مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

وأبي بصير : « أفضل الأضاحي في الحج الإبل والبقر » ، وقال : « ذوو الأرحام » ، وقال : « لا يضحّى بثور ولا جمل » (١).

والحلبي : عن الإبل والبقر أيّهما أفضل أن يضحّى بها؟ قال : « ذوات الأرحام » (٢).

ومقتضى هذه الروايات بضميمة الأصل والإطلاق : إجزاء العكس في كلّ منهما ، كما هو الأشهر ، بل في المنتهى : لا نعلم خلافا في جواز العكس في الثانيين (٣).

وفي النهاية : لا يجوز التضحية بثور ولا بجمل بمنى ، ولا بأس بهما في البلاد (٤).

وفي الاقتصاد : أنّ من شرطه إن كان من البدن أو البقر أن يكون أنثى ، وإن كان من الغنم أن يكون فحلا من الضأن ، فإن لم يجد من الضأن جاز التيس من المعز (٥).

وفي المهذّب : إن كان من الإبل فيجب أن يكون ثنيّا من الإناث ، وإن كان من البقر فيكون ثنيّا من الإناث (٦).

فإن أرادوا تأكّد الاستحباب ـ كما قيل (٧) ـ وإلاّ فمحجوج عليهم بعدم الدليل.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٤ ـ ٦٨٢ ، الوسائل ١٤ : ٩٩ أبواب الذبح ب ٩ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٤٨٩ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٠٤ ـ ٦٨١ ، الوسائل ١٤ : ٩٩ أبواب الذبح ب ٩ ح ٥.

(٣) المنتهى ٢ : ٧٤٢.

(٤) النهاية : ٢٥٧.

(٥) الاقتصاد : ٣٠٧.

(٦) المهذّب ١ : ٢٥٧.

(٧) انظر الحدائق ١٧ : ١٠٧.

٣٢١

المسألة السابعة : يكره التهدّي بالثور والجمل ، لصحيحة أبي بصير المتقدّمة ، وهي وإن اختصّت بالتضحية ، ولكن الأكثر تعدّوا إلى التهديّ أيضا ، ولعلّه للإجماع المركّب أو أعميّة التضحية أو الفحوى ، وإن أمكن المناقشة في الكلّ ، إلاّ أنّ بعد فتوى جماعة (١) لا بأس به في مقام التسامح.

ولذلك يقال بكراهة الجاموس فيهما أيضا ، مع التصريح بالجواز في صحيحة عليّ بن الريّان : عن الجاموس عن كم يجزئ في الضحية؟ فجاء الجواب : « إن كان ذكرا فعن واحد ، وإن كان أنثى فعن سبعة » (٢).

وهذه الصحيحة ـ مضافة إلى ظاهر الإجماع ـ هي دليل إجزائه ، دون البناء على أنّه مع البقر جنس واحد حتى يناقش فيه.

وكذا يكره الموجوء ، لفتوى الأصحاب ، وإن كان في استفادة كراهته من الأخبار (٣) نظر ، لأنّ فيها رجّح بعض الأصناف على الموجوء والموجوء على بعض آخر.

المسألة الثامنة : يستحبّ في النحر أو الذبح أمور :

منها : أن تنحر الإبل قائمة ، لقوله سبحانه ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) (٤) ، أي حال كونها قائمات في صفّ واحد.

ولصحيحتي ابن سنان والكناني :

الاولى : في قول الله عزّ وجلّ ( فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ) ،

__________________

(١) منهم العلاّمة في المنتهى ٢ : ٧٤٢ ، التذكرة ١ : ٣٨٢ ، والكركي في جامع المقاصد ٣ : ٢٤٤ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ٧ : ٢٩٠.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٠٩ ـ ٧٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ ـ ٩٤٦ ، الوسائل ١٤ : ١١٩ أبواب الذبح ب ١٨ ح ٨.

(٣) الوسائل ١٤ : ١١١ أبواب الذبح ب ١٤.

(٤) الحجّ : ٣٦.

٣٢٢

قال : « ذلك حين تصفّ للنحر تربط يديها ما بين الخفّ إلى الركبة ، ووجوب جنوبها إذا وقعت على الأرض » (١).

والثانية : كيف تنحر البدنة؟ قال : « تنحر وهي قائمة من قبل اليمين » (٢).

ولا يجب ذلك ، بلا خلاف يعلم ، كما عن التذكرة والمنتهى (٣) ، ويدلّ عليه المرويّ في قرب الإسناد : عن البدنة كيف ينحرها قائمة أو باركة؟ قال : « يعقلها ، وإن شاء قائمة وإن شاء باركة » (٤).

ومنها : أن تكون الإبل حال النحر مربوطة يديها ما بين الخفّ والركبة ، أي يجمع بين يديها ويربطهما ما بين الخفّ والركبة ، للصحيحة الاولى.

وأمّا ما في رواية حمران المذكورة في كتاب الصيد والذبائح : « وأمّا البعير فشدّ أخفافه إلى آباطه وأطلق رجليه » (٥).

