مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

ونحوه ، فيستحبّ الجلوس.

وأن يدعو له ولوالديه وللمؤمنين بالمأثور ، وهو كثير جدّا ، منقول في الأخبار وكتب الأدعية (١).

ويكره الوقوف في أعلى الجبل ، وقيل بتحريمه (٢). وترتفع الكراهة مع الضرورة. وأن يقف راكبا وقاعدا على ما قيل (٣).

كلّ ذلك للأخبار ، كما في أكثرها ، وللاعتبار كما في كثير منها ، وللاشتهار بين العلماء الأبرار كما في جميعها.

ومن المستحبّات : أن يكون متطهّرا حالة الوقوف ، لرواية عليّ : عن الرجل هل يصلح أن يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال : « لا يصلح له إلاّ وهو على وضوء » (٤).

وظاهرها وإن كان الوجوب ، إلاّ أنّه يلزم حمله على الاستحباب ، كما هو المشهور على ما في شرح المفاتيح ، لصحيحة ابن عمّار : « لا بأس أن يقضي المناسك كلّها على غير وضوء ، إلاّ الطواف ، فإنّ فيه صلاة ، والوضوء أفضل » (٥).

وأن يجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، للأخبار (٦).

__________________

(١) انظر الوسائل ١٣ : ٥٣٨ ، ٥٤٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٤ و ١٧.

(٢) انظر المهذب ١ : ٢٥١ ، والسرائر ١ : ٥٧٨.

(٣) كما في الإرشاد ١ : ٣٢٩.

(٤) التهذيب ٥ : ٤٧٩ ـ ١٧٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٥ أبواب إحرام الحج ب ٢٠ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٥٠ ـ ١٢٠١ ، التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥٠٩ ، وفي الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٤١ : والوضوء أفضل على كل حال ، الوسائل ١٣ : ٤٩٣ أبواب السعي ب ١٥ ح ١.

(٦) الوسائل ١٣ : ٥٢٩ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٩.

٢٢١

البحث الثالث

في أحكام الوقوف‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : لو ترك بعض الوقوف الاختياريّ عمدا‌ ـ وهذا إنّما يمكن على غير القول بكفاية المسمّى وإلاّ فلا يكون له جزء ـ فإن كان من أوله بأن يأتي بعد الزوال كثيرا ، أو في وسطه بأن يفيض ثمَّ يعود قبل الغروب ، أو من آخره بأن يفيض قبل الغروب ولم يعد فيكون آثما في الصور الثلاث ، ولكن يصحّ حجّه في جميع الصور بالإجماع ، ولا كفّارة عليه أيضا في الصورة الأولى إجماعا ، له ، وللأصل.

وتجب عليه الكفّارة إجماعا ، في الصورة الأخيرة ، وهي بدنة على المشهور المنصور ، ومع العجز عنها صوم ثمانية عشر يوما ، لصحيحتي مسمع وضريس ، ومرسلة السرّاد :

الاولى : في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ، قال : « إن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان متعمّدا فعليه بدنة » (١).

والثانية : عن رجل أفاض من عرفات من قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكّة أو في الطريق أو في أهله » (٢).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٧ ـ ٦٢١ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٧ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٨٦ ـ ٦٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣ ح ٣.

٢٢٢

والثالثة : في رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس ، قال : « عليه بدنة ، فإن لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما » (١).

خلافا للمحكيّ عن الصدوقين ، فالكفّارة شاة (٢) ، ولا يعرف مستندهما إلاّ ما عن الجامع من قوله : وروي شاة (٣). وهو ضعيف لا يقاوم ما مرّ ، كإطلاق النبويّ : « من ترك نسكا فعليه دم » (٤).

وأمّا في الصورة الثانية فالمشهور ـ كما في شرح المفاتيح ـ سقوط الكفّارة ، وقوّاه بعض مشايخنا (٥) ، للأصل ، واختصاص النصوص المتقدّمة المثبتة لها ـ بحكم التبادر وغيره ـ بصورة عدم الرجوع قبل الغروب.

ونفى في المدارك البعد عن وجوب الكفّارة حينئذ أيضا (٦). وظاهر الذخيرة التردّد (٧).

والأقوى وجوبها ، لإطلاق النصوص المتقدّمة المندفع به الأصل ، وتخصيصها بصورة الرجوع لا وجه له ، والتبادر المتقدّم ذكره لا أفهم وجهه.

قيل : ويستفاد من الصحيحة الثانية جواز صوم هذه الأيّام في السفر وعدم وجوب المتابعة فيها ، تصريحا في الأول وإطلاقا في الثاني كما فيما عداها (٨).

