مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

فيجوز التباعد عنه ، بلا خلاف يعلم ، بل في المفاتيح وشرحه : الإجماع عليه (١).

مع مراعاة الوراء أو أحد الجانبين مخيّرا ، كبعضهم (٢).

أو مرتّبا بتقديم الخلف ـ كآخر (٣) ـ مع الإمكان.

وإن لم يمكن وخاف ضيق الوقت جاز فعلهما في أيّ موضع شاء من المسجد.

وزاد بعضهم في الصورتين مراعاة الأقرب فالأقرب (٤).

واحتجّ لأصل جواز التباعد بصحيحة حسين المتقدّمة. وفي دلالتها نظر كما مرّ.

ولمراعاة الأقرب بالأخبار الآمرة بفعلهما عنده (٥). ولا دلالة لها ، إذ لو كان التباعد بقدر لا يخرج عن العنديّة فيجوز مطلقا ، وإن خرج فيخرج عن مدلول تلك الأخبار.

ولذا اقتصر بعض متأخّري المتأخّرين على المتيقّن (٦) ، وهو تجويز تخصيص التباعد بصورة عدم الإمكان وضيق الوقت ، وهو الأصحّ.

ويدلّ على سقوط اعتبار الخلف حينئذ اختصاص الأمر به بصورة الإمكان ولو بالتأخير قطعا ، فلا أمر به عند عدم الإمكان ، وتبقى إطلاقات إيقاع الصلاة خالية عن المقيّد.

ومنه يظهر وجوب اعتبار العنديّة مع إمكانها وعدم إمكان الخلف ،

__________________

(١) المفاتيح ١ : ٣٧٣.

(٢) كما في الشرائع ١ : ٢٦٨.

(٣) كما في الرياض ١ : ٤٠٦.

(٤) انظر كشف اللثام ١ : ٣٣٩ ، والدرّة النجفية : ١٨٣ ، والرياض ١ : ٤٠٧.

(٥) كما في الوسائل ١٣ : ٤٢٦ أبواب الطواف ب ٧٣.

(٦) كما في الرياض ١ : ٤٠٧.

١٤١

وأمّا بعد سقوطهما فلا دليل على اعتبار الأقرب ولا المسجد.

ج : كلّ ما ذكر إنّما هو في صلاة طواف الفريضة ، وأمّا النافلة فلا يتعيّن لها قرب المقام بلا خلاف ، وفي المفاتيح وشرحه : الإجماع عليه (١) ، بل هو إجماع محقّق.

ويدلّ عليه الأصل ، واختصاص الروايات المعيّنة لمحلّها خلف المقام أو عنده بالفريضة (٢).

وخصوص رواية زرارة : « لا ينبغي أن تصلّي ركعتي طواف الفريضة إلاّ عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، وأمّا التطوّع فحيث شئت من المسجد » (٣).

وظاهرهم الاتّفاق على تعيّن المسجد لمحلّها ، لهذه الرواية ، وفي دلالتها على الشرطية والتعيّن تأمّل.

بل قيل : إنّ ظاهر المرويّ في قرب الإسناد ـ : عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلّي الركعتين خارج المسجد ، قال : « يصلّي بمكّة لا يخرج منها إلاّ أن ينسى ، فيصلّي إذا رجع في المسجد أيّ ساعة أحبّ ركعتي ذلك الطواف » (٤) ـ جواز صلاة ركعتي الطواف النافلة ـ بل مطلقا ـ خارج المسجد بمكّة (٥).

وهو أيضا لا يخلو عن تشويش في الدلالة من جهة تعيين المسجد في صورة النسيان.

__________________

(١) المفاتيح ١ : ٣٧٣.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٤٢٢ أبواب الطواف ب ٧١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٤ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ١٣٧ ـ ٤٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٦ أبواب الطواف ب ٧٣ ح ١.

(٤) قرب الإسناد : ٢١٢ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٧٣ ح ٤.

(٥) انظر الرياض ١ : ٤٠٧.

١٤٢

وبالجملة : تعيين محلّ النافلة وجوبا من الأخبار مشكل ، إلاّ أنّه لم نعثر على مجوّز لإيقاعها خارج المسجد ، فالأحوط عدم التعدّي عن المسجد.

المسألة الثانية : من نسي ركعتي الطواف ، قال : جماعة ـ بل هو الأشهر ـ : إنّه يجب عليه الرجوع إلى المقام مع الإمكان وعدم المشقّة وإتيانهما فيه (١) ، لوجوب امتثال الأوامر الموجبة لهما فيه مطلقا.

