أحمد بن محمّد مهدي النّراقي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
الصفحات: ٤١٦
لا معين له ، ومع ذلك قيّد بما بعد ثلاثة أيّام ، وهو أيضا ممّا يفتح بابا اخرى.
وأمّا الثانية ، ففيها عدم تعيّن محلّ الإخراج ولا من يخرجه.
وأمّا الثالثة ، ففيها ما مرّ.
وأمّا الرابعة والخامسة ، ففيهما : أنّ التزوّد غير الإخراج ، فقد يتزوّد ولا يخرج ، وقد يخرج من غير التزوّد ويهديه لمن في غير منى ، ومع ذلك تتضمّنان الأضحية ، وشمولها للهدي غير معلوم.
وأمّا السادسة ، ففيها ما مرّ في الاولى من ورودها في الحرم ، ومع ذلك يدلّ صدرها على جواز إخراج شيء ينتفع به ، وهو بإطلاقه يشمل اللحم ، وآخره لم يقطع بكونه من أحمد نفسه أو من الإمام.
هذا كلّه ، مع ما لتلك الأخبار من المعارض ، وهو صحيحة محمّد : عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، فقال : « كنّا نقول : لا يخرج منها شيء ، لحاجة الناس إليه ، وأمّا اليوم فقد كثير الناس فلا بأس بإخراجه » (١).
هذا في اللحوم.
وأمّا الجلود وغيرها من الأجزاء ـ كالأطراف والأمعاء والشحم والقرن وغيرها ـ فظاهر بعض المحرّمين في اللحم التحريم فيها أيضا (٢).
وعن الشهيد الثاني التصريح به (٣) ، واستدلّ له ببعض الأخبار الآمرة بالتصدّق بطائفة من هذه الأشياء والناهية عن إعطائها الجزّارين (٤).
وهو غريب ، لأنّ كلاّ منها غير الإخراج ، ومع ذلك صرّح في المرسلة
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٠٠ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٢٧ ـ ٧٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٧ ، الوسائل ١٤ : ١٧٢ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٥.
(٢) كما في الشرائع ١ : ٢٦٠.
(٣) المسالك ١ : ١١٥.
(٤) الوسائل ١٤ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٤٣.
والموثّقة المتقدّمتين بجواز إخراج الجلد والسنام ، فالحقّ : الجواز.
ولا تنافيه صحيحة محمّد : عن اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال : « لا يخرج منه شيء إلاّ السنام بعد ثلاثة أيّام » (١) ، لأنّ الظاهر رجوع الضمير إلى اللحم ، مع أنّه لا يثبت أزيد من المرجوحيّة ، ولو سلّم يجب الحمل عليها ، لما مرّ.
والظاهر عدم جواز إعطاء الجلود ولا شيئا آخر الجزّار والسلاّخ ، للنهي عنه في صحيحة البختري (٢) ، ورواية ابن عمّار (٣) ، ورواية سليمان بن جعفر : « وإنّما يجوز للرجل أن يدفع الأضحية إلى من يسلخها بجلدها ، لأنّ الله تعالى قال ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا ) ، والجلد لا يؤكل ولا يطعم ، ولا يجوز ذلك في الهدي » (٤).
وهل المنع يختصّ بالإعطاء أجرة ، أو مطلقا؟
ظاهر الإطلاق : الثاني.
وقيّده جماعة بالأول (٥) ، ولعلّه لكونه الظاهر من المنع.
وفيه : منع ظاهر ، وأمر الاحتياط واضح ، والله العالم.
المقام الخامس : في العجز عن الهدي وبيان بدله ، وفيه مسائل :
المسألة الاولى : من أحرم بالتمتّع ولم يكن له هدي ولا ثمنه الذي
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٢٦ ـ ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٤ ـ ٩٧٤ ، الوسائل ١٤ : ١٧١ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ١.
(٢) الكافي ٤ : ٥٠١ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ١.
(٣) الكافي ٤ : ٥٠١ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٢.
(٤) الفقيه ٢ : ١٢٩ ـ ٥٥٠ ، الوسائل ١٤ : ١٧٥ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٧ ، ورويت فيهما مرسلة.
(٥) انظر الخلاف ٢ : ٥٣٥ ، كشف اللثام ١ : ٣٧١.
يشتريه يجب عليه الانتقال إلى بدله ، وهو صوم عشرة أيّام ، بالكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، ثلاثة وسبعة ، وتلك عشرة كاملة.
المسألة الثانية : يجب أن تكون الثلاثة الأيّام في الحج ـ أي في شهره ـ وهو هنا : ذو حجّته الذي يحجّ فيه ، بلا خلاف أجده.
وتدلّ عليه صحيحة رفاعة ، وفيها : « إنّا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عزّ وجلّ ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) ، نقول في ذي الحجّة » (١).
وفي صحيحة البجلي ـ بعد السؤال عنه عن قوله تعالى ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) ـ : « كان جعفر عليهالسلام يقول : ذو الحجّة كلّه من أشهر الحجّ » (٢).
وفي صحيحة منصور : « من لم يصم في ذي الحجّة حتى يهلّ هلال المحرّم فعليه دم شاة وليس له صوم ، ويذبحه بمنى » (٣).
ويجب فيها التتابع ، بإجماعنا المصرّح به في كلام جماعة (٤).
وتدلّ عليه موثّقة إسحاق : « لا تصم الثلاثة الأيّام متفرّقة » (٥) ، ونحوها الصحيح المرويّ في قرب الإسناد (٦).
