مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

بعدم وجدانه : وجوب شرائه لو وجد‌ ووجد ثمنه ، لوجوب ما لا يتمّ الواجب إلاّ به.

ولو لم يكن ثمنه موجودا وأمكنه الاستقراض مع تمكّنه من أدائه وجب أيضا ، لما ذكر.

وكذا لو كان له متاع أو جنس تيسّر له دفعه بإزاء الهدي أو بيعه وصرف ثمنه فيه ، وجب ، ما لم يكن ممّا يدّعى ببقائه الحاجة أو الضرورة ، فإنّ كان كذلك لا يجب ، لأدلّة نفي الضرر والحرج ، وهذا هو الأصل في المقام.

واستثني منه لباس التجمّل ، بل الفضل من الكسوة مطلقا ، على ما قطع به الأصحاب في الأول ، لمرسلة ابن أسباط : رجل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ وفي عيبته (١) ثياب ، إله أن يبيع من ثيابه شيئا ويشتري هديا؟ قال : « [ لا ] ، هذا ممّا يتزين به المؤمن ، يصوم ولا يأخذ من ثيابه شيئا » (٢).

وصحيحة البزنطي : عن المتمتّع يكون له فضل من الكسوة بعد الذي يحتاج إليه ، فتسوى تلك الفضول مائة درهم ، هل يكون ممّن يجب عليه؟ فقال : « له بدّ من كراء ونفقة؟ » ، فقلت : له كراء وما يحتاج إليه بعد هذا الفضل من الكسوة ، فقال : « أيّ شي‌ء الكسوة بمائة درهم؟ هذا ممّن قال الله تعالى ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ) إلى آخره (٣).

__________________

(١) العيبة ـ بالفتح ـ : مستودع الثياب ، أو مستودع أفضل الثياب ـ مجمع البحرين ٢ : ١٣٠.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠٨ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٣٨ ـ ٨٠٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٢ أبواب الذبح ب ٥٧ ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٨٦ ـ ١٧٣٥ ، قرب الإسناد : ٣٨٨ ـ ١٣٦٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٠١ أبواب الذبح ب ٥٧ ح ١ ، بتفاوت.

٣٦١

قيل : ولأنّ مع التوقّف على بيع مثل ذلك لا يصدق قوله سبحانه : ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) ، إذ ليس ذلك استيسارا عرفا (١). وفيه نظر.

ويجب الاقتصار في الاستثناء على ما ذكر ، لمخالفته الأصل.

ولو باع شيئا من المستثنى واشترى الهدي أجزأ ، لصدق الاستيسار والوجدان حينئذ ولو سلّمنا عدم صدقه أولا.

وناقش فيه بعضهم (٢) ، لأنّ مثل ذلك فرضه الصوم ، فهو آت بغير الفرض.

وفيه : أنّه فرضه ما دام كذلك ، ولكن إذا باع متاعه واشترى الهدي فلا نسلّم أنّ فرضه الصوم.

فائدتان :

الأولى : ما سبق كان أحكام هدي التمتّع ، وقد ذكروا لهدي السياق أيضا أحكاما تركنا ذكرها ، لقلّة الفائدة فيها في هذه الأزمنة. ولهدي الفداء والكفّارات أيضا أحكام تأتي في بابها.

الثانية : في بيان الأضحية وأحكامها ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : ترجّح الأضحية للحاجّ وغيره في مكّة وغيرها من الأمصار ، بالإجماعين (٣).

ويدلّ عليه قوله سبحانه ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) (٤) ، على ما ذكره‌

__________________

(١) انظر الذخيرة : ٦٦٦.

(٢) انظر المدارك ٨ : ٢٣.

(٣) الحدائق ١٧ : ٢٠٠.

(٤) الكوثر : ٢.

٣٦٢

بعض المفسّرين من أنّ المراد : نحر الأضحية بعد صلاة العيد (١).

والأخبار المتكثّرة ، منها : رواية الأعرج (٢) ، المتقدّمة في مسألة وجوب الهدي.

وصحيحة ابن سنان : عن الأضحى أواجب على من وجد لنفسه وعياله؟ فقال : « أمّا لنفسه فلا يدعه ، وأمّا لعياله فإن شاء تركه » (٣).

وصحيحة محمّد : « الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير ، وهي سنّة » (٤).

والعلاء : عن الأضحى ، فقال : « هو واجب على كلّ مسلم إلاّ من لم يجد » ، فقال له السائل : فما ترى في العيال؟ فقال : « إن شئت فعلت وإن شئت لم تفعل ، فأمّا أنت فلا تدعه » (٥).

ومرسلة الفقيه : جاءت أمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله ، يحضر الأضحى وليس عندي ثمن الأضحية فأستقرض واضحّي؟ قال : « استقرضي ، فإنّه دين مقضيّ ، ويغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة من دمها » (٦).