وموثّقة عبيد : في رجل طاف طواف الفريضة ولم يصلّ الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ، ثمَّ طاف طواف النساء ولم يصلّ الركعتين حتى ذكر بالأبطح ، فيصلي أربعا ، قال : « يرجع فليصلّ عند المقام أربعا » (٢).

ونحوها صحيحة محمّد ، إلاّ أنّ فيها : « يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّي » (٣).

ورواية ابن مسكان : « إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلّهما ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) » (٤).

وصحيحة الحلاّل : عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي الطواف الفريضة‌

__________________

(١) منهم الشهيد في الدروس ١ : ٣٩٦ ، والكركي في جامع المقاصد ٣ : ١٩٧ ، وصاحب المدارك ٨ : ١٣٤ ، والسبزواري في الذخيرة : ٦٣٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٤٠.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢٥ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٣٨ ـ ٤٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٤ ـ ٨١١ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٩ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٦ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ١٣٨ ـ ٤٥٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٤ ـ ٨١٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٨ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٥ : ١٤٠ ـ ٤٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٤ ـ ٨١٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٥.

١٤٣

فلم يذكر حتى أتى منى ، قال : « يرجع إلى مقام إبراهيم فيصلّيهما » (١) ، وغير ذلك (٢).

ولو تعذّر الرجوع أو شقّ عليه ، صلاّهما حيث تذكّر ، لوجوب الصلاة ، وعدم التكليف بما لا يطاق ويشقّ.

[ و ] (٣) لرواية الكناني : عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين عند مقام إبراهيم في طواف الحجّ والعمرة ، فقال : « إن كان بالبلد صلّى ركعتين عند مقام إبراهيم ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) ، وإن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع » (٤).

وصحيحة ابن عمّار : رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم فلم يذكر حتى ارتحل من مكّة ، قال : « فليصلّهما حيث ذكر ، فإن ذكرهما وهو بالبلد فلا يبرح حتى يقضيهما » (٥).

والروايات الآمرة بإيقاعهما في منى لمن نسيهما حتى أتى منى ، كرواية ابن المثنّى وحنّان (٦) ، ورواية عمر بن البرّاء (٧) ، وموثّقة عمر بن‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٤ ـ ١٢٢٨ ، التهذيب ٥ : ١٤٠ ـ ٤٦٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٤ ـ ٨١٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٠ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٢.

(٢) انظر الوسائل ١٣ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٧٤.

(٣) ما بين المعقوفين أضفناه لاقتضاء السياق.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٣٩ ـ ٤٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٥ ـ ٨١٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٦.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٣ ـ ١٢٢٦ ، التهذيب ٥ : ٤٧١ ـ ١٦٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٨.

(٦) الكافي ٤ : ٤٢٦ ـ ٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٢ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٧.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٥٤ ـ ١٢٢٩ ، التهذيب ٥ : ٤٧١ ـ ١٦٥٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٢.

١٤٤

يزيد (١).

والآمرة بإيقاعهما في مكانه بقرن المنازل لمن نسيهما حتى أتاه ، كموثّقة حنّان (٢) ، وفي صحيحة ابن المثنّى : نسيت ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى مكّة فصلّيتهما ، فذكرنا ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « ألاّ صلاّهما حيث ذكر » (٣).

بحمل تلك الروايات على صورة التعذّر أو المشقّة بشهادة صحيحة أبي بصير : عن رجل نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ، وقد قال الله تعالى ( وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى ) ، حتى ارتحل ، فقال : « إن كان ارتحل فإنّي لا أشقّ عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلّي حيث يذكر » (٤).

أقول : لا يخفى أنّ أخبار إيقاعهما حيث يذكر أخصّ مطلقا من جميع الروايات المتقدّمة الآمرة بإيقاعهما في المقام ، من جهة اختصاص الاولى بالناسي ثمَّ بالمرتحل ، فتخصيص الثانية بها لازم.

وأمّا الأخبار الآمرة للناسي بالرجوع فقاصرة من حيث الدلالة جدّا ، لكون غير اثنتين منها خالية عن الدالّ على الوجوب ، بل غايتها الرجحان.

وأمّا الاثنتان الباقيتان ، فإحداهما : رواية ابن مسكان ، وهي ـ من‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٣٩ ـ ٤٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٥ ـ ٨١٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٩ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٨.

(٢) التهذيب ٥ : ١٣٨ ـ ٤٥٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٤ ـ ٨١٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٠ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٣٩ ـ ٤٦٠ ، وفي الاستبصار ٢ : ٢٣٥ ـ ٨١٧ ، والوسائل ١٣ : ٤٢٩ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٩ بتفاوت يسير.

(٤) التهذيب ٥ : ١٤٠ ـ ٤٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٥ ـ ٨١٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٠ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٠.

