بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

لأنّا نقول : الحقّ وإن كان ما ذكر من الاختصاص ، إلاّ أنّه ليس بمكان من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى التّعرّض ، بل مع التّعرض مرارا والتّأكيد فيه لا نرجو وضوح الأمر على أهل العصر ، فضلا عمّا إذا أهمل ذكره.

نعم ، ربّما ينافي ما ذكرنا قوله قدس‌سره في مقام الاستدراك : ( إلاّ أن يدّعى أنّ القدر المتيقّن في الفروع [ هو ] متيقّن في المسائل الأصوليّة أيضا ) (١) ، فإنّه لا بدّ أن يحمل على إجراء دليل الانسداد في الأصول أيضا.

اللهمّ إلا أن يقال : إنّه لا حاجة إلى الحمل المذكور ، بل نحمل على المعنى المذكور للقضيّة المنفيّة ، فيستدرك وجود النّفع له بالنّظر إلى وجه آخر يكون في المسألة وقد ذهب إليه جمع ممّن تعرّضنا لمقالتهم فيما سبق ، بل أتوا بأمر أعجب من ذلك ؛ فإنّهم التزموا بحجيّة مطلق الظّن في تعيين المهملة من جهة دليل الانسداد الجاري في الفروع مع ذهابهم إلى إهمال النّتيجة في الفروع.

في تطبيق عبارات المصنّف على التّحرير المختار

ويشهد لما ذكرنا من البيان ذكره قدس‌سره الوجهين في المسألة بقوله : « وهل يلحق به كلّ ما قام المتيقّن على اعتباره وجهان : أقواهما : العدم كما تقدّم ... إلى آخره » (٢).

ومنه يظهر : أنّ ما أفاده بقوله : « وأمّا بالإضافة إلى ما قام على اعتباره إذا

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ١ / ٤٨٩.

(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٤٩١.

١٠١

ثبت حجيّة ذلك الظّن القائم ... إلى آخره » (١) لا بدّ أن يكون مبنيّا على ما ذكر : من إجراء الدّليل في خصوص الفروع بالنّظر إلى الوجه الضّعيف في المسألة من كفايته في إثبات حجيّة الظّن في المسألة الأصوليّة أيضا ، فإنّ المتيقّن بالإضافة ليس أولى من المتيقّن الحقيقي.

نعم ، تخصيص تيقّنه بالنّسبة إلى ما قام على اعتباره مستدرك جدّا كما هو واضح ، وحقّ التّعبير أن يقال : وأمّا بالإضافة إلى جميع ما دون المتيقّن الحقيقي إذا فرض عدم قيامه أو عدم كفاية ما قام عليه في استعلام الأحكام ، وهو المراد بقوله : « إذا ثبت حجيّة ذلك الظّن القائم » (٢) ؛ فإنّ فرض حجيّته على ما عرفت إنّما هو بتحقّق أحد الأمرين. وهو المراد ببعض الوجوه في التّمثيل بالإجماع المنقول.

نعم ، ما أفاده بقوله : « ويلحق به ما هو متيقّن بالنّسبة إليه » (٣) في كمال الوضوح والاستقامة ؛ فإنّه من القضايا الّتي قياساتها معها.

نعم ، ما أفاده بقوله قدس‌سره في بيان حكم الموضع الثّالث ( وتعسّر ضبط البعض الّذي لا يلزم العسر من الاحتياط فيه ) (٤) ملتبس المراد ، فإنّ الظّاهر منه في ابتداء النّظر كون عنوان الأخذ بالظّن بالتّكليف في كلّ مسألة الاحتياط ، وإن بدل قوله « من الاحتياط فيه » (٥) بقول « من الاحتياط في موارد فقده » بناء على ما تقدّم منه قدس‌سره ويتعرّض له بعد ذلك : من عدم بطلان الاحتياط كليّة وفي الزّائد على ما

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٤٨٨.

(٢) نفس المصدر والصفحة بالذات.

(٣) نفس المصدر والصفحة بالذات.

(٤ و ٥) نفس المصدر : ج ١ / ٤٩٠.

(٤ و ٥) نفس المصدر : ج ١ / ٤٩٠.

١٠٢

يندفع به الحرج لكان أولى ، وإن كان هذا ملازما لكون عنوان الأخذ بالظّنون الموافقة للاحتياط في مواردها الاحتياط لا الطّريقيّة والحجيّة على ما عرفت وستعرفه ، وإن كان التّبديل بما عرفت لا يدفع ما سمعت مرارا وستسمعه : من المناقشة في هذا المطلب ، وإنّ الكلام في تقرير الكشف والحكومة بعد البناء على كون نتيجة المقدّمات حجيّة الظّن لا التّبعيض في الاحتياط.

وأمّا ما أفاده قدس‌سره بقوله : « وإن تفاوتت فما قام متيقّن الاعتبار أو مظنون الاعتبار على اعتباره يصير معيّنا ... إلى آخره ) (١).

فيحمل بالنّسبة إلى ما جزم به من معينيّة المتيقّن على ما ضعّفه من الوجه أو على ما ذكرنا من إجراء دليل الانسداد في تعيين المهملة في كلّ مرتبة من المراتب وبالنّسبة إلى ما أطلقه من الرّجوع إلى الظّن على ما فرضه من إجراء دليل الانسداد في تعيين المهملة مع عدم قدر متيقّن كاف بين الأمارات القائمة وتساويهما مع فرض تعدّدها ، وهو المراد بالظّن المتّبع في قوله : « بظنّ متّبع » (٢) فافهم.

