بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني

بحر الفوائد في شرح الفرائد - ج ٣

المؤلف:

آية الله ميرزا محمّد حسن بن جعفر الآشتياني


المحقق: السيّد محمّد حسن الموسوي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-518-249-4
ISBN الدورة:
978-964-518-249-4

الصفحات: ٦٥٢

يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ) (١) أما لو أنّ رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ما كان له على الله حقّ في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان. ثمّ قال : أولئك المحسن منهم ، يدخله الله الجنّة بفضل رحمته » (٢).

ومثله ما رواه في « الكافي » بعد « باب دعائم الإسلام » : عن القاسم بن الصيرفي قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الإسلام يحقن به الدّم وتؤدّى به الأمانة ويستحلّ به الفروج ، والثّواب على الإيمان » (٣).

إلى غير ذلك من الأخبار الدّالة على ذلك ، وإن كان هناك أخبار أخر تدلّ على استحقاق غير المستبصر الثّواب على الإطاعة وكون الثّواب للمؤمن من حيث إنّ اختلاط طينته بطينة المؤمن أوجب اختيار الطّاعة ، كما أنّ اختلاط طينته بطينة غيره أوجب المعصية فثوابه يعود إلى المؤمن ، كما أنّ عقابه يعود إليه. وكيف كان لتحقيق المسألة محلّ آخر لا دخل لها حقيقة بمسائل الفقه ولا بأصول الفقه.

__________________

(١) النساء : ٨٠.

(٢) الكافي الشريف : ج ٢ / ١٩ ـ ح ٥.

(٣) نفس المصدر ج ٢ / ٢٤ باب « ان الاسلام يحقن به الدم » ـ ح ١ ، والمحاسن : ج ١ / ٢٨٥ باب « الاسلام والايمان » ـ ح ٤٢٣.

٢٨١

نعم ، هنا كلام آخر وهو : أنّه على القول بعدم الثّواب على عباداتهم كما هو الأظهر فهل هو من جهة كون الإيمان بالمعنى الأخصّ شرطا في صحّة العبادة ـ كما أنّ الإسلام شرط فيها إجماعا ـ أو من جهة حبطها؟

ولا ينافي الوجه الأوّل حكمهم : بأنّه إذا استبصر المخالف لا يجب عليه قضاء العبادات البدنيّة إذا فرض إيقاعها على طبق مذهبه الباطل ؛ فإنه حكم تعبّدي ، وإلاّ فربّما يكون ما أوقعه على طبق مذهبه باطلا عندنا ومخالفا للواقع يقينا. فكيف يمكن الحكم بصحّته بمقتضى القواعد؟

ولتحقيق هذا المطلب أيضا محلّ آخر ؛ لأنّ شرح القول فيه ينافي وضع التّعليقة.

(٦٩) قوله قدس‌سره : ( فإن اكتفينا في الإسلام بظاهر الشّهادتين ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٧١ )

أقول : ظاهر بعض الأخبار المتقدّمة وإن كان كفاية مجرّد الإقرار في الإسلام ، بل ظاهر جملة من الأخبار بل الكتاب العزيز الاكتفاء به مع العلم بعدم الاعتقاد باطنا ، لكنّ الأظهر كما يقتضيه جملة من النّصوص كون كفاية الإقرار من حيث كشفه عن الاعتقاد ، ولا ينافي ذلك كون مقتضى المصلحة ترتيب أحكام الإسلام في صدر الإسلام على المنافق ، فضلا عن الشّاك ، على ما عرفت الإشارة إليه سابقا.

ثمّ على التّقدير الثّاني ؛ لا فرق في الحكم بعدم إسلامه بين كونه ظانّا بالحقّ

٢٨٢

أو بالباطل ، كما أنّه لا فرق في الحكم بكفره على تقدير عدم الواسطة ، والحكم بعدمه على تقدير الواسطة بين القسمين من الظانّ.

فالفرق الّذي استظهره قدس‌سره في « الكتاب » بقوله : « أمّا الظّان بالباطل فالظّاهر كفره » (١) محلّ مناقشة (٢) فافهم.

(٧٠) قوله قدس‌سره : ( وهو في محلّه بناء على ما استظهرنا منهم ). ( ج ١ / ٥٧٤ )

أقول : قد يناقش فيما أفاده : بأنّ منشأ حصول القطع ، إذا كان حسن الظّن بالمقلّد ـ بالفتح ـ مع انضمام الأمارات والقرائن الخارجة ، لم يفرّق بين المسائل العقليّة المحضة وغيرها ممّا يكون المرجع فيها النّقل.

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٧٢.