فأرجعها المحقّق الشيخ عليّ إلى الأول ، قال : المراد بشدّ أخفافه إلى آباطه : أن يجمع يديهما ويربطهما ما بين الخفّ والركبة ، وبهذا صرّح في رواية ابن سنان ، وليس المراد في الأول أنّه يعقل خفّي يديه معا إلى آباطه ، لأنّه لا يستطيع القيام حينئذ ، والمستحبّ في الإبل أن تكون قائمة (٦). انتهى.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٧ ، التهذيب ٥ : ٢٢٠ ـ ٧٤٣ ، الوسائل ١٤ : ١٤٨ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٩٩ ـ ١٤٨٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ ـ ٧٤٤ ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٢.

(٣) التذكرة ١ : ٣٨٠ ، المنتهى ٢ : ٧٣٨.

(٤) قرب الإسناد : ٢٣٥ ـ ٩٢١ ، الوسائل ١٤ : ١٥٠ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٢٢٩ ـ ٤ ، التهذيب ٩ : ٥٥ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ٢٤ : ١٠ أبواب الذبائح ب ٣ ح ٢.

(٦) لم نعثر عليه في جامع المقاصد ولا في رسالة الحج ، والعبارة موجودة في المسالك ٢ : ٢٢٨.

٣٢٣

وكأنّه حمل الإبط على الركبة مجازا.

واحتمل بعضهم التخيير بين الأمرين أو اختصاص الهدي بالأول (١). وكلّ محتمل.

وأمّا ما ورد في رواية أبي خديجة : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام وهو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى ، ثمَّ يقوم على جانب يدها اليمني ويقول : « بسم الله والله أكبر ، اللهم إنّ هذا منك ولك ، اللهم تقبّله منّي » ، ثمَّ يطعن في لبّتها (٢).

فلا ينافي ما مرّ ، لإمكان الجمع بين عقل اليد اليسرى ثمَّ ربط اليدين فيجمع بين الأمرين.

فالعمل بالأخيرة خاصّة ـ لترجيح هذه الرواية ، كما عن الحلبيّين (٣) ، أو الحكم بالتخيير ، كبعض المتأخّرين (٤) ـ ليس بجيّد ، مع أنّه على فرض التنافي يكون الترجيح للأولى ، لتقديم القول على الفعل.

ومنها : أن يكون الذي ينحرها واقفا من الجانب الأيمن للبدنة ، لصحيحة الكناني ورواية أبي خديجة المتقدمتين ، والأولى وإن لم تكن خالية عن إجمال في قوله : « من قبل اليمين » ، إلاّ أنّ الثانية تبيّنها.

ومنها : أن يتولّى الذبح أو النحر بنفسه إن أحسنه ، للتأسّي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّه روي في الهدي والأضحية تولّيه بنفسه : ففي مرسلة الفقيه : « ضحّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكبشين ، ذبح واحدا‌

__________________

(١) كما في كشف اللثام ١ : ٣٦٨.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٨ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ ـ ٧٤٥ ، الوسائل ١٤ : ١٤٩ أبواب الذبح ب ٣٥ ح ٣.

(٣) الحلبي في الكافي : ٣٢٠.

(٤) كما في كشف اللثام ١ : ٣٦٨.

٣٢٤

بيده فقال : اللهم هذا عنّي وعمّن لم يضحّ من أهل بيتي ، وذبح الآخر وقال : هذا عنّي وعمن لم يضحّ من أمّتي » (١).

وفي صحيحة الحلبي الواردة في حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ونحر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثا وستّين ، فنحرها بيده » (٢).

وليس التولّي بنفسه واجبا كما مرّ ، وإن لم يتولاّه بنفسه يجعل يده مع يد الذابح.

واستدلّوا له بصحيحة ابن عمّار : « كان عليّ بن الحسين عليهما‌السلام يجعل السكّين في يد الصبي ثمَّ يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح » (٣).

وفي دلالتها على المطلوب نظر ، لجواز أن يكون ذلك لأجل الاحتراز عن ذبح الصبي ، ومع ذلك فهي أخصّ من المدّعى ، فإنّ كون يده مع يده يتصور على وجوه أخر غير ما في الصحيحة ، ولعلّ فتوى الأصحاب تكفي في إثبات المطلوب.

ومنها : أن يدعو عند النحر أو الذبح بما في صحيحة صفوان : « إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة وانحره أو اذبحه وقل : ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ، ـ ( إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وأنا من المسلمين ، اللهمّ منك ولك بسم الله والله أكبر ، اللهمّ تقبّل منّي ، ثمَّ أمرّ السكّين » (٤).

وقد مرّ في رواية أبي خديجة دعاء أبي عبد الله عليه‌السلام ، وورد في‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٣ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٥ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٦.

(٢) الكافي ٤ : ٢٤٨ ـ ٦ ، الوسائل ١١ : ٢٢٢ أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٤ : ١٥١ أبواب الذبح ب ٣٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٨ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ٢٢١ ـ ٧٤٦ ، الوسائل ١٤ : ١٥٢ أبواب الذبح ب ٣٧ ح ١.