وتأمّل في المقام لعلّك تجزم بعد التّأمّل أنّه لا معنى لما أفاده قدس‌سره في المواضع الثّلاثة لتعيين المهملة بالظّن تخصيصا وتعميما إلاّ ما ذكرنا.

فإذن لا بدّ من حمل قوله قدس‌سره : « فاعلم أنّه قد يصح تعيينها بالظّن في

__________________

(١) نفس المصدر : ج ١ / ٤٩٢.

(٢) نفس المصدر : ج ١ / ٤٩٣.

١٠٣

مواضع » (١) على الأعمّ ممّا بني عليه الأمر أو غيره من اقتضاء المقدّمات الجارية في الفروع لحجيّة الظّن في الأصول أيضا ، وإن كان ضعيفا عنده على ما عرفت. وإن كان هذا الحمل في غاية البعد ولو حرّر المقام بما عرفت لم يكن الحاجة إلى هذه التّكلّفات أصلا كما لا يخفى.

(٢٢) قوله قدس‌سره : ( الثّاني من طرق التّعميم : ما سلكه غير واحد من المعاصرين (٢) من عدم الكفاية ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٩٣ )

« الوجه الثاني من طرق التعميم »

أقول : الوجه فيما أفاده ـ من التّرتيب بين المظنون والمشكوك والموهوم ـ إنّما هو من جهة التّرتيب الّذي يحكم به العقل في باب الإطاعة بين المراتب المذكورة كما أنّها بأسرها مترتّبة في حكمه على الإطاعة العلميّة ، وهذا أمر ظاهر لا سترة فيه ، لكن كان اللاّزم أن يضمّوا إلى ذلك الإجماع المركّب ؛ حيث إنّ له مدخلا في التّعميم المذكور بمقتضى تصريحاتهم.

ثمّ إنّ ما أفاده في المقام لبيان المعمّم المذكور غير محصّل المراد ؛ إذ بعد فرض الكفاية والكثرة لمظنون الاعتبار من أين يعلم بطرو خلاف الظّاهر فيها؟

ثمّ من أين يعلم حصر الصّارف في مشكوك الاعتبار بحيث يكون مظنون الاعتبار وموهومه خارجين عنه حتّى يحتاج في التّعدي إلى موهوم الاعتبار إلى

__________________

(١) نفس المصدر : ج ١ / ٤٨٨.

(٢) أنظر الفصول : ٢٧٨ ، وهداية المسترشدين : ٤٠٢ ط ق.

١٠٤

العلم بكونه صارفا لظواهر مشكوك الاعتبار حتّى يحتاج إلى جعل مشكوك الاعتبار من الأخبار المشتملة على الظّواهر.

اللهمّ إلاّ أن يحمل قولهم ووجود ما يظنّ منه ذلك في الظّنون المشكوك الاعتبار على كون تلك الظّنون طرفا للعلم الإجمالي لا حصره فيها ؛ فإنّ المعنى الثّاني وإن كان متعيّنا بالنّظر إلى ما ذكره بعده من وجه التّسرّي إلى موهوم الاعتبار ، إلاّ أنّ استفادته من القول المذكور في غاية الإشكال ؛ فإنّه لا بدّ أن يحمل على كون الصّوارف الكاشفة ظنّا عن إرادة خلاف الظّواهر موجودة قطعا في مشكوك الاعتبار وهو كما ترى.

بل العبارة لا تخلو عن شيء على كلّ معنى ، مع أنّ ما أفاده في المقام غير نقيّ عن الإشكال من جهة أخرى قد عرفت الإشارة إليها في مطاوي كلماتنا السّابقة ؛ نظرا إلى أنّ نتيجة دليل الانسداد على تقرير الكشف على ما عرفت مرارا : هو حجيّة الظّن الشّخصي في المسألة الفقهيّة ، سواء على القول بتخصيص النّتيجة بمظنون الاعتبار من الأمارات القائمة في المسائل الفقهيّة أو تعميمها بالنّسبة إلى مشكوك الاعتبار وموهومه ، ولازم هذا دوران اعتبار الظّواهر مدار حصول الظّن الشّخصي بالمرادات منها.

فإذا فرض العلم الإجمالي بطروّ خلاف الظّاهر فيها فلا محالة يرتفع الظّن الشّخصي بالمراد منها فيسقط عن الاعتبار ، بل قد عرفت : أنّه على القول بإناطة اعتبارها بالظّهور العرفي والظّن النّوعي يسقط عن الاعتبار من جهة العلم الإجمالي المذكور.

ولأجل ما ذكر ذكرنا في باب التّعارض : أنّه لا يمكن التّعارض بين

١٠٥

الأمارات القائمة في المسائل الفقهيّة على القول بإناطة اعتبارها بالظّن الشّخصي. نعم ، على تقرير الحكومة وتعميم النّتيجة بالنّسبة إلى المسائل الفرعيّة والأصوليّة يمكن وقوع التّعارض بين الأمارات إذا ظنّ اعتبارها ؛ حيث إنّها ليست منوطة بحصول الظّن الشّخصي منها في المسائل الفقهية ، لكن بشرط عدم كونها من الظّواهر الّتي علم إجمالا بطرد خلاف الظّاهر فيها.