(٢) قال الفاضل الكرماني ١ :« أقول : على تقدير اعتبار احتمال الإعتقاد على طبق الشهادتين في إسلام مظهر الشهادتين قد استشكل المصنف ١ في الحكم بكفر الظانّ بالحق باعتبار تقييد كفر الشاك بالجحود الذي هو الإنكار مع العلم فإذا لم يجحد ظانّ الحق لم يكفر ، واستظهر كفر الظانّ بالباطل باعتبار ان معتقد الباطل كافر والظاهر شموله للظان بالباطل أيضا.

والجحود الذي هو الإنكار مع العلم ولو بالمعنى الأعم لا يتأتّى هنا فلا يعتبر ، فالظاهر كفره.

وبالجملة : الفرق بين الظانين بالإستشكال والظهور وجداني والتسوية بينهما فيهما خلافه وهذا واضح ». إنتهى. انظر الفرائد المحشى : ١٧٤.

٢٨٣

(٧١) قوله قدس‌سره : ( مع أن الإنصاف أنّ النّظر والاستدلال بالبراهين ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٥٧٤ )

__________________

(١) قال الفاضل الكرماني ١ :« أقول : هذا الانصاف الذي فتح به لو تم لتم جري دليل الإنسداد في الأصول الإعتقاديّة وكفاية الظنّ فيها بأن يقال :معاصروا النّبي ٦ والأئمة : كانوا متمكّنين من تحصيل العلم بالمعارف وكان باب العلم فيها مفتوحا لهم بمشاهدة الآيات وظهور المعجزات واستماع القطعيّات وإزالة ما يرد عليهم من الشكوك والشبهات ونحن فاقدوا كل ذلك فإن عمدة الأدلة على إثبات الصانع القديم الواجب بالذات هو انه لولاه لزم الدور أو التسلسل وفي بطلان التسلسل نظر كما اعترف الجزائري به في أوّل كتابه بقوله : « وفي بطلانهما نظر ».

وقد اعترف رئيس الحكماء أبو علي سينا بأن المعاد الجسماني لا يفي بإثباته العقل وغاية ما يمكن إثباته في أمر النبوّة هو مطلق النبوّة أمّا الخاصّة فلا ، وأمّا المعجزات فليس لنا إليها سبيل إلاّ هذا الكتاب العزيز الذي بأيدينا.

وقد اختلف العلماء الذين صرفوا أعمارهم في ذلك في بيان وجه إعجازه حتى قال بعضهم : بأنه يمكن الإتيان بمثله إلاّ أن الله يصرف عن ذلك.

فإذا كان هذا حالهم فكيف يمكن إثبات أنه معجز لغيرهم فإذا انسدّ باب العلم القطعي في هذا الزمان بإجمال ما تقدّم من البيان مع وفور القاء الشبهة والشكوك مع أتباع الشيطان ، والتكليف بالأصول باق لم يرتفع ولا شيء أقرب إلى القطع وأصلح لأن يقوم مقامه عند امتناعه من الظن ، فالعقل القطعي الحكم ها هنا يحكم بالإكتفاء بالظن والإقتناع به ، فثبت

٢٨٤

كفاية العلم الحاصل من التقليد في العقائد

أقول : كلامه قدس‌سره في المتمكّن من تحصيل العلم ، محمول على ما يشمل حصول العلم من التّقليد ؛ فلا يتوجّه عليه : كون مقتضى الإنصاف خروجه عن محلّ الكلام ؛ فإنّ البحث في المتمكّن عن تحصيل العلم. كما أنّ مراده فيما ذكره :بيان ما هو الغالب ، وإلاّ فبعض المسائل مبنيّ على براهين واضحة لا يوجب النّظر والاستدلال الوقوع في الشّبهة والضّلالة. كيف! وإنّ الله عزّ وجل أرشد المكلّفين في كتابه العزيز إلى التمسّك بالآيات الباهرات والبراهين الواضحات على وجوده ووحدته وحكمته وغير ذلك من صفاته. مع أنّ البرهان والدّليل الإجمالي على جملة من الأمور ممّا هو مركوز في النّفوس ومن فطريّاتها.

نعم ، الأمر في كثير من المسائل المشكلة ممّا يحتاج في إقامة البرهان عليها

__________________

اعتبار الظن في الفروع والأصول. لكن كلّ هذا بمنزلة منسوجات العناكب يقطعها ويبيدها ويفنيها قوله تعالي : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [ العنكبوت : ٦٩ ].

وهل القديم الواجب تعالى شك فيه كيما يحتاج إثباته إلى بطلان الدور والتسلسل؟

(أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [ ابراهيم : ١٠ ].

وفي كلّ شيء له آية

تدل على أنه واحد

يا من خفى من فرط الظهور ، وبسط الكلام لا يصلح لهذا المقام ». انتهى.

أنظر الفرائد المحشى : ١٧٥.

