أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٦
المقام الثاني
في مكروهات الإحرام
وهي أمور :
منها : الاكتحال
وتفصيل الكلام فيه : أنّ الاكتحال إمّا يكون للضرورة ، أو لغيرها ، والثاني إمّا يكون بغير السواد ، أو ما فيه طيب ، أو للزينة ، أو يكون بما فيه أحد هذه الأمور.
فالأوّل مباح مطلقا بلا كلام فيه ، كما في الذخيرة (١) ، للأصل ، والأخبار :
كحسنة الكاهلي : أكتحل إذا أحرمت؟ قال : « لا ، ولم تكتحل؟ » قال : إنّي ضرير البصر ، فأنا إذا اكتحلت نفعني وإذا لم أكتحل أضرّني ، قال : « فاكتحل » (٢).
وصحيحة ابن عمّار : « لا يكتحل الرجل والمرأة المحرمان بالكحل الأسود إلاّ من علّة » (٣).
وصحيحة ابن عمّار : « المحرم لا يكتحل إلاّ من وجع » (٤).
وما صرّح بأنّ من اشتكى عينيه يكتحل بما ليس فيه مسك أو طيب ،
__________________
(١) الذخيرة : ٥٩٢.
(٢) الكافي ٤ : ٣٥٨ ـ ٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ١٠.
(٣) التهذيب ٥ : ٣٠١ ـ ١٠٢٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٢.
(٤) الكافي ٤ : ٣٥٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٨.
كمرسلة أبان (١) ، أو بما ليس فيه مسك ولا كافور ، كمرسلة الفقيه (٢) ، أو بما ليس فيه زعفران ، كصحيحة ابن سنان (٣).
وكذا الثاني بلا خلاف فيه أيضا ، للأصل الخالي عن المعارض ، مضافا إلى الأخبار :
كصحيحة الحلبي : عن الكحل للمحرم ، قال : « أمّا بالسواد فلا ، ولكن بالصبر والحضض » (٤) (٥).
وابن عمّار : « لا بأس بأن تكتحل وأنت محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه ، فأمّا الزينة فلا » (٦).
ومرسلة الفقيه ، وفي آخرها : « وتكتحل المرأة المحرمة بالكحل كلّه إلاّ كحلا أسود لزينة » (٧).
وصحيحة زرارة : « تكتحل المرأة بالكحل كلّه إلاّ الكحل الأسود للزينة » (٨).
وصحيحة محمّد : « يكتحل المحرم عينه إن شاء بصبر ليس فيه زعفران ، ولا ورس » (٩).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٥٧ ـ ٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٠ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٩.
(٢) الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٢٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٧١ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ١٢.
(٣) التهذيب ٥ : ٣٠١ ـ ١٠٢٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٩ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٥.
(٤) الحضض : بضم الضاد الاولى وفتحها ، دواء معروف ، وهو صمغ مرّ كالصبر ـ الصحاح ٣ : ١٠٧١.
(٥) الكافي ٤ : ٣٥٧ ـ ٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٩ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٧.
(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٢ ـ ١٠٢٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ١ ، بتفاوت يسير.
(٧) الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٢٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٧١ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ١٣.
(٨) التهذيب ٥ : ٣٠١ ـ ١٠٢٤ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٢ : ٤٦٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٣.
(٩) الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٣٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٧١ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ١٢.
ورواية الغنوي : « لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران ، وليكحل بكحل فارسي » (١).
والثلاثة الباقية مكروهة على الأقوى من حيث الاكتحال وإن حرم ثانيها من جهة الطيب ، وفاقا في الأول للصدوق في المقنع والشيخ في الخلاف وابن زهرة في الغنية والمحقق في النافع بل الشرائع ـ حيث نسب الحرمة إلى قول ـ والذخيرة (٢) ، وفي الخلاف : الإجماع عليه.
أمّا الجواز : فللأصل الخالي عن المعارض.
وأمّا الكراهة : فلما مرّ من المطلقات والمقيّدات بالأسود القاصرة عن إفادة الحرمة ، لمكان الجملة الخبرية ، كسائر ما لم يذكر أيضا كصحيحتي حريز :
إحداهما : « لا تنظر في المرأة وأنت محرم ، لأنّه من الزينة ، ولا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد ، إنّ السواد زينة » (٣) ، وثانيتهما (٤) كذيل الاولى.
وفي الثانيين لجمع من الأصحاب ، حيث لم يذكروهما في هذا المقام ، وصريح القاضي في الأول منهما (٥).
وخلافا للمشهور فيهما ، وفي التذكرة : الإجماع على تحريم الثاني (٦) ، لما مرّ من الأخبار بجوابه.
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٠١ ـ ١٠٢٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٩ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٦.
(٢) المقنع ١ : ٧٣ ، الخلاف ٢ : ٣١٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، النافع : ٨٥ ، الشرائع ١ : ٢٥٠ ، الذخيرة : ٥٩٢.
(٣) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٢ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ٣.
(٤) التهذيب ٥ : ٣٠١ ـ ١٠٢٥ ، العلل : ٤٥٦ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٩ أبواب تروك الإحرام ب ٣٣ ح ٤.
(٥) المهذّب ١ : ٢٢١.
(٦) التذكرة ١ : ٣٣٣ و ٣٣٥.