١٤٥

حيث تضمّنها لاشتراط التجاوز عن الميقات في الرجوع ، الذي هو غير شرط إجماعا ـ يدخلها الإجمال واحتمال السقوط كما قيل (١) ، مع أنّ محلّ الرجوع فيها غير معلوم ، فلعلّه الحرم ، كما عن الدروس (٢).

وأمّا الأخرى ـ وهي موثّقة عبيد ـ فغايتها وجوب الصلاة في المقام عند الرجوع ، وأمّا وجوب الرجوع فلا ، لمكان الخبريّة ، مع أنّه لو قطع النظر عن جميع ذلك فغايتها التعارض.

وليس حمل أخبار الإيقاع حيث تذكّر على صورة التعذّر أو المشقّة أولى من حمل أخبار الرجوع على الأفضليّة ، بل الأخير أولى ، لفهم العرف وصلاحيّة التجويز حيث أمكن ، للقرينة لحمل الأمر بالرجوع على الاستحباب ، بخلاف العكس ، فإنّه جمع بلا شاهد.

وأمّا صحيحة أبي بصير فلا تدلّ إلاّ على أنّ مطلق مشقّة الرجوع ـ التي لا ينفكّ عنها مرتحل ـ تمنع عن الأمر بالرجوع ، وحينئذ يصير النزاع لفظيّا ، إذ هذا القدر من المشقّة يتحقّق مع الارتحال قطعا ، ولا دليل على اعتبار الزيادة ، سيّما مع ملاحظة عدم الاستفصال في صحيحة ابن المثنّى المتقدّمة.

وتظهر من ذلك قوّة القول بعدم وجوب الرجوع مطلقا وجواز الإيقاع حيث تذكّر ، مع أفضليّة الرجوع مع الإمكان ، كما احتملهما الشيخان في الفقيه والاستبصار (٣) ، ومال إليه في الذخيرة (٤) ، وبعض مشايخنا الأخباريين (٥).

__________________

(١) انظر الوافي ١٣ : ٩١٦.

(٢) الدروس ١ : ٣٩٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٦.

(٤) الذخيرة : ٦٣٠.

(٥) وهو صاحب الحدائق ١٦ : ١٤٥.

١٤٦

وقد رجّح بعض مشايخنا الجمع المشهور بأولويّة التخصيص من المجاز ، وأكثريّة أخبار الرجوع وأصحّيتها وأصرحيّتها ، وأشهريّة هذا الجمع (١).

ويضعّف بمنع أولويّة هذا النوع كما حقّقناه في الأصول ، وكذا منع الأكثريّة والأصحّية والأصرحيّة ، بل الأمر بالعكس في الجميع كما لا يخفى عن الناظر في أخبار الطرفين ، وعدم صلاحية مطلق الأشهريّة للترجيح ، مع أنّ مذهب أكثر القدماء في هذه المسألة غير معلوم.

نعم ، لا شكّ في اختصاص ذلك بالمرتحل عن مكّة ، وأمّا قبله فيجب العود إلى المقام قطعا ، لعدم معارض لمطلقات الأمر بالإيقاع في المقام ، إلاّ مع التعذر أو المشقّة ، فيوقعهما في مكانه ، لأدلّة نفي العسر والحرج النافية لإيجاب الرجوع.

وفي المسألة قول آخر اختاره في الدروس ، وهو : إيجاب الرجوع إلى المقام إلاّ مع التعذّر خاصّة ، ثمَّ يجب معه الإيقاع في الحرم إلاّ مع التعذّر ، فحينئذ يوقعهما حيث أمكن من البقاع (٢).

ولا أرى له مستندا ، بل الظاهر من الأدلّة خلافه ، فيعمل بمطلقات الأمر بالصلاة ، فيوقعهما حيث كان ولو خارج الحرم وعدم تعذّر العود إليه ، بل ولو مع إمكان العود إلى المسجد بدون المشقّة وتعسّر العود إلى المقام ، لإطلاق الأخبار بالصلاة موضع الذكر ، بحيث يشمل خارج الحرم والمسجد ، ولو مع التمكن منهما وصورة المشقّة من غير تعذّر في العود إلى المقام ، بل صراحة صحيحة ابن المثنى وغيرها.

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٤٠٧.

(٢) الدروس ١ : ٣٩٦.

١٤٧

نعم ، لا شكّ أنّ هذا القول أحوط ، والأحوط منه الرجوع إلى المسجد إن أمكن ولم يمكن إلى المقام ، والأحوط من الجميع العود إلى المقام مع الإمكان وإن تضمّن المشقّة.

