مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

وخالف السنّة فليعد طوافه » (١).

ونحوها مرسلة ابن مسكان (٢) ، وقريبة منها صحيحة الحلبي (٣) ، إلاّ أنّها غير مقيّدة بالفريضة ، بل مطلقة.

ويتعدّى إلى ما زاد عن ثلاثة أشواط ولم يتجاوز النصف بعدم القول بالفصل.

وبهذه الأخبار يخصّص ما دلّ على جواز القطع والبناء في الفريضة مطلقا بما إذا كان بعد النصف : كقويّة أبان : كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام في الطواف ، فجاءني رجل من إخواني فسألني أن أمشي معه في حاجته ، ففطن بي أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « يا أبان ، من هذا الرجل؟ » قلت : رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجته ، فقال : « يا أبان ، اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته » ، فقلت : إنّي لم أتمّ طوافي ، قال : « أحص ما طفت وانطلق معه في حاجته » ، فقلت : وإن كان في فريضة؟ قال : « نعم ، وإن كان في فريضة » (٤).

وقريبة منها رواية أبي أحمد (٥) ، إلاّ أنّه ليس فيها : « أحص ما طفت ».

لأعمّيتهما مطلقا بالنسبة إلى ما مرّ ، مضافا إلى أنّهما قضيّتان في‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٨١ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٩ ، بتفاوت.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٨ ـ ٣٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٣ ـ ٧٦٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٩ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٨ ـ ٣٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٣ ـ ٧٦٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٩ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٢٠ ـ ٣٩٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٠ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٧ ، بتفاوت يسير.

(٥) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١١٩ ـ ٣٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٤ ـ ٧٧٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٣ أبواب الطواف ب ٤٢ ح ٣.

١٠١

واقعة ، فلعلّ موردهما كان بعد الأربعة ، مع أنّ الثانية لا تدلّ إلاّ على جواز قطع الطواف للحاجة ، وهو أعمّ من الإعادة والبناء.

وكذا يخصّص بها ما دلّ على جواز القطع والبناء مطلقا بغير الفريضة.

كمرسلة ابن أبي عمير المرويّة في الفقيه : في الرجل يطوف ثمَّ تعرض له الحاجة ، فقال : « لا بأس أن يذهب في حاجته وحاجة غيره ويقطع الطواف ، وإن أراد أن يستريح ويقعد فلا بأس بذلك ، فإذا رجع بنى على طوافه وإن كان أقلّ من النصف » (١).

ونحوها مرسلة جميل والنخعي ، إلاّ أنّه قال ـ بعد قوله : « بنى على طوافه » ـ : « وإن كان نافلة بنى على الشوط والشوطين ، وإن كان طواف فريضة ثمَّ خرج في حاجة مع رجل لم يبن ولا في حاجة نفسه » (٢).

وصحيحة الجمّال : الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف ، فقال : « يخرج معه في حاجته ثمَّ يرجع ويبني على طوافه » (٣).

وابن رئاب : الرجل يعيي في الطواف ، إله أن يستريح؟ قال : « نعم ، يستريح ، ثمَّ يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها ، ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه » (٤) ، وقريبة منها صحيحة ابن أبي يعفور (٥).

ويمكن تخصيص غير الأولى بما بعد النصف أيضا ، مع أنّ‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٨١ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٨.

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٠ ـ ٣٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٤ ـ ٧٧٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٨١ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٢ أبواب الطواف ب ٤٢ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٦ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٨ أبواب الطواف ب ٤٦ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤١٦ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٨ أبواب الطواف ب ٤٦ ح ٣.

١٠٢

الأخيرتين غير متضمنّتين لقطع الطواف ، بل للاستراحة ، وهي غير مورد المسألة.

وفي الثاني : ـ وهو السابق إلاّ أنّه بعد النصف ـ يجب عليه البناء على ما سبق والإتمام على الأظهر ، وفاقا للمحكي عن المفيد والديلمي (١) ، وبعض مشايخنا المتأخرين (٢).

وتدلّ عليه قويّة أبان ، ورواية أبي أحمد ، وإطلاق صحيحة الجمّال ، ومرسلة النخعي وجميل ، المتقدّمة جميعا ، وكذا إطلاق صحيحة البختري (٣) المتقدّمة في مسألة إدخال الحجر في الطواف ، وروايتا أبي غرّة وأبي الفرج بضميمة عدم الاستفصال عن الفرض والنفل :

الاولى : مرّ بي أبو عبد الله عليه‌السلام وأنا في الشوط الخامس من الطواف ، فقال لي : « انطلق حتى نعود هاهنا رجلا » ، فقلت له : إنّما أنا في خمسة أشواط فأتمّ أسبوعي ، فقال : « اقطعه واحفظه من حيث تقطع حتى تعود إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه » (٤) ، وقريبة منها الثانية (٥).

ويدلّ عليه أيضا مفهوم العلّة المصرحة بها في رواية الأعرج : عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمَّ طمثت ، قال : « تتمّ طوافها وليس عليها غيره ومتعتها تامّة ، فلها أن تطوف بين الصفا والمروة ، وذلك‌

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٤٤٠ ، الديلمي في المراسم : ١٢٣.

