بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

الأصحاب بالخبر وفي عنوان الرّدّ إعراضهم عنه. (١) ، فلعلّه الوجه عنده في ترك العمل بالخبر في المسألة الأصولية ؛ حيث إنه لم يعهد منهم بزعمه العمل به فيها.

وأمّا ما أجاب به ثانيا عن النّبوي الراجع إلى المناقشة في دلالته ، فهو مبني إلى ما عرفت الإشارة إليه في مطاوي كلماتنا السابقة وستقف عليه : من أن الذي دلّت الأدلّة الأربعة عليه إنّما هو حسن الاحتياط ورجحانه مطلقا.

وأمّا وجوبه كذلك فلم يدل عليه دليل فليس أمرا يقينيّا فهو ريب ، فلو دل النبوي على الوجوب فيلزم من إثباته نفيه ، وهو محال. فيكشف ذلك من عدم إرادة الوجوب منه هذا.

وأمّا ما أفاده شيخنا قدس‌سره من المناقشة فيما أفاده المحقق قدس‌سره ، فيرجع إلى وجوه ، بعضها يرجع إلى المناقشة فيما أفاده أوّلا ، وبعضها يرجع إلى ما أفاده ثانيا ؛ في تقريب عدم الدلالة.

منها : منع كون المسألة المبحوث عنها أصوليّة (٢) ، بل هي فرعيّة سواء كان

__________________

(١) معارج الأصول : ٢٢٤ ـ المسألة السابعة.

(٢) قال الفقيه السيد عبد الله الشيرازي قدس‌سره :

« لا يخفى أن هذا على أحد الإحتمالين في المايز بين المسألة الأصوليّة والفقهيّة وهو تعلّق المسألة بعمل المكلّف بلا واسطة وتعلّقها به مع الواسطة ، أو وقوع نتيجة المسألة في طريق الإستنباط وكونها نفس الحكم المستنبط ؛ حيث ان الحلّيّة العارضة على التدخين ممّا يكون

٦٠١

التكلّم فيها من حيث الدليل النقلي ؛ أو العقلي ؛ نظرا إلى رجوع البحث فيها إلى البحث عن عوارض فعل المكلف بلا واسطة من غير أن يكون له تعلّق بعوارض الأدلّة والبحث عن أحوالها وإن كان استنباط حكمها موقوفا على إعمال الأدلّة ، والبحث عن دلالتها كما هو الشأن في استنباط جميع الأحكام الفرعيّة ، وإنّما الكلام في الحكم المستنبط من حيث تعلّقه بفعل المكلف بلا واسطة وكونه محمولا

__________________

متعلّقا بفعل المكلّف بلا واسطة وأنّها نفس الحكم كما أنّ حرمة نقض اليقين بالشك أيضا كذلك إلاّ انها كلّي تحته كلّيّات أخرى.

ولا يلزم في المسألة الفقهيّة أن لا يكون كلّيّا ينطبق على كلّيّات أخرى بخلاف مسألة حجّيّة الخبر الواحد مثلا حيث انّ البحث فيها عن الحجّيّة وعدمها ومن المعلوم ان الحجّيّة تتعلق بعمل المكلّف بالواسطة وهو وجود الخبر الواحد وتحققه وهو خبر زرارة مثلا ، فافهم.

ولا تكون المسألة الأصوليّة نفس الحكم المستنبط بل إنّما تقع في طريق الإستنباط ولكن لا يخفى ان هذا الإحتمال ضعيف ؛ حيث انه لا وجه لخروج مثل مسائل البحث عن الأصول الأربعة عن علم الأصول والإلتزام بان ذكرها استطراد ، بل الأولى ان يقال :

ان كل مسألة يمكن اعطاء نتيجتها بيد المقلّد والعامي فهي مسألة فقهيّة ، وكلّ مسألة لا يمكن إعطاؤها بيد المقلّد مع عدم إختصاصها بباب دون باب فهي مسألة اصوليّة ومن المعلوم أنّ الحليّة في ما لا نصّ فيه ممّا لا يمكن إعطاؤها بيد المقلّد ؛ حيث انه يحتاج الى الفحص.

واما الطهارة في الشبهات الحكميّة وإن كانت أيضا مما لا بد فيها من الفحص ولأجل هذا لا يمكن إعطاؤها بيد المقلّد إلاّ أنّها ممّا يختصّ بباب واحد » إنتهى.

أنظر عمدة الوسائل : ج ٢ / ٦٧.

٦٠٢

أوّليّا له ، وإن كان حكما ظاهريّا كليّا متعلّقا بالأفعال المشتبهة حكمها ؛ فإنه لا يمنع من اندراجها في الحكم الفرعي ، كما هو الشأن في جميع القواعد الفقهيّة التي يبحث عنها في الفقه من الواقعيّة الظاهريّة كقاعدة نفي الضرر والحرج ، ووجوب الوفاء بالعقود ، وحليّة الأشياء وطهارتها في الشبهات الحكميّة.

