بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

بقوله : « وأمّا الأخبار ؛ فلأنّ الظّن المبحوث عنه في هذا المقام ... إلى آخره » (١).

قد يناقش فيه : بأنّ الكلام في حجيّة الأخبار من حيث الخصوص وإن كان ناظرا إلى جعلها دليلا على الصّدور من حيث إفادتها الاطمئناني بالصّدور أو الظّن به شخصا أو نوعا إلى غير ذلك من الوجوه والأقوال في المسألة ، إلا أنّ الكلام في حجيّتها من حيث الظّن المطلق أو التّبعيض في الاحتياط ، مبنيّ على إفادتها للظّن الشّخصي بالحكم الفرعي الواقعي كسائر الأمارات بناء على ما عرفت : من كون نتيجة المقدّمات اعتبار الظّن الشّخصي.

نعم ، لو قيل بتعميم الحجيّة بالنّسبة إلى الظّن في المسألة الأصوليّة ، أو إلحاق الظّن بها بالظّن في الفروع على القول بالتّبعيض في الاحتياط كما يصرّح به بعد ذلك وكان الخبر الّذي ظنّ بصدوره بالظّن الاطمئناني ممّا يظنّ بحجيّته كان لما ذكره وجه ، لكنّه كلام يتكلّم فيه بعد ذلك فلا يجوز ابتناء ما أفاده في المقام عليه فتأمل.

ثمّ إنّ دلالة عدم أقليّة الظّنون الاطمئنانيّة من الأخبار المصحّحة بعدلين على المدّعى وشهادته على وفائها بأغلب الأحكام ، إنّما هي بالنّظر إلى مذهب جمع من أهل الظّنون الخاصّة في الأخبار من قصر الحجيّة على الأخبار المصحّحة بعدلين كثاني الشّهيدين وسبطيه صاحبي « المعالم » و « المدارك » (٢) ومن

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٠٧.

(٢) قد مرّ أنّ صاحب المعالم ولده وليس بسبط له ، نعم ، صاحب المدارك العلامة الفاضل المحقق السيّد محمّد العاملي المعروف على ألسنة الفقهاء بالسيّد السند سبطه. إلا ان يكون

١٢١

يحذو حذوهم مع زعمهم وفاءها بالفقه وعدم الحاجة إلى غيرها في الاستنباط واستعلام الأحكام.

(٢٦) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّ الظّن الاطمئناني من أمارة أو من أمارات ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٠٨ )

لا فرق بين المسألة الاصولية والفرعيّة بناء على التبعيض في الإحتياط

أقول : قد تقدّم تفصيل القول في ذلك في الأمر الأوّل وأنّه لا فرق في الظّن الثّابت اعتباره بدليل الانسداد بين الظّن في الفروع والظّن في الأصول.

والغرض من التّعرض له في المقام على سبيل الإجمال ، التّنبيه على عدم الفرق بين المسألتين فيما لو بني على الأخذ بالظّن المخالف للاحتياط ؛ من حيث دفع الحرج به ، وأن الظّن الاطمئناني القائم بحجيّة أمارة قامت على نفي الحكم إلزامي في المسألة الفرعيّة مع عدم إفادتها الاطمئنان في مرتبة الظّن الاطمئناني بعدم الحكم الإلزامي فيها ؛ فإنّ العقل المعيّن لاختيار الظّن الاطمئناني على مخالفة الاحتياط لدفع الحرج يحكم بعدم الفرق بينهما حيث إن الاطمئنان بإيجاب الشارع العمل بما قام على عدم الوجوب ، أو التّحريم بمنزلة الاطمئنان بعدم الوجوب والتّحريم في البعد عن مخالفة الواقع سيّما إذا كان مبنى اعتباره عند الشارع على البدليّة وتدارك فوت الواقع.

__________________

تعبيره هنا من باب التغليب لكنّه غير وجيه ؛ لانه كان ينبغي له ان يعبّر عنهما بولديه وذلك لأن السبط ولد أيضا.

١٢٢

فإن شئت قلت : إنّ إدراك الواقع من حيث إنّه واقع ليس ممّا يحكم به العقل على وجه اللّزوم وليس مطلوبا ذاتيّا نفسيّا في حكمه ، وإنّما هو مطلوب من حيث كونه موجبا لسقوط المؤاخذة المترتّبة على مخالفته ، والمفروض أنّ سلوك ما حكم الشارع بطريقيّته واعتباره واجد لهذا العنوان ؛ من حيث استقلال العقل في الحكم بمعذوريّة سالكه إذا خالف الواقع.

فالعنوان الأوّلي المطلوب في حكم العقل بوجوب إطاعة الشارع بالنّسبة إلى الأحكام الفرعيّة الفقهيّة منطبق على سلوك الطّريق المجعول أيضا. فالاطمئنان باعتبار ما قام على عدم وجوب شيء يوجب الاطمئنان بمعذوريّة المكلّف على ترك الواجب الّذي يتفق على تقدير خطأ الأمارة القائمة على عدم الوجوب ، فالمقتضي لإلحاق الظّن بالمسألة الأصوليّة بالظّن بالمسألة الفرعيّة موجود على تقدير كون عنوان العمل بالظّن من حيث كونه رافعا للحرج اللاّزم من الاحتياط الكلّي ، وبعد ضمّ مخالفة الاحتياط في هذا القسم من الأمارة القائمة على خلاف الاحتياط بمخالفته في الظّن القوي بعدم الحكم الإلزامي لا يلزم الحرج من الاحتياط في سائر موارد احتمال التّكليف الإلزامي جدّا.

