مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

ويدعو بالمأثور فيهما وفي صحيحة ابن سنان (١) ، ويقرّ لله عنده بذنوبه ويعدّدها مفصّلة ويستغفر الله لها ، للصحيحة والموثّقة المذكورتين ، وصحيحة أخرى لابن عمّار ، المتضمّنة لفعل أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

ولو نسي الالتزام وتجاوز عن الملتزم ، قيل : رجع والتزم (٣) ، لعموم جملة من النصوص (٤) ، وعدم لزوم زيادة في الطواف ، لأنّه لا ينوي بالزائد الطواف.

وقيل : لا يرجع (٥) ، لمنع العموم المذكور ، ولزوم الزيادة المنهيّ عنها ، لعدم تقييد النهي عنها بالنيّة.

أقول : صحيحة ابن عمّار وموثّقته وإن لم تكونا عامّتين ولا مطلقتين ـ لتعليق الحكم فيهما بما إذا انتهى إلى الملتزم فلا يشمل ما إذا تجاوز عنه ، والرجوع عودا وقضاء محتاج إلى دليل ـ ولكن صحيحة ابن سنان مطلقة تصلح لإثبات الحكم ، ولا يعارضها لزوم الزيادة ، إذ يأتي في بحث الأحكام أنّ المنهيّ عنها ما كان بقصد الطواف.

إلاّ أنّه تعارضها صحيحة ابن يقطين : عمّن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني ، أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر ، أو يدع ذلك؟ قال : « يترك اللزوم » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٠ ـ ٣ ، التهذيب ١٠٧ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٤ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٠ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٦ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ٥.

(٣) المختصر النافع : ٩٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٤٤ أبواب الطواف ب ٢٦.

(٥) كما في التهذيب ٥ : ١٠٨.

(٦) التهذيب ٥ : ١٠٨ ـ ٣٥٠ وفيه : « يترك الملتزم » ، الوسائل ١٣ : ٣٤٩ أبواب الطواف ب ٢٧ ح ١.

٨١

دلّت على رجحان ترك اللزوم المنافي لاستحبابه المستفاد من إطلاق صحيحة ابن سنان ، فيقيّد الإطلاق بما إذا لم يتجاوز.

نعم ، هي مقيّدة بصورة التجاوز عن الركن ، فترجيح ترك اللزوم المستفاد منها إنّما هو في هذه الصورة ، فلا معارض للإطلاق فيما دونه ، ولذا استحسن في الدروس والمدارك الرجوع إذا لم يبلغ الركن (١) ، وهو جيّد.

ومنها : أن يستلم الركنين الأعظمين : العراقي واليماني ، بالإجماع والمستفيضة ، كرواية الشّحام : كنت أطوف مع أبي عبد الله عليه‌السلام ، وكان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده وقبّله ، وإذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه (٢).

وأبي مريم : كنت مع أبي جعفر عليه‌السلام أطوف فكان لا يمرّ في طواف من طوافه بالركن اليماني إلاّ استلمه ، ثمَّ يقول : « اللهم تب عليّ حتى أتوب واعصمني حتى لا أعود » (٣).

وصحيحة ابن سنان ، وفيها : « إذا كنت في الطواف السابع » إلى أن قال : « ثمَّ استلم الركن اليماني ، ثمَّ ائت الحجر فاختم به » (٤).

والأخبار الآتية بعضها ، المتضمّنة لاستلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهذين الركنين.

بل يستحبّ استلام الأركان الأربعة ، لصحيحة الخراساني : أستلم‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٠٢ ، المدارك ٨ : ١٦٥.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٨ ـ ١٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٨ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ٣ وفيه : كنت أطوف مع أبي ، وكان إذا ..

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٩ ـ ١٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٤ أبواب الطواف ب ٢٠ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٤ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ١.

٨٢

اليماني والشامي [ والعراقي ] والغربي؟ قال : « نعم » (١).

وجميل بن صالح ، وفيها : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يستلم الأركان كلّها (٢).

وحسنة الكاهلي : « طاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقته العضباء (٣) ، وجعل يستلم الأركان بمحجنه ويقبّل المحجن » (٤).

والخلاف هنا في موضعين :

أحدهما : في استلام الركنين الآخرين ، فلم يستحبّهما الإسكافي (٥) (٦) ، لرواية غياث بن إبراهيم المصرّحة بأنّه : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستلم إلاّ الركن الأسود واليماني » (٧).