٢٨٥

على تعلّمها من الحكمة الإلهيّة أو الطّبيعيّة كما ذكره قدس‌سره.

وبالجملة : لا إشكال في اختلاف المسائل والأشخاص فيما أفاده ، وليس مراده الكليّة ، بل المراد : بيان القضيّة الغالبيّة بالنّسبة إلى ما يحتاج إلى الاكتساب. وأمّا ما يكون من قبيل القضايا الّتي قياساتها معها فهو خارج عن محلّ كلامه ؛ لأنّ حصول العلم من البرهان الإجمالي للمتفطّن بالنّسبة إليه ضروريّ. فكيف يعتمد على قول الغير في حصول الجزم؟

ثمّ إنّه لا ينافي ما استقر به قدس‌سره وفاقا لمن ذكره في كفاية الجزم الحاصل من التّقليد وهو الحقّ الّذي لا محيص عنه عند التّأمّل [ في ] الآيات النّاهية عن التّقليد وإن كانت واردة في الأصول ؛ ضرورة كون المراد من التّقليد فيها هو الّذي لا يفيد الجزم. كما أنّه لا ينافي ما أمر فيها بالنّظر والاستدلال من الآيات والأخبار مثل قوله عليه‌السلام : « عليكم بدين العجائز » (١) فإنّ الأمر بالنّظر والاستدلال إنّما هو من جهة

__________________

(١) من الأحاديث المشهورة على الألسن جدّا لكنّه لا أصل له لا في تراث أهل البيت عليهم‌السلام ولا غيرهم ، بل هي كلمة لبعض المتفلسفين كما قيل ويأتي أو لسفيان الثوري كما في آخر ولا بأس بالاشارة إلى كلا الكلامين : جاء في كتاب « المواقف » للقاضي عضد الإيجي : انه من كلام سفيان الثوري فإنه روى ان عمرو بن عبيد من رؤساء المعتزلة قال : ان بين الكفر والايمان منزلة بين المنزلتين.

فقالت عجوز : قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [ التغابن :

٢٨٦

__________________

[٢.

فلم يجعل الله من عباده إلاّ الكافر والمؤمن فبطل قولك ، فسمع سفيان كلامها فقال :عليكم بدين العجائز. انظر المواقف : ج ١ / ١٦١.

هذا وفي « فيض القدير شرح الجامع الصغير » للمناوي :

قال السمعاني في الذيل عن الهمداني قال : سمعت أبا المعالي يعني امام الحرمين يقول : قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا ثم خلّيت أهل الاسلام باسلامهم فيها وعلوم الظاهرة وركبت البحر الخضمّ وغصت في الذي نهى أهل الاسلام عنه ، كل ذلك في طلب الحق وهربا من التقليد والآن قد رجعت من العمل إلى كلمة الحق ، عليكم بدين العجائز ، فإن لم يدركني الحق بلطفه واموت على دين العجائز ويختم عاقبة أمري عند الرحيل على الحق وكلمة الإخلاص « لا إله إلاّ الله » فالويل لابن الجويني. انظر فيض القدير : ج ١ / ٥٤٤.

قلت : وعلى كل حال قد اتفقت كلمتهم على كونه موضوعا. قال الصغّاني : موضوع. وقال الآمدي : لم يثبت ولم يصح. « الاحكام » : ج ٤ / ٢٢٦.

وقال القاري : حديث موضوع. وقال ابن طاهر : لم أقف له على أصل ، إلى غير ذلك ممن صرّح بوضعه. أنظر تذكرة الموضوعات : ١٦.

وأمّا ما ذكره صاحب « الفصول » رضوان الله تعالى عليه في « فصوله » ص ٤١٥ : من ان صدوره عن الثوري لا ينافي صدوره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فظاهر الفساد بعد عدم وجدان المصدر الصحيح لهذا الخبر لا في كتب الخاصة ولا العامة فكيف يمكن إسناده اليه؟

نعم ، لا اشكال في كون ما نسبه السمعاني الى امام الحرمين : قد تكون مجرّد نسبة لا واقع

٢٨٧

عدم حصول المعرفة والعلم بالتّقليد غالبا ، لا من جهة عدم كفاية العلم بالحقّ الحاصل من غيره ، فهو إرجاع إلى ما يتيسّر غالبا سيّما بالنّسبة إلى وجود الصّانع للعالم الّذي دلّ عليه تمام ما في الآفاق والأنفس ويكون حصول العلم به ضروريّا إن لم يكن فطريّا ، بل التّحقيق : كونه أظهر الظّواهر. ومن هنا دلّ على ذاته بذاته وبه عرفناه فكيف يرجع فيه إلى التّقليد؟ أو يلتمس البرهان الفلسفي؟ وعلى ما ذكرنا يحمل منعهم عن التّقليد في الأصول ، مضافا إلى قرائن مذكورة في « الكتاب ».

