مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرّك ناقته وقال : سلّم لي عهدي ، واقبل توبتي ، وأجب دعوتي ، واخلفني فيمن تركت بعدي » (١).

ورواية عبد الأعلى : « إذا مررت بوادي محسّر فاسع فيه » (٢).

أو قدر مائة ذراع ، كما في رواية عمر بن يزيد : « الرمل في وادي محسّر قدر مائة ذراع » (٣).

أو مائة خطوة ، كما في صحيحة محمّد بن إسماعيل : « الحركة في وادي محسّر مائة خطوة » (٤).

ومقتضى استدلالهم بصحيحة هشام في المسألة المتقدّمة في المقامين حكمهم باستحباب الهرولة أيضا فيهما لتلك الأخبار ، لكن لم أجد بعد على من ذكرها في الأول ، بل صرّح في المدارك بالإجماع على عدم استحبابها فيه وكونه بدعة (٥).

ولعلّه لما في صحيحة بن عمّار : « وأفض حين يشرق لك ثبير » إلى أن قال : « فأفاض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خلاف ذلك بالسكينة والوقار والدعة ، فأفض بذكر الله والاستغفار وحرّك به لسانك ، فإذا مررت بوادي محسّر » إلى آخر ما مرّ في صحيحته (٦) ، حيث إنّها صريحة في السعي في الثاني ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٠ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٨٢ ـ ١٣٨٤ ، التهذيب ٥ : ١٩٢ ـ ٦٣٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٣ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٩٥ ـ ٦٤٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧١ ـ ٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٣ ح ٥.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧١ ـ ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٨٢ ـ ١٣٨٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٣ ح ٣.

(٥) المدارك ٧ : ٤٤٦.

(٦) التهذيب ٥ : ١٩٢ ـ ٦٣٧ ، العلل : ٤٤٤ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٦ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٥ ح ٥ ، بتفاوت يسير في العلل.

٢٨١

فحملوا عليه المطلقات أيضا.

ولو ترك الهرولة فيه حتى تعدّى عن الوادي ـ بل حتى دخل مكّة أيضا ـ يستحبّ الرجوع والهرولة.

لصحيحة حفص بن البختري : سأل بعض ولده : « هل سعيت في وادي محسّر؟ » فقال : لا ، فأمره أن يرجع حتى يسعى ، قال له ابنه : لا أعرفه ، قال : فقال له : « سل الناس » (١).

ومرسلة الحجّال : مرّ رجل بوادي محسّر فأمره أبو عبد الله عليه‌السلام بعد الانصراف إلى مكّة أن يرجع ويسعى (٢) ونحوها مرسلة الفقيه (٣).

والظاهر ـ كما هو مقتضى ترك الاستفصال في الصحيحة ، ومفاد إطلاق عبارات جمع من الطائفة ـ ثبوت العود للهرولة مطلقا.

سواء تركها نسيانا أو جهلا أو عمدا ، وخصّ في النافع الناسي بالذكر (٤) ، ولا وجه له.

ومنها : أن يقتصد في سيره بسكينة ووقار ، ويفيض بالذكر والاستغفار ، كما مرّ في صحيحة ابن عمّار.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٠ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٢٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٤ ح ١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٠ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٩٥ ـ ٦٤٩ ، وليس فيه : إلى مكّة ، الوسائل ١٤ : ٢٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٤ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٨٢ ـ ١٣٨٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٤ ح ٢.

(٤) المختصر النافع : ٩٦.

٢٨٢

البحث الأول

في رمي جمرة العقبة‌

ويقال لها : القصوى أيضا.

وهي أقرب الجمرات الثلاث إلى مكّة ، والخارج من مكّة إلى منى يصل أولا إليها في يسار الطريق ، وهي منصوبة اليوم في جدار عظيم متّصل بتلّ بحيث تظهر جهتها الواحدة.

ورميها بالجمار في ذلك اليوم واجب ، بلا خلاف يعلم ، كما عن التذكرة والمنتهى والذخيرة (١) ، بل مطلقا كما في غيرها (٢).

وأمّا ما وقع في بعض كلمات الشيخ ـ من أنّ الرمي سنّة (٣) ـ فأراد به مقابل الفرض ، بمعنى : ما ثبت وجوبه من الكتاب ، صرّح بذلك في السرائر ، ثمَّ قال : لا خلاف عندنا في وجوبه ولا أظنّ أحدا من المسلمين خالف فيه (٤) ، كذا قيل (٥).

وفيه : أنّ قول صاحب السرائر ذلك إنّما هو في مطلق الرمي بعد الرجوع إلى منى ، وأمّا رمي جمرة العقبة يوم النحر فقال فيه : وينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة (٦). وظاهر ذلك الاستحباب كما لا يخفى.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٧٦ ، المنتهى ٢ : ٧٢٩ ، الذخيرة : ٦٦٢.

(٢) انظر كشف اللثام ١ : ٣٥٩.

(٣) كما في الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٤.

(٤) السرائر ١ : ٥٩١.

