بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

وأمّا ما أفاده أخيرا في منع حصول المعرفة مع استناد العمل إلى التّقليد ، فيتوجّه عليه : أنّ الإفاضة الإلهيّة الرّبانيّة عامّة شاملة كلّ محل قابل لها ولا دخل للاجتهاد في الفروع في قابليّة المحلّ لها ، كما أنّه لا يمنع عنها التّقليد والّذي له دخل تامّ فيها تهذيب النّفس من الأخلاق الرّديّة والخلوص في النيّة والعمل من غير فرق بين كون طريق العمل الاجتهاد أو التّقليد ، بل ربّما يكون اطمئنان المقلّد بصحّة عمله أقوى من اطمئنان المجتهد بها هذا.

ويستفاد ممّا أفاده قدس‌سره بعد الفراغ عن نقل الأخبار المفسّرة للإيمان وبيان ما يستفاد منها : الاستدلال لوجوب المعرفة بالوجوب النّفسي المستقلّ بالنّسبة إلى مراتب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة سلام الله عليهم أجمعين مضافا إلى الكتاب والسّنة بحكم العقل بذلك فإنّه قال فيما سيأتي من كلامه :

« نعم ، يمكن أن يقال : إنّ معرفة ما عدا النّبوّة واجبة بالاستقلال على من هو متمكّن منه بحسب الاستعداد وعدم الموانع لما ذكرنا من عمومات وجوب التّفقّه وكون المعرفة أفضل من الصّلاة الواجبة وأنّ الجهل بمراتب سفراء الله جلّ ذكره مع تيسّر العلم بها تقصير في حقّهم وتفريط في حبّهم ونقص يحكم العقل برفعه بل من أعظم النّقائص » (١) انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.

ويمكن المناقشة فيه أيضا : بأنّه لا شبهة في أنّ الإحاطة بمراتبهم وحدودهم

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٦٦ وفيه : وتفريط في حبّهم ونقص يجب بحكم العقل رفعه.

٢٤١

وصفاتهم وما هم عليه غير مقدور للمخلوق وإنّما هي حاصلة لخالقهم وصانعهم والمقدور من المعرفة بمراتبهم المستفادة من الأخبار ولو بانضمام العقل زائدا على ما يعتبر في تحقّق الإيمان. ولا إشكال في اعتباره في كمال الإيمان ؛ حيث إنّه ذو مراتب متعدّدة ودرجات متدرّجة كما سيأتي الكلام فيه ، ومن هنا اعتبر فعل الصّلاة والزّكاة في جملة من الأخبار المفسّرة للإيمان ، إلاّ أنّ حكم العقل بوجوبه في حيّز المنع.

فقد ظهر ممّا ذكرنا كلّه : أنّه لا دليل على وجوب معرفة التّفاصيل على سبيل الاستقلال ، بل ربّما يستفاد ممّا سيأتي في بيان الإيمان من الأخبار ـ نظرا إلى سكوتها عن بيان وجوب معرفة التّفاصيل ـ عدم وجوب الزّائد على ما ذكر فيها مطلقا وإن كانت الاستفادة المذكورة محلّ للمنع.

(٦٠) قوله قدس‌سره : ( فإنّ الظّاهر : أنّ حقيقة الإيمان الّتي يخرج الإنسان بها عن حدّ الكفر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٦١ )

عدم تغيير حقيقة الايمان بعد انتشار الشريعة

أقول : هنا توهّمات ومناقشات فيما أفاده قدس‌سره من عدم تغيير حقيقة الإيمان بعد انتشار الشّريعة وأنّ حدّ الإيمان في كلّ عصر وزمان هو التّوحيد والتّصديق

٢٤٢

بنبوّة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما في « الكافي » (١) ؛

أحدها : أنّ التّصديق بالمعاد وبالإمامة ـ كما في جملة من الأخبار الّتي ذكرها في « الكتاب » بعد رواية « الكافي » ـ معتبر في الإيمان بل التّصديق بجميع الضّروريّات معتبر فيه ، بعد انتشار الشّريعة مع عدم اعتباره في أوائل البعثة ، على ما في رواية « الكافي ».