وصحيحة جميل بن صالح ، وفيها ـ بعد ذكر عدم استلام رسول الله لهما ـ : « إنّ رسول الله استلم هذين ولم يعرض لهذين ، فلا تعرض لهما ، إذ لم يعرض لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٨).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٠٦ ـ ٣٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ ـ ٧٤٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٤ أبواب الطواف ب ٢٥ ح ٢ ، وما بين المعقوفين أثبتناه من الوسائل.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٨ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ١٠٦ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٧ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ١.

(٣) الناقة العضباء : مشقوقة الاذن ، أو هو علم لها ـ مجمع البحرين ٢ : ١٢٣ ، النهاية الأثيرية ٣ : ٢٥١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٩ ـ ١٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٤١ أبواب الطواف ب ٨١ ح ١.

(٥) حكاه عنه في المختلف : ٢٩٠.

(٦) في « ق » و « س » زيادة : بل منعه ، وعليه الفقهاء الأربعة.

(٧) الكافي ٤ : ٤٠٨ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ١٠٥ ـ ٣٤١ ، الاستبصار ٢ : ٢١٦ ـ ٧٤٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٧ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ٢.

(٨) الكافي ٤ : ٤٠٨ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ١٠٦ ـ ٣٤٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٧ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ١.

٨٣

وأجيب عنهما : بأنّهما حكاية فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلعلّه لأقلّية الفضل بالنسبة إلى الركنين الأعظمين ، ولم يقل إنّ استلامهما محظور أو مكروه (١).

وفيه : أنّ الأخيرة تتضمّن قوله للسائل : « فلا تعرض لهما » ، وهو إمّا يفيد الحظر أو الكراهة ، فالأولى الجواب بالمعارضة مع ما سبق ، وترجيح ما سبق بمخالفة العامّة.

والثاني : في استحباب استلام الركن اليماني ، فأوجبه الديلمي (٢) ، للأمر به من غير معارض.

وأجيب بعدم الأمر به ، بل غايته بيان فعلهم عليه‌السلام ، وهو أعمّ من الوجوب (٣).

وفيه : أنّ صحيحة ابن سنان متضمّنة للأمر المفيد للوجوب ، فالأولى أن يجاب عنه بشذوذ الدالّ على الوجوب ، فلا ينهض حجّة إلاّ لإثبات الرجحان.

والمراد باستلام الأركان : التزامها وإلصاق البطن عليها ، كما صرّح به في صحيحة يعقوب بن شعيب (٤) المتقدّمة في استلام الحجر ، فإنّ المستفاد منها أنّ المراد من الاستلام للركن ـ حيث يطلق في الأخبار (٥) ـ الالتزام ، وتؤكّده رواية الشحّام (٦) المتقدّمة.

ويستحبّ الدعاء عند الركن اليماني وطلب الحاجات.

__________________

(١) الرياض ١ : ٤١٤.

(٢) المراسم : ١١٠.

(٣) كما في الرياض ١ : ٤١٤ ـ ٤١٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٠٤ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٤ أبواب الطواف ب ١٥ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٣ : ٣٣٧ أبواب الطواف ب ٢٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤٠٨ ـ ١٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٨ أبواب الطواف ب ٢٢ ح ٣.

٨٤

ففي رواية السندي : « إنّه ما من مؤمن يدعو عنده إلاّ صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش ما بينه وبين الله حجاب » (١).

وفي روايتي العلاء بن المقعد : « إنّ الله عزّ وجلّ وكّل بالركن اليماني ملكا هجيرا يؤمّن على دعائكم » (٢).

ويستحبّ أن يدعو عنده بعد استلامه بما في رواية أبي مريم المتقدّمة ، وأن يصلّي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلما بلغه ، لحسنة البختري (٣).

ومنها : أن يصلّي على النبي وآله كلّما انتهى إلى باب الكعبة ، لموثّقة ابن عمّار (٤).

وأن يرفع رأسه إذا بلغ حجر إسماعيل قبل أن يبلغ الميزاب ، وينظر إلى الميزاب ، ويقول : اللهم أدخلني الجنّة برحمتك ، وأجرني من النار برحمتك ، وعافني من السقم ، وأوسع عليّ من الرزق الحلال ، وادرأ عنّي شرّ فسقة الجنّ والإنس وشرّ فسقة العرب والعجم ، لرواية عمرو بن عاصم (٥) ، وصحيحة عاصم بن حميد (٦).

وأن يدعو إذا انتهى إلى ظهر الكعبة حين يجوز حجر إسماعيل بما في صحيحة ابن أذينة ، وهو « يا ذا المنّ والطول والجود والكرم إنّ عملي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٩ ـ ١٥ ، التهذيب ٥ : ١٠٦ ـ ٣٤٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٢ أبواب الطواف ب ٢٣ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٨ ـ ١١ و ١٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٤١ أبواب الطواف ب ٢٣ ح ١ و ٢ ، بتفاوت يسير في الثانية.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٩ ـ ١٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٧ أبواب الطواف ب ٢١ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٤٠٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٠٤ ـ ٣٣٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٣ أبواب الطواف ب ٢٠ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٠٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٤ أبواب الطواف ب ٢٠ ح ٥.