وهذا أحد الوجهين في المسألة الجاري في جميع الأصول العمليّة الجارية في جميع الشبهات الحكمية من البراءة والاستصحاب والتخيير.

وهنا وجه آخر يقتضي اندراجها في المسألة الأصوليّة ستقف عليه في الجزء الثالث من التعليقة عند تكلّم شيخنا فيه إن شاء الله تعالى ، وإن كان الأوجه الأوّل كما استظهره قدس‌سره في المقام.

منها : منع كون النّبوي من أخبار الآحاد ؛ لكون مضمونه وهو مطلوبيّة ترك الشبهة متواترا ، والكلام إنّما هو في حجيّة أخبار الآحاد في المسائل الأصوليّة العمليّة لا في الأخبار القطعيّة هذا.

وقد يناقش فيما أفاده : بأن التواتر بالمعنى المذكور لا يجدي نفعا في ردّ المحقق قدس‌سره ، فإنه إنما ذكر الجواب المذكور بعد تسليم ظهور النبوي في الوجوب.

نعم ، لو كان متواترا لفظيّا توجّه الإيراد عليه فتأمل.

منها : منع اختصاص دليل حجيّة خبر الواحد بالمسألة الفرعيّة ، فإنه ليس منحصرا بالإجماع قولا وعملا ، حتى يدّعى عدم عموم له بالنسبة إلى المسألتين ؛

٦٠٣

لأن من أدّلتها ما دلّ من الأخبار المتواترة على حجيّة خبر الثقة الشامل للمسألتين. نعم ، الممنوع عندنا عدم حجيّة خبر الواحد في المسائل الاعتقاديّة على ما عرفت شرح القول فيه في الجزء الأول من التعليقة.

منها : أن ما أفاده في تقريب منع دلالة النّبوي على وجوب الاحتياط من حيث إنه يدلّ على وجوب اختيار ما لا ريب فيه عند الدوران بينه وبين ما فيه ريب ، والإلزام بالأثقل فيه ريب أيضا سيّما بملاحظة ما دلّ على ابتناء الشرع على اليسر والسهولة ، محل نظر ؛ حيث إنّ مدلوله حكم الواقعة المردّدة بين الأمرين فيلاحظان بالنسبة إلى الفعل والترك. وأين هذا من بيان حكم الواقعة؟ فإنه لا يتصوّر فيه الدوران أصلا ؛ من حيث إنه لا يتّفق بالنسبة إلى الأحكام المردّدة أصلا هذا.

وإن شئت قلت : إن الإلزام بالأثقل ووجوب الاحتياط إنما استفيد بملاحظة النبوي وحمل أمره على الوجوب فلا يمكن أن يصير موضوعا له كما هو ظاهر.

(١٣٩) قوله قدس‌سره : ( وجه الدلالة : أن الإمام عليه‌السلام أوجب طرح الشاذ ... إلى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٨٣ )

__________________

(١) قال المحقق النّحرير العلاّمة الطهراني قدس‌سره :

« وفيه : انّ هذا الإشكال يرد على الرّواية على كلّ تقدير ؛ ضرورة ان ما لا ريب فيه لا معنى

٦٠٤

وجه دلالة النّبوي على إرادة وجوب اجتناب الشبهات

أقول : لا إشكال في دلالة استدلال الإمام عليه‌السلام بالنّبويّ عليه‌السلام على وجوب طرح الشاذّ من حيث وجود ريب فيه لا يوجد في مقابله وهو المشهور رواية على إرادة وجوب اجتناب الشبهات المردّدة بين الحلال والحرام من النّبويّ وإن سلّم عدم ظهور النّبوي بنفسه في ذلك على تقدير تسليم دلالة الحديث على الاستدلال ، لكنّه مبنيّ على ما أفاده قدس‌سره من كون الشاذّ من المشكل في التثليث الإمامي عليه‌السلام لا بيّن الغيّ ، ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ظهوره ووضوحه وإن منعه بعض

__________________

لتركه من جهة أعدليّة رواة ما يعارضه مع ان وضوح حقيقة أحد المتعارضين لا تنفك عن وضوح فساد الآخر.

ويندفع الإشكال : بانّه لا ترتّب بين المرجّحات وإنّما الإختلاف باختلاف الموارد ؛ فإنّ الريب إن كان من جهة إحتمال التعمّد في الكذب فالترجيح بالأصدقيّة والأعدليّة والأورعيّة وإن كان من جهة احتمال الإشتباه فالترجيح بالأفقهيّة ، وإن كان من جهة التقيّة في مخالفة العامّة ، وعلى هذا المنوال كلّما ذكر من المرجّحات.

