مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

ولا يخفى أنّه لا تدلّ تلك الأخبار على أنّ هذه الأمور مستحبّة للسعي ومن مقدّماته ـ كما ذكره الأكثر (١) ـ بل يمكن أن تكون من مستحبّات الطواف أو الركعتين ومن خواتيمه ، كما استظهره في الدروس ، قال : والظاهر استحباب الاستلام والإتيان عقيب الركعتين ولو لم يرد السعي (٢).

وتدلّ عليه صحيحة ابن مهزيار : رأيت أبا جعفر الثاني عليه‌السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء وصلّى خلف المقام ، ثمَّ دخل زمزم ، فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر الأسود ، فشرب منها وصبّ على بعض جسده ، ثمَّ اطلع في زمزم مرتين ، وأخبرني بعض أصحابنا أنّه رآه بعد ذلك بسنة فعل مثل ذلك (٣).

ويمكن أن يكون هو مستحبّا بنفسه ، كما يستفاد من صحيحة الحلبي الأخيرة ، وصحيحة ابن سنان المتقدّمة.

ولا يخفى أيضا أنّ ظاهر أكثر الأصحاب تقديم الاستلام على إتيان زمزم (٤) ، والمدلول عليه في صحيحتي ابن سنان والحلبي الأولى عكس ذلك ، فهو الأولى ، ولا يظهر من صحيحة ابن عمّار الأخيرة الأول ـ كما ذكره في الذخيرة (٥) ـ كما لا يخفى على المتأمّل فيها.

ومنها : الدعاء بالمأثور في الأخبار المتقدّمة عند الشرب والصبّ.

ومنها : الخروج للسعي من باب الصفا‌ المقابل للحجر ، بلا خلاف ،

__________________

(١) انظر الحدائق ١٦ : ٢٥٦ ، والرياض ١ : ٤٢١.

(٢) الدروس ١ : ٤٠٩.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٠ ـ ٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٤ أبواب السعي ب ٢ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٤) كما في الذخيرة : ٦٤٥ ، كشف اللثام ١ : ٣٤٦ ، الرياض ١ : ٤٢١.

(٥) الذخيرة : ٦٤٥.

١٦١

كما عن التذكرة والمنتهى (١) ، له ، ولصحيحة ابن عمّار ، وفيها :

قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ثمَّ اخرج إلى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود ـ حتى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار ، واصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت وتستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، فاحمد الله واثن عليه ، واذكر من آلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره ، ثمَّ كبّر الله عزّ وجلّ سبعا ، واحمده سبعا ، وهلّله سبعا ، وقل : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له » وذكر الدعاء ، إلى أن قال : وقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قام على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا » (٢).

وصحيحة عبد الحميد : عن الباب الذي يخرج منه إلى الصفا ـ إلى أن قال ـ : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « هو الباب الذي يستقبل الحجر الأسود » الحديث (٣).

قال والدي ـ قدس‌سره ـ : إنّ هذا الباب هو الباب الذي يشتهر اليوم بباب الصفا ، قيل : هذا الباب داخل الآن في المسجد ، إلاّ أنّه معلّم بأسطوانتين ، فليخرج من بينهما (٤). وفي الدروس : الظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما (٥).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٦٦ ، المنتهى ٢ : ٧٠٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٥ ـ ٤٨١ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٥ أبواب السعي ب ٣ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ١٤٥ ـ ٤٨٠ ، وفي الكافي ٤ : ٤٣٢ ـ ٤ ، والفقيه ٢ : ٢٥٦ ـ ١٢٤٣ ، والوسائل ١٣ : ٤٧٥ أبواب السعي ب ٣ ح ١ بتفاوت.

(٤) كما في المدارك ٨ : ٢٠٥.

(٥) الدروس ١ : ٤٠٩.

١٦٢

ومنها : أن يأتي بالسكينة والوقار إلى أن يصعد الصفا ، فيصعده ويستقبل الركن العراقي وينظر إلى البيت ويحمد الله ويذكر آلاءه ، ثمَّ يكبّر الله ويحمده ويهلّله سبعا ، ثمَّ يدعو بالمأثور ، ويقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة بالتأنّي.

تدلّ على كلّ ذلك صحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، وعلى بعضه صحيحته الأخرى الواردة في حجّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيها : « فابدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ به » إلى أن قال : « ثمَّ أتى الصفا فصعد عليه واستقبل الركن اليماني ، فحمد الله وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسّلا ، ثمَّ انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا ، ثمَّ انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ، ثمَّ انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه ، فلمّا فرغ من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس » الحديث (١).

وتدلّ على استحباب الطول على الصفا بالقدر المذكور صحيحة ابن سنان المتقدّمة أيضا.