__________________
(١) الكافي ٤ : ٥٠٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ١١٤ ، الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١ ، والآية : البقرة : ١٩٦.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٠ ـ ٧٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٨ ـ ٩٨٨ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٤.
(٣) الكافي ٤ : ٥٠٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٩ ـ ١١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٨ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٤ : ١٨٥ أبواب الذبح ب ٤٧ ح ١.
(٤) كما في المنتهى ٢ : ٧٤٣ ، الحدائق ١٧ : ١٣٠ ، الرياض ١ : ٣٩٦.
(٥) التهذيب ٥ : ٢٣٢ ـ ٧٨٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٠ ـ ٩٩٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩٨ أبواب الذبح ب ٥٣ ح ١.
(٦) قرب الإسناد : ١٧ ـ ٥٦ ، الوسائل ١٤ : ١٨٢ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٤.
ورواية عليّ بن الفضل الواسطي المضمرة : « إذا صام المتمتّع يومين لا يتابع اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيّام في الحجّ ، فليصم بمكّة ثلاثة أيّام متتابعات ، فإن لم يقدر ولم يقم عليه الجمّال فليصمها في الطريق ، أو إذا قدم علي أهله صام عشرة أيّام متتابعات » (١).
ويستثنى من وجوب التتابع فيه : إذا صام يومي التروية وعرفة ، فيأتي بالثالث بعد التشريق ، حكي ذلك عن الشيخ والحلّي (٢) ، وجماعة (٣) ، واختاره في الشرائع (٤) ، وفي المدارك : أنّه المشهور بين الأصحاب (٥) ، وعن الحلّي : الإجماع عليه ، وهو الأظهر.
لموثّقة الأزرق : عن رجل قدم يوم التروية متمتّعا وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يصوم يوما آخر بعد أيّام التشريق » (٦).
ورواية البجلي : فيمن صام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : « يجزئه أن يصوم يوما آخر » (٧).
وعورضتا بروايات أخر مصرّحة : بأنّ من فاته ذلك لا يصوم اليومين
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٣١ ـ ٧٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩ ـ ٩٩٣ ، الوسائل ١٤ : ١٩٦ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٤ ، وفي قرب الإسناد : ٣٩٤ ـ ١٣٨١ عن أبي الحسن عليهالسلام.
(٢) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٧٠ ، والنهاية : ٢٥٥ ، الحلّي في السرائر ١ : ٥٩٣.
(٣) منهم الشهيد في الدروس ١ : ٤٤١ ، المحقق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ٢٣٨ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٩٦.
(٤) الشرائع ١ : ٢٦٢.
(٥) المدارك ٨ : ٥٠.
(٦) الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ١٥٠٥ ، التهذيب ٥ : ٢٣١ ـ ٧٨١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩ ـ ٩٩٢ ، الوسائل ١٤ : ١٩٦ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٢.
(٧) التهذيب ٥ : ٢٣١ ـ ٧٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩ ـ ٩٩١ ، الوسائل ١٤ : ١٩٥ أبواب الذبح ب ٥٢ ح ١.
بل يصوم بعد ذلك (١) ، ولا تعارضهما عند التحقيق ، لأنّها بين واردة بالجملة الخبريّة التي لا تفيد أزيد من المرجوحيّة ، وآمرة بصوم أيّام التشريق أو يوم الحصبة وما بعده ، ولا يمكن حمل الأمر فيها على الوجوب ، لجواز التأخير.
نعم ، تعارضهما رواية الواسطي المتقدّمة ، ولكنّها أعمّ مطلقا منهما ، لأعميّة اليومين من التروية وعرفة ، فيتعيّن التخصيص ، ولكن لا شكّ أنّ الأحوط تأخير الثلاثة عن يوم النحر.
ولو فاته يوم التروية لا يصوم عرفة ويومين بعد النحر ، لوجوب التتابع ، خرج ما إذا أدرك التروية وعرفة بما مرّ ، فيبقى الباقي.
وهل يجب كون الثلاثة في الثلاثة الأيّام التي قبل يوم النحر اختيارا ، كما هو ظاهر الحلّي؟
قال في السرائر : فالثلاثة الأيّام : يوم قبل يوم التروية ويوم تروية ويوم عرفة ، فإن فاته صوم هذه الأيّام صام يوم الحصبة.
وقال أيضا فيما بعد ذلك : أجمعوا على أنّه لا يجوز الصيام إلاّ يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، وقبل ذلك لا يجوز (٢).
وهو ـ كما ترى ـ ظاهر في دعوى الإجماع على ذلك ، وحكي الإجماع عليه عن ظاهر التبيان أيضا (٣) ، وظاهر بعضهم حكاية القول به عن جمع آخر أيضا (٤).
__________________
(١) أنظر الوسائل ١٤ : ١٩٥ أبواب الذبح ب ٥٢.
(٢) السرائر ١ : ٥٩٢ ـ ٥٩٤.
(٣) التبيان ٢ : ١٦٠.
(٤) كالمختلف : ٣٠٥.
أو يستحبّ ، كما صرّح به جماعة (١)؟
بل في الذخيرة : أنّه يجوز تأخيرها ، فيصوم طول ذي الحجّة ، لا أعلم فيه خلافا بين أصحابنا ، وهو قول أكثر العامّة ، وحكى المصنّف عن بعض العامّة قولا بخروج وقتها بمضيّ عرفة ، وهو ضعيف (٢). انتهى.