٣٢٥

مرسلة الفقيه في تضحية أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه يقول : « بسم الله وجّهت وجهي » إلى قوله : « ربّ العالمين ، اللهمّ منك ولك » (١).

ويمكن التخيير ، ويحتمل التفرقة بين الهدي والأضحية ، فالأول للأول ، والثاني للثاني ، كما هو مورد الخبرين ، والله العالم.

المسألة التاسعة : الحقّ : أنّه لا يجزئ الهدي الواحد إلاّ عن شخص واحد في الحجّ الواجب مطلقا ولو بالشروع فيه ، مطلقا ولو عند الضرورة ، بل ينتقل حينئذ فرضه إلى الصوم ، وفاقا للمشهور كما صرّح به جماعة (٢) ، وعن الخلاف : الإجماع عليه (٣) ، للأصل ، والمستفيضة.

منها : صحيحة محمّد بن عليّ الحلبي : عن النفر تجزئهم البقرة؟

قال : « أمّا في الهدي فلا ، وأمّا في الأضحى فنعم ، ويجزئ الهدي عن الأضحية » (٤) ، ونحوها روايته إلى قوله : « نعم » (٥).

وصحيحة محمّد ـ على ما في الاستبصار ـ : « لا تجوز البدنة والبقرة إلاّ عن واحد بمنى » (٦).

وأمّا على ما في التهذيب : « لا تجوز إلاّ عن واحد بمنى » (٧) ففي معناها إجمال يمنع الاستدلال ، كما لا يخفى على المتأمّل.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٩٣ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ١٤ : ١٥٣ أبواب الذبح ب ٣٧ ح ٢.

(٢) منهم السبزواري في الكفاية : ٧٠ ، صاحب الحدائق ١٧ : ٣٤.

(٣) الخلاف ٢ : ٥٣٦.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٩٧ ـ ١٤٧٢ ، الوسائل ١٤ : ١١٧ أبواب الذبح ب ١٨ ح ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٢١٠ ـ ٧٠٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٨ ـ ٩٥٠ ، الوسائل ١٤ : ١١٧ أبواب الذبح ب ١٨ ح ٣.

(٦) الاستبصار ٢ : ٢٦٦ ـ ٩٤١.

(٧) التهذيب ٥ : ٢٠٨ ـ ٦٩٦ ، الوسائل ١٤ : ١١٧ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١.

٣٢٦

وصحيحة الحلبي : « تجزئ البقرة والبدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزئ بمنى إلاّ عن واحد » (١).

وتؤيّده صحيحة الأزرق : عن متمتّع كان معه ثمن هدي وهو يجد بمثل ذلك الذي معه هديا ، فلم يزل يتوانى ويؤخّر ذلك حتى إذا كان آخر النهار غلت الغنم فلم يقدر بأنّ يشتري بالذي معه هديا ، قال : « يصوم ثلاثة أيّام بعد أيّام التشريق » (٢).

خلافا للمحكيّ عن النهاية والمبسوط والجمل والاقتصاد وموضع من الخلاف ، فيجزئ الواحد عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين » (٣) ، قيل : وتبعه كثير.

وعن القاضي والمختلف وظاهر المنتهى ، فيجزئ الواحد عند الضرورة عن الكثير مطلقا (٤).

وعن موضع من الخلاف ، فتجزئ بقرة أو بدنة عن سبعة إذا كانوا من أهل خوان (٥) واحد (٦).

وعن المفيد والصدوق ، فتجزئ بقرة عن خمسة إذا كانوا من أهل بيت (٧).

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٧ ـ ٦٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ ـ ٩٤٠ ، الوسائل ١٤ : ١١٨ أبواب الذبح ب ١٨ ح ٤.

(٢) الكافي ٤ : ٥٠٨ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ ـ ١٥٠٩ ، الوسائل ١٤ : ١٩٤ أبواب الذبح ب ٥١ ح ٧.

(٣) النهاية : ٢٥٨ ، المبسوط ١ : ٣٧٢ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٥ ، الاقتصاد : ٣٠٧ ، الخلاف ٢ : ٥٣٥.

(٤) القاضي في المهذب ١ : ٢٥٧ ، المختلف : ٣٠٥ ، المنتهى ٢ : ٧٤٨.

(٥) الخوان : الذي يؤكل عليه ـ الصحاح ٥ : ٢١١٠.

(٦) الخلاف ٢ : ٤٤١.

(٧) المفيد في المقنعة : ٤١٨ ، الصدوق في الهداية : ٦٢.

٣٢٧

وعن الديلمي ، فكذلك مطلقا (١).

وحكى في الشرائع قولا بإجزاء الواحد عن خمسة وسبعة عند الضرورة إذا كانوا من أهل خوان واحد (٢).

وفي النافع قولا بإجزاء واحد عن سبعة وعن سبعين بشرط القيدين (٣).

مستندين إلى أخبار كثيرة أقربها إلى الدلالة على المطلوب خمسة ، وهي : رواية زيد بن جهم ، وصحاح حمران والبجلي وابن عمران ، ومرسلة الحسن بن عليّ.

الاولى : متمتّع لم يجد هديا ، فقال : « أما كان معه درهم يأتي به قومه فيقول : أشركوني بهذا الدرهم؟! » (٤).