وورد في مرفوعة ابن الوليد (٢) ومرسلة الفقيه (٣) ورواية المنقري (٤) : أنّ طول الوقوف على الصفا والمروة يوجب كثرة المال.

ولا ينافيه ما في مرسلة محمّد بن عمر بن يزيد : كنت وراء أبي الحسن موسى عليه‌السلام على الصفا أو على المروة وهو لا يزيد على حرفين :

__________________

(١) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، وفي التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ والوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٤ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣٣ ـ ٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٩ أبواب السعي ب ٥ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ١٣٥ ـ ٥٧٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٩ أبواب السعي ب ٥ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١٤٧ ـ ٤٨٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ ـ ٨٢٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٩ أبواب السعي ب ٥ ح ١.

١٦٣

« اللهمّ إنّي أسألك حسن الظنّ بك على كلّ حال ، وصدق النيّة في التوكّل عليك » (١).

إذ لعلّه عليه‌السلام كان يكرّر هذين الحرفين بقدر يطول الوقوف.

وله أن يقتصر على بعض ما مرّ من الأذكار المأثورة ، كما صرّح به في آخر صحيحة ابن عمّار المتقدّمة ، قال : « فإن لم تستطع هذا فبعضه » (٢).

وله أن يدعو بغيرها ممّا جرى على لسانه ، كما صرّح به في رواية أبي الجارود : « ليس على الصفا شي‌ء موقّت » (٣).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٣ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ١٤٨ ـ ٤٨٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ ـ ٨٢٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٨١ أبواب السعي ب ٥ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٥ ـ ٤٨١ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٦ أبواب السعي ب ٤ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٣ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١٤٧ ـ ٤٨٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٠ أبواب السعي ب ٥ ح ٣.

١٦٤

البحث الثاني

في كيفيّة السعي وأفعاله

وهي واجبة ومندوبة ، أمّا الواجبات فستّة :

الأول : النيّة ، أي القصد إلى الفعل المخصوص ، متقرّبا إلى الله سبحانه ، مميّزا لنوعه عن غيره ، فلا بدّ من تصوّر معناه المتضمّن للذهاب من الصفا إلى المروة والعود سبعا ، وكونه سعي حجّ الإسلام مثلا أو غيره مع الاحتياج إلى المميّز.

وتجب مقارنتها ولو بالنيّة الحكميّة لأوله واستدامة حكمها إلى الفراغ إن أتى به متّصلا إلى الآخر ، فإن فصل جدّدها ثانيا فيما بعده.

والوجه في الكلّ ظاهر ممّا حقّقناه في أمر النيّة.

الثاني والثالث : البدأة بالصفا في أول السعي والختم بالمروة في آخره ، بالإجماع المحقّق والمحكيّ (١) مستفيضا ، والنصوص المستفيضة.

فممّا يدلّ على الأول خاصّة صحيحة ابن سنان المتقدّمة (٢) ، وابن عمّار : « من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى » (٣).

واخرى ، وفيها : « فإن بدأ بالمروة فليطرح وليبدأ بالصفا ويبدأ بالصفا قبل المروة » (٤).

__________________

(١) كما في الخلاف ٢ : ٣٢٩ ، والمنتهى ٢ : ٧٠٤ ، والتذكرة ١ : ٣٦٦ ، والحدائق ١٦ : ٢٦٦.

(٢) في ص : ١٩٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥١ ـ ٤٩٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٧ أبواب السعي ب ١٠ ح ١.

(٤) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٨ أبواب السعي ب ١٠ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

١٦٥

ورواية عليّ بن أبي حمزة : عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا ، قال : « يعيد » الحديث (١) ، ونحوها رواية عليّ الصائغ (٢).

وممّا يدلّ عليهما صحيحة ابن عمّار (٣) المتقدّمة الواردة في حجّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أمّا دلالتها على البدأة بالصفا فظاهرة ، وأمّا على الختم بالمروة فلقوله : « فلمّا فرغ من سعيه وهو على المروة ».

وصحيحة الحلبي الواردة فيه أيضا ، وفيها : « ثمَّ قال : ابدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ به ، فأتى الصفا فبدأ بها ، ثمَّ طاف بين الصفا والمروة سبعا ، فلمّا قضى طوافه عند المروة قام خطيبا » (٤).

وصحيحة أخرى لابن عمّار : « انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المنارة ـ وهي طرف المسعى ـ فاسع مل‌ء فروجك (٥) ، وقل : بسم الله والله أكبر ، وصلّى الله على محمّد وأهل بيته ، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عمّا تعلم إنّك أنت الأعزّ الأكرم ، حتى تبلغ المنارة الأخرى ، فإذا جاوزتها فقل : يا ذا المنّ والكرم والنعماء والجود اغفر لي ذنوبي إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت ، ثمَّ امش وعليك السكينة والوقار حتى تأتي المروة ، فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت ، فاصنع عليها كما‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٦ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٥١ ـ ٤٩٦ ، العلل : ٥٨١ ـ ١٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٨ أبواب السعي ب ١٠ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٥١ ـ ٤٩٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٨ أبواب السعي ب ١٠ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٢٤٥ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٤٥٤ ـ ١٥٨٨ ، مستطرفات السرائر : ٢٣ ـ ٤ ، الوسائل ١١ : ٢١٣ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٤) الكافي ٤ : ٢٤٨ ـ ٦ ، العلل : ٤١٢ ـ ١ ، الوسائل ١١ : ٢٢٢ أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٤.