أقول : جعل الأول تصريحا غير جيّد ، لأنّ الطريق أعمّ ممّا نوى فيه‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨٠ ـ ١٧٠٢ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣ ح ٢.

(٢) حكاه عنهما في المختلف : ٢٩٩.

(٣) الجامع للشرائع : ٢٠٧.

(٤) سنن الدار قطني ٢ : ٢٤٤ ـ ٣٩ ، بتفاوت يسير.

(٥) انظر الرياض ١ : ٣٨٤.

(٦) المدارك ٧ : ٣٩٩.

(٧) الذخيرة : ٦٥٣.

(٨) انظر الرياض ١ : ٣٨٤.

٢٢٣

العشرة المخرجة له عن السفر ، فالاستفادة في الأمرين بالإطلاق ، وهو كاف في إثباتهما مع أصالة عدم حرمة الصوم في السفر وعدم وجوب المتابعة.

المسألة الثانية : لو ترك بعض الوقوف الاختياريّ من الأول أو الوسط أو الآخر جهلا ، صحّ حجّه إجماعا ولا شي‌ء عليه من الكفّارات كذلك ، له ، وللأصل ، وصحيحة مسمع المتقدّمة ، ويمكن الاستدلال بها على صحّة الحجّ أيضا كما لا يخفى.

والناسي كالجاهل ، بالإجماع ، بل يمكن إدخاله في الجاهل المنصوص عليه أيضا ، ولو علم أو ذكر قبل الغروب وجب عليه العود مع الإمكان ، امتثالا للأمر الواجب عليه.

المسألة الثالثة : لو ترك الوقوف الاختياريّ بعرفات ـ أي في يوم عرفة رأسا ، أي بجميع أجزائه ـ عمدا ، بطل حجّه إجماعا محقّقا ومحكيّا (١) ، وفي التذكرة والمنتهى والمدارك : أنّه قول علماء الإسلام (٢).

وتدلّ عليه مع الإجماع القاعدة الثابتة ، وهي : عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه ، لأنّ المختار مأمور بالوقوف فيها يوم عرفة. وأمّا الوقوف الاضطراري فهو مخصوص بمن لم يتمكّن من الاختياريّ ، كما يأتي.

والدخل فيها ـ بأنّ الأمر به لا يقتضي دخوله في ماهيّة الحجّ ـ فإنّما يصحّ لو علمنا ماهيّة الحجّ أو قدرا مشتركا ، ولكنّها غير معلومة ، إذ يجري ذلك الدخل في كلّ فعل فعل ، وجعل بعض الأفعال جزءا بالإجماع يجري في ذلك أيضا.

وتدلّ عليه أيضا الأخبار المتعدّدة المصرّحة بأنّ الذين يقفون تحت الأراك لا حجّ لهم (٣).

__________________

(١) كما في الدروس ١ : ٤٢١ ، والرياض ١ : ٣٨٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٣ ، المنتهى ٢ : ٧١٩ ، المدارك ٧ : ٣٩٩.

(٣) كما في الوسائل ١٣ : ٥٣١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠.

٢٢٤

وأكثر تلك الأخبار وإن لم يصرّح فيه بمن وقف في الأراك في الوقت الاختياريّ فيمكن تنزيله على من ترك الوقتين ، إلاّ أنّ صحيحة الحلبي منها ظاهرة في ذلك ، فإنّ فيها : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في الموقف : ارتفعوا عن بطن عرنة ، وقال : أصحاب الأراك لا حجّ لهم » (١).

فإنّ موقفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في الوقت الاختياريّ قطعا ، فالأمر بالارتفاع حينئذ ونفي الحجّ عن أصحاب الأراك فيه ظاهر فيما قلناه.

وأمّا مرسلة ابن فضّال : « الوقوف بالمشعر فريضة والوقوف بعرفة سنّة » (٢) فالمراد بالسنّة فيها مقابل الفرض الذي هو ما ثبت وجوبه بالكتاب.

ومقتضى القاعدة المذكورة وإن كان البطلان بترك جزء من الوقوف الواجب الاختياريّ عمدا ، إلاّ أنّهم خصّوه بمن تركه بجميع أجزائه ، أي ترك المسمّى ، والدليل عليه الإجماع.

وقد يستدلّ عليه أيضا بالأخبار المتقدّمة المتضمّنة لإيجاب الكفّارة على من أفاض قبل الغروب. وهو غير جيّد ، لأنّ وجوب الكفّارة أعمّ من بطلان الحجّ ، إلاّ أن تستقيم الدلالة بالإجماع المركّب ، فتأمّل.

