مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

ومقدّماته وواجباته ومستحبّاته.

ويترجّح أن يكون ذلك الإحرام يوم التروية ، بلا خلاف ، كما في الذخيرة وعن المنتهى (١) ، بل بالإجماع كما عن التذكرة (٢) ، له ، وللمستفيضة من الأخبار (٣) المتقدّمة أكثرها في المسألة المذكورة.

وعن ابن حمزة أنّه قال : إذا أمكنه الإحلال والإحرام بالحجّ ولم يضيّق الوقت لزمه الإحرام يوم التروية (٤) ، ولعلّه للأمر في الأخبار المذكورة.

ويردّ : بوجوب حمله على الاستحباب ، لعمل الطائفة ، ولأخبار أخر دالّة على التوسعة.

كصحيحة عليّ بن يقطين : عن الذي يريد أن يتقدم فيه الذي ليس له وقت أول منه ، قال : « إذا زالت الشمس » ، وعن الذي يريد أن يتخلّف بمكّة عشيّة التروية إلى أيّ ساعة يسعه أن يتخلّف؟ قال : « ذلك موسّع له حتى يصبح بمنى » (٥).

وقويّة يعقوب بن شعيب : « لا بأس للمتمتّع أن يحرم من ليلة التروية متى ما تيسّر له ما لم يحسّ فوات الموقفين » (٦).

__________________

(١) الذخيرة : ٦٥٠ ، المنتهى ٢ : ٧١٤.

(٢) التذكرة ١ : ٣٧٠.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩١ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠.

(٤) الوسيلة : ١٧٦ ، وقد حكاه عنه في المختلف : ٢٩٦.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٥ ـ ٥٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٠ أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ب ٢ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٤ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٧١ ـ ٥٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٧ ـ ٨٦٣ ، الوسائل ١١ : ٢٩٢ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٥ ، وفي الجميع : إن لم يحرم ..

٢٠١

ورواية محمّد بن ميمون : قد قدم أبو الحسن عليه‌السلام متمتّعا ليلة عرفة ، فطاف وأحلّ وأتى بعض جواريه ، ثمَّ أهلّ بالحجّ وخرج (١).

ورواية عمر بن يزيد المتقدّمة في المسألة المذكورة ، وفيها : « واعلم أنّه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو دبر نافلة أو ليل أو نهار » (٢).

مضافا إلى ما في الأوامر المذكورة من ضعف الدلالة على الوجوب ، كما مرّ وجهه في المسألة المتقدّمة.

وأفضل أوقات يوم التروية له : عند الزوال ، كما نطقت به الأخبار (٣).

وأمّا أنّ الأفضل كونه بعد الصلاتين ، أو بعد صلاة الظهر خاصّة ، أو قبلهما ، فقد مرّ في بحث إحرام العمرة.

ويظهر ممّا يأتي في أفضل حالات الخروج إلى منى ، وأنّ الأفضل للإمام التقديم على الصلاتين والباقون بالخيار.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٣ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٢ ـ ١١٥٧ ، التهذيب ٥ : ١٧٢ ـ ٥٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٧ ـ ٨٦٧ ، الوسائل ١١ : ٢٩١ أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٢ وفيه : ثمَّ أحرم بالحجّ وخرج.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٩ ـ ٥٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ١٢ : ٣٤٥ أبواب الإحرام ب ١٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥٢٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢.

٢٠٢

الفصل الثاني

في ثاني أفعال الحجّ ، وهو الوقوف بعرفات

والكلام إمّا في مقدّماته ، أو كيفيّته ، أو أحكامه ، فهاهنا ثلاثة أبحاث :

البحث الأول

في مقدماته‌

وهي أمور :

منها : الخروج من مكّة إلى جهة عرفات ، ولا شكّ في وجوبه ، لأنّه مقدّمة الواجب ، ولا خلاف في رجحان كونه يوم التروية ، كما في الذخيرة (١).

وتدلّ عليه من الأخبار صحيحة الحلبي (٢) ، وابن عمّار (٣) ، وموثّقة أبي بصير (٤) ، ورواية عمر بن يزيد (٥) ، المتقدّمة في بيان موضع إحرام حجّ‌

__________________

(١) الذخيرة : ٦٥٠.

(٢) الكافي ٤ : ٤٤٣ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٦٤ ـ ٥٤٧ ، الوسائل ١١ : ٣٠٣ أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٧.

(٣) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٦٧ ـ ٥٥٧ ، الوسائل ١٣ : ٥١٩ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٥٤ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٦٨ ـ ٥٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٥٢١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢ ح ٢.

(٥) التهذيب ٥ : ١٦٩ ـ ٥٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٦ ، الوسائل ١٣ : ٥٢١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢ ح ٣.

