بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

« دلّت هذه الأخبار على انحصار الحرام بما حرّمه الله في القرآن وأن ما سواه مباح يخرج ما خرج بالدليل فيبقى الباقي وهي بعمومها شاملة للأعيان والأفعال ، وتخصيص مواردها بالمأكولات غير ضارّ ؛ لأن العبرة بعموم الجواب. مع أنه لا قائل بالفصل » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وأنت خبير بأنه لا تعلّق لهذه الأخبار أمثالها من العمومات الاجتهادية المقتضية لحليّة الأشياء من الآيات مثل قوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ ) (٢) ونحوه والأخبار بالمقام ؛ فإنّ البحث عن حكم ما لم يقم دليل على حليّته وحرمته بحسب الأصل الأوّلي ، لا عن قيام الدليل على حليّة كلّ شيء بعنوان العموم وإن كان قيامه مع تماميّته من جميع الجهات مغنيا عن التكلم في الأصل الأوّلي فإنه على تقدير تسليم كون الأصل هو الحظر ووجوب الاحتياط فيما شك في حرمته وعلّيّته كان المتعيّن الرجوع إلى تلك العمومات الاجتهادية أيضا ، فلا ينفع الأخباري أخبار الاحتياط ، كما أنه لا جدوى للمجتهد لطول البحث فيما دلّ على البراءة في الشبهة الحكميّة.

ثانيهما : ما دلّ من الروايات على أن « كلّ شيء حلال حتى تعلم أنه حرام

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) المائدة : ٥.

٥٠١

بعينه » (١) وهي كثيرة يأتي ذكر بعضها في « الكتاب » في الشبهة الموضوعية ،

منها : ما ورد في شراء الإبل والغنم من السلطان وهو يعلم بأنه يأخذ أكثر من الحق الذي يجب عليهم من أن الإبل والغنم مثل الحنطة والشعير وغير ذلك لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه (٢).

وقوله عليه‌السلام : ( وغير ذلك ) عام يشمل الأعيان والأفعال.

ومنها : رواية مسعدة بن صدقة المعروفة التي ستقف عليها (٣).

ومنها : رواية عبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الجبن كل شيء هو لك حلال حتى يجيئك شاهدان عندك بأنّ فيه الميتة » (٤).

__________________

(١) الكافي الشريف : ج ٥ / ٣١٣ باب « النوادر » ـ ح ٤٠ ، عنه وسائل الشيعة : ج ١٧ / ٨٩ باب عدم جواز الانفاق من كسب الحرام ـ ح ٤ ، ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب : ج ٧ / ٢٢٦ باب « من الزيادات » ـ ح ٩.

(٢) الكافي الشريف : ج ٥ / ٢٢٨ باب « شراء السرقة والخيانة » ـ ح ٢ ، عنه وسائل الشيعة :ج ١٧ / ٢١٩ باب « جواز شراء ما يأخذه الظالم من الغلات » ـ ح ٥.

(٣) الكافي الشريف : ج ٦ / ٣٣٩ ، باب « الجبن » ـ ح ٢ ، عنه وسائل الشيعة : ج ٢٥ / ١١٨ باب « جواز أكل الجبن ونحوه مما فيه حلال وحرام » ـ ح ٢.

(٤) انظر الكافي الشريف : ج ٥ / ٣١٤ باب « النوادر » ـ ح ٤٠ ، وتهذيب الأحكام : ج ٧ / ٢٢٦ باب « من الزيادات » ـ ح ٩ ، عنهما وسائل الشيعة : ج ١٧ / ٨٩ باب « عدم جواز الانفاق من كسب الحرام » ـ ح ٤.

٥٠٢

قال قدس‌سره ـ بعد نقلها ما هذا لفظه ـ : « والسؤال في الأولى ، والمثال في الثانية والمورد في الثالثة وإن كانت مختصّة بما اشتبه فيه الموضوع لكن خصوصيّتها لا يخصّص الجواب ، وقوله في الثانية : « أو يقوم به البيّنة » لا يوجب التخصيص ، لسبق قوله : « أو يستبين لك غيره » على أنّ البيّنة يطلق على من سمع الحرمة من أهله وكذلك قوله في الأخيرة : « حتى يجيئك شاهدان » فإنه يدلّ بمفهوم الغاية على أن كل شيء لم يجىء فيه شاهدان بذلك ، فهو حلال. نعم ، يمكن المناقشة في الأخيرة بأن قوله : بأن « فيه الميتة » قرينة على التخصيص بما شأنه ذلك » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وأنت خبير بأنه لا عموم ولا ظهور للأخبار المذكورة وأمثالها لمحلّ البحث ؛ إذ اختصاصها بالشبهة الموضوعيّة مما لا يقبل الإنكار ، فإن قوله : « وغير ذلك » لا عموم فيه للمقام أصلا ، وصدر رواية مسعدة وإن كان عامّا إلاّ أن ذيلها يكشف عن اختصاصها بما يكون من شأنه قيام البيّنة ، أو تعلّق الحكم على الاستبانة من دون فحص. وأين هذا من الشبهة الحكميّة؟

ومنه يظهر : اختصاص رواية عبد الله بما من شأنه قيام الشاهدين فلا عموم لهذه الأخبار أصلا ، ومن هنا لم يتمسّك بها أصحابنا لحكم المقام ، بل تمسكوا بها في الشبهة الموضوعيّة كما ستقف عليه.