المسألة الرابعة : لو ترك جميع الوقوف الاختياري اضطرارا‌ ـ بأن نسيه ولم يصل إليه لضيق وقته أو لعذر آخر ـ لم يبطل حجّه ولا كفّارة عليه ، بل يجب عليه تداركه ليلة العيد ولو إلى الفجر متّصلا به مع الإمكان إجماعا ، له ، وللنصوص :

كصحيحة الحلبي : عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٣ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٨٧ ـ ٩٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٢ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ١٣ : ٥٥١ أبواب إحرام الحج ب ١٩ ح ١٠.

(٢) الفقيه ـ ٢ : ٢٠٦ ـ ٩٣٧ وفيه : بتفاوت ، التهذيب ٥ : ٢٨٧ ـ ٩٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٢ ـ ١٠٨٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٢ أبواب إحرام الحج ب ١٩ ح ١٤.

٢٢٥

« إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثمَّ يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتمّ حجّة حتى يأتي عرفات ، وإن قدم وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام ، فإنّ الله تعالى أعذر لعبده ، فقد تمَّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل أن يفيض الناس ، فإن لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحجّ ، فليجعلها عمرة مفردة وعليه الحجّ من قابل » (١).

وصحيحة ابن عمّار : في رجل أدرك الإمام وهو بجمع ، فقال : « إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثمَّ يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها وليقم بجمع فقد تمَّ حجّه » (٢).

والأخرى : « كان رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سفر فإذا شيخ كبير ، فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال له : إن ظنّ أنّه يأتي عرفات فيقف قليلا ثمَّ يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها ، وإن ظنّ أنّه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها ، وقد تمَّ حجّه » (٣).

ورواية إدريس : عن رجل أدرك الناس بجمع وخشي إن مضى إلى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها ، فقال : إن ظنّ أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات ، وإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع ثمَّ ليفض مع الناس ، وقد تمَّ حجّه » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٨٩ ـ ٩٨١ ، وفي الاستبصار ٢ : ٣٠١ ـ ١٠٧٦ ، والوسائل ١٤ : ٣٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٢ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٦ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٤ ـ ١٣٩٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٩٠ ـ ٩٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٣ ـ ١٠٨١ ، الوسائل ١٤ : ٣٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٩ ـ ٩٨٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٠١ ـ ١٠٧٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٣.

٢٢٦

وهذه الروايات وإن كانت ظاهرة فيمن لم يتمكّن من إدراك الاختياريّ قاصرة عن التصريح بالناسي ، إلاّ أنّه مستفاد من التعليل المصرّح به في الصحيحة الأولى ، إذ لا شكّ أنّ النسيان من أقوى الأعذار ، بل يمكن الاستدلال به على عذر الجاهل أيضا ـ كما هو ظاهر الذخيرة والدروس (١) ـ إذا كان الجهل ساذجا غير مشوب بتقصير أصلا.

وتؤيّد حكم المضطرّ والناسي والجاهل جميعا المستفيضة من الأخبار الصحيحة وغيرها (٢) الآتية ، المصرّحة بأنّ من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ.

فرعان :

أ : الواجب في الوقوف الاضطراريّ مسمّى الكون ، لا استيعاب الليل ، إجماعا محقّقا ومحكيّا في التذكرة (٣) وغيرها (٤) ، ويدلّ عليه إطلاق الأخبار المتقدّمة ، بل تصريح بعضها بقوله : « قليلا ».

ب : وجوب الوقوف الاختياريّ إنّما هو مع علمه أو ظنّه بأنّه إذا أتى به يدرك الاختياريّ المشعر ، أمّا لو لم يعلم ولم يظنّ ذلك ـ بأن احتمل فواته أو ظنّه أو علمه ـ لا يجب عليه.

أمّا مع ظنّ الفوات أو علمه فلجميع الأخبار المتقدّمة.

وأمّا مع الاحتمال فلصحيحة الحلبي (٥) ، لأنّ معنى قوله : « وإن كان في مهل » أنّه كان كذا بحسب علمه أو ظنّه ، لأنّ الألفاظ وإن كانت للمعاني‌

__________________

(١) الذخيرة : ٦٥٨ ، الدروس ١ : ٤٢١.

(٢) انظر الوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢.

(٣) التذكرة ١ : ٣٧٢.

(٤) انظر المنتهى ٢ : ٧٢١ ، والمدارك ٧ : ٤٠٢.