(٥) يقال للفرس : ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع ـ النهاية لابن الأثير ٣ : ٤٢٣.

١٦٦

صنعت على الصفا وطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة » (١) ، وقريبة منها موثّقته (٢).

ويمكن إتمام دلالة القسم الأول من الأخبار على الحكمين أيضا بتقريب استلزام البدأة بالصفا والسعي على الطريق المذكور فيه للختم بالمروة.

وإنّما قيّدنا البدأة بأول السعي والختم بآخره لئلاّ يتوهّم أنّه كذلك في كلّ شوط ، فإنّه غير جائز ، بل اللازم البدأة بالصفا والختم بالمروة في كلّ شوط فرد ، والعكس في كلّ زوج.

فلو بدأ بالصفا إلى المروة ، ثمَّ عاد إلى الصفا من غير أن يحسب عوده سعيا ، ثمَّ يبدأ من الصفا أيضا إلى المروة ويعدّه ثاني الأشواط ، وهكذا إلى أن يتمّ ، بطل السعي ، لأنّ غير الطريق المعهود من الحجّ المأمور بأخذ المناسك عنهم ، بل يخالف المدلول عليه ظاهرا من كثير من الأخبار المذكورة.

فروع :

أ : ظاهر الأمر في بعض الأخبار المتقدّمة (٣) وإن كان وجوب الصعود على الصفا ، إلاّ أنّ ظاهر القوم الاتّفاق على انتفاء الوجوب ، بل عن الخلاف والمنتهى والتذكرة والقاضي (٤) وبعض آخر (٥) : الإجماع عليه.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٤ ـ ٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٢ أبواب السعي ب ٦ ح ٢ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٥ : ١٤٨ ـ ٤٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٤٨١ أبواب السعي ب ٦ ح ١.

(٣) في ص : ١٦٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٣٢٩ ، المنتهى ٢ : ٧٠٥ ، التذكرة ١ : ٣٦٦ ، القاضي في جواهر الفقه : ٤٢.

(٥) كما في الحدائق ١٦ : ٢٦٥ ، والرياض ١ : ٤٢٢.

١٦٧

وتدلّ عليه صحيحة البجلي : عن النساء يطفن على الإبل والدوابّ أيجزيهنّ أن يقفن تحت الصفا والمروة حيث يرين البيت؟ قال : « نعم » (١) ، بضميمة عدم الفصل بين النساء والرجال والراكب والراجل ، والصحاح المستفيضة الآتية (٢) المجوّزة للسعي راكبا وعلى الإبل وفي المحمل.

وبما ذكر تضعف دلالة الأمر على الوجوب ، بل يحمل على الاستحباب بقرينة ما ذكر.

ويظهر عن المنتهى والتذكرة وجود قول بوجوب الصعود ، ولكن من باب المقدّمة.

وردّه : بأنّه إنّما يتمّ لو توقّف حصول العلم بتحقّق الواجب عليه ، وليس كذلك ، إذ يمكن أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا (٣) ، وهو كذلك.

ب : قالوا في كيفية البدأة والختم بإلصاق العقب بالصفا والأصابع بالمروة ، إذ لا يتحقّق استيفاء ما بينهما والبدأة والختم إلاّ بذلك ، ولا ريب أنّه أحوط ، بل وكذلك في كلّ شوط ، سيّما مع أنّ الظاهر ـ كما قيل (٤) ـ اتّفاق الأصحاب عليه.

ولولاه لقلنا بعدم لزوم هذه الدقّة والاكتفاء بالسعي بين الصفا والمروة ، والابتداء بالأول والختم بالثاني عرفا ، كما اختاره بعض مشايخنا (٥) ، لأنّ العرف هو المرجع في أمثال ذلك ، سيّما مع تصريح‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٤٩ ، وفي الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٥ ، والتهذيب ٥ : ١٥٦ ـ ٥١٧ ، والوسائل ١٣ : ٤٩٨ أبواب السعي ب ١٧ ح ١ بتفاوت يسير.

(٢) في ص : ١٧١.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٠٤ ، التذكرة ١ : ٣٦٦.

(٤) انظر الذخيرة : ٦٤٤.

(٥) انظر الحدائق ١٦ : ٢٦٦.

