مستند الشّيعة - ج ١٨

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٨

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-204-0
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤٤٥

١
٢

٣
٤

المقصد الثاني

في الشهادات‌

وفيه مقدّمةٌ وفصول ...

٥
٦

المقدّمة‌

الشهادة مأخوذةٌ من شهد ، وفسّره في المحيط والنهاية الأثيريّة والصحاح والقاموس والمجمع بمعنى حضر (١) ، ومنه : الشاهد يرى ما لا يراه الغائب ، وقوله سبحانه ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٢) وقوله تعالى ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) (٣) والمشهد : المحضر والمجمع.

ونقل بعض المتأخّرين من فقهائنا أنّه في اللّغة يجي‌ء بمعنى : علم أيضاً (٤) ، وذكره في القاموس أيضاً في تفسير : أشهد أن لا إله إلاّ الله ، وفي تفسير ( شَهِدَ اللهُ ) (٥) ومنه الشهيد من أسمائه سبحانه ، ومنه قوله سبحانه ( نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ) (٦).

وفسّر بمعنى عاين أيضاً ، قال في المجمع : وشهدت على الشي‌ء : أي اطّلعت عليه وعاينته فأنا شاهد ، وشهدت العيد : أدركته ، وشاهدته مثل عاينته (٧). وفي القاموس : شاهده : عاينه (٨). وذكروا : أنّ المشاهدة : المعاينة.

وفسّره في المجمع بمعنى أخبر أيضاً ، قال : وشهد بكذا يتعدّى بالباء ؛

__________________

(١) النهاية الأثيرية ٢ : ٥١٣ ، الصحاح ٢ : ٤٩٤ ، القاموس المحيط ١ : ٣١٦ ، المجمع ٣ : ٨٠ ٨١.

(٢) النور : ٢.

(٣) الطلاق : ٢.

(٤) انظر التنقيح ٤ : ٢٨٣ ، والرياض ٢ : ٤٢٣.

(٥) القاموس ١ : ٣١٧. والآية : آل عمران : ١٨.

(٦) المنافقون : ١.

(٧) مجمع البحرين ٣ : ٨١.

(٨) القاموس ١ : ٣١٦.

٧

لأنّه بمعنى أخبر (١). ومنه قوله سبحانه ( وَما شَهِدْنا إِلاّ بِما عَلِمْنا ) (٢).

وفي الثاني : الشهادة في الأصل : الإخبار عمّا شاهده وعاينه (٣). ويمكن أن يكون منه ( وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ) (٤).

وفسّر في المسالك الشهادة لغةً بأنّها الإخبار عن اليقين (٥). ويمكن أن يكون منه قوله سبحانه ( قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ).

وأمّا تفسيرها بالخبر القاطع كما في الثلاثة الأخيرة (٦) فهو ليس بياناً للمعنى المصدري.

ويحصل من ذلك أنّ الشهادة المصدريّة تفسّر في اللغة بالحضور ، والعلم ، والمعاينة ، والإخبار عن اليقين ، والإخبار عمّا شاهده وعاينه.

وصرّح مولانا الرضا في صحيحة صفوان : إنّ الحضور شهادة ، وفيها : سُئل عن رجلٍ طهرت امرأته من حيضها ، فقال : فلانة طالق ، وقومٌ يسمعون كلامه ، ولم يقل لهم : اشهدوا ، أيقع الطلاق عليها؟ قال : « نعم ، هذه شهادة » (٧) ، وبه فسّر قوله تعالى ( وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا ) (٨) في بعض الأخبار (٩).

__________________

(١) مجمع البحرين ٣ : ٨٢.

(٢) يوسف : ٨١.

(٣) النهاية لابن الأثير ٢ : ٥١٤ وفيه : وأصل الشهادة الإخبار بما شاهده وشهده.

(٤) يوسف : ٢٦.

(٥) المسالك ٢ : ٤٠٠.

(٦) الصحاح ٢ : ٤٩٤ ، القاموس المحيط ١ : ٣١٦ ، مجمع البحرين ٣ : ٨٢.

(٧) الكافي ٦ : ٧٢ / ٤ ، التهذيب ٨ : ٤٩ / ١٥٥ ، الوسائل ٢٢ : ٥٠ أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ب ٢١ ح ٢.