ويمكن الجمع : إمّا بحمل الأول على جعل الثلاثة المتّصلة (٣) أول وقت الجواز.
أو بحمل الثاني على بقاء الوقت الاختياري ، وإن وجبت المبادرة عند جماعة في الثلاثة المتّصلة (٤).
وكيف كان ، تدلّ على الأول أخبار كثيرة ، أكثرها وإن لم يثبت سوى رجحان الثلاثة المذكورة ـ كالصحاح الأربع لرفاعة (٥) وابن عمّار (٦) والعيص (٧) وحمّاد (٨) ، ومرسلة الفقيه (٩) ، وروايتي يونس (١٠) والبجلي (١١) ـ
__________________
(١) كالمنتهى ٢ : ٧٤٣ ، الدروس ١ : ٤٤٠ ، الحدائق ١٧ : ١٢٤.
(٢) الذخيرة : ٦٧٣.
(٣) كشف اللثام ١ : ٣٦٤ ، وانظر الرياض ١ : ٣٩٧.
(٤) كشف اللثام ١ : ٣٦٤ ، وانظر الرياض ١ : ٣٩٧.
(٥) المتقدمة في ص : ٣٤٣.
(٦) الكافي ٤ : ٥٠٧ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩ ـ ١١٥ ، الوسائل ١٤ : ١٧٩ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤.
(٧) الكافي ٤ : ٥٠٨ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ١٧٩ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٣.
(٨) قرب الإسناد : ١٧ ـ ٥٦ ، الوسائل ١٤ : ١٨٢ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٤.
(٩) الفقيه ٢ : ٣٠٢ ـ ١٥٠٤ ، الوسائل ١٤ : ١٨٢ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٤.
(١٠) التهذيب ٤ : ٢٣١ ـ ٦٧٩ ، الوسائل ١٠ : ٢٠١ ، أبواب من يصح منه الصوم ب ١١ ح ٣.
(١١) التهذيب ٥ : ٢٣٠ ـ ٧٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٨ ـ ٩٨٨ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٤.
ولكن يمكن إثبات الوجوب من بعضها ، كصحيحة البجلي : ما تقول في رجل تمتّع ولم يكن له هدي؟ قال : « يصوم الأيّام التي قال الله تعالى » إلى أن قال : وأيّ أيّام هي؟ قال : « قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة » الحديث (١).
فإنّ في تفسير الأيّام التي قال الله سبحانه بالثلاثة دلالة على تعيينها.
وصحيحة محمّد : « الصوم الثلاثة الأيام ، إن صامها فآخرها يوم عرفة ، فإن لم يقدر على ذلك فليؤخّرها حتى يصومها في أهله ولا يصومها في السفر » (٢).
ورواية القدّاح : « من فاته صيام الثلاثة الأيّام في الحجّ ، وهي قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، فليصم أيّام التشريق ، فقد اذن له » (٣).
إلاّ أنّه تعارضها صحيحة زرارة : « من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في العشر الأواخر فلا بأس » (٤) ، المؤيّدة ببعض عمومات أخر ، فهي قرينة على إرادة الرجحان من الروايات الأولى.
فإذن الأقوى هو : الاستحباب ، فيجوز تأخيرها اختيارا.
وهل تجب المبادرة إليها بعد التشريق ، فإن فات فليصم بعد ذلك ، كما نسب إلى ظاهر الأكثر (٥)؟
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٣٠ ـ ٧٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٨ ـ ٩٨٨ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٤.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٤ ـ ٧٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ١٤ : ١٨١ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٠.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٩ ـ ٧٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٧ ـ ٩٨٧ ، الوسائل ١٤ : ١٩٣ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٦.
(٤) الفقيه ٢ : ٣٠٣ ـ ١٥٠٨ ، الوسائل ١٤ : ١٨٢ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٣.
(٥) كشف اللثام ١ : ٣٦٥.
أو لا ، بل يجوز التأخير عنه اختيارا أيضا ما لم يخرج ذو الحجة؟
الظاهر : الثاني ، للأصل السليم عمّا يعارضه ، سوى أخبار كثيرة (١) قاصرة عن إفادة الوجوب ، لمكان الجملة الخبريّة ، أو المتضمّنة للأمر بصوم آخر أيّام التشريق ، الذي لا قائل بوجوبه ظاهرا ، بل تعارضها فيه أخبار كثيرة أخرى (٢) ، فيجوز صومها طول ذي الحجّة.
وهل يجوز صيام الثلاثة في أيّام التشريق كلاّ ، أو يجوز جعل أوله آخرها ـ أي يصوم يوم الحصبة ، وهو الثالث عشر ، ويومين بعده فلا يجوز الصوم في أيام منى خاصّة أو لا يجوز أصلا؟
الأول : محكيّ عن الإسكافي (٣) ، وله رواية القدّاح المتقدّمة ، ورواية إسحاق (٤).
والثاني : للصدوقين ونهاية الشيخ والحلّي والمدارك والذخيرة (٥) ، وجمع آخر (٦) ، ولهم الصحاح الأربع ، ومرسلة الفقيه ، المتقدّمة إليها جميعا الإشارة ، وصحيحة البجلي المتقدّم شطر منها.
والثالث : للشرائع (٧) ، وله رواية البجلي المتقدّمة إليها الإشارة ،
__________________
(١) الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٦.
