مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

ب : يجوز للرجل تغطية الوجه وفاقا للأكثر ، بل غير من شذّ وندر ، بل في التذكرة : أنّه قول علمائنا أجمع (١) ، وعن الخلاف والمنتهى : الإجماع عليه أيضا (٢) ، للأصل ، والمستفيضة من الصحاح وغيرها (٣) ، الخالية عمّا يصلح للمعارضة.

خلافا للمحكيّ عن العماني ، فحرّمه (٤) ، لصحيحة الحلبي : « المحرم إذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا » (٥).

وهي عن إفادة الحرمة قاصرة ، لمنع الملازمة بينها وبين الكفّارة ، ولذا جوّزه الشيخ في التهذيب وأوجب الكفّارة (٦).

ج : صرّح في المنتهى بتحريم تغطية بعض الرأس كما يحرم تغطية جميعه (٧) ، وهو كذلك ، لصحيحة ابن سنان المتقدّمة ، فإنّ إطلاق إثبات البأس في إصابة الثوب الرأس يقتضي ذلك.

نعم ، يستثنى من ذلك وضع عصابة القربة على الرأس لحملها وإن تحقّق به ستر البعض ، لصحيحة محمّد (٨) ، ولا يتقيّد ذلك بالضرورة ، لإطلاق النصّ .. والعصابة للصداع ، لصحيحة معاوية بن وهب (٩) ، وقد‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٣٧.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٩٨ ، المنتهى ٢ : ٧٩٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥١٠ أبواب تروك الإحرام ب ٥٩.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٢٨٦.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٨ ـ ١٠٥٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٤.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٨.

(٧) المنتهى ٢ : ٧٨٩.

(٨) الفقيه ٢ : ٢٢١ ـ ١٠٢٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٧ ح ١.

(٩) الكافي ٤ : ٣٥٩ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ٣٠٨ ـ ١٠٥٦ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٧ أبواب تروك الإحرام ب ٥٦ ح ١.

٢١

عمل بهما الأصحاب.

د : يجوز ستر الرأس ببعض جسده كاليد والذراع ، كما صرّح به في المنتهى (١) وغيره (٢) ، للأصل الخالي عن المعارض ، لانتفاء الإجماع ، والأخبار المستفيضة المجوّزة لحكّ الرأس باليد (٣) ، وعدم صدق إصابة الثوب والتخمير والتقنّع الواردة في الأخبار ، وعدم معلوميّة إرادة نحو ذلك من كون إحرام الرجل في رأسه ، ولوجوب مسح الرأس في الوضوء ، ولصحيحة معاوية بن وهب ، وابن عمّار ، ورواية المعلّى بن خنيس ، وجعفر بن المثنّى الآتية في مسألة التظليل.

وأمّا موثّقة الأعرج : عن المحرم يستتر من الشمس بعود أو بيده؟

فقال : « لا ، إلاّ من علّة » (٤).

فهي واردة في التظليل دون التغطية ، ومع ذلك عن إفادة الحرمة قاصرة.

وهل يجوز التستّر بغير المعتاد للستر ، كالطين والحنّاء والإناء والزنبيل والقرطاس والطبق والمتاع؟

أو يعمّ المنع التغطية بأيّ شي‌ء كان؟

ظاهر المدارك : الأوّل (٥) ، وإن جعل الأحوط تركه. واستشكل فيه بعضهم (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٩٠.

(٢) كالتذكرة ١ : ٣٣٦.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٣٣ أبواب تروك الإحرام ب ٧٣.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٦٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٥.

(٥) المدارك ٧ : ٣٥٤.

(٦) كالسبزواري في الذخيرة : ٥٩٩ ، صاحب الرياض ١ : ٣٧٨.

٢٢

وصرّح في المبسوط : بأنّ من خضّب رأسه أو طيّنه لزمه الفداء (١) ، فهو رجّح الثاني ، وعن بعضهم : نفي الخلاف فيه إلاّ من العامّة (٢).

وجه الأوّل : بعض ما ذكر للستر ببعض الجسد ، مضافا إلى انصراف الأوامر والنواهي إلى الأمور المعتادة.

ودليل الثاني : صدق الستر والتغطية ، وبعض الأخبار المانعة عن ستر المحرمة وجهها بالمروحة (٣) ، مع ما ورد أنّ إحرامها في وجهها وإحرامه في رأسه ، ويؤيّده المنع عن الارتماس.

والكلّ يقبل الخدش ، لعدم دليل تامّ على حرمة مطلق الستر والتغطية ، وبطلان القياس على المحرمة والارتماس ، إلاّ أنّ الأحوط الترك البتّة.

هـ : صرّح جماعة بعدم البأس في التوسّد بنحو وسادة وبعمامة مكوّرة (٤) ، وهو كذلك ، إذ يصدق على المتوسّد أنّه مكشوف الرأس ، ولبعض ما ذكر.

