بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

في دلالة الحديث على أصالة البراءة فيما لا نصّ فيه

أقول : ظهور الرواية في كون غاية الطلق والإباحة ، العلم بورود النهي في كل شيء بعنوانه الخاص لا بعنوانه من حيث كونه مشتبها ومجهول الحكم ممّا لا يقبل الإنكار ، إذ النهي عن عنوان العام نهي عنه حقيقة وهو أمر واحد لا عن كل شيء فافهم.

والمراد بالورود على ما عرفت : ورود النّهي في الشيء بحيث يبلغ إلى المكلّف ويعلم به ؛ لاستحالة جعل المغيّا الإباحة الواقعيّة كاستحالة جعل الغاية الورود الواقعي مع جعل المغيّا الإباحة الظاهريّة ، وهي نصّ في الإباحة في

__________________

الرخصة فيما شك في انه هل ورد فيه نهي واختفى علينا أم لا؟

ويمكن دفعها : بأن المقصود بها بحسب الظاهر إرادة الحكم الفعلي عند عدم العلم بحرمة شيء فالمراد بعدم ورود النهي فيه : عدم وصوله إلى المكلّف ، لا عدم وروده في الواقع وإلاّ لكانت ثمرته علميّة وهو بعيد عن سوق الأخبار.

نعم ، لو كانت الرواية صادرة عن النبي ٦ في صدر الشريعة قبل إكمالها لكان المتّجه حملها على إرادة المعنى المزبور حيث يترتب عليها حينئذ ثمرة عمليّة وهذا بخلاف ما لو صدرت عن الأئمة : بعد إكمال الشريعة وورد النهي في جميع المحرّمات الواقعيّة ووصوله إلى أهل العلم الذين لا يختفي عليهم شيء من النواهي الشرعيّة فليتأمّل » انتهى.

انظر حاشية آغا رضا الهمداني ١ على فرائد الأصول : ١٥٨.

٤٦١

مجهول الحرمة من غير فرق بين هذا الطريق وطريق آخر للرواية ذكر فيه : حتى يرد فيه أمر أو نهي.

وأخبار الاحتياط على تقدير تسليم دلالتها ظاهرة في وجوب الاحتياط ، حتى أخبار التّثليث الواردة في الشبهة التحريميّة ؛ فإنّ حملها على صورة العلم الإجمالي بالحرمة أو رجحان الاحتياط ممكن. وهذا بخلاف الرواية ؛ إذ لا معنى لها إلا الإباحة.

والتصرّف فيها بجعلها في مقام بيان حكم الشيء مع قطع النظر عن أخبار الاحتياط ليس عملا بها حقيقة بل هو طرح لها رأسا ؛ إذ لا يبقى مورد للعمل بها ؛ إذ حملها على الشبهة الموضوعيّة التي وافق الأخباريون مع المجتهدين على القول بالإباحة فيها غير ممكن ؛ ضرورة اختصاص الرواية وصراحتها في الشبهة الحكميّة. وليس مثل قوله عليه‌السلام فيما سيجيء : « كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام » (١) كما لا يخفى.

ومنه يظهر : أن كثيرا من الأخبار المتقدّمة المختصة بالشبهة الحكمية كجملة من الآيات على تقدير تسليم دلالتها نصّ بالنسبة إلى أخبار الاحتياط بالنّظر إلى ما عرفته ، أو أظهر منها ؛ وإن أمكن حمل ما يعمّ الشبهة الوجوبيّة عليها كما عليه

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٥ / ٣١٣ باب « النوادر » ـ ح ٤٠ ، عنه وسائل الشيعة ج ١٧ / ٨٩ باب « عدم جواز الانفاق من كسب الحرام » ـ ح ٤.

٤٦٢

أكثر الأخباريّين. ولكن هذا الحمل لا يمكن ارتكابه في المرسلة من حيث صراحتها في الشبهة التحريميّة على الطريقين هذا.

وسيجيء تمام الكلام في بيان النسبة بين أدلّة الطرفين ، والغرض من ذكر هذا الكلام في المقام : التنبيه على ما يتطرّق من المناقشة في ظاهر عبارة « الكتاب » من الحكم بالتعارض وإن أمكن دفعها : بأن المراد من التعارض في المقام كونها متّحدة الموضوع مع أخبار الاحتياط ، بخلاف الآيات وأكثر الأخبار فلا ينافي كونها نصّا بالنسبة إليها فافهم. والرّواية وإن كانت مرسلة إلاّ أنها مجبورة بالعمل والاعتضاد بغيرها فتدبّر.

(١١٠) قوله قدس‌سره : ( وفيه (١) : أن الجهل بكونها في العدّة إن كان ... الى آخره ) (٢). ( ج ٢ / ٤٤ )

__________________

(١) قال الفاضل القمّي في قلائد الفرائد ( ج ١ / ٣٢٣ ) :

« إن المناقشة في الإستدلال بالخبر بين ثلاث :

إحداهما : ما أفاده رحمه‌الله بقوله : « فالمراد من المعذوريّة عدم حرمتها عليه مؤبّدا ».

والثانية : ما أفاده رحمه‌الله بقوله : « وإن كان غافلا أو معتقدا للجواز ... ».