ومرسلة الحلبي : « ضحّ بكبش أسود أقرن فحل ، فإن لم تجد أسود‌

__________________

(١) انظر مجمع البيان ٥ : ٥٤٩ ، التبيان ١٠ : ٤١٨.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٧ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٦ ـ ١٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٩ ـ ٩١٣ ، الوسائل ١٤ : ٨٢ أبواب الذبح ب ١ ح ١١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٧ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٤ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٩٢ ـ ١٤٤٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٥ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٩٢ ـ ١٤٤٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٥ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٥.

(٦) الفقيه ٢ : ١٣٨ ـ ٥٩١ ، وفي الفقيه ٢ : ٢٩٢ ـ ١٤٤٧ ، علل الشرائع : ٤٤٠ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٢١٠ أبواب الذبح ب ٦٤ ح ١ لا يوجد : ويغفر لصاحب الأضحية عند أوّل قطرة من دمها ، ولعلّه من كلام الصدوق.

٣٦٣

فأقرن فحل ، يأكل في سواد ، ويبعر في سواد ، وينظر في سواد » (١).

وصحيحة ابن سنان : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضحّي بكبش أقرن فحل ، ينظر في سواد ، ويمشي في سواد » (٢) ولا تجب اتّفاقا عن غير الإسكافي (٣) ، للنبويّ المنجبر بالعمل : « كتب عليّ النحر ولم يكتب عليكم » (٤).

وأوجبه الإسكافي ، للآية ، والأخبار المتقدّمة.

والجواب : أنّ الآية خطاب إلى الرسول ، وقيل : إنّ وجوبها عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خواصّه (٥) ، كما يدلّ عليه النبوي أيضا ، مع أنّ في ورودها في الأضحية كلاما.

والأخبار ـ لمخالفتها في الوجوب للشهرتين (٦) ، بل الإجماع ـ لا تنهض حجّة لإثباته.

مضافا في الاولى إلى ما مرّ من احتمال إرادة المتمتّعين من أهل الأمصار.

وفي الثانية من احتمال الخبريّة.

وما في الثالثة من الإيجاب على الصغير المنفيّ قطعا ، وإضمار الولي في حقّه ليس بأولى من الحمل على الاستحباب ، سيّما بعد انضمام قوله :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٩ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ١١٠ أبواب الذبح ب ١٣ ح ٥ ، وفيهما : ويشرب ، بدل : ويبعر ، وفي الكافي : حدّثني من سمعته.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٥ ـ ٦٨٥ ، الوسائل ١٤ : ١٠٩ أبواب الذبح ب ١٣ ح ١.

(٣) المختلف : ٣٠٧.

(٤) مسند أحمد ١ : ٣١٧.

(٥) كشف اللثام ١ : ٣٦٨.

(٦) مسالك الافهام ١ : ١١٩.

٣٦٤

« وهي سنّة ».

ومنه يظهر ما في الرابعة أيضا من عموم : « كل مسلم » ، فلا بدّ إمّا من التخصيص أو التجوّز ، والتخصيص وإن كان مقدّما إلاّ أنّه يضعف الترجيح هنا بوجوه خارجيّة.

وفي الخامسة من عدم وجوب الاستقراض بخصوصه.

وفي السادسة من عدم وجوب ما يتضمّنها من الكبش الموصوف.

المسألة الثانية : يجزئ الهدي للحاجّ عن الأضحية بلا خلاف أجده ، لصحيحة الحلبي المتقدّمة (١) ، وصحيحة محمّد : « يجزئه في الأضحية هديه » (٢).

قالوا : والجمع بينهما أفضل. وفي الذخيرة : أنّ للفظ الإجزاء ظهورا فيه (٣).

وفيه نظر ، لأنّ الإجزاء يدلّ على سقوط الأمر بواسطة الإتيان بما يجتزئ به ، وإذ لا أمر فلا استحباب ، فهو دليل لعدم الاستحباب.

وقيل : لأنّ فيه فعل المعروف ونفع الفقراء (٤).

وفيه : أنّ الكلام في الأضحية من حيث إنّها هي ، ولذا قيل ـ بعد نقل التعليل ـ : وفيه لو لا النصّ نظر ـ إلى أن قال : ـ ولكن الأمر بعد وضوح المأخذ سهل (٥).

أقول :

إن أراد بالنصّ والمأخذ ما ذكره في الذخيرة فقد عرف ما فيه ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٩ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ١١٠ أبواب الذبح ب ١٣ ح ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٨ ـ ٨٠٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٥ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٢.

(٣) الذخيرة : ٦٧٩.

(٤) حكاه في المدارك ٨ : ٨٦ ، الرياض ١ : ٤٠١.

(٥) الرياض ١ : ٤٠١.

٣٦٥

وإن كان غيره فلم أجده.

وعلى هذا ، فلا دليل لاستحبابه على ذي الهدي ، إلاّ أن يثبت الإجماع ، أو يتمسّك بفتوى الأصحاب في مقام الاستحباب ، إن لم يضرّها لفظ الإجزاء.