(٨) البقرة : ٢٨٢.

(٩) الوسائل ٢٧ : ٣٠٩ أبواب الشهادات ب ١.

٨

ويحتمل أن تكون جميع تلك المعاني حقائق لغويّة ، وأن يكون بعضها مجازاً مأخوذاً من بعضٍ آخر. وأمّا تخصيص الحقيقة بواحدٍ منها فلا دليل عليه.

نعم ، الظاهر أنّ المعنى الأول من المعاني الحقيقيّة ، وكذا الإخبار عمّا شاهده وعاينه.

هذا بحسب اللغة.

وأمّا شرعاً ، فعرّف في المسالك الشهادة بأنّها إخبارٌ جازم عن حقٍّ لازم لغيره ، واقعٌ من غير حاكم (١). أي من حيث إنّه حاكم لا مطلقاً.

ولا يخلو التعريف عن نقض طرداً وعكساً ؛ لصدقه على الإخبار عن ثبوت حقّ الغير على نفسه للغير ، وعدم صدقه على الشهادة بالجرح والتعديل ، ورؤية الهلال ، والطلاق ، والموت ، وغير ذلك.

وقد يختلف الأمر باعتبار الموارد في صدق الشهادة عليه وعدمه ، كالإخبار عن مجي‌ء الحاج ، فإنّه ليس شهادة ، فلو نوزع فيه لحقٍّ مترتّب عليه يقال : إنّه شهادة.

هذا ، مع أنّ الظاهر من قوله : « شرعاً » إرادة الحقيقة الشرعيّة ، وإثباتها هنا مشكل ؛ لعدم دليل على الوضع التعييني.

وأما التعيّني ، فحصوله يتوقّف على كثرة استعمال في المعنى الشرعيّ خاصّة ، بحيث يحصل التبادر فيه ، وتحقّقه فيما نحن فيه غير معلوم ، سيّما مع ملاحظة لفظ الشهود والشهادة وما يشتقّ منهما في غير هذا المعنى في كلمات الحجج كثيراً ، ولو سلّم فتحقّقها في معنى خاصّ مضبوط يصلح‌

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٠.

٩

لإناطة الحكم عليه غير معلوم لنا.

فاللازم حملها في كلام الشارع على الحقيقة اللغويّة ؛ ولعدم تعيينها من بين معاني معلومة واحتمال تعدّدها يجب الأخذ بالمتيقّن ، وهو الحضور ، فيما لم يعلم تضمّنه لمعنى الإخبار ، نحو قوله سبحانه ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ ) (١) ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما ) (٢) ونحو ذلك.

والإخبار عمّا شاهده وعاينه ، أو الإخبار عن اليقين بما شاهده وعاينه فيما تضمّنه ، نحو قوله عزّ جاره ( شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ) (٣) ، وقولهم عليهم‌السلام : « تقبل شهادة الأخ لأخيه ، وتقبل شهادة الضيف ، وتقبل شهادة المسلم » إلى غير ذلك (٤) ؛ لأنّه المترتّب عليه الحكم يقيناً وغيره مشكوكٌ فيه ، ولذا ذكر الفقهاء أنّ مستند الشاهد المشاهدة ، أو السماع ، أو هما معاً.

فإن قيل : فليحمل على الحقيقة العرفيّة.

قلنا : إن أُريد العرفيّة في زمان الشارع فتحقّقها غير معلوم ، وإن أُريد في الزمان المتأخّر عنه فاللغويّة متقدمةٌ عليها ؛ مع أنّ تحقّقها أيضاً غير واضح ، ولو سلّم فالمتحقّق منها غير منضبط جدّاً.

__________________

(١) الطلاق : ٢.

(٢) النور : ٢.

(٣) يوسف : ٢٦.

(٤) انظر الوسائل ٢٧ : أبواب الشهادات ب ٢٦ و ٢٩ و ٣٨ و ٤١.

١٠

الفصل الأول

في بيان شرائط الشاهد وصفاته المعتبرة في قبول شهادته‌

وهي أُمور :

الأول : البلوغ.