٢٠٣

التمتّع من الباب [ الأول من المقصد الرابع ] (١) ، والأخبار الآتية الآمرة بالخروج بعد زوال الشمس من هذا اليوم (٢).

وموثّقة إسحاق : عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحجّ ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال : « نعم » ، قلت : فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا ويتروّح بذلك؟ قال : « لا » ، قلت : يتعجل بيوم؟ قال : « نعم » ، قلت : بيومين؟ قال : « نعم » ، قلت : ثلاثة؟ قال : « نعم » ، قلت : أكثر من ذلك؟ قال : « لا » (٣).

وهل تأخيره إلى التروية على سبيل الوجوب ، كما يحكى عن الإسكافي والشيخ (٤)؟

أو الاستحباب ، كما هو المشهور ، وعن المنتهى : لا نعلم فيه خلافا (٥) ، وعن التذكرة : الإجماع عليه (٦)؟

الظاهر : الثاني ، للأصل السالم عمّا يصلح لإثبات الوجوب ، فإنّ الأخبار الثلاثة الاولى وإن تضمّنت الأمر إلاّ أنّها في الخروج بعد الزوال ، الذي هو ليس بواجب قطعا كما يأتي ، وكذا سائر الأخبار الآتية ، وموثّقة إسحاق وإن لم تتقيّد بالزوال إلاّ أنّها لكونها جملة خبريّة لا تفيد التحريم ، فيمكن أن يكون السؤال عن الإباحة.

__________________

(١) بدل ما بين المعقوفين في النسخ : الثاني من المقصد الثالث ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) كما في الوسائل ١٣ : ٥٢٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٦٠ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٦ ـ ٥٨٩ ، الاستبصار ٧ : ٢٥٣ ـ ٨٨٩ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٣ ح ١.

(٤) حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٢٩٦ ، الشيخ في التهذيب ٥ : ١٧٥.

(٥) المنتهى ٢ : ٧١٤.

(٦) التذكرة ١ : ٣٧٠.

٢٠٤

ثمَّ إنّ ما ذكر من رجحان الخروج يوم التروية لغير ذوي الأعذار ، وأمّا هم فلهم التقدّم بيوم أو يومين أو ثلاثة ، بلا خلاف يعرف ، للموثقة المذكورة ، ومرسلة البزنطي الآتية وغيرهما.

والأحوط عدم تقدّم ذوي الأعذار على الثلاثة ، كما تنطق به الأخبار المتقدّمة ، كما أنّ الأحوط لغيرهم عدم التقدّم على التروية.

ثمَّ الراجح أن يكون الخروج يوم التروية بعد الزوال ، والظاهر عدم الخلاف فيه أيضا ، ويدلّ عليه غير موثّقة إسحاق من الأخبار المذكورة طرّا.

وهل هو على سبيل الوجوب لغير ذوي الأعذار؟ كما يحكى عن الشيخ (١) ، للأخبار المذكورة المتضمّنة أكثرها للأمر ، ولصحيحة عليّ بن يقطين : عن الذي يريد أن يتقدّم فيه الذي ليس له وقت أول منه ، قال : « إذا زالت الشمس » ، وعن الذي يريد أن يتخلّف بمكّة عشيّة التروية إلى أيّ ساعة يسعه أن يتخلّف؟ قال : « ذلك موسّع له حتى يصبح بمنى » (٢).

أو الاستحباب؟ كما هو المشهور ، بل ظاهر الفاضل كونه إجماعيّا (٣) ، حيث حمل قول الشيخ على شدّة الاستحباب ، لرواية رفاعة : هل يخرج الناس إلى منى غدوة؟ قال : « نعم ، إلى غروب الشمس » (٤) ، وضعفها ـ لو كان ـ منجبر بالاشتهار ، وهي قرينة صارفة لسائر الأخبار عن ظاهرها ، مضافة إلى أنّ الدالّ على الوجوب لو ابقي وظاهره لخرج عن الحجيّة‌

__________________

(١) حكاه عنه في الحدائق ١٦ : ٣٥٠.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٥ ـ ٥٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢ ح ١.

(٣) المنتهى ٢ : ٧١٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٦ ـ ٥٨٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٣ ـ ٨٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٢ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٣ ح ٢.

٢٠٥

بالشذوذ ، ولم يفد سوى الاستحباب المحتمل للتسامح.

ثمَّ في الوقت الراجح فيه الخروج بعد الزوال من جهة التقديم على الصلاة والتأخير عنها اختلفوا على أقوال : ففي الشرائع والنافع وعن المبسوط والنهاية : أنّه بعد صلاة الظهرين بمكّة (١).