و : لو غطّى رأسه ناسيا ألقى الغطاء وجوبا عند الذكر ، لأنّ استدامة التغطية محرّمة كابتدائها.

ويستحبّ له التلبية بعده ، لصحيحتي حريز (٥) ، والحلبي (٦) الآمرتين بالتلبية بالجملة الخبريّة القاصرة عن إثبات الوجوب ، مضافا إلى ما قيل من عدم القول بالوجوب (٧) .. إلاّ أنّه حكي عن ظاهر الشيخ وابني حمزة‌

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٥١.

(٢) كما في التذكرة ١ : ٣٣٦ ، كشف اللثام ١ : ٣٣٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٩٣ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨.

(٤) انظر الرياض ١ : ٣٧٨.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٧١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٥٠ ، الاستبصار ٢ : ١٨٤ ـ ٦١٣ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٣.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٧٠ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٦ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٦.

(٧) كما في المدارك ٧ : ٣٥٩.

٢٣

وسعيد (١) ، واختاره بعض مشايخنا (٢) ، وهو ضعيف.

ز : حرمة التغطية مخصوصة بالرجل ، وأمّا المرأة فلا يحرم عليها ، بالإجماع والأصل ، والأخبار (٣).

الرابع : الارتماس بإدخال الرأس في الماء ، فإنّه محرّم على الرجل المحرم بلا خلاف ، بل بالإجماعين (٤) ، وهو العمدة لنا في الاستدلال.

وأمّا الأخبار المانعة عنه ـ كصحاح ابن سنان (٥) وحريز (٦) ويعقوب ابن شعيب (٧) ومرسلة حريز (٨) ـ فكلّها قاصرة عن إفادة الحرمة ، لمكان الجملة الخبرية ، إلاّ أن يجعل الإجماع على الحمل عليها قرينة.

وعلى هذا ، فلا منع في إفاضة الماء وصبّه على الرأس ، لانتفاء الإجماع فيه ، بل على جوازه الإجماع في التذكرة والمنتهى (٩) وغيرهما (١٠) ، ومع ذلك فالأخبار بجوازه مستفيضة جدّا (١١).

وممّا ذكر ظهر أيضا وجه الاختصاص بالرجل ، مضافا إلى اختصاص‌

__________________

(١) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٢١ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٦٣ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ١٨٧.

(٢) كصاحب الرياض ١ : ٣٧٨.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٩٣ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨.

(٤) كما في التذكرة ١ : ٣٣٦ ، الرياض ١ : ٣٧٨.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٧ ـ ١٠٤٨ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٨ أبواب تروك الإحرام ب ٥٨ ح ١.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧١ ، الاستبصار ٢ : ٨٤ ـ ٢٥٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٩ أبواب تروك الإحرام ب ٥٨ ح ٣.

(٧) الكافي ٤ : ٣٥٣ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٩ أبواب تروك الإحرام ب ٥٨ ح ٤.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٣ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٩ أبواب تروك الإحرام ب ٥٨ ح ٥.

(٩) التذكرة ١ : ٣٣٦ ، المنتهى ٢ : ٧٩٠.

(١٠) كالحدائق ١٥ : ٤٩٩ ، والرياض ١ : ٣٧٨.

(١١) انظر الوسائل ١٢ : ٥٣٥ أبواب تروك الإحرام ب ٧٥.

٢٤

الأخبار أيضا.

الخامس : التظليل للرجل راكبا ، بالإجماع المحقّق والمحكيّ عن الانتصار والخلاف والمنتهى والتذكرة (١) ، وبالمستفيضة من الأخبار الصحيحة وغيرها ، وهي كثيرة جدّا تقرب من ثلاثين.

ولكن منها ما يتضمّن الأمر بالإضحاء ونحوه ممّا يدلّ على التحريم.

ومنها : ما يطلب فيه التظليل بالجمل الخبريّة مع الأمر بالفداء لو ظلّل أو بدونه.

ومنها : ما يدلّ على ثبوت الفداء فيه.

والقسمان الأخيران وإن لم يكونا بنفسهما ناصّين في التحريم ، إلاّ أنّه تتمّ دلالتهما عليه بضميمة الإجماع والقسم الأول.

فمن الأول : موثقة عثمان بن عيسى : إنّ علي بن شهاب يشكو رأسه والبرد شديد وهو يريد أن يحرم ، فقال : « إن كان كما زعم فليظلّل ، وأمّا أنت فأضح لمن أحرمت له » (٢).

وصحيحة ابن المغيرة : عن الظلال للمحرم ، فقال : « أضح لمن أحرمت له ». الحديث (٣).

وصحيحة حفص وهشام بن الحكم ، وفيها : « أضح لمن أحرمت له » (٤).