ودعوى : كون المطلوب في العقائد اليقين ، ولا يمكن حصوله من التّقليد ؛ نظرا إلى زوال الجزم الحاصل منه بتشكيك المشكّك.

فاسدة أوّلا ؛ بعدم الدّليل على اعتبار غير الجزم والاعتقاد والمعرفة في العقائد ، ولا شبهة في حصول هذه العنوانات بالتّقليد كما تحصل بالنّظر والاستدلال.

وثانيا : بأنّ زوال الجزم بالتّشكيك مشترك الورود ؛ إذ كثيرا ما يزول الجزم الحاصل من النّظر أيضا.

__________________

لها خارجا ، إذ يبعد إعراض مثله ممّن توغّل في الفلسفة والكلام عن هذا العلم وتشبّثه بدين العجائز كما أشار اليه السقّاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية ص ٦٨ حيث أنكر رجوع الجويني عن علم الكلام وجعل النسبة المذكورة في مثل كلام السمعاني خرافة.

والمهم ان الحديث المذكور باطل من أساسه سندا ومصدرا ودلالة. وشرح بطلانه زائدا على ما ذكرنا يطلب من موضع آخر.

٢٨٨

(٧٢) قوله قدس‌سره : ( أمّا الأوّل : فقد يقال فيه بعدم [ وجود ] العاجز ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٧٥ )

الجواب عن منع ثبوت العاجز

أقول (١) : وقد يستدلّ على ذلك مضافا إلى ما في « الكتاب » بوجوه :

أحدها : قوله تبارك وتعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ) (٢) فإنّ مقتضاه كون كلّ من لم يعرف الحق مقصّرا من حيث تركه المجاهدة ، وإلاّ كان

__________________

(*) قال سيّد العروة أعلى الله تعالى مقامه الشريف :

« وقد يستدل أيضا لذلك بقوله تعالى ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا)[ العنكبوت : ٦٩ ] وقوله تعالى : ( فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) [ الأنعام : ١٤٩ ].

وفيه ـ مضافا إلى إمكان منع العموم فيها بإعتبار منع كون الموصول مطلقا للعموم وأن المراد بالمجاهد من له أهليّة المجاهدة ، وكذا الحجّة البالغة ثابتة لأهلها ـ : إن غاية ما يستفاد منهما ظهور عموم يقبل التخصيص ، ونحن نرى بالوجدان والعيان وجود القاصرين سيّما في أطراف البلاد البعيدة عن صيت الإسلام ، ومما يقطع به ذلك أنه لو فرض ان المكلّف في إبتداء بلوغه اشتغل بالمجاهدة والنّظر ومات قبلأن يحصل له الإعتقاد بما يجب عليه من المعارف ، فهل ترى أنّه يحكم عليه بالتقصير أو يدعي له عدم وقوع الفرض.

وبالجملة : أنّا قاطعون بوجود الجاهل القاصر بالحس والعيان ، والإستدلال ببعض الظواهر في مقابل ذلك كما ترى ». إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ١ / ٦٧٤.

(١) العنكبوت : ٦٩ وقد جاء في الأصل وإن جاهدوا وهو خطأ.

٢٨٩

مهديّا إلى الحقّ وواصلا إليه بمقتضى الآية.

ثانيها : حكم العقل بذلك ، بعد عرفان كون الغرض من الخلق المعرفة ، ولو بملاحظة قوله تبارك وتعالى : ( وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (١) أي :ليعرفون. كما هو مقتضى التّفسير والحديث القدسي : « كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف ، فخلقت الخلق لكي أعرف » (٢) فلو كان بعض المكلّفين قاصرا وعاجزا عن المعرفة لزم كون خلقته عبثا ولغوا.

ثالثها : قوله تعالى : ( فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ) (٣).

ومثله قوله عليه‌السلام : « كلّ مولود يولد على الفطرة إلاّ أنّ أبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه » (٤).

فإنّ مقتضاهما كون معرفة الله عزّ وجل وأوليائه من الودائع الرّبانيّة والإلهامات الإلهيّة في النّفوس البشريّة لا تزول عنها إلاّ بصارف قويّ فإذا فرض كون المعرفة مكنونة في النّفوس بحسب التّكوين الإلهي ، فكيف يفرض العجز عنها؟ هذا.

__________________

(١) الذّاريات : ٥٦.

(٢) لا أصل له في التراث الموجود عن أهل البيت عليهم‌السلام أبدا ، نعم ، كتب التصوّف مملوءة منه عند الخاصة والعامّة ، والظاهر انه مأخوذ من أرباب التصوّف من أبناء العامّة.