والثالثة : غير مذكورة في المتن وإنّما استفدتها من بعض مشائخنا دام ظله وهي :

أنّ مورد الرّواية إنّما هو السؤال عن اجراء صيغة النكاح في العدّة في حال الجهل بتوجّه النهي بنفسه في حال العلم فضلا عن حال الجهل ولذا قيل : إنّ اجراء العقود المنهيّة المعلوم النهي سوى البيع الرّبوي ممّا لا يوجب العقاب عليه من حيث مخالفة النّهي بنفسه وإن كان موجبا له بعنوان التشريع ، فلا وجه لكون معذوريّة الجاهل الموجودة في هذا الخبر بالنسبة

٤٦٣

__________________

إلى رفع العقاب ؛ لأنه لا عقاب عليه في حال العلم فضلا عن حال الجهل بل لا بدّ أن تكون معذوريّته بالنّسبة إلى رفع الحكم الوضعي ، أعني : سببيّته للتحريم الأبدي.

والحاصل : أن مورد الرّواية هو السؤال عن مخالفة النهي الإرشادي المزبور ، ولا أقلّ من الإحتمال ، فكيف تساق إلى السؤال عن مخالفة النهي التكليفي؟!

ودعوى : أنّ العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحلّ.

مدفوعة : بأنّ ذلك مسلّم ، لكن لا يتعدّى عن المورد إلاّ ما هو من نوعه أعني : سائر العقود المنهيّة كالبيع والإجارة ونحوهما إذا كانت فاقدة لبعض الشروط الموجب فقده للفساد ، لا إلى ما هو مباين له ، أعني : مخالفة النهي التكليفي كما هو الكلام هذا » إنتهى.

(٢) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« وجه الإستدلال [ بالصحيحة المزبورة ] : أنه ٧ حكم فيها بالمعذوريّة في التزويج على المرأة في العدّة ورفع المؤاخذة ، وعلّق المعذوريّة فيها على الوصف المناسب ، وهو الجهل المفيد فيستفاد منها كون الجهل علّة لرفع المؤاخذة مطلقا سواء كان المجهول موضوعا أو حكما وسواء كان منشأه في الثاني اشتباه الأمور الخارجيّة أو فقد النّص أو إجماله أو تعارضه ، فتكون حجة على نفي المؤاخذة على إرتكاب الشبهة التحريميّة فيما لا نص فيه التي هي المتنازع فيها.

أقول : ويؤكّد عموم علّيّته للمعذوريّة ورفع المؤاخذة عدم استفصال الإمام ٧ من السائل عن تخصيصه الواقعة المسؤول عنها بأن الجهل فيها : أهو في أصل العدّة ، أو في إنقضاءها مع العلم بها ، أو انه في مقدارها ، أو أنّه في كون العقد على المرأة محرّما شرعا وتعيينه سؤال

٤٦٤

__________________

السائل ثانيا بقوله : ( بأي الجهالتين أعذر؟ ) ثم جوابه عليه‌السلام : « إحدى الجهالتين أهون ، الجهالة بأنّ ألله حرّم عليه ذلك ».

وكأن المصنّف ١ منع من إطلاق الجهالة وحملها على الجهالة المخصوصة بالواقعة المسؤول عنها فلذا ردّد في الجواب عن الإستدلال [ بها ] وقد ظهر ما في منعه منه ممّا ذكرنا.

هذا ، لكن الإنصاف عدم صحّة الإستدلال بالصحيحة على المدّعي لظهور أن المراد من المعذورية فيها إنّما هي المعذوريّة في التزويج على المرأة مطلقا بعد انقضاء عدّتها ونفي التحريم الأبدي لا المعذوريّة في التزويج عليها في عدّتها مطلقا كما هو مبني الإستدلال [ بها ] والقرينة على ذلك أمران :

أحدهما : قوله عليه‌السلام في الصحيحة : « أمّا اذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدّتها » فإنه ظاهر في عدم كون التزويج عليها في العدّة حال الجهل موجبا للحرمة الأبديّة.

وقوله عليه‌السلام بعد ذلك : « فهو معذور في أن يتزوجها » فإنه صريح في ذلك.

ثانيهما : إطلاق الجهالة في قوله ٧ : « امّا اذا كان بجهالة بالنسبة إلى الصور الأربعة المذكورة في وجه تأييد إرادة العموم منها مطلقا حتى اذا كانت الجهالة فيها بالشك فإن الجهالة لها فردان : أحدهما ذلك والآخر الغفلة ؛ حيث إنّها بمعنى عدم العلم المعبّر عنه بالفارسيّة بـ ( ناداني ) فيشملها عند الإطلاق.