ثمَّ إنّه كما تجوز للخارج المرتحل الصلاة حيث تذكّر ، تجوز له الاستنابة في الإيقاع في المقام أيضا ، للمستفيضة المصرّحة به :

كصحيحة عمر بن يزيد : « إن كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلّهما ، أو يأمر بعض الناس فليصلّهما عنه » (١).

والأخرى : « من نسي أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكّة فعليه أن يقضي ، أو يقضي عنه وليّه ، أو رجل من المسلمين » (٢).

ومحمّد : عن رجل نسي أن يصلّي الركعتين ، قال : « يصلّى عنه » (٣).

ومرسلة ابن مسكان : عن رجل نسي ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج ، قال : « يوكّل » (٤).

ولا يضرّ عدم التعرّض في الأخيرتين للصلاة بنفسه ، لعدم دلالتهما على وجوب الاستنابة ، بل على الجواز الغير المنافي لجواز غيره أيضا ، كما أنّ كثيرا من أخبار الإيقاع بنفسه لا تنافي جواز الاستنابة لذلك.

مع أنّه ـ على فرض الدلالة على الوجوب ظاهرا في الطرفين أو في أحدهما كما في بعض أخبار الإيقاع بنفسه ـ يجب الحمل على التخيير بشهادة صحيحتي عمر بن يزيد.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٤ ـ ١٢٢٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٧ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤٣ ـ ٤٧٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٣.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٧١ ـ ١٦٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٨ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٤٠ ـ ٤٦٣ ، وفي الاستبصار ٢ : ٢٣٤ ـ ٨١٣ ، والوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٤ بتفاوت يسير.

١٤٨

وجوّز في التحرير والتذكرة الاستنابة مع المشقّة في الرجوع أو التعذّر (١) ، وهو مبنيّ على تخصيصهم عدم وجوب الرجوع بصورة المشقّة أو التعذّر.

وأوجب في المبسوط الاستنابة حينئذ (٢) ، للأخبار المذكورة. وهو ضعيف.

فروع :

أ : الجاهل كالناسي ، وفاقا لصريح جماعة (٣) ، لصحيحة جميل : « الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي » (٤).

ب : مقتضى الأصل ـ في ترك الركعتين عمدا إمّا مطلقا أو في مقام إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ وجوب العود عليه مع الإمكان ، وإلاّ فالبقاء في الذمّة إلى أن يحصل التمكّن ، للاستصحاب وعدم الامتثال.

وعن الشهيد الثاني : جعل العامد كالناسي (٥). ولا وجه له.

بل استشكل بعضهم ـ كصاحبي المدارك والذخيرة ـ في صحّة الأفعال المتأخّرة عنهما (٦) ، ونفي في الأخير البعد عن بطلانها ، وكذا في الكفاية (٧).

__________________

(١) التحرير ١ : ٩٨ ، التذكرة ١ : ٣٦٢.

(٢) المبسوط ١ : ٣٨٣.

(٣) منهم الشهيد في الدروس ١ : ٣٩٧ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٣٠ ، الفيض في المفاتيح ١ : ٣٧٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٥٤ ـ ١٢٣٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٨ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٣.

(٥) كما في المسالك ١ : ١٢١.

(٦) المدارك ٨ : ١٣٦ ، الذخيرة : ٦٣٠.

(٧) كفاية الأحكام : ٦٧.

١٤٩

إمّا لعدم وقوعها على الوجه المأمور به ، وهو كونها بعد الركعتين ، كما ذكره الأول.

أو لأنّ الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضدّه الخاصّ ، المستلزم للفساد في العبادة.

ولا يخفى أنّ الأول إنّما يتمّ لو ثبت وجوب الترتيب بين الركعتين والأفعال المتأخّرة من حيث هو ، وإلاّ فليس ما أتى به غير الوجه المأمور به ، لصدق الإتيان بها.

وأمّا كون الأمر بالشي‌ء نهيا عن ضدّه وإن اقتضى فساد الأعمال المتأخّرة مطلقا عند المشهور ، إلاّ أني بيّنت في الأصول أنّ فيه تفصيلا جريانه في جميع الأفعال المتأخّرة عن الركعتين وفي كلّ وقت غير معلوم.

وفي حكم العامد الجاهل المقصّر في أفعال الصلاة أو في مقدّماته بحيث أوجب بطلان الصلاة ، كمن لا يصحّ غسله أو وضوؤه أو قراءته ونحو ذلك.

والجاهل الذي جعله بمنزلة الناسي إنّما هو الجاهل بأصل وجوب الصلاة للطواف أو في المقام.