واستدلّ له بصحيحة الحلبي وابن عمّار المذكورة (٢).

وهي عن الدلالة على ذلك قاصرة ، إذ ليس فيها الظهرين وغايته المكتوبة ، فيحتمل الظهر خاصّة ، كما عليه جماعة (٣).

وبأنّ المسجد الحرام أفضل من غيره ، فيستحبّ إيقاع الفرضين فيه.

وفيه ما فيه ، لأنّه أمر آخر غير جهة الخروج إلى عرفات.

وعن المفيد والسيّد : أنّه قبل الظهرين ، والراجح إيقاعهما بمنى.

ويدلّ عليه ظاهر موثّقة أبي بصير ورواية عمر المتقدّمتين (٤) ، وصحيحة ابن عمّار الطويلة المتضمّنة لبيان حجّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها : « فلمّا كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحجّ ، فخرج النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه مهلّين بالحجّ حتى أتوا منى ، فصلّى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، ثمَّ غدا والناس معه » الحديث (٥).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٥٢ ، النافع : ٨٦ ، المبسوط ١ : ٣٦٤ ، النهاية : ٢٤٧.

(٢) في ص : ٢٠٣.

(٣) منهم الطوسي في المبسوط ١ : ٣٦٥ ، العلاّمة في المنتهى ٢ : ٧١٥ ، ابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٠٤.

(٤) في ص : ٢٠٣.

(٥) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، مستطرفات السرائر : ٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

٢٠٦

وصحيحة جميل : « على الإمام أن يصلّي الظهر بمنى ، ثمَّ يبيت بها ويصبح حتى تطلع الشمس ، ثمَّ يخرج إلى عرفات » (١) ، وقريبة منها الأخرى (٢).

وصحيحة محمّد : « لا ينبغي للإمام أن يصلّي الظهر [ يوم التروية ] إلاّ بمنى ويبيت بها إلى طلوع الشمس » (٣).

وصحيحة ابن عمّار : « على الإمام أن يصلّي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف ، ويصلّي الظهر يوم النفر بمسجد الحرام » (٤).

والأخرى : « وإذا انتهيت إلى منى فقل : اللهم هذه منى وهذه ممّا مننت به علينا من المناسك فأسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أنبيائك ، فإنّما أنا عبدك وفي قبضتك ، ثمَّ تصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، والإمام يصلّي بها الظهر لا يسعه إلاّ ذلك ، وموسّع لك أن تصلّي بغيرها إن لم تقدر ، ثمَّ تدركهم بعرفات » ، ثمَّ قال : « وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر (٥) » (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٠ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٠ ـ ١٣٧٣ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٥ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ٦.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٧ ـ ٥٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٤ ـ ٨٩٢ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٧٦ ـ ٥٩١ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٣ ـ ٨٩١ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ١ ، وما بين المعقوفين أضفناه من المصادر.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٧ ـ ٥٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٤ ـ ٨٩٣ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ٣.

(٥) محسّر : بكسر السين وتشديدها ، وهو واد معترض الطريق بين جمع ومنى ، وهو إلى منى أقرب ، وهو حد من حدودها ـ مجمع البحرين ٣ : ٢٦٨.

(٦) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ ـ ٥٩٦ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٥ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ٥.

٢٠٧

وعن الشيخ في التهذيب : الفرق بين الإمام ـ أي أمير الحاجّ ـ وغيره ، فالأول للثاني والثاني للأول (١) ، وهو مذهب المحقّق في النافع (٢) ، بل ظاهر كلام الشيخ عدم جواز الصلاتين للإمام إلاّ بمنى ، أمّا الأول فلصحيحة الحلبي وابن عمّار وموثّقة أبي بصير ورواية عمر ، وأمّا الثاني فلصحيحة جميل وما بعدها من الأخبار.

وذهب الحلّي إلى الفرق أيضا ، إلاّ أنّه رجّح لغير الإمام الخروج بعد صلاة الظهر خاصّة (٣) ، ولعلّه لظاهر صحيحة الحلبي وابن عمّار.

وذهب جماعة من المتأخّرين ـ منهم : المدارك والمفاتيح وشرحه ـ إلى التفصيل أيضا ، ولكن قالوا في غير الإمام بالتخيير بين الخروج قبل الصلاة وبعدها (٤) ، للجمع بين الأخبار ، ولإطلاق موثّقة أبي بصير المذكورة ، وتصريح صحيحة ابن عمّار الأخيرة.

ومرسلة البزنطي : يتعجّل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين لأجل الزحام وضغاط الناس؟ فقال : « لا بأس ، وموسّع للرجل أن يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية إلى أن يصبح حيث يعلم أنّه لا يفوته الوقت » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٥.