وبالجملة : لما كان كل من الوجوه الأربعة ـ المذكورة في كيفيّة الواقعة المسؤول عنها ـ محتملا مع احتمال كون الجهل في كل منها ـ على تقديره ـ بالشك أو بالغفلة ، فالجهالة بإطلاقها شاملة لجميعها بأي الإحتمالين في مصداق الجهالة ، بل بعمومها ؛ لما مرّ من وجه

٤٦٥

__________________

ترك الإستفصال ؛ فإنّ حملها على اطلاقها أو على العموم لا يمكن إلاّ بحمل المعذوريّة في موردها على المعذوريّة في التزويج بعد انقضاء العدّة ؛ فإن الجاهل في تلك الصّور إذا كان شاكا ملتفتا فليس معذورا في التزويج على المرأة في العدّة مطلقا :

أمّا اذا كانت شبهة موضوعيّة ـ كما في الصورة الأولى : وهي الشك في أصل العدّة ، والثانية :وهي الشك في إنقضاءها مع العلم بها ـ فلوجوب الفحص عليه في الأولى ، مضافا إلى أصالة عدم تأثير العقد ولإقتضاء الاستصحاب عدم انقضاء العدة في الثانية ، فلا يجوز العقد فيها إتّفاقا.

وأمّا إذا كانت شبهة حكميّة ـ كما في الصورة الثالثة : وهي كون الشك في مقدار العدة شرعا مع العلم بها في الجملة ، والصورة الرابعة : وهي الشك في حرمة التزويج على المرأة في العدّة ـ فلوجوب الفحص فيها عليه إتفاقا ، مضافا إلى أصالة عدم تأثير العقد ، مع أنّ الجهالة في الرّابعة بمعنى الشك لا يكون إلاّ عن تقصير ؛ لوضوح الحكم فيها بين المسلمين بحيث يعرفه كل أحد الكاشف عن تقصير الجاهل ، فالجاهل فيها ليس معذورا بالضرورة.

ولو سلّمنا المعذوريّة في الصّورة الأولى ؛ نظرا إلى اقتضاء الإستصحاب عدم العدّة وعدم وجوب الفحص فيها فتكون الشبهة موضوعيّة لا يجب الفحص فيها إجماعا كما ادّعاه المصنف ١ في بعض كلماته أيضا.

وإلى حكومة هذا الإستصحاب على استصحاب عدم تأثير العقد كما هو كذلك ؛ نظرا إلى كون الشك في التأثير مسببا عن الشك في أن عليها عدّة. فيكفي في منافاة الإطلاق ، بل العموم ـ كما مرّ ـ عدم استقامة الكلام في سائر الصور. فحينئذ يدور الأمر في الرّواية بين

٤٦٦

الحديث في مقام بيان الحكم الوضعي دون التكليفي

أقول : لا إشكال في أن فقه الحديث لا تعلّق له بالمقام أصلا على كل تقدير ؛ فإنّ صريحه كون السؤال والجواب عن الحكم الوضعي للعقد الواقع في العدّة عن جهل ، أي : تأثيره في التحريم الأبدي الدائمي ـ سواء كان المراد بالجهل فيه الجهل البسيط أو المركّب ، وسواء حكم بمعذوريّته من حيث الحكم التكليفي ، أو حكم بعدم معذوريّته من هذه الحيثيّة ـ فإن قوله عليه‌السلام في الجواب أوّلا : أما إذا كان بجهالة فليزوّجها بعد ما تنقضي عدّتها فقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من

__________________

تخصيص الجهالة فيها وتقييدها بالغفلة في جميع تلك الصور أو تخصيص الجهالة بالصّورة الأولى وإخراج سائر الصّور عنها على تقدير الشك فيها مع اطلاق الجهالة في الصورة الأولى بالنسبة إلى الشك.

وبين حمل المعذوريّة على المعذوريّة في التزويج بعد العدّة ؛ حيث انّها لم يقم دليل على نفيها عن واحدة من تلك الصور بأيّ قسم من قسمي الجهالة من الشك أو الغفلة ، فلا يلزم تخصيص أو تقييد في الجهالة ، مضافا إلى قيام الإجماع على ثبوتها في أكثرها ـ وهي غير الأخيرة ـ فتكون الرّواية حجّة على ثبوتها فيها بالخصوص مضافا إلى اطلاقها بالنسبة إليها.

لا سبيل إلى الأوّل لوجوب الأخذ بأصالة الإطلاق والعموم ما لم يثبت الصارف عنها وليس في الرّواية ما يوهم الصّرف فكيف بما يدلّ عليه؟! فتعيّن الثاني وهو المطلوب » إنتهى.

أنظر تقريرات المجدد الشيرازي ١ : ج ٤ / ٣٩.

٤٦٧

ذلك (١). صريح في ذلك ، وأن المراد من المعذوريّة : هو عدم تأثير عقده لمكان جهله في جواز العقد عليها بعد انقضاء العدّة ، كما هو المراد بالمعذوريّة في سؤال الرّاوي بعد ذلك بقوله : ( قلت : بأيّ الجهالتين أعذر بجهالته أن ذلك محرّم عليه؟ ) أي : الجهل بتحريم العقد على المرأة في عدّتها وهو الجهل بالحكم ، أم بجهالته أنها في العدّة أي : الجهل بكونها ذات عدّة وهو الجهل بالموضوع كما هو المراد بالأهونيّة في جوابه عليه‌السلام عن السؤال المذكور كما فهمه السائل أيضا ، وسأل من باب الاحتياط بقوله : « قلت : فهو في الأخرى معذور؟ » كما أن الجواب عنه بقوله عليه‌السلام :« نعم ، إذا انقضت عدّتها فهو معذور في أن يزوّجها » صريح في ذلك أيضا.