فلا تقبل شهادة غير البالغ ، بلا خلافٍ فيه في الجملة ـ كما قيل (١) بل عن الغنية مطلقاً (٢) ، ولكن يجب تقييده أيضاً ؛ لتصريحه بعد ذلك في الشجاج والجراح مدّعياً إجماع الطائفة عليه.

وتفصيل الكلام فيه في مسائل :

المسألة الأُولى : غير البالغ إمّا غير مميّز أو مميّز ، والثاني إمّا لم يبلغ عشر سنين أو بلغ ، وعلى التقديرين إمّا يشهد في غير الجراح والقتل أو يشهد فيهما.

والأصل الأولي في الكلّ : عدم قبول شهادته ، وعدم نفوذه ، وعدم ترتّب الأثر عليه كما في سائر الشهادات.

وكذا الأصل الثانوي ؛ لمفهوم الحصر في مرسلة يونس : « استخراج الحقوق بأربعة [ وجوه ] : بشهادة رجلين عدلين » الحديث (٣).

ومفهوم الشرط في رواية السكوني : « إنّ شهادة الصبيان إذا أشهدوهم‌

__________________

(١) انظر الرياض ٢ : ٤٢٤.

(٢) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٤.

(٣) الكافي ٧ : ٤١٦ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٣١ / ٥٦٢ ، الوسائل ٢٧ : ٢٤١ أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ب ٧ ح ٤ ؛ ما بين المعقوفين من المصادر.

١١

وهم صغار جازت إذا كبروا ما لم ينسوها » (١) ، وقريبةٌ منها الأُخرى (٢).

وصحيحة محمّد : في الصبي يشهد على الشهادة ، فقال : « إن عقله حين يدرك أنّه حقّ جازت شهادته » (٣).

وصحيحة جميل : تجوز شهادة الصبيان؟ قال : « نعم ، في القتل يؤخذ بأول كلامه ، ولا يؤخذ بالثاني منه » (٤) ، فإنّ الجواب المقيّد بعد السؤال عن المطلق بمنزلة التفصيل القاطع للشركة.

ورواية محمّد بن حمران : عن شهادة الصبي ، فقال : « لا ، إلاّ في القتل يؤخذ بأول كلامه ، ولا يؤخذ بالثاني » (٥).

ويمكن أن يستدل له أيضاً بمفهوم مرسلة الفقيه : « وإن شهد رجلان عدلان على شهادة رجلٍ فقد ثبتت شهادة رجلٍ واحد » (٦).

وبمثل رواية المثنّى « تجوز شهادة النساء في الرجم إذا كان ثلاثة رجال وامرأتان » (٧).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٩ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٥١ / ٦٤٨ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٢ أبواب الشهادات ب ٢١ ح ٢.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٨ / ٨٠ ، التهذيب ٦ : ٢٥٠ / ٦٤٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٣ أبواب الشهادات ب ٢١ ح ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٨٩ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٢٥١ / ٦٤٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٢ أبواب الشهادات ب ٢١ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٨٩ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٥١ / ٦٤٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٣ أبواب الشهادات ب ٢٢ ح ١.

(٥) الكافي ٧ : ٣٨٩ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٢٥١ / ٦٤٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٣ أبواب الشهادات ب ٢٢ ح ٢.

(٦) الفقيه ٣ : ٤١ / ١٣٥ ، الوسائل ٢٧ : ٤٠٤ أبواب الشهادات ب ٤٤ ح ٥.

(٧) الكافي ٧ : ٣٩١ / ٩ ، التهذيب ٦ : ٢٦٥ / ٧٠٦ ، الإستبصار ٣ : ٢٤ / ٧٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٥٤ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ١١ ؛ وفي الجميع : عن مثنّى الحنّاط ، عن زرارة.

١٢

ورواية الهمداني : امرأةٌ شهدت على وصيّة ، فكتب عليه‌السلام : « لا ، إلاّ أن يكون رجلٌ وامرأتان » (١).

بضميمة الإجماع المركّب في الثلاثة.

وبالتعليل الوارد في موثّقة محمّد ، الواردة في ردّ شهادة السائل بكفّه ، بقوله : « لأنّه لا يؤمن على الشهادة » (٢).

وأمّا رواية إسماعيل بن جعفر : « إذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره وجازت شهادته » (٣).

