بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

المذكورة في الحديث. والقسم الثالث يثبت موضوعه بعروض الحالات المذكورة بحيث لا يكون له موضوع بالفرض إلاّ في صورة عروض الحالات ، فكيف يجعل الحديث شارحا له وموجبا لحمله على غير صورة عروض الحالات؟ وإن هو إلاّ طرحه رأسا والمفروض ثبوته. مضافا إلى ما عرفت : من كونه خلاف معنى الحكومة وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا كما لا يخفى.

إنقسام اللّوازم والآثار المترتّبة على الأفعال

الثاني : أن اللّوازم والآثار المترتّبة على الأفعال تنقسم باعتبار آخر إلى أقسام : فإنها إمّا أن تكون شرعيّة ، أو عقليّة ، أو عاديّة ، وعلى الأول : لا يخلو الأمر فيها إمّا أن يكون ترتّبها على الفعل ترتّبا أوّليّا ومحمولا له من دون توسيط أمر آخر ؛ إمّا أن يكون ترتبها عليه بتوسيط أمر لازم عقلي للفعل ، أو عاديّ له ، وعلى القول بعموم المرفوع في الحديث إنّما يحكم برفع خصوص المحمولات الشرعية التي حملت على الأفعال في الأدلّة الشرعيّة أوّلا وبالذات من دون توسيط أمر آخر فلا يحكم بعمومه لغير الآثار الشرعيّة من العقليّة والعاديّة.

كما أنه لا يحكم بعمومه لما كان من الآثار الشرعيّة مترتبة عليها بواسطة أحدهما ؛ لأن الظاهر من رفع الشارع من حيث إنه شارع لآثار الفعل إنّما هو رفع ما كان ثبوتها له بجعله وكان موضوعا لها بحسب جعله لا مطلقا.

٤٤١

نعم ، لو كان هناك أثر عقليّ ، أو عاديّ مترتّب على الأثر الشرعي المترتّب على الفعل الذي حكم برفعه ، يحكم بارتفاعه قهرا من حيث ارتفاع موضوعه. وهذا نظير ما سنذكره في باب الاستصحاب في جانب الإثبات : من أن الثابت بأخباره هو جعل خصوص ما كان من الأحكام الشرعيّة المترتّبة على المستصحب بلا واسطة في مرحلة الظاهر ، لا الآثار العقليّة والعادية ولا ما يترتّب عليهما من الآثار الشرعيّة إلاّ ما كان من اللوازم الغير الشرعيّة مترتّبا على الآثار الشرعية الثابتة ولو في مرحلة الظاهر لتحقّق موضوعها قهرا بجعل الشارع.

ومن هنا يحكم بعدم الفرق فيما كان المستصحب حكما شرعيّا بين لوازمه ؛ فإن المراد من هذا هو ما كان الموضوع لما فرض لازما عقليّا أو عاديّا الأعمّ من الحكم الواقعي والظاهري كما ستقف على تفصيل القول فيه في بابه.

فإن قلت : ما ذكر إنّما يسلّم في باب الاستصحاب من حيث إن الشارع في مقام الجعل والتشريع لا يجعل غير الأحكام الشرعيّة لا في مثل المقام الذي يرجع فعل الشارع فيه إلى الإخبار لا الإنشاء ؛ ضرورة رجوع الرفع إلى بيان عدم شمول دليل الحكم وعدم إرادة العموم منه ، أو قصور المقتضي لثبوته لإثباته كما يكشف عنه قوله تعالى : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) ونحوه.

__________________

(١) الحج : ٧٨.

٤٤٢

ومن هنا ذكروا أن مرجع النسخ إلى بيان الانتهاء ، ولا يعقل له معنى آخر ؛ إذ الشيء سواء فرض ثابتا أو منفيّا لم يمكن تعلّق الرّفع به كما هو ظاهر. فإذن لا مانع من إخبار الشارع من عدم ثبوت غير الأحكام الشرعيّة.

قلت : رجوع الرفع إلى الإخبار عما ذكر أمر لا نمنعه ، إلاّ أنّا نقول : إخبار الشارع من حيث إنه شارع لا بدّ وأن يرجع إلى الإخبار عن كيفيّة حكمه الشرعيّ ؛ إذ كما أن إنشاءه يحمل على ذلك مع أنّ إيجاده التكويني يتعلّق بكلّ شيء ، كذلك إخباره بهذه الملاحظة لا بد وأن يحمل على ما ذكر. فإذا أخبر مثلا عن رفع الحكم الثابت شرعا بمقتضى دليله للفعل إذا صدر نسيانا فلا محالة يحمل على الإخبار عن مقتضى دليل الحكم المثبت له في الموضوع المذكور ابتداء ، فلا فرق إذن بين الإنشاء والإخبار في التعلق بالمحمول الشرعي الأولي للأفعال.