(٢) كما في الوسائل ١٤ : ١٨٥ أبواب الذبح ب ٤٧.
(٣) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٤.
(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٩ ـ ٧٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٧ ـ ٩٨٦ ، الوسائل ١٤ : ١٩٣ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٥.
(٥) الصدوق في الفقيه ٢ : ٣٠٢ ، حكاه عن والده في المختلف : ٣٠٤ ، النهاية : ٢٥٥ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٩٢ ، المدارك ٨ : ٥١ ، الذخيرة ٦٧٣.
(٦) كصاحب الحدائق ١٧ : ١٣٤.
(٧) الشرائع ١ : ٢٦٢.
وصحيحتا ابن سنان (١) وابن مسكان (٢).
ومقتضى التحقيق : ردّ الأول ، لندرته وشذوذه فتوى ورواية ـ كما صرّح في التهذيبين (٣) ـ المانعين عن الحجّية ، والموجبين لمرجوحيّة الخبر عن معارضه ، ولموافقته العامّة كما صرّح به جماعة (٤).
وتشعر الروايتان بالتقية أيضا ، حيث نسبه الإمام عليهالسلام إلى عليّ عليهالسلام ، بل في مكاتبة ابن السرّاج المرويّة في صحيحة صفوان دلالة عليها أيضا (٥).
فيبقى الثانيان ، وأخبار الأخير أعمّ مطلقا من أخبار الثاني ، لأنّ الأول يعمّ جميع أيّام التشريق ، والثاني يختصّ بآخرها ، فتعيّن حمل الأخير على الأول (٦) ، ويشهد لذلك الحمل صحيحة صفوان المتضمّنة لمكاتبة ابن السرّاج ، وصحيحة البجلي المشار إليها ، وغيرهما.
فإذن الحقّ هو : القول الأوسط.
وكما يجوز تأخير صيام الثلاثة عن الأيّام الثلاثة المتّصلة بيوم النحر ، يجوز تقديمها عليها ما لم يتجاوز عن ذي الحجّة ، وفاقا للمشهور كما عن التنقيح (٧) ، لإطلاق الآية ، وتفسيرها في بعض الأخبار (٨) المتقدّمة بذي
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٢٨ ـ ٧٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ ـ ٩٨٣ ، الوسائل ١٤ : ١٩١ أبواب الذبح ب ٥١ ح ١.
(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٩ ـ ٧٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٧ ـ ٩٨٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب الذبح ب ٥١ ، ح ٢.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٧.
(٤) انظر الخلاف ٢ : ٢٧٥ ، والحدائق ١٧ : ١٣٥.
(٥) التهذيب ٥ : ٢٢٩ ـ ٧٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٧ ـ ٩٨٥ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٣.
(٦) أي الأول من الثانيين.
(٧) التنقيح ١ : ٤٩٣.
(٨) كصحيحتي رفاعة والبجلي المتقدمتين في ص ٣٤٣.
الحجّة.
وصحيحة زرارة : « من لم يجد ثمن الهدي فأحبّ أن يصوم الثلاثة الأيّام في أول العشر فلا بأس بذلك » (١).
وقريبة منها روايته ، وفيها : « فأحبّ أن يقدّم الثلاثة الأيّام في أول العشر » (٢).
وبهما يخرج ما ظاهره تعيّن الثلاثة المتّصلة عن ظاهره ، مع أنّك قد عرفت أنّه غير باق على ظاهره ، والتأخير إلى السابع أحوط.
ولا يجوز التقديم على ذي الحجّة ، لما مرّ.
ويجب أن يكون الشروع في الصوم بعد التلبّس بالمتعة إجماعا ، وهو الدليل عليه دون بعض التعليلات الغير التامّة ، ويدلّ عليه أيضا تعلّق الأمر بالصيام في الآية والأخبار (٣) على المتمتّع ، وصدقه قبل التلبّس به غير معلوم ، فلا يكون مأمورا به ، فلا يكون قبله صحيحا.
ويكفي التلبّس بالعمرة وفاقا للأكثر ، بل في صريح السرائر : الإجماع عليه (٤) ، للأصل ، والإطلاق.
واعتبر بعض الأصحاب التلبّس بالحجّ (٥) ، وتدفعه المستفيضة (٦) ، الدالّة على الأمر بصوم يوم قبل التروية مع استحباب الإحرام بالحجّ يوم التروية.
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٢٣٥ ـ ٧٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ ـ ١٠٠٥ ، الوسائل ١٤ : ١٨٠ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٨.
(٢) الكافي ٤ : ٥٠٧ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ١٧٩ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٢.
(٣) انظر الوسائل ١٤ : ١٧٨ ، ١٨٥ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤٧.
(٤) السرائر ١ : ٥٩٤.
(٥) كما في الدروس ١ : ٤٤٠.
(٦) الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٦.
وهل يجب أن يكون صيام الثلاثة في مكّة أو منى قبل الرجوع ـ كما قيّده بعضهم به (١) ـ إلاّ مع حصول عذر من نسيان أو عدم موافقة الرفقاء أو غيرهما؟
ظاهر الأصحاب ذلك ، ويمكن الاستدلال له ببعض مفاهيم الشرط الواردة في بعض الأخبار المشار إليها وفي غيرها أيضا.
وأمّا مع العذر فيجوز صومها في الطريق وبعد الرجوع إلى الأهل ، كما صرّح به في الأخبار (٢).