(٣) الروم : ٣٠.

(٤) الكافي الشريف : ج ٢ / ١٣ ح ٣ من باب « فطرة الخلق على التوحيد ».

٢٩٠

والجواب عن الأوّل : ظاهر ؛ إذ المفروض كون العاجز عاجزا عن المجاهدة ، بل ربّما يكون غافلا صرفا ، فكيف يتصوّر في حقّه المجاهدة؟ والهداية في الآية مترتّبة على المجاهدة.

وأمّا عن الثّاني : فبأنّ المراد بيان الغرض من خلق نوعي الجنّ والبشر ، وأنّه لتكميل النّفوس بمعرفة باريهم وخالقهم حتّى يترتّب عليها التّشبّه به بكسب الأخلاق الحميدة والأعمال المحمودة ، ولا ينافي ذلك عجز بعض الأشخاص وإلاّ لزم عدم وجود المجنون في العالم ، أو عدم موت أحد في صغره ؛ للزوم العبث في الخلق كما توهّم. ومنه يظهر : المراد من الحديث الشّريف أيضا ؛ فإنّ ترتب المعرفة على الخلق المتعلّق لإرادة الله « عزّ وجلّ » لا يلازم عدم وجود العاجز.

وأمّا عن الثّالث : فبأنّ المراد من الآية والرّواية كون آيات المعرفة موجودة في الأنفس ، كما أنّها موجودة في الآفاق. ولا ينافي ذلك عروض الحجاب عن النّظر إليها والتّأمّل فيها بقصر قاصر ، ولو بالاكتساب القهري عن الآباء والأمّهات فافهم.

والإنصاف وجود العاجز كما نشاهد بالوجدان. مضافا إلى ما ورد في حقّ المستضعف ، وإلى الأخبار الدّالة على ثبوت الواسطة ممّا عرفت جملة منها ، سيّما ما عرفته في قضيّة مناظرة الإمام عليه‌السلام مع زرارة ، وغيرها كما ذكره قدس‌سره في « الكتاب » (١).

__________________

(١) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٧٦ ، والخبر في الكافي الشريف : ج ٢ / ٤٠٣ باب « الضّلاّل » ـ ح ٢.

٢٩١

(٧٣) قوله قدس‌سره : ( نعم ، لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى العالم ... إلى آخره ) (١). ( ج ١ / ٥٧٧ )

هل للعالم إلزام الجاهل بتحصيل الظن أم لا؟

أقول : قد يناقش فيما أفاده قدس‌سره : بأنّ تكليف العالم بعد رجوع الجاهل إليه ـ فيما يجب عليه البيان والدّلالة والإرشاد ـ هو بيان ما استفاده من الأدلّة في حكم الموضوعات ، وأدّى إليه نظره الاجتهادي القطعيّ أو الظّنيّ فيما كان الظّن حجّة ؛ فإذا استفاد من الأدلّة العقليّة والنّقليّة عدم حجيّة الظّن في المقام ، وكون الاعتقاد الظّني كالشّك ، وأنّه يحرم الالتزام بمقتضاه ؛ نظرا إلى كون التّدين الظّاهري في العقائد من آثار العلم ، لا المعلوم ولا الاعتقاد بالمعنى الأعمّ ، فكيف يجوز له

__________________

(١) قال سيّد العروة رضوان الله تعالى عليه :

« بعد فرض عدم وجوب هذا الإعتقاد الظنّي لغير المتمكّن من العلم يبعد وجوب إلزامه تحصيل ذلك الإعتقاد إرشادا غاية البعد ؛ إذ لا وجه لإيقاع الشخص في كلفة ما لا يجب عليه ولا يفيده.

والتحقيق : أنه يجب على من لا يقدر إلاّ على تحصيل الإعتقاد الظنّي أن يحصّله ويتديّن به وهذا مما يستقل به العقل بملاحظة مطلوبيّة الإعتقادات الحقّة ومذمّة الشاك والجاحد في الأخبار المتظافرة وحينئذ يجب على العالم بأنّه يتمكّن من تحصيل الظن إرشاده وإلزامه بذلك لوجوب إرشاد الجاهل بما يجب عليه ولو لم يراجع ذلك الجاهل إليه فضلا عمّا إذا راجع إليه ». إنتهى. أنظر حاشية فرائد الأصول : ج ١ / ٦٧٦.

٢٩٢

تجويز الجاهل العمل بالظّن وتحصيله؟ فضلا عن أن يجب على العالم إلزامه بتحصيل الظّن.