ثانيها : أنّه قد ثبت في الأزمنة المتأخّرة عن أوائل البعثة أنّ فعل جملة من الأمور مثل ما يرجع إلى توهين الشّرع وتخفيفه والهتك بالنّسبة إلى ما ثبت وجوب احترامه موجب للكفر الموجب للخلود ولو كان عن عصيان بحيث يعتقد بثبوت حرمته في الشّرع وأنّ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغ في حقّه ، إلاّ أنّه يختار فعله لبعض الأغراض والدّواعي النّفسانيّة عصيانا فلا يرجع إلى إنكار النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّا إنكار الضّروري كإلقاء بعض الأدعية وأوراق كتاب العزيز في بيت التّخلية مثلا نعوذ بالله تعالى منه لبعض الأغراض النّفسانيّة مع الاعتراف بحرمته ؛ فإنّه موجب للكفر الموجب للخلود عندهم. وقد أفردوا له بابا فيما يوجب الكفر في قبال إنكار الضّروري وتكذيب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثالثها : أنّ المنافق المظهر للشّهادتين والمقرّ بالتّوحيد والنّبوّة في مرحلة الظّاهر مع عدم الاعتقاد باطنا كأن يعامل معه معاملة المؤمن في أوائل البعثة مع

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٢ / ٢٢ باب « دعائم الإسلام » ـ ح ١١.

٢٤٣

كون حكمه في الأزمنة المتأخّرة على خلاف ذلك ؛ فإنّه يعامل معه معاملة الكفر وليس ذلك إلاّ من جهة اختلاف حقيقة الإيمان بحسب الأزمنة هذا.

ولكنّك خبير بعدم توجيه شيء ممّا ذكر على ما أفاده قدس‌سره.

أمّا الأوّل : فإنّ التّصديق بأن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رسول عن الله تعالى صادق في جميع ما يبلّغ عن الله تعالى على وجه الإجمال ، عين التّصديق بما ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التّفصيل في الأزمنة المتأخّرة كالمعاد الجسماني والإمامة الخاصّة للأئمّة الاثني عشر ( سلام الله عليهم أجمعين ) ونحوهما ، وإن كانت المصلحة مقتضية للسّكوت عن بيانها في أوائل البعثة للمداهنة ونضج الشّريعة. ومن هنا كان تبليغ الأحكام الفرعيّة من نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل كلّ نبيّ على التّدريج حسبما يقتضيه حال كلّ عصر وزمان.

ومن هنا يعلم : أنّ اعتبار عدم إنكار ما ثبت بالضّرورة عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأزمنة المتأخّرة بل اعتبار عدم إنكار كلّ ما ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولو بغير الضّرورة في الإيمان ، ليس من جهة ثبوت موضوعيّة لعدم الإنكار ، بل من جهة منافاته لتصديق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المعتبر فيه ، فإنّ الإنكار التّفصيلي لما ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينا في التّصديق الإجمالي ؛ فإن اختلاف الإجمال والتّفصيل إنّما هو بهذه الملاحظة وإلاّ فهما متّحدان كما عرفت ، فالمعتبر في الإيمان حقيقة التّصديق بما ثبت عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا عدم إنكاره وإن كانت عبارة « الكتاب » موهمة لخلاف ذلك هذا. وسيأتي تمام الكلام في تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.

٢٤٤

نعم ، ظاهرهم كون التّصديق بالمعاد معتبرا في الإيمان مستقلاّ وكونه أصلا برأسه في قبال التّوحيد والنّبوة مع خلوّ الأخبار الواردة في تفسير الإيمان عن التّعرض له ، لكنّه لا تعلّق له بما أفاده قدس‌سره فإنّ ظاهرهم كونه معتبرا في الإيمان في جميع الأزمنة مستقلاّ في قبال الأصلين. وسيأتي الكلام في بيان ذلك وشرح القول فيه هذا.

وأمّا الثّاني ؛ فلأنّ إيجاب ما ذكر للكفر مع عدم رجوعه إلى تكذيب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما هو المفروض فيكون تركه معتبرا في الإيمان في الأزمنة المتأخّرة إنّما هو من جهة عدم تبليغ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرمته في أوائل البعثة ، لا من جهة الاختلاف في حقيقة الإيمان بحسب اختلاف الأزمنة ، فلو قيل بكون ترك الصّلاة عمدا موجبا للكفر [ و ] كذا فعل اللّواط كما هو مقتضى بعض الأخبار بعد ثبوت وجوبها وحرمته لم يكن ذلك موجبا للاختلاف في حقيقة الإيمان بعد عدم ثبوت الوجوب والحرمة في أوائل البعثة فتدبّر.

وأمّا الثّالث : فلأنّ المنافق كافر مطلقا غاية الأمر اقتضاء المصلحة لمعاملة الإسلام معه في الصّدور الأوّل وهذا لا دخل له بالاختلاف في حقيقة الإيمان بحسب الأزمنة وهذا أمر واضح لا شبهة فيه أصلا.

٢٤٥

(٦١) قوله قدس‌سره : ( والمستفاد من هذه الأخبار المصرّحة ... إلى آخره ) .. ( ج ١ / ٥٦٤ )

تعارض الاخبار الواردة في الاصول ودفعه

أقول : لا يخفى عليك اختلاف الأخبار الواردة في تحديد الإيمان وتفسيره وشرحه وبيان أقلّ ما يكتفى به من مراتبه ممّا نقله شيخنا قدس‌سره في « الكتاب » وما طوى ذكره ممّا هو قريب منه ، بل لعلّها متعارضة بظواهرها في ابتداء النّظر ، فلا بدّ من التكلّم فيه ورفعه.