والعجب كلّ العجب من بعض مشايخي بالإجازة (١) ، أنّه استجود ما ذكره صاحبا المدارك والذخيرة من قرب بطلان الأفعال المتأخّرة عن الركعتين جميعا ـ التي منها : السعي والوقوفان ـ في طواف العمرة.

ومع ذلك ، لمّا شاهد ما ذكره والدي العلاّمة المحقّق في التحفة الرضويّة : أنّ من قصّر في تصحيح وضوئه وقراءته وركوعه وسجوده‌

__________________

(١) وهو صاحب الرياض ١ : ٤٠٨.

١٥٠

ـ ولأجله بطلت صلاته ـ يحصل الإشكال في صحّة حجّة من جهة بطلان ركعتي طوافه.

اعترض عليه : بأنّه لا وجه لبطلان العمرة والحجّ ببطلان الركعتين ، مع أنّهما ليستا من أركان الحجّ.

ولمّا وصلت إلى خدمته في الحائر الحسيني عليه‌السلام عند مسافرتي إلى بيت الله ـ بعد انتقال والدي إلى جوار الله ـ قال لي : إنّه قد ذكر الوالد المعظّم كذا في التحفة ، ويلزم عليك إخراج ذلك منه ، لئلاّ يتوهّم بعد ذلك وقوع الخلاف في بطلان الحجّ ببطلان الركعتين ، مع أنّه ممّا لم يقل به أحد.

ولم يتيسّر لي ـ بعد ملاحظة المسألة ـ بيان الحال له والعرض عليه.

ج : لو مات الناسي لهما ولم يصلّهما قضاهما عنه الولي ، من غير خلاف بينهم يعرف ، لصحيحتي عمر بن يزيد (١) ومحمّد (٢) المتقدّمتين ، ولا يضرّ شمولهما لصورة الحياة أيضا.

إلاّ أنّ في دلالتهما على الوجوب نظرا ، وكذا في دلالة عمومات وجوب قضاء الفوائت من الصلاة عن الميّت (٣) ، كما مرّ في بحث الصلاة.

والأحوط للوالي القضاء عنه ، وللميّت الوصيّة به له أو لغيره.

ولا يبعد استفادة الوجوب على الوليّ بوجوب قضائه الطواف عنه أو استنابته له كما هو الأقوى ، لصحيحة ابن عمّار : رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : « لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت » ، وقال : « يأمر‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٤٣ ـ ٤٧٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣١ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ١٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٧١ ـ ١٦٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٨ أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٤.

(٣) كما في الوسائل ٨ : ٢٧٦ أبواب قضاء الصلوات ب ١٢.

١٥١

من يقضي عنه إن لم يحجّ ، فإن توفّي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليّه أو غيره » (١).

وهو وإن كان مخصوصا بطواف النساء ، لكن يتعدّى إلى طواف العمرة والزيارة بالطريق الأولى ، أو الإجماع المركّب.

د : قال في المدارك : إطلاق النصّ والفتوى يقتضي أنّه لا يعتبر في صلاة الركعتين وقوعهما في أشهر الحج (٢) ، ونقل عن المسالك اعتباره وجعله أحوط (٣) ، وهو جيّد.

هـ : لا فرق في الأحكام المذكورة بين طواف الحجّ والنساء والعمرة ، للإطلاقات.

المسألة الثالثة : اختلفوا في القران بين الطوافين المفروضين ـ بأن لا يصلّي ركعتي كلّ طواف بعده ، بل يأتي بهنّ أجمع ثمَّ بصلاتهن ، بعد وفاقهم ظاهرا على مرجوحيّته ـ أنّه هل هو حرام ، أم مكروه؟ وعلى الأول : هل هو مبطل ، أم لا؟

فالمشهور ـ كما في النافع والتنقيح ـ : الحرمة (٤) ، وهو الأقرب ، للمستفيضة من الأخبار ، كروايات زرارة (٥) وعمر بن يزيد (٦) وعليّ بن أبي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥١٣ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ ـ ٤٢٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٨ ـ ٧٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٧ أبواب الطواف ب ٥٨ ح ٦.

(٢) المدارك ٨ : ١٣٦.

(٣) المسالك ١ : ١٢١.

(٤) النافع : ٩٣ ، التنقيح ١ : ٥٠٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٥١ ـ ١٢٠٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٠ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤١٩ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١١٥ ـ ٣٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ ـ ٧٥٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٠ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٤.

١٥٢

حمزة (١) ومضمرة صفوان والبزنطي (٢) ، وصحيحة البزنطي (٣).

والمرويّ في السرائر عن كتاب حريز : « لا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة » (٤).