وما يقال في دفع المناقشة ـ : أنّ وجوب إلزامه بتحصيل الظّن إنّما هو من جهة حكم عقله بلزومه إذا احتمل قيامه مقام الاعتقاد العلمي من باب الإرشاد وإزالة الخوف الحاصل للنّفس من جهة احتمال تعيين الظّن في حقّه ، ولا ينافي ذلك كون حكم الظّن في الواقع وفي نفس الأمر عدم الحجيّة. ألا ترى أنّهم اختلفوا في وجوب تقليد الأعلم والأورع؟ أو جواز البقاء على تقليد الميّت؟ مع اتّفاقهم على وجوب رجوع العامي الجاهل بحكم المسألتين إلى الحيّ الأعلم من جهة حكم عقله بذلك من حيث كونه متيقّن الاعتبار ، وغيره مشكوك الاعتبار. فالحيثيّتان مختلفتان ، فإذا دار أمر الجاهل في المقام بين البقاء على الشّك وتحصيل الظّن ، واحتمل تعيين الثّاني ـ ولو من جهة ذهاب بعض إليه ـ فلا محالة يحكم عقله بلزوم تحصيل الظّن من باب الاحتياط ؛ فيجب على العالم من باب الإرشاد إلزامه بتحصيل الظّن بهذه الملاحظة والحيثيّة ، وإن كان الحكم الإلهيّ الواقعي في الموضوع المذكور هو عدم حجيّة الظّن وحرمة العمل به في نفس الأمر ـ فاسد جدّا.

أمّا أوّلا ؛ فلأنّ حكم العقل المذكور إنّما يتبع احتمال تعيين سلوك الطّريق الظّني إذا لم يحتمل حرمته ، كما في تقليد الحيّ الأعلم ، وإلاّ فأمره دائر بين المحذورين.

٢٩٣

وأمّا ثانيا ؛ فلمنافاة ما ذكره لما اتّفق عليه الكلّ : من استقلال العقل بعدم حجيّة ما شك في اعتباره وأنّه يجب التّوقف فيه.

وأمّا ثالثا ؛ فلأنّ الّذي يحكم به عقل الجاهل بالمسألة المفروضة ـ سواء احتمل كون تحصيل الظّن واجبا شرطيّا ومعتبرا في الإيمان ، أو واجبا نفسيّا مستقلاّ ـ الرّجوع إلى العالم ، [ وذلك ] ليس إلاّ من حيث كون الشّبهة حكميّة ، واللاّزم على العالم بيان الحكم الإلهيّ الّذي أدّى إليه نظره واستنبطه من الأدلّة.

فإذا فرض أداء نظره إلى عدم حجيّة الظّن وحرمة التّدين به في العقائد مطلقا ؛ حتّى في حقّ الغير المتمكّن من العلم ـ كما هو المفروض ـ فكيف يصير الواجب في حقّه إلزامه بتحصيل ما ليس حجّة في حقّه في نظره؟ فالقياس في غير محلّه فتدبّر.

ولنختم الكلام فيما يتعلّق بالمقام بذكر أمرين :

عدم وجوب معرفة التفاصيل

الأوّل : أنّك قد عرفت في طيّ ما قدّمنا لك : أنّ مقتضى الأخبار المتقدّمة في تفسير الإيمان وتحديد المقدار الواجب منه ، أنّ معرفة التّفاصيل غير واجبة على من يتمكّن منها بحسب تكليف نفسه عينا ؛ من حيث توقّف الإيمان عليها أو وجوبها بالاستقلال.

فهل يجب بالوجوب الكفائي من حيث حفظ نوع ما ورد في الشّرع وثبت

٢٩٤

فيه ـ مضافا إلى كونه أداء لحقّ أولياء النّعم الظّاهريّة والباطنيّة والوسائط الخلقيّة والعلل الغائية ، وربّما يحتاج إليها لردع المبطل لها ، والزّاعم خلاف الحقّ فيها. هذا بالنّسبة إلى غير صفات الباري تعالى من صفات حججه عليهم‌السلام أو الأمور الدّينيّة الاعتقاديّة الثّابتة من جهتهم وبياناتهم. وأمّا بالنّسبة إلى صفاته عزّ وجلّ من أن يوصف بصفات المخلوقين ، فالأمر أوضح. ومن هنا قيل بوجوب تحصيل علم الكلام لحفظه عن الاندراس ، وليس ذلك بأدون من تحصيل الأحكام الغير الإلزاميّة في فروع الدّيانات من حيث لزوم حفظ أحكام الشّرع عن الاندراس وإن لم يحتج إليها غالب المكلّفين ـ أو لا يجب؟ وجهان : أوجههما في النّظر عاجلا : الأوّل. ولا ينافي ذلك ما قدّمنا أصلا كما لا يخفى.