ولو فرض عدم اندفاع الحرج بقصر مخالفة الاحتياط فيما فرض من الاطمئنان أصولا وفروعا ، ضمّ إليه مطلق مخالفة الاحتياط في الظّن القائم على خلاف الاحتياط شخصا أو نوعا إذا ظنّ اعتباره على ما عرفت من التّعميم ، فيؤخذ بالاحتياط في المشكوكات كما يؤخذ به في مظنونات التّكليف الإلزامي مطلقا. ولا يلزم من ضمّ الاحتياط فيها إلى الاحتياط في مظنونات التّكليف حرج قطعا لقلّتها ؛ نظرا إلى حصول الظّن في أغلب الوقائع بالتّكليف أو بعدمه.

١٢٣

مضافا إلى ما أفاده في « الكتاب » في عدم لزوم الحرج بقوله : « مع كون مقتضى الاحتياط في شبهة التّحريم التّرك وهو غير موجب للعسر » (١).

وإن كان ربّما يناقش فيه : بأنّ لزوم العسر إنّما هو من جهة الابتلاء والحاجة ، فإذا تعلّقت الحاجة بالفعل كثيرا فيكون التّرك حرجيّا. ألا ترى استدلالهم على عدم وجوب الاحتياط في الشّبهة الغير المحصورة بلزوم الحرج منه؟ مع أنّ الاحتياط فيها إنّما هو بالتّرك.

نعم ، ما أفاده قدس‌سره لبيان تضعيف احتمال لزوم الحرج من ضمّ المشكوكات بقوله : « مع أنّ الفرق بين الاحتياط في جميعها والعمل بالأصول الجارية في خصوص مواردها ... إلى آخره » (٢).

في كمال الاستقامة ؛ حيث إنّه بناء على الرّجوع إلى الأصول في المشكوكات إنّما يبنى على خلاف التّكليف الإلزامي فيما كان مقتضى الأصل نفي الإلزام كموارد البراءة ، لا فيما كان مقتضاه إثباته كموارد الاشتغال والاستصحابات المثبتة للتّكليف ، وبعد وضعه لا يبقى مورد الثّمرة إلاّ القسم الأوّل ولا يرتاب في قلّته ، فلا يلزم من انضمام الاحتياط فيه حرج قطعا ، فإذن لا يثبت بحكم العقل حجيّة الظّن بحيث يعيّن به الواجبات والمحرّمات المشتبهة المعلومة بالإجمال حتّى يدور الحكم مداره وجودا وعدما ، فيرجع إلى ما يقتضيه الأصل في المشكوكات ؛ نظرا إلى خروجها عن أطراف العلم الإجمالي الكلّي ، بناء على

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٠٩.

(٢) فرائد المصدر : ج ١ / ٥٠٩.

١٢٤

ما بنى عليه الأمر قدس‌سره من اقتضاء الظّن إذا كان حجّة إذا كان حجّة لذلك ؛ فإنّ حجيّته مبنيّة على بطلان الاحتياط رأسا في الشّرعيّات ولم يثبت ؛ نظرا إلى عدم اقتضاء دليل نفي الحرج إلا بطلانه في الجملة.

نعم ، لو قام هناك دليل آخر على عدم وجوب الاحتياط رأسا وعدم تعلّق إرادة الشّارع بالامتثال الإجمالي مطلقا فيكون لزوم الحرج من الاحتياط حكمه في إلقاء الشارع للاحتياط لا علّة حتّى يدور الحكم مداره تعيّن في حكم العقل العدول إلى الامتثال الظّني فيكون الظّن حجّة في حكم العقل وأنّى لهم بإثبات ذلك؟ هذا.

وأمّا ما استدركه قدس‌سره بقوله : « نعم ، لو ثبت أنّ الاحتياط في المشكوكات يوجب العسر تثبت النّتيجة » (١).

فربما يناقش فيه ـ بما عرفت سابقا ، بل اعترف به ـ : من أنّ مجرّد بطلان وجوب الاحتياط في موهومات التّكليف ومشكوكه للزوم الحرج لا يقتضي ترتيب جميع آثار الحجيّة على الظّن غاية ما هناك وجوب الاحتياط في مظنونات التّكليف مطلقا. وعدم وجوبه في غيرها من جهة لزوم الحرج ، وأين هذا من حجيّة الظّن؟

اللهمّ إلاّ أن يكون غرضه إثبات الرّجوع إلى الأصل في مشكوكات التّكليف وترتيب هذا الأمر الخاصّ عليه فيحكم بحجيّته من هذه الجهة ، أو يكون الغرض الحكم بالحجيّة مطلقا من حيث كشف تجويز الرّجوع إلى الأصل في

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥١٠.

