أفاده قدس‌سره صحيحا وسليما عن الإيراد ؛ فإن إمكان الترك يرفع موضوع القاعدة المذكورة ، لكنّه توهّم أفسده قدس‌سره فيما سيأتي من كلامه ، فتدبّر.

وكذا ما أفاده بالنسبة إلى ( ما لا يطيقون ) ؛ لأنه إن أريد من التكليف الشاق التكليف بغير المقدور لم يكن فرق في قبحه عقلا بين ما كان مسبّبا عن اختيار المكلف وغيره كما برهن عليه في محلّه ، وإن زعم بعض التفصيل فيه على خلاف التحقيق الذي بني الأمر عليه وفاقا للمحقّقين ، وإن كان المراد منه ـ كما هو صريح قوله : « والمراد بما لا يطاق في الرواية ما لا يتحمّل عادة » (٢) ـ التكليف بالأمر

__________________

(١) المصدر السابق : ج ٢ / ٣١.

(٢) المصدر السابق بالذات.

٤٣٧

الحرجيّ المتعسّر فلا قبح فيه أصلا عنده وعند المشهور كما بيّن في محلّه.

كيف! وهو واقع في الشرعيّات في الجملة ، وإن زعم بعض مشيخة (١) شيخنا خلافه في « عوائده » متخيّلا : ( أنّ رفع الحرج عقلي وأن الواقع في الشرعيّات من التكاليف بالأمور العسرة كالجهاد ونحوه ليست من التكليف بالأمر الحرجي بعد ملاحظة زيادة الأجر والثواب عليه ) (٢).

فالحق أن نقول : مع قبح التكليف عقلا بالأمر الحرجي مطلقا : إنّ الرواية من أدلّة نفي الحرج شرعا كقوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٣) وقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٤) ونحو ذلك هذا.

وكذا يقال بالنّسبة إلى باقي التسعة ؛ فإنّ المؤاخذة عليه مما لا يحكم العقل بقبحه حتى في مورد الإكراه والاضطرار.

فإن المراد من الأوّل : ليس الفعل الصّادر عن إجبار بحيث يرتفع الاختيار عن المكره بالفتح ، بل المراد به : ما يوقعه المكره اختيارا خوفا من المكره بالكسر ، ولذا وقع التكليف به في الشرعيّات كما في الزّنا ونحوها.

__________________

(١) هو الفقيه المحقّق الشيخ أحمد النراقي المتوفي سنة ١٢٤٥ ه‍. ق.

(٢) عوائد الأيّام : ١٩٠ ـ ١٩١ ، العائدة : ١٩.

(٣) الحج : ٧٨.

(٤) البقرة : ١٨٥.

٤٣٨

ومن الثاني : ليس الاضطرار الرافع للاختيار ، بل ما يختاره الفاعل لضرورة داعية إليه كأكل مال الغير ، والميتة فيما لو انحصر التعيّش به ، أو التداوي بالمحرّمات على القول بجوازه ، ونحو ذلك.

ودعوى : اقتضاء اللّطف تجويز ذلك على الحكيم تعالى ورفع المؤاخذة عنه كما ترى. وكذا المؤاخذة على الحسد من دون إظهار واستعمال ، وكذا الوسوسة في التفكّر ، وعلى الطيرة ليست ممّا يحكم العقل بقبحها قطعا (١) ، بل لم يتوهّمه أحد جزما.

هذا بعض الكلام في الحديث الشريف المتعلّق ببيان المراد منه من حيث إرادة خصوص الموضوع من الموصول في قوله : ( ما لا يعلمون ) حتى لا يجوز الاستدلال به ، أو الحكم حتى يكون من أخبار المقام ومحلّ البحث.

الكلام في سائر مفردات الحديث الشريف

ونتبعه بالتكلّم في مواضع أخر متعلّقة ببيان المراد من الحديث الشريف تبعا لشيخنا قدس‌سره.

الأوّل : أنّ الآثار والأحكام الشرعيّة المترتّبة على الأفعال بالمعنى الأعمّ من الترك لا يخلو الأمر فيها من وجوه ثلاثة ؛ لأنها :

__________________

(١) لكنها لا تليق بشأن الانبياء قطعا.

٤٣٩

إمّا مترتّبة بظاهر دليلها على الفعل اللابشرط ، أي : الفعل من حيث هو من دون أخذ العمد والذكر والخطإ النسيان والعلم والجهل ونحوها فيه ، كما هو الغالب في أكثر الأحكام والآثار الشرعيّة المترتّبة على أفعال المكلّفين.

وإمّا مترتّبة على الفعل من حيث أخذ وصف التعمّد والذكر ونحوهما فيه ، أي : الفعل بشرط هذه الأوصاف كالقصاص المترتّب على تعمّد القتل مثلا ، والكفارة المترتّبة على الإفطار عمدا في نهار رمضان ، وبطلان الصلاة المترتّب على الصلاة في النجاسة مع العلم بها وهكذا.

وإمّا مترتّبة على الفعل بشرط الخطأ والنسيان والشكّ ونحوها من الأوصاف كالدّية المترتّبة على القتل الصادر خطأ وسجدتي السهو المترتّبين على النقص أو الزيادة الصادرين سهوا ، أو الشكّ بين الأربع والخمس بعد الفراغ عن السجدتين ورفع الرأس منهما ، وصلاة الاحتياط المترتّبة على الشك في الركعات وهكذا.

ثمّ على القول بعموم المرفوع لجميع الآثار في الحديث الشريف المسوق لبيان الامتنان على العباد ، وحكومته على أدلّتها كدليل نفي الحرج والضّرر ونحوهما ، يحكم بحكومته على القسم الأول ؛ إذ هو الذي يقبل للشرح والتفسير والبيان. وأما القسمان الآخران فلا تعرّض للحديث لبيان حالهما أصلا ، بل لا معنى له جزما ؛ إذ القسم الثاني منتف بانتفاء موضوعه في صورة عروض الحالات

٤٤٠