(٢) انظر الشرائع ١ : ٢٦٨ ، والمسالك ١ : ١٢٢ ، والرياض ١ : ٤١١.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٩ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٦ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ١١٩ ـ ٣٨٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٣ ـ ٧٧١ ، وفيها : أبي عزّة ، الوسائل ١٣ : ٣٨٢ أبواب الطواف ب ٤١ ح ١٠.

(٥) التهذيب ٥ : ١١٩ ـ ٣٩٠ الاستبصار ٢ : ٢٢٣ ـ ٧٧٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٨ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٦.

١٠٣

لأنّها زادت على النصف » الحديث (١).

وفي رواية إسحاق : في رجل طاف طواف الفريضة ثمَّ اعتلّ علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف ، قال : « إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمَّ طوافه ، وإن كان طاف ثلاثة أشواط لا يقدر على الطواف فهذا ممّا غلب الله عليه ، فلا بأس بأن يؤخّر الطواف يوما أو يومين ، فإن خلّته العلّة عاد فطاف أسبوعا ، فإذا طالت عليه أمر من يطوف عنه أسبوعا ، ويصلّي هو الركعتين ويسعى عنه وقد خرج من إحرامه ، وكذلك يفعل في السعي وفي رمي الجمار » (٢).

فإنّ قوله : « فقد تمَّ طوافه » في قوّة التعليل للحكم بالإتمام ، كذا قيل (٣).

وفيه نظر ، لجواز أن يكون قوله : « فقد تمَّ » تفريعا على الأمر بالطواف عنه ، وحينئذ لا يكون تعليلا.

وتدلّ عليه أيضا ـ فيما إذا بقي الشوط الواحد ـ صحيحتا الحلبي (٤) المتقدّمتين في مسألة إدخال الحجر.

وصحيحة الحسين بن عطيّة : عن رجل طاف بالبيت ستّة أشواط ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام « وكيف طاف ستّة أشواط؟ » قال : استقبل الحجر‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٣ ـ ١٣٧١ ، الاستبصار ٢ : ٣١٣ ـ ١١٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٦ أبواب الطواف ب ٨٦ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٢٤ ـ ٤٠٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٦ ـ ٧٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٦ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ٢.

(٣) انظر الرياض ١ : ٤١١.

(٤) الاولى في : الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٧ ، مستطرفات السرائر : ٣٤ ـ ٤١ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٦ أبواب الطواف ب ٣١ ح ١. الثانية في : التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٦ أبواب الطواف ب ٣١ ح ١.

١٠٤

وقال : الله أكبر وعقد واحدا ، فقال : « أبو عبد الله عليه‌السلام : « يطوف شوطا » ، قال سليمان : فإنّه فاته ذلك حتى أتى أهله ، قال : « يأمر من يطوف عنه » (١).

وتؤيّدها الأخبار الواردة في الحائض ، الفارقة فيها بين مجاوزة النصف وعدمها (٢).

ولا معارض لشي‌ء مما ذكر ، سوى إطلاق صحيحة البختري الاولى (٣) ، وصحيحة الحلبي : « إذا طاف الرجل بالبيت أشواطا ثمَّ اشتكى أعاد الطواف ، يعني الفريضة » (٤).

وهي وإن وردت في الاشتكاء لكنّها تجري في العمد بالأولويّة ، اللازم تقييده بالنصف وما دونه ، لما مرّ.

ولا ينافي ما مرّ أيضا قوله في مرسلة النخعي وجميل : « وإن كان طواف فريضة » إلى آخره (٥) ، لأنّ المراد أنّه لم يبن في الشوط والشوطين ، ولا أقلّ من احتماله.

خلافا للآخرين ، فأوجبوا الاستئناف مع العمد حينئذ أيضا ، لأصالة وجوب الموالاة ، واستصحاب الاشتغال ، وإطلاق الصحيحتين الأخيرتين.

ويضعّف الأولان : بعدم ثبوت الموالاة مطلقا ، ولا الاشتغال بغير مطلق الطواف ، ومع التسليم يندفع الأصل والاستصحاب بما مرّ.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ٩ ، الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٩٤ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٧ أبواب الطواف ب ٣٢ ح ١ ، وفي الجميع : عن الحسن بن عطية.

(٢) كما في الوسائل ١٣ : ٤٥٣ أبواب الطواف ب ٨٥.

(٣) المتقدمة في ص : ١٠٠.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٦ أبواب الطواف ب ٤٥ ح ١.

(٥) راجع ص : ١٠٢.

١٠٥

والثالث : بعدم الدلالة على الوجوب أو لا.

والرابع : بعدم ثبوت الحكم في الأصل للمعارض كما يأتي ، مع أنّ الإطلاقين معارضان بإطلاق البناء في غيرهما كما مرّ ، فلو لا الترجيح يلزم الرجوع إلى أصالة بقاء صحّة ما مرّ وعدم وجوب الاستئناف ، مع أنّ الترجيح للبناء ، لخصوصيّة كثير منها مطلقا ، وأكثريّة أخباره (١).