والثانية : عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار ، فسئل أبو جعفر عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : « اشتركوا فيها » ، قلت : كم؟ قال : « ما خفّ فهو أفضل » ، قلت : عن كم يجزئ؟ قال : « عن سبعين » (٥).

والثالثة : قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتّعون ، وهم مترافقون ، وليسوا بأهل بيت واحد ، وقد اجتمعوا في مسيرهم ، ومضربهم واحد ، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ قال : « لا أحبّ ذلك إلاّ من ضرورة » (٦).

__________________

(١) المراسم : ١١٤.

(٢) الشرائع ١ : ٢٥٩.

(٣) النافع : ٨٩.

(٤) الكافي ٤ : ٤٩٧ ـ ٥ ، الوسائل ١٤ : ١٢٠ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١٣.

(٥) الكافي ٤ : ٤٩٦ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ٢٠٩ ـ ٧٠٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ ـ ٩٤٨ ، الوسائل ١٤ : ١١٩ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١١.

(٦) الكافي ٤ : ٤٩٦ ـ ٢ ، التهذيب ٥ : ٢١٠ ـ ٧٠٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٨ ـ ٩٥١ ، الوسائل ١٤ : ١١٩ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١٠.

٣٢٨

والرابعة : « تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد » (١).

والخامسة : كنّا جماعة بمنى ـ إلى أن قال : ـ فقلنا : نعم ، أصلحك الله ، إنّ الأضاحي قد عزّت علينا ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا جزورا فانحروها فيما بينكم » ، قلنا : لا تبلغ نفقتنا ذلك ، قال : « فاجتمعوا فاشتروا بقرة فيما بينكم » ، قلنا : ولا تبلغ نفقتنا ، قال : « فأجتمعوا فاشتروا شاة فاذبحوها فيما بينكم » ، قلنا : تجزئ عن سبعة؟ قال : « نعم ، وعن سبعين » (٢).

فإنّ التضمّن للمتمتّع والهدي كما في بعضها ولمني كما في بعض آخر يقرّب الرواية إلى المطلوب.

وأمّا البواقي ، فليس فيها إلاّ إجزاء الواحد عن كثير ، إمّا مطلقا أو في الأضحية ، ولا شكّ أنّها أعمّ مطلقا من الأخبار التي ذكرناها للمطلوب ، فلا تعارضها فيه.

وأمّا الخمسة ، فالأربعة الأخيرة منها أيضا كذلك.

وكونهم بمنى أو متمتّعين لا يخصّص الرواية بالهدي ، لاستحباب الأضحية للمتمتّع أيضا ، بل في بعضها التصريح بالأضحية التي هي الظاهرة في غير الهدي.

وأمّا الاولى ، فلا دلالة لها على إجزاء ذلك عن الصيام المأمور به في‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٠٨ ـ ٦٩٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٦ ـ ٩٤٢ ، الوسائل ١٤ : ١١٨ أبواب الذبح ب ١٨ ح ٥ ، وفي الجميع : عن ابن عمّار.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠٩ ـ ٧٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ ـ ٩٤٧ ، الوسائل ١٤ : ١٢٠ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١٢ وص : ١٢٣ ب ١٩ ح ١ ، وفي الجميع : عن الحسن بن علي ، عن رجل يسمّى سوادة.

٣٢٩

القرآن بعد عدم وجدان الهدي ، ولا على وجوب ذلك التشريك ، فيحتمل أن يكون ذلك أمرا مرغوبا تحصل له فضيلة الهدي وإن وجب عليه الصيام.

فرع : ما مرّ ـ كما أشير إليه ـ مخصوص بالهدي ، بل الواجب منه ـ كما قالوا ـ ولو بالشروع في الحجّ.

وأمّا الأضحية والمبعوث به من الآفاق والمتبرّع بسياقه إذا لم يتعيّن بالإشعار أو التقليد فيجزئ الواحد فيه إبلا كان أو بقرا أو غنما عن الكثير مطلقا ، ولو بلغ ما بلغ ، ولو في الاختيار ، وفي المنتهى : الإجماع على الإجزاء عن سبعة (١) ، وفي التذكرة : عن سبعين (٢) ، ولا يبعد أن يكون ذلك مثالا للكثرة ، كما هو الظاهر من الأخبار المتضمّنة للعدد الخاص.

وقد ورد في صحيحة ابن سنان : « ذبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الأضحى كبشا عمّن لم يجد من أمّته » (٣).

وفي مرسلة الفقيه : أنّه ذبح كبشا وقال : « اللهم هذا عنّي وعمّن لم يضحّ من أهل بيتي ، وذبح الآخر وقال : هذا عنّي وعمّن لم يضحّ من أمّتي » (٤).

ولو لا مظنّة الإجماع على اختصاص عدم الإجزاء بالهدي الواجب لقلنا به في الهدي مطلقا وخصّصنا التشريك بالأضحية ، كما هو الظاهر من الجمع بين الأخبار.

ونقل في السرائر عن الخلاف جواز تشريك السبعة في التطوّع إذا‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٤٨.