(٢) النافع : ٨٦.

(٣) السرائر ١ : ٥٨٥.

(٤) المدارك ٧ : ٣٨٨ ، المفاتيح ١ : ٣٤٣.

(٥) التهذيب ٥ : ١٧٦ ـ ٥٩٠ ، وفي الاستبصار ٢ : ٢٥٣ ـ ٨٩٠ والوسائل ١٣ : ٥٢٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٣ ح ٣ الى قوله : « لا بأس » ، والظاهر أن ما بعده من كلام الشيخ. والرواية في الفقيه ٢ : ٢٨٠ ـ ١٣٧١ إلى قوله : « لا بأس » ، عن إسحاق بن عمّار.

٢٠٨

أقول : لا ينبغي الريب في استحباب خروج الإمام قبل صلاة الظهر ، للأخبار المذكورة التي هي أخصّ مطلقا من غيرها ، بل ظاهر غيرها الاختصاص بغير الإمام ، فلا يكون لأخبار الإمام معارض ولو على سبيل العموم.

وظاهر أكثر تلك الأخبار وإن كان الوجوب على الامام ـ كما هو ظاهر الشيخ (١) ومحتمل الحلّي (٢) ـ إلاّ أنّ الأكثر حملوها على الاستحباب ، بل عن الفاضل : حمل كلام الشيخ أيضا على شدّة الاستحباب (٣) ، فلا ينبغي الريب في سقوط القول الأول.

وأمّا غير الإمام ، فظاهر الموثّقة وصريح ، رواية عمر أنّه أيضا كالإمام ، كما هو القول الثاني.

ولكن مقتضى صحيحة الحلبي وابن عمّار غير ذلك ، بل رجحان تأخيره إمّا عن الصلاتين ، كما هو القول الثالث ، أو عن الظهر خاصّة ، كما هو القول الرابع.

فإن قدّمنا الموثّقة والرواية بالأكثريّة والأصرحيّة فالترجيح للثاني.

وإن رجّحنا الصحيحة بالصحّة وبمخالفة العامّة ـ حيث نقل عنهم القول باستحباب الخروج إلى منى قبل الظهرين ـ فالترجيح للقول الثالث إن حملنا المكتوبة في الصحيحة على مطلق الوجوب الشامل للظهرين.

وللرابع إن اكتفينا بالقدر المتيقّن رجحانه منها ، وهو صلاة الظهر خاصّة.

وإن لم يلتفت إلى تلك المرجّحات ، فالترجيح للقول الخامس ، وهو الأقوى ، لما ذكر من عدم الالتفات إلى المرجّحات.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧٥.

(٢) السرائر ١ : ٥٨٥.

(٣) المنتهى ٢ : ١٧٥.

٢٠٩

أمّا الأكثرية والأصحيّة فلمنع كونهما مرجّحتين ، وأمّا الأصرحية فلمنعها رأسا ، وأمّا مخالفة العامّة فلعدم ثبوتها.

فعلى ذلك القول الفتوى ، فيتساوى لغير الإمام الخروج قبل الصلاتين وبعده ، ويجوز له التأخير إلى الغروب ، لرواية رفاعة (١) المتقدّمة ، بل إلى طلوع الفجر من يوم عرفة ، لصحيحة ابن يقطين (٢) السابقة ، بل إلى ما يتضيّق وقت الوقوف بعرفات ، لمرسلة البزنطي السالفة ، المعتضدة كلّها بالأصل وبظاهر الإجماع ، وكذلك الإمام ، لما ذكر.

ويستثنى من ذلك المضطرّ الذي له الإحرام قبل يوم التروية ، فإنّ له الخروج أيضا قبله بلا مرجوحية ، كما مرّ في بحث الإحرام.

ومنها : أن يبيت الإمام وغيره بمنى ليلة عرفة حتى يطلع الفجر ، وهو راجح بلا خلاف يعلم.

ويدلّ على رجحانه تصريح الأصحاب ، وقوله في صحيحة ابن عمّار المتقدمة : « ثمَّ يصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر » (٣) ، وصحيحته الأخرى الطويلة (٤).

وتدلّ عليه في حقّ الإمام صحاح جميل ومحمد المتقدّمة (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦٠ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٦ ـ ٥٨٨ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٢ أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ب ٣ ح ٢.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٥ ـ ٥٨٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٢ ـ ٨٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٠ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ ـ ٥٩٦ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، مستطرفات السرائر : ٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٥) في ص : ٢٠٧.

٢١٠

وليس بواجب ، للأصل وقصور تلك الأخبار عن إثباته.

خلافا للمحكيّ عن القاضي والحلبي ، فأوجباه (١). وهو ضعيف.