(٦) التهذيب ٥ : ١٠٥ ـ ٣٤٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٤ أبواب الطواف ب ٢٠ ذيل الحديث ٥.

٨٥

ضعيف فضاعفه لي وتقبّله مني إنّك أنت السميع العليم » (١).

وأن يقول بين الركن اليماني والحجر : ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ، لصحيحتي ابن سنان (٢) وابن عمّار (٣).

فائدتان :

الأولى : يستحبّ التطوّع بثلاثمائة وستين طوافا ، كلّ طواف سبعة أشواط بلا خلاف.

لصحيحة ابن عمّار : « يستحبّ أن تطوف ثلاثمائة وستين أسبوعا عدد أيّام السنة ، فإن لم تستطع فثلاثمائة وستين شوطا ، فإن لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف » (٤).

ونحوها الرضوي ، إلاّ أنّ أوله : « يستحبّ أن يطوف الرجل بمقامه بمكّة » (٥).

والظاهر أنّ استحباب ذلك في مدّة الإقامة بمكّة لمن دخله حاجّا ويسافر عنه ، كما هو الظاهر من الخطاب في الصحيحة إلى ابن عمّار والمصرّح به في الرضوي ، ولو لم يخرج فالظاهر من قوله : « عدد أيام السنة » استحباب ذلك في عامه أو في كلّ عام ، كذا قيل (٦) ، ولا بأس به.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٠٧ ـ ٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٥ أبواب الطواف ب ٢٠ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٠٨ ـ ٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٤ أبواب الطواف ب ٢٠ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٦ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٣٣ أبواب الطواف ب ٢٠ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٩ ـ ١٤ ، الفقيه ٢ : ٢٥٥ ـ ١٢٣٦ ، التهذيب ٥ : ١٣٥ ـ ٤٤٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٠٨ أبواب الطواف ب ٧ ح ١.

(٥) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٠ ، مستدرك الوسائل ٩ : ٣٧٧ أبواب الطواف ب ٦ ح ١.

(٦) الرياض ١ : ٤١٥.

٨٦

ولو لم يستطع ـ لضيق الوقت أو مانع آخر ـ فيطوف بهذا العدد أشواطا ، فتكون جميع الأشواط واحدا وخمسين طوافا وثلاثة أشواط ، وينوي بكلّ سبعة أشواط طوافا ، وتبقى في الآخر عشرة يجعلها أيضا طوافا واحدا على المشهور.

ولا بأس بالزيادة ، لأنّها ليست من القرآن المكروه في النافلة ، لأنّه لا يكون إلاّ بين أسبوعين ، ولو كان فيكون هذا مستثنى بالنصّ ، وأمّا مطلق الزيادة فكراهته في النقل (١) غير ثابتة ، فمتى ثبت من الشرع تكون مستحبّة.

وقال ابن زهرة (٢) : يضمّ أربعة أشواط أخر ، لتكمل الثلاثة الأخيرة أيضا أسبوعا ولم تحصل الزيادة ولا القران.

واستدلّ برواية أبي بصير الصحيحة عمّن أجمعت العصابة على صحّة ما يصحّ عنه : « يستحبّ أن يطاف بالبيت عدد أيّام السنة كلّ أسبوع لسبعة أيّام ، فذلك اثنان وخمسون أسبوعا » (٣) ، بحمل الروايتين الأوليين على هذه من جهة عدم نفيهما للزيادة.

وفيه : أنّ هذه الرواية لا تخلو عن إجمال ، حيث دلّ صدرها على عدد أيّام السنة ، وحملها على السنة الشمسيّة بعيد ، مع أنّها أيضا لا تطابق الثلاثمائة والأربعة والستّين في الأكثر ، فيحتمل نوع تجوّز في ذيلها ، فتأمّل.

الثانية : لا خلاف في جواز الكلام في أثناء الطواف بما يريد من أمور الدنيا والآخرة ، وفي المنتهى : ادّعاء الإجماع عليه (٤) ، ويدلّ عليه الأصل‌

__________________

(١) في « س » : النفل.

(٢) حكاه عنه في المختلف : ٢٩٢ ، والرياض ١ : ٤١٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٧١ ـ ١٦٥٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٠٨ أبواب الطواف ب ٧ ذيل الحديث ٢.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٠١.