(٥) انظر المدارك ٨ : ٦.

(٦) السرائر ١ : ٦٠٦.

٢٨٣

نعم ، صرّح بالإجماع فيه كما في شرح المفاتيح ، بل لا يبعد أن يكون الإجماع محقّقا عند التحقيق ، وهو الحجّة فيه مع التأسي.

وصحيحة ابن عمّار : « خذ حصى الجمار ثمَّ ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة ، فارمها من قبل وجهها ولا ترمها من أعلاها ، وتقول والحصى في يدك : اللهمّ إنّ هؤلاء حصياتي فأحصهنّ لي وارفعهنّ في عملي ، ثمَّ ترمي وتقول مع كلّ حصاة : الله أكبر ، اللهمّ ادحر عنّي الشيطان ، اللهمّ تصديقا بكتابك وعلى سنّة نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، اللهمّ اجعله لي حجّا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ، وليكن فيما بينك وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا ، فإذا أتيت رحلك ورجعت من الرمي فقل » إلى أن قال : « ويستحبّ أن ترمي الجمار على طهر » (١).

وفي صحيحته الأخرى الواردة في حجّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد بيان نزوله المشعر : « وعجّل ضعفاء بني هاشم بليل وأمرهم أن لا يرموا الجمرة العقبة حتى تطلع الشمس ، فلمّا أضاء له النهار أفاض حتى انتهى إلى منى ، فرمى جمرة العقبة » (٢).

وفيها تصريح برمي جمرة العقبة يوم النحر ، بل في الأولى أيضا ، حيث أمر به بعد أخذ الحصى وقبل سائر الأعمال.

وفي رواية زرارة : عن رمي الجمرة يوم النحر ما لها ترمى وحدها ولا يرمي من الجمار غيرها يوم النحر؟ فقال : « قد كنّ يومين كلّهنّ ولكنّهم تركوا ذلك » ، فقلت له : جعلت فداك ، فأرميهن؟ قال : « لا ترمهنّ ، أما‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ ـ ٦٦١ ، الوسائل ١٤ : ٥٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٣ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، مستطرفات السرائر : ٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

٢٨٤

ترضى أن تصنع كما أصنع؟ » (١).

وتدلّ عليه أيضا صحيحة أخرى لابن عمّار الآتية ، المتكفّلة لكيفيّة رمي سائر الجمرات ، القائلة : قل كذا وافعل كذا كما فعلت حين رمي جمرة العقبة يوم النحر.

وإن أبيت عن دلالة تلك الأخبار على وجوب رمي جمرة العقبة ، فليستدلّ له بصحيحتي السمّان (٢) والأعرج (٣) ، ورواية عليّ بن أبي حمزة (٤) ، المتقدّمة جميعا في الواجب الثالث من واجبات وقوف المشعر ، وإن كان فيها قصور من حيث الإحاطة بتمام أفراد المطلوب فليتمّه بالإجماع المركّب.

ثمَّ إنّ للرمي واجبات ، ومستحبّات ، وأحكاما ، نذكرها في ثلاثة مقامات :

المقام الأول : في واجباته ، وهي أمور :

الأول : النيّة ، وقد مرّ حكمها مرارا ، وتجب مقارنتها لأول الرمي واستدامتها حكما إلى الفراغ.

الثاني : الرمي بسبع حصيات بإجماع علماء الإسلام ، كما في كلام جماعة (٥) ، وتدلّ عليه النصوص الآتية في حكم من نقص العدد.

الثالث : إلقاؤها بما يسمّى رميا ، إجماعا كما في المنتهى (٦) وغيره (٧) ، لأنّ‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٩ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٧٤ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٦ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٣ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٢٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٥ ـ ٦٤٧ ، الوسائل ١٤ : ٢٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٤ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٩٤ ـ ٦٤٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٦ ـ ٩٠٤ ، الوسائل ١٤ : ٥٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١ ح ٢.

(٥) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ٧٣١ ، صاحب المدارك ٨ : ٧ ، صاحب الرياض ١ : ٣٩٠.

(٦) المنتهى ٢ : ٧٣١.

(٧) كالمفاتيح ١ : ٣٥٠.

٢٨٥

الأمر وقع بالرمي فيجب امتثاله ، فلو وضع بكفّه في المرمى لم يجز ، وحكى في المنتهى اختلافا في الطرح ، ثمَّ قال : والحاصل أنّ الخلاف وقع باعتبار الخلاف في صدق الاسم ، فإن سمّي رميا أجزأ بلا خلاف ، وإلاّ لم يجز إجماعا (١).

الرابع : أن يرميها باليد ، فلو رميها بفمه أو رجله لم يجز ، لانصراف المطلق إلى الشائع المتعارف ، وفي رواية أبي بصير : « خذ حصى الجمار بيدك اليسرى وارم باليمنى » (٢).

الخامس : أن يصيب الجمرة ، فلو لم يصبها لم يجز إجماعا ، لعدم صدق رمي الجمرة مع عدم الإصابة ، ولصحيحة ابن عمّار : « وإن رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها » (٣).