والثالث والرابع ، السابقان. إلاّ أنّهما يكونان عن سهو أو نسيان ، والحكم فيهما كالعمد بعينه بلا خلاف في أولهما ، وعلى الأظهر الأشهر ، كما صرّح به بعض من تأخّر في ثانيهما (٢).

إلاّ إذا كان التذكّر بعد الدخول في السعي ، فيبني مطلقا ، سواء كان قبل النصف أو بعده.

أمّا الأول : فلظاهر الإجماع ، وظاهر إطلاق صحيحة البختري الاولى ، وصحيحة أبان بن تغلب (٣) ، الخالي عن المعارض ، بضميمة الإجماع المركّب في الزائد عن الشوطين إلى الثانية.

وأمّا الثاني : فلثبوته في العمد بما مرّ بضميمة الأولويّة ، والإجماع المركّب ، وإطلاق صحيحة البختري السابقة في إدخال الحجر (٤) ، والعلّة المنصوصة في رواية الأعرج ، الخالية جميعا عن المعارض ، المؤيّدة بثبوتها في الحائض والمحدث والمريض كما يأتي.

وتدلّ عليه أيضا صحيحتا الحلبي المشار إليهما (٥) ، وصحيحة‌

__________________

(١) كما في الوسائل ١٣ : ٣٧٨ أبواب الطواف ب ٤١.

(٢) انظر الرياض ١ : ٤١١.

(٣) المتقدمتان في ص : ١٠٠.

(٤) راجع ص : ٧٢.

(٥) في ص : ٧٢.

١٠٦

الحسين بن عطيّة ، فيما إذا كان الباقي شوطا واحدا.

خلافا للتهذيب والنهاية والتحرير والتذكرة والمدارك والذخيرة ، فاقتصروا هنا في البناء على ما إذا بقي الشوط الواحد خاصّة (١) ، لصحاح الحلبي وابن عطيّة ، وحكموا بالاستئناف في غيره ، لأصالة وجوب الموالاة ، واستصحاب الاشتغال ، والأخبار المتقدّمة الواردة فيمن وجد خلوة في البيت (٢).

وجواب الأولين قد مرّ. والثالث وارد في العمد وجوابه قدر مرّ. مع أنّ أكثرها وارد في الأقلّ من النصف.

وأمّا الثالث : فوفاقا للمحكيّ عن التهذيب والنهاية والسرائر والتحرير والنافع والمنتهى والتذكرة (٣) ، وبعض المتأخّرين ناسبا له إلى المشهور (٤) ، لموثّقة إسحاق : رجل طاف بالكعبة ثمَّ خرج فطاف بين الصفا والمروة ، فبينا هو يطوف إذ ذكر أنّه قد ترك من طوافه بالبيت ، قال : « يرجع إلى البيت فيتمّ طوافه ، ثمَّ يرجع الى الصفا والمروة فيتمّ ما بقي » (٥) ، ومثلها الأخرى (٦).

خلافا للمحكيّ عن المبسوط والقواعد واللمعتين وفي الشرائع‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٠٩ ، النهاية : ٢٣٧ ، التحرير ١ : ٩٩ ، التذكرة ١ : ٣٦٤ ، المدارك ٨ : ١٤٩ ، الذخيرة : ٦٣٧.

(٢) كما في الوسائل ١٣ : ٣٧٨ أبواب الطواف ب ٤١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٠٩ ، النهاية : ٢٣٧ ، السرائر ١ : ٥٧٥ ، التحرير ١ : ٩٩ ، النافع : ٩٤ ، المنتهى ٢ : ٦٩٧ ، التذكرة ١ : ٣٦٤.

(٤) المفاتيح ١ : ٣٧٦.

(٥) الكافي ٤ : ٤٢١ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٥٢ ـ ١٢١٧ ، وفي التهذيب ٥ : ١٣٠ ـ ٣٢٨ بتفاوت يسير ، الوسائل ١٣ : ٤١٣ أبواب الطواف ب ٦٣ ح ٣.

(٦) الكافي ٤ : ٤١٨ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ٢٤٨ ـ ١١٩٠ ، التهذيب ٥ : ١٠٩ ـ ٣٥٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٨ أبواب الطواف ب ٣٢ ح ٢.

١٠٧

والإرشاد ، فقيّدوا البناء بصورة التجاوز عن النصف ، وأوجبوا مع عدمه الاستئناف (١) ، لبعض ما مرّ.

وفيه نظر ، لكون الموثّقة أخصّ مطلقا.

والخامس والسادس ، السابقان. إلاّ أنّه يكون عن عذر ، كحدث أو مرض ، والحكم فيهما كالأولين بعينه ، فيعيد قبل مجاوزة النصف ويبني بعدها ، ولا أعلم فيه خلافا ، بل عن المنتهى : الإجماع في الحدث (٢) ، وقيل في المرض : إنّه ممّا قطع به الأصحاب (٣).

وتدلّ عليه من الأخبار روايتا الأعرج وإسحاق المتقدّمتين (٤) ، ومرسلة ابن أبي عمير في المحدث في أثناء الطواف (٥) ، وروايات أبي بصير (٦) وأحمد بن عمر (٧) وإسحاق بيّاع اللؤلؤ (٨) وإبراهيم بن إسحاق في الحائض فيه (٩) ، والرضوي في الحائض والمعتلّ (١٠).