٨٧

السالم عن المعارض ، وصحيحة ابن يقطين : عن الكلام في الطواف وإنشاد الشعر والضحك في الفريضة أو غير الفريضة ، أيستقيم ذلك؟ قال : « لا بأس به ، والشعر ما كان لا بأس به منه » (١).

نعم ، يكره الكلام فيه ، لفتوى الأصحاب ، والنبوي العامّي : « الطواف بالبيت صلاة ، فمن تكلّم فلا يتكلّم إلاّ بخير » (٢).

ورواية محمّد بن فضيل : « طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلّم فيه إلاّ بالدعاء وذكر الله وقراءة القرآن » ، قال : « والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلّم عليه ويحدّثه بالشي‌ء من أمر الدنيا والآخرة لا بأس به » (٣).

لكن مقتضى الأخيرة اختصاص الكراهة بالفريضة ، وقد يعمّم ، لحكم العقل بمساواة النافلة للفريضة في الكراهة ، ولكراهة مطلق التكلّم في المسجد.

وفيهما نظر ، ويمكن الحمل بتفاوت مراتب الكراهة ، والله يعلم.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٧ ـ ٤١٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٧ ـ ٧٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٢ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ١.

(٢) سنن الدارمي ٢ : ٤٤ بتفاوت يسير.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٧ ـ ٤١٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٧ ـ ٧٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٠٣ أبواب الطواف ب ٥٤ ح ٢ بتفاوت يسير.

٨٨

البحث الثالث

في أحكامه‌

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قال جماعة : تحرم الزيادة على سبعة أشواط في الطواف الواجب ، بمعنى : أن يطوف ثمانية أشواط مثلا قاصدا كونه طوافا واحدا ، أو أربعة عشر شوطا كذلك بأن يجعل المجموع طوافا واحدا ، وهذا غير القرآن الآتي حكمه ، فإنّه وصل طوافين من غير فصل ركعتي الطواف بينهما واعتقاد كونهما طوافين.

بل هو المشهور بين الأصحاب ، كما في المنتهى والذخيرة (١) ، وفي المدارك : أنّه المعروف من مذهب الأصحاب (٢) ، بل قيل : إنّ ظاهرهم الاتّفاق على الحكم المذكور إلاّ نادرا (٣).

واستدلّ له بصحيحة ابن سنان (٤) ورواية ابن عمّار (٥) ، المتقدّمتين في ختم الطواف بالحجر الأسود.

وبرواية عبد الله بن محمّد : « الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٩٩ ، الذخيرة : ٦٣٦.

(٢) المدارك ٨ : ١٣٨.

(٣) الرياض ١ : ٤٠٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٤ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤١٩ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٧ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٣.

٨٩

الصلاة ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة ، وكذا السعي » (١).

ورواية أبي كهمش : عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : « إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه وقد أجزأ عنه ، وإن لم يذكر حتى يبلغه فليتمّ أربعة عشر شوطا ، وليصلّ أربع ركعات » (٢).

فإنّ وجوب القطع لا يكون إلاّ مع تحريم الزيادة ، وورودها في الناسي غير ضائر ، للأولويّة والإجماع المركّب. ولا الأمر بالإتمام لو تجاوز عن الركن ، لأنّه حكم ثبت في الناسي بالدليل ولا يثبت منه في العامد.

وموثّقة أبي بصير ، وفيها : أنّه قد طاف وهو متطوّع ثمان مرّات وهو ناس ، قال : « فليتمّه طوافين ثمَّ يصلّي أربع ركعات ، أمّا الفريضة فليعد حتى يتمّ سبعة أشواط » (٣).

وأمّا الاستدلال بصحيحة أبي بصير : عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض ، قال : « يعيد حتى يثبته » (٤).

بالثاء المثلّثة والباء المفردة والتاء المثنّاة الفوقانيّة ـ من الإثبات ـ كما في بعض النسخ.

وبالتاء المثنّاة الفوقانيّة والباء المفردة والياء المثنّاة التحتانيّة والنون أخيرا ـ على صيغة التفعّل ـ كما في بعض آخر.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥١ ـ ٤٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٦ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ١٠ وفيه صدر الحديث ، التهذيب ٥ : ١١٣ ـ ٣٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢١٩ ـ ٧٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٤ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٣ ، ٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ١١٤ ـ ٣٧١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٤ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٣ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١.

٩٠

و : « حتى يستتمّه » ـ كما في التهذيب بإسناده المختصّ به من الاستتمام ـ فغير جيّد ، لجواز أن يكون المراد منه إتمام طواف آخر ، بل هو الظاهر من قوله « حتى يستتمّه » ، مضافا إلى عدم دلالة « يعيد » على الوجوب.