ولو شكّ في الإصابة ما دام مشتغلا أعاد ، تحصيلا للبراءة اليقينيّة.

السادس : أن يتلاحق الحصيات ، فلو رمى بها دفعة واحدة لم تحسب إلاّ واحدة ، بغير خلاف بيننا ، كما صرّح به في السرائر ، قال : فإن رماها بسبع حصيات دفعة واحدة لا يجزئه بغير خلاف بيننا (٤). ولعلّ دليله الإجماع ( والتأسّي ) (٥).

ثمَّ إنهم قالوا : والمعتبر تلاحق الرمي لا الإصابة ، فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت ، ولو رمى دفعة فتلاحقت في الإصابة لم يجز (٦).

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٣١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨١ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٦٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٣ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ ـ ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ ـ ٩٠٧ ، الوسائل ١٤ : ٦٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٦ ح ١.

(٤) السرائر ١ : ٦٠٨.

(٥) ما بين القوسين ليس في « ح ».

(٦) انظر المدارك ٨ : ٨ ، الرياض ١ : ٣٩٠.

٢٨٦

السابع : أن يكون كلّ من الإصابة والرمي بفعله ، بلا خلاف ، كما في المدارك والذخيرة والمفاتيح (١) ، بل بالإجماع كما في شرح المفاتيح ، لأنّه مقتضى وجوب امتثاله الأمر بالرمي ، وبرمي الجمرة.

فلو كانت الحصاة في يده فصدمه حيوان وألقيت إلى الجمرة لم يكف ، وكذا لو ألقاها ووقعت على حيوان وتحرّك ووقعت الإصابة بحركته.

أمّا لو ألقاها ووقعت على غير الجمرة ثمَّ تدحرجت إليها أو تجاوزت عنه إليها ولو بصدمته ـ كما إذا وقعت على أرض صلبة ثمَّ رجعت إليها ـ فالوجه الإجزاء في الجميع ، لصدق الامتثال ، وصحيحة ابن عمّار « وإن أصابت إنسانا أو جملا ثمَّ وقعت على الجمار أجزأك » (٢).

ولو شكّ في اشتراك حركة الغير بنى على أصالة عدم تأثيرها فيه.

المقام الثاني : في مستحباته ، وهي أيضا أمور :

منها : أن يكون متطهّرا من الحدث ، فإنّه راجح إجماعا فتوى ونصّا ، ومن النصوص صحيحة ابن عمّار (٣) المتقدّمة في صدر المسألة.

ورواية ابن أبي غسّان : عن رمي الجمار على غير طهور ، قال : « الجمار عندنا ـ مثل الصفا والمروة ـ حيطان ، إن طفت بينهما على غير طهور لم يضرّك ، والطهر أحبّ اليّ فلا تدعه وأنت قادر عليه » (٤).

__________________

(١) المدارك ٨ : ٨ ، الذخيرة : ٦٦٢ ، المفاتيح ١ : ٣٥٠.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٣ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ ـ ١٣٩٩ ، التهذيب ٥ : ٢٦٦ ـ ٩٠٧ ، الوسائل ١٤ : ٦٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٦ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ ـ ٦٦١ ، الوسائل ١٤ : ٥٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٩٨ ـ ٦٦٠ وفيه : عن ابن أبي غسّان ، عن حميد بن مسعود ، وفي الاستبصار ٢ : ٢٥٨ ـ ٩١٢ ، والوسائل ١٤ : ٥٧ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ٥ : عن أبي غسّان حميد بن مسعود.

٢٨٧

وصحيحة ابن عمّار (١) المتقدّمة في مسألة الطهارة للسعي ، وصحيحة محمّد : « لا ترم الجمار إلاّ وأنت على طهر » (٢).

وليس بواجب ، على الأظهر الأشهر ، كما في المدارك والذخيرة (٣) وغيرهما (٤) ، وعن المنتهى : لا نعلم فيه خلافا (٥) ، بل حكي عنه إسناده إلى علمائنا ، وعن ظاهر الغنية الإجماع عليه (٦).

لا للصحيحة الأولى ، حتى يورد عليه بعدم وضوح « يستحبّ » فيما يجوز تركه ، كما هو المصطلح عليه الآن ، فلعلّ المراد المعنى الأعمّ المجامع للوجوب.

ولا للصحيحة الثانية وصحيحتي جميل (٧) ورفاعة (٨) ورواية أبي حمزة (٩) ، المتقدّمة جميعا في مسألة طهارة السعي ، حتى يورد عليها بأنّها أعمّ من الصحيحة الأخيرة ، فيجب تخصيصها بها.

ولا يفيد التعليل بـ : « أنّ فيه صلاة » في أكثرها لجعلها خاصّة كما توهّم ، لأنّه أيضا عام.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٩٦ ـ ١٣٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٣١٦ ـ ١١٢٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٦٠ أبواب الطواف ب ٨٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٢ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ ـ ٦٥٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٨ ـ ٩١١ ، الوسائل ١٤ : ٥٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ١.