المسألة الثالثة : لو لم يجد الأضحية يستحبّ التصدّق بثمنها‌ بلا خلاف يوجد ، فإن اختلفت الأثمان فالظاهر كفاية الأدنى ، ولكن الأفضل الوسط ، والمراد به : نصف القيمتين وثلث القيم الثلاث وربع الأربع وهكذا ، لرواية عبد الله بن عمر (١) ، وهي وإن وردت في التثليث بعد السؤال عن الثلاث ، إلاّ أنّ منهم (٢) من عمّم ـ كما ذكرنا ـ ولا بأس به.

المسألة الرابعة : زمان الأضحية في منى أربعة أيّام ، أولها يوم النحر ، وفي سائر الأمصار ثلاثة كذلك بلا خلاف فيه يعلم ، كما في الذخيرة (٣) ، بل بالإجماع ، كما عن ظاهر الغنية والمنتهى (٤) وصريح غيرهما (٥).

لصحيحة علي : عن الأضحى كم هو بمنى؟ قال : « أربعة أيّام » ، وعن الأضحى في غير منى ، قال : « ثلاثة أيّام » ، فقلت : ما تقول في رجل مسافر قدم بعد الأضحى بيومين إله أن يضحّي في اليوم الثالث؟ قال : « نعم » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٤٤ ـ ٢٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٦ ـ ١٤٦٧ ، التهذيب ٥ : ٢٣٨ ـ ٨٠٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٣ أبواب الذبح ب ٥٨ ح ١.

(٢) كالشهيد في الدروس ١ : ٤٤٩ ، صاحب المدارك ٨ : ٨٦ ، صاحب الرياض ١ : ٤٠١.

(٣) الذخيرة : ٦٧٨.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، المنتهى ٢ : ٧٥٥.

(٥) المدارك ٨ : ٨٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠٢ ـ ٧٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٤ ـ ٩٣٠ ، قرب الإسناد : ٢٤٠ ـ ٩٤٧ ، ٩٤٨ ، ٩٤٩ ، الوسائل ١٤ : ٩١ أبواب الذبح ب ٦ ح ١.

٣٦٦

أقول : المراد باليوم الثالث : الثالث مع الأضحى الذي هو يوم القدوم ، كما صرّح به في موثّقة الساباطي المرويّة في الفقيه : عن الأضحى بمنى ، فقال : « أربعة أيّام » ، وعن الأضحى في سائر البلدان ، فقال : « ثلاثة أيّام » ، وقال : « لو أنّ رجلا قدم إلى أهله بعد الأضحى بيومين ضحّى اليوم الثالث الذي قدم فيه » (١).

ورواية غياث : « الأضحى ثلاثة أيّام ، وأفضلها أولها » (٢).

وهي وإن كانت أعمّ من منى وسائر الأمصار ، إلاّ أنّه يجب حملها على الأخير ، حملا للمطلق على المقيّد. ومنهم من حملها على التقيّة (٣) ، لأنّ مذهب أبي حنيفة ومالك والثوري ـ كما قيل (٤) ـ إنّها ثلاثة أيّام مطلقا.

وأمّا صحيحة محمّد : « الأضحى يومان بعد يوم النحر ، ويوم واحد بالأمصار » (٥).

ورواية كليب : عن النحر ، فقال : « أمّا بمنى فثلاثة أيّام ، وأمّا في البلدان فيوم واحد » (٦).

فليستا صريحتين في التعارض مع ما مرّ ، لجواز أن يكون المراد بالأضحى في الاولى وبالنحر في الثانية : يوم الأضحى والنحر من جهة‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩١ ـ ١٤٣٩ ، الوسائل ١٤ : ٩٢ أبواب الذبح ب ٦ ح ٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩٢ ـ ١٤٤٢ ، التهذيب ٥ : ٢٠٣ ـ ٦٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٤ ـ ٩٣٢ ، الوسائل ١٤ : ٩٢ أبواب الذبح ب ٦ ح ٤.

(٣) كالسبزواري في الذخيرة : ٦٧٩.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٥٥.

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٦ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٠٣ ـ ٦٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٤ ـ ٩٣٤ ، الوسائل ١٤ : ٩٣ أبواب الذبح ب ٦ ح ٧.

(٦) الكافي ٤ : ٤٨٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٠٣ ـ ٦٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٤ ـ ٩٣٣ ، الوسائل ١٤ : ٩٣ أبواب الذبح ب ٦ ح ٦.

٣٦٧

الصوم لا من جهة الأضحية ، كما ذكره الصدوق والشيخ (١).

وصدّق الصدوق ذلك برواية منصور : « النحر بمنى ثلاثة أيّام ، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة أيّام ، والنحر بالأمصار يوم ، فمن أراد أن يصوم صام من الغد » (٢).

ولا يتوهّم أنّه خلاف ما عليه الأصحاب من عدم جواز الصوم أيّام التشريق كلاّ ، لما مرّ من جواز بعض أفراده ، وهو صوم بدل الهدي في اليوم الثاني عشر.

ويمكن أيضا حمل الأخيرين على الأفضليّة (٣) ، كما ذكره جماعة (٤).