والإيراد على الأوليين بأنّ مقتضاهما كون منتهى الطواف الوصول إلى الحجر ، وذلك لا ينافي الزيادة الخارجة من الطواف ، وعلى الثانيتين بقصور السند.

مردود بأنّ المراد من الزيادة الخارجة إن كان من غير الطواف فلا كلام فيه ، وإن كان من الطواف فمنافاتها للختم بالحجر ظاهرة ، فإنّه لا يصدق الختم بالحجر ، سيّما مع قصد كون الزيادة جزءا من الأول ، كما هو المفروض.

وبأنّ ضعف السند غير ضائر ، مع أنّ ما ذكر له جابر.

وظاهر المدارك والذخيرة الميل إلى عدم التحريم (١) ، للأصل.

مضافا إلى الأخبار المصرّحة بأنّ من زاد شوطا يضيف إليه ستّة ويجعلهما طوافين ، من غير تفصيل بين السهو والعمد ، إمّا مطلقا ، كصحيحة محمّد (٢) ورفاعة (٣) ، أو في خصوص الفريضة ، كصحيحتي محمّد (٤) والخزّاز (٥) ، ولو كانت الزيادة محرّمة لما جاز ذلك ، لاقتضاء النهي‌

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٣٨ ، ١٣٩ ، الذخيرة : ٦٣٦.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٧٢ ـ ١٦٦١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٦ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٥ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٩.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٥٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٠ ـ ٨٣٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٦ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٠.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٩١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٣.

٩١

فساد الزائد لا أقلّ منه ، وحملها على الساهي حمل بلا دليل.

والاستشهاد برواية أبي كهمش المتقدّمة ، وصحيحة ابن سنان : « من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتمّ أربعة عشر شوطا ، ثمَّ يصلّي ركعتين » (١).

غير سديد ، لأنّهما تدلاّن على أنّ الناسي يفعل كذلك لا على التخصيص به.

وإلى ما دلّ على زيادة علي عليه‌السلام ـ مع كونه معصوما عن السهو والنسيان ـ كصحيحتي ابن وهب وزرارة :

الاولى : « إنّ عليّا عليه‌السلام طاف ثمانية فزاد ستّة ، ثمَّ ركع أربع ركعات » (٢).

والثانية : « إنّ عليّا عليه‌السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف إليها ستّة ، ثمَّ صلّى ركعتين خلف المقام ، ثمَّ خرج إلى الصفا والمروة ، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلّى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول » (٣).

وحمل فعله عليه‌السلام على التعليم بارد ، وعلى التقيّة فاسد ، لعدم داع عليها.

أقول : يمكن الجواب عن الأخيرتين بأنّ فعل علي عليه‌السلام لعلّه من باب القران ، إمّا بين النافلتين ـ كما تحتمله أولاهما ـ أو الفريضة والنافلة ـ كما‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٤ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٥٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٤ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٥ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٥١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٥ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٥٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٥ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٧.

٩٢

تحتمله ثانيتهما ـ وهما جائزان كما يأتي ، ومن أين علم أن قصده الزيادة في الطواف الواحد حتى يكون من مفروض المسألة؟! وأمّا البواقي فلو قطع النظر عن ظهورها في الساهي ـ كما لا يخفى على من تأمّلها ، سيّما مع ملاحظة صحيحة ابن سنان ورواية أبي كهمش المتقدمتين ـ فغايتها التعارض مع ما مرّ.

فإن رجّحنا ما مرّ بالأشهرية فتوى والأتميّة دلالة والأحدثية في بعضه رواية ، وإلاّ ـ فلعدم قول بالتخيير ـ يرجع إلى الأصل ، وهو مع القول الأول ، لأنّ الطواف عبادة محتاجة إلى التوقيف ، ولم يثبت الطواف الزائد عن السبعة أو الناقص عنها.

فإذن الحقّ هو القول الأول ، سواء نوى الزيادة في بدو الطواف أو في أثنائه قبل إكمال السبعة أو بعده ، لإطلاق الأدلّة ، وسواء كانت الزيادة كثيرة أو قليلة حتى خطوة ، لما ذكر.

نعم ، يشترط أن ينوي بالزيادة كونها من الطواف ، وإلاّ فلا يضرّ ، لعدم صدق الزيادة في الطواف معه.

هذا كلّه إذا كانت الزيادة عمدا ، سواء كان مع العلم بالحكم أو الجهل.

ولو كانت سهوا ، فإن لم يبلغ الركن الأول فليقطع الشوط وفاقا للأكثر ، كما نصّ عليه بعض من تأخّر (١) ، لرواية أبي كهمش المتقدّمة.