١٦٨

الصحاح بجواز السعي على الإبل ووقوعه من الحجّ ، ولا شكّ أنّه لا تقع معه هذه الدقّة ، إلاّ أنّ ظاهر الاتّفاق يمنع من الجرأة على الفتوى به.

ولا يخفى أنّ ذلك مع عدم الصعود إلى الصفا والمروة ، وأمّا معه فلا يحتاج إلى الإلصاق في شي‌ء من الموضعين ، لتحقّق الواجب والزائد بدونه.

نعم ، يجب استحضار النيّة عند الصعود من الدرج والنزول.

ولا يخفى أيضا أنّ الظاهر في صورة الإلصاق كفاية إلصاق عقب احدى الرجلين وأصابعها ، لصدق البدأة والختم والاستيفاء بذلك ، وعدم مظنّة الإجماع في الرجلين.

ج : لو بدأ بالمروة قبل الصفا‌ فظاهر المدارك (١) ، وغيره (٢) : وجوب إعادة السعي مبتدئا من الصفا وطرح ما سعى بالمرّة ، وهو كذلك ، فلا يكفي طرح الشوط الأول خاصّة وجعل ما بعده المبدأ فيه من الصفا أول السعي ، لعدم صدق الإتيان بالمأمور به على وجهه ، إذ لا يصدق مع ذلك البدأة بالصفا عرفا ، ولصحيحتي ابن عمّار وروايتي علي بن أبي حمزة وعلي الصائغ ، المتقدّمة جميعا (٣).

الرابع : السعي بينهما سبعا بعد ذهابه إلى المروة شوطا‌ وعوده منها إلى الصفا آخر ، وهكذا إلى أن يكملهما سبعا ، بالإجماع المحقّق والمحكيّ في كلام جماعة (٤) ، ولأنّه الموافق لما صرّح به في الأخبار من البدأة بالصفا‌

__________________

(١) المدارك ٨ : ٢٠٦.

(٢) كالخلاف ٢ : ٣٣٠ ، والتذكرة ١ : ٣٦٧.

(٣) في ص : ١٦٦.

(٤) منهم الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٢٨ ، السبزواري في الذخيرة : ٦٤٥ ، صاحب الحدائق ١٦ : ٢٦٧.

١٦٩

والختم بالمروة ، إذ لا يتصوّر الإتيان بالسبع إلاّ بما ذكر ، أو بجعل كلّ ذهاب وعود شوطا واحدا ، والثاني مستلزم للختم بالصفا أيضا ، فتعيّن الأول.

ومنه تظهر دلالة صحيحة هشام ـ قال : سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد ، فقلت له : تحفظ عليّ ، فجعل يعدّ ذاهبا وجائيا شوطا واحدا فبلغ مثل ذلك ، فقلت له : كيف تعدّ؟ قال : ذاهبا وجائيا شوطا واحدا ، فأتممنا أربعة عشر شوطا ، فذكرنا ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : « قد زادوا على ما عليهم ، ليس عليهم شي‌ء » (١) ـ على المطلوب أيضا.

الخامس : الذهاب من كلّ من الصفا والمروة إلى الآخر بالطريق المعهود ، بغير خلاف ، كما صرّح في شرح المفاتيح ، فلو اقتحم المسجد ثمَّ خرج من باب آخر أو سلك سوق الليل لم يصحّ سعيه ، لأنّه المعهود من الشارع ، ولوجوب حمل الألفاظ على المعاني المتعارفة ، وهذا المعنى هو المفهوم عرفا من السعي بين الصفا والمروة.

السادس : استقبال المطلوب بوجهه ، بغير خلاف أيضا ، كما في الكتاب المذكور ، فيستقبل المروة عند الذهاب إليه من الصفا ، والصفا عند الذهاب إليه من المروة ، فلو مشى عرضا أو قهقرى لم يصحّ ، لما ذكر في سابقة بعينه.

بل يظهر منه وجوب المشي بالطريق المتعارف راجلا أو راكبا ، فلو تدحرج إلى المطلوب لم يصحّ ، بل الظاهر الإشكال فيما لو سعى بينهما بالمشي بالصدر أو الركبتين واليدين ، فتأمّل.

وأمّا المستحبّات فأربعة :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٥٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٨ أبواب السعي ب ١١ ح ١.

١٧٠

الأول : أن يسعى راجلا وإن جاز راكبا ، كما يأتي ، لأنّ أفضل الأعمال أحمزها ، ولأنّه أدخل في الخضوع وأقرب إلى المذلّة ، وقد ورد في الأخبار العديدة : أنّ المسعى أحبّ الأراضي إلى الله تعالى (١) ، لأنّه يذلّ فيه الجبابرة.

ولصحيحة ابن عمّار : عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكبا ، قال : « لا بأس ، والمشي أفضل » (٢).