(٣) المدارك ٨ : ٩ ، الذخيرة : ٦٦٢.

(٤) كالمفاتيح ١ : ٣٥٠.

(٥) المنتهى ٢ : ٧٣٢.

(٦) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١.

(٧) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ٢ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٦.

(٨) التهذيب ٥ : ١٥٤ ـ ٥١٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٤١ ـ ٨٣٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٣ أبواب السعي ب ١٥ ح ٢.

(٩) الكافي ٤ : ٤٢٠ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١١٦ ـ ٣٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٢٢ ـ ٧٦٣ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٦ أبواب الطواف ب ٣٨ ح ٦.

٢٨٨

بل لرواية ابن أبي غسّان المصرّحة بعدم الضرر ، ولا يضرّ ضعف سندها عندنا مع أنّها بالشهرة ونقل الإجماع منجبرة ، فبها تعارض الصحيحة الأخيرة ، وتكون لتجوّزها قرينة.

خلافا للمحكيّ عن المفيد والسيّد والإسكافي ، فأوجبوه (١) ، لما مرّ بجوابه.

ولا يستحبّ له الغسل بخصوصه ، كما صرّح به في صحيحة الحلبي : عن الغسل إذا رمى الجمار ، قال : « ربّما فعلت وأمّا السنّة فلا ، ولكن من الحرّ والعرق » (٢).

وصحيحة محمّد الحلبي : عن الغسل إذا أراد أن يرمي ، فقال : « ربّما اغتسلت ، فأمّا من السنّة فلا » (٣).

فقول الإسكافي بحسنه (٤) غير حسن.

ومنها : الدعاء عند إرادة الرمي ، وعند رمي كلّ حصاة ، وعند الرجوع إلى المنزل ، بما في صحيحة ابن عمّار (٥) المتقدّمة في صدر المسألة.

ومنها : أن يكون بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا ، لصحيحة ابن عمّار (٦) المتقدّمة.

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٤١٧ ، السيد في جمل العلم والعمل ( رسائل الشريف المرتضى ٣ ) : ٦٨ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٠٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٢ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ ـ ٦٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٨ ـ ٩١٠ ، الوسائل ١٤ : ٥٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٢ ـ ٨ ، الوسائل ١٤ : ٥٦ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ٤.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ ـ ٦٦١ ، الوسائل ١٤ : ٥٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٣ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٨ ـ ٦٦١ ، الوسائل ١٤ : ٥٨ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٣ ح ١.

٢٨٩

والتعبير عن ذلك : بـ : أنّه يستحبّ أن لا يتباعد بما يزيد عن خمسة عشر ـ كما في النافع (١) ـ أو يكون البعد عشرة أو خمسة عشر كما في الشرائع والسرائر والإرشاد (٢) وغيرها (٣).

غير جيّد ، لأنّ الأول قاصر عن إفادة تمام ما في النصّ ، والثاني تعدّ عنه ، بل الصحيح ما ذكرنا ، كما نقل عن عليّ بن بابويه (٤).

ومنها : أن يخذف الجمار خذفا ، لمرسلة البزنطي المتقدّمة في مسألة التقاط الحصى (٥) ، المنجبر ضعفها ـ لو كان ـ بالعمل ، وبروايته في قرب الإسناد للحميري (٦).

والخذف ـ بإعجام الحروف ـ : الرمي بأطراف الأصابع ، كما عن الخلاص ، ونسبه الحلّي في السرائر إلى أهل اللسان (٧).

وعن الصحاح (٨) والديوان وغيرهما (٩) : الرمي بالأصابع.

والظاهر اتّحاده مع الأول ، إذ لا يكون الرمي بالأصابع غالبا إلاّ بأطرافها ، ولذا فسّره في السرائر بالأول ، ثمَّ قال : هكذا ذكره الجوهري في‌

__________________

(١) المختصر النافع : ٨٩.

(٢) الشرائع ١ : ٢٥٩ ، السرائر ١ : ٥٩١ ، الإرشاد ١ : ٣٣١.

(٣) كالجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٥ ، الكافي في الفقه : ٢١٥.

(٤) حكاه عنه في المختلف : ٣٠٣.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ ـ ٦٥٦ ، قرب الإسناد : ٣٥٩ ـ ١٢٨٤ ، الوسائل ١٤ : ٦١ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٧ ح ١.

(٦) قرب الإسناد : ٣٥٩ ـ ١٢٨٤.

(٧) السرائر ١ : ٥٩٠.

(٨) الصحاح ٤ : ١٣٤٧.

(٩) انظر أساس البلاغة : ١٥٠ ، لسان العرب ٩ : ٦١ ، المصباح المنير : ١٦٥ ، أقرب الموارد ١ : ٢٦٢.

٢٩٠

الصحاح (١).

وكذا يتّحد معهما ما عن المجمل والمفصّل : أنّه الرمي من بين إصبعين ، إذ الرمي بالأصابع أو بأطرافها لا يكون غالبا إلاّ من إصبعين.