وإطلاق بعض العبارات (٢) ، يقتضي عدم الفرق بين بلوغه وعدم بلوغه في وجوب الإتمام أربعة عشر ، لقوله في صحيحة ابن سنان السابقة : « حتى‌

__________________

(١) كصاحب الرياض ١ : ٤١٠.

(٢) انظر النهاية : ٢٣٧ ، والنافع : ٩٣.

٩٣

يدخل في الثامن » ، ولا يخفى أنّه أعمّ مطلقا من الأولى ، فيجب التخصيص بها.

وإن بلغه أتمّها أربعة عشر شوطا ويجعلهما طوافين ، للأخبار المتقدّمة المشار إليها.

خلافا للمحكيّ عن الصدوق (١) ، وبعض مشايخ والدي (٢) ـ رحمه‌الله ـ فحكما هنا أيضا بالبطلان ، لبعض ما مرّ دليلا للقول الأول ، سيّما رواية أبي بصير المقيّدة بالناسي ، ولصحيحة ابن سنان المتقدّمة المكتفية بذكر ركعتين الدالّة على بطلان أحد الطوافين ، وإلاّ كان يأمر بأربع ركعات.

وأظهر منها صحيحة رفاعة المتقدّمة الإشارة إليها : « إذا طاف ثمانية فليتمّ أربعة عشر » ، قلت : يصلّي أربع ركعات؟ قال : « يصلي ركعتين » (٣).

ويحملان جميع أخبار الإتمام أربعة عشر شوطا إمّا على النافلة أو على البطلان.

ويجاب : أمّا عمّا مرّ فبالإطلاق الشامل للعمد والسهو الواجب تخصيصه بغير الأخير ، لخصوص رواية أبي كهمش المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بالعمل ، التي لا يمكن حملها على البطلان ، للأمر فيها بأربع ركعات.

وأمّا عن صحيحة ابن سنان فبأنّ عدم ذكر الركعتين لأخيرتين لا يدلّ على انتفائهما ، فلعلّه لم يذكرهما لعدم وجوبهما ، حيث إنّ أحد الطوافين يكون نفلا قطعا ، أو المراد الركعتين قبل السعي أو عند المقام ـ كما صرّح به في بعض تلك الروايات ـ أو لكلّ طواف.

ومنه يظهر الجواب عن صحيحة رفاعة ، مع أنّهما معارضتان بأصرح‌

__________________

(١) المقنع : ٨٥.

(٢) كصاحب الحدائق ١٦ : ١٨٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٢ ـ ٣٦٣ ، الاستبصار ٢ : ٢١٨ ـ ٧٤٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٥ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٩.

٩٤

منهما دلالة على الأمر بأربع ركعات ، كرواية أبي كهمش ، ورواية عليّ بن أبي حمزة (١) ، وصحيحتي الخزّاز وابن وهب ، وبعضها صريحة في الفريضة (٢).

ومنه يظهر بطلان الحمل الذي ذكراه أيضا ، سيّما مع التصريح في رواية عليّ بن أبي حمزة ومرسلة الفقيه (٣) ، بأنّ أحد الطوافين فريضة والآخر تطوّع.

وأمّا إبطال ذلك الحمل ـ بأنّه يقتضي الأمر بخمسة عشر شوطا دون الأربعة عشر ، كما في أكثر هذه الأخبار ، لبطلان الثامن على ذلك أيضا ـ فضعيف ، لجواز عدم قولهم ببطلان الزيادة في صورة السهو وإن قالوا ببطلان ما زيد عليه.

ثمَّ إنّه هل يكون الفريضة هو الطواف الأول ، كما حكي عن الفاضل والشهيدين (٤) ، لأصالة بقاء الأول على كونه فريضة بحسب ما اقتضته النيّة ، ولظهور بعض الأخبار في ذلك (٥)؟

أو الثاني ، كما حكي عن الصدوق والإسكافي (٦) ، وهو ظاهر النافع (٧) ، لمرسلة الفقيه والرضوي (٨) الناصّين على ذلك؟

الأظهر : الثاني ، لما ذكر ، وبه يخرج عن الأصل. وتظهر الفائدة في‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٩٣ ، التهذيب ٥ : ٤٦٩ ـ ١٦٤٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٥.

(٢) المتقدمة في ص : ٩١ و ٩٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٩٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٤.

(٤) الفاضل في المختلف : ٢٨٩ ، الشهيد الأول في الدروس ١ : ٤٠٧ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢٥٠.

(٥) انظر الهامش رقم ١ أعلاه.

(٦) الصدوق في الفقيه ٢ : ٢٤٨ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٨٩.