نعم ، يحرم الثاني لأجل الطيب إن كان فيه طيب محرّم ، لأدلّته.
ومنها : النظر في المرآة.
فإنّه يكره على الأقوى ، وفاقا للخلاف والغنية والمهذّب والوسيلة والنافع (١) ، للأصل ، والصحاح الأربع لحريز (٢) وابن عمّار (٣) وحمّاد (٤) ، المتضمّنة للجملة المحتملة للخبريّة.
خلافا للمشهور ، فحرّموه ، للأخبار المذكورة بجوابها.
ومنها : لبس الخاتم للزينة.
وفاقا للنافع حاكيا له عن غيره أيضا ، حيث قال : فيه قولان (٥).
ودليل الجواز : الأصل ، وصحيحة محمّد بن إسماعيل : رأيت العبد الصالح وهو محرم وعليه خاتم وهو يطوف طواف الفريضة (٦).
ورواية نجيح : « لا بأس بلبس الخاتم للمحرم » (٧).
ودليل المرجوحيّة : رواية مسمع (٨) الواردة بالجملة الخبريّة ،
__________________
(١) الخلاف ٢ : ٣١٩ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٧ ، المهذّب ١ : ٢٢١ ، الوسيلة : ١٦٤ ، النافع : ٨٥.
(٢) الاولى في : الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٢ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ٣.
الثانية في : الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٣٠١ ، العلل : ٤٥٨ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٢ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ٣.
(٣) الكافي ٤ : ٣٥٧ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٣ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ٤.
(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٢ ـ ١٠٢٩ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٢ أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ١.
(٥) النافع : ٨٥.
(٦) التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ ـ ٥٤٣ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٦ ح ٣.
(٧) الكافي ٤ : ٣٤٣ ـ ٢٢ ، التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤٠ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ ـ ٥٤٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٦ ح ١.
(٨) التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤٢ ، الاستبصار ٢ : ١٦٥ ـ ٥٤٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٠ أبواب تروك الإحرام ب ٤٦ ح ٤.
والتعليلات المتقدّمة في مسألة الاكتحال ، وكلّها عن إفادة الوجوب ـ الذي هو المشهور ـ قاصرة ، إلاّ أنّ في الذخيرة : أنّه لا أعرف فيه خلافا بين الأصحاب (١) ، فإن ثبت الإجماع وإلاّ فلا دليل تامّا على الحرمة ، وأمر الاحتياط واضح.
ومنها : لبس المرأة الحليّ الغير المعتادة لها لبسها.
فإنّه مكروه ، وفاقا للمحكيّ عن الاقتصاد والتهذيب والاستبصار والجمل والعقود والجامع والنافع والشرائع (٢) ، للأصل ، والأخبار القاصرة عن إفادة الحرمة (٣) ، لما مرّ ، بل في بعضها (٤) دلالة على الجواز.
خلافا للمحكيّ عن المشهور (٥) ، فحرّموه ، للأخبار المذكورة.
ولا حرمة ولا كراهة في لبس المعتادة التي كانت تلبسها كثيرا في بيتها ، ولكن يكره لها إظهارها للرجال حتى زوجها ، كما دلّت عليها صحيحة البجلي (٦).
ومنها : إخراج الدم بفصد (٧) أو حجامة أو سواك وحكّ وغيرها.
فإنّه مكروه وفاقا للخلاف والمبسوط وابن حمزة والشرائع (٨) ، ونسبه
__________________
(١) الذخيرة : ٥٩٤.
(٢) الاقتصاد : ٣٠٢ ، التهذيب ٢ : ٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٢٨ ، الجامع : ١٨٥ ، النافع : ٨٥ ، الشرائع ١ : ٢٥٠.
(٣) الوسائل ١٢ : ٤٩٦ أبواب تروك الإحرام ب ٤٩.
(٤) كما في الوسائل ١٢ : ٤٩٦ أبواب تروك الإحرام ب ٤٩.
(٥) انظر مفاتيح الشرائع ١ : ٣٣١.
(٦) الكافي ٣٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٧٥ ـ ٢٤٨ ، الاستبصار ٢ : ٣١٠ ـ ١١٠٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٦ أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ١.
(٧) الفصد : قطع العرق ـ الصحاح ٢ : ٥١٩.
(٨) الخلاف ٢ : ٣١٥ ، المبسوط : ٣٢١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٤ ، الشرائع ١ : ٢٥١.
في الدروس إلى الصدوق (١) ، وفي المدارك إلى جمع من الأصحاب (٢) ، وهو مختار المدارك والذخيرة والمفاتيح (٣) وشرحه.
أمّا الجواز : فللأصل ، وصحيحة حريز (٤) المتقدّمة في إزالة الشعر ، وصحيحة ابن عمّار : المحرم يستاك؟ قال : « نعم » ، قال : قلت : فإن أدمى يستاك؟ قال : « نعم هو من السنّة » (٥).
والأخرى : عن المحرم يعصر الدمل ويربط عليه الخرقة ، قال : « لا بأس به » (٦).
وموثّقة الساباطي : عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه ، قال : « يحكّه ، فإن سال منه الدم فلا بأس » (٧).