فإن قلت : على ما ذكرت في المراد من الرواية وبيان معناها في طي الأمرين على تقدير إرادة العموم ليس هنا معنى محصّل لها بالنسبة إلى ( ما لا يعلمون ) بل بالنّسبة إلى غيره أيضا ـ على تقدير اختصاص الرواية برفع المؤاخذة ـ لأن استحقاق العقوبة مضافا إلى كونه من الأحكام والآثار العقليّة مترتّب على عنوان المعصية الذي لا يتحقّق إلاّ مع العلم والعمد ، فليس بالنسبة إلى ( ما لا يعلمون ) أثر شرعي مترتّب على الفعل اللابشرط. وأمّا نفس المؤاخذة فليست من الآثار أصلا ، بل هي فعل المؤاخذة. نعم ، الحرمة الواقعيّة حكم شرعي مترتّب على

٤٤٣

الفعل اللاّ بشرط أوّلا وبالذات ، إلاّ أن الحكم برفعه عن مورد الشك يلزم تخصيصه بصورة العلم ، وهو بالنسبة إلى الشبهة الحكمية محال ، ومناف لنفس الحديث. وبالنسبة إلى الشبه الموضوعيّة مناف لنفس الحديث ؛ فإنّه يوجب أن يكون الموضوع المردّد حلالا واقعيّا ، مع أنّ المدّعى الذي يريد إثباته بالرواية كونه حلالا ظاهريّا.

قلت : المرفوع بالحديث الشريف بالنسبة إلى ( ما لا يعلمون ) وغيره ليس استحقاق المؤاخذة والعقوبة أوّلا وبالذات ؛ حتى يتوجّه عليه السؤال المذكور ، بل المرفوع أوّلا وبالذات أمر شرعيّ يترتّب على رفعه رفع الأثر العقلي المزبور وهو ممّا لا غبار عليه حسبما عرفت في طي الأمر الثاني. وهذا الأمر الشرعي المرفوع أوّلا وبالذات هو إيجاب التحفّظ والاحتياط لا نفس الحكم الواقعي حتى يلزم على رفعه المحذور المزبور على كلّ تقدير.

فإن قلت : لا معنى لجعل المرفوع أوّلا وبالذات هو إيجاب الاحتياط ، أمّا أولا : فلأنه مبنيّ على تسليم دلالة أخبار الاحتياط على وجوبه عموما وهو ممنوع. وأمّا ثانيا : فلأنّ وجوب الاحتياط على تقدير ثبوته مترتّب على الشك في الحكم الإلزامي واحتمال الحرمة لا على المشكوك والفعل اللاّبشرط فوجوب الاحتياط وإن كان حكما شرعيّا إلاّ أنّه مترتّب على الفعل بشرط الجهل وعدم العلم.

٤٤٤

قلت : جعل المرفوع إيجاب التحفّظ والاحتياط لا يتوقّف على قيام دليل على ثبوته في الشرعيّات ، بل يكفي وجود المقتضي لثبوته على ما سننبّه عليه من كون المراد من الرفع ما يشمل الدفع ، وبعد ذلك نقول : إنّ الحرمة الواقعيّة مثلا المنبعثة عن المفسدة الملزمة الكامنة في ذوات الأفعال المأخوذة بالعنوان اللابشرطي اقتضت إيجاب الشارع لا متثالها وإطاعتها مطلقا ومن حيث رعاية وجودها الواقعي والنفس الأمري من غير فرق بين قيام الطريق إليها وعدمه ، فمقتضاه إيجاب الشارع للاحتياط عند احتمال وجودها ، فإذا أخبر الشارع بقوله : ( رفع ما لا يعلمون ) عن عدم رعاية تمام الرعاية ، علم عدم إيجابه الاحتياط عند الشكّ في الحكم الإلزامي. فالمرفوع حقيقة مقتضى الحرمة الواقعيّة المحمولة على الفعل اللابشرط لا نفسها ؛ حتّى يتوجّه عليه ما ذكر في طيّ السؤال ، فيحكم بارتفاع إيجاب الاحتياط من حيث إنّه من مقتضيات الإلزام الواقعي المحمول على الفعل المأخوذ بالعنوان التجريدي المعرّى عن العلم والشك ، فكان المرفوع الحكم الواقعي بحسب بعض مراتبه وهو تنجزّه وإن لم يكن التنجّز ـ على ما أسمعناك مرارا ـ حكما مجعولا للشارع في قبال الحكم الواقعي الثاني.

فالمرفوع ما كان له مقتضى الثبوت ، لا الثابت فعلا بحسب قيام الدليل عليه ؛ فإن الدليل على الحكم الواقعي لا يمكن إثباته للمعنى المذكور ودلالته عليه وجعله طريقا إليه مع الشكّ وإن كان الحكم الواقعي على تقدير ثبوته في نفس

٤٤٥

الأمر ثابتا واقعا ومرادا عن المكلّفين كذلك. والفرق بينهما أي : الدلالة والثبوت النفس الأمري والإرادة الواقعيّة لا يكاد أن يخفى.