(٥) المتقدمة في ص : ٢٢٥.

٢٢٧

النفس الأمريّة ، الاّ أنّها مقيّدة بالعلم أو الظنّ في مقام التكاليف ، ولا شك أنّ من يتساوى عنده الطرفان ليس في مهل بحسب علمه أو ظنّه.

ولقوله في رواية إدريس : « وإن خشي » إلى آخره ، فإنّ مع احتمال الفوت تتحقّق الخشية.

المسألة الخامسة : لو ترك اضطراريّ عرفة عمدا‌ بعد ما فات اختياريّها ، بطل حجّه ، كما صرّح به بعض مشايخنا (١) ، بل هو مقتضى إطلاق كثير من عبارات الأصحاب (٢) ، وتدلّ عليه القاعدة المتقدّمة ، وصريح صحيحة الحلبي السابقة ، وبه تخصّص العمومات الدالّة على أنّ من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ (٣).

وأمّا قول الفاضل في القواعد : الوقوف الاختياريّ بعرفة ركن ، من تركه عمدا بطل حجّه (٤).

فلا ينفي ركنية الاضطراريّ ، وإنّما قيّده به ليعلم أنّه لا يجزئ الاقتصار على الاضطراريّ عمدا ، ولذا قيّد في الإرشاد الاجتزاء بالمشعر بعد فوات عرفات بالكلّية ، بقوله : جاهلا أو ناسيا أو مضطرّا (٥).

المسألة السادسة : لو فاته الاضطراريّ أيضا اضطرارا لعذر أو نسيان لم يبطل حجّه إذا أدرك اختياريّ المشعر ، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة (٦) ، بل هو موضع وفاق كما في المدارك (٧) ، بل بالإجماع البسيط‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٣٨٤.

(٢) انظر المنتهى ٢ : ٧١٩ ، والتذكرة ١ : ٣٧٣ ، والذخيرة : ٦٥٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢.

(٤) القواعد ١ : ٨٦.

(٥) الإرشاد ١ : ٣٢٨.

(٦) الذخيرة : ٦٥٣.

(٧) المدارك ٧ : ٤٠٤.

٢٢٨

كما عن عبارات جماعة ، منها : الانتصار والخلاف والغنية والجواهر (١) ، والإجماع المركّب كما عن الانتصار والمنتهى (٢).

فإنّ من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء باختياريّة إذا فات الوقوف بعرفة لعذر ، بل بالإجماع المحقّق ، وهو الحجّة فيه ، مضافا إلى جميع الأخبار المتقدّمة في المسألة الرابعة ، بل وكذا إذا أدرك اضطراريّ المشعر ، كما يأتي.

__________________

(١) الانتصار : ٩٠ ، الخلاف ٢ : ٣٤٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠ ، جواهر الفقه : ٤٣.

(٢) الانتصار : ٩٠ ، المنتهى ٢ : ٧٢٠.

٢٢٩

الفصل الثالث

في الوقوف بالمشعر‌

وهو ثالث أفعال الحجّ ، ويقال له : الجمع ، لاجتماع الناس فيها ، قاله الجوهري (١). أو لجمع آدم فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء ، كما في رواية إسماعيل بن جابر (٢) وغيره. ويقال له المزدلفة أيضا ، كما صرّح به في صحيحة ابن عمّار (٣).

والكلام فيه أيضا إمّا في مقدّماته ، أو كيفيّته ، أو أحكامه ، فهاهنا ثلاث أبحاث :

البحث الأول

في مقدّماته‌

وهي أمور :

منها : الإفاضة من عرفات بعد غروب الشمس من يوم عرفة إلى المشعر ، وهو واجب ، لوجوب المقدّمة.

ومنها : أنّه يستحبّ أن يدعو عند غروب الشمس بما في موثّقة أبي بصير المرويّة في التهذيب ، قال : « إذا غربت الشمس فقل : اللهمّ لا تجعله آخر العهد » إلى آخره (٤).

__________________

(١) الصحاح ٣ : ١١٩٨.

(٢) علل الشرائع : ٤٣٧ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ١٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٧.

(٣) علل الشرائع : ٤٣٦ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ١٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٤ ح ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨٧ ـ ٦٢٢ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٩ أبواب إحرام الحج ب ٢٤ ح ٢.

٢٣٠

وأن يدعو عند إفاضته بما رواه هارون بن خارجة : اللهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أقطع رحما أو ذي جار » (١).