ورواية طلحة بن زيد : « شهادة الصبيان جائزةٌ بينهم ما لم يتفرّقوا ويرجعوا إلى أهلهم » (٤).

فمع اختصاصهما ببعض الصور لا تصلحان لمعارضة ما مرّ ؛ أمّا الأُولى فلكونها مقطوعة غير مسندة إلى إمام ، وأمّا الثانية فلشذوذها المخرج لها عن الحجّية.

ثم إنّ بما ذكر تُخصَّص إطلاقات الكتاب والسنّة ، الشاملة لغير البالغين أيضاً : كقوله ( فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٦٨ / ٧١٩ ، الإستبصار ٣ : ٢٨ / ٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٠ أبواب الشهادات ب ٢٤ ح ٣٤ ؛ وفي الجميع هكذا : امرأةٌ شهدت على وصيّة رجلٍ لم يشهدها غيرها ، وفي الورثة من يصدّقها ، وفيهم من يتّهمها ، فكتب عليه‌السلام ..

(٢) الكافي ٧ : ٣٩٦ / ١٣ ، التهذيب ٦ : ٢٤٣ / ٦٠٨ ، الوسائل ٢٣ : ٣٨٢ أبواب الشهادات ب ٣٥ ح ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٣٨٨ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٥١ / ٦٤٤ ، الوسائل ٢٣ : ٣٤٤ أبواب الشهادات ب ٢٢ ح ٣.

(٤) الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٥ أبواب الشهادات ب ٢٢ ح ٦.

١٣

فِي الْبُيُوتِ ) (١).

وقوله عزّ شأنه ( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ) (٢).

وقوله عليه‌السلام في صحيحة الحلبي : « وتجوز شهادة الولد لوالده ، والوالد لولده ، والأخ لأخيه » (٣).

وبمضمونها أخبارٌ كثيرة ، كموثّقتي أبي بصير (٤) وسماعة (٥) ، ورواية السكوني (٦).

وقوله في صحيحة الحلبي أيضاً : « حدّ الرجم أن يشهد أربعةٌ أنّهم رأوه يدخل ويخرج » (٧) ، وبمضمونها أيضاً أخبارٌ متكثّرة (٨).

مع أنّ في عموم الآيتين بل الأخبار الأخيرة ، بعد التقييد المستفاد من روايتي المثنّى والهمداني نظراً ، سيّما مع تقييد الآية بقوله ( مِنْكُمْ ) ، فإنّ المراد من ضمير الجمع هو المراد من الضمير في ( نِسائِكُمْ ) وفي أمسكوهن ، وهو من الرجال قطعاً ، ولو منع الظهور في الرجال يحصل لا أقلّ فيه الإجمال المسقط للاستدلال بالعامّ ، ومنه يسري الإجمال إلى الآية الثانية أيضاً.

__________________

(١) النساء : ١٥.

(٢) النور : ٤.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٣ / ٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٧ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٣٩٣ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ / ٦٣٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٣.

(٥) التهذيب ٦ : ٢٤٧ / ٦٢٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٤.

(٦) التهذيب ٦ : ٢٨٦ / ٧٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٥.

(٧) الكافي ٧ : ١٨٣ / ١ ، التهذيب ١٠ : ٢ / ٤ ، الإستبصار ٤ : ٢١٧ / ٨١٥ ، الوسائل ٢٨ : ٩٤ أبواب حد الزنا ب ١٢ ح ١.

(٨) انظر الوسائل ٢٨ : ٩٤ أبواب حد الزنا ب ١٢.

١٤

وقد تضعّف دلالة الإطلاقات باختصاصها بالبالغ من الرجال بحكم التبادر وغيره ، وبمعارضتها بالنصوص الدالّة على اعتبار أُمور في الشاهد ، مع القطع بعدم وجود شي‌ءٍ منها في الصبي.

وفي الأول : منع الاختصاص في الجميع وإن اختصّ بعض الموارد بذكر الرجل ، أو تحقّق الأمر المخصوص بالمكلّفين ، وأمّا في الجميع فممنوع ، وإن أُريد التبادر من نفس الشاهد وما بمعناه فإنّ المنع فيه أظهر.