وعلى ما ذكرنا يحمل قوله قدس‌سره في الجواب : « وحينئذ إذا فرضنا أنه لا يقبح في العقل أن يوجّه التكليف بشرب الخمر على وجه يشمل صورة الشك فيه ... إلى آخره » (١).

فإن المراد منه عدم إيجاب الشارع امتثال الحكم الواقعي بقول مطلق ، لا التوجيه من نفس الخطاب المتعلّق بشرب الخمر فإن ثبوت الحكم في مرحلة الواقع تابع للخمر الواقعي وجعله دليلا عليه مع الشك وطريقا إليه محال لا يمكن تصرّف الشارع فيه أصلا.

كما أنه المراد بقوله بعد ذلك : « وإلا فليس في التكاليف ما يعمّ صورة النسيان ... إلى آخره » (٢).

فإن العموم بمعنى الثبوت النفس الأمري لا يمكن إنكاره ، والذي يقبح عقلا هو إيجاب امتثاله مطلقا حتى مع النّسيان الصّادر عن ترك التحفّظ الذي لا ينفكّ عن الطبيعة الإنسانية فينطبق مع المراد بالتوجيه في العبارة المتقدّمة. هذا على تقدير عدم دليل على وجوب الاحتياط مطلقا حتى في الشبهات البدويّة.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٣.

(٢) المصدر السابق : ج ٢ / ٣٤.

٤٤٦

وأمّا على تقدير قيام دليل عليه فيمكن جعل الحديث مخصّصا له بما إذا كان هناك علم إجماليّ بالتكليف فيخرج عن المعنى الذي ذكرنا ، أعني : حكومة الحديث على أدلّة أحكام الموضوعات. هذه غاية ما يقال في الجواب عن السّؤال وشرح ما أفاده في المقام ، وإن بقي في النفس مع ذلك شيء.

ثمّ إنه قدس‌سره فرّع على ما أفاده من الجواب عن السؤال : بأن المرفوع أوّلا وبالذّات حكم شرعي يترتّب عليه رفع الأمر الغير الشرعي دفع الإيراد الموارد على المتمسّك بالحديث الشريف في الحكم بصحّة العبادة المنسيّ عنها بعض أجزائها أو شرائطها من حيث إنّ وجوب الإعادة إن سلّم كونه أمرا شرعيّا مترتّب على مخالفة المأتي به للمأمور به وهي ليست أمرا شرعيّا ، فلا يجوز التمسّك بالحديث الشريف لإثبات الصحّة عند نسيان بعض ما يعتبر في العبادة ، لما عرفت :من أن المرفوع أوّلا وبالذّات لا بد أن يكون شرعيا ببيان : أن المرفوع أوّلا وبالذّات في المقام أمر شرعيّ أيضا يترتب عليه ارتفاع سبب الإعادة وهي شرطية المنسيّ ، أو جزئيّته ؛ فيصحّ التمسّك بالحديث الشريف ، وجعل الأصل بمقتضاه الحكم بصحّة العبادة مع نسيان بعض أجزائها ، أو شرائطها كما صنعه بعض الأصحاب ، ثمّ أمر بالتأمّل وبيّن الوجه فيه في مجلس البحث وجعله كون الشرطيّة والجزئيّة من الأحكام الوضعيّة التي ليست مجعولة عنده وفاقا للمحققين فالإيراد في محلّه.

ودعوى : أنها وإن كانت غير مجعولة لكنّها منتزعة عن الأحكام التكليفيّة فالمرفوع أوّلا وبالذات الأمر بالمركّب المشتمل عليهما ويترتّب على رفعه ارتفاع المخالفة المذكورة.

٤٤٧

فاسدة جدّا ؛ لأن مجرّد ارتفاع الأمر بالمركّب المشتمل عليهما لا يقتضي تعلّق الأمر بالمركّب الخالي عنهما.

بل التّحقيق ـ كما ستقف على تفصيل القول فيه عند الكلام في « تنبيهات الأقلّ والأكثر » (١) ـ : امتناع التنويع بحسب الذكر والنّسيان ، فلا يفيد مجرّد ارتفاع الأمر عن التام في الحكم بإجزاء الناقص وكفايته عند الذكر هذا.

ولكن يمكن أن يناقش في وجه التأمّل : بأن المراد من الشرطيّة والجزئيّة في المقام هو المقدميّة ، وهي ليست أمرا اعتباريّا ، بل التحقيق : كونه منشأ للأمر الغير المتعلّق بالجزء والشرط ، والنفسي المتعلّق بالمركّب المشتمل عليهما إلاّ أنّه لا ينفع في الحكم بصّحة العبادة في الفرض أيضا ، لما عرفت من امتناع التنويع بحسب حالتي الذكر والنسيان.