وصحيحة هشام بن سالم : عن المحرم يركب في الكنيسة (٥) ، فقال :

__________________

(١) الانتصار : ٩٧ ، الخلاف ٢ : ٣١٨ ، المنتهى ٢ : ٧٩١ ، التذكرة ١ : ٣٣٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٧ ، الوسائل ١٢ : ٥١٩ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١٣.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥٠ ـ ٢ ، الوسائل ١٢ : ٥١٨ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٧ ، الوسائل ١٢ : ٥١٢ أبواب تروك الإحرام ب ٦١ ح ٢.

(٥) الكنيسة : شبه هودج ، يغرز في المحمل أو في الرحل قضبان ويلقى عليه ثوب يستظلّ به الراكب ويستتر به ـ المصباح المنير : ٥٤٢.

٢٥

« لا ، وهو للنساء جائز » (١) ، فإنّ التفصيل بين النساء والرجال في الجواز قاطع للشركة فيه.

والخبر : أيجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله؟ فقال : « لا يجوز ذلك مع الاختيار » (٢).

ومن الثاني : صحيحة ابن المغيرة : أظلّل وأنا محرم؟ قال : « لا » ، قلت : فأظلّل وأكفّر؟ قال : « لا » ، قلت : فإن مرضت؟ قال : « ظلّل وكفّر » (٣).

وصحيحة محمّد : عن المحرم يركب القبّة ، فقال : « لا » ، قلت : فالمرأة المحرمة؟ قال : « نعم » (٤).

وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق : هل يستتر المحرم عن الشمس؟

قال : « لا ، إلاّ أن يكون شيخا كبيرا أو ذا علّة » (٥).

ورواية محمّد بن منصور : عن الضلال للمحرم ، قال : « لا يظلّل إلاّ من علّة مرض » (٦).

وصحيحة الأشعري : عن المحرم أيظلّل على نفسه؟ فقال : « أمن‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧٢ ، الوسائل ١٢ : ٥١٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٤.

(٢) الاحتجاج ٢ : ٣٩٤ ، إرشاد المفيد ٢ : ٢٣٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٣ ، أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ٦.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٩ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٧٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٧ ، العلل : ٤٥٢ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٥١٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧٠ ، الوسائل ١٢ : ٥١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٣١٠ ـ ١٠٦٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٢ ، الوسائل ١٢ : ٥١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٩ ، بتفاوت يسير.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٦ ، وفي التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٦٠ ، والاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢١ ، والوسائل ١٢ : ٥١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٨ : من علّة أو مرض.

٢٦

علّة؟ » فقلت : تؤذيه الشمس وهو محرم ، فقال : « هي علّة يظلّل ويفدي » (١).

وموثقة ابن عمّار : عن المحرم يظلّل عليه وهو محرم ، فقال : « إلاّ مريض ، أو من به علّة والذي لا يطيق الشمس » (٢).

ورواية المعلّى : « لا يستتر المحرم من الشمس بثوب ، ولا بأس أن يستر بعضه ببعض » (٣).

ورواية البجلي في المحرم ، وفيها : « هو أعلم بنفسه ، إذا علم أنّه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظلّ منها » (٤).

ورواية جعفر بن المثنّى ، وفيها : ما تقول في المحرم يستظلّ على المحمل؟ فقال : « لا » ، فقال : يستظلّ في الخباء؟ فقال له : « نعم » إلى أن قال : ـ « كان رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يركب راحلته فلا يستظلّ عليها ، وتؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض ، وربّما يستر وجهه بيده ، وإذا نزل استظلّ بالخباء وفي البيت وبالجدار » (٥).

وبمضمونها رواية أخرى لمحمّد بن الفضيل (٦).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٠ ـ ١٠٦٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٤ ، الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٥٧ ، الاستبصار ٢ : ١٨٥ ـ ٦١٨ ، الوسائل ١٢ : ٥١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٧ ، بتفاوت.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥٢ ـ ١١ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٥٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٠ ، الوسائل ١٢ : ٥١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٦.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ١ ، بتفاوت.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٢ ـ ١٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٢١ أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ٢.

٢٧

ورواية أبي بصير : عن المرأة يضرب عليها الظلال وهي محرمة؟ قال : « نعم » ، قلت : فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم؟ قال : « نعم إذا كانت به شقيقة (١) ، ويتصدّق لكلّ يوم بمدّ » (٢).

ومن الثالث صحيحة ابن بزيع : هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظلّ المحمل؟ فكتب : « نعم » ، قال : وسأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس وأنا أسمع ، فأمره أن يفدي شاة يذبحها بمنى (٣) ، وقريبة من ذيلها الأخرى (٤) والثالثة (٥).