(٢) التذكرة ١ : ٣٨٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٥ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ١٠٠ أبواب الذبح ب ١٠ ح ٣ ، بتفاوت يسير.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٩٣ ـ ١٤٤٨ ، الوسائل ١٤ : ٢٠٥ أبواب الذبح ب ٦٠ ح ٦.

٣٣٠

كانوا من أهل بيت واحد ، ولا يجزئ إذا كانوا من أهل بيوت شتّى ، وادّعى عليه إجماع الفرقة (١).

والأخبار تردّه ، وتخصيص الإجزاء بسبعة في الذكر في بعض الاخبار (٢) لا ينافي إجزاء الغير ، فلا تقيّد به الإطلاقات ، ولا يعارض ما يتضمن الزائد.

المقام الرابع : في مصرف الهدي وقسمته.

وفيه مسائل :

المسألة الأولى : يجب أكل المالك شيئا من لحم الهدى ، وفاقا لصريح الحلّي والشرائع والمختلف والمنتهى والقواعد والدروس والمسالك والمدارك والذخيرة والكفاية (٣) ، وهو ظاهر الصدوق والعماني (٤).

للآيتين (٥) ، وصحيحة ابن عمّار : « إذا ذبحت أو نحرت فكل وأطعم ، كما قال الله تعالى ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) » (٦).

وأورد (٧) عليهما : بمنع دلالة الأمر فيهما على الوجوب ، أمّا أولا :

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٩٦.

(٢) الكافي ٤ : ٤٩٦ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٠٩ ـ ٧٠٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٧ ـ ٩٤٧ ، الوسائل ١٤ : ١٢٠ أبواب الذبح ب ١٨ ح ١٢.

(٣) الحلي في السرائر ١ : ٥٩٨ ، الشرائع ١ : ٢٦١ ، المختلف : ٣٠٦ ، المنتهى ٢ : ٧٥٢ ، القواعد ١ : ٨٨ ، الدروس ١ : ٤٣٩ ، المسالك ١ : ١١٦ ، المدارك ٨ : ٤٣ ، الذخيرة : ٦٧٠ ، الكفاية : ٧١.

(٤) الصدوق في الهداية : ٦٢ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٣٠٦.

(٥) الحج : ٢٨ ، ٣٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٢٣ ـ ٧٥١ ، الوسائل ١٤ : ١٥٩ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١.

(٧) كما في الرياض ١ : ٣٩٥.

٣٣١

فلوروده مورد توهّم الحظر ، حيث حكي عن صاحب الكشّاف والفاضل المقداد (١) وغيرهما (٢) : أنّ الأمم الماضية يمتنعون من أكل نسائكم ، فرفع الله الحرج عنه ، فلا يفيد سوى الإباحة.

وأمّا ثانيا : فلأن محلّ النزاع هو هدي التمتّع ، كما صرّح به في المدارك (٣).

وفي المنتهى : هدي التطوّع يستحب الأكل منه بلا خلاف ، لقوله تعالى ( فَكُلُوا مِنْها ) ، وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب ـ إلى أن قال : ـ ولو لم يأكل من هدي التطوّع لم يكن به بأس بلا خلاف (٤).

ولا اختصاص للآيتين ولا للرواية بهدي التمتع ، بل يعمّه وهدي القران والتضحية ، فلا بدّ إمّا من صرف الأمر إلى الاستحباب أو التخصيص بهدي التمتّع ، والرجحان للأول ، لما مرّ من كون المقام مقام توهّم الحظر ، ولشهرة القول بالاستحباب ، مضافا إلى شمول الرواية لسائر أفراد الذبح والنحر أيضا.

ويرد على الأول : عدم ثبوت النقل المذكور بحيث يوجب علينا صرف اللفظ عن حقيقته المعلومة ، سيّما في الرواية التي وردت بعد مدّة طويلة من زمان رفع الحظر لو كان.

__________________

(١) حكاه عنه في زبدة البيان : ٢٢٧ ، وانظر الكشّاف ٣ : ١٥٨ ، الفاضل المقداد في كنز العرفان ١ : ٣١٤.

(٢) كالطبرسي في مجمع البيان ٤ : ٨٦ ، القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٢ : ٦٤.

(٣) المدارك ٨ : ٤٥.

(٤) المنتهى ٢ : ٧٥٢.

٣٣٢

هذا ، مع ما في حمل الأمر الوارد عقيب الحظر على الإباحة من الكلام.

وعلى الثاني : أنّ تصريح المدارك بأنّ محلّ النزاع هو هدي التمتّع يمكن أن يكون في هذا المقام ، ومثله لا يدلّ على عدم النزاع في غيره أصلا ، ونفي الخلاف في المنتهى لا حجيّة فيه ، خصوصا بعد العلم بوجود الخلاف.

قال في السرائر : فأمّا هدي المتمتّع والقارن فالواجب أن يأكل منه ولو قليلا ، ويتصدّق على القانع والمعترّ ولو قليلا ، لقوله تعالى ( فَكُلُوا ) إلى آخره ، والأمر عندنا يقتضي الوجوب (١). انتهى.