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٥٧ ، القواعد ١ : ٨٣ ، الروضة ٢ : ٢٥١ ، الشرائع ١ : ٢٦٨ ، الإرشاد ١ : ٣٢٦.

(٢) المنتهى ٢ : ٦٩٧.

(٣) كما في الذخيرة : ٦٣٧.

(٤) في ص : ١٠٣ و ١٠٤.

(٥) الكافي ٤ : ٤١٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٨ ـ ٣٨٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٨ أبواب الطواف ب ٤٠ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٨ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٥ ـ ١٣٧٧ ، الاستبصار ٢ : ٣١٥ ـ ١١١٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٣ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ١.

(٧) الكافي ٤ : ٤٤٩ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٤ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٢.

(٨) الكافي ٤ : ٤٤٩ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٩٣ ـ ١٣٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٣١٣ ـ ١١١١ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٦ أبواب الطواف ب ٨٦ ح ٢.

(٩) الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ١١٥٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٥ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٤.

(١٠) فقه الرضا عليه‌السلام : ٢٣١ ، مستدرك الوسائل ٩ : ٤٠٥ أبواب الطواف ب ٣١ ح ٢.

١٠٨

خلافا للفقيه ، فيجوّز للحائض البناء في القسمين وإن جوّز الإعادة في الأول (١) ، لصحيحة محمّد : عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقلّ من ذلك ثمَّ رأت دما ، قال : « تحفظ مكانها ، فإذا طهرت طافت منه واعتدّت بما مضى » (٢).

ويجاب عنه : بالشذوذ أولا ، وبأخصّية الروايات السابقة في الحائض عنها ثانيا ، لاختصاصها بالفريضة بقرينة إيجاب الاستئناف المختصّ بالفرض ، فتبقى الصحيحة في النفل خاصّة.

وللمدارك ، فجعل الاستئناف مطلقا أولى (٣) ، لإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة (٤) الواردة في الاشتكاء.

ويجاب عنها : بالأعميّة المطلقة الموجبة للتخصيص قطعا ، وضعف الروايات الفارقة ـ سيّما بعد الانجبار بما ذكر ـ غير مضرّ.

والسابع والثامن ، السابقان. إلاّ أنّه يكون لدخول وقت الفريضة وإن لم يتضيّق ، والحكم فيهما البناء مطلقا ، تجاوز النصف أم لا ، وفاقا للمحكيّ عن الإصباح والنهاية والجامع والسرائر والمهذّب والغنية والنافع والحلبي والتحرير والمنتهى والتذكرة (٥) ، وعنهما دعوى الإجماع.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤١.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ١١٥٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩٧ ـ ١٣٨٠ ، الاستبصار ٢ : ٣١٧ ـ ١١٢١ ، الوسائل ١٣ : ٤٥٤ أبواب الطواف ب ٨٥ ح ٣.

(٣) المدارك ٨ : ١٥٥.

(٤) في ص : ١٠٥.

(٥) النهاية : ٢٣٩ ، الجامع للشرائع : ١٩٨ ، السرائر ١ : ٥٧٣ ، المهذّب ١ : ٢٣٢ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩ ، النافع : ٩٣ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٩٥ ، التحرير ١ : ٩٩ ، المنتهى ٢ : ٦٩٨ ، التذكرة ١ : ٣٦٤.

١٠٩

وتدلّ عليه صحيحة ابن سنان في مطلق الطواف (١) ، وحسنة هشام في الفريضة منه (٢).

بل وكذلك صلاة الوتر إذا خيف طلوع الفجر ، لصحيحة البجلي (٣) ، ولا يعارضها فيما قبل النصف مفهوم التعليل المتقدّم ، إذ لا يعتبر مفهوم العلّة إلاّ بواسطة الأصل اللاّزم دفعه بما ذكر.

خلافا للّمعتين والدروس ، ففرّقا بين المجاوز عن النصف وعدمه (٤) ، ولعلّه لتعارض المفهوم المذكور ردّه.

والتاسع والعاشر ، السابقان .. إلاّ أنّه يكون لمشاهدة خبث في الثوب أو البدن ، والظاهر أنّهما كالثامن ، كما صرّح به بعضهم (٥) ، لموثّقتي يونس ابن يعقوب (٦) ، المتقدّمتين في مسألة اشتراط إزالة الخبث ، ورواية حبيب (٧) المتقدّمة في مسألة من طاف ثمَّ علم في ثوبه أو بدنه نجاسة.

الأقسام العشرة الباقية ، الأقسام المتقدّمة ، إلاّ أنّها تكون في الطواف النافلة.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٥ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٤ ، التهذيب ٥ : ١٢١ ـ ٣٩٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٤ أبواب الطواف ب ٤٣ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٢١ ـ ٣٩٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٤ أبواب الطواف ب ٤٣ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٦ ، التهذيب ٥ : ١٢٢ ـ ٣٩٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٨٥ أبواب الطواف ب ٤٤ ح ١.

(٤) الروضة ٢ : ٢٥١ ، الدروس ١ : ٣٩٥.