ولا يتعيّن صومها بعد الرجوع إلى الأهل ، كما في صحيحة محمّد (٣) ، لمعارضتها مع أخبار كثيرة مخالفة للعامّة.
فروع :
أ : من لم يصم الثلاثة حتى خرج ذو الحجّة سقط عنه الصوم وتعيّن عليه الهدي بمنى في القابل ، عند علمائنا وأكثر العامّة كما في المدارك (٤) ، وعن الخلاف وفي المفاتيح وشرحه : الإجماع عليه (٥) ، بل قيل : نقله جماعة.
واستدلّ له بصحيحة منصور المتقدّمة (٦) ، والأخرى : من لم يصمّ
__________________
(١) انظر النهاية : ٢٥٦ ، المنتهى ٢ : ٧٤٤.
(٢) الوسائل ١٤ : ١٨٥ أبواب الذبح ب ٤٧.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٤ ـ ٧٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ ـ ١٠٠٣ ، الوسائل ١٤ : ١٨١ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٠.
(٤) المدارك ٨ : ٥٥.
(٥) الخلاف ٢ : ٢٧٨ ، المفاتيح ١ : ٣٥٨.
(٦) الكافي ٤ : ٥٠٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٩ ـ ١١٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٨ ـ ٩٨٩ ، الوسائل ١٤ : ١٨٥ أبواب الذبح ب ٤٧ ح ١.
الثلاثة الأيّام في الحجّ حتى يهلّ الهلال ، فقال : « عليه دم يهريقه وليس عليه صيام » (١).
وصحيحة عمران الحلبي : عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيّام التي على المتمتّع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله ، قال : « يبعث بدم » (٢).
خلافا للمحكيّ عن التهذيب والمفيد ، فيصوم في الطريق أو البلد إن كان ترك الصوم لعائق أو نسيان (٣) ، واستحسنه في الذخيرة (٤).
للمستفيضة من الصحاح (٥) ، المصرّحة : بأنّ من فاته صومها بمكّة ـ لعدم القدرة أو عدم إقامة الجمّال أو الأصحاب ـ فليصمها في الطريق إن شاء ، وإن شاء إذا رجع إلى أهله ، من غير تقييد ببقاء ذي الحجّة وعدم خروجه ، بتقييد الأولين من دليل الأول بالناسي بشهادة الثالثة.
أقول : مقتضى هذا الجمع : إدخال التارك للصوم عمدا في المستفيضة وإيجاب الصوم عليه ، مع أنّه غير صحيح ، لاختصاص المستفيضة طرّا بوجود المانع ، فيبقى إطلاق الصحيحين الأولين في حقّ غير ذوي الأعذار بلا معارض ، ولا وجه لإخراجه عنهما.
فلا يبقى الريب في سقوط الصوم ووجوب الذبح على غير ذوي الأعذار ، ولا على الناسي ، للصحيحة الثالثة الخالية عن المعارض.
نعم ، يبقى الكلام في ذوي الأعذار ، والتعارض في حقّهم بين
__________________
(١) التهذيب ٤ : ٢٣١ ـ ٦٨٠.
(٢) الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ١٥١١ ، التهذيب ٥ : ٢٣٥ ـ ٧٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٣ ـ ١٠٠٤ ، الوسائل ١٤ : ١٨٦ أبواب الذبح ب ٤٧ ح ٣.
(٣) حكاه عنهما في الذخيرة : ٦٧٣. والرياض ١ : ٣٩٧ ، وانظر التهذيب ٥ : ٢٣٣.
(٤) الذخيرة : ٦٧٤.
(٥) الوسائل ١٤ : ١٨٥ أبواب الذبح ب ٤٧.
الصحيحين والمستفيضة بالعموم من وجه ، لاختصاص الأولين بخروج الشهر وعمومهما بالنسبة إلى العذر وغيره ، والثانية بذوي الاعذار وعمومها بالنسبة إلى خروج الشهر وعدمه.
والترجيح للأولين ، لا لموافقة الكتاب كما قيل (١) ـ إذ غاية ما يدلّ عليه وجوب الصوم في الشهر وأمّا بعد خروجه فلا دلالة له عليه نفيا وإثباتا ـ بل لشذوذ القول الثاني ، بحيث يخرج الدالّ عليه عن الحجّية ، إذ لم ينقل قائل به سوى من ذكر ، ورجع عنه الشيخ في الخلاف والاستبصار أيضا (٢) ، والله العالم.
ولا يخفى أنّ بما ذكرنا وإن ثبت سقوط الصوم ووجوب الذبح ، لكن المستند ـ في كون الذبح هو الهدي دون كونه كفّارة ـ إن كان هو الإجماع فلا كلام ، وإلاّ ففي دلالة الأخبار (٣) عليه نظر.
وأطلق طائفة من الأصحاب ـ منهم الحلّي (٤) ـ بوجوب الدم ، من غير تنصيص على كونه هديا أو كفّارة ، ولكن صرّح الأكثر بالأول.
والذبح بنيّة ما في الذمّة طريق الاحتياط.
ب : وهل يجب مع هذا الهدي دم كفّارة؟
عن المنتهى والمبسوط والجامع : نعم (٥) ، وهو الأحوط ، لما روي من أنّه من ترك نسكا فعليه دم (٦).
__________________
(١) الرياض ١ : ٣٩٧.
(٢) الخلاف ٢ : ٢٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٩.