هذا بعض الكلام فيما يتعلّق بهذا المقام وسنوقفك على تمامه عند البحث في « فروع الأقلّ والأكثر ».

في ان المراد من الرفع معنى يشمل الدفع

الثالث : أنه قد يستظهر من الحديث الشريف على ما عرفت الإشارة إليه كون صدق الرّفع موقوفا على وجود دليل يقتضي ثبوت المرفوع بعنوان العموم

__________________

(١) بحر الفوائد : ج ٢ / ١٧٧.

٤٤٨

لكن ذكر شيخنا قدس‌سره : أن المراد من الرّفع ما يشمل الدفع ، فيكفي في صدقه مجرّد وجود المقتضي لثبوته وإن لم يكن عليه دليل ، لكن إحراز المقتضي مما لا بدّ منه. فلو كان هناك حكم متعلّق في ظاهر دليله بحالة العمد مثلا وعلمنا بوجود المقتضي لثبوته في حالة النسيان يكشف ذلك عن كون التخصّص في دليل الحكم من جهة رعاية ما بيّنه الشارع في حديث الرفع وإن لم يكن الحكم بارتفاعه في الفرض محتاجا بحديث الرفع فتأمّل.

ومن هنا اكتفي بوجود المقتضي للاحتياط في صورة الشكّ من غير أن يكون عليه دليل على ما عرفت الكلام فيه فتدبّر.

حديث الرّفع لا يرفع الضّمان

الرّابع : أن الحديث الشريف على ما عرفت الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا لمّا كان واردا في مقام الامتنان بالنّظر إلى سياقه فلو قيل بعموم المرفوع فلا بد أن يحكم باختصاصه بما لا يكون في رفعه ما ينافي الامتنان على الأمة ، فإتلاف المال المحترم نسيانا أو خطأ لا يرفع معه وجوب الغرامة والضمان ؛ لأن رفعه ينافي الامتنان على مالكه وإن كان فيه امتنان على المتلف. وكذلك إتلافه وأكله في مقام الاضطرار والضرورة ، لا يرفع معه وجوب الغرامة والضّمان فيجمع بين الحكم بجواز أكله في مقام الاضطرار والضّمان بمقتضى ما دلّ على سببيّة الإتلاف للضمان ، بل لو توجّه ضرر إلى مسلم لا يجوز صرفه عن نفسه بإضرار الغير.

٤٤٩

نعم ، لو توجّه ضرر إلى الغير ابتداء ، لم يجب صرفه عنه بتحمّل الضّرر ، ففي موارد الإكراه بإضرار الغير ، يحكم بجوازه من حيث إن الضّرر متوجّه إلى الغير ابتداء بمقتضى إرادة المكره ـ بالكسر ـ لا إلى المكره ـ بالفتح ـ فلا يجب عليه تحمّل الضّرر إلاّ فيما دلّ دليل عليه كما في الدّماء وسبّ الأولياء « صلوات الله عليهم » ، وإن كان مقتضى غير واحد من الأخبار جواز السّب لدفع الضّرر والقتل دون البراءة عنهم (١) ، وأفتى به جمع من الأصحاب وتحقيق المسألة

__________________

(١) أنظر نهج البلاغة : الخطبة ٥٧ عنه وسائل الشيعة : ج ١٦ / ٢٢٨ باب «٢٩» من أبواب الأمر والنهي ـ ح ١٠.

وفي خبر مسعدة بن صدقة : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الناس يروون أن عليّا عليه‌السلام قال ـ على منبر الكوفة ـ :

أيّها الناس إنّكم ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثم تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرءوا منّي.

فقال عليه‌السلام : ما أكثر ما يكذب الناس على عليّ. ثم قال : إنّما قال : ستدعون إلى سبّي فسبّوني ثم تدعون إلى البراءة منّي وإنّي لعلى دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يقل : لا تبرءوا منّي.

فقال له السائل : أرأيت إن اختار القتل دون البراءة؟

فقال : والله ما ذاك عليه ولا له إلاّ ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث اكرهه أهل مكّة وقلبه مطمئن بالإيمان فأنزل الله تعالى : (إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) [ النحل : ١٠٤ ].

فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندها : يا عمّار إن عادوا فعد ».

أنظر الوسائل : ج ١٦ / ٢٢٥ باب «٢٩» من أبواب الأمر والنهي ـ ح ٢.

٤٥٠

__________________

أقول : وهي من روايات العرض ولذا قال الشيخ الأعظم ١ :

« المروي في بعض الرّوايات أنّ النهي من التبرّي مكذوب على امير المؤمنين عليه‌السلام » إنتهى.

أنظر رسائل فقهيّة ـ رسالة في التقيّة : ١٠٢.