ثمَّ ذلك وإن كان مطلقا ويتصوّر على أنحاء شتى ، إلاّ أنّ المستحبّ هنا أن يرمي من طرفي السبّابة ، والإبهام ، بأن يضعها على الإبهام ويدفعها بظفر السبّابة ، كما فسّر الخذف به في مجمع البحرين (٢) ، لتصريح المرسلة به ، فيكون هذا الفرد من الخذف مستحبّا ، بأن يضعها على باطن الإبهام ويرميها بظفر السبابة.

وإنّما خصّصناه ـ مع إطلاق المرسلة ـ بباطن الإبهام ، كما في السرائر (٣) وعن المقنعة والمبسوط والنهاية والمصباح ومختصره والمراسم والكافي والمهذّب والجامع والتحرير والتذكرة والمنتهى (٤) ، بل هو المشهور كما في المختلف والروضة ومجمع البحرين (٥) ، دون ظاهرها كما عن القاضي (٦).

لأنّ الدفع بظفر السبّابة ـ كما أمر به في المرسلة ـ لا يتيسّر إلاّ بوضعها على بطن الإبهام.

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٩٠.

(٢) مجمع البحرين ٥ : ٤٢.

(٣) السرائر ١ : ٥٩٠.

(٤) المقنعة : ٤١٧ ، المبسوط ١ : ٣٦٩ ، النهاية : ٢٦٦ ، المصباح : ٦٤١ ، المراسم : ١١٣ ، الكافي : ٢١٥ ، المهذّب ١ : ٢٥٥ ، الجامع للشرائع : ٢١٠ ، التحرير ١ : ١٠٤ ، التذكرة ١ : ٣٧٧ ، المنتهى ٢ : ٧٣٢.

(٥) المختلف : ٣٠٢ ، الروضة ٢ : ٢٨٦ ، مجمع البحرين ٥ : ٤٢.

(٦) المهذب ١ : ٢٥٥ .. وفيه : وقيل بل يضعها على ظهر إبهامه ويدفعها بالمسبّحة.

٢٩١

وأمّا ما عن الانتصار ـ من الدفع بظفر الوسطى عن بطن الإبهام (١) ـ فمخالف للنصّ ، خال عن الدليل المعلوم.

ولا تضرّ مخالفة جمع من اللغويين في تفسير الخذف بما ذكر بعد بيان النصّ لكيفيّته ، كما أنّه فسّره في العين والمحيط والمقاييس والغريبين والنهاية الأثيريّة والقاموس بالدفع من بين السبّابتين (٢).

ثمَّ استحباب ذلك هو الحقّ المشهور ، لقصور المرسلة دلالة عن إثبات الوجوب.

خلافا للسرائر (٣) والمحكيّ عن الانتصار مدّعيا فيه الإجماع (٤) ، فأوجباه.

والإجماع غير ثابت ، والنصّ ـ كما عرفت ـ قاصر.

ومنها : أن يرميها من قبل وجهها لا عاليا عليها ، لصحيحة ابن عمّار المتقدّمة (٥) ، ويستلزم ذلك استدبار الكعبة فهو أيضا يكون مستحبّا ، كما صرّح به فحول القدماء ناسبا له إلى فعل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦).

ومنها : أن لا يقف عندها بعد الفراغ منه ، لرواية البزنطي المتقدّمة : « ولا تقف عند جمرة العقبة » (٧) ، وغيرها ممّا يأتي في رمي الجمار أيّام التشريق.

__________________

(١) الانتصار : ١٠٥.

(٢) العين ٤ : ٢٤٥ ، المحيط ٤ : ٣٢٠ ، معجم مقاييس اللغة ٢ : ١٦٥ ، النهاية الأثيرية ٢ : ١٦ ، القاموس ٣ : ١٣٥.

(٣) السرائر ١ : ٥٩٠.

(٤) الانتصار : ١٠٦.

(٥) في ص : ٢٨٤.

(٦) انظر المبسوط ١ : ٣٦٩ ، وحكاه عن ابن أبي عقيل في المختلف : ٣٠٣.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٧ ، الوسائل ١٤ : ٦١ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٧ ح ١.

٢٩٢

المقام الثالث : في أحكامه ، وفيه ثلاث مسائل :

المسألة الأولى : يجوز الرمي راكبا وماشيا ، بالإجماعين (١) ، والمستفيضة من النصوص (٢).

واختلفوا في الأفضل منهما ، فعن المشهور : أفضليّة المشي ، وعن المبسوط وفي السرائر : أفضليّة الركوب في رمي هذه الجمرة (٣).

والأظهر هو المشهور ، لأنّ أفضليّته هي المستفادة من صحيحتي عليّ ابن جعفر (٤) وعليّ بن مهزيار (٥) ، وروايتي مثنى (٦) وعنبسة (٧).