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

٥٠٣

(١١٢) قوله قدس‌سره : ( الأوّل : دعوى إجماع العلماء كلهم ... الى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٥٠ )

في التمسّك بالإجماع على البراءة (٢) فيما لا نصّ فيه

أقول : لا يخفى عليك : أن الإجماع المذكور يسمّى عند بعضهم بالإجماع التقديري تارة ، والتعليقي أخرى ، وعند آخر بالاجتماع على الأصل والقاعدة ؛ وذكر ثالث : أنه لا اعتبار بمثله بعد وقوع الاختلاف في قيام الدليل على وجوب الاحتياط وعدمه ، كما هو الشأن في سائر الإجماعات التعليقية التي وقع الاختلاف في وجود المعلّق عليه في مواردها ؛ لأنه لا يكشف عن شيء.

نعم ، الإجماع في قبال الأخباريين على أن الحكم الظّاهري فيما لم يرد نصّ على تحريمه بعنوانه الخاص الإباحة مفيد جدّا ، من غير فرق بين أن يكون قوليّا حاصلا بملاحظة الفتاوى من أهلها ، أو عمليّا حاصلا بملاحظة سيرة خصوص المسلمين ، أو أهل الشرائع سواء كان طريق تحصيله على الأوّل بتتبّع

__________________

(١) أنظر حاشية فرائد الأصول للسيّد اليزدي قدس‌سره : ج ٢ / ١٠٧.

(٢) قال المحقق الطهراني قدس‌سره :

« وأمّا الإجماع فليس إلاّ عملا بالأصل الذي يستقلّ العقل بإدراكه ، ولو كان على قيام الدليل من الأخبار فالنّظر في كلمات الأئمة عليهم‌السلام يغني عن تضييع الوقت في التعرض للأقوال » إنتهى. محجة العلماء : ج ٢ / ١٠.

٥٠٤

الفتاوى وكلماتهم في الأصول والفقه في موارد الاستدلال ، أو ملاحظة الإجماعات المنقولة في العلمين ولو بضميمة الشهرة العظيمة المحقّقة في المسألة.

فالمراد بالإجماع المحصّل بأحد الوجوه المذكورة في « الكتاب » ، لا بدّ أن يكون أعمّ من القولي والعملي ، لا خصوص القولي ؛ فإنه لا معنى لجعل الوجه الثالث طريقا إليه كما هو ظاهر.

ثمّ إنّ معلوميّة مذهب من تمسّك بالاحتياط أحيانا في بعض جزئيّات المسألة في الفقه بملاحظة غيره في الفروع والأصول كالسيّد والشيخ والعلامة يكشف عن أن الغرض هو مجرّد التأييد والاعتضاد لا الاعتماد والاستدلال كما يذكرونه أحيانا في طيّ الاستدلال في الشبهة الوجوبيّة أيضا مع ذهاب أكثر الأخباريّين فيها إلى البراءة.

ومن هنا تراهم كثيرا ما يذكرون القياس في مطاوي استدلالهم ، بل ربّما لا يذكرون غيره مع أن المعلوم من المذهب عدم جواز الاعتماد به ، فليس ذلك إلاّ من جهة ما ذكرنا من كون الغرض التأييد ، وإن وقع بعض (١) أصحابنا الأخباريين في التوهّم وتخيّل كون الغرض الاستدلال ، وفتح باب الطعن على حملة الشريعة ورؤساء الملة.

__________________

(١) كالشيخ محمد أمين الأستر آبادي سامحه الله عز وجل في فوائده المدنيّة.

٥٠٥

ثمّ إن القائلين بالتحسين والتقبيح العقليّين بعد اتفاقهم على أن للفعل أحكاما أربعة اختلفوا في أن للعقل الحكم بالإباحة أم لا وجعلوا مورد هذا الاختلاف الأشياء الغير الضروريّة المشتملة على المنفعة الخالية عن أمارة المفسدة قبل الاطلاع على حكم الشارع بعد الفحص في مظان وجود الدّليل على الحرمة.

فذهب غير واحد إلى أنّها على الإباحة في حكم العقل ، وبعضهم إلى أنها على الحظر في حكمه ، وآخر إلى أنها على الوقف كالمفيد والشيخ ، بمعنى أنه لا حكم للعقل بشيء من الحظر والإباحة.