اللهمّ إلاّ أن يتفصّى عن الإشكال المذكور : بأنّ العلم الإجمالي وإن أوجب رفع الظّن الشّخصي من الظّواهر فيوجب إجمالها قبل ملاحظة المشكوك الاعتبار الصّارف لها ، إلاّ أنّه بعد ملاحظة وتعيين المراد بمعونته وإخراج ما خرج منها لأجله يحصل الظّن الشّخصي بالمراد منها ، فالمدار عليه وإن حصل بعد ملاحظة المشكوكات فتدبّر.

ولا دخل لهذا كما ترى ولا تعلّق له بمسألة حجيّة الظّواهر ، وإنّما هو من جزئيات الظّن الشّخصي بالحكم الفرعيّ الواقعي الثّابت حجيّته بدليل الانسداد فافهم.

ثمّ إنّ ما أفاده قدس‌سره في الجواب الأوّل : من كثرة ما ظنّ اعتباره لا يخفى استقامته بعد ملاحظة ما ذكره من الشّواهد والقرائن والأمارات القائمة على اعتبار الأقسام المذكورة من الأخبار ، سيّما إذا انضمّ إليها الحسن والضعيف المنجبرين بالشّهرة من حيث العمل سيّما عمل القدماء من أصحابنا ؛ مثل استقامة ما أفاده في الجواب الثّاني من ضعف دعوى الإجماع المركّب في المقام ، فضلا عن الأولويّة القطعيّة من جهة العلم بانتفاء مناط الحكم الّذي قضى به العقل فيما لم يكن صارفا لظواهر المظنون الاعتبار من المشكوك اعتباره ، فلا يحتمل استناد الحكم إلى

١٠٦

الجامع بين المسألتين حتّى يدّعى الإجماع المركّب الراجع إلى الإجماع البسيط حقيقة وإلاّ لم يكن حجّة ؛ لأنّ الخلاف لا يكون إجماعا فلا يكون حجّة ، إلاّ إذا رجع إلى الإجماع البسيط ، وليس هذا إلاّ من جهة كون الحاكم في المسألة العقل الّذي لا يقبل التّرديد والالتباس في مناط حكمه كما هو واضح لا يخفى.

(٢٣) قوله قدس‌سره : ( الثّالث من طرق التّعميم : ما ذكره بعض مشايخنا ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٤٩٧ )

في المعمّم الثالث والإيراد عليه :

أقول : لا يخفى عليك أنّ هذا المعمّم الّذي ذكره أستاذه الشّريف طاب ثراه (١) وإن اقتضى وجوب العمل بالظّن احتياطا بالنّسبة إلى جميع الظّنون القائمة على المسألة الفرعيّة من غير فرق بين المظنون الاعتبار وغيره ويكون سالما عمّا يرد على المعمّم الثّاني إلا أنّه يتوجّه عليه أمران لا محيص عنهما ولا مدفع لهما.

أحدهما : أنّ قاعدة الاشتغال بالنّسبة إلى المسألة الأصوليّة ، أعني : المهملة الثّابتة بجريان دليل الانسداد في الفروع إنّما هي فيما إذا لم يكن هناك قدر متيقّن كاف بين الظّنون الموجودة في المسائل الفرعيّة من غير فرق بين المتيقّن الحقيقي والإضافي ؛ ضرورة أنّ المستكشف بدليل الانسداد جعل مقدار الكفاية من الظّنون ، فإذا كان مردّدا بين المتيقّن وغيره كان الشّك بالنّسبة إلى جعل غيره شكّا في أصل الجعل حقيقة ؛ لأنّ جعل المتيقّن بعد العلم بالجعل في الجملة يقينيّ فيؤول

__________________

(١) أنظر ضوابط الأصول : ٢٥٥.

١٠٧

الشّك بالنّسبة إلى غيره إلى الشّك في أصل الجعل والتّكليف ، فلا أثر للعلم الإجمالي بالنّسبة إليه كما هو الشّأن فيما دار الأمر فيه بين الأقلّ والأكثر سيّما فيما إذا كانا استقلاليّين كما في المقام من غير فرق بين كون الدّوران المذكور في الأصول أو الفروع فلا يكون العلم الإجمالي مؤثرا في المقام.

والمفروض كفاية ما تيقّن اعتباره فيقتصر عليه ويرجع في غيره إلى أصالة الحرمة ، ولا يتوهّم أنّه بناء على ما ذكر يجب الاقتصار على المظنون الاعتبار من الأمارات ؛ نظرا إلى كون الدّوران بينه وبين غيره من الدّوران بين الأقلّ والأكثر ؛ لابتنائه على كون ما ظنّ اعتباره متيقّنا بالنّسبة إلى غيره مطلقا.

وقد عرفت فساده بما لا مزيد عليه ، وإن هو إلاّ نظير دوران المكلّف به في القضيّة الجزئيّة مثل موارد دوران الأمر بين القصر والتّمام من جهة بعض الأسباب بين ما ظنّ وجوبه بالظّن الّذي لم يثبت اعتباره وما احتمل وجوبه موهوما ؛ فإنّه لا مجال لتوهّم رجوع الشّك إلى الشّك بين الأقلّ والأكثر ، وهو أمر ظاهر لا سترة فيه أصلا.