والأخرى : عن المرأة تسعى بين الصفا والمروة على دابّة أو على بعير ، فقال : « لا بأس بذلك » ، وسألته عن الرجل يفعل ذلك ، فقال : « لا بأس به ، والمشي أفضل » (٣).

ولكن ذلك إذا لم يخف الضعف ، وإلاّ فالظاهر أفضليّة الركوب ، كما صرّح به في صحيحة الخشّاب : « أسعيت بين الصفا والمروة؟ » فقال : نعم ، قال : « وضعفت؟ » ، قال : لا والله لقد قويت ، قال : « فإن خشيت الضعف فاركب ، فإنّه أقوى لك في الدعاء » (٤).

الثاني والثالث : أن يهرول ما بين المنارة الاولى والأخرى الموضوعة عند زقاق العطّارين ، ويقتصد في مشيه في طرفيهما.

أمّا رجحانه فبالإجماع المحقّق والمحكيّ مستفيضا (٥) ، والنصوص المستفيضة المرجّحة قولا وفعلا ، منها : صحيحة ابن عمّار وموثّقته‌

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٦٧ أبواب السعي ب ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ١٥٥ ـ ٥١٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٦ أبواب السعي ب ١٦ ح ٢.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٤٨ ، التهذيب ٥ : ١٥٥ ـ ٥١٣ ، المقنعة : ٤٥١ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٦ ، ٤٩٧ أبواب السعي ب ١٦ ح ٣ و ٤.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٥ ـ ٥١٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٧ أبواب السعي ب ١٦ ح ٥ ، وفيهما على الدعاء.

(٥) كما في التذكرة ١ : ٣٦٦ ، والرياض ١ : ٤٢٢.

١٧١

المتقدّمتان (١).

وموثّقة سماعة : عن السعي بين الصفا والمروة ، قال : « إذا انتهيت إلى الدار التي عن يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة ، فإذا انتهيت إليه فكفّ عن السعي وامش مشيا ، فإذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك ، فإذا انتهيت إلى الباب الذي من قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي وامش مشيا ، وإنّما السعي على الرجال وليس على النساء سعي » (٢) ، إلى غير ذلك (٣).

وأمّا عدم وجوبه فعلى الأظهر الأشهر ، بل وفاقا لغير من شذّ وندر ، بل عليه الإجماع في كلام جماعة (٤).

لصحيحة الأعرج : عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا والمروة ، قال : « لا شي‌ء عليه » (٥) ، والرمل ـ محرّكة ـ : بين العدو والمشي ، وهو بمعنى الهرولة.

وهي بإطلاقها تشمل الترك عمدا وسهوا مع التذكّر بعد السعي وفي أثنائه ، فلا يكون واجبا.

__________________

(١) في ص : ١٦٦ ، ١٦٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣٤ ـ ١ ، وفي التهذيب ٥ : ١٤٨ ـ ٤٨٨ ، والوسائل ١٣ : ٤٨٢ أبواب السعي ب ٦ ح ٤ بتفاوت يسير.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٨١ أبواب السعي ب ٦.

(٤) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩ ، العلاّمة في المنتهى ٢ : ٧٠٥ ، صاحب المدارك ٨ : ٢٠٨ ، ٢٠٩ ، الفيض في المفاتيح ١ : ٣٧٥.

(٥) الكافي ٤ : ٤٣٦ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ١٥٠ ـ ٤٩٤ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٦ أبواب السعي ب ٩ ح ١.

١٧٢

ولا يتوهّم أنّ المسؤول عنه فيها ترك بعض الرمل وهو لا ينافي وجوب مطلقة ، لأنّا نجيب عنه : أنّ ظاهر الأوامر في الأخبار المتقدّمة متعلّقة بالرمل بين المنارتين ـ أي تمام موضعه ـ فإذا ثبت عدم وجوب الكلّ تصرف تلك الأوامر عن حقيقته ، فلا يبقى دليل على وجوب البعض أيضا ، فيعمل فيه بالأصل.

خلافا للمحكيّ عن الحلبي ، فأوجبه ، لظاهر الأوامر (١). وجوابه ـ بعد ما ذكر ـ ظاهر ، مع أنّ كلامه ـ كما قيل (٢) ـ عن إفادة الوجوب قاصر.

ثمَّ استحباب الهرولة مخصوص بالرجال ، فلا يستحبّ للنساء بلا خلاف ظاهر ، للموثّقة المتقدّمة ، وصحيحة أبي بصير : « ليس على النساء جهر بالتلبية ، ولا استلام الحجر ، ولا دخول البيت ، ولا سعي بين الصفا والمروة » ، يعني : الهرولة (٣).

وبالماشي ، وأمّا الراكب فيسرع دابّته بين حدّي الهرولة ، إجماعا ، كما عن التذكرة (٤) وغيره (٥) ، وصرّحت به صحيحة ابن عمّار (٦).