والمقصود من الوضوح وعدم الرّيب إنّما هو العلم بالصّدور لا المطابقة للواقع فلا منافاة بين العلم بصدور أحدهما وكون الحق هو الطّرف المقابل ، كما انه لا مانع من العلم بصدور المتعارضين جميعا فيتخيّر من باب التسليم ، فإنّ التسليم فيما يرد عن الأئمة عليهم‌السلام باب مستقل وهذا موضوع التخيير الواقعي كما للعامي في تقليد المتساويين » إنتهى.

أنظر محجة العلماء : ج ٢ / ١٤.

٦٠٥

الأفاضل ممن قارب عصرنا ـ : أمور : ...

منها : عدم صلاحيّة الشهرة من حيث الرواية لذلك كما هو ظاهر لا يرتاب فيه.

منها : أن قطعيّة البطلان من جميع الجهات يرفع التحيّر والتعارض فلا داعي للسؤال ولا معنى له أصلا كما لا يخفى.

منها : أنه لا يناسب تقديم التّرجيح (١) من حيث الصّفات على التّرجيح من

__________________

(١) قال المحقق الخراساني قدس‌سره : معلّقا على قول الشيخ الأعظم بعد ذلك بقليل : « وإلاّ لم يكن معنى لتأخير الترجيح بالشهرة ... إلى آخره ».

« أمّا الأوّل : فواضح حيث لا يعقل ملاحظة الترجيح بين ما لا ريب في صحّته وما لا ريب في بطلانه.

وأمّا الثاني : فلأنّ الشهرة في كلا الخبرين [ المتعارضين ] على هذا يوجب إتصاف كلّ واحد منهما بنفي الرّيب عن صحّته وبطلانه ؛ فإنّها في كل موجب صحّته وبطلان معارضه حسب الفرض ، كيف يصحّ فرضها فيهما؟

وأمّا الثالث : فلأنّ أحد الخبرين على هذا يكون بيّن الرّشد والآخر بيّن الغي ولا شك في البين ، فيحتاج في بيان حكمه إلى تثليث الأمور والإستشهاد بتثليث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » إنتهى.

درر الفوائد : ٢١٣.

* وقال الفاضل الكرماني رحمه‌الله :

« ولعمري إن الإشكال الأوّل مشترك الورود فكما لا يعقل ملاحظة الترجيح بين ما لا ريب

٦٠٦

حيث الشّهرة ، والشّذوذ من حيث الرّواية ؛ فإن إطلاقه يقتضي جواز الأخذ بالأرجح من حيث صفة الرّاوي ، وإن كان الآخر مشهور الرّواية بين الأصحاب بناء على إناطة الترجيح بالمرجّحات المنصوصة.

ومنه يظهر : فساد توهّم جعل الشاذّ من البيّن الغيّ من حيث الصّدور ، والمشهور من البيّن الرشد كذلك ؛ ضرورة أن القطع بعدم الصدور يمنع من التعارض والترجيح.

__________________

في صحّته وما لا ريب في بطلانه لا يعقل بينه وبين ما في صحّته ريب وإن كان في الأوّل أفضح وأفظع ، فإذا كان الرّواي في الشاذ أعدل وأصدق وأورع من راوي المشهور كان اللازم من تقديم الترجيح لها على الشهرة تقديم الشاذ الذي فيه ريب على المشهور الذي ليس فيه ريب وهو أيضا كترجيح ما لا ريب في بطلانه على ما لا ريب فيه في الفظاعة وإن كانت فيه آكد.

فإن قلت : الشاذ فيه ريب إذا لم يكن رواية أعدل لا مطلقا.

قيل لك : أحسنت وبالحق نطقت ، الشاذ لا ريب في بطلانه اذا كان كما فرضت لا مطلقا.

وكذا الإشكال لو كان على فرض الرّاوي الشهرة في كلا الخبرين كان على التقديرين فإنّ الإشكال في نفي الرّيب عن صحّة كلا المتعارضين لا في الشاذ المعارض للمشهور فكما يمتنع اجتماع لا ريب في صحّته ولا ريب في بطلانه في كلّ من المتعارضين المشهورين يمتنع اجتماع لا ريب في صحّته وفي صحّته ريب وبكلّ ما يعالج الثاني يعالج به الأوّل ، فإذا فتحت عينك أرجو أن تجد منّا في محلّ آخر ما يبرّد قلبك » إنتهى.

الفرائد المحشّي : ٢١١.

٦٠٧

منها : أن الحكم بعدم جواز الأخذ بما هو ظاهر البطلان لا يناسب تثليث الأمور ولا الاستشهاد بتثليث النبوي ؛ فإنه أمر مركوز في النّفوس لا يحتاج إلى تقريب ومقدّمة.

ومنها : أن إيجاب الشهرة صيرورة المشهور بيّن الرشد من جميع الجهات لا يجامع فرض الراوي الشهرة في كلا الخبرين إلى غير ذلك مما ستقف عليه في محلّه إن شاء الله تعالى هذا كله.