(٧) النافع : ٩٣.

(٨) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٢٠ ، المستدرك ٩ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٢٤ ح ٢.

٩٥

جواز قطع الثاني وعدمه ، وفي أحكام الشك.

ويصلّى للطوافين أربع ركعات : اثنتان قبل السعي واثنتان بعده ندبا على الأظهر ، وفاقا لبعض من تأخر (١).

وقيل : وجوبا (٢) ، لفعل علي عليه‌السلام لذلك (٣) ، ورواية عليّ بن أبي حمزة ، والمروي في السرائر (٤) ، والرضوي.

وغير الأخير لا يدلّ على الوجوب أصلا ، والأخير وإن دلّ عليه إلاّ أنّه ضعيف لم يعلم انجباره.

فرعان :

أ : اعلم أنّ مقتضى تقييد الأكثر بالطواف الواجب : عدم حرمة الزيادة في الندب عمدا ، وهو ينافي توقيفيّة العبادة.

إلاّ أن يقال : إنّ غايتها الإبطال الغير المحرّم في المندوب ، وأمّا التشريع فقد بيّنا في عوائد الأيّام أنّ مثل ذلك ليس تشريعا محرّما (٥).

ب ـ إنّما تحصل الزيادة المنهيّ عنها إذا قصد بها الطواف دون ما إذا قصد غيره (٦) ، لعدم ثبوت الأزيد منه من روايات حرمة الزيادة (٧) ، ولأنّه لو لا ذلك للزم عدم جواز التجاوز عن الحجر الأسود بعد تمام الطواف.

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٧١.

(٢) كما في الحدائق ١٦ : ٢١٢ ، الرياض ١ : ٤١٠.

(٣) راجع ص : ٩٢.

(٤) مستطرفات السرائر : ٣٣ ـ ٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٧ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٦.

(٥) عوائد الأيام : ١١٢ و ١١٣.

(٦) في « س » زيادة : للأصل وقوله : « إنّما الأعمال » و.

(٧) الوسائل ١٣ : ٣٦٣ أبواب الطواف ب ٣٤.

٩٦

ويظهر من بعض مشايخنا (١) حصول الزيادة مطلقا ، لإطلاق النص.

وهو ضعيف جدّا ، لمنع الإطلاق بالمرّة.

المسألة الثانية : لو طاف وفي ثوبه أو بدنه نجاسة ، فالحكم ـ على القول بعدم اشتراط الطهارة ـ واضح ، وعلى القول الآخر يعيد الطواف مع التعمّد في ذلك ، والوجه فيه واضح.

وكذا مع الجهل بالحكم إذا كان مقصّرا دون ما إذا لم يكن كذلك ، لارتفاع النهي المقتضي للفساد.

ولا يعيد مع عدم العلم بالنجاسة أو نسيانها حتى فرغ على الأقوى الأشهر ، للامتثال المقتضي للإجزاء ، وعدم دليل على الاشتراط حتى في تلك الصورة ، وإطلاق مرسلة البزنطي (٢) المتقدّمة في مسألة اشتراط إزالة النجاسة.

واستشكل بعضهم في صورة النسيان ، لخبر التسوية بين الصلاة والطواف ، وقصور المرسلة سندا.

ويردّ الأول : بمنع عموم التسوية.

والثاني : بعدم ضيره ، سيّما مع صحّتها عمّن أجمعوا على تصحيح ما يصح عنه ، وانجبارها بالشهرة.

ولو علم بها في الأثناء أزال النجاسة استحبابا أو وجوبا ـ على اختلاف القولين ـ وأتمّ الباقي ، لموثّقة (٣) يونس (٤) المتقدّمة في المسألة المذكورة.

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٤٠٨.

(٢) الفقيه ٢ : ٣٠٨ ـ ١٥٣٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٦ ـ ٤١٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ٣.

(٣) في « س » : لمرسلة يونس ، وقد تقدّمت أيضا ، وهي في الفقيه ٢ : ٢٤٦ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٦ ـ ٤١٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ٢.

٩٧

ورواية حبيب بن مظاهر : ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ، ثمَّ جئت فابتدأت الطواف ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « بئس ما صنعت ، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت ، أما إنّه ليس عليك شي‌ء » (١).

وإطلاق الأول ـ كنصّ الثاني ـ يقتضي عدم الفرق بين ما لو توقّفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف وعدمه ، ولا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله.

خلافا للمحكيّ عن الشهيدين (٢) ، فجزما بوجوب الاستئناف مع التوقّف المذكور وعدم إكمال أربعة أشواط.

لثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف.