ولا بدّ من أن يعلم ؛ أوّلا : أنّ الإيمان لمّا كان موضوعا للأحكام الشّرعية الدّنيوية والآثار الأخرويّة ولم يكن للعقل ولا لغيره مدخل فيه ، فلا بدّ من أن يرجع في تحقيق المراد منه إلى بيانات الشّارع ، ومن هنا وقع السّؤال عنه في الأخبار (١).

__________________

(١) قال الفاضل الجليل الشيخ رحمة الله الكرماني قدس‌سره :

أقول : هذا المعنى الذي فسّر الايمان به مبهم مجمل بظاهره فاسد.

يصلحه ـ إن نفعه ـ أنّ الإيمان : الإذعان والإلتزام بالأحكام الشرعيّة الدنيويّة المترتبّة عليها الآثار الأخرويّة وهذا غاية ما يصلحه ولا ينفعه ؛ فإن الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو.

فبالحريّ أن نعرض عن كلام الغير ونتكلّم بما يبدو لنا وأجري عليه قلمنا فنقول :

قد يطلق الإيمان ويراد به ما يرادف الإسلام ، وقد يطلق ويراد به المعنى الأخص وهو ما

٢٤٦

إذا عرفت ذلك فأقول : إنّ اختلاف الأخبار أمر ظاهر لا يحتاج إلى البيان أصلا لمن راجعها ؛ حيث إنّ في بعضها اقتصر على معرفة الله تعالى ومعرفة

__________________

عليه الفرقة المحقّة الإماميّة من فرق الإسلام.

وأيّا ما كان : هل هو الإذعان بالجنان أو هو مع الإقرار باللسان أو هما مع العمل بالأركان؟والأقرب : انه الإذعان ويكشف عنه الإقرار باللسان ويزيّنه العمل بالأركان ولعلّه يستفاد من قوله تعالى : )قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ( « الحجرات : ١٤ ».

والمعتبر فيه وجوبا وتحققا ما هو معلوم وما هو المشكوك.

والتحقيق : انه له مراتب ، لكل مرتبة أحكام وآثار منها : ما هو مطهّر محقن للدم محرّم للمال والعرض. ومنها : ما هو هو بزيادته أحكام أخر. ومنها : ما هو مع ذلك منج من العقاب وباختلاف هذه المراتب اختلفت الأخبار في تفسيره بالزيادة والنقصان.

وهل له أصل يرجع إليه فيما شك في اعتباره فيه؟ الأصل بإعتبار التكليف بالإعتقاد في الزائد على قدر المعلوم معلوم وباعتبار تحقّق الموضوع كيما يترتّب عليه الآثار الثابتة لهذا الموضوع يمكن استخراج الأصل فيه من النبوي المعروف.

« كلّ مولود يولد على الفطرة إلاّ أنّ أبواه يهوّدانه وينصّرانه ».

فإن اعتمدنا عليه فالأصل أيضا معلوم وإن جعلنا الإيمان أمرا حادثا بعد البلوغ غير حاصل قبله ، فالأصل وإن كان عدم الحصول والحدوث فيما شك فيه إلاّ أنّا بالمقدار المعلوم الإعتبار يمكن دفع المشكوك اعتباره بالأصل ، ولو جعلناها موضوعة للصحيحة صار الأصل على خلاف الفروض المذكورة وبسط الكلام في هذا المرام في الكلام ولا يقتضيه هذا المقام فختمنا على الإرقام بالإختتام ». إنتهى. الفرائد المحشّى : ١٧٢.

٢٤٧

النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشّهادة بالتّوحيد والنّبوة ، وفي بعضها أضاف معرفة الإمام عليه‌السلام كما في رواية [ سليم بن ] قيس (١) وجملة منها (٢) ، والمراد بالإقرار بالطّاعة فيها الإشارة إلى عدم كفاية مجرّد المعرفة القلبيّة واعتبار الإقرار اللّساني بما اعتقده في الإيمان ، ويحتمل ضعيفا إرادة الإذعان بلزوم الطّاعة الّذي هو لازم المعرفة.

وفي آخر : اعتبار الإقرار بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من عند الله كما في غير واحد منها.

وفي ثالث : اعتبار البراءة من أعداء آل محمّد صلوات الله عليهم كما في رواية إسماعيل (٣).

وفي رابع : اعتبار إقامة الصّلاة وإيتاء الزّكاة وصوم شهر رمضان والحجّ كما في رواية أبي بصير.