فالرواية لا تعلّق لها بالمعذوريّة من حيث الحكم التكليفي على ما هو محل البحث ـ وهو جواز العقد في حال الجهل وترتّب آثاره ـ أصلا ، بل هي نصّ في بيان الحكم الوضعي بالنسبة إلى الجهل بالحكم والموضوع معا صدرا وذيلا. وأمّا معذوريّته من حيث الحكم التكليفي فلا بدّ فيه من التماس دليل آخر.

وملخّص القول فيها : (٢) أن الجاهل بأصل عدم جواز النكاح في العدّة ؛ إمّا

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٥ / ٤٢٧ ، باب « المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحل له أبدا » ـ ح ٣ ، والتهذيب : ج ٧ / ٣٠٦ ، باب « من يحرم نكاحهن بالاسباب » ـ ح ٣٢ ، الاستبصار : ج ٣ / ١٨٦ ، باب « من عقد على امرأة في عدتها » ـ ح ٣ ، عنها الوسائل ج ٢٠ / ٤٥١ ، باب « ان من زوج امرأة في عدّتها » ـ ح ٤.

(٢) قال الأصولي الفقيه المحقق الطهراني قدس‌سره في تقريب الإستدلال بالرواية :

٤٦٨

__________________

« إنّ موضوع الإعذار هو الجهل من حيث هو كذلك بل الرّواية صريحة في أنّ الجاهل بالحكم الشرعي التحريمي معذور من حيث انّه جاهل ، وانه لا يجب عليه الإحتياط ، وعدم التمكّن من الإحتياط لعدم خطور مثل هذا الحكم في ذهن الجاهل غالبا لا ينافي كون نفس الإعذار من جهة الجهل ؛ فإنّ الغفلة والذهول توجب شدّة العذر كما هو صريح الرّواية ، فالموضوع هو الجاهل مطلقا ، والغالب الذهول الموجب لشدّة العذر ، كما ان الغالب الشائع من الجهل بالعدّة هو الشك في الموضوع ، ومن المعلوم انه شبهة موضوعيّة ، لا إشكال في كون الأصل فيها البراءة.

وبما حقّقنا ظهر انه يلزم التفكيك في الرّواية بين الجهل بالعدّة والجهل بالتحريم وانّه لا محذور في اعذار الجاهل بالعدّة كما زعمه الاستاذ [ الأنصاري ] قدس‌سره ؛ فإنه قال ما محصّله :« إنّ الشك إن كان في الانقضاء فيجب الإستصحاب سواء كانت الشبهة موضوعيّة أو حكميّة ، وإن كان الشك في أصل العدّة فيجب الفحص ومعه لا يبقى إشكال لوضوح الحكم بين المسلمين ».

وفيه : ان هناك قسما رابعا : وهو الشائع ، أي : الشك في العدّة مع كون الشبهة موضوعيّة لا يجب الفحص فيها.

وأعجب من ذلك توهّمه قدس‌سره : أن ما في رواية أخرى : من أنّه اذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة ينافي ذلك ، مع أنّ المراد : أنّ المرأة إذا انفردت بالعلم لزمتها الحجّة ولا عذر لها ، وهذا واضح لا ربط له بالمقام.

فما توهّمه : من أنّ المقصود إنّما هو الإعذار في التزويج وإن تنجّز عليه التكليف فاسد.

٤٦٩

أن يكون جاهلا مركّبا ؛ كما هو صريح المفروض في الرواية أو جاهلا بسيطا.

فإن كان جاهلا مركّبا ؛ فإما أن يكون قاصرا غافلا ، أو يكون مقصّرا. فإن كان قاصرا كان معذورا من حيث الحكم التكليفي وإن كان مقصّرا لم يكن معذورا كما هو الشأن في غير المقام.

وإن كان جاهلا بسيطا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفي ؛ لكشف شكّه عن عدم فحصه ، وإلاّ لا طّلع على الحكم لوضوحه بين المسلمين ، بل هو من ضروريّات الفقه فلا يجري في حقّه البراءة.

مضافا إلى أن مرجع الشكّ إلى سببيّة النكاح ، والأصل فيه الفساد إجماعا فلا معنى للرّجوع إلى الأصل الحكمي ، بل قد يظهر من كلام شيخنا قدس‌سره : عدم معذوريّته من حيث الحكم الوضعي أيضا ؛ لخروجه عن مورد الرّواية فتدبّر.

وأمّا الجاهل بالموضوع فقد يكون من جهة الجهل بأصل العدّة وكون المرأة ذات عدّة أو لا. وقد يكون من جهة الجهل بالمقدار ، وهو على قسمين ؛ لأنه قد يكون من جهة الجهل بتقدير العدّة وكمّيّتها بحسب الشّرع فيدخل من هذه الجهة

__________________

واستشهاده بما في الرّواية من قوله عليه‌السلام : « نعم ، إذا انقتضت عدّتها فهو معذور ... إلى آخره » فاسد ؛ فإنه جواب عن السؤال حيث إنّ السائل سأل عن هذا الحكم ، وأمّا الإمام ٧ فبيّن له قاعدة كلّيّة أوّلا وحكم بأنه يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك.