وأمّا المرجوحيّة فلموثّقة يونس : عن المحرم يحتجم؟ قال : « لا أحبّه » (٨).
وللأخبار المستفيضة (٩) المانعة عن الاحتجام مطلقا أو بدون الضرورة أو الحكّ المدمي أو السواك كذلك ، بالجمل الخبريّة الغير الناهضة لإثبات
__________________
(١) انظر الدروس ١ : ٣٨٦ ، ٣٨٧.
(٢) المدارك ٧ : ٣٦٧.
(٣) المدارك ٧ : ٣٦٧ ، الذخيرة : ٥٩٥ ، المفاتيح ١ : ٣٨٣.
(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٢ ـ ١٠٣٣ ، التهذيب ٥ : ٣٠٦ ـ ١٠٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦١٠ ، الوسائل ١٢ : ٥١٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٥.
(٥) الكافي ٤ : ٣٦٦ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٢٢ ـ ١٠٣٢ ، العلل : ٤٠٨ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٢ و ٥٦١ أبواب تروك الإحرام ب ٧١ و ٩٢ ح ٤ و ١.
(٦) الكافي ٤ : ٣٥٩ ـ ٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٠ أبواب تروك الإحرام ب ٧١ ح ٥ ، وفيهما : ويربط على القرحة ، قال : « لا بأس ».
(٧) الكافي ٤ : ٣٦٧ ـ ١٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٢ أبواب تروك الإحرام ب ٧١ ح ٣.
(٨) التهذيب ٥ : ٣٠٦ ـ ١٠٤٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦٠٩ ، الوسائل ١٢ : ٥١٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٤.
(٩) كما في الوسائل ١٢ : ٥١٢ ، ٥٣٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ و ٧٣.
الزائد عن المرجوحيّة.
خلافا للمفيد والسيّد والنهاية والديلمي والقاضي والحلبي والحلّي (١) ، ونسب إلى ظاهر الإسكافي وإلى ظاهر الصدوق أيضا (٢) ، فحرّموه ، للأخبار المانعة المذكورة بجوابها.
ورواية الصيقل : في المحرم يحتجم ـ إلى أن قال : ـ « وإذا آذاه الدم فلا بأس به » (٣) ، دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس بدون الأذيّة.
وتردّ بالمعارضة مع صحيحة حريز (٤) المتقدّمة ، التي هي أيضا واردة في صورة انتفاء الأذيّة ، بقرينة قوله فيها : « ما لم يحلق أو يقطع الشعر » ، فإنّه لو وجدت الأذيّة للغى التقييد ، لأنّ مع الأذيّة يجوز مع القيد أيضا.
ومنها : الإحرام في الثوب الأسود والوسخ.
كما مرّ في مسألة لبس ثوبي الإحرام وفي الثوب المعلّم ، وهو المشتمل على لون يخالف لونه ، لصحيحة ابن عمّار (٥). ولا تنافيها الأخبار النافية للبأس عن لبسها أو المجوّزة له (٦).
ومنها : استعمال الحنّاء للزينة.
__________________
(١) المفيد في المقنعة : ٣٩٧ ، السيّد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٦ ، النهاية : ٢٢١ ، الديلمي في المراسم : ١٠٦ ، القاضي في شرح الجمل : ٢١٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه ٢٠٢ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٤٦ ، ٥٤٧.
(٢) نسبه إليهما في المختلف : ٢٦٩.
(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٦ ـ ١٠٤٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٣ ـ ٦٠٨ ، الوسائل ١٢ : ٥١٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٣.
(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٦ ـ ١٠٤٦ ، الوسائل ١٢ : ٥١٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٥.
(٥) الفقيه ٢ : ٢١٦ ـ ٩٨٦ ، التهذيب ٥ : ٧١ ـ ٢٣٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٧٩ أبواب تروك الإحرام ب ٣٩ ح ٣.
(٦) كما في الوسائل ١٢ : ٤٧٦ ، ٤٧٨ أبواب تروك الإحرام ب ٣٨ و ٣٩.
فإنّه مكروه على الأظهر الأشهر ، كما صرّح به جماعة (١).
أمّا الجواز : فللأصل ، وصحيحة ابن سنان : عن الحنّاء ، فقال : « إنّ المحرم ليمسّه ويداوي به بعيره ، وما هو بطيب ، وما به بأس » (٢).
وجعلها مخصوصة بالتداوي ـ فلا يعمّ ما كان للزينة ـ غير جيّد ، لأنّ قوله : « يداوي » عطف على قوله « ليمسّه » من باب عطف الخاصّ على العام ، والمسّ أعمّ ، فيشمل مورد النزاع.
وأمّا المرجوحيّة : فللتعليلات المتقدّمة التي ذكرنا عدم صلاحها لإثبات الحرمة.
ورواية الكناني : امرأة خافت الشقاق وأرادت أن تحرم ، هل تخضّب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال : « ما يعجبني أن تفعل ذلك » (٣).
[ فإنّ « ما يعجبني » ] (٤) تدلّ على الكراهة قبل الإحرام ، فيلحق به بعده بالطريق الأولى.
خلافا للمحكيّ عن المختلف والشهيد الثاني ، فحرّماه (٥) ، وتبعهما بعض مشايخنا (٦) ، للتعليلات ، وهي ـ كما ذكرنا ـ عن إفادة التحريم قاصرة.