وهذا العنوان كما ترى ، إنّما هو بالنظر إلى حكم العقل فلا ينافي التزام القائل بالوقوف الإباحة بالنظر إلى الشرع ، بل التحقيق : عدم منافات القول بالإباحة بالنظر إلى الشرع مع الالتزام بالحظر من جهة العقل بناء على كونه ظاهريّا مبنيّا على وجوب دفع الضرر المحتمل لا واقعيّا.

وبالجملة : لا إشكال في شهادة التتبع في كلماتهم على أنّ الحكم عندهم فيما احتمل حرمته الإباحة ظاهرا ولو من جهة الاستناد إلى أخبارها وإن كانوا يذكرون الاحتياط في مقام الاستدلال تأييدا في مطلق الشبهة الحكمية. ومن هنا نسب إليهم القول بالاحتياط من دون تأمّل في باقي كلماتهم. ومن هنا احتمل كون نسبة « المحقّق » القول بالاحتياط إلى جماعة ، مبنيّا على ما ذكر ؛ حيث قال في

٥٠٦

« المعارج » ما هذا لفظه المحكي : « العمل بالاحتياط غير لازم ، وصار آخرون إلى وجوبه ، وقال آخرون : مع اشتغال الذمة يكون العمل بالاحتياط واجبا ، ومع عدمه لا يجب » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

وهو كما ترى ، لا يجامع بظاهره ما حكي عنه في « المسائل المصريّة » : من تقريره تعليل السيّد دعواه الإجماع على جواز إزالة النجاسة بالمائعات ، مع عدم ورود نصّ به : بأن من أصلنا العمل بالأصل ، حتى يثبت الناقل ولم يرد منع عن استعمال المائع في إزالة النجاسة (٢).

فإنه حكى هذا الكلام عن السيّد ولم يناقش في دعواه الإجماع العمل بالأصل حتى يثبت خلافه في الشرعيّات ، وإن لم يكن المورد بزعمنا من موارد الرجوع إلى أصالة البراءة والإباحة ، بل يتعيّن الحكم بعدم كفايته في التطهير بالنظر إلى استصحاب النجاسة وقاعدة الاشتغال على تقدير عدم اعتبار الاستصحاب ، إلاّ أن الغرض التنبيه على دعواه الإجماع على الأصل وتقرير المحقّق له في ذلك.

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في إجماع المجتهدين على كون الحكم الظاهري في الشبهة التحريميّة جواز الفعل من غير فرق بين الشبهة الحكميّة

__________________

(١) معارج الأصول : ٢١٦ ذيل المسألة الثالثة من الفصل الثالث من الباب العاشر.

(٢) المسائل المصريّة ضمن الرسائل التسع : ٢١٦.

٥٠٧

والموضوعيّة وعدم وجوب الاحتياط فيهما.

(١١٣) قوله قدس‌سره : ( الثالث : الإجماع الكاشف (١) عن رضاء المعصوم عليه‌السلام ... إلى آخره ) (٢). ( ج ٢ / ٥٥ )

__________________

(١) كذا في النسخ والموجود في نسخة الفرائد المطبوعة : « الإجماع العملي الكاشف » :

(٢) قال الشيخ أحمد بن الحسين التفريشي النجفي ( المتوفى ١٣٠٩ ه‍ ) وفيه : ان للأخباري دعوى الفرق بين زماننا هذا وما شابهه وبين أوّل الشريعة وما ضارعه بأنه في أوّل الشريعة لمّا كان صدور الأحكام وتبليغها على سبيل التدريج ولم يرد منهم الأمر بالإحتياط كان العمل بالأصل ممّا لا مناص منه.

وأمّا بعد إكمال الدين وإتمام الشريعة كما في بعض الأخبار مثل قوله عليه‌السلام في خطبة الغدير في حجّة الوداع : « معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم من الجنّة ويباعدكم عن النار إلا وقد أمرتكم به وما من شيء يباعدكم عن الجنّة ويقرّبكم من النار إلاّ وقد نهيتكم عنه ».

ومثل ما دلّ من النصوص المعتضدة بالإجماع على أنّ لكل واقعة حكما قد صدر حتى أرش الخدش ، فنمنع كفاية عدم وجدان النهي في الحكم بالإباحة فضلا عن جريان السيرة عليه ، ولو سلّم جريان السيرة فاعتبارها موقوف على عدم الرّدع وتقرير المعصوم عليه‌السلام وقد بلغ ردعهم عن ذلك إلى حدّ التواتر كما في الأخبار الآمرة بالتوقّف والإحتياط. إنتهى « تفريشي ».

* وعلّق عليه الفاضل الكرماني قائلا :

أقول : فانظر إلى هذا الجواب الذي لو عرض على الأخباري بأن أجب بهذا عن دليل الخصم لأنكره غاية الإنكار ويقول : إنّك تريد أن تجعلني أضحوكة لأولى الأبصار.