١٢٥

مجاريها بمعونة أدلّة نفي الجرح عن حجيّة الظّن ؛ إذ لولاها كانت المشكوكات من أطراف العلم الإجمالي الكلّي ولم يكن هناك ما يخرجها عنها ، فتجويز الرّجوع إلى الأصل ملازم لخروجها عن أطرافها وهو ملازم لحجيّة الظّن الموجبة لتعيّن المعلومات الإجمالية وتخصيصها بموارده بحكم الشارع فتأمّل (١).

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ تجويز الرّجوع إلى الأصول في المشكوكات إنّما هو معلول لعدم وجوب رعاية العلم الإجمالي الكلّي وهو لا يلزم حجيّة الظّن إلاّ إذا فرض انحصار الطّريق في الامتثال الظّني.

والمفروض : أنّ الامتثال الإجمالي في الجملة وفي بعض أطراف الشّبهة أيضا من طرق الامتثال المقدّم على الامتثال الظّني ، إلاّ أن يقال : إنّ التّبعيض في الاحتياط إنّما يقدّم على الامتثال الظّني في حكم العقل فيما كان أقرب إلى إدراك الواقع ولا يوجد هذا العنوان فيما لو انحصر مورد الاحتياط في مظنونات التّكليف كما هو المفروض ؛ حيث إنّ الكلام بعد بطلان وجوب الاحتياط في مشكوكات التّكليف ، مضافا إلى بطلانه في موهومات التّكليف ، وهذا بخلاف بطلانه في موهومات التّكليف فقط ؛ فإنّه يبقى معه الاحتياط في مظنونات التّكليف ومشكوكاته. ومن هنا لم يستكشف من بطلانه في خصوص الموهومات عن حجيّة الظّن فتدبّر.

ثمّ إنّ مثل دعوى لزوم الحرج من الاحتياط في المشكوكات في الضّعيف

__________________

(١) الوجه في التأمّل : أنه بناء على الاستكشاف المذكور ، يستكشف من تجويز الرجوع الى الاصول في موهومات التكليف مطلقا ، أو في بعض أقسامه من جهة نفي وجوب الإحتياط بأدلة نفي الحرج عن حجّيّة الظن ، لعين ما ذكر حرفا بحرف ، فتدبّر. منه دام ظلّه العالي.

١٢٦

دعوى اختصاص العلم الإجمالي بالتّكاليف الإلزاميّة بموارد الأمارات القائمة على الإلزام فيخرج المشكوكات وموهومات التّكليف عن أطراف العلم الإجمالي الكلّي فيرجع فيهما إلى الأصول الجارية فيهما بالنّظر إلى الشّك الحاصل فيهما ؛ لأنّ العلم الإجمالي المذكور لم يحصل بملاحظة الأمارات حتّى يدّعى اختصاصها بمواردها ، بل إنّما حصل قبل الاطّلاع عليها ، فكيف يمكن ادّعاء الاختصاص؟

ولا ينافي ذلك العلم بمطابقة جملة من الأمارات القائمة على التّكليف كالأخبار للواقع على سبيل الإجمال ، وإلاّ أمكن ادّعاء اختصاص العلم الإجمالي بموارد الأخبار المثبتة للتّكليف وإخراج غيرها منها وهو كما ترى هذا.

وقد تقدّم بعض الكلام في ذلك نقضا وإبراما عند الكلام في حجيّة الأخبار من حيث الخصوص.

وهذه الدّعوى وإن لم يكن في الضّعف بمثابة دعوى لزوم الحرج من الاحتياط في المشكوكات إلاّ أنّها أيضا ضعيفة فاسدة ، وعليه يحمل ما أفاده قدس‌سره في وجه الأمر بالتّأمل في المقام بقوله : « فإنّ ادّعاء ذلك ليس كلّ البعيد ».

(٢٧) قوله قدس‌سره : ( ثمّ إنّ نظير هذا الإشكال الوارد في المشكوكات ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥١٠ )

الإشكال الوارد على الاصول العمليّة وارد على الاصول اللفظية

أقول : قد عرفت بعض الكلام في الإشكال الوارد في الرّجوع إلى الأصول اللفظيّة على تقدير كون نتيجة المقدّمات هو التّبعيض في الاحتياط في طيّ المقدّمات.

١٢٧

ولكنّك خبير بأنّ توجّه الإشكال على التّقدير المذكور ممّا لا محيص عنه إلاّ أنّ الكلام في المقام ـ حسبما عرفت مرارا بعد الفراغ عن تماميّة المقدّمات والإشكال المذكور ـ راجع إلى منع تماميّة المقدّمات المذكورة ، فالأولى عدم التّعرض للإشكال المذكور في المقام كالإشكال الأوّل وإن كان لزومه على تقدير عدم بطلان الاحتياط رأسا من أوضح الواضحات ؛

ضرورة عدم التّلازم بين عدم وجوب الاحتياط في خصوص الموهومات دفعا للحرج وخروج المشكوكات عن أطراف العلم الإجمالي الكلّي فلا يجوز الرّجوع فيها إلى الأصول اللّفظيّة كما لا يجوز الرّجوع فيها إلى الأصول العمليّة ، وإلاّ جاز الرّجوع إليهما مع العلم الإجمالي مطلقا وهو خلف.