__________________
(١) منهم الطوسي في التهذيب ٥ : ٣٠٠ ، العلاّمة في الإرشاد ١ : ٣١٨ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٠٣.
(٢) الكافي ٤ : ٣٥٦ ـ ١٨ ، الفقيه ٢ : ٢٢٤ ـ ١٠٥٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠١٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٥١ أبواب تروك الإحرام ب ٢٣ ح ١.
(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٣ ـ ١٠٤٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٠ ـ ١٠٢٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨١ ـ ٦٠١ ، الوسائل ١٢ : ٤٥١ أبواب تروك الإحرام ب ٢٣ ح ٢.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في « ق » و « س » : فإنّها بنفي ، وفي « ح » : فإنها تبقى ، والأولى ما أثبتناه.
(٥) المختلف : ٢٦٩ ، المسالك ١ : ١١١.
(٦) انظر الرياض ١ : ٣٨١.
وكما يكره بعد الإحرام كذا يكره قبله حين إرادة الإحرام ، لرواية الكناني المتقدّمة ، وقيل : إذا بقي أثره (١) ، والرواية عن إفادة ذلك قاصرة.
ومنها : دخول الحمّام.
لرواية عقبة (٢) الواردة بالجملة الخبريّة القاصرة ـ لأجله ـ عن إفادة الحرمة ، مضافا إلى صحيحة ابن عمّار النافية للبأس عنه ، قال : « ولكن لا يتدلّك » (٣) ، وإلى انتفاء القول بالتحريم ، كما صرّح به في التذكرة وقال : إجماع علمائنا على عدم التحريم (٤).
ومنها : دلك الجسد في الحمّام.
للصحيحة المذكورة ، بل مطلقا ، لصحيحة يعقوب بن شعيب (٥).
ومنها : تلبية المنادي.
بأن يقول في جواب من ناداه : لبّيك ، لصحيحة حمّاد (٦) ، ومرسلة الصدوق (٧) ، وفي الأولى : « يقول : يا سعد ».
وظاهرها وإن كان التحريم ـ كما هو ظاهر الشيخ في بعض كتبه (٨) ـ
__________________
(١) انظر الرياض ١ : ٣٨١.
(٢) التهذيب ٥ : ٣٨٦ ـ ١٣٤٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٧٦ ح ٢.
(٣) التهذيب ٥ : ٣١٤ ـ ١٠٨١ و ٣٨٦ ـ ١٣٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١١ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٧ أبواب تروك الإحرام ب ٧٦ ح ١.
(٤) التذكرة ١ : ٣٤٤.
(٥) الفقيه ٢ : ٢٣٠ ـ ١٠٩٣ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٣٥ أبواب تروك الإحرام ب ٧٥ ح ١.
(٦) الكافي ٤ : ٣٦٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨٦ ـ ١٣٤٨ ، الوسائل ١٢ : ٥٦١ أبواب تروك الإحرام ب ٩١ ح ١.
(٧) الفقيه ٢ : ٢١١ ـ ٩٦٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٦١ أبواب تروك الإحرام ب ٩١ ح ٢.
(٨) التهذيب ٥ : ٣٨٦.
إلاّ أنّ شذوذ القول به ومعارضتها لما رواه الصدوق : « ولا بأس أن يلبّي المجيب » (١) أوجب الحمل على الكراهة.
ومنها : استعمال الرياحين.
فإنّه مكروه على الأظهر ، وفاقا للإسكافي ، والشيخ والحلّي والمحقّق والفاضل في أكثر كتبه (٢) ، وجمع من المتأخّرين (٣).
أمّا الجواز : فللأصل السالم عمّا يصلح للمعارضة كما يأتي.
وأمّا المرجوحيّة : فلصحيحة حريز (٤) ومرسلته (٥) السابقتين في مسألة الطيب ، وصحيحة ابن سنان : « لا تمسّ ريحانا وأنت محرم » (٦).
خلافا للمحكيّ عن المفيد والمختلف ، فحرّماه (٧) ، واختاره في المدارك (٨) وبعض مشايخنا (٩) ، للصحيحين والمرسلة.
ويجاب بقصورها عن إفادة الحرمة ، لاحتمال إرادة مطلق المرجوحيّة.
ولا ينافي اشتمال بعضها على الطيب أيضا وهو محرّم ، فيجب الحمل
__________________
(١) الفقيه ٢ : ٢١١ ـ ٩٦٣ ، الوسائل ١٢ : ٣٨٨ أبواب الإحرام ب ٤٢ ح ٢ ، وفيهما : « الجنب » بدل : « المجيب ».
(٢) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٦٨ لكنه صريح في الحرمة ، واختارها العلاّمة أيضا ، الشيخ في النهاية : ٢١٩ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٤٥ ، المحقّق في الشرائع : ٢٥٢ ، الفاضل في الإرشاد ١ : ٣١٨ ، التبصرة : ٦٣ ، التذكرة ١ : ٣٤٤.
(٣) كالشهيد في الدروس ١ : ٣٨٨ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٠٣ ، كاشف الغطاء : ٤٥٢.
(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٧ ـ ١٠٠٧ ، الاستبصار ٢ : ١٧٨ ـ ٥٩١ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٥ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١١.