الرابع : الدعاء في موضع الهرولة بالمأثور في صحيحة ابن عمّار (٧) المتقدّمة وغيرها (٨).

__________________

(١) الكافي في الفقه : ٢١١.

(٢) انظر الرياض ١ : ٤٢٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٠٥ ـ ٨ ، الوسائل ١٣ : ٣٢٩ أبواب الطواف ب ١٨ ح ١.

(٤) التذكرة ١ : ٣٦٦.

(٥) كالحدائق ١٦ : ٢٧٥ ، والرياض ١ : ٤٢٢.

(٦) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٥٠ ، التهذيب ٥ : ١٥٥ ـ ٥١٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٨ أبواب السعي ب ١٧ ح ٢.

(٧) الكافي ٤ : ٤٣١ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٤٥ ـ ٤٨١ ، الوسائل ١٣ : ٤٧٥ أبواب السعي ب ٣ ح ٢.

(٨) الوسائل ١٣ : ٤٧٦ أبواب السعي ب ٤.

١٧٣

البحث الثالث

في أحكامه‌

وفيه مسائل :

المسألة الاولى : من ترك السعي حتى انقضى وقته على ما مرّ في الطواف ، فإن كان متعمّدا بطل حجّه أو عمرته إجماعا محقّقا ومحكيّا في كلام جماعة (١) ، له ، ولعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

ولصحيحة ابن عمّار : في رجل ترك السعي متعمّدا ، قال : « عليه الحجّ من قابل » (٢).

واخرى ، وفي آخرها : في رجل ترك السعي متعمّدا ، قال : « لا حجّ له » (٣) ، وغير ذلك (٤).

وأمّا قوله سبحانه ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ) (٥) ـ حيث يستفاد من نفي الجناح عدم الوجوب ـ فإنّما هو في مورد خاصّ لوجه مخصوص نصّ عليه في مرسلة الوشّاء (٦).

__________________

(١) منهم العلاّمة في التذكرة ١ : ٣٦٦ ، صاحب الحدائق ١٦ : ٢٧٥ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٤٧.

(٢) الكافي ٤ : ٤٣٦ ـ ١٠ ، التهذيب ٥ : ١٥٠ ـ ٤٩١ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٤ أبواب السعي ب ٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥٠ ـ ٤٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ ـ ٨٢٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٤ أبواب السعي ب ٧ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٨٤ أبواب السعي ب ٧.

(٥) البقرة : ١٥٨.

(٦) الكافي ٤ : ٤٣٥ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ١٤٩ ـ ٤٩٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٦٨ أبواب السعي ب ١ ح ٦.

١٧٤

وإن كان سهوا فقالوا : إن أمكن عوده بنفسه والإتيان به من غير عسر ومشقّة عاد وأتى ، وإن شقّ وتعسّر استناب فيه ، بلا خلاف فيهما ، كما صرّح به جماعة (١) ، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه (٢).

واستدلّ على الأول بالأصل.

وفيه نظر ، لأنّ الأصل عدم وجوب الإتيان به خاصّة بعد مضيّ وقته ، سيّما في الأوقات التي لا تصلح للنسك .. وثبوت وجوب أصل الإتيان به غير مفيد ، لاستواء نسبته إلى إتيانه بنفسه أو السعي عنه.

وبصحيحة ابن عمّار : رجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال : « يعيد السعي » ، قلت : فاته ذلك حتى خرج ، قال : « يرجع فيعيد السعي ، إنّ هذا ليس كرمي الجمار ، إنّ الرمي سنّة والسعي بين الصفا والمروة فريضة » (٣) ، ونحوها الأخرى (٤).

وفيها قصور من حيث الدلالة ، لمكان الجملة الخبريّة.

وعلى الثاني بصحيحة محمّد : عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة ، فقال : « يطاف عنه » (٥).

ورواية الشّحام : عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة حتى‌

__________________

(١) منهم الفيض في المفاتيح ١ : ٣٧٤ ، صاحب الرياض ١ : ٤٢٣.

(٢) كما في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٤ ـ ١ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٥ أبواب السعي ب ٨ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥ ـ ٤٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٨ ـ ٨٢٩ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٥ أبواب السعي ب ٨ ح ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٥٦ ـ ١٢٤٤ ، التهذيب ٥ : ٤٧٢ ـ ١٦٥٨ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٦ أبواب السعي ب ٨ ح ٣.

١٧٥

يرجع إلى أهله ، فقال : « يطاف عنه » (١).

بحملهما على صورة المشقّة والتعسّر ، جمعا بينهما وبين ما مرّ ، ولإشعار قوله في الثاني : حتى يرجع إلى أهله ، بذلك ، ولأنّ أدلّة نفي العسر والحرج تعارض ما مرّ ، فيبقى خبر الاستنابة حينئذ بلا معارض.