مضافا إلى ظهور النّبويّ في وجوب الاحتياط بنفسه مع قطع النظر عن استشهاد الإمام فإنّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم » (١) وإن كان إخبارا عن لازم ترك الشبهة وارتكابها ، إلاّ أنه مستتبع لا محالة عن حكم إنشائي وطلب من الشارع ، فإنه من أحد وجوه بيان الأحكام للموضوعات ؛ فإنّه كثيرا ما يكتفي الشارع عن بيان الحكم بذكر لازم الفعل والترك ، وهذان اللازمان مستتبعان للطلب الإلزامي سيّما الهلاك المترتّب على ارتكاب الشبهة الظاهر في الهلكة الأخروية ، وإلاّ يلزم ما يحكم به العقل بقبحه من العقاب من دون بيان.

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ١ / ٦٨ باب « اختلاف الحديث » ـ ح ١٠ ، والفقيه : ج ٣ / ٦ ـ ح ١٨ ، وتهذيب الاحكام : ج ٦ / ٣٠١ باب « من الزيادات في القضايا » ـ ح ٥٢ ، عنها الوسائل : ج ٢٧ / ١٥٧ باب « وجوب التوقف والاحتياط » ـ ح ٩.

٦٠٨

وهذا الذي ذكرنا في تقريب دلالة النّبويّ على وجوب الاحتياط هو المراد بقول شيخنا قدس‌سره :

« مضافا إلى دلالة قوله : « نجا من المحرّمات » ... الى آخره » (١).

ومثله في الدلالة على وجوب الاحتياط النّبويّ المروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام المتقدّم ذكره في أخبار التّوقف ؛ فإن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه : « إنّما الأمور ثلاثة ... » (٢) مثل قوله عليه‌السلام في هذا الحديث في الدلالة على وجوب الاحتياط وإن كان دونه في الظهور ؛ من حيث عدم استشهاد الإمام عليه‌السلام به على مطلب إلزاميّ ، ودونه في الظهور مرسلة الصّدوق عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ؛ فإنّ المترتّب على ترك الشبهة فيها صيرورته سببا لترك المحرّم المعلوم ، كما أن المترتّب على ارتكابها حمل نفس المكلّف له على ارتكابه وجرّه إليه بنحو من السّببيّة والجرّ هذا.

والجواب عن الاستدلال بالنّبويّ على الوجه الأوّل ـ في تقريب دلالته المبني على استدلال الإمام عليه‌السلام به على وجوب طرح الشاذّ من المتعارضين ـ : المنع من كون الإمام عليه‌السلام في مقام الاستدلال أوّلا ، وإنّما هو في مقام التقريب وذكر ما يسهل بملاحظته أخذ المطلب وقبوله ؛ فإنّ رجحان ترك ما يحتمل التحريم على

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٨٣.

(٢) الفقيه : ج ٤ / ٢٨٥ ـ ح ٨٥٤ ، عنه الوسائل : ج ٢٧ / ١٦٢ باب « ١٢ من أبواب صفات القاضي » ـ ح ٢٨.

٦٠٩

ما قرّره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبيّنه مع عدم محذور فيه ، يقرّب قبول لزوم ترك الشاذّ الذي فيه ريب في طريق الحكم في مقام التحيّر ، ودوران الأمر بينه وبين الأخذ بما لا ريب فيه بالنسبة إليه.

ومنع دلالته على كون ترك الشبهة واجبا على تقدير الإغماض ثانيا ؛ فإنّ الاستدلال برجحان ترك المشتبه المردّد بين الحلال والحرام على لزوم ترك الشاذ من الخبرين في مقام الطريق المترتّب على العمل به الخطأ كثير أو الأخذ بما ليس طريقا شرعا لا ضير فيه أصلا ، وإن هو إلاّ نظير الاستدلال بكراهة الصّلاة في ثوب من لا يحترز عن النجاسات على عدم جواز الصّلاة في الثوب النجس.

وهذا الجواب الثاني كما ترى ، لا يخلو عن مناقشة. ومن هنا أمر شيخنا قدس‌سره بالتأمّل فيه (١) ؛ فإنّ مبني ما أفاده بقوله : « فيكفي حينئذ ... الى آخره » (٢) على

__________________

(١) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« لعلّ وجهه أن الظاهر من الإستشهاد أن طرح الخبر الشاذ من صغريات الأمر المشتبه المطلوب الترك فيكون ترك الشبهة مطلقا واجبا لكي يصحّ التعليل ، لا انّ الإستشهاد لأجل هذه المناسبة البعيدة عن الذهن ويحتمل ان يكون اشارة إلى منع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان في نفسه ولو سلّم يمنع من حكمه فيما اذا أخبر الشارع تنجّز الواقع المجهول على ما هو مفاد أخبار التثليث كما سبق تحقيقه غير مرّة لكنّ المظنون أنّ هذا الوجه غير مراد المتن بل لعلّه مقطوع به فتدبّر » إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ١٤٤.