(٥) الكافي ٤ : ٣٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٦.
(٦) الكافي ٤ : ٣٥٥ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٤٣ أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٣.
(٧) المفيد في المقنعة : ٤٣٢ ، المختلف : ٢٦٨.
(٨) المدارك ٧ : ٣٨٠.
(٩) انظر الرياض ١ : ٣٨١.
فيهما على معنى واحد ، لئلاّ يلزم استعمال اللفظ في المعنيين.
لجواز كون ذلك الواحد هو مطلق المرجوحيّة ، ولا بعد فيه ، مع أنّ في تحريم مطلق الطيب أيضا نظرا كما مرّ.
مع أنّه على فرض الدلالة يعارض بصحيحة ابن عمّار : « لا بأس أن تشمّ الإذخر والقيصوم والخزامى والشيخ وأشباهه وأنت محرم » (١).
إلاّ أنّ التعارض ليس كلّيا ، بل إنّما هو في أمور معدودة لا بعد في استثنائها.
وأمّا لفظ « أشباهه » فليس صريحا في المشابهة في صدق اسم الريحان ، فلعلّه في عسر التحرّز عنه ممّا يثبت في براري الحرم ، ولكنّ الأمر بعد قصور دلالة المحرّم في ذلك سهل.
ومنها : الاحتباء.
وهو : أن يضمّ الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشدّه عليهما وقد يكون باليدين ، صرّح بكراهته في الدروس (٢) ، لرواية حمّاد بن عثمان : « يكره الاحتباء للمحرم في مسجد الحرام » (٣).
ومنها : المصارعة.
حكم بكراهتها للمحرم في الدروس (٤) ، وهو كذلك ، لصحيحة علي (٥) ، والله العالم.
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٥٥ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٧ ، التهذيب ٥ : ٣٠٥ ـ ١٠٤١ ، الوسائل ١٢ : ٤٥٣ أبواب تروك الإحرام ب ٢٥ ح ١.
(٢) الدروس ١ : ٣٨٨.
(٣) الكافي ٤ : ٣٦٦ ـ ٨ ، الوسائل ١٢ : ٥٦٢ أبواب تروك الإحرام ب ٩٣ ح ١ ، بتفاوت يسير.
(٤) الدروس ١ : ٣٨٨.
(٥) الكافي ٤ : ٣٦٧ ـ ١٠ ، الوسائل ١٢ : ٥٦٣ أبواب تروك الإحرام ب ٩٤ ح ٢.
الفصل الثاني
في الفعل الثاني من أفعال العمرة ، وهو الطواف
وهو واجب في كلّ من العمرة والحجّ بأقسامهما إجماعا ، بل ضرورة ، بل هو جزء حقيقتهما ، كما تنصّ عليه المستفيضة المتقدّمة في بيان كيفية الحجّ والعمرة وأقسامهما.
والكلام : إمّا في مقدماته ، أو كيفيّته ، أو أحكامه ، فهاهنا أبحاث :
البحث الأول
في مقدّماته
فهي إمّا واجبة أو مستحبّة ، فهاهنا مقامان :
المقام الأول : في واجباته ، وهي أمور :
منها : الطهارة من الحدث في الطواف الواجب.
ووجوبها واشتراطها فيه ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب ، كما صرّح به جماعة (١) ، بل عليه الإجماع محقّقا ومحكيّا (٢) ، وهو الحجّة فيه وإن كان إثباته من الأخبار مشكلا ، لأنّها بين الدالّة على اعتبارها في مطلق الطواف بالجملة الخبريّة القاصرة عن إفادة الوجوب ، كصحاح رفاعة (٣)
__________________
(١) منهم الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٠ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٢٦.
(٢) كما في المنتهى ٢ : ٦٩٠ ، والحدائق ١٦ : ٨٣ ، والرياض ١ : ٤٠٤.
(٣) التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥١٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٣ أبواب السعي ب ١٥ ح ٢.
ومحمّد (١) وجميل (٢) وروايتي زرارة (٣) وأبي حمزة (٤) ومرسلة ابن أبي عمير (٥) ، الواردة فيمن أحدث في أثناء الطواف.
وبين دالّة على اعتبارها في الفريضة بمفهوم الوصف ـ الذي ليس بحجّة ـ كإحدى روايات عبيد (٦).
وبين النافية للاعتداد بالطواف مطلقا على غير طهارة ، كصحيحة علي (٧) ورواية زرارة ، والمثبتة للبأس بالمفهوم في الطواف كذلك على غير وضوء ، كصحيحة ابن عمّار (٨) ، والفارقة بمفهوم الشرط بين الفريضة والنافلة في انتفاء الإعادة ، كالرواية الأخرى من روايات عبيد (٩).
المعارضة جميعا مع رواية الشحّام : في رجل طاف بالبيت على غير وضوء ، قال : « لا بأس » (١٠).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٥٠ ـ ١٢٠٢ ، التهذيب ٥ : ١١٦ ـ ٣٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ ـ ٧٦٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٤ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٣.
(٢) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٦.
(٣) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١١٦ ـ ٣٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢١ ـ ٧٦٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٥ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٥.
(٤) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٦ ـ ٣٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ ـ ٧٦٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٦.