كما أنّ الأولى في تحرير الإشكال أن يقال : إنّه بعد فرض تسليم انسداد باب العلم ، أو الظّن الخاصّ في أغلب الأحكام لا بدّ من الحكم بسقوط الظّواهر المذكورة عن الظّهور من جهة العلم الإجمالي بإرادة خلاف الظّاهر في كثير منها.

والفرق بينه وبين ما في « الكتاب » لا يكاد أن يخفى.

ثمّ إنّ توجّه الإشكال المذكور كالإشكال الأوّل مبنيّ على بقاء المشكوكات على حكم الإجمالي الكلّي وكونها من أطرافها من جهة اندفاع الحرج المانع عن الاحتياط الكلّي بعدم وجوبه في موهومات التّكليف مطلقا ، أو في قسم منها ؛ إذ لو فرض عدم اندفاع الحرج إلاّ بمخالفة الاحتياط الكلّي فيها أيضا ، فلا يتوجّه هذا الإشكال كالإشكال الأوّل.

إذ لا فرق في الرّجوع إلى الأصول العمليّة واللّفظيّة في المشكوكات بين خروجها عن أطراف العلم الإجمالي الكلّي من أوّل الأمر ، وبين دخولها فيها ،

١٢٨

وحكم الشارع بعدم لزوم رعاية حكم العلم الإجمالي فيها للزوم الحرج من مراعاته ؛ إذ المانع من الرّجوع إلى الأصل بقول مطلق سواء كان أصلا عمليّا أو لفظيّا ليس في المقام بالفرض ، إلاّ العلم الإجمالي ، فإذا كان في حكم الشارع بمنزلة عدمه بالنّسبة إلى بعض أطرافه ومحتملاته ، فيترتّب عليه ما كان من أحكامه في نفسه من غير تعلّق علم إجمالي فكما يرجع إلى الأصل العملي في الفرض المزبور ، فكذلك يرجع إلى الأصل اللّفظي.

فالإشكال المذكور إنّما يتوجّه على تقدير تسليم اندفاع الحرج بمخالفة الاحتياط في خصوص موهومات التكليف وهي المراد من المظنونات في قوله قدس‌سره : « فإذا فرضنا رجوع الأمر إلى ترك الاحتياط في المظنونات » (١).

ومنه يظهر : أنّ عطف قوله : « أو في المشكوكات أيضا على المظنونات » (٢) سهو من قلمه الشّريف أو من النّاسخ ، كما تنادي كلماته المتأخّرة والمتقدّمة ؛ فإنّه قد صرّح قبل ذلك : بأنّ توجّه الإشكال الأوّل مبنيّ على اندفاع الحرج بمخالفة الاحتياط في الموهومات فقط ، وأنّه لا يتوجّه إذا فرض لزوم الحرج من الاحتياط في المشكوكات.

وكذا قرّر الإشكال الثّاني بعد العبارة المذكورة فيما لو فرض اندفاع الحرج بمخالفة الاحتياط في خصوص موارد الأمارات القائمة على نفي التّكليف الإلزامي.

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥١١.

(٢) نفس المصدر.

١٢٩

منافاة الإشكال المقرّر هاهنا لما سبق

ثمّ إنّ الإشكال الّذي قررّه قدس‌سره في المقام ينافي ما أفاده قدس‌سره في هذا المقام عند الكلام في مقدّمات الانسداد فإنّه صرّح هناك بعدم طروّ الإجمال في ظواهر الكتاب والسّنة القطعيّة والمظنونة بالظّن الخاصّ بعد تسليم انسداد باب العلم والظّن الخاصّ في أكثر الأحكام وأنّ إجمالها ليس من مقدّمات دليل الانسداد ، وذكر في بيان الإشكال الثّاني وجها آخر لا تعلّق له بالإشكال الثّاني المذكور في المقام بل ينافيه جدّا ؛ فإنّه قال هناك ما هذا لفظه :

« وتحصل ممّا ذكرنا إشكال آخر أيضا من جهة أنّ نفي الاحتياط بلزوم العسر لا يوجب كون الظّن حجّة ناهضة لتخصيص العمومات الثّابتة ومخالفة سائر الظّواهر الموجودة فيها.

ودعوى : أنّ باب العلم والظّن الخاصّ إذا فرض انسداده سقط عمومات الكتاب والسّنة المتواترة وخبر الواحد الثّابت حجيّته بالخصوص عن الاعتبار للعلم الإجمالي بمخالفة ظواهر أكثرها لمراد المتكلّم فلا يبقى ظاهر منها على حاله حتّى يكون الظّن الموجود على خلافه من باب المخصّص والمقيّد ، مجازفة ... إلى آخر ما أفاده » (١).

فإنّه كما ترى ، مناف صريح لما أفاده في المقام وإن كان هو الحقّ بالنّسبة إلى ما ذكره هناك لما عرفت : من أنّ منع طروّ الإجمال بالنّسبة إلى الظّواهر لا وجه له بعد فرض تسليم الانسداد ، مضافا إلى أنّ الظّن الثّابت حجيّته بدليل الانسداد

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٤٢٧.