(٣) الوسائل ١٤ : ١٨٥ أبواب الذبح ب ٤٧.
(٤) السرائر ١ : ٥٩٢.
(٥) المنتهى ٢ : ٧٤٦ ، المبسوط ١ : ٣٧٠ ، الجامع للشرائع : ٢١٠.
(٦) سنن البيهقي ٥ : ١٥٢.
وعن الأكثر : لا ، وهو الأظهر ، للأصل ، وضعف الرواية.
ج : لو صام الثلاثة كملا ـ لفقد الهدي أو ثمنه ـ ثمَّ وجد الهدي ، لم يجب عليه على الأشهر الأظهر ، بل عن الخلاف الإجماع عليه (١) ، للأصل ، وإطلاق الآية ، وصريح رواية حمّاد المنجبرة بالعمل : عن متمتّع صام ثلاثة أيّام في الحجّ ، ثمَّ أصاب هديا يوم خرج من منى ، قال : « أجزأه صيامه » (٢).
لكن الانتقال إلى الهدي أفضل بلا خلاف ، كما صرّح به غير واحد (٣) ، لرواية عقبة بن خالد (٤) ، القاصرة عن إفادة الوجوب للجملة الخبرية.
وقيل : للاحتياط (٥) ، حيث حكي عن المهذّب القول بوجوب الانتقال مطلقا (٦).
وعن القواعد : إذا وجده قبل التلبّس بالسبعة في وقت الذبح (٧).
وهو حسن من جهة الوفاق على كفاية الذبح ، وإلاّ فكان الاحتياط في الجمع بين الهدي وصيام العشرة.
والمسقط للهدي عند الأكثر إكمال الثلاثة ، فلولاه يجب الهدي.
خلافا للسرائر والمحكيّ عن الخلاف وكنز العرفان وجملة من كتب
__________________
(١) انظر الخلاف ٢ : ٢٧٧ ، وحكاه عنه في كشف اللثام ١ : ٣٦٤.
(٢) الكافي ٤ : ٥٠٩ ـ ١١ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٠ ـ ٩١٩ ، الوسائل ١٤ : ١٧٧ أبواب الذبح ب ٤٥ ح ١.
(٣) انظر المفاتيح ١ : ٣٥٨ ، الرياض ١ : ٣٩٧.
(٤) الكافي ٤ : ٥١٠ ـ ١٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨ ـ ١١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦١ ـ ٩٢٠ ، الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٥ ح ٢.
(٥) كما في المدارك ٨ : ٥٧ ، والمفاتيح ١ : ٣٥٨.
(٦) المهذّب ١ : ١٥٩.
(٧) القواعد ١ : ٨٨.
الفاضل ، فاكتفوا في سقوط الهدي بمجرّد التلبّس بالصوم (١) ، للأصل ، والإطلاق المذكورين. ولا يخلو عن قوّة.
إلاّ أنّ الاحتياط مع الأول ، والأحوط الجمع ، كما في الصورة الأولى أيضا.
المسألة الثالثة : يجب أن يكون صيام السبعة الأيّام بعد الرجوع إلى الأهل ، بلا خلاف يعرف ، كما في الذخيرة (٢).
وخالف فيه أكثر العامّة ، فقال بعضهم : إذا فرغ من أفعال الحجّ (٣).
وبعضهم : إذا خرج من مكّة سائرا في الطريق (٤).
لنا : ظاهر الآية والأخبار المتكثّرة ، كالصحاح الست : لحمّاد (٥) وابن عمّار (٦) ، وابن سنان (٧) وابن مسكان (٨) وسليمان (٩) وصفوان (١٠) ، وغيرها (١١).
__________________
(١) السرائر ١ : ٥٩٤ ، الخلاف ٢ : ٢٧٧ ، كنز العرفان ١ : ٢٩٧ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٧٤٧ ، والمختلف : ٣٠٥.
(٢) الذخيرة : ٦٧٤.
(٣) قال به مالك وأحمد وأبي حنيفة ، انظر المجموع ٧ : ١٩٣.
(٤) قال به عطا ومجاهد ، انظر المغني لابن قدامة ٣ : ٥٠٩.
(٥) قرب الإسناد : ١٧ ـ ٥٦ ، الوسائل ١٤ : ١٨٢ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٤.
(٦) تفسير العياشي ١ : ٩٢ ـ ٢٣٩ ، الوسائل ١٤ : ١٨٣ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٦.
(٧) التهذيب ٥ : ٢٢٨ ـ ٧٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ ـ ٩٨٣ ، الوسائل ١٤ : ١٩١ أبواب الذبح ب ٥١ ح ١.
(٨) التهذيب ٥ : ٢٢٩ ـ ٧٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٧ ـ ٩٨٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٧.
(٩) التهذيب ٥ : ٢٢٩ ـ ٧٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٧ ـ ٩٨٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٢.
(١٠) التهذيب ٥ : ٢٢٩ ـ ٧٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٧ ـ ٩٨٥ ، الوسائل ١٤ : ١٩٢ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٣.
(١١) الوسائل ١٤ : ١٧٨ أبواب الذبح ب ٤٦.
ولا يشترط في تلك السبعة التتابع على الحقّ المشهور ، وعن المنتهى والتذكرة : أنّه لا يعرف فيه خلاف (١) ، للأصل ، والإطلاق.
وعموم صحيحة ابن سنان : « كلّ صوم يفرّق إلاّ ثلاثة أيّام في كفّارة اليمين » (٢).