وصحيحة إبراهيم بن أبي محمود : المحرم يظلّل على محمله ويفتدي إذا كانت الشمس والمطر يضرّان به؟ قال : « نعم » ، قلت : كم الفداء؟ قال : « شاة » (٦) (٧).

__________________

(١) الشقيقة : نوع من صداع يعرض في مقدّم الرأس وإلى أحد جانبيه ـ نهاية ابن الأثير ٢ : ٤٩٢.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٢ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٨.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ١ ، وأورد ذيل الحديث في ج ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٥١ ، الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٣.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٣ ، التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٥ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب كفارات الإحرام ب ٦ ح ٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٥ ، بتفاوت.

(٧) في « ح » و « ق » زيادة : وصحيحة ابن بزيع : عن الظلّ للمحرم في أذى من مطر أو شمس ، أو قال : من علّة فأمر بفداء شاة يذبحها بمنى ، وقال : « نحن إذا أردنا ذلك ظلّلنا وفدينا ».

٢٨

ورواية علي بن محمّد : المحرم هل يظلّل على نفسه إذا آذته الشمس أو مطر أو كان مريضا أم لا ، فإن ظلّل هل عليه الفداء أم لا؟ فكتب : « يظلّل على نفسه ويهريق دما » (١) إلى غير ذلك من الأخبار (٢).

ولا تعارض تلك الأخبار صحيحة الحلبي : عن المحرم يركب في القبّة؟ قال : « ما يعجبني ذلك إلاّ أن يكون مريضا » (٣).

وصحيحة علي : سألت أخي أظلّل وأنا محرم؟ فقال : « نعم ، وعليك الكفّارة » ، فقال : رأيت عليّا إذا قدم مكّة ينحر بدنة لكفّارة الظلّ (٤).

وصحيحة جميل « لا بأس بالظلال للنساء وقد رخص فيه للرجال » (٥).

لأنّ عدم الإعجاب في الأولى يشمل التحريم أيضا ، والثانيتان أعمّان مطلقا من كثير ممّا مرّ ، لشمولهما لحال الضرورة ، مع أنّ الثانية قضية في واقعة ، والرخصة في الثالثة تستعمل فيما كان محظورا واذن فيه للضرورة.

خلافا للمحكيّ عن الإسكافي ، فاستحبّ الإضحاء (٦) ، وللذخيرة فاستشكل في المسألة (٧) ، للروايات الثلاث الأخيرة ، وقد مرّ جوابها ، مع‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٠ ـ ١٠٦٣ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٣ ، الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٥٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨٥ ـ ٦١٩ ، الوسائل ١٢ : ٥١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٨ ، الوسائل ١٢ : ٥١٨ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١٠.

(٦) حكاه عنه في المختلف : ٢٨٥.

(٧) الذخيرة : ٥٩٨.

٢٩

أنّه على فرض الدلالة لا حجّية فيها ، لشذوذها وخروجها عن الحجّية ، ومخالفتها الشهرة العظيمة ، بل الإجماع ، لعدم تحقّق قدح مثل تلك المخالفة فيه.

فروع :

أ : اعلم أنّ حرمة التظليل مخصوصة بحالة السير ، فلا يحرم حين النزول الاستظلال بالسقف والخيمة والشجرة ونحوها والجلوس تحتها لضرورة أو غير ضرورة ، بالإجماعين (١) ، والأصل ، والنصوص ، كروايتي جعفر ومحمّد بن الفضيل المتقدّمتين.

ورواية الحسين بن مسلم : ما فرق بين الفسطاط وظلّ المحمل؟ فقال : « لا ينبغي أن يستظلّ في المحمل ، والفرق أن المرأة تطمث في شهر رمضان فتقضي الصيام ولا تقضي الصلاة » ، قال : صدقت جعلت فداك (٢).

وبهذه الأخبار المنجبرة تقيّد المطلقات المقيّدة.

وكذا مخصوصة بحال الركوب ، فيجوز له المشي في الظلال وتحتها كظلّ المحمل والحمل والدابّة والثوب ونحوه ينصبه فوق رأسه ، وفاقا لجماعة ، منهم : الشيخ والشهيدان (٣) ، وغيرهم (٤) ، لصحيحة ابن بزيع المتقدّمة (٥).

__________________

(١) كما حكاه في المنتهى ٢ : ٧٩٢.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٦٠ ، المقنع : ٧٤ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٢ أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٣) الشيخ في المبسوط ١ : ٣٢١ ، الشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٣٧٧ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢٤٤.

(٤) كصاحب الحدائق ١٥ : ٤٨٤ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٧٩.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ١.

٣٠

وفي خبر آخر : يجوز للمحرم أن يظلّل عليه محمله؟ فقال : « لا يجوز ذلك مع الاختيار » ، فقيل : أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختارا؟

فقال عليه‌السلام : « نعم » (١).