ثانيهما : أنّ مقتضى جريان قاعدة الاشتغال في الأصول على تقدير الإغماض عمّا ذكرنا ، أو فرض عدم وجود القدر المتيقّن مطلقا ، أو عدم كفايته هو وجوب العمل بكلّ ظنّ بعنوان الاحتياط وهذا لا تعلّق له بتعميم النّتيجة وتسرية الحجيّة بالنّسبة إلى كلّ ظنّ حتّى يترتّب على ما قام عليه الآثار الواقعيّة في مرحلة الظّاهر على ما هو قضيّة حجيّة الظّن فهو نظير الاحتياط اللاّزم في الفروع كدوران الأمر في المكلّف به بين المتباينين حيث إنّ مقتضى الاحتياط هو وجوب البناء على فعل كلّ واحد من المشتبهين لاحتمال أن يكون واجبا وهذا لا يقتضي

١٠٨

ترتيب آثار الواجب الواقعي عليه ، وهذا كما ترى ليس من تعميم الحجيّة في شيء هذا.

وأمّا ما أفاده شيخنا قدس‌سره من الإيراد عليه بقوله : « ولكن فيه : أنّ قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظّن معارضة في بعض الموارد بقاعدة الاشتغال في المسألة الفرعيّة ... إلى آخره » (١) (٢).

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٤٩٧.

(٢) قال المحقق الأصولي السيّد علي القزويني قدس‌سره :

« ويشكل بعدم كون المعارضة في محلّها :

أمّا أوّلا : فلأنّ الإحتياط في المسألة الأصوليّة مقدّم عليه في المسألة الفرعيّة لوروده عليه باعتبار سببيّة شكّه.

وأمّا ثانيا : فلأنّ المثال المذكور للمسألة الفرعيّة لكونه من الشك في جزء العبادة مما لا يجري فيه أصالة الإشتغال حتى تعارض قاعدة الإشتغال في المسألة الأصوليّة بل هو من مجرى أصالة البراءة لرجوع الشك في الأجزاء والشرائط ـ كما حقق في محلّه وعليه المورد قدس سره ـ إليه في التكليف فلا معارض لقاعدة الإشتغال المتمسّك بها للتعميم.

وأمّا ثالثا : فلأن الإحتياط في المسالة الفرعيّة بعد تسليم جريانه ووجوب العمل به لا ينافي الإحتياط في المسألة الأصوليّة المقتضي لوجوب العمل بالظنّ المشكوك الإعتبار أو موهومه الدّال على عدم وجوب السورة بحيث يلزم من العمل به طرحه ؛ لأنّ معنى العمل بالظنّ الذي يقتضيه الإحتياط في المسألة الأصوليّة تطبيق الفعل ـ بمعنى الحركات والسكنات الخارجيّة ـ على مقتضاه ، وليس مقتضى الظنّ القائم بعدم وجوب السورة وجوب الفعل على وجه عدم الوجوب حتى يناقضه وجوب الفعل المحتمل الوجوب لرجاء الوجوب ، بل مقتضاه :

١٠٩

__________________

إمّا وجوبه لا على وجه الوجوب ، أو عدم وجوبه على وجه الوجوب.

وأيّا منهما كان فلا يناقضه وجوب الفعل لإحتمال الوجوب ورجاءه كما هو مقتضى الإحتياط في المسألة الفرعيّة. إلى أن قال :

وأمّا رابعا : فلخروج نحو الصّورة المفروضة من الظنون القائمة بعدم الوجوب عن مورد كلام القائل بالتعميم إستنادا إلى قاعدة الإشتغال ؛ فإن غرضه بذلك إنّما هو التعميم في الظنون الموافقة للإحتياط وهي الدالة على وجوب أو تحريم ، أو حكم وضعي يتولّد منه الوجوب والتحريم كالنجاسة ونحوها لا الظنون المخالفة له ، الموافقة لأصل البراءة لخروجها عن مورد دليل الإنسداد ، فكيف بقاعدة الإشتغال؟ لعدم لزوم محذور من الرجوع إلى الأصل الموافق لها بعد العمل بالظنون الموافقة للإحتياط في جميع الأنواع الثلاث من المظنونة والمشكوكة والموهومة.

فالظنون الدالّة على عدم الوجوب أو على عدم الحرمة خارجة عن معقد كلام القائل بالتعميم ، بل عن مجرى دليل الإنسداد أيضا ، فكيف يورد عليه في إستناده إلى قاعدة الإشتغال بمعارضة مثلها في المسألة الفرعيّة؟

إلاّ أن يقال : بأنّ هذا التخصيص خلاف طريقة أهل القول بالظنون المطلقة ؛ فإنّهم لا يفرّقون في الحجّيّة ووجوب العمل بين الظنون النافية لها الدالّة على الإباحة أو الإستحباب أو الكراهة ضرورة أنّهم يعتمدون على الظنون في الجميع.

وقضيّة ذلك : أن يقصد التعميم بالنسبة إلى الجميع ولا ينافي كون مدلولها الإباحة وغيرها من الأحكام الغير الإلزاميّة وجوب العمل بها.

إمّا لأنّ وجوب العمل بالظنّ يراد به الإعتقاد بالمظنون على أنه حكم الله أو التديّن به كذلك أو تطبيق العمل عليه في كل حكم بحسبه هذا.