(٢) فرائد الأصول : ج ٢ / ٨٤.

٦١٠

الجواب الثاني لا الجواب الأوّل وإن أمكن إرجاعه إليه بنحو من التكلّف هذا.

تتمة التحقيق في خبر التثليث (١)

__________________

(١) قال المحقق المؤسس الطهراني قدس‌سره القدوسي :

( وأمّا أخبار التثليث فالإمر فيها أوضح فإنّ الغيّ إنّما هو بترك العمل بهذا الأصل لا في الرّكون اليه واحتمال مخالفة الواقع لا ينافي كون السبيل رشدا كما ان احتمال الإصابة لا ينافي كونه غيّا وضلالا.

ومن تلك الأخبار خبر ابن حنظلة الواردة في الحكمين لتعارض الرّوايتين الدّالة على ترك الشاذ معلّلا بان المجمع عليه لا ريب فيه.

وجه الإستدلال : أنّ الشاذ لكونه ممّا فيه ريب يجب تركه فثبت كلّيّة الكبرى.

وفيه : إن الإجتناب عمّا لم تثبت حجّيّته لا ريب في وجوبه ولا ربط له بالمقام فإن الكلام في حرمة ارتكاب محتمل الحرمة وأين هذا من عدم جواز الرّكون إلى ما عدى العلم؟

ومن المعلوم ان المجمع عليه لا يعارضه ما لم يبلغ تلك المنزلة.

وذكر الأستاذ [ الأنصاري ] قدس‌سره في تقريب الإستدلال ما محصّله :

« إنّ الشاذّ ليس ممّا لا ريب في فساده وإلاّ لم يكن وجه لتأخير الترجيح بالشهرة عن الترجيح بالأعدليّة والأصدقيّة والأورعيّة ولا لفرض الرّاوي الشهرة في كلا الخبرين ولا لتثليث الأمور ؛ ثم الإستشهاد بتثليث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضافا إلى دلالة قوله عليه‌السلام : « نجى من المحرّمات » بناء على انّ تخليص النفس من المحرّمات واجب ».

وفيه : أنّ هذا إشكال يرد على الرّواية على كلّ تقدير ؛ ضرورة أنّ ما لا ريب فيه لا معنى لتركه من جهة أعدليّة رواة ما يعارضه ، مع أنّ وضوح حقيقة أحد المتعارضين لا تنفك عن

٦١١

__________________

وضوح فساد الآخر.

ويندفع الإشكال : بأنّه لا ترتّب بين المرجّحات وإنّما الإختلاف باختلاف الموارد ؛ فإنّ الرّيب إن كان من جهة احتمال التعمّد في الكذب فالترجيح بالأصدقيّة والأعدليّة والأورعيّة وإن كان من جهة احتمال الاشتباه فالترجيح بالأفقهيّة ، وإن كان من جهة التقيّة في مخالفة العامّة وعلى هذا المنوال كلّما ذكر من المرجّحات ، والمقصود من الوضوح وعدم الرّيب إنّما هو العلم بالصّدور لا المطابقة للواقع ، فلا منافات بين العلم بصدور أحدهما وكون الحق هو الطّرف المقابل ، كما انّه لا مانع من العلم بصدور المتعارضين جميعا فيتخيّر من باب التسليم ؛ فإنّ التسليم فيما يرد عن الأئمة عليهم‌السلام باب مستقل وهذا موضوع للتخيير الواقعي كما للعامي في التقليد المتساويين.

ومن العجب ما زعمه من دلالة قوله عليه‌السلام : « نجى من المحرّمات » على ما زعمه بناء على أن التخلّص من المحرّمات واجب ، وكذا قوله عليه‌السلام : « وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم » ضرورة أنّ حفظ النفس عن الهلكة والوقوع في الحرام لا ريب في وجوبه ومع جريان الأصل فالمؤمّن موجود وإنّما يصدق الأمران فيما تنجّز التكليف على الجاهل ولم يستند إلى ركن وثيق كما هو الحال قبل الفحص في الأحكام التكليفيّة والنّواميس الشرعيّة وأجاب الأستاذ قدس‌سره :

بأنّ الأمر بالإجتناب عن الشبهات للأعم من الإلزام وأيّده بأمور :

منها : عموم الشبهة للموضوعيّة وإخراجها مع منافاته للسّياق تخصيص للأكثر.

ومنها : أن المراد الإشراف على الوقوع في المحرّم والتهلكة ولا دليل على حرمته.

٦١٢

وأمّا الجواب عنه ـ على التقريب الثاني في وجه دلالته ـ : فهو أن المستفاد منه بالالتزام هو الطلب الإرشادي المشترك بين الوجوب والندب حسب الهلكة المحتملة في الفعل ، فإن الهلكة المحتملة بقول مطلق ليست ملزومة لطلب إلزامي إرشاديّ فضلا عن الشرعي.