وفي الثاني : أنّ ما وجدناه من النصوص متضمّنٌ لاعتبار كونه مرضيّاً ، كرواية السكوني ، وفيها : « شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّاً » (١).

أو كونه عفيفاً صائناً ، كموثّقة أبي بصير : « لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً » (٢).

أو لكونه صالحاً ، كصحيحة العلاء في شهادة المكاري والجمّال والملاّح : « تُقبَل شهادتهم إذا كانوا صلحاء » (٣).

أو لكونه مسلماً غير معروفٍ بشهادة الزور ولا بالفسق ، كصحيحة حريز : « إذا كانوا أربعةً من المسلمين ليس يُعرَفون بشهادة الزور أُجيزت شهادتهم جميعاً » إلى أن قال : « وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم ، إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق » (٤).

__________________

(١) التهذيب ٦ : ٢٨٦ / ٧٩٠ ، الوسائل ٢٧ : ٣٦٨ أبواب الشهادات ب ٢٦ ح ٥.

(٢) الفقيه ٣ : ٢٧ / ٧٧ ، التهذيب ٦ : ٢٥٨ / ٦٧٦ ، الإستبصار ٣ : ٢١ / ٦٤ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧٢ أبواب الشهادات ب ٢٩ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٦ / ١٠ ، الفقيه ٣ : ٢٨ / ٨٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٣ / ٦٠٥ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨١ أبواب الشهادات ب ٣٤ ح ١.

(٤) الكافي ٧ : ٤٠٣ / ٥ ، التهذيب ٦ : ٢٧٧ / ٧٥٩ ، الإستبصار ٣ : ١٤ / ٣٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٧ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١٨.

١٥

أو لولادته على الفطرة والمعروفيّة بالصلاح ، كرواية ابن المغيرة : « كلّ من ولد على الفطرة وعرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته » (١).

أو للولادة على الفطرة فقط ، كالمرويّ في مجالس الصدوق : « كلّ من ولد على فطرة الإسلام تقبل شهادته » (٢).

أو لكونه ممّن عُلِمَ منه خير ، كما في صحيحة محمّد في العبد يشهد بعد عتقه (٣).

ولا شكّ أنّ شيئاً من هذه الأُمور ليس ما يقطع بعدم وجوده في الصبيان ، بل يوجد كلّ منها فيهم كثيراً ، ويصدق عليهم لغةً وشرعاً وعرفاً ، وعلى هذا فتكون هذه النصوص أيضاً من العمومات المثبتة لقبول شهادتهم ، الواجب تخصيصها بما ذكر.

فإن قيل : تتعارض هذه مع أدلّة عدم القبول بالعموم من وجه ، وإذ لا مرجّح يجب الرجوع إلى عمومات القبول ، ويكون هو الأصل الثانوي.

قلنا أولاً : إنّ ذلك إنّما يتمّ لو خلت العمومات عن المعارض المخرج لها عن الحجّية في محل النزاع ، وليست كذلك ؛ لأنّ مفهوم مرسلة يونس أعمّ من وجه من العمومات ، لشموله لغير الشهادة أيضاً من اليمين والقرعة وغيرها ، فالعمومات لا تكون حجّة في محلّ الاجتماع ، ويجب الرجوع إلى الأصل الأولي ، الذي هو عدم القبول.

وثانياً : أنّ بقاء العمومات على عمومها الموجب لثبوت الأصل‌

__________________

(١) الفقيه ٣ : ٢٨ / ٨٣ ، التهذيب ٦ : ٢٨٣ / ٧٧٨ ، الإستبصار ٣ : ١٤ / ٣٧ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٣ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ٥.

(٢) أمالي الصدوق : ٩١ / ٣ ، الوسائل ٢٧ : ٣٩٥ أبواب الشهادات ب ٤١ ح ١٣ ، بتفاوت.

(٣) الفقيه ٣ : ٤١ / ١٣٩ ، الوسائل ٢٧ : ٣٨٧ أبواب الشهادات ب ٣٩ ح ١.

١٦

مخالفٌ للإجماع.

نعم ، اعتُبرت العدالة في جملةٍ من الأخبار ، كصحيحة البجلي : « لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عدلاً » (١).

