مستند الشّيعة - ج ١٢

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي

مستند الشّيعة - ج ١٢

المؤلف:

أحمد بن محمّد مهدي النّراقي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ مشهد المقدسة
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-038-2
ISBN الدورة:
964-5503-75-2

الصفحات: ٤١٦

وصحيحة أخرى لجميل : « المتمتّع له المتعة إلى زوال الشمس من عرفة ، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر » (١).

وصحيحة ابن عمّار : « إذا أدركت الزوال فقد أدركت الموقف » (٢).

وصحيحة هشام بن الحكم : « من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس فقد أدرك الحجّ » (٣) ، ونحوها موثّقة أخرى لإسحاق (٤).

ومرسلة ابن أبي عمير : « تدري لم جعل ثلاث هنا؟ » قال : قلت : لا ، قال : « من أدرك شيئا منها فقد أدرك الحجّ » (٥).

وموثّقة الفضل بن يونس : عن رجل عرض له سلطان فأخذه يوم عرفة قبل أن يعرّف ، فبعث به إلى مكّة فحبسه ، فلمّا كان يوم النحر خلّى سبيله ، كيف يصنع؟. قال : « يلحق بجمع ثمَّ ينصرف إلى منى ويرمي ويذبح ولا شي‌ء عليه » ، قلت : فإن خلّى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال : « هذا مصدود من الحجّ ، إن كان دخل مكّة متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ثمَّ يسعي أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة ، وإن دخل مكّة مفردا للحجّ فليس عليه ذبح ولا شي‌ء عليه ولا حلق » (٦).

والجواب : بعدم دلالة صحيحة ابن عمّار وما يتعقّبها من الأخبار‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٧١ ـ ٥٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٧ ـ ٨٦٤ ، الوسائل ١١ : ٢٩٥ أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٥.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٣ ـ ١١٦٥ ، الوسائل ١٤ : ٤٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١٥.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٦ ـ ٥ ، الفقيه ٢ : ٢٤٣ ـ ١١٦١ ، الوسائل ١٤ : ٤٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١٠.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٣٤ ـ ١١٦٤ ، الوسائل ١٤ : ٤١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٦ ـ ٦ ، الوسائل ١٤ : ٤١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ١١.

(٦) الكافي ٤ : ٣٧١ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ٤٦٥ ـ ١٦٢٣ ، الوسائل ١٣ : ١٨٣ أبواب الإحصار والصد ب ٣ ح ٢.

٢٦١

أصلا.

أمّا الصحيحة ، فلعدم دلالتها إلاّ على إدراك الموقف بإدراك الاضطراري ، ولا كلام فيه.

وأمّا صحيحة هشام والموثّقة التي بعدها ، لأنّ قوله : « وعليه خمسة » قرينة ظاهرة على أنّ المراد إدراكه قبل طلوع الشمس ، لأنّه الوقت الذي يكون فيه الناس ، ولأنّه لا فائدة ظاهرا لهذا القيد إلاّ كون الوقوف قبل الطلوع ، حيث إنّ بعده يفيض الناس عنه.

وأمّا المرسلة ، فلعدم معلوميّة المشار إليه بقوله : « هنا » ، بل الظاهر من مرسلته الأخرى أنّه إشارة إلى منى ، فإنّ فيها : « أتدري لم جعل المقام ثلاثا بمنى؟ » الحديث (١) ، فيكون المراد : أيّام الوقوف بمنى ثلاثة.

وأمّا الموثّقة الأخيرة ، فلأنّ الظاهر من قوله : « يلحق بجمع » اللحوق بالناس ، الذي يكون قبل الطلوع.