توضيح ذلك : أنه رتّب في النبويّ على ارتكاب الشبهات الوقوع في المحرّمات المستلزم للهلاك من حيث لا يعلم ، فإمّا أن يراد من الشبهات : الاستغراق الحقيقي على ما هو قضيّة الجمع المحلّى بظاهره ، أو الاستغراق بالنسبة إلى ما يكون واقعة للمكلّف ، أو الجمع العرفي ، أو جنس الجمع ، أو جنس الفرد.

وكذلك قوله : « المحرّمات » ؛ إمّا أن يراد منه : جميع المحرّمات الواقعيّة من المعلومة والمجهولة ، أو خصوص المجهولة المحقّقة في ضمن المشتبهات ، أو جنس الجمع ، أو غير ذلك ممّا عرفت.

__________________

ومنها : ورود أخبار كثيرة مساوقة لهذه الأخبار الظاهرة في الإستحباب.

وفيه : أنّ التثليث باعتبار تبيّن الرّشد من الغيّ وعدمه لا يحتمل فيه غير الإلزام وكذا احتمال التهلكة لا ريب انه منشأ لوجوب الإحتياط وهذا هو السرّ في الإكتفاء بالصّغرى فإنّه لا يجوز إلاّ مع كون الكبرى بيّنة أو مبيّنة ، واخراج العنوان أي الشبهة في الموضوع ليس تخصيصا للأكثر ؛ فإنّه إخراج واحد مع أنّه تخصّص ؛ ضرورة عدم صدق التباس الغيّ والرّشد إلاّ في الشبهات الحكميّة والأخبار مختلفة ولا مناسبة بين ما أمر فيه بالإحتياط من جهة الهلاك والغيّ والضّلال وبين التنزيه عن الشبهات الموضوعيّة » إنتهى.

محجة العلماء : ج ٢ / ١٤ ـ ١٥.

٦١٣

والمراد منهما هو جنس الجمع ؛ فإنه المناسب للمقام من حيث كون النبويّ في مقام إعطاء حكم الأمر المردد بين الحلال والحرام ، لا حكم جميعها من حيث جمعها في الارتكاب.

والمراد من متعلّق العلم في قوله : « وهلك من حيث لا يعلم » ؛ إمّا الحرام ، أو سبب وقوعه فيه.

إذا عرفت ذلك فنقول :

إمّا أن يراد من الحرام ، الحرام المتحقّق في ضمن المشتبه على تقدير مصادفته له ، فيكون المراد من الوقوع ، الوقوع على هذا التقدير لا مطلقا.

وإمّا أن يراد من الحرام ، الحرام المحقّق المعلوم ، فلا بد أن يكون المراد من الوقوع الإشراف وتقريب النفس إلى ارتكاب الحرام ، كما هو المستفاد من مرسلة الصدوق وما رواه مولانا الباقر عليه‌السلام عن جدّه وغيرهما من الأخبار التي ذكرت في « الكتاب » ؛ ضرورة عدم التلازم بين ارتكاب المشتبه ، والوقوع في الحرام المعلوم.

والاستدلال لا بد أن يكون مبنيّا على الوجه الأوّل ، وأما الوجه الثاني فغاية ما يستفاد منه : رجحان الترك ومطلوبيّته إرشادا ندبا ليس إلاّ ؛ فإنه لم يقل أحد بأن إشراف النفس إلى الحرام من المحرّمات الشرعيّة ، فإنه موجود في ارتكاب المكروه أيضا إذا كان كثيرا ، وكذا في ارتكاب الشبهات الموضوعيّة التي اتفق الأخباريون على إباحتها.

٦١٤

وبالجملة : النبوي على هذا الوجه ؛ يدل على إثبات الصغرى وبيانها والكبرى المطويّة المسلّمة إنما هو رجحان تبعيد النفس من الوقوع في الحرام إرشادا ليس إلاّ ، ولعله الظاهر من النبويّ ، سيّما بملاحظة سائر الأخبار المساوقة له الظاهرة فيه من دون تأمّل. فلا معنى للاستدلال به أصلا ؛ فإنه على هذا التقدير ظاهر في خصوص الندب كما هو ظاهر.

وأمّا الوجه الأول الذي عرفت كونه مبنى الاستدلال ، فيتوجّه عليه : أن الوقوع في الحرام الواقعي كيف ما كان ـ ولو لم يكن هناك بيان بالنسبة إليه وكان المكلف معذورا في مخالفته ـ لا يلازم العقاب والهلكة الأخروية لتطابق الأدلة الأربعة على نفي المؤاخذة والعقاب من دون بيان.

فلا بدّ من أن يكون المراد من الهلكة المعنى الأعمّ من المفسدة الدنيوية والأخروية ، ومن المعلوم أنّ هذا المعنى يستكشف من إثباته بالنبويّ ، وإنّما يلازم الطلب القدر المشترك الإرشادي فيتبع خصوصيّات هذا القدر المشترك خصوصيات الهلكة في الموارد الخاصّة.