ومقتضى العلاج وإن كان الأخذ بما كان مشتملا على ما لا يشتمل عليه غيره لرجوع التّعارض إلى العموم والخصوص أو الإطلاق والتّقييد ، إلاّ أنّ من الواضح إباءها عن الجمع المذكور لورودها في مقام البيان والتّحديد ؛ فيلزم تأخير البيان اللاّزم فلا بدّ من الجمع بوجه آخر بحيث يرفع الاختلاف والتّعارض

__________________

(١) كتاب سليم : ٥٩.

(٢) الكافي الشريف : ج ٢ / ٢٢ باب « دعائم الاسلام » ـ ح ١١.

(٣) الكافي الشريف : ج ٢ / ٤٠٥ باب « المستضعف » ـ ح ٦.

٢٤٨

بينها ، فنقول :

أمّا عدم ذكر معرفة الإمام عليه‌السلام في رواية « الكافي » ؛ فإنّما هو من جهة عدم تبليغ النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الحكم الأصولي في الصّدر الأوّل (١) لما رآه من المصلحة في

__________________

(١) القول بعدم تبليغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إياه من رأس ممنوع ، نعم ، التأكيد والإصرار عليه ـ لما كان الايمان أعلى كعبا وأزلف قربا وأشرف رتبة وهؤلاء حديثوا عهد بالجاهلية عاشوا دهرا في الظلمات لم يروا نورا ولم يهتدوا اليه سبيلا وكانت الحكمة الإلهيّة تقتضي التدرج في بيان الاصول حيث التركيز على خصوص الدعوة الى التوحيد من خلال الايمان برسالة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا الانذار من يوم الحساب ـ لم يكن بمثابة الإصرار على التوحيد والتشرّف بشرف الإنقياد للإسلام.

وبصورة عامّة فإن أيام مكة المكرّمة هي أيام تأسيس أبنية النفوس على الاصول التي بني عليها الإسلام من الدعوة إلى رفض الشرك والإذعان بوحدانية الله عزّ وجل وتصديق الانبياء والايمان بهم وبيوم البعث الذي تنشر فيه دواوين العباد للحساب فيعطى المؤمن ثوابه ويجزي الجاحد عقابه لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، لكن كل ذلك لم يمنع من أن يذكّر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدور الأمير عليه‌السلام في كيان الاسلام بأمر من العزيز الجبّار بين فترة وأخرى وحينة وفينة.

أما سمعت بيوم الدار وإنذار العشيرة؟! أم كنت غائبا عن ليلة المبيت وصنع وزيره؟! وهلاّ تأمّلت في أخبار الإسراء وأسرار ما انتهى اليه الحبيب في معراجه ومصيره؟ وبم أوصاه ربّ العزّة في سفيره؟

الى غير ذلك مما شاء الله عزّ وجل من التنبيه عليه في قضيّة الإمامة منذ أوائل البعثة

٢٤٩

ترك البيان على ما عرفت الإشارة إليه سابقا. وهذا بخلاف سائر الأخبار ؛ فإنّ ورودها بعد تعريف الولاية وتبليغ الإمامة وإن كان الإقرار بالنّبوّة وتصديق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملازما للإقرار بكلّ ما جاء به ويجيء به على سبيل الإجمال.

وأمّا اعتبار الإقرار بما جاء به النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غير واحد من الأخبار ، فلا ينافي ما لا يشتمل عليه ؛ لعدم انفكاك تصديق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نبوّته عن الإقرار بما جاء به ؛ فإنّ المراد من الإقرار بما جاء به من عند الله كونه صادقا فيما يخبر به من عند الله وهو معنى تصديقه في نبوّته.

ويحتمل قريبا أن يراد منه : الإقرار بنفس ما جاء به أصولا وفروعا وكونه من عند الله تعالى على وجه التّفصيل بعد ثبوته ، فيرجع إلى الاعتقاد بالنّبوة والإقرار بها وإن اختلفا بالإجمال والتّفصيل على ما عرفت الإشارة إليه كما هو واضح.

__________________

وحتى يوم الخميس ، يوم الرزيّة التي اعترف بها كل طاهر وخبيث.

وكيف كان فبما ان الأمير يمثل الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل شاء الله سبحانه ان تكون نفسه نفسه كان الايمان بالرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاعتراف والإقرار به والتسليم له هو عين الاعتراف بالأمير عليه‌السلام وأولاده النجباء ؛ لأنهم في الواقع إمتداد لتلك الشخصية العظيمة فمن ثمّ كان يكتفى بالتسليم للنبي الأكرم « صلوات الله عليه وعلى أهل بيته » في إبّان الدعوة. ولهذا الإجمال تفصيل يطلب من محلّه. ومنه تعرف ان ما ذكره قدس‌سره من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك البيان من رأس ـ في تلك الأيام ـ لا يخلو من نظر.