ولو انقضت هذه الأيّام ولم يضحّ لم يكن عليه قضاؤها ، لأنّه بأمر جديد. وعن المنتهى : القضاء إن وجب بنذر وشبهه (٥) ، لتعليل غير سديد.

المسألة الخامسة : يكره التضحية بما يربّيه ، لرواية محمّد بن الفضيل : كان عندي كبش سمين لاضحّي به ـ إلى أن قال في الجواب : ـ « ما كنت أحبّ لك أن تفعل ، لا تربّينّ شيئا من هذا ثمَّ تذبحه » (٦).

ومرسلة الفقيه : « لا يضحّى بشي‌ء من الدواجن » (٧).

__________________

(١) الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٩١ ، الشيخ في التهذيب ٥ : ٢٠٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩١ ـ ١٤٤١ ، التهذيب ٥ : ٢٠٣ ـ ٦٧٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٥ ـ ٩٣٥ ، الوسائل ١٤ : ٩٣ أبواب الذبح ب ٦ ح ٥.

(٣) أي تحمل صحيحة محمّد ورواية كليب على أنّ الأفضل ذبح الأضحية في منى في يوم النحر ويومين بعده ، وفي الأمصار في يوم النحر.

(٤) انظر المدارك ٨ : ٨٤ ، الذخيرة : ٦٧٩.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٥٦.

(٦) الكافي ٤ : ٥٤٤ ـ ٢٠ ، التهذيب ٥ : ٤٥٢ ـ ١٥٧٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٨ أبواب الذبح ب ٦١ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٩٦ ـ ١٤٦٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٨ أبواب الذبح ب ٦١ ح ٢.

٣٦٨

والدواجن : الآلفات في البيوت ، المقيمات في المكان ، من الحمام والشاة وأشباهها.

ورواية أبي الصحاري : الرجل يعلف الشاة والشاتين ليضحّي بها ، قال : « لا أحبّ ذلك » ـ إلى أن قال : ـ « ولكن إذا كان ذلك الوقت فليدخل سوق المسلمين وليشتر منها ويذبحه » (١).

والأولى أن لا يذبح إلاّ فيما يشتري في العشر من ذي الحجّة ، لمرسلة الفقيه : « لا يضحّى إلاّ بما يشتري في العشر » (٢).

المسألة السادسة : قد سبق في مصرف الهدي مصرف الأضحية أيضا ، ولكنّه على الأفضليّة ، لقصور مستنده عن إثبات الوجوب ، وله أكل الكلّ وإهداء الكلّ والتصدّق بالكلّ ، للأصل. وكذا يجوز ادّخار لحومها بعد ثلاثة أيّام. وما فيه النهي عنه منسوخ ، كما صرّحت به الأخبار (٣).

وهل يجوز بيع لحومها؟

قد نسب بعضهم إلى الأصحاب عدم الجواز (٤) ، وخصّص بعضهم المنع بالواجبة منها (٥) ، وقيل : لعلّ ذلك مراد الأصحاب (٦).

أقول : الكلام إمّا في البيع مطلقا ولو لأجل التصدّق بثمنها ، أو في البيع مع عدم التصدّق بالثمن ، ثمَّ على الثاني إمّا يكون الكلام في جواز البيع وعدمه ، حتى يأثم به أو لا يأثم ، أو في وقوع الأضحية المستحبّة معه وعدمه.

__________________

(١) التهذيب ٩ : ٨٣ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ٢٤ : ٩٢ أبواب الذبائح ب ٤٠ ح ٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩٥ ـ ١٤٦١ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٨ أبواب الذبح ب ٦١ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٦٨ أبواب الذبح ب ٤١.

(٤) المدارك ٨ : ٨٠.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٥٤.

(٦) كما في المدارك ٨ : ٨١.

٣٦٩

فإن كان الأول : فالظاهر الجواز ، لعدم دليل على المنع ، وخروجه عن ملكه بمجرّد الذبح غير معلوم.

ومنه يظهر حكم الثاني أيضا ، فإنّ الأصل مع الإباحة ، ولا دليل على انتفائها.

وأمّا الثالث : فمبنيّ على أن يعلم أنّ التضحّي هو مجرّد الذبح ، أو هو مع الصرف في مصرف خاص ولو بجزء منه ولو بإطعامه أهل بيته.

لا دليل على تعيين الأول ، ولو مجرّد إطلاق ، إذ غاية الإطلاقات ذبح الأضحية أو التضحّي ، والكلام بعد في تعيين المراد منه ، وأصل الاشتغال ـ ولو بالأمر الاستحبابي ـ يقتضي عدم حصول التضحية بدون إطعام الغير مجّانا ، وأمّا معه فالظاهر كفايته ، ويدلّ على لزوم الأزيد من الذبح تتبّع الأخبار وسيرة المسلمين في الأعصار.

المسألة السابعة : يجوز أن يجعل جلد الأضحية مصلّى ، وأن يشتري بها متاع البيت ، وأن ينتفع بها ، للتصريح بالأول ـ بل برجحانه ـ في صحيحة ابن عمّار (١) ، وبالثانيين في روايته (٢).