وأمّا البواقي ، فهي أعمّ مطلقا ممّا مرّ من أخبار عدم الإجزاء ، لأنّ هذه الأخبار كلاّ أعمّ من إدراك اضطراريّ عرفات ، بل من اختياريّها أيضا حتى الأولى ، لأنّ الظاهر من قوله فيها : « لم يدرك الموقفين جميعا » أنّه لم يدركهما معا ، وما مرّ أكثره مخصوص بمن لم يدرك عرفة أصلا ، فيجب تخصيص الثانية بالأولى.

بل الأخبار الإجزاء عموم آخر أيضا ، لشمول قبل الزوال لما قبل طلوع الشمس أيضا.

هذا ، مع ما في صحيحة جميل الأخيرة من عدم الدلالة أيضا ، لأنّه إذا‌

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨١ ـ ١٧٠٦ ، العلل : ٤٥٠ ـ ١ ، الوسائل ١٤ : ٣٩ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣ ح ٧.

٢٦٢

قيل : إدراك الأمر الفلاني إلى هذا الوقت ، معناه : أنّه يدركه إذا أدرك من الوقت قدرا يتمكّن فيه من العمل بما هو لازم ذلك الأمر ، كما في المتعة ، حيث يشترط إدراك ما قبل الزوال بقدر يطوف ويسعى ويقصّر.

والحاصل : أنّه إذا جعل عمل مغيّى بغاية يكون قبل الغاية ظرفا للعمل ، بمعنى : أنّ قبلها وقت له وإن كان بعض أجزاء الوقت ظرفا لبعض أجزاء العمل ، ولا يلزم أن يكون كلّ جزء ظرفا لجميع أجزاء العمل.

وممّا ذكرنا ظهر فساد ما قيل من رجحان أخبار الإجزاء بمخالفة العامّة ، حيث إنّهم يقولون بفوات الحجّ بفوات عرفات ، فإنّ الرجوع إلى المرجّحات إنّما هو في التعارض بالتساوي أو العموم من وجه ، مع أنّ أخبار عدم الإجزاء صريحة في إدراك الحجّ بعد طلوع الفجر ، وهذا أيضا مخالف للعامّة.

وأمّا الستّ المركّبات.

الأول : أن يدرك الاختياريّين ، ودرك الحجّ به ضروري.

والثاني : أن يدرك اختياريّ عرفة مع ليلي المشعر خاصّة ولم يدرك نهاريّة أصلا ولو عمدا ، وذلك أيضا كالأول عند الأكثر ، وهو الأصح ، لما عرفت من إجزاء إدراكه فقط ، فكيف إذا كان مع غيره؟! وبما مرّ من أدلّته يخرج في صورة العمد عن تحت القاعدة المتقدّمة (١).

نعم ، لو ترك ما بين الطلوعين عمدا يكون آثما ، لتركه الواجب ، وكانت عليه شاة أو بدنة على ما مرّ.

__________________

(١) في ص : ٢٢٤.

٢٦٣

الثالث : أن يدرك اختياريّ عرفة مع اضطراريّ المشعر في النهار ، فإن كان ترك اختياريّ المشعر عمدا بطل حجّه إجماعا على الظاهر ، وللقاعدة المتقدّمة.

ولا يفيد منطوق مطلقات : « من أدرك المشعر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحجّ » ، لمعارضتها مع منطوق مطلقات : « من أدركه بعد طلوع الشمس فلا حجّ له » ، ومفهوم مطلقات : « من أدركه وعليه خمسة من الناس فقد أدرك الحجّ » ، فيرجع إلى الأصل ، مع أنّ الأخيرة أخصّ مطلقا من الاولى.

وإن كان اضطرارا صحّ حجّه اتّفاقا ، كما عن المنتهى والتذكرة (١) ، وفي التنقيح (٢) وغيره (٣) بلا خلاف ، لما عرفت من صحّته بإدراك اختياري عرفة خاصّة ، فكيف إذا كان مع اضطراريّ المشعر؟! مضافا إلى المستفيضة المتقدّمة في تعيين الوقت الثالث للأوقات الثلاثة في المشعر.