(٥) انظر الحدائق ١٦ : ١٩٨.

(٦) الاولى في : التهذيب ٥ : ١٢٦ ـ ٤١٥. الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ٢.

الثانية في : الفقيه ٢ : ٢٤٦ ـ ١١٨٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٩٩ أبواب الطواف ب ٥٢ ح ١.

(٧) الفقيه ٢ : ٢٤٧ ـ ١١٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٩ أبواب الطواف ب ٤١ ح ٢.

١١٠

قال بعضهم : لا خلاف في البناء فيه مطلقا من غير فرق بين تجاوز النصف وعدمه (١).

ومنهم من أطلق في التفصيل المذكور (٢) ولم يقيّد بالواجب إلاّ في بعض الأقسام المذكورة.

وصريح صحيحة أبان (٣) ومرسلة النخعي وجميل (٤) ، البناء في الأقلّ من النصف في النافلة في الخروج للحاجة ، والظاهر كون السهو أيضا كذلك ، للأولويّة ، والإجماع المركب ، بل وكذلك الحدث والعلّة ، لاختصاص الأمر بالإعادة في الأقلّ من النصف في أخبارهما بالفريضة ، بل وكذلك الحائض كما أشرنا إليه ، فتبقى النافلة تحت أصالة بقاء صحّة ما فعل وعدم الأمر بالاستيناف.

فروع :

أ : المصرّح به في كلام الأكثر في الفارق بين الإعادة والبناء في صور الفرق : مجاوزة النصف وعدمها (٥) ، وفي كلام بعضهم : البلوغ أربعة أشواط وعدمه (٦) ، وفسّر بعضهم الأول بالثاني (٧) ، وأكثر الأخبار الفارقة تتضمن الأول ، وبعضها الوارد في بعض الأقسام يتضمّن الثاني ، لكنّه لا يدلّ على‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٤١٧.

(٢) كما في التحرير ١ : ٩٩ ، والرياض ١ : ٤١١.

(٣) المتقدّمة في ص : ١٠٠.

(٤) المتقدّمتين في ص : ١٠٢.

(٥) انظر النهاية : ٢٣٩ ، والجامع للشرائع : ١٩٨.

(٦) كما في المنتهى ٢ : ٦٩٨.

(٧) كما في المدارك ٨ : ١٥٤.

١١١

أنّه الفارق ، بل يحتمل أن يكون ذكره لكونه من أفراد الأول.

فالظاهر أنّ المناط هو الأول مطلقا ولو لم يبلغ الأربعة ، إلاّ أنّ يثبت إجماعهم على إرادة الثاني من الأول ، ولم يثبت لي.

ب : هل يجزئ الاستئناف حيث يحكم بالبناء؟

لا ينبغي الريب فيه ، لصدق الامتثال.

نعم ، قد يستشكل في أنّه هل يترتّب عليه إثم ، أم لا؟

ظاهر أخبار البناء : الثاني ، لعدم دلالة شي‌ء منها على وجوبه ، غايتها الرجحان.

نعم ، في قوله : « بئس ما صنعت » في رواية حبيب المتقدّمة (١) دلالة عليه ، ولكن لا تكون ذمّته مشغولة بشي‌ء بعده. والأحوط ترك الاستئناف.

ج : حيث ما يبني ، هل يبني من موضع القطع ، أو من الركن؟

الأظهر : الأول ، كما صرّح به في روايتي أبي غرّة وأبي الفرج (٢) ، وروايتي أبي بصير وأحمد بن عمر (٣) ، الواردتين في الحائض في الأثناء.

وأمّا ما في صحيحة ابن عمّار (٤) ، المتقدّمة ـ الواردة في اختصار الحجر الآمرة بالإعادة من الحجر الأسود ـ فلعلّه لبطلان ما جاء به من الطواف رأسا للاختصار ، مع أنّ ثبوت الحكم فيه بالنصّ لا يوجب قياس غيره به.

ومنهم من قال بالتخيير (٥) ، جمعا بين الروايات والصحيحة ، وهو كان‌

__________________

(١) في ص : ٩٨.

(٢) المتقدمتين في ص : ١٠٣.

(٣) المتقدمتين في ص : ١٠٨.

(٤) الكافي ٤ : ٤١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٠٧ ـ ٣٤٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٤٤ أبواب الطواف ب ٢٦ ح ١.

(٥) كما في الرياض ١ : ٤١٢.

١١٢

حسنا لو ثبت اتّحاد جميع الموارد.

واحتاط في التحرير والمنتهى بالثاني (١). وفيه : أنّه يوجب الزيادة المنافية للاحتياط.

د : لو كان نقص الطواف سهوا وتذكّر بعد ركعتي الطواف ، فهل يعيدهما بعد إعادة الطواف أو البناء ، أم لا؟

صرّح في المدارك بالثاني في صورة التذكّر في أثناء السعي (٢) ، استنادا إلى عدم الأمر بإعادتهما مع الأمر بالبناء ، ولكون البناء بعد بعض أشواط السعي ، والصلاة متقدّمة على السعي.

والأحوط إعادة الركعتين في غير هذه الصورة.