١٣٠

على تقدير تسليم بقاء الظّواهر على حالها ، ليس في مرتبة الظّواهر حيث إنّها من الظّنون الخاصّة فلا معنى لجعله قرينة لها إلى غير ذلك من المناقشات التي عرفتها ثمّة.

ثمّ إنّ توجه هذا الإشكال الأخير المذكور في المقام على ما صرّح به في قوله : « ودفع هذا كالإشكال السّابق ... إلى آخره » (١).

مبنيّ على ما ذكره من الإشكال في طيّ المقدّمات ، وأمّا على تسليم تماميّتها وإنتاجها لحجيّة الظّن بتسليم لزوم الحرج من الاحتياط في المشكوكات فلا يتوجّه قطعا ؛ نظرا إلى ما بني عليه الأمر سابقا ؛ من لزوم ترتيب جميع ما يترتّب على الظّن الخاصّ على الظّن المطلق على تقدير حجيّته بناء على كون تعيين المعلومات الإجماليّة ودفع الإجمال عن الألفاظ المجملة من آثار حجيّة الظّن ، فيعود الظّواهر كالعمومات والمطلقات مثلا على حالها قبل العلم الإجمالي بعد قيام الظّن على خروج جملة من الأفراد يحتمل انحصار الخارج فيها فيعمل بها في المشكوكات ، بل في قسم ممّا ظنّ بخروجه بناء على الاقتصار في حجيّة الظّن على الظّن القوي من باب الظّن الخاصّ لا من باب الظّن المطلق وإن كان رفع المانع عن ظهورها الفعلي مستندا إلى الظّن المطلق.

ومن هنا يعمل بها في موارد الشّك بل مع الظّن بالخلاف على ما عرفت مع كون نتيجة المقدّمات هو اعتبار الظّن الشّخصي حسبما أسمعناك مرارا ، كما أنّه مبنيّ على عدم اختصاص الصّوارف للظّواهر المعلومة إجمالا بموارد الأمارات

__________________

(١) نفس المصدر : ج ١ / ٥١١.

١٣١

وخروج موارد الشّك عن أطراف العلم الإجمالي الكلّي العامّ الشّامل لموارد الأمارات وغيرها وإن فرض هناك علم إجماليّ في خصوص موارد الأمارات كما يظهر من قوله قدس‌سره في الجواب عن دعوى الاختصاص : « بأنّ هذا العلم حاصل بملاحظة الأمارات ومواردها ... إلى آخر ما أفاده » (١).

(٢٨) قوله قدس‌سره : ( وقد يدفع الإشكال بدعوى ... إلى آخره ) (٢). ( ج ١ / ٥١٢ )

أقول : لا يخفى عليك أنّه قد أجاب قدس‌سره عن دعوى الإجماع على بطلان الاحتياط في المشكوكات والرّجوع إلى الأصول فيما تقدّم من كلامه في طيّ الإشكال على مقدّمات الانسداد بعد الاعتراف بكون وجوده مظنونا بالظّن القوي الاطمئناني كما يظهر من كلماتهم في وجه عدم جواز الرّجوع إلى البراءة عند التمسّك لحجيّة خبر الواحد بالحاجة إليه بأنّ مرجع الإجماع قطعيّا كان أو ظنيّا على الرّجوع إلى الأصول في المشكوكات إلى الإجماع على وجود الحجّة الكافية في الفقه حتّى يعين بمعونتها المعلومات الإجماليّة شرعا فيصير المشكوكات مجاري للأصول ، فتؤول هذه الدّعوى إلى دعوى الإجماع على حجيّة الظّن فلا تعلّق لهذا بالدّليل العقلي.

وهذا كما ترى ، يغاير ما أفاده في المقام ويمكن جعل كلّ منهما جوابا مستقلاّ فتأمل.

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥١٢.

(٢) وفي نسخة الكتاب المطبوعة من قبل مؤتمر تكريم الشيخ الاعظم هكذا : وقد يدفع الإشكالان ... إلى آخره.

١٣٢

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره بعد الجواب عن الإجماع ـ في مقام تحقّق الفرق وتثبيته بين القول بحجيّة الظّنون الخاصّة بقدر الكفاية والمقام ـ بقوله : « ثمّ إنّ هذا العلم الإجمالي وإن كان حاصلا لكلّ أحد ... إلى آخر ما أفاده » (١) :

يراد به كون موارد الظّنون الخاصّة بمنزلة المعلوم بالتفصيل بحكم الشارع ؛ نظرا إلى الدّليل القطعيّ القاضي بحجيّتها وجعلها معيّنة للأحكام الواقعيّة وترتيب آثار الواقع على مواردها لا كونها معلومة بالتّفصيل حقيقة كما ربّما يظهر منه في بادىء النّظر.

فالعمل بمقتضى الظّنون الخاصّة امتثال للأحكام المعلومة بحكم الشارع والزّائد على القدر المتيقّن غير معلوم من أوّل الأمر ، فلا يمنع احتماله من الرّجوع إلى الأصول في المشكوكات كما فيما ذكره من المثال في المسألة القطيع هذا.

وقد مضى شطر من الكلام فيما يتعلّق بالمقام في طيّ كلماتنا فراجع إليه حتّى تقف على حقيقة الأمر.