ومنها : أن لا يجوز وادي محسّر ـ بكسر السين المشدّدة ، حدّ منى إلى جهة عرفة ـ حتى تطلع الشمس ، لصحيحة هشام بن الحكم : « لا يجوز وادي محسّر حتى تطلع الشمس » (٢).

ولقصورها عن إفادة التحريم حكم الأكثر بكراهته.

خلافا للشيخ والقاضي ، فحرّماه (٣). وهو أيضا ضعيف.

ومنها : الدعاء عند الخروج إلى منى بما في صحيحة ابن عمّار : « إذا توجّهت إلى منى فقل : اللهمّ إيّاك أرجو وإيّاك أدعو فبلّغني أملي وأصلح لي عملي » (٤).

وعند الانتهاء إليها بما في صحيحته الأخرى المتقدّمة.

وعند الخروج منها والتوجّه إلى عرفات بما في صحيحته الثالثة : « إذا غدوت إلى عرفة فقل وأنت متوجّه إليها : اللهمّ إليك صمدت ، وإيّاك اعتمدت ، ووجهك أردت ، أسألك أن تبارك لي في رحلتي ، وأن تقضي لي حاجتي ، وأن تجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي » (٥).

__________________

(١) القاضي في المهذّب ١ : ٢٤٥ ، الحلبي في الكافي في الفقه : ١٩٨.

(٢) التهذيب ٥ : ١٧٨ ـ ٥٩٧ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٨ أبواب إحرام الحج ب ٧ ح ٤.

(٣) الشيخ في التهذيب ٥ : ١٧٨ ، القاضي في المهذّب ١ : ٢٥١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٠ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٧٧ ـ ٥٩٥ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٦ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٨ ح ١.

٢١١

البحث الثاني

في كيفيّته‌

وهي إمّا واجبة أو مندوبة ، فهاهنا مقامان :

المقام الأول : في واجباته ، وهي أمور :

الأول : النيّة على ما مرّ بيانها غير مرّة ، ووقتها أول وقت الكون ، كما يأتي.

الثاني : الوقوف بعرفات ، وهو واجب إجماعا ، بل ضرورة دينيّة ، وتصرّح به الأخبار.

روي في المجمع عن الباقر عليه‌السلام ، قال : « كانت قريش وحلفاؤهم من الخمس (١) لا يقفون مع الناس بعرفة ، ولا يفيضون منها ، ويقولون نحن أهل حرم الله فلا نخرج من الحرم ، فيقفون بالمشعر ويفيضون منه ، فأمرهم الله أن يقفوا بعرفات ويفيضوا منه » (٢).

فائدتان :

الأولى : المراد بالوقوف بها : الكون فيها ، سواء كان نائما أو مستيقظا ، قاعدا أو قائما أو راكبا ، ساكنا أو ماشيا ، للأصل ، وصدق الوقوف بعرفات على جميع الحالات ، وإن كان بعض الحالات أفضل بالنسبة إلى‌

__________________

(١) الخمس : الإحلاف في قريش خمس قبائل : عبد الدّار وجمح وسهم ومخزوم وعديّ بن كعب ـ لسان العرب ٩ : ٥٤.

(٢) مجمع البيان ١ : ٢٩٦ بتفاوت يسير.

٢١٢

البعض ، كما يأتي.

الثانية : المرجع في معرفة عرفات إلى أهل الخبرة القاطنين في تلك الحدود ، وكذا المشعر وسائر المواضع ، ووجهه ظاهر ، مضافا إلى صحيحة ابن البختري (١) الآتية في مقدّمات نزول منى ، وكلّها موقف ، للصدوق ، ولصحيحة مسمع : « عرفات كلّها موقف ، وأفضل الموقف سفح الجبل » (٢).

وهي بمحلّها معروفة ، فيجب الفحص عنها ، ومع التشكيك في بعض الحدود يجب القصر على المتيقّن ، لاشتغال الذمّة اليقيني.

ولا يكفي الوقوف بحدودها الخارجة عنها ، فلا يجزئ الوقوف بنمرة ـ بفتح النون وكسر الميم وفتح الراء ، وقيل : يجوز إسكان الميم (٣) ـ وهي : الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف ، والمأزمان ـ بكسر الزاء ـ مضيق بين مكّة ومنى بين جبلين ، كذا في تحرير النووي والقاموس (٤).

وفي صحيحة ابن عمّار : أنّها بطن عرنة ، ففيها : « فإذا انتهيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة ـ وهي : بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة ـ فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل وصلّ الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وإنّما تعجّل العصر وتجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة ، وحدّ عرفة من بطن عرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٠ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٦٣ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١١ ح ٢.