٢٥٠

وأمّا اعتبار البراءة من أعدائهم في السّؤال في رواية إسماعيل الّذي قرّره الإمام عليه‌السلام فإنّما هو من جهة مزيد الاهتمام بها ، وإلاّ فليست أصلا مستقلاّ ، بل هي لازم الولاية الخاصّة وعليه يحمل كلام المفيد قدس‌سره في أوائل « المقنعة » (١) حيث جعلها في ظاهر كلامه أصلا مستقلاّ كما صنعه بعض ممّن تأخّر عنه فتدبّر.

وأمّا اعتبار فعل العبادات الأربعة كما في رواية أبي بصير فيحمل على إرادة اعتباره في الدّين بالمعنى الأعمّ من الأصول والفروع ، فذكر خصوص الأربع إنّما هو من جهة مزيد الاهتمام بشأنها ويشهد له ذيل الرّواية ـ وإن توهّم منافاته للسؤال في الرّواية بقوله : « ما لا يسعهم جهله » ـ أو يحمل على إرادة المرتبة الكاملة من الإيمان أو غير ذلك ، حتّى لا ينافي الأخبار الصّريحة بل الإجماع الظّاهر.

__________________

(١) أنظر المقنعة : ٣٣.

٢٥١

بقي في المقام أمور يجب التّعرض لها :

المعاد الجسماني أصل مستقل

الأوّل : أنّ ظاهرهم الاتّفاق على كون المعاد بل المعاد الجسماني أصلا مستقلاّ في قبال سائر أصول الدّيانات ، لا أن يكون اعتباره في الإيمان كاعتبار الاعتقاد بسائر الأمور الثّابتة من النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصولا وفروعا ، ولا ينافي ذلك ما تسالموا عليه : من كون الاعتقاد بالمبدأ ملازما للاعتقاد بالمعاد ؛ فإنّه لا ينافي جعله أصلا مستقلاّ.

وعدم ذكره في خبر من أخبار الباب ربّما يشهد على عدم كونه أصلا مستقلاّ وكونه من فروع تصديق النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يظهر من بعض الأصحاب ، بل ربّما يستظهر من كلام شيخنا قدس‌سره فيما سيجيء من كلامه وإن كان الاستظهار في غير محلّه ؛ لأنّ كلامه بالنّسبة إلى غير المعاد الجسماني ويمكن إرادته بالخصوص من قوله : « والإقرار بما جاء به ... » (١) في رواية عيسى (٢) فتأمّل.

والقول : بكون السّكوت عنه من جهة وضوح أمره وعدم الاختلاف فيه

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٦٣.

(٢) الكافي الشريف : ج ٢ / ٢١ باب « دعائم الإسلام » ـ ح ٩.

٢٥٢

وكونه معتبرا في الإيمان بالاتّفاق شطط من الكلام ؛ إذ ليس أمره أوضح من أمر التّوحيد والنّبوّة مع التّصريح باعتبار الاعتقاد والإقرار بهما في جميع الأخبار (١). نعم ، في غير واحد من الآيات إشارة إلى كونه أصلا مستقلاّ ، بل في بعضها دلالة على ذلك وإن كان في أكثر الآيات الواردة في هذا الباب ما يدلّ على كونه كسائر الضّروريّات الدّينيّة كالصّلاة والزّكاة فراجع إليها ، بل يستفاد من الآيات الكثيرة مزيد اهتمام بشأنه وأنّ كلّ نبيّ كان مأمورا بتبليغه ، وأنّ إنكار النّبوّات في غالب الأعصار كان مستندا إلى إنكار المعاد والبعث ، بل ربّما كان إنكار الصانع مستندا إليه ، كما يظهر لمن راجع الآيات الواردة في هذا الباب وتأمّل فيها.

وأمّا القول : بأنّ الأخبار ليست في مقام بيان تمام ما يعتبر في الإيمان

__________________

(١) هذا منه في غاية الغرابة إذ لم يهمل أمر المعاد في الأخبار فكما تحدّثت عن لزوم الإقرار بالتوحيد والنبوّة تحدّثت إلى جانبه عن لزوم الإقرار بيوم البعث أيضا ولعله رضوان الله تعالى عليه لم يستقص الأخبار الواردة في الباب هذا الى جانب الكتاب الشريف حيث ان ثلث آياته المكيّة تناولت ذكر المعاد وتفاصيله وضرورة الاعتقاد به ، صحيح أنّ أمره ليس بأوضح من التوحيد والنبوّة ومع ذلك لم يذكر التصريح بالإقرار به في جملة من الأخبار ، لكن الميرزا رضى الله عنه ، كأنّه غفل عن ان الاعتراف بالأصلين السابقين مقدّمة لهذا الأصل بمعنى ان الاعتراف بالوحدانية بعد الإيمان بالنبوّة والإقرار بواقعها والإلتزام بمبادئها طريق للوصول الى نعيم الأبد أو شقاوة الأبد على تقدير الجحود وان كان واقع الأمر قد أجمل برمّته في المبدء الازلي قال الله عزّ وجل حكاية عن عباده : (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) إذ هو الأوّل والآخر ، إن كلّ من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا.