* وقال السيّد الخميني قدس‌سره الشريف :

« ولا يخفى ان رفع اليد عن تلك الروايات ـ المشتملة على تكذيب ما نسب إلى على عليه‌السلام ـ وعن اخبار التقيّة وعن قوله ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) وحكم العقل بلزوم حفظ النفس واهتمام الشارع به لا يمكن بمثل تلك الروايات التي لا تفيد علما ولا عملا ولم نجد فيها ما يسلم سندا ، ودعوى المفيد لا تفيد لنا علما فإنا لم نعثر على رواية واحدة بمضمون ما ذكره ، نعم بعض مضمونه موافق للروايات الضعاف المتقدّمة المقابلة للرّوايات التي بعضها أسدّ منها سندا.

مضافا إلى استشمام رائحة الكذب والإختلاق منها ؛ ضرورة أن السبّ والشتم واللعن أشدّ من التلفّظ بالبراءة ممّا لا يقدح فيهم ولا ينقصهم ، ومن المقطوع عدم رضا الشارع بمدّ الاعناق في مقابله كما في رواية الإحتجاج.

وأمّا قضيّة ميثم وإن كانت معروفة ولا يبعد ثبوتها إجمالا لكنها قضيّة في واقعة ولعلّه كان عالما بأن الدعي عبيد الله بن زياد يقتله ، برء من علي ٧ أو لا ، وكانت براءته منه غير مفيدة بحاله بل مضرّة وموجبة لفضاحته مضافا إلى قتله فلا يجوز معه البراءة ولا السب ولا غيرهما » إنتهى. أنظر الرسائل ـ رسالة في التقيّة : ١٨٤.

أقول : ما ذكره من التوجيه لفعل ميثم ينافيه خبر محمد بن مروان « قال :

٤٥١

يطلب من الفقه (١).

الطّيرة والحسد والوسوسة من المحرّمات

الخامس : أن الظاهر من الحديث الشريف بعد حمله على الرفع الشرعي ، وأنّ المرفوع حكم شرعيّ على كلّ تقدير وقول ، حتى على القول باختصاصه برفع استحقاق العقوبة والمؤاخذة ، كون الطيرة والحسد وإن لم يظهره الحاسد ، والوسوسة في التفكّر ، وإن لم يظهرها المتفكّر من المحرّمات في الأمم السّابقة ؛ نظرا إلى إمكان رفعها بتزكية النفس ، بل ظاهر جملة من الآيات وكثير من الروايات وبعض الكلمات كون الحسد حراما مطلقا في هذه الشريعة أيضا ، وإن لم يكن من الكبائر قبل الإظهار.

وكيف كان : ظاهر الرّواية كونها منهيّا عنها في الأمم السابقة ، وربّما يكشف عنه ما ورد في « باب الطيرة » : ( أنها شرك ) (٢) و ( إنّما يذهبها التوكّل ) (٣) (٤) من

__________________

قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : ما منع ميثم ; عن التقيّة؟! فو الله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمّار وأصحابه : ( إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) [ النحل : ١٠٤ ].

أنظر الوسائل : ج ١٦ / ٢٢٦ باب «٢٩» من أبواب الأمر والنهي ـ ح ٣.

(١) أنظر رسالة التقيّة للشيخ الأعظم : ١٠٢ ، وكذا رسالة التقية للسيد الإمام : ١٨٤.

(٢) بحار الأنوار : ج ٥٥ / ٣٢٢ ـ ح ـ ١٠ ، وليت شعري إذا كانت شركا فكيف يتطيّر النّبي على ما هو مقتضى رواية الخصال ـ؟!

(٣) الكافي الشريف : ج ٨ / ١٩٨ « قصة الذين خرجوا من ديارهم » ـ ح ٢٣٦ عنه وسائل

٤٥٢

حيث إنّها مبنيّة على الاعتقاد بوجود تأثير نفس التطيّر أو ما يتطيّر به وهو مناف لبعض مراتب التوحيد وإن لم يناف التوحيد المعتبر في الإيمان لعدم الاعتقاد بتأثيرها استقلالا حتى ينافيه ، وإذهاب التوكّل لها من حيث إنه بالتوكّل على الله تعالى يرفع أثرها كما هو مقتضى كثير من الأخبار ، فيعلم أن تأثير المؤثّرات بإرادة الله تعالى ومشيّته ، فليس التأثير من لوازم ذاتها.

وهذا مثل تأثير العين الوارد لرفعه والحفظ عنه المعوّذات المأثورة حتى في باب تأثيرها في صاحبها كما ربّما نشاهد بالوجدان من تأثير تعجّب الشخص في حقّ نفسه. وكون دفع الحسد واجبا خلقيّا وممّا أكّد عليه في الأخبار أيضا لا ينافي عدم وجوبه شرعا على هذه الأمّة.

فقوله قدس‌سره في بيان « حكم الطيرة » : « والمراد إمّا رفع المؤاخذة عليها » إلى

__________________

الشيعة ج ١١ / ٣٦٢ باب « استحباب ترك الطيرة ... » ـ ح ٣ ، وأنظر سنن أبي داود : ج ٤ / ١٦٠ ـ ١٦١٤.