والتصدّق أفضل ، كما ورد فيهما. وعموم الرواية يدلّ على جواز جعلها جرابا (٣) أيضا ، وفي صحيحة علي : أنّه لا يصلح إلاّ أن يتصدّق بثمنها (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٨ ـ ٧٧١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ ـ ٩٨٠ ، الوسائل ١٤ : ١٧٤ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٥.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠١ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٢.

(٣) الجراب بالكسر : وعاء من إهاب شاة يوعى فيه الحبّ والدقيق ونحوهما ، والجمع جرب ـ مجمع البحرين ٢ : ٢٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٨ ـ ٧٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٦ ـ ٩٨٢ ، قرب الإسناد : ٢٤٠ ـ ٩٤٣ ، الوسائل ١٤ : ١٧٤ أبواب الذبح ب ٤٣ ح ٤ ، مسائل علي بن جعفر : ٦٦ ـ ٢٧١.

٣٧٠

وهو الأحوط.

وهل يمنع عن إعطائها الجزّارين ، كما في جلود الهدي؟

الأصل يقتضي عدم المنع ، لكون الأخبار المانعة بين ما يختصّ بالهدي وما يحتمله (١) ، بل صرّح في رواية سليمان بن جعفر المتقدّمة في جلد الهدي بالجواز (٢).

والأولى : المنع بإزاء الأجرة ، وكذا الأحوط عدم بيعها إلاّ مع التصدّق بثمنها أو إهدائه.

المسألة الثامنة : قال في المنتهى : تختصّ الأضحيّة بالنعم الثلاث ، ومنها بالأسنان المذكورة ، في الهدي (٣).

والأول كذلك ، لظاهر الإجماع ، وقضية أصل الاشتغال.

وأمّا الثاني ، فقد عرفت أنّ المستند التامّ في الهدي الإجماع ، فإن ثبت هنا وإلاّ فللكلام فيه مجال.

نعم ، تدلّ على عدم إجزاء ما دون الثني من الإبل صحيحة الحلبي (٤) ، المتقدّمة في الهدي ، والاحتياط في المقام لا يترك.

المسألة التاسعة : قيل : يشترط في الأضحية من الأوصاف ما يشترط في الهدي (٥).

وفي قبول ذلك كلّيّا إشكال ، لاختصاص بعض الأخبار (٦) المتقدّمة في‌

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٤٣.

(٢) المتقدّمة في ص ٣٤٢.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٥٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٨٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٠٤ ـ ٦٨١ ، الوسائل ١٤ : ١٠٤ أبواب الذبح ب ١١ ح ٥.

(٥) الحدائق ١٧ : ٢٠٨.

(٦) الوسائل ١٤ : ١٠٣ أبواب الذبح ب ١١.

٣٧١

الوصف بالهدي وعدم ثبوت الإجماع المركّب ، ومعارضة صحيحة عليّ (١) المتقدّمة مع الأخبار المتضمّنة للفظ الأضحية (٢) ، إلاّ أنّ الحكم لمّا كان موافقا للاحتياط ـ ومع ذلك كانت أكثر الأخبار المتقدّمة متضمّنة للفظ الأضاحي ـ لا بأس به.

المسألة العاشرة : يجزئ الواحد عن الكثير كما مرّ ، ويجوز التضحية عن الغير ، إجماعا فتوى ونصّا ، وقد مرّ النصّ الدالّ عليه من تضحية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل بيته ولأمّته (٣) ، وتضحية الأمير عليه‌السلام للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٥ ـ ١٤٦٣ ، التهذيب ٥ : ٢١٣ ـ ٧١٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٨ ـ ٩٥٢ ، قرب الإسناد : ٢٣٩ ـ ٩٤١ ، الوسائل ١٤ : ١٢٥ أبواب الذبح ب ٢١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٧٣ أبواب الذبح ب ٤٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٩٣ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٥ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٩٣ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٦ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٧.

٣٧٢

البحث الثالث

في الحلق أو التقصير‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : وهو واجب على الحاجّ ، بالإجماعين (١) ، والنصوص :

كرواية عمر بن يزيد : « إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك » (٢).

ورواية أبي بصير : عن رجل جهل أن يقصّر من شعره أو يحلق حتى ارتحل من منى ، قال : « فليرجع إلى منى حتى يحلق رأسه بها أو يقصّر ، وعلى الصرورة أن يحلق » (٣) ، وبمضمونها روايته الأخرى (٤) ، إلى غير ذلك من الأخبار (٥).

والقول باستحبابه ـ كما عن الشيخ في التبيان أو النهاية (٦) على اختلاف النقلين ـ شاذّ ، وبما مرّ مردود.