وهذا ظاهر الصدوق والعماني أيضا (٢) ، واستقرب الشهيد في الدروس أيضا مساواة هدي السياق لهدي التمتّع في وجوب الأكل منه والإطعام (٣).

وقال في المدارك بعد نقله عنه : ولا بأس به (٤).

مع أنّه يمكن أن يكون مراد المنتهى من التطوّع الأضحية ونحوها ، ونفيه الخلاف مع تصريح الحلّي بالخلاف يدلّ على ذلك.

وقد يستدلّ للوجوب بأخبار أخر يمكن المناقشة في دلالتها ، ولا فائدة تامّة في ذكرها بعد ما ذكر.

ولا تنافيها صحيحة سيف الآتية الآمرة بالتثليث من غير ذكر الأكل ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٩٨.

(٢) الصدوق في الهداية : ٦٢ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٣٠٦.

(٣) الدروس ١ : ٤٤٣.

(٤) المدارك ٨ : ٧١.

٣٣٣

لأنّ أكله داخل في إطعام الأهل ، كما يستفاد من الموثّقة الآتية الآمرة بأكل الثلث.

وإن أبيت فنقول : فتتعارض هذه الصحيحة مع الموثقة ، والترجيح مع الموثّقة لا محالة ، لموافقة الكتاب.

خلافا للشيخ (١) وجماعة (٢) ، فقالوا باستحباب الأكل ، وفي الدروس : أنّ ظاهر الأصحاب الاستحباب (٣). واستدلّوا له بالأصل الواجب دفعه بما ذكر.

المسألة الثانية : يجب أيضا إطعام شي‌ء منه ، واختلف القائلون بوجوب أكله فيما يجب زائدا عليه.

فقال الحلّي بوجوب التصدّق على القانع والمعترّ (٤) ، ولم يزد على ذلك.

وفي الكفاية : الواجب مسمّى الأكل ، وإعطاء شي‌ء إلى القانع ، وإعطاء شي‌ء إلى المعترّ (٥).

وفي الذخيرة : إعطاء شي‌ء إلى الفقير أيضا (٦) ، مضافا إلى ما في الكفاية.

وفي المدارك : وجوب الأكل منه والإطعام (٧).

وفي المسالك : وجوب الأكل وإهداء الإخوان والصدقة على‌

__________________

(١) النهاية : ٢٦١.

(٢) منهم الحلبي في الكافي في الفقه : ٢٠٠ ، ابن حمزة في الوسيلة : ١٨٤.

(٣) الدروس ١ : ٤٣٩.

(٤) السرائر ١ : ٥٩٨.

(٥) الذخيرة : ٦٧٠.

(٦) الذخيرة : ٦٧٠.

(٧) المدارك ٨ : ٤٣.

٣٣٤

الفقراء (١). وهو المصرّح به في الدروس (٢) ، وظاهر الصدوق والعماني (٣).

أقول : لا ينبغي الريب في وجوب الإطعام كما في المدارك ، والآيتان والصحيحة السابقة (٤) ورواية علي بن أسباط عن مولى لأبي عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) تدلّ عليه بلا معارض ، بل لها المعاضدات الكثيرة.

والظاهر وجوب إطعام الفقير ، لإحدى الآيتين.

ولا تنافيها الصحيحة والرواية المشار إليها ، لكون إطعام الفقير أخصّ مطلقا من الإطعام.

ولا الآية الأخرى ، لإمكان الجمع بين إطعام الفقير والقانع والمعترّ.

وتدلّ عليه أيضا صحيحة سيف : « إنّي سقت هديا فكيف أصنع به؟

فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثا ، وأطعم القانع والمعترّ ثلثا ، وأطعم المساكين ثلثا ، فقلت : المساكين هم السؤّال؟ فقال : نعم ، وقال : القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعترّ ينبغي له أكثر من ذلك ، هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك » (٦).

وموثّقة العقرقوفي : سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : « بمكّة » ، قلت : فأيّ شي‌ء أعطي منها؟ قال : « كلّ ثلثا وأهد ثلثا وتصدّق‌

__________________

(١) المسالك ١ : ١١٦.

(٢) الدروس ١ : ٤٣٩.

(٣) الصدوق في الهداية : ٦٢ ، حكاه عن العماني في المختلف : ٣٠٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٣ ـ ٧٥١ ، الوسائل ١٤ : ١٥٩ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠١ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ٢٢٤ ـ ٧٥٥ ، الوسائل ١٤ : ١١٦ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٢٠.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٢٣ ـ ٧٥٣ ، معاني الأخبار : ٢٠٨ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ١٦٠ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٣.

٣٣٥

ثلثا » (١) ، وغير ذلك (٢).

فإن أبيت عن وجوب التثليث فتكون الروايتان معاضدتين للآية ، ولا معارض لها أصلا ، فيجب العمل بها ، مع أنّ الصحيحة والموثقة واردتان في هدي السياق خاصّة ، واتّحاد حكم الجميع غير واضح.