ويؤكّده تضمّن كثير من الأخبار المانعة (٢) لقوله : « لا يستظلّ في المحمل » أو : « على المحمل » أو : « في الكنيسة » أو : « القبّة ».

ونسب إلى المنتهى (٣) ، اختصاص جواز الاستظلال حال المشي بما إذا لم يكن من فوق رأسه ، واستدلّ له ببعض المطلقات ، وأيّد أيضا بأنّ المتعارف من المشي في ظلّ المحمل أن يكون الحمل على أحد جانبيه ، والعموم بالنسبة إلى غير الأفراد المتعارفة غير واضح.

وفيه : أنّ هذا إنّما يتمّ إذا كان اللفظ عاما أو مطلقا ، وأمّا صحيحة ابن بزيع فمتضمّنة لقوله : « تحت المحمل » ، فليس المشي في أحد الجانبين من أفراده ، فتقيّد المطلقات بها.

مع أنّ لي في هذه النسبة إلى المنتهى نظرا ، لأنّه قال : يجوز للمحرم أن يمشي تحت الظلال وأن يستظلّ بثوب ينصبه إذا كان سائرا ونازلا ، لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصّة لضرورة وغير ضرورة عند جميع أهل العلم. انتهى.

فإنّ تصريحه بجواز المشي تحت الظلال أولا وجعله السائر قسيم النازل ينبئ عن أنّ مراده بالسائر الراكب ، وغرضه أنّ تحريم التظليل للراكب‌

__________________

(١) الاحتجاج : ٣٩٤ ، الإرشاد ٢ : ٢٣٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٩٢.

٣١

إذا كان فوق رأسه لا في أحد جانبيه ، وتؤكّده نسبة ذلك إلى جميع أهل العلم.

وهل يختصّ تحريم التظليل راكبا بما إذا كان من فوق رأسه ، أو يحرم التظليل عليه مطلقا؟

فعن المنتهى والخلاف : الأول (١) ، نافيا في الأخير الخلاف فيه ، وعن الدروس : التردّد فيه (٢).

واستدلّ للأول بالأصل.

واختصاص أكثر الأخبار بالجلوس في القبّة والكنيسة (٣).

وبصحيحة ابن سنان (٤) المتقدّمة في صدر مسألة التغطية.

والأوّل : يدفع بالمطلقات.

والثاني : لا يعارضها.

والثالث : مخصوص بحالة الأذيّة ، وهي من الضرورة ، ولا نزاع في الجواز معها.

فالحقّ : حرمة التظليل حال الركوب مطلقا ولو لم يكن راكب المحمل ونحوه ، بل الظاهر أنّه يجب حينئذ البروز للشمس ، إذا تحولت إلى جهة أخرى ، ليتحقّق الإضحاء المأمور به ، وينتفي التستّر عن الشمس المنهي عنه.

وكما يجب ترك التستّر عن الشمس ، كذلك يجب ترك التظليل عن السماء أيضا ، فلا يجوز الجلوس في نحو المحمل المسقّف في الليل ولا‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٩٢ ، الخلاف ٢ : ٣١٨.

(٢) الدروس ١ : ٣٧٩.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٦٨ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٤.

٣٢

في يوم الغيم ، وكذا في يوم الصحو في أول النهار وآخره إذا جلس مواجها للشمس.

لأنّ المراد من التظليل أعمّ منهما ـ كما تفصح عنه طائفة من الأخبار (١) المتقدّمة ، المتضمّنة للاستظلال من المطر ـ ولأنّ الإضحاء المأمور به بل التظليل أيضا محتمل لإرادة الإبراز للسماء وللإبراز للشمس ، وقاعدة استصحاب الشغل اليقيني تقتضي وجوب الاجتناب عن الأمرين.

ب : يجوز التستّر ببعض جسده ، لروايتي المعلّى (٢) ، وجعفر (٣) المتقدّمتين ، وصحيحتي ابن عمّار والحلبي :

الاولى : « لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس ، ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض » (٤) ، ونحوها الثانية (٥).

وأمّا موثّقة سعيد الأعرج (٦) فقد مرّ جوابها في مسألة التغطية.

ج : الحكم المذكور مخصوص بالرجل ، فيجوز الاستظلال بمعنييه للمرأة والصبيان بلا خلاف ، وعليه الإجماع في كلام جماعة (٧) ، ويدلّ عليه الأصل ، واختصاص النصوص المانعة بالرجال ، وصحاح هشام (٨) ومحمّد (٩)

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٢ ـ ١١ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٠٨ ـ ١٠٥٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٥٢ ـ ١١ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٤ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٢.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٦٩ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٥.

(٧) كصاحب الرياض ١ : ٣٧٩.

(٨) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧٢ ، الوسائل ١٢ : ٥١٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٤.