الرابع : أن يدرك اضطراريّ عرفة مع ليليّة المشعر ، فإن كان ترك اختياريّ عرفة عمدا بطل حجّه ، لما مرّ في بحث وقوف عرفة من الإجماع والقاعدة والأخبار.

ولا يعارضها عموم : « من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ » ، لمخالفته في المورد للإجماع ، ومعارضته لصحيحة الحلبي (٤) ـ المصرّحة : بأنّ‌

__________________

(١) المنتهى ٢ : ٧٢٧ ، التذكرة ١ : ٣٧٥.

(٢) التنقيح ١ : ٤٨٢.

(٣) كالحدائق ١٦ : ٤٣٥.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٨٧ ـ ٩٧٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٢ ـ ١٠٧٩ ، الوسائل ١٣ : ٥٥١ أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٩ ح ١٠.

٢٦٤

أصحاب الأراك لا حجّ لهم ـ بالعموم من وجه ، الموجبة للرجوع إلى القاعدة.

وإن كان لا عن عمد صحّ حجّه بالإجماع ظاهرا ، لما مرّ من الصحّة مع إدراك الليليّة وحدها ، فمع اضطراريّ عرفة بطريق أولى.

الخامس : أن يدرك اضطراريّ عرفة مع اختياريّ المشعر‌ ويصحّ حجّه إجماعا ، ووجهه ظاهر ممّا مرّ ، إلاّ إذا كان تاركا لاختياريّ عرفة عمدا ، فيبطل حجّه ، لما سبق.

السادس : أن يدرك الاضطراريّين من غير تعمّد ترك أحد الاختياريّين ، والأقوى : صحّة الحجّ ، وفاقا للشيخ والصدوق والسيّد والإسكافي والحلبيّين والمحقّق وأكثر كتب الفاضل (١) ، وأكثر المتأخّرين (٢) ، بل الأكثر مطلقا كما قيل (٣) ، لصحيحة الحسن العطّار (٤).

وأمّا العمومات ـ المتضمّنة لـ : « أنّ من لم يدرك الناس بمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حجّ له » (٥) الشاملة بعمومها لمحلّ النزاع ـ فإنّها معارضة لمثلها من العمومات القائلة بـ : « أنّ من أدرك المشعر قبل‌

__________________

(١) الشيخ في النهاية : ٢٧٣ ، الصدوق في العلل : ٤٥١ ، السيد في الانتصار : ٩٠ ، حكاه عن الإسكافي في المختلف : ٣٠١ ، أبو الصلاح في الكافي : ١٩٧ ، ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٠٨ ، المحقق في الشرائع ١ : ٢٥٤ ، الفاضل في المنتهى ٢ : ٧٢٨.

(٢) كصاحب المدارك ٧ : ٤٠٦ السبزواري في الذخيرة : ٦٥٨ ، الفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ٣٥٨.

(٣) انظر الحدائق ١٦ : ٤١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٩٢ ـ ٩٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٥ ـ ١٠٨٨ ، الوسائل ١٤ : ٤٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٤ ح ١.

(٥) الوسائل ١٤ : ٣٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢.

٢٦٥

زوال الشمس من يوم النحر فقد أدرك الحجّ » (١).

وتقييد الأخيرة بمن أدرك اختياريّ عرفة ليس بأولى من تقييد الاولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا ولو اضطراريّها ، بل الأخيرة أولى بوجوه كثيرة ، منها : شهادة صحيحة العطّار له.

وأمّا لو ترك أحد الاختياريّين فيبطل حجّه ، للقاعدة المشار إليها مرارا ، التي هي المرجع بعد تعارض العمومين المذكورين ، وعدم شهادة الصحيحة هنا.