وأمّا صحاح ابن عمّار (٨) والتميمي (٩) وابن عيسى (١٠) ومرسلة محمّد بن الحسين (١١) ، فهي لا تتضمّن سوى وقوع الرمي عن بعض الحجج عليه‌السلام راكبا‌

__________________

(١) كما في المفاتيح ١ : ٣٥١ ، كشف اللثام ١ : ٣٦١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٦٢ ، ٦٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٨ و ٩.

(٣) المبسوط ١ : ٣٦٩ ، السرائر ١ : ٥٩١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٧ ـ ٩١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ ـ ١٠٦٦ ، الوسائل ١٤ : ٦٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٩ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٦ ـ ٥ ، الوسائل ١٤ : ٦٤ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٩ ح ٤.

(٦) الكافي ٤ : ٤٨٦ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ٦٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٩ ح ٣.

(٧) الكافي ٤ : ٤٨٥ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٦٧ ـ ٩١٣ ، الوسائل ١٤ : ٦٣ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٩ ح ٢.

(٨) التهذيب ٥ : ٢٦٧ ـ ٩١١ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ ـ ١٠٦٥ ، الوسائل ١٤ : ٦٢ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٨ ح ٤.

(٩) التهذيب ٥ : ٢٦٧ ـ ٩١٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ ـ ١٠٦٤ ، الوسائل ١٤ : ٦٢ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٨ ح ٣.

(١٠) التهذيب ٥ : ٢٦٧ ـ ٩٠٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ ـ ١٠٦٢ ، الوسائل ١٤ : ٦٢ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٨ ح ١.

(١١) التهذيب ٥ : ٢٦٧ ـ ٩٠٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٩٨ ـ ١٠٦٣ ، الوسائل ١٤ : ٦٢ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٨ ح ٢.

٢٩٣

أو نفي البأس عنه ، وهما لا يفيدان الأفضليّة.

المسألة الثانية : ظاهر الأصحاب ، ومقتضى نسبة هذا الرمي في الأخبار بالرمي يوم النحر ، وجوب كونه في ذلك اليوم ، وإن لم أعثر بعد على خبر دالّ بصريحه على وجوب كونه فيه ، ولكن الظاهر من تتبّع الأخبار وفتوى الأصحاب ذلك ، فلا ينبغي الخروج عنه.

نعم ، قال في السرائر : وينبغي أن يرمي يوم النحر جمرة العقبة ، كما مرّ (١).

ولكن ظاهر ذلك استحباب أصل الرمي لا وقوعه في يوم النحر مع وجوب أصله.

ووقته تمام النهار ، ويجوز لذوي الأعذار التقديم في الليل ، كما يأتي في بحث رمي الجمار أيام التشريق.

المسألة الثالثة : هل يجب أن يكون الرمي مقدّما على الذبح والحلق؟

الأقرب : لا ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله سبحانه.

__________________

(١) راجع ص : ٢٨٣.

٢٩٤

البحث الثاني

في الهدي‌

والكلام إمّا فيمن يجب عليه الهدي ، أو في كيفيّة ذبحه ووقته ومكانه ، أو في جنسه ووصفه وسنّه وعدده ، أو في مصرفه وقسمته ، أو في حكم العجز عنه وبدله ، فهاهنا خمسة مقدمات :

المقام الأول : فيمن يجب عليه الهدي ، وفيه مسألتان :

المسألة الأولى : يجب الهدي على المتمتّع ، بالإجماعين (١) ، والكتاب ، والسنّة.

قال الله سبحانه ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (٢).

وفي صحيحة زرارة : فقلت : وما المتعة؟ قال : « يهلّ بالحج » إلى أن قال : « فإذا كان يوم التروية أهلّ بالحجّ ونسك المناسك وعليه الهدي » ، فقلت : وما الهدي؟ فقال : « أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة ، وأخفضه شاة » (٣).

وفي رواية الأعرج : « من تمتّع في أشهر الحج ثمَّ أقام بمكّة حتى يحضر الحجّ فعليه شاة ، ومن تمتّع في غير أشهر الحجّ ثمَّ جاور بمكّة حتى يحضر الحجّ فليس عليه دم ، إنّما هي حجّة مفردة ، وإنّما الأضحى على‌

__________________

(١) انظر المنتهى ٢ : ٧٣٤.

(٢) البقرة : ١٩٦.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦ ـ ١٠٧ ، الوسائل ١١ : ٢٥٥ أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٣.

٢٩٥

أهل الأمصار » (١).

قوله : « إنّما الأضحى » يحتمل أن يكون المراد بها : الهدي ، يعني : الهدي على المتمتّعين ، وهم أهل الأمصار ، حيث لا تمتّع على أهل مكّة.

وفسّر في الوافي أهل الأمصار على من لم يحضر الحجّ ، فقال : حاصل الحديث أنّ المتمتّع يجب عليه الهدي ، وغير المتمتّع لا يجب عليه الهدي ، والأضحية ليست إلاّ على أهل الأمصار ممّن لم يحضر الحجّ دون من حضر (٢).

إلى غير ذلك من الأخبار.