(٩) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧٠ ، الوسائل ١٢ : ٥١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١.

٣٣

وجميل (١) ورواية أبي بصير (٢) المتقدّمة جميعا ، وصحيحة حريز : « لا بأس بالقبّة على النساء والصبيان وهم محرمون » (٣).

د : لا شكّ في اختصاص الحكم المذكور بحال الاختيار ، فيجوز له التظليل راكبا مع العذر والضرورة إجماعا ، على ما صرّح به جماعة ، منهم : المحقّق الثاني والفاضل الهندي والمفاتيح وشرحه (٤) ، وإن اختلفوا في قدر العذر.

فمنهم من اكتفى فيه بمطلق المشقّة ولو بالمشقّة الحاصلة من حرّ الشمس ونزول المطر ، واختاره في الذخيرة (٥) ، لنفي مطلق العسر ، وللصحاح الخمس المتقدّمة للأشعري (٦) وابن بزيع (٧) وإبراهيم بن أبي محمود (٨)

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٨ ، الوسائل ١٢ : ٥١٨ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٢ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٨.

(٣) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٤ ، التهذيب ٥ : ٣١٢ ـ ١٠٧١ ، الوسائل ١٢ : ٥١٩ أبواب تروك الإحرام ب ٦٥ ح ١.

(٤) المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٣ : ١٨٧ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٢ ، المفاتيح ١ : ٣٣٤.

(٥) الذخيرة : ٥٩٨.

(٦) التهذيب ٥ : ٣١٠ ـ ١٠٦٤ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٤ ، الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٤.

(٧) الاولى في : الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦٣ ، التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٥ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٧.

الثانية في : الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٦.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٦ ، الوسائل ١٣ : ١٥٥ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٥.

٣٤

ورواية عليّ بن محمّد (١).

ومنهم من اشترط التضرّر به لعلّة أو كبر أو ضعف أو شدّة حرّ أو برد ، وهو المحكيّ عن الشيخين والحلّي (٢) ، وبه أفتى طائفة من المتأخّرين ، منهم : الروضة (٣) وبعض مشايخنا (٤).

لرواية البجلي (٥) وموثقة [ ابن عمّار (٦) ] (٧) السابقتين المقيّدتين للتجويز بعدم الإطلاقة والاستطاعة ، والخبر (٨) المتقدّم النافي للجواز مع الاختيار ، وموثّقة عثمان بن عيسى (٩) السالفة المقيّدة بقوله : « إن كان كما زعم » ، وهذه مقيّدة بالنسبة إلى مطلق الأذيّة ، فيجب التقييد بها.

أقول : هذا كان بالنسبة إلى مطلق الأذيّة ، فيجب التقييد بها. أقول : هذا كان حسنا لو أفادت الجمل الخبريّة في الرواية والموثقة للتحريم بدون الإطاقة والاستطاعة ، أو منع صدق الأذيّة الواردة في الصحاح بدون حصول التضرّر ، وكلاهما ممنوعان ، ولذا أطلق الأذيّة في رواية جعفر (١٠) على ما يندفع بالستر باليد.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٠ ـ ١٠٦٣ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٣ ، الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ١.

(٢) المفيد في المقنعة : ٤٣٢ ، الطوسي في المبسوط ١ : ٣٢١ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٤٧.

(٣) الروضة ٢ : ٢٤٥.

(٤) الحدائق ١٥ : ٤٧٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٥٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨٦ ـ ٦٢٠ ، الوسائل ١٢ : ٥١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٥٧ ، الاستبصار ٢ : ١٨٥ ـ ٦١٨ ، الوسائل ١٢ : ٥١٧ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٧.

(٧) ما بين المعقوفين ساقط عن النسخ.

(٨) الاحتجاج : ٣٩٤ ، الإرشاد ٢ : ٢٣٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٣ أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ٦.

(٩) الكافي ٤ : ٣٥١ ـ ٧ ، الوسائل ١٢ : ٥١٩ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١٣.

(١٠) الكافي ٤ : ٣٥٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٣٠٩ ـ ١٠٦١ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٠ أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ١.

٣٥

ولو سلّم جميع ذلك فيعارض ما ذكروه مع أدلّة نفي العسر بالعموم من وجه ، فيجب تقديمه ، لاستفادتها من الكتاب العزيز.

فالأقوى هو الأول ، ولكن يجب تقييده بما إذا كانت مشقّة شديدة زائدة عمّا يقتضيه مطلق مقابلة الشمس أو البرد أو المطر ، لتصدق الأذيّة والعسر ، ويحصل العموم من وجه.

هـ : هل يجوز التظليل اختيارا مع الفداء ، أم لا؟

الأقوى : الثاني ، وفاقا للتهذيبين والتذكرة والمنتهى (١) ، للإطلاقات (٢) المؤيّدة بصحيحة ابن المغيرة (٣) السابقة.