ولكن يرد على التّمسّك بقاعدة الإشتغال :

١١٠

فقد يناقش فيه بما عرفت شرح القول فيه مرارا : من أنّ مبنى جريان دليل الانسداد على تقريري الكشف والحكومة على بطلان الرّجوع إلى الأصول في مجاريها جوازا في بعض ووجوبا في بعض آخر ، ولولاه لما تمّ الدّليل المذكور ، وإنّما يرجع إليها في موارد الشّك إذا خلت عن الأمارات القائمة على خلاف الأصول ، فإذن لا معنى للزوم الأخذ بمقتضى الاشتغال في المسألة الفرعيّة إذا قامت الأمارة على تعيين المكلّف به. نعم ، يجب الأخذ بمقتضاه إذا لم يقم هناك أمارة أصلا.

اشكال على القول بحجّيّة مطلق الظّنّ مطلقا

نعم ، هنا إشكال على القائلين بحجيّة مطلق الظّن من غير فرق بين التّقريرين قد عرفت الإشارة إليه في طيّ ما قدّمنا لك وهو : أنّ قضيّة ما أقاموه لإثبات حجيّة الظّن المطلق ووجوب الامتثال الظّني للواجبات والمحرّمات المشتبهة هو العمل بالظّن المتعلّق بالتّكليف الإلزامي. وأمّا الظّن القائم على غيره من الأحكام ، فلا مقتضي لحجيّته فيبقى تحت الأصل الأولي ، فيجب الرّجوع إلى الأصل المثبت للتّكليف مطلقا من غير فرق بين أصالة الاشتغال وغيرها إذا قام

__________________

أنّها لا تفيد التعميم بالمعنى المقصود وهو أن الشارع أوجب علينا العمل بكل ظنّ على أن يكون الحكم الواقعي في واقعة العمل بكل ظنّ هو الوجوب ، وقاعدة الإشتغال غير متكفّلة لبيان ذلك ، بل لبيان طريق تحصيل البراءة اليقينيّة عمّا اشتغلت الذمّة به من العمل بالجملة المعيّنة من الظنون عند الشارع المبهمة عندنا ».

أنظر تعليقة على معالم الأصول : ج ٥ / ٣٥٧ ـ ٣٥٩.

١١١

الظّن على خلافه ، لكن بناء القائلين بحجيّة مطلق الظّن ولو من جهة لزوم دفع الضّرر المظنون فضلا عن غيره على الأخذ بالظّن مطلقا من غير فرق بين موارده كالقائلين بحجيّة الظّنون الخاصّة.

نعم ، لو قرّر الدّليل على وجه يقتضي الرّجوع إلى الظّن في استعلام الأحكام المشتبهة في زمان الانسداد من غير فرق بين الأحكام الإلزاميّة وغيرها على ما أسمعناك عند تقرير دليل الانسداد ؛ فإنّه أحد وجوه تقريره لم يتوجّه الإشكال المذكور أصلا ، إلاّ أنّه لا يفيد في المقام قطعا ؛ ضرورة عدم اقتضائه جريان الاشتغال عند اشتباه الحجّة الشّرعيّة على تقرير الكشف ؛ فإنّ البناء على كون حكم الواقعة ما أدى إليه الظّن ينافي الأخذ به باحتمال أن يكون طريقا وحجّة الّذي هو مفاد الاحتياط في المسألة الأصوليّة.

فإن شئت قلت : إنّ الأخذ بالظّن من باب الاحتياط واحتمال كونه حجّة لا يجامع جعله طريقا في استعلام الأحكام الشّرعيّة حتّى إذا قام على الأحكام الإلزاميّة ، بل التّحقيق : أنّ الاحتياط في المسألة الأصوليّة على سائر وجوه تقرير الدّليل لا يقتضي الأخذ بالظّنون النّافية للتّكليف الإلزامي حتّى يعارض الأصل المثبت للتّكليف أو لا يعارضه ، كيف! وإن اقتضاه لم يكن بدّ من الالتزام بعدم وجوب الاحتياط في مورده وإن كان راجحا حسنا حتّى في موارد لم يكن هناك أصل يقتضي وجوب الاحتياط كموارد الشّك في التّكليف الإلزامي وجوبا أو تحريما ؛ فإنّ حسن الاحتياط لا رافع له حتّى في مورد وجود الظّن الخاصّ فضلا عن الظّن المطلق كما عرفته وستعرفه في محلّه.

لا يقال : إنّه بناء على ما ذكر يجب القول باختصاص دليل حجيّة الأمارات

١١٢

بقول مطلق حتّى على القول بحجيّتها من حيث الخصوص بما إذا اقتضت الإلزام على المكلّفين ؛ فإنّ الحكم الأصولي ـ وهو وجوب تصديق الأمارة والعمل عليها ـ لا يجامع مع كون مفادها الإباحة مثلا وهو ممّا لم يقل به أحد.

لأنّا نقول : مرجع جعل الأمارات بالنّظر إلى أدلّتها عند التّأمّل من جانب الشارع إلى جعل مفادها في مرحلة الظّاهر من غير فرق بين إفادتها الإلزام وغيره وهذا أمر معقول نلتزم به مطلقا من غير فرق بين مفادها ، وإليه يرجع أخذ معالم الدّين من الثّقات المتوسّطة بين الأئمّة عليهم‌السلام والرّعيّة الّذي دلّ عليه غير واحد من الأخبار المتقدّمة في مسألة حجيّة الأخبار من حيث الخصوص.