أقول : الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بالقول بجواز كلّ من الأمرين ، بل هو ليس جمعا حقيقة ، بل مقتضى الروايات ، لورود الكلّ بالجمل الخبريّة ، وبعد الحمل على الجواز لا تكون أدلّة نفي العسر والحرج معارضة لما مرّ أيضا.

وبالجملة : فإثبات وجوب المباشرة في الصورة الاولى من الخبرين المتقدّمين مشكل ، إلاّ أنّه يمكن أن يستدلّ عليه بالعلّة المنصوصة في صحيحة ابن عمّار (٢) المتقدّمة في نسيان الطواف ، بضميمة التصريح بكون السعي أيضا فريضة في صحيحتيه المتقدّمتين آنفا ، وهي كافية في إثباته ، ومقتضاها وإن كان عدم جواز الاستنابة ما دام حيّا ، إلاّ أنّه خرجت صورة التعذّر برواية الشّحام المعتضدة بعمل الأعلام ، ومقتضاها كفاية العسر الحاصل من العود بعد الرجوع إلى الأهل ، كما مرّ في الطواف.

ثمَّ الجهل هل هو مثل العمد أو السهو؟

الظاهر : الأول ، للأصل ، حيث لم يأت بالمأمور به على وجهه.

المسألة الثانية : يبطل السعي بالزيادة فيه إن كانت عمدا ، على المشهور ، كما في المفاتيح وشرحه (٣) ، بل بلا خلاف ظاهر فيه ، كما صرّح‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٥٠ ـ ٤٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣٠ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٦ أبواب السعي ب ٨ ح ٢.

(٢) في ص : ١٢٤.

(٣) المفاتيح ١ : ٣٧٥.

١٧٦

به بغضهم (١) ، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما في المدارك والذخيرة (٢) ، لرواية عبد الله بن محمّد (٣) المتقدّمة في مسألة زيادة الطواف المنجبرة ضعفها ـ لو كان ـ بالشهرة.

وصحيحة ابن عمّار : « إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية ، وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها ويستأنف السعي » (٤).

وإطلاقهما وإن كان شاملا لغير العمد أيضا ، إلاّ أنّه يقيّد بالعمد ، جمعا بينه وبين الأخبار الآتية الدالّة بإطلاقها على طرح الزائد والاعتداد بالسبعة ، بشهادة صحيحة البجلي : في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ، ما عليه؟ فقال : « إن كان خطأ طرح واحدا واعتدّ بسبعة » (٥).

فإنّها أخصّ مطلقا من الإطلاقين ، فيقيّد الأول بمنطوقها ، والثاني بمفهومها ، حيث إنّه يقتضي أنّ مع عدم الخطأ ليس الحكم طرح الواحد والاعتداد بالسبعة ، وليس إلاّ البطلان إجماعا.

وتخصيص الصحيحة بصورة النسيان وحملها على من استيقن الزيادة وهو على المروة لا الصفا ـ فيبطل سعيه على زيادة شوط ، لظهور ابتدائه من‌

__________________

(١) انظر الرياض ١ : ٤٢٣.

(٢) المدارك ٨ : ٢١٣ ، الذخيرة : ٦٤٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥١ ـ ٤٩٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣١ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٠ أبواب السعي ب ١٢ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٣ ـ ٥٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٠ ـ ٨٣٦ ، الوسائل ١٣ : ٤٨٩ أبواب السعي ب ١٢ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٣٦ ـ ٢ ، وفي الفقيه ٢ : ٢٥٧ ـ ١٢٤٦ بتفاوت يسير ، التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٤٩٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ١٣ : ٤٩١ أبواب السعي ب ١٣ ح ٣.

١٧٧

المروة ، ولا يبطل على زيادة الشوطين ، لأنّه يظهر كونه بادئا من الصفا ، ويكون ابتداء التاسع أيضا منه ، فيبطل الأول للزيادة ، ويصحّ الثاني ـ فتخصيص وحمل لا موجب لهما أصلا ، بل بعيد غايته.

فالأولى تخصيص إطلاقها بصورة العمد ، لما ذكرنا ، ويكون في صورة زيادة الشوط باطلا ، أمّا السبعة الأولى فللزيادة عليها ، وأمّا الثامن فلابتدائه من المروة.

وأمّا في صورة زيادة الشوطين يكون ما تقدّم على التاسع باطلا ، لما مرّ ، ويصحّ التاسع فيضاف إليه ويستتمّ. ولا يلزم أن ينوي به أولا أنّه ابتداء عبادة مستقلّة ، إذ لم يثبت في اشتراط النيّة الزائد على اشتراط قصد الفعل والقربة ، وهما متحقّقان ، ولزوم قصد الفعل الكامل المستقلّ أولا لا دليل عليه ، بل يكفي قصده في الأثناء ، فتأمّل.