خلافا للمحكيّ عن المقنع (٤) ، لصحيحة عليّ (٥) المتقدّمة ، وقد عرفت أنّها قضية في واقعة.

و : لو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختصّا بالظلال دونه ، من غير خلاف يعرف ، كما صرّح جماعة (٦) ، للعمومات (٧) ، وخصوص رواية بكر (٨) ، ولا تعارضها مرسلة العبّاس بن معروف (٩) ، لضعف دلالتها.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣١٢ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ ، التذكرة ١ : ٣٣٧ ، المنتهى ٢ : ٧٩٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥١٥ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٢٥ ـ ١٠٥٩ ، التهذيب ٥ : ٣١٣ ـ ١٠٧٥ ، الاستبصار ٢ : ١٨٧ ـ ٦٢٧ ، العلل : ٤٥٢ ـ ١ ، الوسائل ١٢ : ٥١٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٣.

(٤) المقنع : ٧٤.

(٥) التهذيب ٥ : ٣٣٤ ـ ١١٥٠ ، الوسائل ١٣ : ١٥٤ أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ٦ ح ٢.

(٦) كصاحب الحدائق ١٥ : ٤٨٣ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣٢ ، صاحب الرياض ١ : ٣٧٩.

(٧) الوسائل ١٢ : ٥٢٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٨.

(٨) الكافي ٤ : ٣٥٢ ـ ١٢ ، الفقيه ٢ : ٢٢٦ ـ ١٠٦١ ، التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٨ ، الاستبصار ٢ : ١٨٥ ـ ٦١٦ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٨ ح ١.

(٩) التهذيب ٥ : ٣١١ ـ ١٠٦٩ ، الاستبصار ٢ : ١٨٥ ـ ٦١٧ ، الوسائل ١٢ : ٥٢٦ أبواب تروك الإحرام ب ٦٨ ح ٢.

٣٦

القسم الثالث

ما يختصّ بالمرأة‌

وهو أمر واحد :

وهو : تغطية الوجه ، فإنّها محرّمة عليها ، بلا خلاف يعرف كما في الذخيرة (١) ، بل بالإجماع كما في المنتهى والمدارك (٢) ، وفي التذكرة والمفاتيح : الإجماع على حرمة النقاب عليها (٣).

وتدلّ عليها من الأخبار صحيحة الحلبي : « مرّ أبو جعفر عليه‌السلام بامرأة متنقّبة وهي محرمة ، فقال : أحرمي وأسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك ، فإنّك إن تنقّبت لم يتغيّر لونك ، فقال رجل : إلى أين ترخيه؟

فقال : تغطّي عينها ، قال : قلت : تبلغ فمها؟ قال : نعم » (٤).

وصحيحة عبد الله بن ميمون (٥) المتقدّمة في مسألة تغطية الرأس.

ورواية أحمد بن محمّد : « مرّ أبو جعفر عليه‌السلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها » (٦).

__________________

(١) الذخيرة : ٥٩٩.

(٢) المنتهى ٢ : ٧٩٠ ، المدارك ٧ : ٣٥٩.

(٣) التذكرة ١ : ٣٣٧ ، المفاتيح ١ : ٣٣٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٧٤ ـ ٢٤٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٣.

(٥) الكافي ٤ : ٣٤٥ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٩ ، المقنعة : ٤٤٥ ، الوسائل ١٢ : ٥٠٥ أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٢.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٦ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠١٠ بتفاوت يسير ، قرب الإسناد : ٣٦٣ ـ ١٣٠٠ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٤.

٣٧

ورواية ابن عيينة : ما يحلّ للمرأة أن تلبس من الثياب وهي محرمة؟ قال : « الثياب كلّها ما خلا القفّازين والبرقع والحرير » (١).

وصحيحة عيص : « المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفّازين ، وكره النقاب » ، وقال : « تسدل الثوب على وجهها » ، قلت : حدّ ذلك إلى أين؟ قال : « إلى طرف الأنف قدر ما تبصر » (٢).

ورواية يحيى بن أبي العلاء : « كره للمحرمة البرقع والقفّازين » (٣).

وأمّا صحيحتا زرارة والسرّاد المتقدّمتين (٤) في مسألة تغطية الرأس ، فظاهر بعض المتأخّرين (٥) حملهما على الإسدال المجوّز لها كما يأتي ، ويمكن التخصيص بحالة النوم إن كان به قول.

وأكثر هذه الروايات وإن كانت متضمّنة للنقاب والبرقع إلاّ أنّ العلّتين المصرّحتين بهما في الصحيحتين الأوليين تقتضيان التعميم.