فذلكة : قد علم ممّا ذكر بطلان الحجّ في صورتين من الصور الإحدى عشرة ، وهما : ما إذا أدرك أحد الاضطراريّين خاصّة ، والصحّة في الصور التسع الباقية ، وأنّ من ترك أحد الاختياريّين عمدا أو أحد الاضطراريّين كذلك مع فوات اختياريّ ولو لا عن عمد بطل حجّة ، إلاّ في صورة واحدة ، هي : ترك اختياريّ المشعر لمن أدرك ليليّه.

المسألة السادسة : من فاته الحجّ بعد الإحرام‌ بفوات أحد الموقفين أو نحوه سقطت عنه بقيّة مناسكه من الهدي والرمي والمبيت بمنى والحلق أو التقصير فيها ، أو الموقف الثاني إن فات قبله ، ويتحلّل عن إحرامه بعمرة مفردة مع الإمكان ، فيأتي بأفعالهم ثمَّ يتحلّل بما يتحلّل به المعتمر من الحلق أو التقصير ، وعليه الحجّ من قابل مع استقرار وجوبه في ذمّته.

بإجماع العلماء المحقّق والمحكيّ (٢) في الأحكام الثلاثة.

مضافا في الأول ـ وهو سقوط بقيّة المناسك ـ إلى الأصل ، فإنّ وجوبها عليه إنّما كان من حيث كونه حاجّا ، ومع فواته يتغيّر الموضوع.

__________________

(١) كما في الوسائل ١٤ : ٣٧ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٣.

(٢) كما في الذخيرة : ٦٦٠ ، الحدائق ١٦ : ٤٦١ ، الرياض ١ : ٣٨٨.

٢٦٦

وإلى موثّقة الفضل المتقدّمة في مسألة من أدرك اضطراريّ المشعر ، المصرّحة بعدم وجوب الذبح والحلق عليه ، وصحيحة حريز الثانية ورواية إسحاق المتقدّمتين فيها أيضا ، والمصرّحتين بأنّ له أن لا يقيم بمنى ويذهب حيث شاء وأنّه ليس من الناس في شي‌ء.

وفي الثاني والثالث ـ وهما : التحلّل بالعمرة المفردة والحجّ من قابل مع الاستقرار ـ إلى غير الاولى من الأخبار المذكورة ، وصحيحة حريز الاولى وصحيحة ضريس وروايتي ابن سنان والفضيل ، المتقدّمة جميعا في المسألة المذكورة ، وصحيحة الحلبي المتقدّمة في المسألة الرابعة من أحكام الوقوف بعرفات ، وصحيحتي ابن عمّار :

الأولى : « أيّما قارن أو مفرد أو متمتّع قدم وقد فاته الحجّ فليحلّ بعمرة وعليه الحجّ من قابل » (١).

والثانية : رجل جاء حاجّا ففاته الحجّ ولم يكن طاف ، قال : « يقيم مع الناس حراما أيّام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحلّ ، وعليه الحجّ من قابل يحرم من حيث أحرم » (٢).

فروع :

أ : ظاهر أكثر الأخبار المتقدّمة من جهة تضمّنه لقول : « فهي عمرة » ‌

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨٤ ـ ١٣٩٤ ، وفي الوسائل ١٤ : ٤٨ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ١ ، بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ٩٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٠٧ ـ ١٠٩٦ ، الوسائل ١٤ : ٥٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٣.

٢٦٧

أو : « يطوف ويسعى » انقلاب إحرامه عمرة قهرا من غير توقّف على نيّة الاعتمار ، فلو أتى بأفعالها من غير نيّة العمرة لكفى ، كما نقله في الذخيرة عن موضع من القواعد وعن الدروس واختاره هو (١) ، لما ذكر ، ولأصالة عدم وجوبها.

ولا ينافيها قوله في بعضها : « وليجعلها عمرة » ، لأنّ المفهوم من هذا الأمر الإتيان بأفعالها.