ورواية محمّد : في شهادة المملوك : « إذا كان عدلاً فهو جائز الشهادة » (٢).

وفي مكاتبة الصفّار : « إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين » (٣) إلى غير ذلك.

والعدالة ممّا يظنّ أنّها تختصّ بالمدركين ، فإن ثبت ذلك فموجبات اشتراط العدالة أيضاً تكون من أدلّة عدم القبول ، ولكونها أخصّ من العمومات يجب تخصيصها بمفهومها ، ويثبت الأصل الثانوي في عدم القبول.

وإن لم يثبت كما هو المحتمل ، بل الظاهر فيعارض منطوق هذه أيضاً مع أدلّة عدم القبول بالعموم من وجه ، ولا يفيد الرجوع إلى العمومات كما مرّ ، ويكون الأصل مع عدم القبول أيضاً ؛ للرجوع إلى الأصل الأول.

وعلى هذا ، فاللاّزم في شهادة الصبي العمل بالأصل ، إلاّ فيما أخرجه الدليل.

المسألة الثانية : لا تُقبَل شهادة الصبي الغير المميّز إجماعاً محقّقاً‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٨٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ / ٦٣٤ ، الإستبصار ٣ : ١٥ / ٤٢ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٥ أبواب الشهادات ب ٢٣ ح ١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٨٩ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٤٨ / ٦٣٣ ، الإستبصار ٣ : ١٥ / ٤١ ، الوسائل ٢٧ : ٣٤٥ أبواب الشهادات ب ٢٣ ح ٣.

(٣) الكافي ٧ : ٣٩٤ / ٣ ، الفقيه ٣ : ٤٣ / ١٤٧ ، التهذيب ٦ : ٢٤٧ / ٦٢٦ ، الوسائل ٢٧ : ٣٧١ أبواب الشهادات ب ٢٨ ح ١.

١٧

ومنقولاً مستفيضاً (١) ؛ للإجماع ، والأصل المتقدّم ، وما مرّ من الأخبار المعتبرة للأوصاف المنتفية في غير المميّز قطعاً ، والخبر المتقدّم المعتبر لبلوغ عشر سنين (٢).

المسألة الثالثة : الصبي المميّز والغير البالغ عشراً لا تقبل شهادته في غير الجنايات‌ إجماعاً ، كما عن الإيضاح والمهذّب والصيمري (٣) ، بل محقّقاً ؛ ويدلّ عليه الأصل المتقدّم ، وروايتا محمّد بن حمران وجميل المتقدّمتان (٤) ، ورواية إسماعيل ، بلا معارض لشي‌ءٍ منها ، سوى العمومات المتقدّمة المخصّصة ، ورواية طلحة (٥) في بعض الصور الشاذّة.

وفي الجنايات خلاف ، فمعظم الأصحاب كما في المهذّب ـ : عدم القبول ، وهو مذهب الشيخ في النهاية والحلّي (٦) وجمع آخر (٧) ؛ للأصل ، ومفهوم رواية إسماعيل المتقدّمة ، وبعض العمومات السابقة ، والشهرة المحكيّة.

وظاهر المسالك : ادّعاء الإيضاح الإجماع على عدم قبول شهادة من له دون العشر مطلقاً (٨). وليس كذلك ، بل صرّح في الإيضاح بالخلاف‌

__________________

(١) كما في الإيضاح ٤ : ٤١٧ ، الدروس ٢ : ١٢٣ ، المسالك ٢ : ٤٠٠ ، الرياض ٢ : ٤٢٤.

(٢) أي خبر إسماعيل بن جعفر المتقدّم في ص ١١.

(٣) حكاه عنهم في الرياض ٢ : ٤٢٤ ، وهو في الإيضاح ٤ : ٤١٧ ، وفي المهذّب البارع ٤ : ٥٠٧.

(٤) في ص ١٠.

(٥) المتقدّمة في ص ١١.

(٦) النهاية : ٣٣١ ، الحلّي في السرائر ٢ : ١٣٦.

(٧) كالمحقّق في الشرائع ٣ : ١٢٥ ، وابن سعيد في الجامع : ٥٤٠ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ٢ : ٣٦٩.

(٨) المسالك ٢ : ٤٠٠.