٥٠٨

أقول : قد يناقش في جواز التمسّك بالسّيرة في المقام من حيث عدم العلم بتحقّقها من المتديّنين ، مضافا إلى عدم العلم بتحقّق شرائط كشفها عن تقرير المعصوم عليه‌السلام كيف؟ ويكفي في الردع أخبار التوقف والاحتياط فلا يتم الاستناد إليها ، إلا بعد منع دلالتها ، ولا خلاف في البراءة على التقدير المذكور.

وأمّا القول : بأن بناء الشرع على تبليغ المحرّمات دون المباحات وليس ذلك إلاّ من جهة عدم حاجة الإباحة إلى البيان ، وكفاية عدم العلم بالتحريم في الحكم بالرخصة ، سيّما بملاحظة ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع (١).

فهو كما ترى ؛ إذ يتوجّه عليه ـ مضافا إلى أن بناء الشرع على تبليغ جميع الأحكام من غير فرق بين التحريم والإباحة ـ : أنّ ذلك إنما يفيد فيما لو كان عدم

__________________

فإن ما استند اليه في التفصيل بين الأزمنة من الخبر الوارد في انّ لكلّ واقعة حكما ، لا يختصّ بزمان دون زمان ، بل هو ثابت في كلّ الأزمنة. وأمّا ما في خطبة حجّة الوداع ، فلعمري إنه على الاخباري لا له ؛ فإن مقتضاه حصر المحرّم في ما نهى عنه وبلّغ ، وما سواه مباح ، ومع الغض عن ذلك ينتج جوابه تسليم السيرة في حياة النبي ٦ ، وإنكار ذلك في بعض أزمنة حياته ٦ وتمام الأزمنة المتأخرة ، وهل يرضى الأخباري بهذه الموهومات الموهونات؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار إنتهى.

حاشية رحمة الله على الفرائد : ٢٠٣.

(١) الكافي الشريف : ج ٢ / ٧٤ باب « الطاعة والتقوى » ـ ح ٢ ، عنه وسائل الشيعة : ج ١٧ / ٤٥ باب « استحباب الاجمال في طلب الرزق » ـ ح ٢.

٥٠٩

العلم بالتحريم دليلا على الإباحة الواقعية ، لا على الإباحة العقلية الظاهريّة فتدبّر.

وأمّا ما أفاده المحقق قدس‌سره في بيان اتفاق أهل الشرائع على عدم تخطئة من بادر إلى تناول المشتبهات ، بل المحرّمات عن جهل ، فلم يعلم له معنى محصّل.

إذ مبادرتهم إلى تناول المحرّمات من دون فحص غير مجوّزة بالاتّفاق ، فكيف يكفّون عن نهيهم عنه مع عدم جوازه في حقهم حتى على القول بالبراءة؟! إلاّ إذا فرض غفلتهم عن إلزام العقل بوجوب الفحص بحيث يرتفع عنهم التقصير إذا لم نقل بوجوب تنبيههم على ذلك.

وأمّا ما أفاده شيخنا قدس‌سره في ردّه ، فيراد به : أنّ تقرير أهل الشرائع إنّما هو من جهة ما ارتكز في عقولهم مع عدم حكم الشارع بوجوب الاحتياط ، فلا يثبت بذك إلا الأصل في المسألة فلا يكون الاتفاق المذكور من أدلّة المسألة ، بل هو نظير حكم العقل الآتي فتدبر.

(١١٤) قوله : ( الرابع من الأدلة : حكم العقل بقبح العقاب على شيء ... الى آخره ) (١). ( ج ٢ / ٥٦ )

__________________

(١) قال السيّد المجدد أعلى الله مقامه الشريف :

« المراد بالبيان ليس خصوص العلم وإلاّ لقبح العقاب على مخالفة التكاليف القائمة عليها

٥١٠

__________________

الطرق الظنّيّة المعتبرة ؛ ضرورة أنّ قيام الأمارة الظنّيّة على تكليف لا يوجب العلم به فلا يعقل كونها بيانا علميّا له مع انه لا شبهة في جواز العتاب وحسن العقاب عليها بحكم العقل وشهادة العقلاء كافّة ، بل المراد به الحجّة القاطعة للعذر بين الموالى والعبيد وهي ما لو عمل به العبد واتّفق مخالفته للواقع ـ بأن كان مؤدّيا إلى مبغوض المولى ـ لقبح على المولى عقاب العبد على ذلك ولو لم يعمل به واتفق كون مؤدّاه مطلوبا للمولى لحسن له عقابه عليه فيعمّ الطرق الظنّيّة المعتبرة فإنّها وإن لم تكن حجابا في أنفسها كالعلم إلا أنّها منزّلة منزلة العلم يجعل الشارع وأمره بالعمل بمؤدّاها وجعله إيّاها مرآة للواقع كالعلم.