٢٥٣

فلا ينافي عدم التّعرض للمعاد ففاسد جدّا ، ولا يصدر ممّن له أدنى دراية بعد الرّجوع إلى تلك الأخبار.

الإيمان والإقرار بإمامة آل محمّد عليهم‌السلام أصل مستقل

الثّاني : أنّه لا إشكال في دلالة الأخبار على كون الاعتقاد والإقرار بالإمامة والولاية الخاصّة إلى ولاية آل محمد ( صلوات الله عليهم ) معتبرا في الإيمان بالمعنى الأخصّ وكونه أصلا مستقلاّ ، لكن المستفاد من غير واحد منها كون المعتبر معرفة إمام الزّمان لا بعد زمان المكلّف ، وأمّا قبل زمانه فالظّاهر : أنّه لا إشكال في اعتباره ؛ لأنّ الحصر المستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من مات ولم يعرف إمام زمانه ... » (١) إضافيّ.

نعم ، لا إشكال في اعتبار الاعتقاد بإمامة من بعده في حقّ من علم به بإعلام النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصيّ عليه‌السلام ، لكنّه ليس واجبا مطلقا وشرطا في الإيمان كذلك ، كما أنّ الاعتقاد بأنّ الزمان لا يخلو عن حجّة كما هو مدلول الأخبار بل العقل ، ويعبّر عنه بالنّبوة الكليّة والولاية المطلقة ، الظّاهر عدم اعتباره في الإيمان بعد الاعتقاد بالنّبوة الخاصّة والولاية الجزئيّة فتدبّر.

__________________

(١) انظر الكافي الشريف : ج ١ / ٣٧١ باب « انه من عرف إمامه ... » ـ ح ٥ وص ٣٧٦ باب « من مات وليس له امام من ائمة الهدى » ـ ح ١.

٢٥٤

العلم بالترتيب في الأئمة عليهم‌السلام شرط في الإيمان

الثّالث : أنّه لا إشكال في التّرتيب في إمامة الأئمّة الاثني عشر عليه‌السلام وهو مدلول أكثر الأخبار الواردة في النّص عليهم. فهل يعتبر في الإيمان الاعتقاد بالتّرتيب المذكور ، أو يكفي الاعتقاد بإمامتهم ولو لم يعلم التّرتيب؟

الظّاهر لزوم العلم بالتّرتيب (١) ؛ فإنّه لازم اعتبار العلم بنسبهم المعروف

__________________

(١) بل الظاهر ان العلم بالترتيب ولو اجمالا كاف للإنضمام في دائرة الايمان فلا يشترط العلم تفصيلا بمعنى ان المعرفة بالأئمة من آل محمّد عليهم‌السلام المنصوص عليهم من قبل الله عزّ وجل على لسان النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّهم اثنا عشر إماما أوّلهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وآخرهم المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف افترض الله طاعتهم على العباد وان الله عزّ وجل لا يقبل عملا من أحد الا بمن جاء بولايتهم يوم المعاد ويعرف اسمائهم وأعيانهم من دون أن يميّز ترتيبهم أو يطّلع على تفاصيل انباءهم بل يشدّ الرحال إلى زيارتهم في كربلاء والنجف وطوس وسامرّاء والكاظمين والبقيع وهو قد لا يعلم بأنّ الامام الجواد عليه‌السلام حفيد للإمام الكاظم صلوات الله تعالى عليه كما هو المشاهد عند جملة من عوام الشيعة ونسوانهم من الضعفاء ممن يعيش في القرى البعيدة على أنهم من الذين يخلصون الولاء لأهل البيت عليهم‌السلام حيث يظن بعضهم ان الإمام الجواد عليه‌السلام ابن للإمام الكاظم صلوات الله تعالى عليه ، ألا ترى انه تعارف عند العرب منهم تكنية كل كاظم عندهم بأبي جواد؟

٢٥٥

اللاّزم في معرفة الإمامة مع العلم بكون وفاة الحسن الزّكيّ عليه‌السلام قبل شهادة الحسين عليه‌السلام هذا بعض الكلام فيما يتعلّق بدلالة الأخبار ، وبقي هنا مطالب كثيرة ومسائل جليلة ليس الفنّ محلّ التّعرض لها وقد وقع الكلام في بعضها في « الكتاب ».