وخصوص رواية إسحاق : إنّي قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيّام حتى نزعت في حاجة إلى بغداد ، قال : « صمها ببغداد » ، قلت أفرّقها؟ قال : « نعم » (٣) ، وضعفها ـ لو كان ـ منجبر بما ذكر.
خلافا للمحكيّ في المختلف عن العماني والحلبي (٤) ، وفي التنقيح عن المفيد وابن زهرة (٥) ، وفي غيرهما عن المختلف أيضا (٦) ، فأوجبوه.
لرواية عليّ : عن صوم ثلاثة أيّام في الحجّ وسبعة ، أيصومها متوالية أو يفرّق بينها؟ قال : « يصوم الثلاثة لا يفرّق بينها ، والسبعة لا يفرّق بينها ، ولا يجمع الثلاثة والسبعة جميعا » (٧).
وحسنة الحسين بن يزيد : « الثلاثة الأيّام والسبعة الأيّام في الحجّ لا يفرّق بينها ، إنّما هي بمنزلة الثلاثة الأيّام في اليمين » (٨).
__________________
(١) المنتهى ٢ : ٧٤٤ ، التذكرة ١ : ٣٨٣.
(٢) الكافي ٤ : ١٤٠ ـ ١ ، الوسائل ١٠ : ٣٨٢ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٠ ح ١.
(٣) التهذيب ٥ : ٢٣٣ ـ ٧٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨١ ـ ٩٩٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٠ أبواب الذبح ب ٥٥ ح ١.
(٤) المختلف : ٢٣٨.
(٥) التنقيح ١ : ٤٩٤.
(٦) حكاه عنه في الرياض ١ : ٣٩٧.
(٧) التهذيب ٤ : ٣١٥ ـ ٩٥٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨١ ـ ٩٩٩ ، تفسير العياشي ١ : ٩٣ ـ ٢٤٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٠ أبواب الذبح ب ٥٥ ح ٢.
(٨) الكافي ٤ : ١٤٠ ـ ٣ ، الوسائل ١٠ : ٣٨٢ أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٠ ح ٢.
وجوابهما : قصور الدلالة عن الوجوب ، ولا يفيد قوله : « بمنزلة الثلاثة الأيام » ، إذ يمكن أن يكون المراد تنزيلها منزلتها في الرجحان. وما قد يدّعى من عموم المنزلة في مثل ذلك لا دليل عليه.
ومع ذلك كلّه ، فلا ريب أنّ الاحتياط في التتابع.
ولا تجب المبادرة إلى الصوم بعد الرجوع فورا ، للأصل.
ولو أقام من وجبت عليه السبعة بمكّة انتظر وصول أصحابه إلى بلده ، أو مضيّ شهر إن كانت مدّة وصول أصحابه إلى البلد أكثر من شهر ، بلا خلاف يوجد ، كما في الذخيرة (١) ، وقيل : إنّه مقطوع به في كلامهم (٢) ، لصحيحة ابن عمّار (٣).
وعن جماعة ـ منهم : القاضي والحلبيّون ـ : انتظار الوصول وعدم اعتبار الشهر (٤) ، وهو مقتضى صحيحتي البزنطي (٥) وأبي بصير (٦).
والأول أظهر ، لأنّ دليله مفصّل.
ومقتضى الاحتياط : التأخير إلى أكثر الأمرين ، حيث لا تعتبر الفوريّة ، ويكفي ظنّ وصول الأصحاب ، كما صرّح به في الصحيحتين الأخيرتين.
والإقامة أعمّ من مدّة معيّنة أو غير معيّنة أو الأبديّة ، لعمومها في
__________________
(١) الذخيرة : ٦٧٤.
(٢) الرياض ١ : ٣٩٧.
(٣) الفقيه ٢ : ٣٠٣ ـ ١٥٠٧ ، التهذيب ٥ : ٢٣٤ ـ ٧٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٢ ـ ١٠٠٢ ، الوسائل ١٤ : ١٩٠ أبواب الذبح ب ٥٠ ح ٢.
(٤) القاضي في المهذّب ١ : ٢٠١ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٢ ، علاء الدين في الإشارة : ١١٩ ، أبو الصلاح في الكافي : ١٨٨.
(٥) التهذيب ٥ : ٤١ ـ ١٢١ ، الوسائل ١٤ : ١٨٩ أبواب الذبح ب ٥٠ ح ١.
(٦) الكافي ٤ : ٥٠٩ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٣٠٣ ـ ١٥٠٦ ، التهذيب ٤ : ٣١٤ ـ ٩٥٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩٠ أبواب الذبح ب ٥٠ ح ٣.
الصحيحة.
وفي مبدأ الشهر احتمالات أظهرها يوم عزم الإقامة.
والظاهر تخصيص ذلك بإقامة مكّة ، وأمّا في غيرها من البلدان أو الطريق فلا ، بل ينتظر الوصول إلى البلد ، ومع اليأس يسقط الصيام ، لتعلّق الأمر بالرجوع ، ولا ينتقل إلى الهدي حينئذ ، للأصل.
المسألة الرابعة : لو مات من وجب عليه ذلك الصيام قبل الصوم ، فإن لم يتمكّن من صيام شيء من العشرة ولو بعضا سقط الصوم ولم يجب على وليّه القضاء عنه ، بالإجماع على ما ادّعاه جماعة (١).