وعن التحرير والتذكرة والمنتهى : اعتبار النيّة (٢) ، للاستصحاب ، وقوله : « إنّما الأعمال بالنيّات » ، وعدم وضوح دلالة نحو قوله : « فهي عمرة » أو : « يطوف ويسعى » على الانقلاب القهري ، لجواز أن يكون المعنى : فالواجب عليه هذه الأمور ، أو : أفعاله التي يجب عليه الإتيان بها أفعال العمرة.

أقول : وإن أمكن الخدش في الاستصحاب ، وفي دلالة : « إنّما الأعمال بالنيّات » ، وكذا في دلالة نحو قوله : « فهي عمرة » على القول الأول ، ولكن الإنصاف أنّ المتبادر من الجعل عمرة : النقل إليها بالاختيار ، إمّا بالقصد ، أو بأمر آخر اختياريّ مشعور به ، وهو أيضا لا ينفكّ عن قصدها ، وإلاّ لم يكن جعلا منه ، وهو ظاهر ، فالحقّ هو القول الثاني.

ب : لو أراد من فاته الحجّ البقاء على إحرامه ليحجّ به لم يكن ذلك له ، كما صرّح به جماعة ، منهم : الفاضل والشهيد (٣) ، أمّا على‌

__________________

(١) الذخيرة : ٦٦٠.

(٢) التحرير ١ : ١٢٤ ، التذكرة ١ : ٣٩٨ ، المنتهى ٢ : ٧٢٨.

(٣) الفاضل في التحرير ١ : ١٢٤ ، الشهيد في الدروس ١ : ٤٢٧.

٢٦٨

الانتقال القهري فظاهر ، وأمّا على القول الآخر فلوجوب النقل إلى العمرة المفردة ـ الموجب للنهي عن ضدّه ، الموجب لفساد أفعال حجّ الذي أتى بذلك الإحرام ـ ولتوقيفيّة العبادة ، وعدم معلوميّة هذا النحو من العبادة.

وعلى هذا ، فلو بقي إلى السنة القابلة بذلك الإحرام وجب عليه إكمال العمرة أولا ، لأجل ذلك الوجوب ، ثمَّ الإتيان بما عليه من المناسك من حجّ التمتّع أو غيره. وكذا لو رجع إلى بلده وعاد.

ولو لم يمكنه العود كان له حكم المصدود عن أفعال العمرة وسيأتي ، ولا يجزئه الحجّ من قابل بذلك الإحرام ولا تبرأ ذمّته ، لأنّ الإحرام الباقي عليه إمّا إحرام عمرة التمتّع أو حجّه أو حجّ آخر.

فإن كان الأول ، لا يفيد ذلك التمتّع لهذا الحجّ ، لوجوب كونهما في سنة واحدة كما مرّ.

وإن كان الثاني ، لا يفيد هذا الحجّ لذلك التمتّع ، لذلك أيضا ، وللأمر المقتضي للنهي عن الضدّ الموجب لفساده كما سبق.

وإن كان الثالث ، يكون فاسدا ، لما مرّ من النهي.

ج : مقتضى ظواهر الأخبار المذكورة : وجوب الحجّ عليه من قابل مطلقا ، ومقتضى صحيحة ضريس المتقدّمة : التفصيل بين المشترط عند الإحرام فلا يجب عليه الحجّ مطلقا ، وغير المشترط فيجب كذلك.

وفي رواية الرقّي : قدم اليوم قوم قد فاتهم الحجّ ، فقال : « نسأل الله العافية » ، ثمَّ قال : « أرى عليهم أن يهريق كلّ واحد منهم دم شاة ويحلق ، وعليهم الحجّ من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم ، وإن أقاموا حتى تمضي أيّام‌

٢٦٩

التشريق بمكّة خرجوا إلى بعض مواقيت أهل مكّة فأحرموا منه واعتمروا فليس عليهم الحجّ من قابل » (١).