(٣) كما في الصحاح ٢ : ٨٣٧ ، كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٤) القاموس المحيط ٢ : ١٥٤ ، و : ج ٤ : ٧٥.

٢١٣

وخلف الجبل موقف » (١).

وفيها تصريح بخروج نمرة عن الموقف وعرفة ، ولكن فيها إشكالا من حيث تفسيرها النمرة ببطن عرنة أولا ، ثمَّ عطف الأول على الثاني في آخر الحديث ثانيا الدالّ على التعدّد ، والطاهر أنّ النمرة التي يضرب فيها الخباء هي أسفل الجبل ، وهو بطن عرنة ، والتي جعلت قسيما له هي أصل الجبل.

وكذا لا يجوز الوقوف بعرنة ـ بضمّ العين المهملة وفتح الراء والنون كهمزة ـ : واد بعرفات ، قاله المطرّزي (٢). وقال السمعاني : واد بين عرفات ومنى (٣). وقيل : عرينة بالتصغير (٤).

ولا بثويّة ، بفتح الثاء المثلّثة وكسر الواو وتشديد الياء المثنّاة تحتها.

ولا بذي المجاز ، قيل : هو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب (٥).

ولا بالأراك ـ كسحاب ـ : موضع قريب بنمرة.

فإنّ كلّ هذه المواضع الخمسة من حدود عرفات ، أي تنتهي العرفات إليها ، فلا يجزئ الوقوف بها ، بالإجماعين (٦) ، والأخبار ، منها : الصحيحة‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٦١ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٧٩ ـ ٦٠٠ ، الوسائل ١٣ : ٥٢٩ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٩ ح ١.

(٢) المغرب ٢ : ٤٠.

(٣) الأنساب ٤ : ١٨٢.

(٤) كما في مجمع البحرين ٦ : ٢٨٢ ، لسان العرب ١٣ : ٢٨٣ ، المغرب ٢ : ٤٠.

(٥) انظر كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٦) انظر الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥١٨ ، والمنتهى ٢ : ٧٢٢ ، والمدارك ٧ : ٣٩٥ ، والرياض ١ : ٣٨٦.

٢١٤

المتقدّمة.

وفي موثّقة سماعة : « واتّق الأراك ونمرة ـ وهي بطن عرنة ـ وثويّة وذي المجاز ، فإنّه ليس من عرفة فلا تقف فيه » (١).

وفي صحيحة الحلبي (٢) وغيرها (٣) : « إنّ أصحاب الأراك لا حجّ لهم ».

الثالث : أن يكون الوقوف بعد زوال الشمس من يوم عرفة ، فلو وقف قبله لم يجز إجماعا ، وهو ـ مع أصل الاشتغال ، وفعل النبيّ والآل ، والنصوص المستفيضة (٤) المتضمّنة للأمر بدخول الموقف ما بعد الزوال ، والمتضمّنة لقطع التلبية بالزوال وتوقيفيّة العبادة ، بضميمة انتفاء ما يدلّ على كفاية مطلق الوقوف ـ يدلّ عليه.

الرابع : أن يكون قبل الغروب ، فلو وقف بعده اختيارا لم يجز إجماعا أيضا ، له ، ولجميع ما مرّ من الأدلّة ، فإنّ ما بعد الزوال لا يصدق على ما بعد الغروب عرفا ، مضافا إلى الأخبار الآمرة بالإفاضة من عرفات بعد الغروب (٥).

وأمّا الأخبار المصرّحة بكفاية إدراكها في الليل (٦) فكلّها واردة في المضطرّ ومن لم يدرك يوم عرفة بعرفات ، كما يأتي.

الخامس : أن يكون وقوفه فيها منتهيا إلى الغروب ، فلا يجوز الإفاضة‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨١ ـ ١٣٧٧ ، التهذيب ٥ : ١٨٠ ـ ٦٠٤ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ٦ ، بتفاوت.

(٢) العلل : ٤٥٥ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٣ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠ ح ١١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥٣١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٠.

(٤) الوسائل ١٣ : ٥٢٩ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٩.

(٥) الوسائل ١٣ : ٥٥٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢.

(٦) كما في الوسائل ١٣ : ٥٥٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢.

٢١٥

عنها قبل الغروب ، وهو أيضا إجماعيّ كما في المنتهى والمختلف (١) ، ويدلّ عليه فعل الحجج عليهم‌السلام ، والنصوص المثبتة للكفّارة على من أفاض قبله (٢).

وموثّقة يونس : متى الإفاضة من عرفات؟ قال : « إذا ذهبت الحمرة » يعني : من الجانب الشرقي (٣).