هـ : جميع ما ذكر من أقسام الإعادة في غير المحدث إنّما هو فيما إذا خرج عن المطاف ، وأمّا إذا لم يخرج فالظاهر عدم الإعادة ، بل البناء مطلقا ، بناء على ما ذكرنا من عدم ثبوت وجوب الموالاة ، واختصاص أخبار الإعادة بالخروج عنه.

المسألة السادسة : من شكّ في عدد أشواط الطواف ، فإن كان بعد الفراغ الحاصل باعتقاد التمام والدخول في غيره فلا شي‌ء عليه ولا إعادة ـ كسائر العبادات ـ بالإجماع ، له ولانتفاء العسر والحرج ، ولما مرّ في كتاب الطهارة والصلاة.

وقد يستدلّ أيضا بصحاح ابن حازم ومحمّد وابن عمّار ورفاعة :

الأولى : عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة؟ قال : « فليعد طوافه » ، قلت : فاته ، قال : « ما أرى عليه شيئا ، والإعادة أحبّ‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٩٩ ، المنتهى ٢ : ٦٩٠.

(٢) انظر المدارك ٨ : ١٥٧.

١١٣

إليّ وأفضل » (١).

ونحوها الثانية ، إلاّ أنّ فيها ـ بعد قوله : « فليعد طوافه » ـ : قيل : إنّه قد خرج وفاته ذلك ، قال : « ليس عليه شي‌ء » (٢).

ونحوها الثالثة ، إلاّ أنّ فيها ـ بعد قوله : سبعة ـ : قال : « يستقبل » ، قلت : ففاته ذلك ، قال : « لا شي‌ء عليه » (٣).

والرابعة : « فإن طفت بالبيت طواف الفريضة ولم تدر ستّة طفت أو سبعة فأعد طوافك ، فإن خرجت وفاتك ذلك فليس عليك شي‌ء » (٤).

والتقريب : عدم إمكان حملها على الأثناء ، إذ لو كان فيه لوجب إمّا الإتيان بشوط آخر أو الاستئناف ، للانحصار في القولين كما يأتي.

ولا قائل بعدم وجوب شي‌ء أصلا ، إذ هو إمّا عن عمد أو جهل أو نسيان ، ولكل حكم مضى تفصيله ، إذ هو كترك الطواف بعضا أو كلا ، فالحكم بعدم شي‌ء صريحا أوضح دليل على إرادة الشكّ بعد الانصراف ، ويكون الحكم بالإعادة للاستحباب وإن لم يظهر قائل به ، لعدم اشتراط ظهور القائل فيه.

أقول : لا يخفى أنّ في هذا الحمل تخصيصا بما بعد الانصراف في قوله : « فلم يدر » ، وتجوّزا في قوله : « فليعد ».

ويمكن الحمل على الأثناء وارتكاب التخصيص في عموم حال السائل الحاصل من ترك الاستفصال عمّا فعل من الاكتفاء بما فعل أو الإتيان بشوط آخر.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤١٦ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦١ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٨.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٠ ـ ٣٥٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٩ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٦١ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١٠ ، بتفاوت يسير.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٠ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٦.

١١٤

ولا شكّ أنّ التخصيص فقط أولى منه ومن التجوّز ، سيّما مع ظهور أنّه لم يكتف بما فعل ، بل يبني على الأقلّ ، كما هو الأصل في أمثال ذلك المحل ، والمركوز في الأذهان عند العمل.

بل بيّنته صحيحة أخرى لابن حازم : إنّي طفت فلم أدر ستّة طفت أو سبعة ، فطفت طوافا آخر ، فقال : « هلاّ استأنفت؟ » قلت : قد طفت وذهبت ، قال : « ليس عليك شي‌ء » (١).

ولو سلّم فلا شكّ في أنّه من المحتمل لا أقلّ ، فيدخل الأخبار في باب المجمل.

وإن كان في الأثناء ، فإن تيقّن السبعة وشكّ في الزيادة فقط قطع طوافه وصحّ بلا خلاف ، لأصالة عدم الزيادة ، ولصحيحة الحلبي ، عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أو ثمانية؟ فقال : « أمّا السبعة فقد استيقن ، وإنّما وقع وهمه على الثامن ، فليصلّ ركعتين » (٢).

وموثّقته : رجل طاف فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية ، فقال : « يصلّي ركعتين » (٣).

قيل : هذا إذا كان على منتهى الشوط ، وأمّا لو كان في أثنائه بطل طوافه ، لتردّده بين محذورين : الإكمال المحتمل للزيادة عمدا ، والقطع المحتمل للنقيصة (٤).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١١٠ ـ ٣٥٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٥٩ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ١١٤ ـ ٣٧٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٠ ـ ٧٥٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٨ أبواب الطواف ب ٣٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٣ ـ ٣٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢١٩ ـ ٧٥٤ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٨ أبواب الطواف ب ٣٥ ح ٢.

(٤) كما في المسالك ١ : ١٢٣ ، الرياض ١ : ٤١٧.

١١٥

وفيه أولا : منع كون الزيادة المحتملة محذورا ، وإلاّ للزم في منتهى الشوط أيضا ، مع أنّها لا تكون عمدا.