المسألة الثانية : يتخيّر الرجل بين الحلق والتقصير ، إلاّ أن يكون‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٦٢ ، مفاتيح الشرائع ١ : ٣٦٠ ، الرياض ١ : ٤٠١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٠ ـ ٨٠٨ ، الوسائل ١٤ : ٢١١ أبواب الحلق والتقصير ب ١ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٢ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٣٠١ ـ ١٤٩٨ ، التهذيب ٥ : ٢٤١ ـ ٨١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠١٢ ، الوسائل ١٤ : ٢١٨ أبواب الحلق والتقصير ب ٥ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٢١ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٦.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢١١ أبواب الحلق والتقصير ب ١.

(٦) التبيان ٢ : ١٥٤ ، النهاية : ٢٦٢. نقله عن التبيان في المنتهى ٢ : ٧٦٢ ، وفي نسخة من السرائر ١ : ٦٠٢ عن النهاية.

٣٧٣

صرورة ، أو ملبّدا ـ أي جعل في رأسه عسلا أو صمغا لئلاّ يتّسخ أو يقمل ـ أو معقوصا (١) ، فإنّ هؤلاء الثلاثة يتعيّن عليهم الحلق ، وفاقا لجماعة من أعاظم القدماء (٢).

وتدلّ على تخيير غير الثلاثة بينهما النصوص الآتية ، وعلى تعيّن الحلق على الصرورة روايتا أبي بصير المتقدّمتان ، والثالثة : « على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر ، إنّما التقصير لمن حجّ حجّة الإسلام » (٣).

ورواية بكر بن خالد : « ليس للصرورة أن يقصّر ، وعليه أن يحلق » (٤) ، ونحوها مرسلة الفقيه (٥).

ورواية الساباطي : عن الرجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق ، قال : « إن كان قد حجّ قبلها فليجزّ شعره ، وإن كان لم يحجّ فلا بدّ له من الحلق » (٦).

ورواية سليمان بن مهران المرويّة في الفقيه ، المتضمّنة لعلل بعض المناسك ، وفيها : فقلت : وكيف صار الحلق عليه ـ أي على الصرورة ـ واجبا دون من قد حجّ؟ فقال : « ليصير بذلك موسما » الحديث (٧).

وعلى الملبّد والمعقوص صحيحة هشام : « إذا عقص الرجل رأسه أو‌

__________________

(١) عقص الشعر : جمعه وجعله في وسط الرأس وشدّه ـ مجمع البحرين ٤ : ١٧٥.

(٢) انظر الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٦ ، والنهاية : ٢٦٣ ، والوسيلة : ١٨٦.

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٣ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ٤٨٤ ـ ١٧٢٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٣ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٣ ـ ٨٢٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٤ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ١٠.

(٥) الفقيه ٢ : ١٣٩ ـ ٥٩٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٥ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ١٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٤٨٥ ـ ١٧٣٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٢ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٤.

(٧) الفقيه ٢ : ١٥٤ ـ ٦٦٨ ، علل الشرائع : ٤٤٩ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٥ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ١٤.

٣٧٤

لبّده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق » (١).

وابن عمّار : « إذا أحرمت فعقصت رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق ، وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق في الحجّ ، وليس في المتعة إلاّ التقصير » (٢).

وعلى الثلاثة صحيحة أخرى لابن عمّار : « ينبغي للصرورة أن يحلق رأسه ، وإن كان قد حجّ فإن شاء قصّر وإن شاء حلق » ، قال : « وإذا لبّد شعره أو عقصه فإن عليه الحلق ، وليس له التقصير » (٣).

ورواية أبي سعيد : « يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبّد شعره ، ورجل حجّ بدوا لم يحجّ قبلها ، ورجل عقص رأسه » (٤).

ولفظة : « ينبغي » في صحيحة ابن عمّار وإن لم تكن صريحة في الوجوب ، إلاّ أنّ بعد ضمّها مع مفهوم قوله : « وإن شاء » ، إلى آخره ، تصير ظاهرة في الوجوب.

خلافا لجماعة أخر (٥) ، بل نسب إلى الشهرة (٦) ، فحكموا باستحباب الحلق للثلاثة ، للأصل ، وإطلاق قوله سبحانه ( مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ ) ، إلى آخره (٧) ، وقوله عليه‌السلام : « وللمقصّرين » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨٤ ـ ١٧٢٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٢ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٠ ـ ٥٣٣ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٤ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٨.

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٢ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٤٨٤ ـ ١٧٢٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٢١ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٨٥ ـ ١٧٢٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٢ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٣.

(٥) كما في المختلف : ٣٠٨ ، الدروس ١ : ٤٥٣.

(٦) كما في المدارك ٨ : ٨٩ ، الرياض ١ : ٤٠١.

(٧) الفتح : ٢٧.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٤٣ ـ ٨٢٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٣ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٦.

٣٧٥

وضعف الجميع ظاهر بعد دلالة النصوص على التعيين.

ثمَّ إنّ من تخيّر بين الأمرين فالحلق له أفضل ، إجماعا كما عن التذكرة (١) ، له ، وللصحاح المتضمّنة لطلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المغفرة للمحلّقين مرّتين أو ثلاث مرّات ، وللمقصّرين مرّة (٢).