(٢٩) قوله قدس‌سره : ( فعلم ممّا ذكرنا : أنّ مقدّمات دليل الانسداد على تقرير الحكومة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥١٣ )

مسألة التبعيض في الاحتياط لا ربط لها بتقرير الحكومة

أقول : قد علم ممّا ذكرنا : أنّ ما أفاده في تحقيق المقام من كون المقدّمات منتجة على تقرير الحكومة للتّبعيض في الاحتياط ووجوب الاقتصار في مخالفته

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥١٣.

١٣٣

على الظّن القوي القائم على نفي التّكليف ، وهو المراد بتماميّتها في الإنتاج وعدم كون النّتيجة حجيّة الظّن بخلاف تقرير الكشف المنتج للحجيّة ، وإن كان فاسدا لا تعلّق له بتقرير الحكومة أصلا ، على ما عرفت شرحه من كلماته ، فإنّ نتيجة المقدّمات على هذا الإشكال هو التّبعيض في الاحتياط لا حجيّة الظّن.

اللهمّ إلاّ أن يريد من تقرير الحكومة في المقام تعيين العقل لموارد طرح الاحتياط في ضمن موهومات التّكليف مطلقا أو قسم خاص منها ، فإنّك قد عرفت : أنّ المعيّن لموارد الطّرح في ضمن الموهومات ليس إلاّ العقل ، فإذا كان له دخل فالمرجع إلى حكمه في متابعة الظّن بعدم التّكليف في مخالفة الاحتياط اللاّزم بمقتضى العلم الإجمالي فهو الحاكم في هذه المسألة فتدبّر.

ثمّ إنّ ما ذكرنا من أوّل هذا الأمر إلى آخره في الشّبهات الحكميّة ـ على ما يقتضيه التّحقيق : من وجوب الاقتصار في مخالفة الاحتياط اللاّزم على قدر ما يندفع به الضّرورة فيما كانت هناك ضرورة قاضية بمخالفته وتعيّن اختيار الموهوم من محتملات العلم الإجمالي إذا لم يكن هناك دليل على بطلان الاحتياط رأسا ووجوب الأخذ بالظّن القوي إذا كان هناك دليل عليه ـ جار في الشّبهات الموضوعيّة أيضا ، مع العلم الإجمالي حرفا بحرف ويساعده كلماتهم في جملة من جزئيّات هذا الكلّي كما يظهر للمتصفّح فيها وسنشير إلى بعضها وليكن هذا في ذكر منك عسى ينفعك فيما بعد ( إن شاء الله تعالى ).

١٣٤

(٣٠) قوله قدس‌سره : ( وأمّا على تقرير الحكومة بأن يكون مقدّمات الدّليل موجبة ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥١٦ )

في إشكال خروج القياس من حكم العقل بحجيّة الظن المطلق

أقول : توجّه الإشكال في خروج القياس وأمثاله على تقرير الحكومة بالمعنى الّذي ذكر له في « الكتاب » في هذا المقام وفي غيره من كلماته في الأمر الثّاني وغيره ممّا لا إشكال فيه ؛ ضرورة أنّ حكم العقل بحجيّة مطلق الظّن أو خصوص الاطمئناني منه بحيث لا دخل للأسباب فيه أصلا ، كحكمه في سائر القضايا والموارد مبنيّ على علّة ومناط لا يمكن انفكاك حكمه عنه ، فلو تخلّف في مورد فيلزم أن لا يكون حاكما وهو خلف.

فلا بدّ أن يكون خروج الخارج خروجا موضوعيّا بمعنى عدم انطباق المناط الّذي هو الموضوع في القضية العقليّة عليه. وهذا معنى عدم إمكان تطرّق التّخصيص في القضايا العقليّة.

والأمر في القضايا الشّرعيّة ، وإن كان كذلك بمعنى عدم انفكاك ما هو المناط والعلّة في حكم الشارع عن حكمه ، إلاّ أنّه لا يلزم الشارع أن يجعل المناط الأولى موضوعا دائما في القضايا اللفظيّة الكاشفة عن مراد الشارع فيجوز طرو التّخصيص والنسخ الّذي هو يؤول إليه وغيرهما بالنّسبة إلى القضيّة اللّفظيّة لا اللّبّيّة وإن كانت منطبقة عليها بالنّظر إلى ظاهر اللفظ.

ومن هنا يحكم بالعموم ؛ نظرا إلى استكشاف عموم العلّة من اللّفظ ، إلاّ أنّه إذا ورد التّخصيص والقرينة الكاشفة عن المراد ، يحكم بأنّ المراد من أوّل الأمر غير

١٣٥

ما خرج عن العموم من جهة عدم وجود المناط فيه ، وفي الحقيقة لا تنافي بينهما أصلا ، وإن حكموا بتنافيهما بالنّظر إلى ظاهر اللّفظ ، هذا بالنّسبة إلى المعنى المعروف لتقرير الحكومة.