لا يتوهّم : أنّه إذا لم يكن الطرق الظنّيّة بانفسها حججا ـ بل بجعل الشارع ـ فيكون مدار الحجّيّة فيما لم يكن حجّة بنفسه على جعل الشارع فتكون الطرق الظنّيّة والأمور غير المفيدة للظنّ أصلا سواء من حيث عدم حجيتهما في أنفسهما وحجّيّتهما بجعل الشارع فما الوجه في جعل الشارع الأولى حججا دون الثانية؟

لأن اعتبار الشارع ما لم يكن حجّة بنفسه وجعله حجّة معناه ـ كما أشير إليه ـ إنّما هو أمره بالعمل بمؤدّاه وجعله مرآة لتكليفه الواقعي وذلك لا يعقل في الثانية ؛ ضرورة أنه ليس لها مؤدّى ليأمر الشارع بالعمل به ؛ لعدم الكشف فيها أصلا فيرجع جعلها طرقا إلى جعل الشك طريقا وهو غير معقول.

وبالجملة : الطرق الظنّيّة صفة الطريقيّة ثابتة لها في انفسها كالعلم إلاّ ان الخاصيّة المترتبة على العلم ـ وهي السببيّة لقطع العذر ـ ليست لازمة لها كما في العلم ، بل انما هي بجعل الشارع فجعل الشارع مكمّل لطريقيّتها لا محدث لصفة الطريقيّة فيها.

٥١١

__________________

وممّا ذكر إلى هنا ظهر : أنه لا يعقل أن يأمر الشارع بالاحتياط في مورد الشك في التكليف الواقعي لأجل دفع ضرر ذلك التكليف الأخروي سواء كان أمره ذلك إرشاديا أو شرعيّا يكون الحكمة فيه التحرّز عن ذلك الضرر الأخروي إذ بعد قبح العقاب على ذلك التكليف المشكوك لا ضرر حتى يجعل التحرّز عنه منشأ للأمر بأحد الوجهين المذكورين وأنه يقبح للشارع إلزام المكلّف ـ بخطاب آخر سوى الخطاب الواقعي المشكوك فيه ـ على امتثال ذلك التكليف المشكوك فيه بأن يقول له مثلا : يجب عليك امتثال التكاليف الواقعيّة المشكوك فيها عندك ؛ ضرورة أن هذا الخطاب لا يعقل كونه بيانا لذلك التكليف الواقعي المشكوك فيه وطريقا إليه ، بل هو على جهالته بعده أيضا فيكون هذا إلزاما بامتثال تكليف لا بيان له أصلا وهو قبيح.

نعم يجوز له الأمر ـ في الصورة المفروضة ـ بالإحتياط مع جعل موضوعه هو احتمال الخطاب الواقعي لا الضرر الأخروي بأن يأمر بأنك : اذا احتملت في مورد احتمال كونه منهيا عنه في الواقع يجب عليك البتحرّز عنه ؛ فإن المفروض احتمال الخطاب وليس كالضرر الأخروي الذي يقطع بعدمه فيصح جعل موضوع ذلك الأمر هو محتمل الخطاب إلا أن هذا الأمر أيضا لا يعقل كونه بيانا للتكليف والخطاب المشكوك فيه ، وإنما هو بيان لحكم هذا الموضوع الخاص وهو المحتمل كونه منهيّا عنه مثلا فهو مصحّح للعقاب على مخالفة نفسه ولو لم يكن في مورده تكليف واقعي أصلا لا على الواقع. هذا بناء على كون ذلك الأمر شرعيا.

وأما لو كان إرشاديا لأجل التحرّز عن الضرر الدنيوي المترتب على الحرام الواقعي الغير

٥١٢

__________________

المرتفع بالجهل فحينئذ لا عقاب على نفسه أيضا » إنتهى. أنظر تقريرات المجدد الشيرازي : ج ٤ / ٥٣ ـ ٥٤.

* وقال السيّد اليزدي فيما قرّر عنه :

« وقد أفرط المصنّف في رسالة أصل البراءة حيث حكم باستقلال العقل بقبح العقاب على الحكم المجهول حتى في الشبهات الموضوعيّة.

والتحقيق أن يقال : إن العقل لا يستقل بقبح العقاب على الحكم المجهول في الشبهات الموضوعيّة أصلا إذ موضوع حكم العقل بالقبح هو العقاب بلا بيان ، والمفروض في الشبهة الموضوعيّة ثبوت البيان من الشارع لما هو من وظيفته وهو بيان أصل الحكم ، وإنّما المجهول موضوع الحكم الذي ليس بيانه [ من ] وظيفة الشارع وهذا واضح.

إلى آخر ما ذكره في المجلد الأول من حاشيته على الفرائد انظر : ٤٩٩ ـ ٥٠٠.