ولا فرق في وجوب الهدي على المتمتّع بين من أتاه فرضا أو متنفّلا ، ولا بين المكّي وغيره ، لإطلاق الأخبار.

ولا هدي على غير المتمتّع معتمرا أو حاجّا ، مفترضا أو متنفّلا ، مفردا أو قارنا ، إلاّ ما يسوقه القارن عند الإحرام ، إجماعا محقّقا ومحكيّا مستفيضا (٣).

وتدلّ عليه رواية الأعرج المتقدّمة ، وما في رواية إسحاق بن عبد الله : « وإذا لم يكن متمتّعا لا يجب عليه الهدي » (٤).

وفي صحيحة ابن عمّار : « وأمّا المفرد للحجّ فعليه طواف » إلى أن قال : « وليس عليه هدي ولا أضحية » (٥) ، ونحو ذلك في صحيحته‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٧ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٩ ـ ٦٦٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٥٩ ـ ٩١٣ ، الوسائل ١٤ : ٨٢ أبواب الذبح ب ١ ح ١١.

(٢) الوافي ١٣ : ١١٠٣.

(٣) كما في التذكرة ١ : ٣٧٨ ، والمدارك ١ : ١٥ ، والرياض ١ : ٣٩٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٠٠ ـ ٦٦٤ ، وصدر الحديث في الاستبصار ٢ : ٢٥٩ ـ ٩١٥ ، الوسائل ١١ : ٢٥٢ أبواب أقسام الحج ب ٤ ح ٢٠.

(٥) التهذيب ٥ : ٤١ ـ ١٢٢ ، الوسائل ١١ : ٢١٢ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١ و ٢.

٢٩٦

الأخرى (١) ، إلى غير ذلك (٢).

وتحمل بعض الاخبار الموجبة للهدي على غيره أيضا (٣) على الاستحباب جمعا.

المسألة الثانية : لو تمتّع المملوك بإذن مولاه تخيّر المولى بين أن يهدي عنه وبين أن يأمره بالصوم الذي يجب على الحرّ العاجز من الهدي كما يأتي ، بلا خلاف ، بل بالإجماع ، وبكلّ منهما صرّح أيضا جماعة (٤) ، وتدلّ عليه النصوص المستفيضة (٥).

وأمّا بعض الأخبار المتضمّن : لأنّه عليه ما على الحرّ إمّا الأضحية وإمّا الصوم (٦) ، فالمراد بيان الكميّة دون الكيفيّة بقرينة ما ذكر.

ولو أعتق المملوك في زمان يجري حجّه عن حجة الإسلام كان كالحرّ في الكيفيّة أيضا ، فيجب عليه الهدي.

المقام الثاني : في كيفيّته ، ووقته ، ومكانه ، وفيه مسائل :

المسألة الأولى : تجب في ذبح الهدي أو نحره النيّة ، لأنّه عبادة ، ولأنّ جهات الذبح متعدّدة فلا يتمحّض المذبوح هديا إلاّ بالنيّة ، كما مرّ غير مرّة.

المسألة الثانية : يجوز له الذبح أو النحر بنفسه ، وأن يوكّل غيره فيه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٩٨ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٤٤ ـ ١٣١ ، الوسائل ١١ : ٢٢١ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٢ أبواب أقسام الحج ب ٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ٧٩ أبواب الذبح ب ١.

(٤) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ٧٣٧ ، صاحب الرياض ١ : ٣٩١.

(٥) الوسائل ١٤ : ٨٣ أبواب الذبح ب ٢.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٠١ ـ ٦٦٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٢ ـ ٩٢٦ ، الوسائل ١٤ : ٨٥ أبواب الذبح ب ٢ ح ٥.

٢٩٧

أمّا الأول فظاهر.

وأمّا الثاني فهو مقطوع به في كلام الأصحاب ، كما في المدارك والذخيرة (١) ، بل إجماعيّ ، كما في غيرهما (٢) ، وتدلّ عليه صحيحتا أبي بصير (٣) ، وروايته (٤) ، ورواية عليّ بن أبي حمزة (٥) ، المتقدّمة جميعا في بيان وقت الوقوف بالمشعر.

وصحيحة علي : عن الضحيّة يخطئ الذي يذبحها فيسمّي غير صاحبها ، أيجزئ عن صاحب الضحيّة؟ فقال : « نعم ، إنّما له ما نوى » (٦) ، يعني : إنّما للذابح ما نواه دون ما سمّاه.

وحينئذ تجب النيّة منهما ، سمّاه.

وحينئذ تجب النيّة منهما ، سمّاه.

وحينئذ تجب النيّة منهما ، أمّا من الموكّل فينوي عند الأمر مستداما نيّته إلى زمان الذبح ، مثلا : إنّ الآمر بالذبح ـ مثلا للهدي ـ يقصد القربة في الذبح لا في الأمر ، فلو أمر إجلالا لنفسه مثلا ولكن كان قصده من الذبح القربة لكفى. ولو أخلّ ببعض أجزائها حين الأمر وقصده بعده قبل الذبح لكفى ، كما لو أمر به للأكل ثمَّ رجع بعده وقصد الهدي.