وأن يفيض بالاستغفار ، لصحيحة ابن عمّار : « إذا غربت الشمس فأفض مع الناس وعليك السكينة والوقار ، وأفض بالاستغفار ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (٢) فإذا انتهيت إلى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل : اللهمّ ارحم موقفي ، وزد في علمي ، وسلّم لي في ديني ، وتقبّل مناسكي.

وإيّاك والوجيف الذي يصنعه الناس ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أيّها الناس إنّ الحجّ ليس بوجيف الخيل ولا إيضاع الإبل ، ولكن اتّقوا الله وسيروا سيرا جميلا ، ولا توطئوا ضعيفا ولا توطئوا مسلما ، وتوأّدوا واقتصدوا في السير ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يكفّ ناقته حتى يصيب رأسها مقدّم الرجل ويقول : أيّها الناس عليكم بالدعة ، فسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تتّبع » ، قال : وسمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « اللهمّ أعتقني من النار » يكرّرها حتى أفاض الناس ، فقلت : ألا تفيض ، فقد أفاض الناس؟ قال : « إنّي أخاف الزحام وأخاف أن أشرك في عنت إنسان » (٣).

أقول : الوجيف والإيضاع كلاهما بمعنى الإسراع. وتوأّدوا من التؤدة وهي : التأنّي. والعنت : المشقّة.

ومنها : أنّه يستحبّ أن يقتصد في السير إلى المشعر ويتوسّط بسكينة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٧ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١ ح ٣.

(٢) البقرة : ١٩٩.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٧ ـ ٦٢٣ ، الوسائل ١٤ : ٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١ ح ١ ، بتفاوت يسير.

٢٣١

ووقار ، لما تقدّم في صحيحة ابن عمّار.

ومنها : أن يدعو عند الكثيب الأحمر ـ أي التلّ من الرمل عن يمين الطريق ـ بما مرّ في الصحيحة استحبابا.

ومنها : أن يؤخّر صلاة المغرب والعشاء إلى المشعر وإن ذهب ربع الليل بل ثلثه بلا خلاف ، بل عن المنتهى : الإجماع عليه (١).

وهو راجح بالإجماع.

ولصحيحة الحلبي وابن عمّار : « لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعا ، فصلّ بها المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين » (٢).

ومحمّد : « لا تصلّ المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل » (٣).

ومنصور : « صلّوا المغرب والعشاء بجمع بأذان واحد وإقامتين ، ولا تصلّ بينهما شيئا » (٤).

ومضمرة سماعة : عن الجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بجمع ، قال : « لا تصلّهما حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمعهما بأذان واحد وإقامتين كما جمع بين الظهر والعصر بعرفات » (٥).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٢٣.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٨٨ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ١٤ : ١٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٨ ـ ٦٢٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٤ ـ ٨٩٥ ، الوسائل ١٤ : ١٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٥ ـ ٨٩٩ ، الوسائل ١٤ : ١٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٣ ، وفيها : صلاة المغرب والعشاء ..

(٥) التهذيب ٥ : ١٨٨ ـ ٦٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٤ ـ ٨٩٤ ، الوسائل ١٤ : ١٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٢.

٢٣٢

وليس بواجب على الأظهر الأشهر وإن أفاده ظاهر ما مرّ ، لأنّ الأمر فيما مرّ للاستحباب بقرينة صحيحة هشام بن الحكم : « لا بأس أن يصلّي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة » (١).

ومحمّد : « عثر محمل أبي بين عرفة والمزدلفة ، فنزل فصلّى المغرب وصلّى العشاء بالمزدلفة » (٢).

واستدلّ برواية محمّد بن سماعة أيضا : للرجل أن يصلّي المغرب والعتمة في الموقف؟ قال : « قد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاّهما في الشعب » (٣).

أقول : الشعب بالكسر : يقال للطريق في الجبل ، ولمسيل الماء في بطن أرض ، ولما انفرج بين جبلين.

وهذا الحديث ليس نصّا على أنّ السائل أراد بالموقف عرفات ، فيجوز أن يحمل على المشعر ، ويراد بالشعب بطن الوادي الذي قريب منه الذي ورد الأمر بالنزول به.

خلافا لظاهر الشيخ في الخلاف والنهاية والعماني وابن زهرة ، فأوجبوا التأخير (٤) ، لما مرّ بجوابه.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٨٩ ـ ٦٢٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٥ ـ ٨٩٨ ، الوسائل ١٤ : ١٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١٨٩ ـ ٦٢٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٥ ـ ٨٩٧ ، الوسائل ١٤ : ١٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٩ ـ ٦٢٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٥ ـ ٨٩٦ ، الوسائل ١٤ : ١٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٥ ح ٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٤٠ ، النهاية : ٢٥١ ، ٢٥٢ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٢٩٩ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٠.