وصحيحة ابن عمّار : « إنّ المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأفاض بعد غروب الشمس » (٤) ، وغير ذلك (٥) ، مع قوله عليه‌السلام : « خذوا عنّي مناسككم » (٦).

وأمّا قول الشيخ ـ والأولى أن يقف إلى غروب الشمس ويدفع عن الموقف بعد غروبها (٧) ـ فمراده كما في المختلف أنّ الأولى انتهاء الوقوف بالغروب وعدم الوقوف بعده ، أو أنّ الأولى استمرار الوقوف متّصلا إلى الغروب وإن أجزأ لو خرج في الأثناء ثمَّ عاد قبل الغروب (٨).

السادس : أن يكون ابتداء وقوفه أول الزوال حتى يكون وقوفه من أول الزوال إلى الغروب إذا كان مختارا.

لا بمعنى : أنّه يجب استيعاب جميع هذا الوقت في الموقف حقيقة‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٢٠ ، المختلف : ٣٠٠.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٥٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٣.

(٣) الكافي ٤ : ٤٤٦ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٧ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٤٦٧ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٨٦ ـ ٦١٩ ، الوسائل ١٣ : ٥٥٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢ ح ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ٥٥٦ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢٢.

(٦) سنن النسائي ٥ : ٢٧٠ ، مسند أحمد ٣ : ٣١٨ ، كنز العرفان ١ : ٢٧١.

(٧) انظر الخلاف ٢ : ٣٣٨.

(٨) المختلف : ٣٠٠.

٢١٦

حتى لا يجوز الإخلال بجزء ، كما عن الدروس واللمعة والروضة (١) ، ونقله في الذخيرة من غير واحد من عبارات المتأخّرين (٢) ، ويشعر كلام المدارك بنسبته إلى الأصحاب (٣).

لعدم دليل على ذلك أصلا ، كما اعترف به في المدارك والذخيرة (٤) وغيرهما (٥) ، بل في الأخبار ما يعطي خلافه ، كما يأتي.

بل بمعنى أنّه يجب استيعاب ذلك الوقت عرفا ، الحاصل بالاشتغال بمقدّمات الوقوف المستحبّة في حدود عرفة ، ثمَّ الوقوف حتى يكون الوقت مستوعبا بهذه الأمور وإن كان قليل من أول الوقت مصروفا في الحدود بالمقدّمات والصلاة.

وهذا المعنى هو الذي استقربه في الذخيرة (٦) ، بل هو الذي يعطيه كلام الصدوق في الفقيه والشيخ في النهاية والمبسوط والديلمي في رسالته والحلّي في سرائره والفاضل في المنتهى (٧).

وهذا المعنى هو الذي يستفاد من الأخبار ، وعليه عمل الحجج الأطهار :

ففي صحيحة ابن عمّار المتضمّنة لصفة حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ثمَّ غدا‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٤١٩ ، الروضة ٢ : ٢٦٩.

(٢) الذخيرة : ٦٥١.

(٣) المدارك ٧ : ٣٩٣.

(٤) المدارك ٧ : ٣٩٣ ، الذخيرة : ٦٥١.

(٥) كالحدائق ١٦ : ٣٧٧.

(٦) الذخيرة : ٦٥٢.

(٧) الفقيه ٢ : ٣٢٢ ، النهاية : ٢٥٠ ، المبسوط ١ : ٣٦٦ ، المراسم : ١١٢ ، السرائر ١ : ٥٨٧ ، المنتهى ١ : ٧١٨.

٢١٧

والناس معه » إلى أن قال : « حتى انتهى إلى نمرة ـ وهو : بطن عرنة بحيال الأراك ـ فضرب قبّته وضرب الناس أخبيتهم عندها ، فلمّا زالت الشمس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه قريش وقد اغتسل وقطع التلبية حتى وقف بالمسجد ، فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثمَّ صلّى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ثمَّ مضى إلى الموقف فوقف به » الحديث (١).

وصحيحة أبي بصير : « لمّا كان يوم التروية قال جبرئيل عليه‌السلام لإبراهيم عليه‌السلام : تروّ من الماء ، فسمّيت التروية ، ثمَّ أتى منى فأباته بها ، ثمَّ غدا به إلى عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرنة ، فبنى مسجدا بأحجار بيض ، وكان يعرف أثر مسجد إبراهيم حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلّي الإمام يوم عرفة ، فصلّى بها الظهر والعصر ، ثمَّ عمد به إلى عرفات ، فقال : هذه عرفات فاعرف بها مناسكك واعترف بذنبك ، فسمّي عرفات » الحديث (٢).

وموثقة ابن عمّار : « وإنما تعجّل الصلاة وتجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء ، فإنّه يوم دعاء ومسألة ، ثمَّ تأتي الموقف » (٣) ، وصحيحة ابن عمّار المتقدّمة في الفائدة الثانية (٤) ، إلى غير ذلك.