وثانيا : منع التردّد بين الاثنين ، لجواز إتمام الشوط ، بل يقول به من يقول بالبناء على السبعة حينئذ أيضا لا محالة ، فلا يحتمل النقص.

ولذا ذهب في المدارك والذخيرة إلى أنّه كمنتهى الشوط (١) ، ومعهما الأصل قطعا والروايتان احتمالا ، حيث إنّه يصحّ إطلاق قوله : طاف سبعة ، إذا كان في أثناء السابع ، كما وقع في أخبار الشكّ بين ركعات الصلاة ، وإن كان الظاهر منه إتمامه.

فإن قيل : الأصل يفيد لو لم يكن له معارض ، وهو هنا موجود ، وهو رواية أبي بصير : عن رجل شكّ في طواف الفريضة ، قال : « يعيد كلّما شكّ » ، قلت : جعلت فداك ، شكّ في طواف نافلة ، قال : « يبني على الأقلّ » (٢).

والمرهبي : رجل شكّ في طوافه ستّة طاف أم سبعة ، قال : « إن كان في فريضة أعاد كلّما شكّ فيه ، وإن كان في نافلة بنى على ما هو أقلّ » (٣).

قلنا : هما غير ناهضين لإثبات وجوب الإعادة.

وأمّا الجواب باحتمال جعل « ما » موصولة وكونها في الكتابة عن لفظ « كلّ » مفصولة ليصير المعنى إعادة الشوط المشكوك فيه.

فغير صحيح ، لإيجابه عدم تحقّق فرق بين شقّي الترديد.

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٧٨ ، الذخيرة : ٦٣٩.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١١٣ ـ ٣٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٢١٩ ـ ٧٥٥ ، الوسائل ١٣ : ٤١٧ ـ ٣٦٢ ، أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١١٠ ـ ٣٥٩ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٠ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٤ ، بتفاوت يسير.

١١٦

وإن كان الشكّ في الأثناء في النقيصة ـ كأنّ شكّ بين ستّة وسبعة ـ وجبت إعادة الطواف في الفريضة ، وفاقا للصدوق والشيخ والقاضي والحلّي والفاضلين (١) ، بل هو المشهور ، كما في المدارك والذخيرة والمفاتيح وشرحه (٢) ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٣).

لا للصحاح الأربع الأولى المتقدّمة ، لما عرفت من إجمالها ، بل استدلّ [ بها ] (٤) بعضهم على عدم وجوب الإعادة (٥) ، كما يأتي.

ولا لروايتي أبي بصير والمرهبي السابقتين.

وصحيحتي الحلبي (٦) ، وابن عمّار (٧) : في رجل لم يدر ستّة طاف أو سبعة ، قال : « يستقبل ».

وموثقة أبي بصير : رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستّة طاف أم سبعة أم ثمانية ، قال : « يعيد طوافه حتى يحفظ » (٨).

لقصور الكلّ عن إفادة الوجوب.

بل لصحيحة رفاعة : في رجل لا يدري ستّة طاف أو سبعة ، قال :

__________________

(١) الصدوق في المقنع : ٨٥ ، الشيخ في التهذيب ٥ : ١١٠ ، القاضي في المهذب ١ : ٢٣٨ ، الحلي في السرائر ١ : ٥٧٢ ، المحقق في الشرائع ١ : ٢٧٠ والمختصر النافع : ٩٤ ، العلاّمة في المختلف : ٢٨٩ والقواعد ١ : ٨٣.

(٢) المدارك ٨ : ١٧٩ ، الذخيرة : ٦٣٩ ، المفاتيح ١ : ٣٧١.

(٣) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩.

(٤) ما بين المعقوفين أضفناه لاستقامة العبارة.

(٥) انظر الرياض ١ : ٤١٦.

(٦) الكافي ٤ : ٤١٦ ـ ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٦١ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٩.

(٧) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٦١ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١٠.

(٨) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ١١٤ ـ ٣٧١ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٢ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١١.

١١٧

« يبني على يقينه » ، وسأله رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة ، قال : « طواف نافلة أو فريضة؟ » قال : أجبني فيهما جميعا ، قال : « إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت ، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف » (١).

ولا يضرّ صدرها ، لوجوب تخصيصها بالنافلة ، أو إرادة الإعادة من البناء على اليقين لخصوص ما بعده.

وصفوان : عن ثلاثة دخلوا في الطواف ، فقال واحد منهم لصاحبه : تحفظوا الطواف ، فلمّا ظنّوا أنّهم قد فرغوا قال واحد : معي سبعة أشواط ، وقال الآخر : معي ستّة أشواط ، وقال الثالث : معي خمسة أشواط ، قال : « إن شكّوا كلّهم فليستأنفوا ، وإن لم يشكّوا وعلم كلّ واحد ما في يده فليبنوا » (٢).

وموثقة حنّان : ما تقول في رجل طاف فأوهم فقال : طفت أربعة ، وقال : طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « أيّ الطوافين كان طواف نافلة أو طواف فريضة؟ » ثمَّ قال : « إن كان طواف فريضة فليلق ما في يده وليستأنف ، وإن كان طواف نافلة فاستيقن الثلاث وهو في شكّ من الرابع أنّه طاف فليبن على الثالث ، فإنّه يجوز له » (٣).