ومحصّله : ان الجهل عذر في جميع الموارد » إنتهى. محجة العلماء : ج ٢ / ٩ ـ ١٠.

٤٧٠

في الجهل بالحكم الشرعي ، وقد يكون من جهة الجهل بالانقضاء مع العلم بالمقدار والكميّة وكون المرأة ذات عدّة مع العلم بحكم النكاح في العدّة.

والحكم في جميع صور الجهل بالموضوع فيما كان جهلا بسيطا هو الحكم بالفساد ، وعدم جواز ترتيب الآثار من جهة الأصل الأوّلي في المعاملات ، مضافا إلى جريان الأصل الموضوعي في القسم الثاني من الجهل بالمقدار. أي : الشبهة الموضوعيّة على تقدير القول بجريان الاستصحاب في خصوص هذا القسم من الشكّ في المقتضي وإن لم نقل بجريانه فيه مطلقا على ما ستقف عليه في الجزء الثالث. ومضافا إلى وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة من الجهل بالمقدار لعدم جريان البراءة قبل الفحص.

نعم ، قد يتوهّم : أنّ الأصل الأوّلي وإن اقتضى الفساد في الشك في أصل العدّة أيضا ، إلاّ أن مقتضى الأصل الموضوعي فيه الصّحّة وجواز ترتيب الآثار ، وهو حاكم على أصالة الفساد ؛ فإنها أصل حكمي بالنسبة إليه ، وإن كانت جارية في الشبهة الموضوعيّة. وعليه يحمل الجهل بالعدّة في كلام الإمام عليه‌السلام في الصحيحة (١).

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٥ / ٤٢٧ باب « المرأة التي تحرم على الرجل فلا تحل له أبدا » ـ ح ٣ ، والتهذيب : ج ٧ / ٣٠٦ باب « من يحرم نكاحهن بالأسباب دون الأنساب » ـ ح ١٢٧٤ ، والوسائل ـ عن الكافي ـ : ج ٢٠ / ٤٥٠ باب « ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة » ـ ح ٤.

٤٧١

لكنه كما ترى ؛ لأن احتمال الاعتداد في المرأة ؛ إن كان مع العلم بكونها مزوّجة من جهة احتمال الطلاق ، أو الموت في الزوج ، فالأصل الموضوعي يقتضي المنع من جهة استصحاب الحياة والزوجيّة. وإن كان مع عدم العلم بالزوجيّة السابقة فلا معنى للشكّ في كونها في العدّة إلاّ على تقدير التزويج والموت أو الطلاق ، وهو كما ترى ، فتأمل.

وكيف كان : لا بدّ من أن يريد المتوهّم هذا الفرض.

وأما القسم الأوّل من الجهل بالمقدار ، فلا يجري فيه الأصل الموضوعي. أي : استصحاب العدّة بعد فرض كون الشبهة في الحكم ؛ لأن نسبة الأقل والأكثر متساوية بالنظر إلى الحكم ، وهذا نظير الشكّ في مقدار الوقت في الموقّت من جهة الشبهة الحكميّة وستقف على عدم جريان الاستصحاب فيه في باب الاستصحاب في « الكتاب » وإن كان مقتضى صريحه في المقام جريان الأصل.

وأمّا استصحاب حكم العدّة فلا معنى لجريانه بعد فرض كون الشكّ فيه من جهة الشكّ في الموضوع. اللهم إلاّ أن يتسامح فيه ، هذا ما يقتضيه الأصل في المقام مع قطع النظر عن الأخبار. وأمّا بملاحظتها فلا إشكال في أنه مع الشّكّ في المقدار من جهة الشك في الحكم ، يجب الاحتياط. كما هو مقتضى الأصل ، مع قطع النظر عن أصالة الفساد ؛ لعدم جريان البراءة قبل الفحص المفروض في المقام على ما عرفت الإشارة إليه.

٤٧٢

ففي « الحسن » (١) لإبراهيم بن الهاشم عن أبي أيّوب عن يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه‌السلام وفيه : « قلت : فإن كانت تعلم أنّ عليها عدّة ولا تدري كم هي؟فقال عليه‌السلام : إذا علمت أنّ عليها العدّة لزمتها الحجّة فتسأل حتى تعلم ».

وفيه أيضا : « ما من امرأة من نساء المسلمين إلاّ وهي تعلم أنّ عليها عدّة في طلاق أو موت ، ولقد كنّ نساء الجاهليّة يعرفن ذلك ) (٢) وورودها في المرأة لا يقدح بعد وضوح عدم الفرق في الحكم في الشكّ في المقدار في مفروض البحث كما هو ظاهر.