٢٣٣

ومنها : أن يجمع بين الصلاتين بأذان واحد وإقامتين استحبابا ، ولا يأتي بنوافل المغرب بينهما ، بالإجماع المحقّق والمحكيّ مستفيضا (١) ، له ، وللصحيحين ، والمضمرة المتقدّمة.

وليس ذلك بواجب ، لصحيحة أبان : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام بالمزدلفة ، فقام فصلّى المغرب ثمَّ صلّى العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ، ثمَّ صلّيت خلفه بعد ذلك بسنة ، فلمّا صلّى المغرب قام فتنفّل بأربع ركعات (٢).

ومنها : أن يأتي بنوافل المغرب بعد العشاء ، وفي المدارك : أنّه قول علمائنا أجمع (٣) ، لروايتي عنبسة :

إحداهما : إذا صلّيت المغرب بجمع أصلّي الركعات بعد المغرب؟

قال : « لا ، صلّ المغرب والعشاء ثمَّ تصلّي الركعات بعد » (٤).

والثانية : عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة ، فقال : « صلّها بعد العشاء أربعة ركعات » (٥).

والأمر فيها ليس للوجوب قطعا ، لاستحباب أصل النافلة ، ولصحيحة أبان المتقدّمة ، فيكون ذلك أيضا مستحبّا.

__________________

(١) كما في الخلاف ٢ : ٣٤٠ و ٣٤١ ، والذخيرة : ٦٥٦.

(٢) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٦ ـ ٩٠١ ، الوسائل ١٤ : ١٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٥ ، وفيها : صلّيت خلف أبي عبد الله عليه‌السلام المغرب بالمزدلفة ..

(٣) المدارك ٧ : ٤٢٠.

(٤) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣١ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٥ ـ ٩٠٠ ، وفي الوسائل ١٤ : ١٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٤ : ثمَّ صلّ ..

(٥) الكافي ٤ : ٤٦٩ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ١٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦ ح ٢.

٢٣٤

البحث الثاني

في كيفيته‌

وهي أيضا بين واجبة ومندوبة ، فيها هنا مقامان :

المقام الأول : في واجباته ، وهي أمور :

الأول : النيّة كما مرّ مرارا ، ولينو أنّ وقوفها لحجّة الإسلام أو غيرها ، ليحصل التمييز إن كان هنا وجه اشتراك.

ويظهر من بعض الأخبار الآتية حصول الوقوف الواجب بالصلاة في الموقف أو الدعاء فيه وإن لم يعلم أنّه الموقف ولم ينو الوقوف ، ولا يبعد أن يكون كذلك في صحّة الحجّ وأن توقّف ترتّب ثواب الوقوف بخصوصه على نيّته.

الثاني : أن يكون وقوفه بالمشعر ، وحدّه ما بين المأزمين إلى الحياض وإلى وادي محسّر ، بلا خلاف بين الأصحاب يعلم كما في الذخيرة (١) ، بل بالإجماع كما في غيره (٢) ، وقد صرّح بذلك التحديد في صحاح ابن عمّار (٣) وأبي بصير (٤) وزرارة (٥) وموثّقة إسحاق (٦).

__________________

(١) الذخيرة : ٦٥٧.

(٢) كالمنتهى ٢ : ٧٢٦ ، والمدارك ٧ : ٤٢١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٣ ، الوسائل ١٤ : ١٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧١ ـ ٦ ، الوسائل ١٤ : ١٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ٤.

(٥) التهذيب ٥ : ١٩٠ ـ ٦٣٤ ، الوسائل ١٤ : ١٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤٧١ ـ ٥ ، الوسائل ١٤ : ١٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٨ ح ٥.

٢٣٥

والمأزمان : جبلان بين عرفات والمشعر ، أو مضيق بينهما كما مرّ (١).

ووادي محسّر : واد معروف.

قال والدي العلاّمة ـ قدس‌سره ـ في المناسك المكّية ما ترجمته : ابتداء وادي محسّر بالنسبة إلى من يذهب من المشعر إلى منى انتهاء المشعر ، وهو موضع بين جبلين في عرض الطريق ، فيها أحجار منصوبة تنحدر فيه الأرض ، ومنه إلى أربعين وخمسمائة ذراع داخل في وادي محسّر. انتهى.

ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل ، بلا خلاف كما صرّح به جمع (٢) ، بل بالإجماع كما حكاه جمع آخر (٣) ، وتدلّ عليه موثّقة سماعة (٤).

وفي جواز الارتفاع إليه اختيارا مع الكراهة وعدمه ، قولان ، والأحوط الترك.

الثالث : أن يكون الوقوف في وقت معيّن ، وهو للرجل المختار غير ذي العذر ما بين الطلوعين من يوم النحر ، وللمرأة والرجل ذي العذر ما بين غروب الشمس ليلة النحر إلى طلوع الشمس ، ولغير المتمكّن من إدراك الوقتين من طلوع الشمس إلى الزوال.

أمّا الأول فهو الأظهر الأشهر ، وفي الذخيرة : أنّه المعروف (٥) ، وفي المدارك والمفاتيح وشرحه : عليه الإجماع (٦).

__________________

(١) في ص : ٢١٣.

(٢) حكاه في الرياض ١ : ٣٨٦.

(٣) كصاحب المدارك ٧ : ٤٢٢ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٥٧.

(٤) التهذيب ٥ : ١٨٠ ـ ٦٠٤ ، الوسائل ١٤ : ١٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٩ ح ٢.

(٥) الذخيرة : ٦٥٦.

(٦) المدارك ٧ : ٤٣١ ، المفاتيح : ٣٤٧.

٢٣٦

وتدلّ عليه صحيحة ابن عمّار : « أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر ، فقف إن شئت قريبا من الجبل وإن شئت حيث تبيت ، فإذا وقفت فاحمد الله عزّ وجلّ » إلى أن قال : « ثمَّ أفض حين يشرق لك ثبير (١) وترى الإبل مواضع أخفافها » (٢).

ومرسلة جميل : « لا بأس أن يفيض الرجل بليل إذا كان خائفا » (٣) ، دلّت بالمفهوم على ثبوت البأس مع عدم الخوف.

خلافا للمحكيّ عن الدروس ، فجعل الوقت الاختياريّ ليلة النحر إلى طلوع الشمس (٤) ، ونسبه بعضهم إلى ظاهر الأكثر (٥) ، نظرا إلى حكمهم بجبر الإفاضة قبل الفجر بدم شاة فقط وبصحّة الحجّ لو أفاض قبله.

وفيه : أنّ الجبر بالدم لو لم يكن قرينة على تحريم الإفاضة لم يشعر بجوازها ولو لم يذكر غيره ، بل هو بنفسه كاف في الإشعار بعدم الجواز عند الأكثر ، وصحّة الحجّ مع الإفاضة لا تنافي الإثم ، مع أنّ في الصحّة كلاما يأتي.

ويشبه أن يكون النزاع لفظيّا ، فيكون مراد من جعل ما بين الطلوعين خاصّة الوقت الاختياريّ ما يحرم ترك الوقوف فيه ، ومن ضمّ معه قبل الفجر أراد ما يوجب تركه عمدا بطلان الحجّ.

__________________

(١) ثبير : جبل بين مكّة ومنى ويرى من منى وهو على يمين الداخل منها إلى مكّة ـ المصباح المنير : ٨٠.

(٢) في الكافي ٤ : ٤٦٩ ـ ٤ والوسائل ١٤ : ٢٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١١ ح ١ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ١٩١ ـ ٦٣٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٩٤ ـ ٦٤٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٧ ـ ٩٠٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ١.

(٤) الدروس ١ : ٤٢٤.

(٥) كما في الرياض ١ : ٣٨٧.

٢٣٧

وكيف كان ، فاستدلّ لهذا القول بصحيحة هشام بن سالم : « والتقدّم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار ويصلّون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس » (١).

وإطلاق رواية مسمع : في رجل وقف مع الناس بجمع ثمَّ أفاض قبل أن يفيض الناس ، قال : « إن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة » (٢) ، ولو وجب الوقوف بعد الفجر لما سكت عن أمره بالرجوع.

وإطلاق الأخبار بأنّ من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحجّ.

ويردّ الأول : بكونه أعمّ مطلقا ممّا مرّ ، لاختصاص ما مرّ بغير المضطرّ ، فيجب التخصيص به.

والثاني : بأنّ عدم الذكر لا يدلّ على العدم ، ولذا سكت في أخبار الإفاضة من عرفات قبل غروب الشمس (٣) عن العود ، واكتفى بذكر الكفّارة فقط ـ كما مرّ ـ مع وجوبه.

والثالث : بأنّ إدراك الحجّ بشي‌ء لا ينافي وجوب غيره أيضا ، مع أنّه أيضا كالأول أعمّ مطلقا ممّا مرّ.