وإن كانت الزيادة سهوا فلا خلاف في عدم البطلان نصّا وفتوى ، وعليه الإجماع في كلام بعضهم (١) ، وتدلّ عليه الصحاح المستفيضة ، كصحيحة هشام المتقدّمة (٢) في مسألة وجوب السعي سبعا ، والبجلي المتقدّمة آنفا.

وابن عمّار : « من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية واعتدّ بسبعة » (٣).

وجميل : حججنا ونحن صرورة ، فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطا ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « لا بأس ، سبعة لك‌

__________________

(١) كما في الذخيرة : ٦٤٦ ، والرياض ١ : ٤٢٣.

(٢) في ص : ١٧٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤٣٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٣ : ٤٩١ أبواب السعي ب ١٣ ح ٤.

١٧٨

وسبعة تطرح » (١).

ومحمّد : « إنّ في كتاب عليّ عليه‌السلام : إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة واستيقن ثمانية أضاف إليها ستّا ، وكذا إذا استيقن أنّه سعى ثمانية أضاف إليها ستّا » (٢).

ثمَّ إنّه هل يطرح الزائد ويعتدّ بالسبعة ، كما هو مقتضى غير الأخيرة من الصحاح المذكورة ، ومال إليه بعض المتأخّرين (٣)؟

أو يكمل الزائد أسبوعين ، كما هو صريح الأخيرة ، ومحكيّ عن ابن زهرة (٤)؟

أو مخيّر بين الأمرين ، كما هو مقتضى الجمع بين القسمين ، ومنقول عن أكثر الأصحاب (٥)؟ وهو الأقوى ، لما ذكر ، بل عدم دلالة شي‌ء من القسمين على التعيّن ، والوجوب يعيّن المصير إلى ذلك ، وأكثريّة أخبار القسم الأول لا توجب رفع اليد عن الثاني بالمرّة بعد حجّيته بل صحّته.

والاستشكال فيه ـ بأنّ السعي ليس مثل الطواف عبادة برأسها ليكون الثاني مستحبّا ـ مردود بأنّ هذه الصحيحة تكفي في إثبات مشروعيتها في هذا المقام.

وبأنّ اشتراط البدأة بالصفا في السعي يستلزم بطلان الشوط الثامن ،

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٣٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٥٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٢٣٩ ـ ٨٣٣ ، الوسائل ١٣ : ٤٩٢ أبواب السعي ب ١٣ ح ٥.

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٢ ـ ٥٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٠ ـ ٨٣٥ ، الوسائل ١٣ : ٣٦٦ أبواب الطواف ب ٣٤ ح ١٠.

(٣) كصاحب الرياض ١ : ٤٢٣.

(٤) الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٧٩.

(٥) كما في الرياض ١ : ٤٢٣.

١٧٩

فلا يصحّ السعي الثاني مطلقا.

مردود بأنّه يمكن أن يكون اشتراط البدأة مخصوصا بالسعي المبتدأ دون المنضم ، فإنّ الثابت لزوم كون مبدإ أصل السعي الصفا بحيث لا تتقدّمه البدأة بالمروة ، لا كلّ سعي.

وحمل الأخيرة على كون مبدإ الأشواط فيها المروة دون الصفا ، وكون الأمر بإضافة الست إنّما هو لبطلان السبعة الأولى ، لوقوع البدأة فيها بالصفا ، بخلاف الشوط الثامن.

فهو بعيد غايته ، بل خلاف مقتضى حقيقة الكلام.

ولا يخفى أنّه ينبغي الاقتصار حينئذ في الإضافة بمورد النصّ ، وهو إكمال الشوط الثامن ، لمخالفته للأصول ، فلو نقص عنه يطرح الزائد ويعتدّ بالسبعة ، بل لو لا الإجماع المركّب كان ينبغي الاقتصار بخصوص الثامن وإضافة الستّ ، دون ما إذا تجاوز عنه.

فرع : حكم الجاهل هنا كالناسي ، لشمول الخطأ للجهل أيضا ، بل ظهوره فيه ، بل ظهور صحيحتي هشام وجميل في الجاهل أيضا.

المسألة الثالثة : يحرم النقص عن السبعة أشواط ، فإن نقص عنها عمدا حتى فات وقته بطلت نسكه ، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه.

وإن نقص سهوا أتى بالنقيصة متى تذكّر ، سواء فات وقت الموالاة أم لا ، لعدم وجوب الموالاة فيه كما يأتي ، وسواء كانت النقيصة أقلّ من النصف أو أكثر ، فإن كان رجع إلى أهله عاد وأتى بها مع المكنة ، وإلاّ استناب فيه وجوبا.

أمّا صحّة النسك حينئذ فبالإجماع ، والمستفيضة من الأخبار‌

١٨٠