وكذا يجب إعطاء القانع والمعترّ ، للآية والصحيحتين المتقدّمتين ، ولا معارض لها أصلا ، أمّا الآية الأخرى ومطلقات الأمر بالإطعام فظاهر ، وأمّا الأخبار المتضمّنة للإهداء والتصدّق فلتحقّقهما بالنسبة إلى القانع والمعترّ أيضا.

ولا يجب غير ذلك أصلا ، للأصل الخالي عن الدافع ، سوى صحيحة سيف الآمرة بإطعام الأهل.

وهو غير قابل للحمل على الوجوب قطعا ، لعدم وجوب إعطاء الأهل الثلث بالإجماع المعلوم من سيرة العلماء ، بل جميع الأمّة من الصدر الأول إلى زماننا هذا ، بل الحجج عليهم‌السلام ، فإنّا نقطع بأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أطعم ثلث ستّ وستّين ولا الوليّ عليه‌السلام ثلث أربع وثلاثين حين سوقهما لها لأهل بيتهما.

فإذن الحقّ هو : خيرة الذخيرة ، بل يمكن إرجاع جميع الأقوال المذكورة في وجوب الزائد على الأكل إلى واحد ، حيث إنّه لا يشترط في الإهداء الغناء ، بل يكفي الإرسال لا بقصد التصدّق ، ولا في القانع والمعترّ شي‌ء من الفقر ولا الغناء.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٨٨ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ٢٠٢ ـ ٦٧٢ ، الوسائل ١٤ : ١٦٥ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٨.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥٩ أبواب الذبح ب ٤٠.

٣٣٦

ثمَّ المراد بالقانع هو : الذي يقنع بما أرسلت إليه ولا يطلب منك الزائد عليه ، وبالمعترّ : من يمرّ بك بقصد إعطائك إيّاه ولا يسأل ، كما تدلّ عليه صحيحة سيف المذكورة ، وصحيحتا ابن عمّار (١) ومرسلة الفقيه (٢) ورواية عبد الرحمن (٣).

المسألة الثالثة : يكفي في امتثال ما مرّ من الأكل وإطعام الفقير والقانع والمعترّ المسمّى ، لصدق الامتثال ، وأصالة عدم وجوب الزائد.

وقد يقال بوجوب التثليث في القسمة : ثلث للأهل ، وثلث للإهداء ، وثلث للتصدّق.

ولا دليل عليه في غير هدي السياق من هدي التمتّع والأصحيّة وغيرها ، والإجماع المركّب غير ثابت جدّا.

نعم ، تدلّ عليه في هدى السياق صحيحة سيف وموثّقة العقرقوفي المتقدّمتين ، فلا بأس بالقول بالوجوب فيه خاصّة ، ولكن في غير الثلث الأول ، لما مرّ من الإجماع على عدم إعطاء الأهل ولا أكل المالك الثلث ، بل الظاهر عدم إمكانهما غالبا ، سيّما بملاحظة النهي عن الإخراج عن منى ، ومع ذلك يحصل الوهن في وجوب الثلاثين الأخيرين أيضا.

المسألة الرابعة : ما ذكر إنّما هو في الهدي ، وأمّا في الأضحية‌

__________________

(١) الاولى في : التهذيب ٥ : ٢٢٣ ـ ٧٥١ ، الوسائل ١٤ : ١٥٩ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١.

الثانية في : الكافي ٤ : ٥٠٠ ـ ٦ ، الوسائل ١٤ : ١٦٤ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٩٤ ـ ١٤٥٦ ، الوسائل ١٤ : ١٦٧ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٢٤.

(٣) الكافي ٤ : ٤٩٩ ـ ٢ ، معاني الأخبار : ٢٠٨ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ١٦٣ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٢.

٣٣٧

فلا يجب فيها شي‌ء ممّا ذكر ، للأصل.

ويستحبّ التثليث : إمّا ثلث لأهل البيت ، وثلث للجيران ، وثلث للسائلين والطالبين ، كما تدلّ عليه رواية الكناني : عن لحوم الأضاحي ، فقال : « كان علي بن الحسين وأبو جعفر عليهما‌السلام يتصدّقان بثلث على جيرانهما » ، وثلث على السؤال ، وثلث يمسكانه لأهل البيت » (١).

والأولى اعتبار الفقر في الجيران ، لمكان لفظ التصدّق.

أو ثلث لأهل البيت ، وثلث للفقراء من القانعين والمعترّين ، وثلث يهدى للأصدقاء ، كما ذكره الحلّي في السرائر ، ناسبا له إلى رواية أصحابنا (٢) ، لهذه الرواية المرسلة الكافية في مقام الاستحباب.

المسألة الخامسة : يترجّح عدم إخراج لحم الهدي عن منى بلا خلاف فيه يوجد ، بل مطلقا كما في المفاتيح ، قال : ولا ينبغي إخراج شي‌ء منها من منى ، بل يصرفه بها بلا خلاف (٣). بل بالإجماع ، وهو أو فتوى الأصحاب دليل عليه ، وإلاّ فليس في الأخبار شي‌ء يثبته كما سيظهر.