فإن كان المحتمل العقاب كما في الشبهة المحصورة ونحوها من موارد عدم العذر ، فيحكم العقل بوجوب الاحتياط إرشادا ، وإن كان غيره من المفاسد الكامنة في الأفعال فيحكم العقل بحسن الاحتياط فهذا النبويّ لا يجدي في إثبات الموضوع ولا في إثبات محموله في الموارد الشخصيّة ، على ما أسمعناك في طيّ ما قدمناه لك فراجع.

٦١٥

ودعوى : أن الظاهر من الهلكة في لسان الشارع الأخرويّة فيستكشف من النبويّ بالالتزام من الطلب الشرعي الظاهري الإلزامي بضميمة حكم العقل بقبح العقاب من دون بيان ، قد عرفت فسادها في مطاوي كلماتنا السابقة بما لا مزيد عليه. وأمّا المؤيّدات المذكورة في « الكتاب » لصرف النبويّ عن ظاهره على تقدير تسليم ظهوره المنطبقة على ما يستفاد منه والموافقة له مفادا في الجملة ، فهي أدلّة على المدعى وشواهد عليه حقيقة ، لا أن يكون الحاصل منها مجرّد التأييد والتقوية. اللهم إلاّ أن يكون المراد من التأييد ما يعمّ الدلالة ، فإنها نحو من التأييد أيضا إذا لو حظ وجود دليل آخر.

نعم ، قد يتوهّم : أن الوجه الأخير ، أي : الأخبار ، لا يصلح للدلالة. لكنّه فاسد بعد التأمل في مساقها وأن الغرض من الجميع مطلب واحد ، فيكفي دليلا للصرف أو تأييدا للمستفاد من النبويّ من إرادة مطلق الرجحان لا خصوص الإلزام.

نعم ، مفاد الوجه الثالث خصوص الطلب الندبي على ما عرفت الإشارة إليه ، فينطبق على المعنى الثاني للوقوع في الحرام الذي قد عرفت عدم ابتناء الاستدلال عليه ، فالغرض مجرّد ذكر ما يدلّ على عدم كون النبويّ في مقام خصوص الإلزام جعله ردّا على من زعم ذلك وإن كان مفاده الطلب الإرشادي الندبي ، فإنه يكفي ردّا عليه وإن انطبق على المعنى الثاني.

وممّا ذكرنا كلّه يندفع : ما يتوجه على ما أفاده شيخنا في المقام من الخلط

٦١٦

بين المعنيين ، وأنّ مبنى ما ذكره في الجواب من حمل الأمر في النبويّ على الطلب القدر المشترك الإرشادي على إرادة المعنى الأوّل من الوقوع لا الثاني منه فتدبّر.

ثمّ إن ما أفاده في تقريب الأمر الأوّل من منافات التخصيص ولو لم يكن كثيرا أو أكثر لسياق النّبوي الوارد في مقام الحصر ، وأن الوقوع في الحرام الموجب للهلاك لا ينفكّ عن ارتكاب المشتبه الكاشف عن طلب ترك الارتكاب أينما وجد ممّا لا إشكال فيه ، وأمّا لزوم تخصيص الأكثر بإخراج الشبهات الموضوعيّة التحريميّة فهو مبنيّ على كون خروجها بإخراجات كثيرة وبعنوانات متعدّدة ، وأما إذا كان بعنوان واحد وإن كان المخرج كثيرا على ما يقتضيه التأمّل في دليل الجواز ، فلا يتوجّه عليه لزوم تخصيص الأكثر الموجب لوهن العموم كما حقّق في محلّه.

وأمّا توهّم : الخروج الموضوعي للشبهة الموضوعيّة من حيث أن دليل جوازها يقتضي بإباحتها ظاهرا فيكون من الحلال البيّن فيكون واردا على النبويّ لا مخصّصا.

فقد أوضح فساده في « الكتاب » وأنه بناء عليه نقول بمثله في الشبهات الحكميّة ، وأن دليل جواز ارتكابها من الأدلّة المتقدمة يقتضي بكونها من الحلال البيّن ، فيكون واردا على النبويّ فيختص بما لا يجري فيه دليل البراءة من الشكّ في المكلّف به.

٦١٧

(١٤٠) قوله قدس‌سره : ( أحدهما : أنا نعلم إجمالا قبل مراجعة الأدلّة الشرعيّة بمحرّمات كثيرة ... إلى آخره ). ( ج ٢ / ٨٧ )

أقول : لا يخفى عليك : الاستدلال بالدليل العقلي على مذهب الأخباري ؛ إمّا أن يكون من جهة كونه من العقل الفطري على أبعد الوجوه ، أو الضروري الغير المعارض بالعقل ، أو النظري المعاضد بالنقل ، أو يكون مبنيّا على الإلزام ؛ لأن الاستدلال به على مذهبهم لا يجوز إلا بأحد التقادير.