فقد ظهر ممّا ذكرنا كله : أن فقه الحديث بيان المعذوريّة من حيث الحكم الوضعي في الجهل بالموضوع ، لكن مورده في الأوّل : في الجاهل المركّب. وفي الثاني : الجاهل البسيط ؛ لصراحة تعليل الأهونيّة في ذلك في الرواية في ذلك كما هو ظاهر ، وليس فيها تفكيك بعد حمل الجهل فيها على المعنى الأعمّ. أي : عدم العلم بالواقع ، مع إرادة الخصوصيّة من الخارج ، فاللفظ استعمل في الجامع ، ويعلم

__________________

(١) أقول : انّما عبّر عنه بالحسن ، لمكان ابراهيم بن هاشم ؛ حيث لا يوجد له توثيق صريح في كلمات القدماء غير انه ممدوح عندهم. والحق : ان الرجل في أعلى درجات الوثاقة بل فوقها فالصحيح ان الحديث صحيح لا غبار عليه وتوضيح المطلب ، يطلب من محلّه وقد فصّلناه في أبحاثنا الرجالية والحديثيّة.

(٢) الكافي الشريف : ج ٧ / ١٩٢ باب « حدّ المرأة التي لها زوج ... » ـ ح ٢ ، عنه وسائل الشيعة :ج ٢٨ / ١٢٦ باب « ان من زنى وادعى الجهالة ... » ـ ح ٣.

٤٧٣

إرادة الخصوصيّة في الموردين بقرينة التعليل.

وإلى ما ذكرنا أشار شيخنا قدس‌سره بقوله : « فتأمّل فيه وفي دفعه » (١) (٢) فإن كان

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٤٥ وفي الكتاب : « فتدبر فيه وفي دفعه ».

(٢) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« أمّا التدبّر في أصل الإشكال فيقال فيه :

أمّا على تقدير كون المراد بالجهالة في جميع الفقرات متّحدا ـ بأن يكون المراد منها في الجميع الغفلة ـ فلأنه مستلزم لكون تعليل أولويّة الجاهل بالحكم بالعلّة المذكورة تعليلا بالعلّة المشتركة وهو قبيح كما لا يخفى ، أو بأن يكون المراد منها في الجميع الشك ، فإنه لا وجه للتعليل حينئذ أصلا لكونه كذبا. وأمّا على تقدير كون المراد منها في هذه الفقرة الغفلة وفي سابقتها الشك ، فيلزم التفكيك بين الجهالتين وهو خلاف الظاهر ، إلاّ أنه بعد دوران الأمر بينه وبين التقدير الأوّل بأحد احتماليه يجب الإلتزام به لبطلان الأوّل وفساده عند العقل مطلقا بخلاف الثاني فإن غايته كونه مخالفا للظاهر ، لا قبيحا والظاهر يخرج عن مقتضاه بعد قيام القرينة عليه بالضرورة ولذا قال قدس‌سره : ( ومحصّله لزوم التفكيك بين الجهالتين ) بغير موجّه ـ بالفتح ـ وأمّا التدبّر في دفعه :

فبأنّ الجهالة معناها إنّما هو عدم العلم المعبّر عنه بالفارسيّة بـ ( ناداني ) المتحقّق تارة في ضمن الشك وأخرى في ضمن الغفلة كما مرّت الإشارة إليه وهي مستعملة في كلا الموضعين من الرّواية في هذا المعنى العام إلا انه لمّا لم يكن لها مصداق في الثاني منهما ـ وهو الجهل بأن الله حرّم عليه التزويج في العدّة ـ إلاّ في ضمن الغفلة لوضوح هذا الحكم بين المسلمين كالشمس في رابعة النهار بحيث يعرفه كلّ أحد ممّن قرعت سمعه كلمة الإسلام أو كان لها

٤٧٤

__________________

مصداق آخر ايضا لكنه في غاية الندرة بحيث كاد أن يلحق بالمعدوم فعلّل ٧ أولويّة العذر هنا بعدم القدرة على الإحتياط ؛ لانحصار مورد الجهالة هنا في الغفلة لا لإستعماله إياها هنا في الغفلة حتى يلزم التفكيك مع أنه لا يعقل مع اطلاق الجهالة في السؤال بكلا شقّية وقوع الجواب بكونها أهون في الشقّ الثاني معلّلا بأني فرضت الجاهل فيه الغافل وهو لا يقدر على الإحتياط ؛ لكون ذلك بمكان لا يمكن نسبته إلى أحد منّا فكيف بالإمام ٧؟! » إنتهى.

أنظر تقريرات السيد المجدد الشيرازي : ج ٤ / ٤٥ ـ ٤٦.

* وقال سيّد العروة قدس‌سره :

« لا يحضرنا شيء في دفع الإشكال ، والإلتزام بالتفكيك لا بد منه ؛ لأن الجاهل الغافل لا يقدر على الاحتياط مطلقا سواء كانت جهالته بحكم الحرمة أو بموضوع كونها في العدّة والجاهل الملتفت يقدر على الإحتياط في الجهالتين فتعليل أهونيّة جهالة الحكم بعدم القدرة معها على الاحتياط لازمه فرض الجاهل فيه غافلا وفرض الجاهل في موضوع العدّة ملتفتا وهذا هو التفكيك المستبعد.

ولعلّ في التفكيك : أن الغالب في الجاهل بالحكم هو الجاهل الغافل لأن الملتفت لا يجهل مثل هذا الحكم الواضح بين المسلمين بخلاف الجاهل بالموضوع فانه قد يكون غافلا وقد يكون ملتفتا على حدّ سواء » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٩٧.