خلافا للمحكيّ عن المفيد ووالد الصدوق والإسكافي والحلبي (٤)

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤٩ ـ ١١٩٥ و ١١٩٦ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٠ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٥ و ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٢٩ ـ ١٢ ، التهذيب ٥ : ١٣٤ ـ ٤٤١ ، الوسائل ١٣ : ٤١٩ أبواب الطواف ب ٦٦ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٤ : ٤١٧ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١١١ ـ ٣٦٠ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٠ أبواب الطواف ب ٣٣ ح ٧.

(٤) المفيد في المقنعة : ٤٤٠ ، وحكاه عن والد الصدوق والإسكافي في المختلف : ٢٨٩ ، الحلبي في الكافي : ١٩٥.

١١٨

وجماعة من المتأخّرين ـ منهم : المدارك والمفاتيح (١) ـ فقالوا بالبناء على الأقلّ وإن استحبّ الإعادة.

واحتجّوا له بالصحاح الأربع الأولى ـ حيث إنّ نفي الشي‌ء عليه بعد الفوات يدلّ على استحباب الأمر بالإعادة ـ وبصدر صحيحة رفاعة المذكورة ، وبصحيحة ابن حازم الثانية.

أقول : أمّا الصحاح الأربع فتضعّف بما مرّ من الإجمال ، فإنّ لكلّ منها أربعة احتمالات : الحمل على ما بعد الفراغ مع حمل الأمر على الاستحباب ، وعلى الأثناء مع الحمل على الاستحباب أيضا ، ومع حمله على الوجوب وتخصيص نفي الشي‌ء بما بعد فوات الوقت ، كما جوّزه بعض شرّاح المفاتيح.

وعليه يكون في المسألة قول ثالث ، إلاّ أنّ الظاهر أنّه خرق للإجماع ، وإبقاء نفي الشي‌ء على ظاهره والقول بأنّ عدم العلم بتأويل جزء من الحديث لا يضرّ في الاستدلال بالآخر.

وعلى هذا ، فلا يمكن الاستدلال بها لشي‌ء من القولين أو الأقوال.

هذا ، مع أنّ الأخيرة من الأربع محتملة كونها من كلام الصدوق دون جزء الحديث ، كما قيل (٢).

وأمّا الأخيرتان فلا شكّ في عمومهما مطلقا بالنسبة إلى ما ذكرنا ، لشمولهما للنافلة واختصاص أكثره بالفريضة ، فيجب التخصيص. وحمل الخاص على التجوّز وإن كان ممكنا إلاّ أنّ التخصيص مقدّم في نحو هذه الصورة من التعارض.

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٧٩ ـ ١٨١ ، المفاتيح : ١ : ٣٧٢.

(٢) انظر الرياض ١ : ٤١٧.

١١٩

ثمَّ لا يخفى أنّ الدالّ من هذه الأخبار على وجوب الإعادة مخصوص بما إذا كان الشكّ في النقص خاصّة.

وهنا صورة أخرى : هي الشكّ في النقص والزيادة معا ، كأنّ يشكّ بين الستّة والسبعة والثمانية ، أو الستة والثمانية ، بأن يعلم زوجية الشوط ولكن لا يعلم أنّه السادس أو الثامن ، ولا يظهر حكمها من غير روايتي أبي بصير والمرهبي وموثّقة أبي بصير ، وهي ـ كما مرّ ـ غير صريحة في الوجوب.

وكلام القوم أيضا مخصوص بالشكّ في النقص خاصّة على الظاهر وإن كان المحتمل إرادتهم ما اشتمل على احتمال النقص ، ولكنّه ليس مقطوعا به بحيث يثبت به الإجماع المركب.

وعلى هذا ، فيكون مقتضى الأصل ـ وهو البناء على الأقلّ الثابت بقاعدة عدم نقض اليقين بالشكّ ـ باقيا فيها على حاله ، فيلزم الحكم به ، إلاّ أنّ احتمال الإجماع المركّب ودلالة الأخبار الثلاثة المذكورة على جواز الاستئناف وكونه موافقا للاحتياط يرجّح الأخذ به.

هذا كلّه في طواف الفريضة.

وأمّا النافلة ، فيجوز فيها البناء على الأقلّ مطلقا بلا خلاف ، وتدلّ عليه صحيحة رفاعة ، وموثّقة حنّان ، وروايتا أبي بصير والمرهبي ، جميعا.

ويجوز البناء على الأكثر إذا لم يستلزم الزيادة على السبعة ، وفاقا للمنتهى والتذكرة والتحرير والشهيد الثاني (١) وبعض آخر (٢) ، لصحيحة‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٦٩٩ ، التذكرة ١ : ٣٦٥ ، التحرير ١ : ٩٩ ، الشهيد الثاني في الروضة ٢ : ٢٥٢ ، المسالك ١ : ١٢٣.

(٢) انظر الحدائق ١٦ : ٢٣٩.

١٢٠