(٤) أقول : وفي تقريرات السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« الضمير إمّا راجع إلى الطّيرة فالمعنى : يذهب الطيرة التوكل ، وإما إلى الشرك المخصوص فالمعنى : أنّه إنّما يذهب الشرك ـ وهو الطّيرة ـ التوكل.

وكيف كان : الطيرة شرك إن اعتقد انّه المؤثّر الحقيقي في الأمور ، لا الواسطة كالخواص المترتّبة على الأشياء كالحموضة والحلاوة والسمنيّة والترياقيّة وغير ذلك » إنتهى.

أنظر تقريرات المجدد الشيرازي ١ : ج ٤ / ٣٨.

٤٥٣

قوله : « وإمّا رفع أثرها ؛ لأن التطيّر كان يصدّهم عن مقاصدهم فنفاه الشارع » (١).

قد يناقش فيه : من حيث كونه منافيا لما أفاده من عدم تعلّق الرّفع بالأمر الغير الشرعي ، مضافا إلى ما يرى بالوجدان من تأثيره في حقّ من يعتني به ولا يتوكّل على الله في مورده فتدبّر.

هذا بعض الكلام فيما يتعلّق بالفقرات الثلاثة المذكورة في الحديث الشريف أخيرا على ما هو المعروف في معناها ، وبقي فيها أبحاث أخر ؛ نذكر في محلّ آخر مثل ما ذكره الصّدوق في معناها ، والمراد بها في رواية « [ ال ] خصال » (٢) فإنه معنى آخر لا ينطبق على ما ذكرناه في الحديث الشريف المتقدّم ؛ فإن مقتضاه ثبوت المذكورات في الجملة ، ولو في حق الأنبياء ومن دونهم ، فلا معنى لرفعها بناء عليه كما هو ظاهر.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٣٨.

(٢) الخصال : ٨٩ ، باب « الثلاثة » ـ ح ٢٧.

٤٥٤

(١٠٤) قوله قدس‌سره : ( وفيه : أن الظاهر ممّا حجب الله علمه ... الى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٤١ )

أقول : لا إشكال في ظهور الحديث فيما أفاده في بيان معناه ؛ من أن المراد منه الحكم الذي لم يؤمر الأنبياء بتبليغه وكان مخزونا عندهم ومخفيّا عن الخلق كما هو مقتضى كثير من الأخبار ، ولا ينافي ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع من تبليغه تمام الدين إلى الخلق ، وتكميله ذلك بتبليغ أمر الولاية التي هي بمنزلة

__________________

(١) قال المحقق المؤسس الأصولي الشيخ محمد هادي الطهراني قدس‌سره :

« إنّ حجب العلم عبارة عن المنع عن الإطّلاع على الشيء وجعله من الأسرار ، وإلاّ فالجاهل بما يمكن الإطلاع عليه ليس محجوبا ، بل إنّما احتجب لقصور باعه وعدم إطلاعه.

فمن الأمور : ما هو من الغيب الذي لا يظهر الله تعالى عليه أحدا إلاّ من ارتضى من رسول.

ومنها : ما أظهره لكل أحد بل للبهائم والحشار ، وهو أنواع البديهيّات على اختلافها في مراتب الوضوح.

ومنها : ما جعل اليه طريقا من الأدلّة العقليّة والنقليّة ، والناس بين من يطّلع عليها ويتمكّن من النظر فيها أخطأوا أو أصابوا ، وبين من لا يتمكّن من النّظر فيها.

ومنها : ما سكت الله تعالى عنها ؛ لعدم إيجاب الحكمة ببذله للناس وإن لم يحجبه عنهم وإلى هذا ينظر قوله عليه‌السلام : « إنّ لله حدودا فلا تعتدّوها وفرض فرائض فلا تعصوها وسكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلّفوها رحمة من الله تعالى لكم ».

والمحجوب علمه هو القسم الأوّل ، وفي نسبة الحجب إلى العلم مع أنّ المحجوب هو المتعلّق مبالغة في الكتمان.

وزعم الأستاذ ( الأنصاري ) قدس‌سره إتّحاد الأوّل والأخير » إنتهى. محجّة العلماء : ج ٢ / ٩.

٤٥٥

الروح له حقيقة ؛ فإنه يكفي في صدقه تبليغه إلى الوصيّ عليه‌السلام وأمره بالبيان حسب اقتضاء المصلحة ، فيخرج عن محل البحث وليس هنا إجماع مركّب وعدم قول بالفصل فتأمّل.

(١٠٥) قوله قدس‌سره : ( وفيه : ما تقدّم في الآيات من أن الأخباريّين (١) (٢) ... الى آخره ). ( ج ٢ / ٤١ )

__________________

(١) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« لا يخفى أنّ هذا الإيراد لا يختصّ بهذه الرّواية ، بل يعمّ سائر الرّوايات المتقدّمة ، مع أنّه لم يتعرّض له فيها.