(٦٢) قوله قدس‌سره : ( وإنّه يكتفى في معرفة الرّب ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٦٥ )

أقول : استفادة ما أفاده في معرفة الرّب جلّ شأنه من الأخبار في غاية الإشكال. اللهم إلاّ أن يستفاد من معرفة الله تعالى المعتبرة في الإيمان أو الشّهادة بالتّوحيد المعتبرة في الإيمان بمقتضى الأخبار المتقدّمة اعتبار ما أفاده ،

__________________

حتى صارت عندهم عادة حتى عند من يعلم بوساطة الامام الرضا عليه‌السلام في البين.

فالحكم بخروج من لا يعرف الترتيب التفصيلي مع إقراره بالترتيب على الوجه الذي ذكرناه عن دائرة الايمان في غاية من الاشكال ـ لأنك لا تجد إماميا لا يعرف الأمير عليه‌السلام وانه أبو الأئمة كما لا تجد من يجهل الحسن والحسين صلوات الله عليهما أو زين العابدين عليه‌السلام لمكان كربلاء والمحرّم والاربعين ، بل ولا الصادق عليه‌السلام لكون كل جعفريّ منتسبا اليه ، بل ولا سائر الأئمة عليهم الصلاة والسلام بما فيهم مهديّ آل محمّد صلوات الله تعالى عليهم.

نعم ، قد لا يعرف الترتيب سكّان البوادي والقرى مع كمال الاخلاص الذي تجده عندهم والولاء ومن هذا حاله هل يصلح سلب عنوان الايمان عنه؟ الانصاف انه في غاية من الصعوبة والاشكال.

نعم ، لا يكفي الاقرار بالعدد مع الجهل بالاسم والعين وما لا بدّ منه في البين.

٢٥٦

والاستفادة المذكورة تحتاج إلى مزيد تأمّل.

نعم ، لا إشكال في عدم اعتبار الزّائد على ما ذكره قدس‌سره في الإيمان ، كما أنّ ما أفاده قدس‌سره بقوله : « والمراد بمعرفة هذه الأمور كونها في اعتقاد المكلّف ... إلى آخره » (١) لا إشكال في استقامته ؛ لأنّ المعتبر بمقتضى الأخبار المتقدّمة الشّهادة والمعرفة ونحوهما ، ويكفي في تحقّقها الاعتقاد الجزمي من غير فرق بين إمكان التّعبير عن المطلب بالعبارات المتعارفة بين الخواص وأهل العلم ، وعدم إمكانه كما هو واضح.

(٦٣) قوله قدس‌سره : ( ولا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٦٥ )

أقول : اعتبار الاعتقاد بعصمة النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمعنى الّذي ذكره قدس‌سره وإن لم يصرّح به في الأخبار المتقدّمة مع ثبوتها على مذهب الإماميّة ، إلاّ أنّ اعتبار عصمته ولو عن السّهو والخطأ والنّسيان فضلا عن المعصية في الجملة ، ممّا لا ينفك عن الاعتقاد بالنّبوة وكونه صادقا في كلّ ما يخبر به عن الله تعالى. وذهاب الصّدوق قدس‌سره والأخباريّين (٢) إلى تجويز الإسهاء من الله تعالى في حقّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٦٥.

(٢) لم يعترف الاخباريون بما اختاره الصدوق وشيخه « سامحهما الله عزّ وجل » في المقام فنسبة ذلك إليهم مع ان الذاهب الى مذهب الصدوق منهم نادر ، غريب بل لا بدّ من التنبيه على بطلانها.

٢٥٧

بعض الموضوعات كما دلّ عليه بعض الأخبار ، لا ينافي ما ذكرنا وإن أخطأوا فيما ذهبوا إليه كما حقّق في محلّه.

وأمّا القول بوجوب الاعتقاد المزبور والاعتقاد بسائر صفات النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وملكاته ومراتبه بالاستقلال في حقّ القادر على تحصيل العلم به ، وإن لم يكن شرطا في الإيمان ـ كما احتمله في « الكتاب » على ما يظهر من قوله قدس‌سره : « نعم ، يمكن أن يقال : ... إلى آخره » (١) وفاقا لما احتمله سابقا ـ فقد عرفت الكلام فيه ؛ وأنّه لا دليل عليه وإن كان واجبا شرطيّا ومستحسنا جدّا.

حيث إنّك قد عرفت : أنّ الإيمان ذو مراتب متعدّدة متدرّجة ، حصول كلّ مرتبة منه مشروط بحصول بعض مراتب المعرفة ، بل حصول بعض مراتبه مشروط بالعمل بالأركان زائدا على الاعتقاد بالجنان ، فطوبى ثمّ طوبى لمن حصل له كمال الإيمان بحسب الطّاقة البشريّة ؛ فإنّ له مراتب لا يصل إليها أيدي البشر ، إلاّ من خصّه الله تعالى بخلقه من نور قدسه وجلاله ، مع أنّه قال أيضا : « ما عرفناك حقّ معرفتك » (٢).