وقال ها هنا :

قد مرّ منا غير مرة أنّ المسلّم من حكم العقل بقبح العقاب ما إذا علم العبد عدم البيان واقعا مع عدم مانع من البيان أيضا من تقيّة ونحوها أمّا لو علم أو احتمل البيان من المولى وما وصل إلى العبد بإخفاء المخفين وتقصير المقصّرين ونحوهما أو كان للمولى مانع من البيان من تقيّة ونحوها فالإنصاف أنّ العقل لا يحكم حينئذ بقبح العقاب على الواقع المجهول.

وبعبارة أخرى : العقل والعقلاء يجعلون الجهل في الصورة الأولى عذرا للعبد في تركه الواقع المجهول بخلاف الصورة الثانية : فإنّهم لا يحكمون بمعذوريّته بل يحتملون العقاب على الواقع المجهول والحال هذه ، فيدخل ذلك في موضوع مسألة حكم العقل بوجوب دفع

٥١٣

__________________

الضرر المحتمل وقد عرفت سابقا في رسالة الظن صحّة حكم العقل بدفع الضرر المحتمل اذا كان الضرر عظيما خطيرا سيّما مثل العقاب الأخروي الذي يسيره كثير ، ومن الواضح أنّ محلّ كلامنا من القسم الثاني الذي لا يحكم العقل بقبح العقاب لأنا نعلم بخفاء أحكام كثيرة قد بيّنها الشارع ولم تصل الينا أو لم يبيّنها من جهة التقيّة فكيف نقطع حينئذ بالبراءة وقبح العقاب على الواقع المجهول؟

وما استشهد في المتن به من حكم العقلاء بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما اعترف بعدم إعلامه أصلا بتحريمه مسلّم فيما إذا علم العبد عدم الإعلام باليقين مع علمه بأنّه لو لم يكن مانع للمولى بالإعلام من تقيّة ونحوها وإلاّ نمنع قبح المؤاخذة كما اذا احتمل العبد أنّ عدم البيان من المولى لعله من خوفه من عدوّه الفلاني الحاضر عنده ، وكما لو فرض أنّ المولى كتب طومارا مشتملا على جميع ما يريد من العبد فعلا وتركا ثم ضاع بعض أوراق ذلك الطومار بسبب من الأسباب ولو بغير تقصير العبد فلو عاقب المولى عبده في الفرضين على ما لم يصل إلى العبد من حكمه لم نقطع بقبحه كما يشهد به وجدان اصحاب الأذهان المستقيمة.

فاتضح من ذلك كلّه صحّة دعوى أنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي لأنّ البيان المأخوذ في موضوع حكم العقل بقبح العقاب أعم من البيان للحكم الظاهري المجعول بالنسبة إلى خصوص حال الجهل.

ومن العجب أنّ المصنّف يقول بثبوت حكم العقل بقبح العقاب في الشبهات الموضوعيّة التي ليست بيانها من وظيفة الشارع.

٥١٤

الكلام في حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان

وكذا وجوب دفع الضرر المحتمل

أقول : لا إشكال في استقلال العقل في ذلك وحكمه حكما ضروريّا بقبح مؤاخذة المولى عبده على مخالفة ما يريده منه سواء لم يبيّنه له أصلا لمصلحة ، أو لا لها ، أو بيّنه ولم يطّلع عليه بعد الفحص عنه بقدر وسعه كما في الشبهات الحكميّة ، أو مطلقا كما في الشبهات الموضوعيّة وإن كان الأمر أوضح فيما لم يبيّنه له أصلا كما لا يخفى. وإن كان بحسب مناط التقبيح متّحدا حكما مع ما لو فرض فيه عدم وصول البيان الصادر إلى العبيد ، ومن هنا يستشهد لحكم المقام بحكم العقلاء كافة بقبح المؤاخذة في الصّورة الأولى.

ثمّ إنه كما لا إشكال في حكم العقل بما عرفت ، كذلك لا إشكال في حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل الأخروي وهو العقاب وهو المناط في حكمه في موارد كثيرة مثل النظر في معجزة من يدّعي النبوة ، والفحص عن الحكم في موارد احتمال وجوده في الشبهات الحكمية ، ووجوب الاحتياط في صور الشك في

__________________

وأعجب من ذلك أنّه تفطّن لهذا الإيراد فأورده على نفسه وأجاب عنه بوجه تعرف ضعفه بمراجعة كلامه في الشبهة الموضوعيّة » إنتهى. انظر حاشية فرائد الأصول : ج ٢ / ١١٢.

٥١٥

المكلف به في موارد اشتباه الحكم أو الموضوع ، كما في الشبهة المحصورة إلى غير ذلك.

إنّما الكلام في صلاحيّته بيانا للتكليف المحتمل في محل البحث فيكون واردا على قاعدة القبح ؛ بتوهم : أن البيان الصالح للعقاب الرّافع لموضوع حكم العقل المذكور أعمّ من الواقعي والظاهري ، ومن الشرعي والعقلي. ومن هنا اتفقوا على صحة عقاب الكافر ، بل مطلق الجاهل مع التقصير ، وليس ذلك إلاّ من جهة صلاحية حكم العقل المذكور لرفع العذر وقطعه ، فإذا سلم حكم العقل بذلك فيكون مصحّحا للعقاب على الواقع المحتمل ، فيكون بيانا له ورافعا لموضوع حكم العقل في قاعدة قبح العقاب من غير بيان.