اللهم إلاّ أن يكون ذلك لأجل اختصاص هذه الرواية بهذا الإيراد وحده وسلامته من سائر الإيرادات الواردة على غيرها » إنتهى.

أنظر تقريرات السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره : ج ٤ / ٣٨.

(٢) قال سيّد العروة قدس‌سره :

« إنّ هذا الجواب مبني على أن يكون نفي العلم في الرّواية متعلّقا بمطلق الحكم أعم من الواقعي والظاهري ، فللأخباري حينئذ أن يقول : أنا أعلم بالحكم الظاهري ، أي :الإحتياط بأخباره.

وفيه : أن الظاهر منه نفي العلم بالحكم الواقعي ، والعجب أن المصنّف يقول ـ في قوله عليه‌السلام :

« في كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي » ـ : أنّ ظاهره النهي الواقعي لا الأعمّ من النهي الظاهري ، مع أنّ هنا ليس أظهر من ظهور « ما لا يعلمون » في الحكم الواقعي فتدبّر.

نعم ، قد يقال : إنه على تقدير كون كلمة « ما » موصولة قد أضيف لفظة « سعة » إليها ، ولا بد من

٤٥٦

أقول : قد يناقش فيما أفاده : من جعل مفاد الرّواية أصلا في المسألة بحيث لا يصلح للمعارضة مع دليل الاحتياط ؛ فإنه على تقدير كون الكلمة موصولة أضيف إليه السّعة ؛ يكون مفادها إثبات السّعة ونفي الضيق بالنسبة إلى الحرمة المجهولة ، فإنّها غير معلومة ولو بملاحظة أخبار الاحتياط ؛ فإنها لا توجب العلم بالحرمة الواقعيّة ، وإنّما تثبت وجوب التحرّز في مورد احتمالها فتثبت الضيق في قبال الرواية فلا محالة يقع التعارض بينهما على تقدير تسليم دلالة أخبار الإحتياط على هذا المعنى كما هو ظاهر ، فالرّواية تنفي وجوب الاحتياط عند احتمال الحرمة من حيث عدم العلم بها ، لا من حيث عدم العلم به ؛ حتى يقال بثبوته والفرق بينهما ظاهر ، فافهم.

وأمّا على تقدير كونها مصدرية زمانيّة فالأمر كذلك أيضا ، وإن لم يكن مثل الأوّل في الظهور ؛ فإنّه يصدق بعد ورود أخبار الاحتياط أيضا : أن المكلّف غير عالم بالحكم الواقعي ؛ وإن لم يصدق عليه الجاهل بقول مطلق بعد فرض علمه بالحكم الظاهري فتأمل.

__________________

كون الإضافة للعهد كما صرّح به علماء الأدب ، ولا عهد إلاّ حكم العقل المركوز في الأذهان بقبح العقاب بلا بيان فتكون الرّواية مساوقة لحكم العقل فلا تعارض أدلّة الأخباريين.

وفيه : انّه يكفي في المعهوديّة أنّ في كل حكم ضيقا وسعة بحسب ما ارتكز في الأذهان وفي العرف ، وفيما نحن فيه ضيقه الإحتياط وسعته البراءة فالناس في سعة » إنتهى.

أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ٨٩.

٤٥٧

وجعل العلم بوجوب الاحتياط من بعض مراتب العلم بالحكم الواقعي ، كما ترى.

(١٠٦) قوله قدس‌سره : ( بناء على أنّ المراد بالشيء الأوّل ... الى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٤٢ )

أقول : لا يخفى ظهور الرواية في المعنى الثاني فلا دلالة لها على المدّعى.

(١٠٧) قوله قدس‌سره : ( وفيه : أن الظاهر من الرواية ... الى آخره ). ( ج ٢ / ٤٢ )

أقول : ظهور الرواية فيما أفاده من إرادة الجهل المركّب لا البسيط ـ الذي هو محلّ الكلام ـ لا إشكال فيه أصلا ؛ لظهور كلمة الباء في السببيّة الغير المتحقّقة إلاّ مع الجهل المركّب ؛ لأن الشك بما هو لا يكون سببا كما هو واضح.

إلاّ أنّ تأييده له : بأنه على تقدير إرادة المعنى الثاني لا بد من ارتكاب التخصيص في الرواية بإخراج الشاك المقصّر ـ مع أنّها آبية عن التخصيص ـ ربّما

__________________

(١) قال في قلائد الفرائد ( ج ١ / ٣١٩ ) :

« أقول : إنّ النّكرة في سياق النفي وإن كان مفيدا للأستغراق لكن إرادته في المقام غير معقول ؛ لأنّ دائرة الإستغراق :

تارة : تلاحظ بالنسبة إلى جميع الأشياء وهذا غير محقّق الموجود في الخارج ؛ فإنّه لم يوجد في الكائنات من لم يعرف شيئا رأسا حتّى الرّضيع ؛ فإنّه عارف بشرب اللبن من ثدي الأمّ.