مطلوبيّة السعي في الاستكمال

الثّاني : أنّه كما لا إشكال في مطلوبيّة معرفة التّفاصيل بحسب الإمكان في حقّ كلّ من يقدر عليها بقدر ميسوره ومقدوره من حيث اختلاف مراتب الإيمان فيختلف بحسب الآثار والعقل واللّوازم الأخرويّة على ما نبّهنا عليه سابقا ، كذلك لا إشكال في مطلوبيّة تكميل المرتبة الخاصّة من المعرفة الحاصلة للمكلّف بحسب مقدوره من حيث اختلاف مرتبة المعرفة شدّة وضعفا.

ومن هنا سأل الخليل « على نبيّنا وآله وعليه الصّلاة والسّلام وعلى سائر أنبيائه ورسله » شهود إحياء الموتى مع يقينه بالبعث والمعاد ؛ حتّى يحصل له مرتبة

٢٩٥

الاطمئنان وكمال اليقين.

ومن هنا ورد ترجيح تفكّر ساعة على عبادة سبعين سنة وترجيح مقام الأئمّة عليهم‌السلام على مقامات الأنبياء والأولياء حتّى الخليل وتفضيلهم عليهم لحصول كمال المعرفة المقدور لهم صلوات الله عليهم ولذا قال مولانا ومولى العالمين أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى أخيه وزوجته وأولاده الطاهرين : « لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا » (١). فهم أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين حتّى أولي العزم منهم غير خاتم النّبيّين ( صلوات الله عليهم ) من حيث الصّفة المذكورة ، كما فضّلوا عليهم بسائر الصّفات النّفسانيّة والأخلاق الرّبانيّة الرّوحانيّة.

ومن هنا كانوا عللا لوجود جميع المخلوقات حتّى الأنبياء والأولياء صلوات الله عليهم. والسّابقون في الخلق في العوالم الرّوحانية والملكوتيّة بما شاء الله تعالى.

__________________

(١) ورد في مثل إرشاد القلوب للديلمي : ج ٢ / ٢١٢ ، وكشف الغمة للإربلي : ج ١ / ١٧٠ ومناقب ابن شهر آشوب : ج ٢ / ٣٨ ، ومشارق الأنوار للحافظ رجب البرسي : ١٧٨ ، وفضائل شاذان بن جبرئيل : ١٣٧ ولعله هو الأصل لكل من تأخّر عنه.

٢٩٦

(٧٤) قوله قدس‌سره : ( ولنختم الكلام بذكر كلام السيّد الصّدر ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٧٨ )

كلام السيّد الصدر في شرح الوافية

أقول : ما ذكره في « شرح الوافية » من أقسام المقلّد ـ على تقدير القول بجواز التّقليد في العقائد والقول بعدمه ـ مطابق لما حكاه قدس‌سره في « الكتاب » ، إلاّ أنّ الأقسام تزيد على أربعة عشر ـ على القول بعدم جواز التّقليد ـ كما هو ظاهر. نعم ، ما حكاه شيخنا قدس‌سره في ذيل كلامه يخالفه في الجملة ؛ فإنّه قال في الشّرح :

« الثّامن : هذه الصّورة من غير عناد ولا إصرار بعدم العلم بالوجوب ، فهذا كافر أيضا إن مات ولم يرجع من اعتقاده الباطل. التّاسع : هذه الصّورة من غير علم بالوجوب وهذا أيضا كافر. وكذا العاشر ؛ يعني هذه الصّورة من غير عناد. الحادي عشر : المقلّد للباطل إن كان معاندا مع العلم والإصرار. والثّاني عشر : بلا إصرار. والثّالث عشر : بلا علم. والرّابع عشر : بلا عناد. والحكم في الجميع يظهر ممّا سبق » (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

ثمّ إنّ المراد من القول بجواز التّقليد كما صرّح به شيخنا قدس‌سره فيما سبق في « الكتاب » في مقام الفرق بين التّقليد في الأصول وبينه في الفروع ليس ما يتراءى من ظاهره في بادىء النّظر ، بل المراد : أنّ المطلوب في العقائد الحقّة معرفتها

__________________

(١) شرح الوافية مخطوط : ٤٨٢ ـ ٤٨٤.

٢٩٧

والوصول إليها من أيّ طريق كان ، فليس النّظر واجبا شرطيّا ولا نفسيّا في قبال القول بوجوبه على أحد الوجهين. فإذا كان المقلّد مخطئا لا يكون معذورا مع الالتفات ، وهذا بخلاف ما لو كان المكلّف مجتهدا في الأصول فإنّه يكون معذورا على تقدير الخطأ في الآخرة إلاّ إذا كان مقصّرا في المقدّمات.

وهذا الّذي ذكرنا مع وضوحه قد صرّح به المحقّق الورع مولانا أحمد الأردبيلي قدس‌سره كما حكاه في الشّرح المذكور ، فإنّه قال : « وظنّ أنّه يكفي في الأصول التّوصّل إلى المطلوب » (١). انتهى كلامه قدس‌سره.