ومن هنا قد يناقش فيما أفاده قدس‌سره في « الكتاب » بقوله : « ودعوى : أن حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان ... الى آخره (١) » (٢).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٥٦.

(٢) قال السيّد المجدّد الشيرازي قدس‌سره :

« طريق الإيراد بتلك القاعدة ـ [ قاعدة دفع الضرر المحتمل ] ـ أن يقال على نحو الإجمال :انه اذا بني على قبح العقاب عقلا على التكليف المجهول فهنا قاعدة عقليّة أخرى ـ وهي وجوب دفع الضرر المحتمل ـ فما يصنع بتلك؟ وكيف التوفيق بينها وبين هذه وهي قبح العقاب من غير بيان؟

٥١٦

بأن الغرض من منع كونه بيانا إن كان منع كونه دليلا على الحكم الشرعي

__________________

وطريق الجواب عنها :

أن منافاة تلك القاعدة على تقدير ثبوتها لهذه إنّما تتصوّر على وجهين :

أحدهما : أن تكون تلك رافعة لموضوع هذه بكونها بيانا للتكليف المجهول.

وثانيهما : أن يكون ما نحن فيه أعني الشبهة التحريميّة مصداقا لكليهما بحيث يشمله تلك وهذه.

وهي بكلا وجهيها مدفوعة :

أمّا على الأوّل : فبما ذكره قدس‌سره : من أنّ الحكم المذكور على تقدير ثبوته لا يكون بيانا للتكليف المجهول بمعنى انه لا يصلح لذلك ، نظير عدم صلاحيّة الأمر بوجوب الإتيان بمشكوك الوجوب مثلا لكونه بيانا للتكليف الوجوبي الواقعي ، بل هي قاعدة ظاهريّة موضوعها محتمل الضرر ، فلو تمّت ـ بمعنى انه ثبت كونها حكما شرعيّا لا إرشاديّا ـ فالعقاب على مخالفة نفسها ؛ لأنّها حينئذ بيان لحكم موردها ولو لم يكن تكليف واقعي في موردها أصلا ، لا على التكليف المحتمل على فرض وجوده ، فإذا كان المأخوذ في موضوعها احتمال الضرر فلا تصلح لورودها على قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ فإنّ جريانها في مورد فرع احتمال الضرر ، والقاعدة المذكورة تنفيه ، فتكون هي واردة على تلك لا العكس.

وأمّا الثاني : فظهر وجهه أيضا ممّا ذكرنا ؛ فإنّ ما نحن [ فيه ] ليس من أفراد تلك القاعدة أصلا ، بل هو [ فرد ] لهذه القاعدة فقط وهي مخرجة له عن كونه من أفراد تلك.

وشيخنا الأستاذ قدس‌سره إنّما اقتصر على بيان الإشكال على الوجه الأوّل ودفعه ، ولعلّ وجه عدم تعرّضه له [ على ] الوجه الثاني : أنه بعد الجواب المذكور عن الأوّل لا يبقى مجال للثاني أصلا ، فافهم ». إنتهى تقريرات المجدّد الشيرازي : ج ٤ / ٥٤.

٥١٧

وطريقا إليه فهو مستقيم ، إلاّ أن البيان الرّافع لموضوع حكم العقل المذكور ليس منحصرا فيه ، وإن كان منع صلاحيّته لتنجّز الخطاب بالنسبة إلى الواقع المحتمل وصلاحيّته للمؤاخذة على مخالفته فهو غير مستقيم ، لما عرفت من صلاحيّته لذلك ، كما فيما عرفت من الموارد والمواضع المسلّمة التي لا محيص عن الالتزام فيها بما ذكر.

وأما ما أفاده : « من أن الحكم المذكور على تقدير ثبوته ليس بيانا للتكليف المجهول المعاقب عليه ، وإنّما هو بيان لقاعدة كليّة ظاهريّة وإن لم يكن في مورده تكليف في الواقع » (١) (٢) (٣).

__________________

(١) فرائد الأصول : ج ٢ / ٥٦.

(٢) قلت : وأنظر حاشية المحقق الخراساني ( درر الفوائد الجديدة ) : ٢٠٤.