وأمّا وجوب التّصديق بمعنى ترتيب الآثار ووجوب العمل بمقتضى الأمارة الّذي استفيد من أدلّة حجيّة الطّرق فإنّما يتصوّر فيما فرض هناك آثار شرعيّة مترتّبة على مدلول الأمارة بحسب الواقع ولو بوسائط عديدة قابلة لتعلّق التّكليف عليه ولو بالنّسبة إلى غير الإلزاميّات ؛ لأنّه أمر معقول بل واقع في الشّرعيّات.

وأمّا إرجاعه إلى وجوب تطبيق العمل بالنّسبة إلى غير الإلزام الغير المنافي للإباحة مثلا لا وجوب إيجاد العمل حتّى ينافيه كما في « الكتاب » فلا يخلو عن مناقشة ، فإنّ المراد من وجوب التّطبيق : أنّ الواجب في جميع الموارد عنوان ينطبق على الإباحة إذا أفادتها الأمارة كما ينطبق على الإلزام ، من غير فرق بين الأمرين وتحقّق العنوان المذكور بالنّسبة إلى غير الإلزاميّات بإيجادها بعنوان لا ينافي الإباحة مثلا إذا تعلّقت إرادتها بالفعل ، كما أنّ تحقّقها بالنّسبة إلى الإلزاميّات إنّما هو بإيجادها بعنوان يجامع الإلزام وإن لم يقصده عند الفعل ؛ فإنّ دليل حجيّة الأمارات ساكت عن قصد مدلولها عند الإيجاد ، كما أنّ الدّليل القطعي الدّال على

١١٣

الحكم الواقعي وجعله ساكت عن قصده وإرجاع هذا المعنى إلى أمر عملي يتعلّق به دليل وجوب العمل بالأمارة لا يخلو عن إشكال.

وأمّا وجوب التّديّن والالتزام بالأحكام الثّابتة من الشارع فهو حكم أصولي اعتقاديّ يتفرّع على تصديق الرّسول من غير فرق بين الأحكام الواقعيّة والظّاهريّة والإلزاميّة وغيرها ، فلا تعلّق له بمدلول الأمارات وأدلّتها وليس غرضه قدس‌سره من التّعرض له إلاّ التّنبيه على ما ذكرنا.

كما أنّ غرضه من قوله قدس‌سره : « كما أنّه لو فرضنا ظنّا معتبرا معلوما بالتّفصيل كظاهر الكتاب ... إلى آخره » (١) بيان عدم منافات الاحتياط لاحتمال الوجوب الواقعي للاستحباب في مرحلة الظّاهر وليس مراده وجوب الاحتياط مع فرض ثبوت الاستحباب في مرحلة الظّاهر. كيف! وهو ممّا لا يقول به جاهل بل لا يتوهّمه.

(٢٤) قوله قدس‌سره : ( قلت : دفع العسر يمكن بالعمل ببعضها ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٠١ )

أقول : لا يخفى عليك : أنّ ما أفاده : من إمكان دفع العسر بالعمل بالعمل ببعض الظّنون المخالفة للاحتياط وإن كان في كمال الاستقامة ، إلاّ أنّه مبنيّ على ما عرفت : من كون النّتيجة هو التّبعيض في الاحتياط لا حجيّة الظّن.

والكلام في المقام مبنيّ على تماميّة المقدّمات في إنتاج الحجيّة والإغماض عمّا أفاده قدس‌سره من الإشكال في ذلك على ما عرفت مفصّلا.

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٤٩٩.

١١٤

(٢٥) قوله قدس‌سره : ( وأمّا على تقدير تقريرها على وجه يوجب حكومة العقل ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٠٢ )

وجوب الإقتصار على الظنّ الاطمئناني بناء على الحكومة

أقول : قد عرفت ما ينبغي تحرير المراد به من تقرير الحكومة ، وأنّه لا يجامع بطلان وجوب الاحتياط في سلسلة المشتبهات في الجملة فضلا عمّا أفاده قدس‌سره في بيان المراد منه ، بل القول بحجيّة الظّن على التّقريرين مبنيّ على بطلان وجوب الاحتياط رأسا.

وأمّا الرّجوع إلى الأصول المنافية للاحتياط ، فقد عرفت بطلانه من جهة العلم الإجمالي بالأحكام الإلزاميّة في الوقائع المشتبهة من غير فرق بين جعل نتيجة المقدّمات حجيّة الظّن أو التّبعيض في الاحتياط ، فإن أريد من الأصل والأصول في كلامه خصوص التخيير كما ربّما يظهر منه فلم يقتض العلم الإجمالي بطلانه أصلا.

والأولى إسقاطه من « الكتاب » كما عرفته في طيّ ما قدّمنا لك سابقا عند الكلام فيما يتعلّق بالمقام ، فالّذي ينبغي أن يجعل الوجه في اختصاص حكم العقل على تقرير الحكومة بالظّن الاطمئناني ما عرفت الإشارة إليه فيما ذكرنا سابقا : من أنّ حكم العقل بحجيّة الظّن عند انسداد باب العلم والظّن الخاصّ في أكثر الأحكام وبطلان الرّجوع إلى الأصول رأسا جوازا في بعض ووجوبا في آخر ، إنّما هو من حيث غلبة مطابقته للواقع وقربه إليه.