(٥) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٨ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٨ أبواب الطواف ب ٤٠ ح ١.
(٦) الفقيه ٢ : ٢٥٠ ـ ١٢٠٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٤ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٢.
(٧) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١١٧ ـ ٣٨١ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ ـ ٧٦٥ ، قرب الإسناد : ٢٣٤ ـ ٩١٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٥ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٤.
(٨) الفقيه ٢ : ٢٥٠ ـ ١٢٠١ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٤ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ١.
(٩) التهذيب ٥ : ١١٧ ـ ٣٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ ـ ٧٦٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٩.
(١٠) التهذيب ٥ : ٤٧٠ ـ ١٦٤٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٧ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ١٠.
وحمل الأخيرة على السهو أو الفريضة ليس بأولى من حمل الأولى على الكراهة لو لا الإجماع ، مضافا إلى عدم دلالة الأوليين إلاّ على رجحان عدم الاعتداد ، والأخيرة إلاّ على تحقّق نوع فرق ، ولعلّه استحباب الإعادة في الفريضة.
وأمّا المندوب ، فلا ينبغي الريب في عدم اشتراطها فيه ، كما هو المشهور ، لخصوص الأخبار ، كصحيحتي محمّد وحريز (١) ، وقويّة عبيد (٢) ، وموثّقتي عبيد (٣) ، الخالية عن المعارض المخصوص ، اللازم تخصيص العمومات بها.
خلافا للمحكيّ عن الحلبي (٤) ، ولعلّه للإطلاقات. وجوابه ظاهر.
ويستباح بالترابيّة مع تعذّر المائيّة ، لعموم البدليّة كما مرّ.
ومنها : إزالة النجاسة عن الثوب والبدن : فأوجبها الأكثر ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٥) ، له ..
وللنبويّ : « الطواف بالبيت صلاة » (٦).
ولموثّقة يونس بن يعقوب : عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف ، قال : « ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم [ فيعرفه ] ، ثمَّ يخرج فيغسله ، ثمَّ يعود فيتمّ طوافه » (٧) ، وقريبة منها الأخرى (٨).
__________________
(١) التهذيب ٥ : ١١٨ ـ ٣٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٧.
(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٠ ـ ١٢٠٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٤ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٢.
(٣) التهذيب ٥ : ١١٧ ـ ٣٨٢ و ٣٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ ـ ٧٦٦ و ٧٦٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٨ و ٩.
(٤) الكافي في الفقه : ١٩٥.
(٥) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.
(٦) سنن الدارمي ٢ : ٤٤.
(٧) التهذيب ٥ : ١٢٦ ـ ٤١٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.
(٨) الفقيه ٢ : ٢٤٦ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ١.
والأول : غير حجّة.
والثاني : غير دال ، لمنع اقتضاء التشبيه المساواة من جميع الجهات.
والثالث : وإن كان ـ على ما في النهاية (١) ـ واردا بطريق الأمر الدالّ على الوجوب ، دون ما في التهذيب (٢) ، إلاّ أنّه ـ مع ذلك الاختلاف الموهن للدلالة على الوجوب ـ معارض بمرسلة البزنطي التي هي في حكم الصحيح : رجل في ثوبه دم ممّا لا يجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه ، فقال : « أجزأه الطواف فيه ، ثمَّ ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر » (٣).
وحمل الثانية على الجهل ليس بأولى من حمل الأولى على الاستحباب ، ولذا قال الإسكافي وابن حمزة والمدارك والذخيرة والكفاية بعدم الوجوب والاشتراط (٤) ، وحكاه بعضهم عن جماعة من المتأخّرين (٥) ، وهو الأقرب ، لما مرّ بضميمة الأصل.
ولو قلنا بالوجوب لاتّجه عدم التفرقة بين المعفوّ في الصلاة وغيره ، لإطلاق الدليل.
ومنها : الختان للرجل.
عند الأكثر كما صرّح به جمع ممّن تأخّر (٦) ، وظاهر المنتهى الاتّفاق
__________________
(١) النهاية : ٢٤٠.
(٢) التهذيب ٥ : ١٢٦.
(٣) الفقيه ٢ : ٣٠٨ ـ ١٥٣٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٦ ـ ٤١٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ٣.
(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٩١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٧٣ ، المدارك ٨ ـ ١١٧ ، الذخيرة : ٦٢٦ ، الكفاية : ٦٦.
(٥) انظر الرياض ١ : ٤٠٤.
(٦) المدارك ٨ : ١١٧ ، الذخيرة : ٦٢٧ ، الرياض ١ : ٤٠٥.
عليه (١) ، فإن ثبت ذلك فهو ، وإلاّ ففي إثبات وجوبه واشتراطه من الأخبار (٢). إشكال ، حيث إنّها بين أخبار كلّها واردة بالجملة الخبريّة ، ولذا تأمّل فيه في الذخيرة والكفاية (٣) وفاقا للمحكيّ عن الحلّي (٤) ، وهو في موقعه جدّا.
والأصل مع العدم ، والاحتياط مع الثبوت للرجل خاصّة ، لاختصاص الفتاوى والأخبار به ، بل تصريحهما بنفيه في المرأة.