١٨

فيمن له دون العشر في الجراح والقصاص ، ونسب الخلاف إلى الإسكافي والخلاف (١).

وكذا ما ذكره بعض مشايخنا المعاصرين من نسبة ظهور عدم الخلاف في المسألة من التنقيح (٢) ، فإنّه ليس كذلك ، بل ظاهره ادّعاء عدم القول بقبول شهادة الصبي مطلقاً (٣).

وعن الإسكافي والخلاف : القبول (٤) ، وهو ظاهر السيّد في الانتصار وابن زهرة في الغنية ، حيث حكما بقبول شهادة الصبيان في الشجاج والجراح بالإطلاق ، مدّعيين عليه إجماع الطائفة (٥) ؛ لصحيحة جميل ورواية ابن حمران المتقدّمتين ، الخاصّتين بالنسبة إلى أدلّة المنع ، المعتضدتين بنقل الإجماع من العدلين. وهو الحقّ ؛ لما ذكر.

وحمل قبول الشهادة فيهما على ما إذا بلغت حدّ الاستفاضة أو إرادة حصول اللوث منها خلاف الظاهر والحقيقة.

وقد يستدلّ أيضاً بما اشتهر عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٦) ، وحكى في الانتصار روايته عن الخاصّة والعامّة في حكم ستّة غلمان (٧).

وفيه : أنّه قضيّة في واقعة ؛ مع أنّ استعمال الغلام في البالغ شائع ،

__________________

(١) الإيضاح ٤ : ٤١٧.

(٢) انظر الرياض ٢ : ٤٢٤.

(٣) التنقيح ٤ : ٢٨٥.

(٤) حكاه عن الإسكافي في الإيضاح ٤ : ٤١٧ ، الخلاف ٢ : ٦١٣.

(٥) الانتصار : ٢٥٠ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٦٢٥.

(٦) الكافي ٧ : ٢٨٤ / ٦ ، الفقيه ٤ : ٨٦ / ٢٧٧ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٩ / ٩٥٣ ، المقنعة : ٧٥٠ ، الوسائل ٢٩ : ٢٣٥ أبواب موجبات الضمان ب ٢ ح ١.

(٧) الانتصار : ٢٥١.

١٩

وضرب الدية في الواقعة المذكورة على الغلامين والثلاثة على إرادته شاهد. ثم بما ذكر يدفع الأصل ويخصّ العام.

وأمّا رواية إسماعيل فغير حجّة ؛ لكونها موقوفة ، والشهرة ليست بحجّة ، سيّما مع معارضتها بدعوى الإجماع ، ومظنّة الإجماع هنا باطلة ، ولذا استبعده في المسالك (١) ، ومنعه في المهذّب ، وعلى هذا فتردّد جماعة من متأخّري المتأخّرين في غير موقعه (٢).

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنّ المذكور في الروايتين : القتل ، وفي كلمات القائلين بالقبول : الشجاج والجراح ، فالأخذ بالقتل خروجٌ عن قول الأصحاب وبقولهم عن الرواية.

قلنا : لا نسلّم أنّ الأخذ بالرواية خروجٌ عن قول الأصحاب ؛ لأنّ الظاهر منهم إرادة القتل أيضاً ، ألا ترى أنّ السيّد مع أنّه عنون المسألة بالشجاج والجراح ـ استدلّ بقبول أمير المؤمنين عليه‌السلام شهادة الغلمان في الغرق ، وكذا ابن زهرة؟!

وأ لا ترى كلام المهذّب؟! حيث قال : إذا ميّز الصبي وله دون العشر لا تقبل شهادته في غير الجراح والقصاص إجماعاً. وهل تقبل في ذلك؟ معظم الأصحاب على المنع ، وقال في الخلاف : تقبل ، وبه قال أبو علي (٣). انتهى.

وقال في المسالك : ولعلّه أي المقتصر على الجراح ما يشمل البالغة إلى القتل (٤). فذكر القصاص أيضاً.

__________________

(١) المسالك ٢ : ٤٠٠.

(٢) كالفيض الكاشاني في المفاتيح ٣ : ٢٧٦.

(٣) المهذب البارع ٤ : ٥٠٧.

(٤) المسالك ٢ : ٤٠٠.

٢٠