المسألة الثالثة : التخيير إنّما هو في حقّ الرجل ، وأمّا المرأة فيتعيّن عليها التقصير ولا حلق عليها ، بلا خلاف بين الأصحاب يعلم ، كما في الذخيرة (٣) ، بل هو موضع وفاق بين العلماء ، كما في المدارك (٤) ، بل بالإجماع كما عن التحرير والمنتهى وفي المفاتيح وشرحه (٥) ، بل يحرم الحلق عليها ، إجماعا كما عن المختلف وغيره (٦) ، للنبويّ والمرتضويّ ، المنجبرين بما مرّ :

الأول : « ليس على النساء حلق ، إنّما على النساء التقصير » (٧).

والثاني : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تحلق المرأة رأسها » (٨).

وحسنة الحلبي : « ليس على النساء حلق ، وعليهنّ التقصير » (٩).

المسألة الرابعة : الظاهر كفاية المسمّى في كلّ من الحلق والتقصير ، لإطلاق النصوص.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٩٠.

(٢) الفقيه ٢ : ١٣٩ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٤ أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ١١.

(٣) الذخيرة : ٦٨١.

(٤) المدارك ٨ : ٩١.

(٥) التحرير ١ : ١٠٨ ، المنتهى ٢ : ٧٦٣ ، المفاتيح ١ : ٣٦١.

(٦) المختلف : ٣٠٨ ، كشف اللثام ١ : ٣٧٣.

(٧) سنن الدارمي ٢ : ٦٤ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٠٣ ـ ١٩٨٤.

(٨) سنن النسائي ٨ : ١٣٠.

(٩) التهذيب ٥ : ٣٩٠ ـ ١٣٦٤ ، الوسائل ١٣ : ٥١١ أبواب التقصير ب ٥ ح ٢.

٣٧٦

ويستحبّ أن يكون تقصير المرأة قدر أنملة ، لمرسلة ابن أبي عمير : « تقصّر المرأة من شعرها لعمرتها قدر أنملة » (١).

والأكثر حملوها على الندب ، لقصورها عن إثبات الوجوب.

ولمرسلة الفقيه : « يكفيها في التقصير مثل طرف الأنملة » (٢).

ولا يجب أن يكون بالمقراض ولا بالحديد ، بل يكفي لو وقع بالسنّ أو الظفر أو غيرهما ، كما مرّ في تقصير العمرة.

ويستحبّ في الحلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن ، لرواية الحسن بن مسلم (٣) ، وصحيحة ابن عمّار (٤) ، وأن يحلق إلى العظمين ، لرواية غياث بن إبراهيم (٥).

المسألة الخامسة : من ليس على رأسه شعر ـ إمّا خلقة ، كالأقرع ، أو لحلقه في إحرام العمرة ـ يمرّ الموسى على رأسه إجماعا.

لرواية أبي بصير : عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : « عليه دم يهريقه ، فإذا كان يوم النحر أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٨٢٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٠٨ أبواب التقصير ب ٣ ح ٢.

(٢) الفقيه ١ : ١٩٤ ـ ٩٠٨ ، الوسائل ١٣ : ٥١٢ أبواب التقصير ب ٥ ح ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٩ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٨٢٥ ، الوسائل ١٣ : ٥١٦ أبواب التقصير ب ١٠ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٨٢٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٨ أبواب الحلق والتقصير ب ١٠ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٣ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٨٢٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٩ أبواب الحلق والتقصير ب ١٠ ح ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ١٥٨ ـ ٥٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢ ـ ٨٤٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٩ أبواب الحلق والتقصير ب ١١ ح ١.

٣٧٧

ورواية زرارة : إنّ رجلا من أهل خراسان قدم حاجّا وكان أقرع الرأس ولا يحسن أن يلبّي ، فاستفتي له أبو عبد الله عليه‌السلام ، فأمر أن يلبّى عنه ويمرّ الموسى على رأسه ، فإنّ ذلك يجزئ عنه (١).

وفي رواية الساباطي : عن رجل حلق قبل أن يذبح ، قال : « يذبح ويعيد الموسى ، لأنّ الله تعالى يقول ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) (٢) » (٣).

وهل ذلك على سبيل الاستحباب؟ كما عن الأكثر (٤) ، وعن الخلاف الإجماع عليه (٥) ، لضعف الروايات سندا ودلالة على الوجوب.

أو الوجوب؟ لأنّه الظاهر من الأمر في الروايات ، سيّما رواية زرارة المتضمّنة لأمره عليه‌السلام ، وقيل بالوجوب على من حلق رأسه في العمرة والاستحباب للأقرع (٦) ، ولا دليل له.

أقول : المراد بالاستحباب : إمّا كونه أفضل فردي المخيّر من الحلق والتقصير ، كما كان أصل الحلق كذلك ومعه يسقط التقصير ، أو استحبابه بنفسه وإن وجب حينئذ التقصير أيضا لتعيّن الفرد الآخر إذا تعذّر أحدهما.