(٣) قال السيّد المحقق اليزدي قدس‌سره :

« [ حاصل الدفع الذي ذكره المصنّف للدعوى المزبورة ] يعني أن قاعدة القبح ناظرة إلى قبح العقاب على الواقع المجهول على تقدير مصادفة ما ارتكبه الجاهل للحرام الواقعي ، وقاعدة دفع الضرر ناظرة إلى حكم العقل باستحقاق العقاب على ارتكاب المشتبه من حيث انه مشتبه ولو لم يكن حراما واقعيّا ، فالعقاب الذي تنفيه القاعدة الأولى لا تثبته القاعدة الثانية وما تثبته القاعدة الثانية لا تنفيه القاعدة الأولى فكيف تحصل المنافاة بين القاعدتين والحال هذه؟

وفيه نظر :

٥١٨

__________________

أمّا أوّلا : فلأنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ليس إلاّ من جهة احتمال الضرر الواقعي وخوف الوقوع فيه وهو احتياط حكم بلزومه العقل فرارا عن ذلك الضّرر المحتمل ليس إلاّ ، لا أنّ احتمال الضرر الواقعي موضوع للحرمة الظاهريّة مطلقا ولو لم يكن ضرر في الواقع حتى يلزم أن يحكم بعقابين لو صادف الإحتمال المحرّم الواقعي ؛ فإن ذلك لم يقل به أحد في الشبهة المحصورة ونحوها ممّا هو مورد للقاعدة جزما ، ولا تجري قاعدة قبح العقاب بلا بيان على التحقيق والمشهور حتى ان الماتن بنفسه قد اختار في أواخر أصل البراءة في مسألة معذوريّة الجاهل : بان قاعدة دفع الضرر إرشاد إلى التحرّز عن الضرر الواقعي على ما يستفاد من كلامه فراجع.

وأيضا قد صرّح هنا بعد سطرين : أن مورد قاعدة دفع العقاب المحتمل هو ما ثبت العقاب فيه ببيان الشارع للتكليف فتردد المكلف به بين أمرين كما في الشبهة المحصورة وما يشبهها ، ومن المعلوم ـ كما صرّح به هو بنفسه في الشبهة المحصورة ـ انه لو ارتكب أحد أطراف الشبهة المحصورة لم يفعل حراما لو لم يصادف الحرام الواقعي.

نعم ربّما يعدّ ذلك من أقسام التجرّي وما يدّعى من حكم العقل بقبح ارتكاب المحتمل مطلقا لأجل ذلك أيضا ، والمصنّف لا يقول بحرمته من هذه الجهة أيضا فلا يكون ارتكاب المحتمل من حيث هو كذلك حراما بوجه من الوجوه.

نعم حكم ما احتمل فيه الضرر الدنيوي الحرمة مطلقا صادف الضرر أم لم يصادف لكنه شرعي لا عقلي بمعنى قيام الدليل الشرعي على أنّ موضوع الحرمة التعبّديّة إحتمال الضرر أو ظنّه ، فتأمّل جيّدا كي لا يلتبس الأمر.

٥١٩

__________________

وأمّا ثانيا : فلأنّه لو سلّمنا كون احتمال الضّرر موضوعا لحكم العقل بحرمة المحتمل مطلقا ـ كما أراده المصنّف ـ فإن ذلك أيضا وارد على قاعدة العقاب بلا بيان ؛ لأنه يكون بيانا للحكم الظاهري وأنه يترتب العقاب على المشكوك مطلقا فكيف لا يصلح ذلك لوروده على قاعدة القبح؟ وكيف يمكن الفتوى بجواز شرب التتن فعلا مع ثبوت هذه الحرمة الظاهرية له وترتّب العقاب عليه بالفرض؟

فقوله : « إن الحكم المذكور على تقدير ثبوته لا يكون بيانا للتكليف المجهول المعاقب عليه » منظور فيه ؛ لأن عدم البيان الذي أخذ في موضوع حكم العقل لقبح العقاب أعمّ من البيان الظاهري ، ومن هنا يقال ونقول : انه لو تم أدلّة الأخباري على إثبات الحرمة الظاهريّة التي هي أحد الوجوه الأربعة المسندة إلى الأخباريين كفى في ردّ الأصولي القائل بالبراءة وإثبات الإحتياط الذي يدّعيه الخصم.

وقد أضاف المصنّف على ما في المتن في الحاشية ـ على ما في بعض النسخ ـ وجها آخر لدفع معارضة قاعدة القبح بقاعدة دفع الضّرر وهو لزوم الدور ومحصّل بيانه :

أنّ إبطال قاعدة قبح العقاب بلا بيان موقوف على تماميّة قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل وتماميّة هذه القاعدة موقوفة على تحقّق موضوعه أعني احتمال الضّرر موقوف على إبطال قاعدة القبح فإبطالها موقوف على إبطالها.

وفيه : أولا : أنه يمكن العكس وتقرير الدور من جانب قاعدة دفع الضرر لينتج سقوط القاعدتين بأن يقال : إبطال قاعدة دفع الضرر موقوف على تماميّة قاعدة العقاب بلا بيان وتماميّة هذه القاعدة موقوفة على تحقّق موضوعه أعني عدم ثبوت البيان وهو موقوف على

٥٢٠