وغير الثلاث الاولى وإن لم يكن صريحا في إفادة الحرمة ولكنّها تستفاد من الثلاث الاولى ، أمّا الأوليان منهما فباعتبار التفصيل القاطع للشركة بين الفريضة والنافلة بنفي البأس ـ الذي هو الحرمة ـ عن النافلة ، وأمّا الثالثة فللأمر المفيد للوجوب فيها بصلاة ركعتين بين كلّ أسبوعين.

ولا تنافي ذلك المستفيضة (٥) المتقدّمة في مسألة زيادة الطواف عن سبعة أشواط ، الآمرة بإضافة الباقي إلى الزائد حتى يتمّ أربعة عشر شوطا ، لعدم كونه في المفروضين ، بل صرّح في كثير منها بكون الأول تطوّعا.

خلافا للحلّي والمدارك والذخيرة ، فيكره مطلقا (٦).

للأصل.

وضعف الأخبار.

والتعبير بالكراهة في الروايتين الأوليين.

وكثرة الأخبار الدالّة على أنّهم قرنوا.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٥ ـ ٣٧٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ ـ ٧٥٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٠ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٥ ـ ٣٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٢١ ـ ٧٦٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٧١ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٦ ـ ٣٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٢١ ـ ٧٦١ ، الوسائل ١٣ : ٣٧١ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ٧.

(٤) مستطرفات السرائر : ٧٣ ـ ١٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٣ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ١٤.

(٥) الوسائل ١٣ : ٣٦٣ أبواب الطواف ب ٣٤.

(٦) الحلي في السرائر ١ : ٥٧٢ ، المدارك ٨ : ١٤٠ ، الذخيرة : ٦٣٥ و ٦٣٦.

١٥٣

والأول : بما مرّ مدفوع.

والثاني : ـ لو كان ـ بما سبق مجبور.

والثالث : بأعميّة الكراهة عن الحرمة في اللغة والشرع مردود.

والرابع : لما مرّ غير معارض ، لكونه إخبارا عن الفعل ، فلعلّه كان في النافلة ، أو الفريضة لحال التقيّة ، كما صرّح به في بعض الأخبار المتقدّمة (١).

وهل هو مبطل ، أم لا؟

لا ينبغي الريب في عدم بطلان الطواف الأول ، لانتفاء المقتضي له رأسا ، لعدم تعلّق نهي به أصلا ، وإنّما تعلّق بالقران الذي لا يصدق إلاّ بالإتيان بالطواف الثاني ، فهو المنهيّ عنه لا الأول ، ولا هما معا.

نعم ، الظاهر بطلان الثاني ، لتعلّق النهي بنفس العبادة حينئذ ، مضافا إلى الأمر بالصلاة بين كلّ أسبوعين في الرواية الثالثة ، المستلزم للنهي عن ضدّه ، وإلى الأخبار الدالّة على فوريّة صلاة الطواف وأنّها تجب ساعة الفراغ منه ولا تؤخّر (٢) ، حيث يستحيل الأمر بشيئين متضادّين في وقت مضيّق ولو لأحدهما.

وأمّا القران بين النافلتين فالظاهر كراهته ، لفتوى جمع من الأصحاب (٣) ، وإطلاق طائفة من الأخبار المذكورة (٤) ، وخصوص ظاهر المرويّ في السرائر المتقدّم.

ولا تنافيها صحيحة زرارة : « إنّما يكره أن يجمع الرجل بين السبوعين

__________________

(١) في ص : ١٥٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٧٦.

(٣) منهم المحقّق في المختصر النافع : ٩٣ ، صاحب المدارك ٨ : ١٤٠ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٥.

(٤) في ص : ١٥٢.

١٥٤

والطوافين في الفريضة ، وأمّا النافلة فلا بأس به » (١).

لأنّ غايتها نفي الحرمة ، لأعميّة الكراهة.

وهل القران بين الفريضة والنافلة كالفريضتين ، أو النافلتين؟

الظاهر : الثاني ، للشكّ في دخوله تحت قوله في الأخبار : « في الفريضة » ، فيبقى تحت الأصل.

فإن قيل : يشكّ في دخوله تحت قوله : « في النافلة » أيضا ، فيبقى تحت العمومات الناهية.

قلنا : كان ذلك حسنا لو كانت العمومات على التحريم دالّة ، وليست كذلك.

وللأخبار المتقدّمة في مسألة الزيادة في الطواف المفروض ، الآمرة بإتمام الزائد الموجب لحصول القران بين المفروض والمندوب (٢).

وصحيحة زرارة الناصّة على أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام زاد في الفريضة حتّى تمّت أربعة عشر شوطا (٣).