* وقال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« هذا التخصيص موجب لورود إشكال على الرّواية على كل تقدير من لزوم كذب العلّة مضافا إلى تخصيص العلّة المشتركة بأحد المتشاركين على فرض حمل الجهل في

٤٧٥

المراد بالجاهل المركب في الحكم القاصر منه ، وبالجاهل البسيط في الموضوع القسم الأوّل منه ـ مع فرض جريان يقتضي معذوريّته من حيث الحكم ـ انطبق

__________________

الموضعين على الشك ولزوم خصوص تخصيص العلّة المشتركة على تقدير حمله على الغفلة فيهما ولزوم التفكيك فيه بينهما لو حمل على الغفلة في موضع التعليل وعلى الشك في الموضع الآخر فتدبّر.

[ فالإشكال وارد فيها ] على كل حال وغاية ما يمكن ان يقال في دفعه :

هو أن إرادة الغفلة في أحد الموضعين والشك في الآخر لا يوجب التفكيك في الجهالة بحسب المعنى فيهما ؛ فإنه من الجائز بل المتعيّن في استعماله في كلا الموضعين في المعنى العام الشامل للغفلة والشك لكن لما كان الغالب في الجهل بالحكم هو الغفلة إذ مع وضوح هذا الحكم بين المسلمين قلّما يتّفق مع الإلتفات اليه الشك فيه بخلاف الجهل بكونها في العدّة فانه يتحقق غالبا مع الإلتفات لكثرة أسبابه ؛ إذ المتعارف بحيث قلّ ان يتخلّف التفتيش من حال المرأة التي يريد أن يزوّجها ومعه من المستحيل عادة ان لا يصادف ممّا يورث التفاته إلى انّها في العدّة ام لا ، كما لا يخفى ، خصّ الإمام عليه‌السلام الجاهل بالتحريم بالأعذريّة معللا بكونه غير قادر على الإحتياط ؛ نظرا إلى أنّ الغالب فيه الغفلة بخلاف الجاهل بالعدّة من دون اعتناء منه عليه‌السلام بما يتّفق نادرا في الموضعين [ فلا ] تفكيك بحسب المعنى في الموضعين ، فافهم » إنتهى. أنظر درر الفوائد : ٢٠١.

أقول : وأنظر توضيح الإشكال ودفعه أيضا في كلّ من حاشية فرائد الأصول للمحقق الهمداني : ١٥٨ ـ ١٥٩.

وكذا قلائد الفرائد : ج ١ / ٣٢٥ ، وأجود التقريرات : ج ٣ / ٣١٨ ، ونهاية الأفكار : ج ٣ / ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، ومقالات الأصول : ج ٢ / ١٧٥.

٤٧٦

مورد المعذوريّة من حيث الحكم الوضعي مع مورد المعذوريّة من حيث الحكم التكليفي ، فافهم.

(١١١) قوله قدس‌سره : ( وقد يستدلّ على المطلب أخذا من الشهيد ... الى آخره ). ( ج ٢ / ٤٥ )

تقريب الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان

أقول : الحديث ما رواه في « الذكرى » عن « الكافي » في « النوادر » في « المعيشة » بسنده « الصحيح » عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كلّ شيء يكون فيه حرام وحلال فهو حلال لك أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (١) وقريب منه « صحيحة » أخرى لابن سنان عن أبي جعفر عليه‌السلام عن الجبن ... إلى أن قال : فقال عليه‌السلام : « أخبرك عن الجبن وغيره كلّ ما فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه » (٢).

وتقريب الاستدلال بالصحيحة الأولى (٣) كما في « شرح الوافية » للسيّد

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٥ / ٣١٣ ، باب « النوادر » ـ ح ٣٩ ، وسائل الشيعة : ج ٢٤ / ٢٣٦ باب « حكم السمن والجبن وغيرهما » ـ ح ٢.

(٢) الكافي الشريف : ج ٦ / ٣٣٩ باب « الجبن » ـ ح ١ ، عنه وسائل الشيعة : ج ٢٥ / ١١٧ باب « جواز أكل الجبن ونحوه ... » ـ ح ١.

(٣) قال المحقق الأصولي الشيخ محمد هادي الطهراني قدس‌سره :

٤٧٧

صدر الدين : « أن قوله : « كل شيء فيه حلال وحرام » يحتمل أحد معان ثلاثة :

الأوّل : أن كل فعل من جملة الأفعال التي تتّصف بالحلّ والحرمة ، وكذا كل عين ممّا يتعلق به فعل المكلّف ويتّصف بالحلّ والحرمة إذا لم يعلم الحكم الخاص به من الحل أو الحرمة فهو لك حلال ، فيخرج ما لا يتّصف بهما جميعا من الأفعال الاضطرارية والأعيان التي لا يتعلّق بها فعل المكلّف. وما علم أنه حلال لا حرام

__________________

« محصّل هذه الرواية : انّ ما كان حلالا بمقتضى أصل من الأصول لا يمنع من حلّيّته مجرّد الإحتمال ؛ فإن اليد دليل على الملكيّة فلا يعتدّ باحتمال كون الثوب سرقة أو العبد حرّا ، والأصل عدم كون الإمرأة أختا أو رضيعة ، بمعنى انّه لا يعتدّ باحتمال الخصوصيّة باشتمال الكلّي عن صنفين مختلفين في الحكم وإن أوجب احتمال الحرمة ، إلا انّه لا أثر له ؛ لاندفاعه بالأصل ، وهذا معنى هذه الرّوايات فلا ربط لها بما نحن بصدده ، مع أن مجرّد الإحتمال يكفي في فساد الإستدلال ، وليس المراد اشتمال الجزئي الحقيقي على الأمرين ؛ فإنه إمّا يجب الإجتناب عنه وإمّا يجب فيه الخمس ، فالمراد انقسام الكلّي إلى القسمين وكونه منشأ للتّردّد لدوران أمر الموجود الخارجي بين الأمرين.