وإن تمكّن من فعل الجميع ولم يفعل ففيه أقوال ، أظهرها : عدم القضاء على الوليّ إن مات بعد صوم الثلاثة ، وقضاء العشرة إن مات قبله ، لأنّه مقتضى الجمع بين الأخبار.
المسألة الخامسة : لو مات الواجد للهدي ولم يهد ، أخرج الهدي من أصل تركته ، لأنّه من الحقوق الماليّة وجزء من الحجّ الذي يخرج كلّه منه ، ولو لم تف التركة إلاّ بجزء من الهدي سقط الكلّ على الأظهر.
المسألة السادسة : لو لم يكن له الهدي ولا ثمنه ولكن توقّع حصوله قبل مضيّ وقت الهدي توقّعا معتنى به عرفا ، لم ينتقل إلى الصوم ، لصدق الوجدان عرفا.
المسألة السابعة : من فقد الهدي وكان له ثمنه ويريد الرجوع ، يخلّف ثمنه عند من يشتريه طول ذي الحجّة فيذبحه ، فإن لم يتمكّن من ذلك أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة ، وفاقا للصدوقين والشيخين والسيّدين والفاضلين في
__________________
(١) منهم العلامة في المنتهى ٢ : ٣٠٤ ، ونقله عن الصيمري في الرياض ١ : ٣٩٨.
غير الشرائع والحلبي وابن حمزة (١) ، بل للأكثر ، بل عامّة من تأخّر كما قيل (٢) ، وعن ظاهر الغنية : الإجماع عليه (٣).
لصحيحة حريز : في متمتّع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : « يخلّف الثمن عند بعض أهل مكّة ، ويأمر من يشتري له ويذبح عنه ، وهو يجزئ عنه ، فإن مضى ذو الحجّة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجّة » (٤).
واحتجّ له برواية النضر بن قرواش (٥) ، وهي بمضمون الصحيحة ، إلاّ أنّها تتضمّن التصريح بالضعف عن الصيام ، وعلى هذا فلا تصلح دليلا للمطلوب مع القدرة عليه.
خلافا للحلّي والشرائع (٦) ، وعزي إلى الفقيه أيضا ، وقد ينسب إلى العماني (٧) ، وتنظّر فيه بعضهم (٨) ، ونسبه في السرائر إلى الجمل والعقود (٩). وفيه أيضا نظر.
__________________
(١) الصدوقان في الفقيه ٢ : ٣٠٤ ، المفيد في المقنعة : ٣٩٠ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٣٧٠ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، المرتضى في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٣ ، المحقق في النافع : ٩٠ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٧٤٣ ، الحلبي في الكافي : ٢٠٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٨٢.
(٢) في الرياض ١ : ٣٩٦.
(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢.
(٤) الكافي ٤ : ٥٠٨ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٣٧ ـ ١٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٠ ـ ٩١٦ ، الوسائل ١٤ : ١٧٦ أبواب الذبح ب ٤٤ ح ١.
(٥) التهذيب ٥ : ٣٧ ـ ١١٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٠ ـ ٩١٧ ، الوسائل ١٤ ـ ١٧٦ أبواب الذبح ب ٤٤ ح ٢.
(٦) الحلي في السرائر ١ : ٥٩٢ ، الشرائع ١ : ٢٦١.
(٧) كما في المختلف : ٣٠٤.
(٨) كصاحب الرياض ١ : ٣٩٦.
(٩) السرائر ١ : ٥٩٢.
واستدلّ له بصدق عدم وجدان الهدي الموجب لانتقال الفرض إلى الصوم ، وبرواية أبي بصير : عن رجل تمتّع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة ، أيذبح أو يصوم؟ قال : « بل يصوم ، فإنّ أيّام الذبح قد مضت » (١).
ويردّ الأول : بوجوب تخصيصه بمن لم يجد الثمن أيضا ، أو وجده ولم يجد الهدي ، للخبر الصحيح (٢) المعمول به عند الأصحاب ، الذي هو أخصّ مطلقا من الآية.
والثاني : بأنّه ظاهر فيمن يقدر على تحصيل الهدي وذبحه بمنى ، وهو غير ما نحن فيه.
وللمحكيّ عن الإسكافي ، فخيّر بين القولين وبين التصدّق بالوسطى من قيمة الهدي (٣) ، جمعا بين ما مرّ وبين رواية عبد الله بن عمر (٤).
وردّ : بفقد الشاهد على ذلك الجمع (٥).
وفيه : أنّ التعارض مع عدم المرجّح كاف فيه كما ثبت في محلّه ، إلاّ أنّ الترجيح هنا لأحد الأولين موجود ، ولو لم يكن إلاّ وجوب طرح المخالف للكتاب لكفى.
المسألة الثامنة : مقتضى وجوب الهدي وتعليق الانتقال إلى بدله
__________________
(١) التهذيب ٥ : ٣٧ ـ ١١١ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٠ ـ ٩١٨ ، الوسائل ١٤ : ١٧٧ أبواب الذبح ب ٤٤ ح ٣.
(٢) أي صحيحة حريز المتقدّمة في ص : ٣٥٩.
(٣) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٤.
(٤) الكافي ٤ : ٥٤٤ ـ ٢٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٦ ـ ١٤٦٧ ، التهذيب ٥ : ٢٣٨ ـ ٨٠٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٣ أبواب الذبح ب ٥٨ ح ١.
(٥) انظر رياض المسائل ١ : ٣٩٦.