وأمّا إيماء النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى وجوب المعرفة بالتّفاصيل على سبيل الاستقلال

__________________

(١) نفس المصدر السابق : ج ١ / ٥٦٦.

(٢) أنظر غوالي اللئالي : ج ٤ / ١٣٢ ـ ح ٢٢٧.

٢٥٨

في الرّواية المعروفة (١).

فقد يناقش فيه أيضا : بأنّ الإشارة أو الدّلالة على وجوب المعرفة في الجملة مسلّمة لكنّهما على وجه العموم ممنوعان. فلا بدّ إذن من نقل الرّواية حتّى يتّضح حقيقة الأمر ؛ فنقول :

قد روي عن « الكافي » في باب « صفة العلم وفضله » بسنده عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : « دخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجل.

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا؟ فقيل : علاّمة. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وما العلاّمة؟ فقيل : أعلم النّاس بأنساب العرب ووقائعها وأيّام الجاهليّة والأشعار والعربيّة. قال : فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :ذاك علم لا يضرّ من جهله ولا ينفع من علمه. ثمّ قال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما العلم ثلاثة :

__________________

(١) قال الفاضل الكرماني قدس‌سره :

« ولعلّ الإيماء في النّبويّ إلى وجوب معرفة ما ذكر بملاحظة أن في عدّه صلوات الله تعالى عليه وآله العلوم الشرعيّة وحصره العلم فيها ونفيه الضرر عن الجهل بغيرها إشعارا بأن في الجهل بالعلوم الشرعيّة ومنها ما يعلم بمراتب سفراء الله وخلفائهم ضررا أو بأن تكون الآية أعم من التكوينيّة والتدوينيّة أو بأن تكون الفريضة أعم من العمليّة والإعتقاديّة.

وبالجملة : الأيماء وإن كان غير الدلالة ويكفي فيه مناسبة وإرتباط في الجملة إلاّ أن فهمه هنا يحتاج إلى إستعمال الرّمل والأسطر لاب ، مع أنه بدون القصد لا يفيد والقصد إليه غير معلوم ، والوجوب إن كان له دليل فذاك وإلاّ فإثباته بأمثال ذلك مشكل ». إنتهى.

الفرائد المحشّي : ١٧٣.

٢٥٩

آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنّة قائمة وما خلاهنّ فهو فضل » (١) (٢).

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ١ / ٣٢ باب « صفة العلم وفضله » ـ ح ١.

(٢) حكي عن « العوائد » ان المراد بالآية المحكمة : أصول العقائد التي براهينها الآيات المحكمات ، وبالفريضة العادلة : فضائل الأخلاق ، وعدالتها كناية عن توسّطها ، وبالسنّة القائمة شرائع الأحكام ومسائل الحلال والحرام.

وعن الفاضل المازندراني في حاشيته على المعالم :

ان الأولى إشارة إلى العلم بالكتاب والأخير إلى العلم بالأحاديث والوسط وهو فريضة عادلة ، أي : مستقيمة إلى العلم بكيفيّة العمل بالأحكام ، والمراد باستقامتها إشتمالها على جميع الأمور المعتبرة فيه شرعا في تحققها.

* وقال الفاضل الجليل الشيخ رحمة الله الكرماني قدس‌سره :

« إن كانت المعاني المذكورة لألفاظ الخبر مستفادة من أمر خارج من اللفظ يصلح للإعتماد عليه فهو ، وإلاّ فاللفظ ذو وجوه شتّى والله ورسوله أعلم بما أريد منها.

فإن قلت : فهل فهم السامعون لهذه الألفاظ عن النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام معاني أريد منها أم ترددّوا وتحيّروا فيها واقتنعوا بما فهموا من صدر الرّواية من عدم الضرر بجهل العلم بأنساب العرب ووقائع وقعوا فيها والأشعار العربيّة ونظائرها.

قلت : نحتمل الأوّل بقرينة مقاليّة لم تنقل لنا ، أو حاليّة فاتت عنّا ، وحقيقة الحال عند العالم بحقائق الأحوال ليس لنا فيها مجال ومع ذلك نقول ـ كالرّائي شبحا من بعيد يتردّد فيه بين أمور ـ لعلّ المراد من الأوّل علم تفسير الآيات ومن الأخيرين علم الفرائض والسنن أي :الأحكام الشرعيّة وبالجملة : العلوم الشرعيّة ». إنتهى. الفرائد المحشّى : ١٧٣.

٢٦٠