المسألة الرابعة : تصلّى ركعتا الطواف الفريضة في كلّ وقت ، حتى الأوقات الخمسة التي قالوا بكراهة النوافل فيها ، للصحاح المستفيضة وغيرها من المعتبرة (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٥١ ـ ١٢٠٧ ، التهذيب ٥ : ١١٥ ـ ٣٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ ـ ٧٥٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٩ أبواب الطواف ب ٣٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٦٣ أبواب الطواف ب ٣٤.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٥ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٧.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٣٤ أبواب الطواف ب ٧٦.

١٥٥

والصحاح المعارضة لها بالمنع (١) محمولة إمّا على التقيّة ـ كما صرّح به شيخ الطائفة (٢) ـ أو على النافلة ، لكراهة ركعتيها على الأشهر ، وإن كانت هي أيضا محلّ نظر ، فتدبّر.

المسألة الخامسة : يستحبّ أن يقرأ في أولاهما : الحمد والتوحيد ، وفي الثانية : الحمد والجحد ، للشهرة ، وخصوص الصحيحة (٣) والموثقة (٤) المتقدّمتين في أول الباب.

وعن موضع من نهاية الشيخ العكس (٥) ، وجعله الشهيد (٦) وجماعة (٧) رواية ، ولم أقف عليها.

__________________

(١) كصحيحة ابن بزيع الواردة في : التهذيب ٥ : ١٤٢ ـ ٤٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٧ ـ ٨٢٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٦ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ١٠.

وصحيحة محمّد بن مسلم الواردة في : التهذيب ٥ : ١٤١ ـ ٤٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٦ ـ ٨٢٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٣٦ أبواب الطواف ب ٧٦ ح ٨.

(٢) في الاستبصار ٢ : ٢٣٧.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٨٦ ـ ٩٧٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٣ أبواب الطواف ب ٧١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٦ ـ ٤٤٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٢٣ أبواب الطواف ب ٧١ ح ٣.

(٥) النهاية : ٧٩ ، وفيه : استحباب قراءة الجحد في ركعتي الطواف.

(٦) الدروس ١ : ٤٠٢.

(٧) كالعلاّمة في التذكرة ١ : ٣٦٣ ، وحكاه في الرياض ١ : ٤١٥ عن جماعة.

١٥٦

الفصل الرابع

في رابع أفعال العمرة ، وهو السعي‌

وفيه أبحاث :

البحث الأول : في مقدّماته ، وهي أمور كلّها مستحبّة :

منها : الطهارة من الحدث ، وهي راجحة بلا خلاف ، له ، وللمستفيضة ، كصحيحة الأزرق المصرّحة بكونه مع الوضوء أحبّ (١).

وكموثّقة ابن فضّال : « ولا تطوف ولا تسعى إلاّ على وضوء » (٢).

وصحيحتي الحلبي (٣) وابن عمّار (٤) ، وروايتي عمر بن يزيد (٥) وأبي بصير (٦) ، الواردة جميعا في ترك الحائض السعي ، القاصرة ـ كالموثّقة ـ عن إفادة الوجوب ، للجملة الخبريّة ، والمعارضة مع ما تأتي إليه الإشارة.

وليست بواجبة على الحقّ المشهور ، بل المجمع عليه ، حيث لا تقدح‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٨ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٥٠ ـ ١٢٠٤ ، التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٤٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٤ أبواب السعي ب ١٥ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣٨ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥٠٨ ، وفي الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٣٩ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٣ : ٤٩٥ أبواب السعي ب ١٥ ح ٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٩٤ ـ ١٣٧٣ ، الاستبصار ٢ : ٣١٤ ـ ١١١٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٤ أبواب السعي ب ١٥ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٩٦ ـ ١٣٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٣١٦ ـ ١١٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٦٠ أبواب الطواف ب ٨٩ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٩٣ ـ ١٣٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٣١٣ ـ ١١١٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٧ أبواب الطواف ب ٨٧ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٧ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٩٤ ـ ١٣٧٥ ، الاستبصار ٢ : ٣١٥ ـ ١١١٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٠ أبواب الطواف ب ٨٤ ح ٥.

١٥٧

فيه مخالفة الشاذّ ، للأصل السالم عن المزيل ، وللمستفيضة بل المتواترة معنى :

كالأخبار الواردة في حدوث الحيض بعد الطواف قبل السعي وأنّها تسعى (١) ، وهي كثيرة جدّا.

والمصرّحة بجواز إتيان جميع المناسك غير الطواف بلا وضوء ، كالصحاح الثلاث لابن عمّار ورفاعة وجميل ، ورواية أبي حمزة :

الاولى : « لا بأس أن تقضي المناسك كلّها على غير وضوء إلاّ الطواف ، فإنّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل » (٢).