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٨ ، الذخيرة : ٦٦٤.

(٢) كالرياض ١ : ٣٩١.

(٣) الاولى في : الكافي ٥ : ٤٧٤ ـ ٥ ، الوسائل ١٤ : ٢٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٣.

الثانية في : الكافي ٥ : ٤٧٥ ـ ٨ ، الوسائل ١٤ : ٣٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٦.

(٤) الكافي ٥ : ٤٧٤ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٠ أبواب الوقوف بالمشعر.

(٥) الكافي ٥ : ٤٧٤ ـ ٤ ، الوسائل ١٤ : ٢٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٤.

(٦) الفقيه ٢ : ٢٩٦ ـ ١٤٦٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٢ ـ ٧٤٨ ، قرب الإسناد : ٢٣٩ ـ ٩٤٢ ، مسائل علي بن جعفر : ١٦٢ ـ ٢٥٤ ، الوسائل ١٤ : ١٣٨ أبواب الذبح ب ٢٩ ح ١.

٢٩٨

وأمّا من الوكيل ، فينوي أنّه من فلان ، وليس عليه قصد التقرّب بل ، ولا تعيين مقصود الآمر.

فما في كلام بعضهم ـ من أنّ النيّة يجب أن تكون منه أو من الذابح (١) ـ غير سديد ، لأنّه إن كان المراد نيّة القربة فلا تجب على الذابح ، بل لا تكفي منه لو لم ينوها الآمر ، وإن كان نيّة أنّه من فلان فهي متعيّنة على الوكيل إن احتمل وجها آخر.

بل الظاهر أنّه لا نيّة على الذابح إلاّ إذا لم يتعيّن عين هدي الآمر وكان التعيين على الوكيل ، فلو أعطاه شاة معيّنة ليذبحها له هديا ، ثمَّ اشتبه على الذابح وظنّها هدي نفسه وذبحها ، يكفي عن الآمر.

المسألة الثالثة : المشهور ـ كما في شرح المفاتيح ـ أنّه يجب أن يكون الذبح أو النحر يوم النحر مع الإمكان ، وفي المدارك : أنّه قول علمائنا وأكثر العامّة (٢) ، وفي الذخيرة : لا أعلم فيه خلافا بين أصحابنا (٣) ، وقيل : إنّه اتّفاقي (٤).

واستدلّ له : بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحر في هذا اليوم ، وقال : « خذوا عنّي مناسككم » (٥).

وفيه : أنّه يفيد لو ثبت كون ذلك منسكا أيضا ، وإلاّ فلا بدّ من وقوعه في وقت.

__________________

(١) الذخيرة : ٦٦٤.

(٢) المدارك ٨ : ٢٧.

(٣) الذخيرة : ٦٦٤.

(٤) كما في الرياض ١ : ٣٩٢.

(٥) مسند أحمد ٣ : ٣١٨.

٢٩٩

وفي المفاتيح أنّه قيل : بل يجوز طول ذي الحجّة اختيارا (١).

وهو قول الحلّي ، قال في السرائر : وأمّا هدي المتعة فإنّه يجوز ذبحه طول ذي الحجّة ، إلاّ أنّه يكون قضاء بعد انقضاء هذه الأيّام ـ أي أيّام النحر ـ هكذا قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه.

والأولى عندي أن لا يكون قضاء ، لأنّ ذي الحجّة بطوله من أشهر الحجّ ووقت للذبح الواجب ، فلا يكون قضاء ، لأنّ القضاء ما يكون له وقت ففات (٢). انتهى.

وبه قال المحقّق في الشرائع ، قال : وكذا لو ذبحه في بقيّة ذي الحجّة جاز (٣).

ونقله في المدارك عن الشيخ في المصباح ، فقال فيه : إنّ الهدي الواجب يجوز ذبحه ونحره طول ذي الحجّة ، ويوم النحر أفضل (٤). انتهى.

وحكي هذا القول عن مختصر المصباح والنهاية والغنية وظاهر المهذّب (٥) ، وعن الغنية الإجماع عليه.

وهو الأقوى ، للأصل الخالي عن المعارض ، وإطلاقات الكتاب والسنّة ، ومفهوم الشرط في رواية الكرخي الآتية في المسألة اللاحقة ، بل لو لا الإجماع لكان مقتضاهما جواز التأخير عن ذي الحجّة أيضا ، كما يوهمه ظاهر المهذّب ، إلاّ أنّ الإجماع يدفعه.

__________________

(١) المفاتيح ١ : ٣٥٣.

(٢) السرائر ١ : ٥٩٥.

(٣) الشرائع ١ : ٢٦٠.

(٤) المدارك ٨ : ٢٧.

(٥) نقله ـ عن مختصر المصباح في الرياض ١ : ٣٩٢ ، النهاية : ٢٥٧ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨٢ ، المهذّب ١ : ٢٥٨.

٣٠٠