ولعموم ما دلّ على أنّ قطع الطواف قبل التجاوز يوجب الاستئناف (٣).

والأول : قياس مردود.

والثاني : بما مرّ مخصوص ، مع أنّ في العموم المذكور ـ بحيث يشمل محل النزاع ـ نظرا ، بل وكذلك في وجوده ، إذ لم نعثر على عامّ يشمل ذلك المورد أيضا دالّ على الإعادة قبل النصف.

ومفهوم التعليل ـ الآتي في مسألة قطع الطواف ـ غير مثبت إلاّ بإعانة الأصل الغير الصالح لمقاومة شي‌ء ، ولو سلّم فغايته التعارض الموجب للرجوع إلى أصالة بقاء صحّة ما فعل وعدم وجوب الاستئناف.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٩ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٢ وفيه : لأبي عبد الله الحسين عليه‌السلام ، وفيهما بتفاوت يسير.

(٢) الشهيد الأول في الدروس ١ : ٤٠٥ ، الشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٧٨ أبواب الطواف ب ٤١.

٩٨

المسألة الثالثة : لو شكّ في أثناء الطواف في الطهارة عن الحدث ، فعن التذكرة : وجوب التطهّر والاستئناف مطلقا (١) ، ولو شكّ فيها بعد الفراغ يمضي ولا يستأنف.

وفي المدارك : أنّ الحقّ أنّ الشكّ إن كان بعد يقين الحدث وجبت عليه الإعادة مطلقا ، وإن كان بعد يقين الطهارة لم تجب الإعادة كذلك (٢).

وهو الصحيح الموافق للأصول ، إلاّ أنّ في الإعادة بعد الفراغ في الصورة الأولى أيضا نظرا ، لما عرفت من أنّ الأصل في اشتراط الطهارة الإجماع المنتفي في هذه الصورة ، مضافا إلى ما دلّ على عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الفراغ.

المسألة الرابعة : هل يجوز قطع الطواف قبل إتمامه ، أم لا؟

الظاهر : نعم ، للأصل والأخبار الآتية المجوّزة للقطع لمطلق الحاجة ، وعيادة المريض ، ودخول وقت الفريضة ولو مع السعة ، ونحو ذلك.

ومع القطع يعمل بما عليه من الإعادة والبناء.

وهل يجوز مع القطع تركه وعدم البناء عليه مطلقا لو كان الطواف نفلا؟

الظاهر : نعم ، للأصل ، وأمّا الفرض فسيأتي حكمه.

المسألة الخامسة : لا شك في أنّه لا يكون الطواف أقلّ من سبعة أشواط ، ولم يوظّف من الشرع أنقص منها.

فلو نقص أحد في طوافه ـ بأن يطوف أشواطا أقلّ من سبعة ، وترك الطواف بأن يشتغل بأمر آخر أو يجلس أو يخرج عن المطاف ، وبالجملة‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٦٤.

(٢) المدارك ٨ : ١٤١.

٩٩

بحيث لا يعدّ طائفا حينئذ ـ فإمّا يكون عن عمد ، أو سهو ونسيان ، أو علّة وعذر ، كحيض أو مرض أو حدث ، أو لدخول وقت فريضة ، أو لحدوث خبث في الثوب أو البدن.

وعلى التقادير : إمّا يكون في طواف فرض أو نفل ، وعلى التقادير : إمّا يكون القطع والنقص قبل مجاوزة النصف أو بعدها ، فهذه عشرون قسما.

ففي الأول : ـ أي ما كان عن عمد في طواف فرض قبل مجاوزة النصف ـ يجب عليه استئناف الطواف وعدم الاعتداد بما أتى به ، بلا خلاف يعلم فيه.

ويدلّ عليه ما دلّ على الاستئناف بالقطع مطلقا ، فريضة كانت أو نافلة ، قبل الأربعة أو بعدها ، كصحيحة البختري : فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة ، قال : « يستقبل طوافه » (١).

وما دلّ عليه في خصوص الفريضة قبل التجاوز عن الأربعة ، كصحيحة أبان بن تغلب : في رجل طاف شوطا أو شوطين ثمَّ خرج مع رجل في حاجة ، فقال : « إن كان طواف نافلة بنى عليه ، وإن كان طواف فريضة لم يبن عليه » (٢).

وصحيحة عمران الحلبي : عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أطواف من الفريضة ثمَّ وجد خلوة من البيت فدخله كيف يصنع؟ قال : « نقص طوافه‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٨ أبواب الطواف ب ٤ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٣ ـ ١ ، التهذيب ٥ ، ١١٩ ـ ٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٣ ـ ٧٧٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٠ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٥.

١٠٠