وعلى ما ذكرنا لا إشكال في انتفاء الاشتراط في الصبيّ والخنثى وغير المتمكّن والناسي أيضا ، لعدم ثبوت الإجماع في شيء منهم قطعا ، مضافا في الجميع إلى الندرة الموجبة لخروجهم عن الإطلاقات ، وفي الأول إلى خروجه من الأخبار أيضا ، لأنّها بين خاصّ بالرجل ومثبت للتكليف الغير المتوجّه إلى الصبي.
ومنها : ستر العورة.
وحكي اعتباره عن الشيخ وابن زهرة (٥) ، وعدّة من كتب العلاّمة (٦) ، لعموم التشبيه ، والمرويّ في تفسير القمّي عن مولانا الرضا ، قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أمرني عن الله أن لا يطوف بالبيت عريان » (٧).
وفي تفسير العيّاشي ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ،
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٦٩٠.
(٢) الوسائل ١٣ : ٣٥٩ أبواب الطواف ب ٣٣.
(٣) الذخيرة : ٦٢٧ ، الكفاية : ٦٦.
(٤) حكاه عنه الشهيد في الدروس ١ : ٣٩٣ ، وانظر السرائر ١ : ٥٧٤.
(٥) الشيخ في الخلاف ٢ : ٣٢٢ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٨.
(٦) كالمنتهى ٢ : ٦٩٠ ، والتذكرة ١ : ٣٦١.
(٧) تفسير القمي ١ : ٢٨٢ ، الوسائل ٣ : ٤٠٠ أبواب الطواف ب ٥٣ ح ٢.
قال : « لا يطوفنّ بالبيت مشرك ولا عريان » (١) ، ومثله العامّي المروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم (٢).
خلافا لظاهر الأكثر ـ حيث لم يذكروه ـ وصريح جمع من المتأخّرين ، وهو الأظهر ، لمنع عموم التشبيه ، وضعف الروايات سندا ودلالة ، لخلوّها عن الأمر.
وأمر النبيّ الوليّ صلوات الله عليهما عن الله أن لا يطوف إلى آخره ، يحتمل أن يكون المراد الأمر بذلك القول ، فلا يفيد الوجوب إلاّ إذا كان أصل القول مفيدا له ، وليس هنا كذلك.
المقام الثاني : في مقدّماته المستحبّة. وهي أيضا أمور ، إلاّ أنّ أكثرها ليست مستحبّة للطواف من حيث هو ، بل لمقدّماته ، التي هي : دخول الحرم ومكّة والمسجد وتقبيل الحجر ، ولمّا كانت هذه الأفعال إمّا لأجل الطواف خاصّة أو ابتداء عدّت هذه الأمور من مقدّماته المستحبّة.
فمنها : الغسل ، والمستفاد من الأخبار استحباب ثلاثة أغسال : واحد لدخول الحرم ، وآخر لدخول مكّة ، وثالث للطواف.
فممّا يدلّ على الأول : رواية أبان بن تغلب : فلمّا انتهى إلى الحرم نزل واغتسل وأخذ نعليه بيديه ، ثمَّ دخل الحرم حافيا ، فصنعت مثل ما صنع ، فقال : « يا أبان ، من صنع مثل ما رأيتني صنعت تواضعا الله محي الله عنه مائة ألف سيئة ، وكتب له مائة ألف حسنة ، وبنى الله عزّ وجلّ له مائة
__________________
(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٨٢ ، صحيح البخاري ٢ : ١٨٨.
(٢) تفسير العياشي ٢ : ٧٤ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٠ أبواب الطواف ب ٥٣ ح ٣ ، وفيهما : لا يطوفنّ بالبيت عريان.
ألف درجة ، وقضى له مائة ألف حاجة » (١).
والحذّاء : فلمّا انتهى إلى الحرم اغتسل وأخذ نعليه بيديه ، ثمَّ مشى في الحرم ساعة (٢).
وصحيحة ابن عمّار : « إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء الله فاغتسل حين تدخله ، وإن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخّ أو من منزلك بمكّة » (٣).
وممّا يدلّ على الثاني موثّقة محمّد الحلبي : « فينبغي للعبد ان لا يدخل مكّة إلاّ وهو طاهر وقد غسل عرقه والأذى وتطهّر » (٤).
وصحيحة الحلبي : أمرنا أبو عبد الله عليهالسلام أن نغتسل من فخّ قبل أن ندخل مكّة (٥).
والبجلي : عن الرجل يغتسل لدخول مكّة ثمَّ ينام فيتوضّأ قبل أن يدخل ، أيجزئه ذلك أو يعيد؟ قال : « لا يجزئه ، لأنّه إنّما دخل بوضوء » (٦).
ولا فرق في الدلالة بين أن تجعل لفظة : « لا » نفيا للإعادة أو للإجزاء ، مع
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٩٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٩٧ ـ ٣١٧ ، المحاسن : ٦٧ ـ ١٢٩ ، الوسائل ١٣ : ١٩٥ أبواب مقدّمات الطواف ب ١ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٣٩٨ ـ ٢ ، الوسائل ١٣ : ١٩٦ أبواب الطواف ب ١ ح ٢.
(٣) الكافي ٤ : ٤٠٠ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٩٧ ـ ٣١٩ ، الوسائل ١٣ : ١٩٧ أبواب مقدّمات الطواف ب ٢ ح ٢.