والثانية : أشهد شيئا من المناسك وأنا على غير وضوء؟ قال : « نعم ، إلاّ الطواف بالبيت ، فإنّ فيه صلاة » (٣).

والثالث : أينسك المناسك وهو على غير وضوء؟ قال : « نعم ، إلاّ الطواف بالبيت ، فإنّ فيه صلاة » (٤) ، ومثلها الرابعة (٥).

وبجواز خصوص السعي كذلك ، كصحيحة الأزرق ، ورواية الشحّام (٦).

خلافا للمحكيّ عن العماني ، فأوجبها (٧) ، لما مرّ بجوابه.

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ٤٥٩ أبواب الطواف ب ٨٩.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٥٠ ـ ١٢٠١ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٤١ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٣ أبواب السعي ب ١٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥١٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٣ أبواب السعي ب ١٥ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ذ ح ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٦ ـ ٣٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ ـ ٧٦٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٦.

(٦) التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٣٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٤ أبواب السعي ب ١٥ ح ٤.

(٧) حكاه عنه في المختلف : ٢٩٣.

١٥٨

ومنها : الطهارة عن الخبث في الثوب والبدن ، لفتوى الجماعة.

ومنها : استلام الحجر وتقبيله مع الإمكان ، والإشارة إليه مع العدم.

والشرب من زمزم بعد إتيانه.

والصبّ على الرأس والجسد من مائه.

بعد السقي منه بنفسه من الدلو المقابل للحجر الأسود إن كان وأمكن ، وإلاّ فمن غيره.

وتدلّ على الأول : صحيحة ابن عمّار الطويلة ، الواردة في حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها : « ثمَّ صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم ، ثمَّ عاد إلى الحجر فاستلمه ، وقد كان استلمه في أول طوافه ، ثمَّ قال : ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ ) » الحديث (١).

والأخرى الواردة في طواف الحجّ ، وفيها : « ثمَّ صلّ عند مقام إبراهيم » إلى أن قال : « ثمَّ ارجع إلى الحجر الأسود فقبّله إن استطعت ، واستقبله وكبّر ، ثمَّ اخرج إلى الصفا » الحديث (٢).

والحلبي الواردة في حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها : « ثمَّ صلّى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ، ثمَّ قال : ابدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ » (٣).

وعليه وعلى الثاني : صحيحة ابن سنان الواردة فيه أيضا : « فلمّا طاف بالبيت صلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم ، ودخل زمزم فشرب منها ، ثمَّ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، مستطرفات السرائر : ٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ ـ ٤٧٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٠٠ أبواب الطواف ب ٣ ح ١ و ٢ ، بتفاوت.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٨ ـ ٦ ، العلل : ٤١٢ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ٢٢٢ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٤.

١٥٩

قال : اللهم إنّي أسألك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كلّ داء وسقم ، فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة ، ثمَّ قال لأصحابه : ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر ، فاستلمه ثمَّ خرج إلى الصفا ، ثمَّ قال : ابدأ بما بدأ الله به ، ثمَّ صعد إلى الصفا فقام عليها مقدار ما يقرأ الإنسان سورة البقرة » (١).

وابن عمّار : « إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبّله واستلمه أو أشر إليه ، فإنّه لا بدّ من ذلك » ، وقال : « إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج إلى الصفا فافعل وتقول حين تشرب : اللهم اجعله علما نافعا » إلى آخر ما مرّ (٢).

وعليهما وعلى الثالث : صحيحة الحلبي : « إذا فرغ الرجل من طوافه وصلّى ركعتين فليأت زمزم ويستق منه ذنوبا (٣) أو ذنوبين فليشرب منه وليصبّ على رأسه [ وظهره ] وبطنه ويقول : اللهم اجعله علما نافعا » إلى آخر ما مرّ ، ثمَّ قال ـ : « ثمَّ يعود إلى الحجر الأسود » (٤).

ومنه يظهر دليل الرابع أيضا.

وتدلّ عليه وعلى غير الأول ممّا مرّ صحيحة أخرى للحلبي : « يستحبّ أن تستقي من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه وتصبّ على رأسك وجسدك ، وليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر » (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٩ ـ ٧ ، الوسائل ١١ : ٢٢٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ ـ ٤٧٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٢ أبواب السعي ب ٢ ح ١.

(٣) الذنوب : الدلو الملأى ماء وقيل : فيها ماء قريب من المل‌ء ـ الصحاح ١ : ١٢٩.

(٤) الكافي ٤ : ٤٣٠ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٤٤ ـ ٤٧٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٣ أبواب السعي ب ٢ ح ٢ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٥) التهذيب ٥ : ١٤٥ ـ ٤٧٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٤ أبواب السعي ب ٢ ح ٤.

١٦٠