فإذا كان هذا العنوان الّذي هو مناط الحكم في نظر العقل آكد وأقوى في بعض مراتب الظّن ـ والمفروض وفاؤه بأكثر الأحكام الشّرعيّة المثبتة ، وإن ناقشه

١١٥

شيخنا قدس‌سره فيما عرفت من كلامه قدس‌سره سابقا ـ فلا محالة يحكم بوجوب سلوك الطّريق الأقرب والأقوى ، فيرجع في غيره إلى أصالة الحرمة والأصول العمليّة الّتي يرجع إليها عند الشّك.

ومن هنا حكم في « المعالم » فيما عرفته سابقا بوجوب الأخذ بالظّن القويّ في حكم العقل وعدم جواز الأخذ بالظّن الضّعيف ، فيسلك في موارد الظّن الضّعيف ما يجب سلوكه في موارد الشّك من غير فرق بين تعلّقه بإثبات التّكليف الإلزامي ونفيه.

كما أنّه يجب الأخذ بمقتضى الظّن القوي الاطمئناني من غير فرق بين تعلّقه بإثبات التّكليف ونفيه وهذا معنى حجيّة الظّن الاطمئناني بدليل الانسداد ، لا ما أفاده قدس‌سره فإنّه ليس من حجيّة الظّن الاطمئناني في شيء ، بل هو تبعيض في الاحتياط وطرح له في مورد الظّن الاطمئناني بغير الأحكام الإلزاميّة ، وأخذ به في موارد الظّن بالتّكليف الإلزامي مطلقا ، والشّك فيه والظّن الغير الاطمئناني به. ومن هنا لا يثبت الحكم الاستحبابي بالظّن الاطمئناني القائم عليه ، وإن حكم بعدم وجوب الاحتياط في مورده كما اعترف به قدس‌سره في غير موضع من كلامه.

ومن هنا قال في المقام :

« ولكنّك خبير بأنّ هذا ليس من حجيّة مطلق الظّن ولا الظّن الاطمئناني في شيء ؛ لأنّ معنى حجيّته أن يكون دليلا في الفقه بحيث يرجع في موارد وجوده إليه لا إلى غيره ، وفي موارد الخلوّ عنه إلى مقتضى الأصل الّذي يقتضيه والظّن هنا ليس كذلك ؛ إذ العمل في موارد وجوده ففيما طابق منه الاحتياط ... إلى آخر ما أفاده قدس‌سره » (١).

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٠٥.

١١٦

وهذا الّذي أفاده قدس‌سره وإن كان صحيحا يحكم به العقل المستقل كما ذكره فيما ساغ مخالفة الاحتياط اللاّزم في سلسلة المشتبهات بقدر ما يندفع به العسر والحرج ؛ فإنّ العقل يعين اختيار المخالفة فيما ظنّ بعدم الحكم الإلزامي بالظّن القوي ، إلاّ أنّه كما عرفت لا تعلّق له بمسألة حجيّة الظّنّ في شيء.

والكلام في تقرير الحكومة كتقرير الكشف بعد البناء على كون النّتيجة حجيّة الظّن ، فلا محيص إذن عن جعل الوجه في اختصاص النّتيجة بالظّن القوي في حكم العقل ما ذكرنا ، كما عرفته عن « المعالم » ويقتضيه قوله قدس‌سره ـ في تقريب الاستدلال على ذلك ـ : ( ثمّ إنّ العقل حاكم بأن الظّن القوي الاطمئناني أقرب إلى العلم عند تعذّره ... إلى آخر ما أفاده » (١).

فإنّه وإن ذكره لتقريب الاستدلال على التّبعيض في الاحتياط ، إلاّ أنّ نتيجته عند التّأمّل ما ذكرنا كما لا يخفى.

وعليه ينطبق ما أفاده قدس‌سره بقوله : « وإن شئت قلت : إنّ العمل في الفقه في موارد الانسداد على الظّن الاطمئناني ومطلق الظّن والتّخيير كلّ في مورد خاصّ ... إلى آخره ) (٢) فإنّه وإن كان المراد به ما أفاده من التّبعيض في الاحتياط إلاّ أنّ العبارة قاصرة عن إفادته.

فالحقّ في التّعبير عنه أن يقول ـ بدل ما ذكره ـ : إنّ العمل في الفقه على الاحتياط والظّنّ الاطمئناني بالمعنى الّذي ذكره من مخالفة الاحتياط في مورده

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٠٢.

(٢) نفس المصدر : ج ١ / ٥٠٤.

١١٧

إذا خالف التّكليف لا جعله طريقا إلى إثبات مدلوله كما يعمل به كذلك في موارد التّخيير ومطلق الظّن بمعنى جعله حجّة والتّخيير كلّ في مورد.

فقد ظهر ممّا أفاده قدس‌سره : أنّ القائل بكون نتيجة المقدّمات التّبعيض في الاحتياط ، يلزمه القول بحجيّة مطلق الظّن في موارد التّخيير العقلي ودوران الأمر بين المحظورين وعدم إمكان الاحتياط من غير فرق بين الاطمئناني وغيره.

وإن نوقش فيه : بأنّ الرّجوع إلى الظّن الضّعيف في قبال التّخيير وإن كان متيقّنا في حكم العقل ، إلاّ أنّه فيما لم يتمكّن من تحصيل الاطمئنان فالظّن الضّعيف حجّة في قبال التّخيير ، وليس بحجّة في قبال الاطمئنان والظّن القوي ، وإن كان هذا قولا بحجيّة مطلق الظّن في الجملة ، إلاّ أن يحمل كلامه قدس‌سره على المهملة ؛ فلا ينافي عدم حجيّة الظّن الضّعيف إذا تمكّن من تحصيل القوي فتدبّر.