وهل ذلك على الوجوب حتى يحرم الإخراج؟ كما هو صريح الشرائع والإرشاد وظاهر النافع (٤) ونسبه في الذخيرة إلى المشهور (٥) ، وقال في المدارك : هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٩٩ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٩٤ ـ ١٤٥٧ ، المقنع : ٨٨ ، العلل : ٤٣٨ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ١٦٣ أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٣.

(٢) السرائر ١ : ٥٩٨.

(٣) المفاتيح ١ : ٣٥٦.

(٤) الشرائع ١ : ٢٦٠ ، الإرشاد ١ : ٣٣٢ ، النافع ١ : ٨٩.

(٥) الذخيرة : ٦٦٦.

(٦) المدارك ٨ : ٢٥.

٣٣٨

أو الاستحباب حتى يستحبّ؟ كما هو ظاهر بعضهم (١) ، بل نسبه في شرح المفاتيح إلى المشهور ، قال : والمشهور بين الأصحاب كراهة إخراج شي‌ء من الهدي من منى واستحباب صرفه بها ، ولعلّه ممّا لا خلاف فيه. ثمَّ قال بعد نقل طائفة من الاخبار : والمستفاد من ظواهر تلك الأخبار وإن كان التحريم وعدم جواز الإخراج إلاّ أنّها محمولة عند الأكثر على الكراهة. انتهى.

الحقّ هو : الثاني ، للأصل الفارغ عن مكاوحة (٢) المعارض رأسا.

فإنّ الأخبار التي يتمسّكون بها للمنع تحريما أو كراهة : صحيحة محمّد : عن اللحم أيخرج به من الحرم؟ فقال : « لا يخرج منه شي‌ء إلاّ السنام بعد ثلاثة أيّام » (٣).

وابن عمّار : « لا تخرجنّ شيئا من لحم الهدي » (٤).

ومرسلة الفقيه : « كنّا ننهى الناس عن إخراج لحوم الأضاحي من منى بعد ثلاثة ، لقلّة اللحم وكثرة الناس ، وأمّا اليوم فقد كثر اللحم وقلّ الناس فلا بأس بإخراجه ، ولا بأس بإخراج الجلد والسنام من الحرم ، ولا يجوز إخراج اللحم منه » (٥).

ورواية عليّ بن أبي حمزة : « لا يتزوّد الحاجّ من أضحيته ، وله أن‌

__________________

(١) كصاحب الرياض ١ : ٤٠١.

(٢) كاوحت فلانا مكاوحة إذا قاتلته فغلبته .. أكاح زيدا وكوّحه إذا غلبه ـ لسان العرب ٢ : ٥٧٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٢٦ ـ ٧٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٤ ـ ٩٧٤ ، الوسائل ١٤ : ١٧١ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٦ ـ ٧٦٦ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٥ ، الوسائل ١٤ : ١٧١ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٢.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٩٥ ـ ١٤٥٩ ، الوسائل ١٤ : ١٧٠ أبواب الذبح ب ٤١ ح ٦.

٣٣٩

يأكل بمنى أيّامها » (١).

ورواية عليّ : « لا يتزوّد الحاجّ من أضحيته ، وله أن يأكل منها أيّامها ، إلاّ السنام ، فإنّه دواء » (٢).

وموثّقة إسحاق : عن الهدي أيخرج شي‌ء منه من الحرم؟ فقال : « بالجلد والسنام والشي‌ء ينتفع به » ، قلت : إنّه بلغنا عن أبيك أنّه قال : « لا يخرج من الهدي المضمون شيئا » ، قال : « بل يخرج بالشي‌ء ينتفع به » ، وزاد فيه أحمد : ولا يخرج بشي‌ء من اللحم من الحرم (٣).

ويردّ أولا : بقصور تلك الروايات جميعا عن إفادة التحريم ، لمكان الجملة الخبريّة أو ما يحتمله ، سوى مرسلة الفقيه فإنّه وإن صرّح فيها أخيرا بقوله « لا يجوز » إلاّ أنّه معارض بقوله أولا : « فلا بأس بإخراجه » ، فلا بدّ إمّا من جعل الأخير من فتوى صاحب الكتاب ـ كما احتمله في الوافي (٤) ـ أو من حمل : « لا يجوز » على الكراهة ، أو رفع اليد عن الرواية.

وثانيا : بما في كلّ واحد أيضا :

أمّا الأولى ففيها ـ مع ورودها في الحرم دون منى ـ : أنّ اللحم فيها عامّ للهديين والكفّارات والضحايا وسائر التطوّعات ، والإخراج أعمّ من إخراج المالك والفقير والمهدى له والمشتري ، وكثير منها ممّا لم يقل أحد بتحريمه ، وبذلك تنفتح فيها أبواب من التجوّزات ، وتعيين ما يفيد المطلوب منها‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٢٧ ـ ٧٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٦ ، الوسائل ١٤ : ١٧١ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٢٧ ـ ٧٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧٥ ـ ٩٧٨ ، الوسائل ١٤ : ١٧٢ أبواب الذبح ب ٤٢ ح ٤.

(٣) الوافي ١٤ : ١١٦٧.

(٤) الوافي ١٤ : ١١٦٧.

٣٤٠