وأما مجرد احتمال التحريم ودوران الحكم بين الحرمة والإباحة مثلا كما في شرب التتن ، فلا يصدق عليه أنّ فيه حلالا وحراما ، وفرق واضح بين التردّد والتقسيم ، وكونه منقسما اليهما عند الشخص من الأغلاط فإن الشك ليس تقسيما عند الشخص مع أنّ هذا التقييد على تقدير الصحّة جزاف محض لا شاهد عليه ، والإستدلال بمجرّد الاحتمال غلط.

فتبيّن ممّا حقّقناه فساد ما ذكره شارح الوافية وغيره في تقريب الإستدلال » إنتهى.

أنظر محجة العلماء : ج ٢ / ١٠.

٤٧٨

فيه أو حرام لا حلال فيه ، وليس الغرض من ذكر هذا الوصف مجرّد الاحتراز ، بل هو مع بيان ما فيه الاشتباه ، فصار الحاصل : أن ما اشتبه حكمه وكان محتملا لأن يكون حلالا ولأن يكون حراما فهو حلال سواء علم حكم كليّ فوقه أو تحته ـ بحيث لو فرض العلم باندراجه تحته أو تحققه في ضمنه لعلم حكمه أيضا ـ أم لا.

الثاني : أن كل شيء فيه الحلال والحرام عندك ـ بمعنى أنّك تقسمه إلى هذين وتحكم عليه بأحدهما لا على التعيين ، ولا تدري المعيّن منهما ـ فهو لك حلال.

الثّالث : أن كل شيء يعلم له نوعين أو صنفين ، نصّ الشارع على أحدهما بالحل وعلى الآخر بالحرمة واشتبه عليك اندراج فرد فلا تدري من أيّ النوعين أو الصنفين فهو لك حلال ، فيكون معنى قوله : « فيه حلال وحرام » ؛ أنه ينقسم إليهما ، ويمكن أن يكون المراد بالشيء : الجزئي المعيّن ، وحينئذ يكون المعنى : أنه يحتمل الحلّ والحرمة للاشتباه في كونه فردا للحلال والحرام مع العلم بهما لنصّ الشارع عليهما ، وحاصل المعنيين أمر واحد. والمعنى الثالث أخصّ من الأوّلين ، والثاني مرجعه إلى الأوّل ، وهو الذي ينفع القائلين بالإباحة. والثالث هو الذي حمل القائل بوجوب التوقّف والاحتياط هذه الأحاديث عليه » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) شرح الوافية : ٢٤٧ ـ ٢٤٨ مخطوط انظر الوافية : ١٨١ ، وكذا الفاضل النراقي في المناهج : ٢١١.

٤٧٩

وما ترى في « الكتاب » لخّصه شيخنا قدس‌سره من كلامه وفاقا للمحقق القمّي قدس‌سره في « القوانين » (١).

والمعنى الثالث سواء اعتبر وجود النوعين ، أو الصنفين في الشيء بجعله كليّا ، أو حمل على الاحتمال والترديد في الشيء بجعله جزئيّا ، فالتقسيم يعتبر فيما هو فوقه فينطبق على الشبهة الموضوعيّة فقط.

ومن هنا ذكر : أن القائل بالاحتياط يحمل الأحاديث على المعنى الثالث ، فإنّهم يلتزمون بالإباحة في الشبهة الموضوعيّة.

ثم إنه زاد الفاضل النراقي في « المناهج » احتمالات أخر على ما ذكره في الرّواية من الاحتمالات فإنه بعد ما ذكر الاحتمالات الثلاثة المتقدمة من شارح « الوافية » قال ما هذا لفظه :

« الرّابع : أن كل فعل أو عين له أنواع ، نصّ الشارع على أحدها بالحلّ وعلى الآخر بالحرمة ، واشتبه عليك في نوع ثالث هل نصّ عليه بالحل أو الحرمة؟ فهو لك حلال. مثاله : اللحم له أنواع ، لحم الغنم ، ولحم الخنزير ، ولحم الحمير ، تعلم حلّيّة الأوّل وحرمة الثاني واشتبه عليك الأمر في الثالث.

الخامس : أن كل شيء من فعل أو عين له نوعان حلال وحرام ، واشتبه عليك

__________________

(١) القوانين : ج ٢ / ١٨ وتلخيص القوانين للمطلب هو السبب في التفاوت الكثير في العبارة بين الموجود في شرح الوافية والفرائد.

٤٨٠