وهذه الأخبار وإن كانت قاصرة عن إفادة وجوب الوقوف تمام ذلك‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٥٨ ، مستطرفات السرائر : ٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٢) في الكافي ٤ : ٢٠٧ ـ ٩ : « دون عرفة » بدل : « دون عرنة » ، الوسائل ١١ : ٢٣٠ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٢٤.

(٣) التهذيب ٥ : ١٨٢ ـ ٦١١ ، الوسائل ١٣ : ٥٣٨ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٤ ح ١.

(٤) في ص : ٢١٣.

٢١٨

الوقت ، إلاّ أنّه يمكن إتمامها بضميمة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « خذوا عنّي مناسككم ».

ويستفاد من التذكرة الاكتفاء بمسمّى الوقوف ، قال : إنّما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة ولو مجتازا مع النيّة (١).

ونسبه بعضهم إلى السرائر (٢). وهو ليس منه بظاهر ، لأنّه قال أولا : فإذا زالت اغتسل وصلّى الظهر والعصر جميعا يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين لأجل البقعة ، ثمَّ يقف بالموقف ـ إلى أن قال : ـ والوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره ، وليس ذلك بواجب ، بل الواجب الوقوف بسفح الجبل ولو قليلا بعد الزوال ، وأمّا الدعاء والصلاة في ذلك الموضع فمندوب غير واجب ، وإنّما الواجب الوقوف ولو قليلا (٣). انتهى.

وكأنّه أخذ هذه النسبة من قوله : ولو قليلا ، وهو ليس قيدا لمطلق الوقوف بل للوقوف في سفح الجبل ، ولذا نسب في الذخيرة إليه وجوب الوقوف بسفح الجبل (٤) ، خلافا للمشهور.

وقرّب الاكتفاء بمسمّى الوقوف بعض مشايخنا أيضا (٥) ، للأصل النافي للزائد ، بعد الاتّفاق على كفاية المسمّى في حصول الركن منه ، وعدم اشتراط شي‌ء زائد فيه مع سلامته عن المعارض.

وهو حسن لو لا ما مرّ من الأمر بأخذ المناسك عنه وعدم اكتفائه بالمسمّى أبدا ، سيّما في الجزء الأخير من اليوم ، اللاّزم كونه هو الواجب ، لما مرّ من وجوب الانتهاء إلى الغروب ، ولكن مع ذلك فلا وجه للاكتفاء‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٧٢.

(٢) انظر الرياض ١ : ٣٨٣.

(٣) السرائر ١ : ٥٨٧.

(٤) الذخيرة : ٦٥٢.

(٥) انظر الحدائق ١٦ : ٣٧٧.

٢١٩

بالمسمّى ، سيّما مع ندرة القول به ، بل لا بعد في جعل خلافه إجماعيّا.

المقام الثاني : في مستحبّاته.

وهي : أن يغتسل للوقوف ، ويضرب خباه بنمرة ، ويقف في ميسرة الجبل بالنسبة إلى المقادم إليه من مكّة على ما ذكره جماعة (١).

وحكى بعضهم قولا بميسرة المستقبل للقبلة (٢). ولا دليل عليه.

قيل : ويكفي في القيام بوظيفة الميسرة لحظة ولو في مروره (٣).

وهو خلاف المتبادر من الأخبار ، بل الظاهر منها كون الوقوف كذلك ما دام واقفا.

وأن يقف في سفح الجبل ـ أي أسفله ـ وأوجبه الحلّي ولو قليلا (٤) ، والأخبار قاصرة عن إفادته ، بل فيها تصريح بأنّه أحبّ وأفضل ، وفي السهل دون الحزن (٥).

وأن يجمع رحله ، ويضمّ أمتعته بعضها ببعض.

وأن يسدّ الخلل ، أي الفرجة الواقعة بينه وبين رحله أو أصحابه في الموقف بنفسه أو رحله.

وأن يصرف زمان وقوفه كلّه في الذكر والدعاء ، وقيل بوجوبه (٦).

وأن يكون حال الدعاء قائما ، إلاّ إذا كان منافيا للخشوع لشدّة التعب‌

__________________

(١) منهم السبزواري في الذخيرة : ٦٥٣ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٣ ، صاحب الرياض ١ : ٣٨٤.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٣٥٣.

(٣) الدروس ١ : ٤١٨.

(٤) السرائر ١ : ٥٨٧.

(٥) الوسائل ١٣ : ٥٣٤ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١١.

(٦) كما في الكافي في الفقه : ١٩٧.

٢٢٠