نعم ، روى عليّ بن عطية ، قال : أفضنا من المزدلفة بليل أنا وهشام ابن عبد الملك الكوفي ، وكان هشام خائفا ، فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر ، فقال لي هشام : أي شي‌ء أحدثنا في حجّتنا ، فنحن كذلك إذ لقينا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٣ ـ ٦٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٦ ـ ٩٠٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٨.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٨٤ ـ ١٣٩٣ ، التهذيب ٥ : ١٩٣ ـ ٦٤٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٦ ـ ٩٠٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٦ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣.

٢٣٨

أبو الحسن موسى عليه‌السلام وقد رمى الجمار وانصرف ، فطابت نفس هشام (١).

إلاّ أنّها قضيّة في واقعة ، فلعلّه عليه‌السلام كان ذا عذر ، مع أنّ المراد إدراك الوقوف والمراد الشرعيّ ، وكونه وقوفا شرعيّا ممنوع.

وأمّا الثاني فهو أيضا ثابت بالإجماعين (٢) ، ونسبه في المنتهى إلى كلّ من يحفظ عنه العلم (٣).

وتدلّ عليه ـ مضافا إلى الإجماع ، ومطلقات إدراك الحجّ بإدراك قبل المشعر طلوع الشمس ، حيث إنّ ما مرّ من موجبات الوقوف بعد الفجر لا يعمّ النساء قطعا ، بل مخصوص بالرجال ـ المستفيضة من الصحاح وغيرها ، كصحيحة ابن عمّار الطويلة ، المتضمّنة لصفة حجّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ، ومرسلة جميل المتقدّمة ، ورواية أبي بصير [ وصحيحتيه ] (٥) ورواية سعيد السمّان ، وصحيحة الأعرج ، ورواية عليّ بن أبي حمزة :

الأولى : « لا بأس بأن تقدّم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر الحرام ساعة ، ثمَّ ينطلق بهنّ إلى منى فيرمين الجمرة ، ثمَّ يصبرن ساعة ، ثمَّ ليقصّرن وينطلقن إلى مكّة فيطفن ، إلاّ أن يكنّ يردن أن يذبح عنهن ، فإنّهنّ يوكّلن من يذبح عنهن » (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٦٣ ـ ٨٩٧ ، الوسائل ١٤ : ٧١ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤ ح ٣.

(٢) انظر المدارك ٧ : ٤٢٧ ، والذخيرة : ٦٥٧.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٢٦.

(٤) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، مستطرفات السرائر : ٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٥) في النسخ : وصحيحته ، والصحيح ما أثبتناه.

(٦) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٦ ، الوسائل ١٤ : ٣٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٧ بتفاوت يسير ، عبّر الماتن عنها بالرواية ، باعتبار ضعفها بمحمد بن سنان بسند الكافي ، ولكنها صحيحة بسند الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٨٣ ـ ١٣٩٢.

٢٣٩

والثانية : « رخّص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل ، وأن يرموا الجمار بليل ، وأن يصلّوا الغداة في منازلهم ، فإن خفن الحيض مضين إلى مكّة ووكّلن من يضحّي عنهن » (١).

والثالثة : « رخّص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للنساء والضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل ، وأن يرموا الجمرة بليل ، فإن أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهم » (٢).

والرابعة : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عجّل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى ، فأمر من كان عليها منهنّ هدي أن ترمي ولا تبرح حتى تذبح ، ومن لم يكن عليها منهنّ هدي أن تمضي إلى مكّة حتى تزور » (٣).

والخامسة : « أفض بهنّ بليل ولا تفض بهنّ حتى تقف بهنّ بجمع ، ثمَّ أفض بهنّ حتى تأتي بهنّ الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فإن لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصّرن من أظفارهن ، ثمَّ يمضين إلى مكّة في وجوههن ، ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة ، ثمَّ يرجعن إلى البيت فيطفن أسبوعا ، ثمَّ يرجعن إلى منى وقد فرغن من حجّهن » وقال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرسل أسامة معهن » (٤).

والسادسة : « أيّ امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر الحرام ليلا فلا بأس ، فليرم الجمرة ، ثمَّ ليمض وليأمر من يذبح عنه ، وتقصّر المرأة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٤ ـ ٦٤٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٧ ـ ٩٠٦ ، الوسائل ١٤ : ٢٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٥ ـ ٨ ، الوسائل ١٤ : ٣٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٦.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٣ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٥ ـ ٦٤٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٢.

٢٤٠