وأمّا على ما بني عليه الأمر عند الإشكال في تماميّة المقدّمات وفي طيّ الأمر الثّاني عند المنع عن تعميم النّتيجة بالنّسبة إلى المراتب ، فالظّاهر عدم الإشكال في توجّه الإشكال أيضا ؛ حيث إنّه إذا استقلّ العقل في حكمه بتعيين الأخذ بالظّن القوي ، أو مطلق الظّن في مخالفة الاحتياط وفرض حصولهما من القياس القائم على عدم التّكليف مثلا فيجري فيه ما جرى في حكمه بحجيّة مطلق الظّن وفي حكمه في سائر المقامات من عدم إمكان طرو التّخصيص عليه هذا.

وأمّا ما يقال : من أنّ حكم العقل بوجوب العمل بالظّن القوي ، أو مطلق الظّن في امتثال الأحكام الشّرعيّة ، أو في اختيار مخالفة الاحتياط ، إنّما لا يقبل لورود نهي الشارع عن بعض أفراد الظّن وإخراجه عن حكمه إذا كان على وجه الإطلاق من غير تقييد بعدم ورود النّهي عن الشارع بالنّسبة إلى بعض أفراده ، وأمّا إذا كان على وجه التّقييد فلا يتوجّه هناك إشكال أصلا ، لورود النّهي عن العمل بالظّن القياسي وأشباهه ؛ ضرورة ارتفاع موضوع حكم العقل حينئذ بوروده ، ونحن ندّعي أنّ العقل إنّما يحكم به على وجه التّقييد نظير حكمه بحرمة العمل بالظّن عند التّمكن من تحصيل العلم بالواقع ؛ فإنّه مقيّد أيضا بعدم أمر الشارع بسلوكه ، وإلاّ كان ما ورد في شأن الظّنون الخاصّة منافيا لحكم العقل وموجبا لتخصيصه ، ولم يقل به أحد ، فيكشف ذلك عن أنّ العقل يحكم بالعنوان التّقييدي.

ومن هنا اتّفق القائلون بحجيّة مطلق الظّن بجواز حكم الشارع بحجيّة أمور

١٣٦

لا تفيد الظّن أصلا في زمان الانسداد ونهيه عن العمل بالظّن ، إلاّ أنّه لمّا لم يثبت ذلك في الشّرعيّات عندهم حكموا بحجيّة مطلق الظّن.

ولا يتوجّه عليه : أنّه بناء على ذلك يلزم عدم حكم العقل بحجيّة الظّن أصلا ؛ إذ احتمال النّهي موجود في جميع أفراد الظّن ؛ إذ المفروض عدم حجة على الحكيم تعالى.

وبتقرير آخر : إذا فرض أخذ عدم نهي الشارع في موضوع حكم العقل بحجيّة الظّن من حيث تعلّق حكمه بالعنوان التّقييدي ، فلا بدّ من إحراز عدم النّهي عند إرادة الحكم بحجيّة ظنّ من الظّنون وإحرازه مستلزم للعلم بحجيّته عند الشارع ؛ ضرورة عدم الواسطة بين عدم النّهي والأمر في المقام فيلزم عدم حكم العقل بحجيّته أو موضوعيّة الظّن الّذي لم يعلم حجيّته فكما أنّ احتمال النّهي مانع عن حكمه كذلك العلم بالحجية شرعا مانع عن حكمه ؛ إذ المأخوذ في حكم العقل عدم العلم بالنّهي لا عدم النّهي الواقعي حتّى يكون احتماله مانعا عن حكم العقل.

ضرورة عدم إمكان دخل الأمور النّفس الأمريّة الواقعيّة في حكم العقل من حيث الاقتضاء ، أو المانعيّة وترتّب حكمه على العنوانات المعلومة من غير فرق بين حكمه الغيري والنّفسي ، كحكمه بوجوب ردّ الوديعة وحسن التّأديب وحسن الصّدق وقبح الكذب ونحوها ؛ فإنّه وإن كان هناك مزاحمات لأحكامه في الموضوعات المذكورة ، إلاّ أنّه ثابت ما لم يعلم بها فالصّدق المجامع لعنوان الإضرار والمفسدة في علم العقل لا يتّصف بحسن.

كما أنّ الكذب المجامع لعنوان المصلحة الملزمة في علمه لا يتّصف بقبح لا أنّ الصّدق المجامع للمفسدة في نفس الأمر والكذب المجامع للمصلحة ، كذلك لا

١٣٧

يتصفان بحسن وقبح هذا.

وقد مضى شطر من الكلام في ذلك فيما قدّمنا لك من الكلام في فروع المقصد الأوّل من الكتاب.

وإن شئت قلت ـ في تقرير التّوهّم المذكور ـ : إنّ حكم العقل في جميع مراتب طريق الإطاعة حكم تعليقيّ بالنّسبة إلى حكم الشارع بسلوك غير ما حكم العقل به وليس كحكمه بأصل وجوب الإطاعة من حيث كونه تنجيزيّا غير قابل لحكم الشارع بخلافه.

فيتوجّه عليه : أنّ نهي الشارع إن كان كاشفا عن انتفاء المناط العقلي في حكمه بحجيّة الّظن أو وجود المزاحم له الّذي يرجع إلى انتفاء المناط حقيقة ، فيرجع إلى ما سيجيء من وجوه التّفصّي عن الإشكال المذكور وسيأتي شرح القول فيه ، وإلاّ فيكون قبيحا في حكم العقل كما أنّ أمره بسلوك الظّن مع التّمكن من تحصيل الواقع إنّما يجوز بهذا العنوان وإلاّ كان قبيحا.