ثمّ إنّ ما أفاده شيخنا قدس‌سره في ردّ الشّارح في المقلّد للحقّ على القول بعدم جواز التّقليد بقوله : « أقول : الحكم بإيمان هؤلاء لا يجامع فرض القول ... إلى آخره » (٢). في غاية الاستقامة ؛ فإنّ ظاهره ذكر الأقسام للمقلّد على القول بعدم الجواز المستظهر من المشهور من كون النّظر واجبا شرطيّا ، وإن كانت كلماته مضطربة ؛ فإنّ تمسّكه بالأصل لنفي وجوب النّظر قد يستظهر منه الوجوب النّفسي ؛ نظرا إلى عدم معنى للرجوع إلى أصالة البراءة أو أصالة العدم في نفي الوجوب الشّرطي.

قال قدس‌سره ـ بعد نقل ما عرفت من المحقق الأردبيلي « طيّب الله رمسه » ـ

__________________

(١) شرح الوافيه أيضا.

(٢) فرائد الاصول : ج ١ / ٥٨٠.

٢٩٨

ما هذا لفظه :

« ها هنا ثلاث مقامات ؛ الأوّل : أنّه هل يجوز التّقليد في الأصول أو لا؟الحقّ نعم ؛ لأنّ الأصل عدم الوجوب ولا صارف ؛ إذ أدلّة وجوب النّظر مدخولة مثل قولهم النظر ممّا لا يتمّ دفع الضّرر الّذي هو واجب إلاّ به ، وكلّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب. أمّا تحقّق الضّرر ؛ فإنّ من رأى عليه نعما متوافرة باطنة وظاهرة مع علمه ضرورة بأنّها من جانب الغير ، ورأى الاختلاف في وجود الصّانع وصفاته ، جوّز وجود منعم طلب منه معرفته وشكر تلك النّعم ؛ فيحصل له خوف زوال النّعمة بل حلول النّقمة بترك معرفته وشكره.

والجواب أوّلا : منع استلزام مجرّد التجويز الخوف ، إلاّ مع اقترانه بدعوى مدّعي الرسالة المقرونة بالمعجزة وأمر المكلّف بالإصغاء إليه والنّظر إلى معجزته ؛ إذ حينئذ يحصل الخوف لاحتمال صدق المدّعي ».

إلى أن قال :

« وثانيا : أنّ المدّعى عموم الوجوب للمكلّفين والدّليل لا يفيده على تقدير تسليمه ؛ لأنّ منهم من لا يحصل له الخوف حتّى يجب عليه عقلا دفعه كمن قلّد محقّا وجزم به ؛ فإنّه بعده ما اعتقد تقليدا اعتقادا جازما أنّ له صانعا منعما فشكره بموجب اعتقاده لقضاء ما يجب عليه ، فكيف يحصل له الخوف؟ وإن جوّز أن

٢٩٩

يكون اكتفاؤه بالتّقليد مذموما إلى آخر ما ذكره بطوله » (١).

فإنّه كما ترى ينفي الوجوب الشّرطي للنّظر ؛ فإنّ الوصول إلى الحقّ لا ينافي الوجوب النّفسي أصلا كما لا يخفى.

(٧٥) قوله قدس‌سره : ( ظاهر كلامه في الاستدلال على منع التّقليد ... إلى آخره ). ( ج ١ / ٥٨٣ )

إضطراب كلام الشيخ في العدّة

أقول : لا يخفى عليك أنّ كلام الشّيخ قدس‌سره في « العدّة » في هذا المقام لا يخلو عن اضطراب والتباس ، بل مناقشة من وجوه.

أمّا عدم وضوحه في إفادة المراد من حيث إنّ محلّه المقلّد الغير الجازم أو الجازم ؛ فإنّ ظاهر استدلاله أوّلا على بطلان التّقليد في الأصول ، من حيث توقّف معرفة الموضوع الشّرعي حكما وموضوعا على معرفة جاعله والواسطة في تبليغ جعله ، وإن كان كاشفا عن كون محلّ كلامه في المقلّد الغير الجازم ؛ نظرا إلى ظهوره في لزوم الدّور ، على تقدير كفاية التّقليد في الأصول من حيث توقّف الكفاية على ثبوت الشّرع المتوقّف على التّقليد على الفرض.

فلا بدّ من اعتبار المعرفة العلميّة الغير المتوقّف اعتبارها على شيء من حيث كونها معتبرة بذاتها سواء كان حاصلا عن الدّليل أو التقليد ، وهذا بخلاف

__________________

(١) شرح الوافية مخطوط.

٣٠٠