(٤) الكافي ٤ : ٤٠٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٨ ـ ٣٢٢ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٠ أبواب مقدّمات الطواف ب ٥ ح ٣.
(٥) الكافي ٤ : ٤٠٠ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٩٩ ـ ٣٢٣ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٠ أبواب مقدّمات الطواف ب ٥ ح ١.
(٦) الكافي ٤ : ٤٠٠ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٩٩ ـ ٣٢٥ ، الوسائل ١٣ : ٢٠١ أبواب مقدّمات الطواف ب ٦ ح ١.
أنّ الظاهر من صحيحة أخرى له ـ تأتي في غسل طواف الحجّ ـ أنّه نفي للإجزاء.
ورواية عجلان : « إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل واخلع نعليك وامش حافيا وعليك السكينة والوقار » (١).
وممّا يدلّ عليه الثالث : صحيحة عليّ بن أبي حمزة : « إن اغتسلت بمكّة ثمَّ نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك » (٢).
وقد زاد الفاضل (٣) وجمع آخر (٤) رابعا ، هو : الغسل لدخول المسجد ، ولا شاهد له من الاخبار ، إلاّ أنّ فتواهم تكفي لإثباته ، لأنّه مقام التسامح ، ويحتمل أن يكون الغسل المأمور به من منزله بمكّة في صحيحة ابن عمّار لأجله.
ومن جميع ما ذكر ظهر فساد ما في المدارك من أنّ مقتضى هذه الأخبار : استحباب غسل واحد إمّا قبل دخول الحرم أو بعده (٥) ، وكأنّ نظره إلى قوله في صحيحة ابن عمّار : « وإن تقدّمت » إلى آخره.
ولا يخفى أنّه لا منافاة فيها لما ذكرنا ، لجواز أن يكون المراد : إن تقدّمت ولم تغتسل لدخول الحرم فاغتسل لدخول مكّة أو للطواف ، لا أنّه يتخيّر أولا في ذلك.
وكذا لا تنافيه صحيحة ذريح : عن الغسل في الحرم قبل دخوله أو
__________________
(١) الكافي ٤ : ٤٠٠ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٩٩ ـ ٣٢٤ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٠ أبواب مقدّمات الطواف ب ٥ ح ٢.
(٢) الكافي ٤ : ٤٠٠ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٩٩ ـ ٣٢٦ ، الوسائل ١٣ : ٢٠٢ أبواب مقدّمات الطواف ب ٦ ح ٢.
(٣) المنتهى ٢ : ٦٨٩.
(٤) كالمحقّق في الشرائع ١ : ٢٦٦ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٩ ، وصاحب الحدائق ١٦ : ٨٠.
(٥) المدارك ٨ : ١٢١.
بعد دخوله ، قال : « لا يضرّك أيّ ذلك فعلت ، وإن اغتسلت بمكّة فلا بأس ، وإن اغتسلت في بيتك حين تنزل بمكّة فلا بأس » (١) ، لعدم ضرر ولا بأس في ترك المندوب.
ثمَّ لا يخفى أنّ المستفاد من تلك الأخبار استحباب الإتيان بهذه الأفعال مغتسلا ، فلا يلزم قصد الغاية في كلّ غسل ، كما مرّ في بحث النيّة من الوضوء والغسل ، ولا يخفى أيضا أنّ تعدد الغسل إنّما هو إذا لم يكن على غسله السابق ، وإلاّ فيكفي ، للتداخل.
ومنها : مضغ شيء من الإذخر ـ ليطيّب به رائحة الفم ـ حين إرادة دخول الحرم أو بعده ، لصحيحة ابن عمّار (٢) ، ورواية أبي بصير (٣).
ومنها : أن يدخل مكّة من أعلاها ، لموثّقة يونس (٤) ، والتأسّي بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (٥).
والأقرب اختصاص ذلك بمن أتاها من طريق المدينة ، كما عن المقنعة والتهذيب والمراسم والوسيلة والسرائر والمنتهى والتحرير والتذكرة (٦) ،
__________________
(١) الكافي ٤ : ٣٩٨ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٩٧ ـ ٣١٨ ، الوسائل ١٣ : ١٩٧ أبواب مقدّمات الطواف ب ٢ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٣٩٨ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ١٩٨ أبواب مقدمات الطواف ب ٣ ح ١.
(٣) الكافي ٤ : ٣٩٨ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٩٨ ـ ٣٢٠ ، الوسائل ١٣ : ١٩٨ أبواب مقدمات الطواف ب ٣ ح ٢.
(٤) الكافي ٤ : ٣٩٩ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٩٨ ـ ٣٢١ ، الوسائل ١٣ : ١٩٩ أبواب مقدّمات الطواف ب ٤ ح ٢.
(٥) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، الوسائل ١٣ : ١٩٨ أبواب مقدّمات الطواف ب ٤ ح ١.
(٦) المقنعة : ٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٩٨ ، المراسم : ١٠٩ ، الوسيلة : ١٧٤ ، السرائر ١ : ٥٧٠ ، المنتهى ٢ : ٦٨٨ ، التحرير ١ : ٩٧ ، التذكرة ١ : ٣٦٠.