وأمّا ما قرع سمعك : من كون حكم العقل في باب الطّريق من حيث كونه تعليقيّا يخالف حكمه في باب أصل وجوب الإطاعة من حيث كونه تنجيزيا فيراد به ما يرجع إلى ما ذكرنا : من كون حكم العقل في باب الطّريق مترتّبا على عنوان يرتفع بملاحظة نهي الشارع ، أو يتحقّق فيما أمر الشارع بسلوكه فافهم وانتظر لتمام الكلام في ذلك فيما سيتلى عليك.

وممّا ذكرنا كلّه يظهر لك : استقامة ما أفاده قدس‌سره في توجيه الإشكال وتقريره بقوله : « فإنّ المنع عن العمل بما يقتضيه العقل من الظّن أو خصوص الاطمئناني لو فرض ممكنا جرى في غير القياس فلا يكون العقل مستقلاّ ، إذ لعلّه نهى عن أمارة

١٣٨

مثل ما نهى عن القياس بل وأزيد واختفى علينا ولا دافع لهذا الاحتمال إلاّ قبح ذلك على الشارع ... إلى آخره » (١).

ويظهر أيضا فساد ما أورد عليه : بأنّ مجرّد احتمال نهي الشارع عن سائر الظّنون كنهيه عن القياس لا يمنع من حكم العقل بالحجيّة لدوران الأمر مع هذا الاحتمال في موارد الظّنون بين الإطاعة الظّنية والإطاعة الوهميّة ، والمفروض استقلال العقل في الحكم في هذا الدّوران بتقديم الأولى.

وقد اعترف قدس‌سره بذلك فيما تقدّم من الكلام في طيّ مقدّمات الانسداد واستند إليه في ردّ من أبطل المقدّمات بإبداء احتمال كون المرجع عند الشارع في زمان الانسداد غير الظّن كالفاضل النّراقي وغيره ؛ فإنّ مراده قدس‌سره من الاحتمال الّذي جعله مانعا عن حكم العقل ؛ هو احتمال نهي الشارع عن العمل بالظّن وترجيح الوهم عليه من حيث هما كذلك ، ومعلوم أنّ احتمال حكم الشارع في قضيّة على خلاف ما حكم به العقل فيها لا يجامع حكم العقل لا مطلق الاحتمال ، فإنّ احتمال نهيه عن الظّن وإيجابه الأخذ بخلافه من جهة مصلحة غالبة فيه أو مفسدة في العمل بالظّن لا ينافي حكمه أصلا ولا يمنع منه جزما.

توضيح ذلك : أنّ نهي الشارع عن العمل بالظّنّ في زمان الانسداد قد يكون على وجه الطّريقيّة وهذا هو الّذي يحكم العقل بقبحه من الشارع مع تعلّق الغرض بالواقع من حيث استلزامه لنقض الغرض ولا يجامع حكم العقل بحجيّة الظّن ، فكما أنّ القطع بصدوره على هذا الوجه لا يجامع حكم العقل ، كذلك احتماله

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥١٦.

١٣٩

لا يجامعه ، وقد يكون من جهة وجود مصلحة غالبة في الأخذ بخلافه أو وجود مفسدة غالبة في الأخذ به على تقدير مطابقته للواقع ، وهذا لا ينافي حكم العقل بوجوب الأخذ بالظّن في زمان الانسداد ؛ حيث إنّ حكم العقل به إنّما هو من حيث كونه أقرب إلى إدراك مصلحة الواقع الغير المزاحمة بالمفسدة الغالبة عليها ، فإذا علم بأنّ سلوك الظّن الفلاني ليس فيه هذه الجهة بإخبار الشارع أو كشفه عن نهيه فلا يحكم بحجيّته من جهة انتفاء مناط حكمه فيه فلا يلزمه تخصيص في حكم العقل أصلا.

وأمّا إذا لم يعلم بذلك واحتمله فيحكم حكما قطعيّا بوجوب سلوك الظّن وعدم الاعتناء بالاحتمال المذكور وهذا هو الاحتمال الّذي لا يمنع من حكم العقل بل يجامع حكمه.

بل قد أسمعناك في مطاوي ما ذكرنا لك : أنّ الظّن الّذي يكون موضوعا لحكم العقل بالحجيّة في زمان الانسداد لا ينفك عن هذا الاحتمال ، إلاّ أن يكون احتمال عدم حجيّته الغير المنفك عن الشّك في الحجيّة من جهة إلقائه مع التّمكن من تحصيل العلم ، أو الظّنون الخاصّة لا إلقائه مطلقا حتّى في زمان الانسداد الملازم لكونه كالقياس فإن احتمال عدم الحجيّة واقعا عند الشارع لا بدّ أن يستند إلى أحد الاحتمالين على سبيل منع الخلوّ كما هو ظاهر ، إلاّ أنّ إرجاع النّهي عن العمل بالقياس وأشباهه إلى هذا الوجه يرجع إلى بعض الوجوه الآتية في التفصّي عن إشكال خروج القياس وليس الكلام فيه.

١٤٠