وكذلك المراد بالوجوب : إمّا كونه أحد فردي الواجب المخيّر فيسقط التقصير ، أو وجوبه بنفسه وإن وجب التقصير.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٤ ـ ١٣ ، التهذيب ٥ : ٢٤٤ ـ ٨٢٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٣٠ أبواب الحلق والتقصير ب ١١ ح ٣.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٨٥ ـ ١٧٣٠ ، الوسائل ١٤ : ٢٢٩ أبواب الحلق والتقصير ب ١١ ح ٣.

(٤) كما في المدارك ٨ : ٩٨ ، الذخيرة : ٦٨٢.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٣١.

(٦) انظر المسالك ١ : ١١٩.

٣٧٨

الظاهر من قوله في رواية زرارة : « فإنّ ذلك يجزئ عنه » أحد الأولين ، بل هو الظاهر من قوله : « حين يريد أن يحلق » في الرواية الاولى ، ومن التعليل في الأخيرة ، مضافا إلى استبعاد استحباب ذلك أو وجوبه مع التقصير ، مع عدم كون نفس الحلق كذلك ، فالوجه هو أحد الأولين.

وهل هو على الاستحباب كما في الحلق ، أو الوجوب؟

الظاهر : الأول ، لقصور الروايات عن إفادة الوجوب دلالة ، سوى رواية زرارة ، وهي وإن أفادت الوجوب ، ولكنّها لكونها قضيّة في واقعة يحتمل أن لم يمكن في حقّه التقصير ، لعدم شعر له أو كان صرورة أو ملبّدا أو معقوصا ، فإنّه يتعيّن حينئذ إمرار الموسى مع عدم إمكان الحلق ، مضافا إلى الاستبعاد المذكور.

المسألة السادسة : يجب أن يكون الحلق أو التقصير بمنى ، حتى لو رحل قبله عمدا أو جهلا أو نسيانا وجب عليه العود إليه للحلق أو التقصير ، بلا خلاف كما قيل (١) ، وفي المدارك : أنّه مما قطع به الأصحاب (٢) ، وعن المدارك والمنتهى : أنّه موضع وفاق (٣) ، وفي المفاتيح وشرحه : أنّه إجماع (٤) ، والظاهر أنّه كذلك ، فهو الدليل على الحكمين ، مضافا إلى رواية أبي بصير المتقدّمة في المسألة الاولى (٥).

وأمّا حسنة مسمع : عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصّر حتى نفر ،

__________________

(١) في الذخيرة : ٦٨٢.

(٢) المدارك ٨ : ٩٥.

(٣) المدارك ٨ : ٩٥ ، المنتهى ٢ : ٧٦٢.

(٤) المفاتيح ١ : ٣٦١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٢ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٤١ ـ ٨١٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠١٢ ، الوسائل ١٤ : ٢١٨ أبواب الحلق والتقصير ب ٥ ح ٤.

٣٧٩

قال : « يحلق رأسه إذا ذكر في الطريق أو أين كان » (١).

ورواية أبي بصير : في رجل زار البيت ولم يحلق رأسه ، قال : « يحلقه بمكّة ، ويحمل شعره إلى منى ، وليس عليه شي‌ء » (٢).

فمحمولتان على من لم يتمكّن من العود ، لاختصاص الرواية بالمتمكّن قطعا ، فهي في قوّة الخاص ، مع أنّه لولاه لزم طرح إطلاق الحسنة ، لمخالفتها لعمل الأصحاب.

ولو تعذّر العود وجب الحلق أو التقصير حيث تذكّر وتمكّن ، بلا إشكال كما في المدارك (٣) ، وبلا خلاف كما في شرح المفاتيح وغيره (٤) ، لإطلاقات وجوب أحدهما ، ووجوب كونه بمنى مع التمكّن لا يوجب سقوطه مع عدمه ، وتؤيّده حسنة مسمع المذكورة.

ويترجّح حينئذ بعث شعره إلى منى بلا خلاف يعلم ، له ، وللأخبار ، منها : رواية أبي بصير المذكورة.

والأخرى : عن الرجل ينسى أن يحلق رأسه حتى ارتحل من منى ، قال : « ما يعجبني أن يلقي شعره إلاّ بمنى ، ولم يجعل عليه شيئا » (٥).

وقريبة منها رواية الكناني (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤١ ـ ٨١٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٥ ـ ١٠١٣ ، الوسائل ١٤ : ٢١٨ أبواب الحلق والتقصير ب ٥ ح ٢. وفيها : « يحلق في الطريق أو أين كان ».

(٢) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٦ ، المقنع : ٨٩ ، الوسائل ١٤ : ٢٢١ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٧.

(٣) المدارك ٨ : ٩٦.

(٤) انظر الرياض ١ : ٤٠٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٤٢ ـ ٨١٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٦ ـ ١٠١٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٢١ أبواب الحلق والتقصير ب ٦ ح ٦.

(٦) الكافي ٤ : ٥٠٣ ـ ٨ ، الوسائل ١٤ : ٢١٨ أبواب الحلق والتقصير ب ٥ ح ٣.

٣٨٠