وكذا الأمر بالأسفار في الاولى ، وإماطة المروحة في الثالثة ، وقوله في رواية سماعة الواردة في المحرمة : « ولا تستتر بيدها من الشمس » (٦).

ولذا ذكر جماعة من الأصحاب أنّه لا فرق في التحريم بين التغطية بثوب وغيره (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٤٥ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٧٥ ـ ٢٤٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٩ ـ ١١٠١ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٧ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٨ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٨ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠١٢ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٩.

(٤) في ص : ١٩.

(٥) انظر مجمع الفائدة ٦ : ٣٥٠.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٢٠ ـ ١٠١٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ١٠.

(٧) منهم الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٣١ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٧٨.

٣٨

واحتمل بعضهم التخصيص بالنقاب (١) ، واستشكل آخر في التغطية بغير الثوب (٢) ، وهما وإن لم يناسبا مع العلّتين ، [ ولكن يناسب الأول ] (٣) ، لما يأتي من تجويز إسدال الثوب.

نعم ، يستثنى منها إسدال الثوب وإرساله من رأسها إلى وجهها ، بلا خلاف فيه يعلم ، كما في المنتهى (٤) ، وبالإجماع كما في التذكرة (٥).

وتدلّ عليه من الأخبار صحيحتا الحلبي (٦) والعيص (٧) المتقدّمتين ، وصحيحة ابن عمّار : « تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة » (٨).

وصحيحة حريز : « المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن » (٩) (١٠).

وروي عن عائشة : كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا جاءونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها ،

__________________

(١) كصاحب المدارك ٧ : ٣٦١ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٧٩.

(٢) كصاحب المدارك ٧ : ٣٦٠.

(٣) بدل ما بين المعقوفين في « س » و « ق » : لا يناسب الأول ، وفي « ح » : لا يناسب العلّة الاولى ، والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٩١.

(٥) التذكرة ١ : ٣٣٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٧٤ ـ ٢٤٥ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٤ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٣.

(٧) الكافي ٤ : ٣٤٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٧٣ ـ ٢٤٣ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٨ ـ ١٠٩٩ ، الوسائل ١٢ : ٣٦٨ أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٩.

(٨) الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٨ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٨.

(٩) الفقيه ٢ : ٢١٩ ـ ١٠٠٧ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٦.

(١٠) في « س » : زيادة : وزرارة المتقدمة : « تسدل ثوبها إلى نحرها » ولم تتقدم ، وهي في الفقيه ٢ : ٢٢٧ ـ ١٠٧٤ ، الوسائل ١٢ : ٤٩٥ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٧.

٣٩

فإذا جاوزونا كشفنا (١).

وهذه الروايات وإن كانت مختلفة في التحديد ، إلاّ أنّ مقتضى الجمع جواز السدل إلى النحر ، لعدم معارضة [ بعض ] (٢) هذه الأخبار مع بعض.

وكذا لا يختصّ بحال الركوب كما اشترط في صحيحة ابن عمّار ، إذ لا يثبت من مفهومها الحرمة في غير تلك الحالة.

وظاهر تلك الأخبار عدم اعتبار مجافاة الثوب عن الوجه ، كما قطع به في المنتهى (٣) وصرّح به جمع من المتأخّرين (٤) ، للإطلاقات (٥) ، وعدم انفكاك السدل من إصابة البشرة.

واشترط في القواعد عدم الإصابة (٦) ، وأوجب في المبسوط والجامع المجافاة بخشبة ونحوها لئلاّ يصيب البشرة (٧) ، وعن الشيخ : إيجاب الدم لو أصاب البشرة ولم تزل بسرعة (٨) ، ولا أرى مستندا لشي‌ء من ذلك.

إلاّ أنّ المسألة بعد عندي من المشكلات ، لأنّ مقتضى العلّتين المذكورتين حرمة التغطية مطلقا ، ومقتضى تجويز السدل مطلقا رفع اليد عن العلّتين وجواز التغطية بالسدل ، فتبقى حرمة النقاب والبرقع خاصّة أو بغير السدل.

والأولى هو الأخير ، وحمل العلّة الأولى على الأولوية والثانية على الإحرام بترك غير السدل ممّا يغطّي ، والأحوط مراعاة المجافاة أيضا ، والله العالم.

__________________

(١) سنن البيهقي ٥ : ٤٨ بتفاوت يسير.

(٢) ليست في النسخ ، أضفناها لاستقامة العبارة.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٩١.

(٤) كالشهيد الثاني في المسالك ١ : ١١١ ، وصاحب الرياض ١ : ٣٧٩.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٩٣ أبواب تروك الإحرام ب ٤٨.

(٦) القواعد ١ : ٨٠.

(٧) المبسوط ١ : ٣٢٠ ، الجامع للشرائع : ١٨٧.

(٨) المبسوط ١ : ٣٢٠.

٤٠