فقد تبيّن ممّا ذكرنا : أنّ النّتيجة بحسب الموارد والأسباب وإن كانت كليّة على تقرير الحكومة ، إلاّ أنّها بحسب المرتبة متعيّنة في الظّن القوي الاطمئناني.

وتوهّم : أنّ التّخصيص بحسب المرتبة ينافي التّعميم من الجهتين ـ بعد بناء مدار الحجيّة على الظّن الشخصي ؛ نظرا إلى عدم إمكان تعدّد الظّن في القضايا الشخصيّة بحسب الأسباب والمراتب فإذا حكم بالعموم من حيث السّبب والموارد فلازمه الحكم بالعموم من حيث المرتبة ، كما أنّ لازم التّخصيص من حيث المرتبة التّخصيص من الجهتين أيضا ؛ فإنّه إذا فرض في مورد لم يحصل الاطمئنان من أمارة خاصّة لم يحكم بحجيّتها في هذا المورد فيلزم التّخصيص بحسب المورد والسّبب ـ فاسد جدّا ، لا ينبغي صدوره ممّن له بضاعة في العلم.

ضرورة عدم التّلازم المتوهّم بينهما. فإنا نقول : الحجّة في كلّ مسألة ومورد ،

١١٨

الظّن القويّ من أيّ سبب حصل دون الظّن الضّعيف ، وهذا لا ينافي كون الحجّة الظّن الشّخصي ، كما أنّه لا خصوصيّة للمورد والسّبب ، وهذا وإن كان أمرا واضحا لاسترة فيه أصلا ، إلاّ أن الدّاعي للتّعرض له أنّا رأينا في كلام بعض أهل العصر الاعتراض على ما أفاده شيخنا قدس‌سره من المواضع للتّكلّم في الكليّة والتّخصيص والإهمال في النّتيجة من حيث القصور والغفلة عن مرامه ، بل عن المطلب الواضح فتأمّل حتّى لا تقع في الاشتباه فيما ذكرنا من عدم التّلازم في حكم المواضع.

الفرق بين العمل بالظّنّ بعنوان الحجّيّة

وبعنوان التبعيض في الاحتياط

ثمّ إنّه لمّا كان مبنى ما أفاده قدس‌سره : من عدم التّعميم بحسب المرتبة ولزوم الاقتصار في مخالفة الاحتياط الكلّي ، على الظّن القوي بخلاف الحكم الإلزامي على اندفاع الجرح بمخالفة الاحتياط فيما لو اقتصر عليه ، فيوجّه عليه سؤال بيّنه بقوله قدس‌سره : « فإن ثبت (١) أنّ العمل بالاحتياط ... إلى آخره » (٢).

فإنّه يتعيّن في حكم العقل فيما فرضه التّبعيض في الاحتياط بما ذكره ؛ فإنّه أبعد عن مخالفة الواقع المعلوم بالإجمال بخلاف ما لو عكس الأمر وخالف الاحتياط في مظنونات التّكليف ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى العمل بالظّن في موارد وجوده مطلقا سواء قام على التّكليف أو على خلافه وإلى الأصول في

__________________

(١) كذا وفي الكتاب : « فإن قلت : ... إلى آخره » وهو الصحيح.

(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٠٦.

١١٩

المشكوكات ، وهذا يساوق في المعنى وبحسب النّتيجة للعمل بالظّن وجعله حجّة ، وإن كان في الحقيقة تبعيضا في الاحتياط الكلّي لكنّه لا يقدح بعد عدم الفرق في العمل هذا.

ولكن يتوجّه عليه ـ مضافا إلى ما أفاده في الجواب عنه بمنع لزوم العسر من الاقتصار في مخالفة الاحتياط الكلّي على خصوص الظّن القوي بنفي الإلزام ؛ نظرا إلى كثرة الظّنون الاطمئنانيّة من الأخبار وغيرها ـ : بأنّ مساواة ما ذكره لحجيّة الظّن على ما صرّح به في حيّز المنع ؛ فإنّه إذا كان عنوان العمل بالظّن كونه طريقا مجعولا شرعيّا أو عقليّا قد أمضاه الشارع يترتّب عليه جميع ما له من الآثار ولو بوسائط عديدة.

وهذا بخلاف ما لو جعل عنوانه الاحتياط ودفع الحرج ، فإنّه لا يثبت مدلوله ولو في مرحلة الظّاهر ولا يترتّب عليه الآثار المترتّبة على مدلوله شرعا على ما صرّح به قدس‌سره من الفرق بين العنوانين بما عرفت.

نعم ، لو جعل لزوم العسر على الوجه المذكور في السّؤال دليلا على عدم مطلوبيّة الامتثال الإجمالي عند الشارع رأسا لزمه الحكم بحجيّة الظّن فهو العنوان للعمل به لا الاحتياط واندفاع الحرج ، لكنّه ينافي قوله : « وإن كان حقيقة تبعيضا في الاحتياط الكلّي إلى آخر ما ذكره » (١).

وأمّا ما أفاده في الجواب ، فهو وإن كان مستقيما ، إلاّ أنّ الشّرح الّذي ذكره لإثبات كثرة الظّنون الاطمئنانيّة النّافية للتّكليف في الفقه بالنّسبة إلى الأخبار

__________________

(١) نفس المصدر.

١٢٠