وأخرى : يلاحظ بالنسبة إلى الأحكام وهذا أيضا غير موجود ؛ لعدم من لم يقرع سمعه بصيت الإسلام ، ولو فرض وجوده فهو في غاية النّدرة فيبعد حمل الكلام عليه ، فتعيّن في مفاده ما ذكره المصنّف رحمه‌الله في مقام الإستدلال » إنتهى.

٤٥٨

يناقش فيه : بأن التخصيص مما لا بدّ منه على كل تقدير ؛ إذ الجاهل المركّب المقصّر أيضا غير معذور ، ومن هنا أمر قدس‌سره بالتأمّل ؛ فإن هذه المناقشة ممّا لا يمكن الذّبّ عنه كما لا يخفى.

(١٠٨) قوله قدس‌سره : ( وفيه : أن مدلوله كما عرفت ... الى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٤٣ )

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره :

« لا يخفى ان ايجاب الإحتياط إن كان لنفسه بحيث كان الثواب والعقاب على إطاعته ومخالفته كان مدلول الرّواية غير منكر لأحد وإنما يدعي الأخباري تعريف إيجابه بالأخبار الدالّة على وجوب التوقّف ولزوم الإحتياط.

وأمّا اذا كان ايجابه لتنجيز الأحكام الواقعيّة وتصحيح المؤاخذة على مخالفتها كما عرفت في بعض الحواشي على تحديث الرّفع ، فمدلولها ينافي ما ذهب إليه الأخباريّون من وجوب الإحتياط فإن المؤاخذة على الحرمة المجهولة إحتجاج بما لم يؤت ولم يعرف ولو بعد ايجاب الإحتياط ؛ لوضوح أنّ إيجابه لا يكون تعريفا لها كما لا يخفى » انتهى.

درر الفوائد : ١٩٨.

وعلّق عليه الفاضل الكرماني قدس‌سره قائلا :

أقول : تعريف الحرمة قد يكون بايجاب الإجتناب عن الشيء المتّصف بها ، وقد يكون بايجاب الإجتناب عن عنوان ينطبق على الشيء المتّصف بها ، مثلا للشارع أن يبيّن ويعرّف حرمة شرب التتن بقوله : اجتنب عن شرب التتن ، وله أيضا أن يعرّف ويبيّن حرمته بقوله :

إجتنب عن كل مشكوك الحرمة فتصير هذه كبرى لصغرى وجدانيّة تنتج حرمة شرب التتن صورته هكذا :

٤٥٩

أقول : إن إيتاء وجوب الاحتياط وتعريفه لا يفيد بالنسبة إلى الحكم الواقعي ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ إيجاب الاحتياط لما كان مصحّحا للعقاب بالنسبة إلى الواقع فيكفي في صدق الإيتاء والتعريف فتأمل. أو يقال : إن إيتاء الشارع للاحتياط بالنسبة إلى الواقع إيتاؤه في الجملة فتدبّر.

(١٠٩) قوله : ( ودلالته أوضح (١) من الكلّ ... الى آخره ) (٢). ( ج ٢ / ٤٣ )

__________________

شرب التتن مشكوك الحرمة وكلّ مشكوك الحرمة حرام ببيان الشارع وتعريفه فتصحّ المؤاخذة والعقاب عليه وهل يبقى شك؟ لا والله بعد هذا البيان ، إن الشارع أتى وعرّف حرمة شرب التتن : لا أنفي الشك عن حرمة شرب التتن على الخصوص ، بل أنفيه عن انه حرام من قبل الشارع مبيّن معرّف وجوب الإجتناب عنه ببيانه وتعريفه ، فعلى التقرير الثاني أيضا لا ينافي مضمون الخبر لما ذهب اليه الإخباريّون من وجوب الإحتياط وليس المقال هذا مما يخفى على أصاغر الطلبة فضلا عن الشيخ الأعظم الوحيد في عصره بل الأعصار كيما يبقي مجال للتعريض عليه بهذا وأضرابه عصمنا الله من الزلل إلى يوم انقطاع العمل إن شاء الله » إنتهى. الفرائد المحشّى : ١٩٩.

(١) كذا في النسخ والموجود في نسخة الفرائد المطبوعة : « ودلالته على المطلب أوضح من الكل ».

(٢) قال المحقق الهمداني قدس‌سره :

« ويمكن الخدشة في دلالته : بأن مفاده ليس إلاّ أن الأصل في الأشياء قبل أن يرد فيها النهي الإباحة لا الحظر ، وهذه مسألة أخرى أجنبيّة عمّا نحن فيه ؛ إذ المقصود في المقام إثبات

٤٦٠