ثمّ إن الفرق بين الوجهين مع ابتنائهما على احتمال الضرر ، هو ملاحظة العلم الإجمالي على الوجه الأوّل ، وعدم ملاحظته على الوجه الثاني.

ثمّ إن محصّل هذا الوجه : أنا نعلم إجمالا بوجود محرّمات كثيرة في الوقائع المشتبهة نسبتها إلى المحتملات نسبة الحرام إلى الحلال في الشبهة المحصورة ، فهي من شبهة الكثير في الكثير. كما أن الشبهة المحصورة من شبهة القليل في القليل ، ومقتضى العلم الإجمالي بحكم العقل المستقل على ما عرفت مرارا وستعرفه : تنجّز الخطاب بالمعلوم إجمالا ، فلمّا كان محتملا في كلّ شبهة فيحتمل العقاب عند ارتكاب كل شبهة ويستقل العقل بوجوب دفعه ، وهذا معنى أن الاشتغال اليقيني يقتضي في حكم العقل البراءة اليقينيّة ، فإن مبنى وجوب تحصيل العلم بالبراءة عن التكليف المعلوم والخطاب المنجّز في حكم العقل هو حكمه بلزوم دفع الضّرر المحتمل.

ومن هنا أنكر وجوب الاحتياط في الشبهة المحصورة ونحوها من صور

٦١٨

الشكّ في المكلّف به من زعم عدم إلزام العقل بدفع الضّرر المحتمل كالمحقّق القمي قدس‌سره في « القوانين » على ما ستقف عليه.

فالصغرى وهي وجود العلم بالمحرّمات الكثيرة في الوقائع المشتبهة وإن كانت وجدانية ، إلاّ أن الكبرى عقليّة وإن كشف حكم العقل عن حكم الشارع على الملازمة بينهما ، كما هو الشأن في جميع ما يستقل العقل بحكمه ، لكنّه ليس من التمسّك بالدليل النقلي الكاشف عن حكم الشارع أيضا كالدليل العقلي.

وبمثل ما عرفته ينبغي تحرير المقام في بيان الوجه الأوّل ، لا بمثل ما حرّره قدس‌سره في « الكتاب ».

فإنه قد يشتبه أمره على بعض الأوائل ، فيزعم أنه يريد التمسّك لإثبات الكبرى بالكتاب ونحوه من الأدلة النقليّة الدّالّة على وجوب الانتهاء عمّا نهى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنه فيورد عليه : بأنه خروج عن الفرض وعدول عن التمسّك بالدليل العقلي إلى الدليل النقلي ، مضافا إلى أن الآية وأمثالها لا تقتضي ثبوت تكليف شرعيّ متعلّق بالحرام المعلوم وإنما تقتضي خطاب إلزامي إرشاديّ هذا.

مضافا إلى أن قوله : « لأن الاشتغال اليقيني ... إلى آخره » (١) لا يناسب المقام أيضا أصلا ؛ لأن اقتضاء الاشتغال اليقيني البراءة اليقينيّة من جهة الاتّفاق خروج عن الفرض أيضا فلا مساسة له أصلا.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٨٧.

٦١٩

وإن كان الزعم المذكور فاسدا ؛ نظرا إلى وضوح المراد لمن أعطى النظر إلى أطراف كلماته ، فإن المراد ليس التمسك بالآية الشريفة ، بل المراد التمسّك بما هو مركوز في النفوس من وجوب إطاعة خطابات الشارع بالوجوب الإرشادي الذي أكّده الآية الشريفة ، وليس مدلولها حكما تأسيسيّا من الشارع ، بل هو تأكيد لحكم العقل كما يدلّ عليه قوله : « ونحوه » (١) فتدبّر.

وأمّا قوله : « لأن الاشتغال اليقيني ... الى آخره » فليس الغرض منه التمسّك بالإجماع الاصطلاحي ، بل الغرض أن اقتضاء الشغل اليقيني في حكم العقل البراءة اليقينيّة ممّا اتّفق عليه الكل ولا منازع فيه أصلا من الفريقين ، فالغرض من قوله : « ويجب بمقتضى قوله تعالى » الإشارة إلى وجوب إطاعة الخطابات المعلومة. ومن قوله : « لأن الاشتغال اليقيني » إثبات أن الواجب في حكم العقل من مراتب الإطاعة في المقام ، الإطاعة العلميّة فهو دليل للزوم الخروج عن عهدة مخالفة النواهي المعلومة بعد تنجّزها ووجوب إطاعتها بأحد الوجهين ، لكن الأولى مع ذلك تحرير المقام بما عرفته ، فاستفادة المراد منه لا تحتاج إلى تكلّف أصلا.

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٨٧.

٦٢٠