ومقتضاها التفصيل بين المنصرف إلى بلده فلا يجب الاستدراك ، وغيره فيجب ، إلاّ أنّ الأكثر قيّدوه بما إذا كان الحجّ واجبا عليه ، بل وجوبا مستقرّا مستمرّا قبل عامه هذا ، وإلاّ فحكموا باستحباب القضاء بل في الذخيرة : أنّه لا أعرف خلافا بين الأصحاب في ذلك (٢) ، ونحوه في غيره (٣).

وقيّد بعضهم عدم وجوب القضاء في المندوب بما إذا لم يكن الفوات بتفريط منه (٤) ، وإلاّ فيجب القضاء مطلقا.

وذكر بعضهم أنّ هذا هو المشهور ، فقال : إنّ المشهور عدم وجوب استدراك الحجّ المندوب ، إلاّ إذا كان فواته بتقصير منه فيتدارك وجوبا في العام المقبل ، ومال بعض الأصحاب إلى عدم وجوب القضاء في المندوب مطلقا. انتهى.

وعلى هذا ، فيكون وجوب القضاء على من استقرّ في ذمّته ورجع إلى بلده ولم يشترط إجماعيّا نصّا وفتوى ، فلا كلام فيه ، وكذا يكون عدم وجوبه فيما إذا لم يستقرّ في ذمّته واشترط ولم يرجع ظاهرا ، لوجوب تخصيص العمومات الاولى بالمقيّدين الأخيرين.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٥ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ٢٩٥ ـ ١٠٠٠ ، الوسائل ١٤ : ٥٠ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٧ ح ٥ ، بتفاوت.

(٢) الذخيرة : ٦٦٠.

(٣) كالرياض ١ : ٣٨٨.

(٤) انظر الحدائق ١٦ : ٤٧٠.

٢٧٠

وأمّا البواقي ، فلو قطع النظر عن قول الأصحاب لوجب الحكم بوجوب القضاء مطلقا ، إلاّ أنّ مخالفة الشهرة العظيمة القديمة والجديدة ممّا يوهن الخبر الصحيح ، ولذلك يحكم بمقتضى الأصل في موارد مخالفة القوم في الوجوب ، وهو المندوب الفائت بغير التفريط ، وبوجوب القضاء في غيره مطلقا.

د : يجوز لهذا الشخص التخلّف عن الناس وإتيان مكّة وإتمام عمرته والرجوع إلى أهله ، ويجوز له الإقامة بمنى معهم أيّام التشريق وإتيان مكّة معهم وإتمام أمره ، كما صرّح به في أكثر الروايات المتقدّمة ، إلاّ أنّ المستحبّ له إقامة منى أيّام التشريق ، لصحيحة ابن عمّار الأخيرة المتقدّمة في هذه المسألة.

هـ : المشهور بين الأصحاب ـ كما صرّح به غير واحد (١) ـ عدم وجوب الهدي على ذلك الشخص ، بل نسبوا القول بوجوبه والرواية المتضمّنة له إلى الشذوذ ، وهو كذلك ، للأصل المعتضد بخلوّ أكثر أخبار المقام عن ذكره.

وعن الشيخ قول بوجوبه (٢) ، وقيل : إنّه نقله عن بعض الأصحاب (٣) ، وعن الدروس : نسبة إيجابه إلى الصدوقين أيضا (٤).

واحتجّوا له برواية الرقّي المتقدّمة ، وصحيحة ضريس السابقة على طريق الصدوق ، وهما قاصرتان عن إفادة الوجوب ، أمّا الثانية فظاهرة ، لمقام الجملة الخبريّة ، وأمّا الأولى فللفرق بين قوله : « أرى أنّ عليهم دم شاة » ، وقوله : « أرى عليهم أن يهريق » ، فالأول ظاهر في الإيجاب ، وأمّا‌

__________________

(١) كما في المدارك ٧ : ٤٣٧ ، والذخيرة : ٦٦٠ ، والحدائق ١٦ : ٤٦٦.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٧٥ ، ٣٧٦.

(٣) المدارك ٧ : ٤٣٧.

(٤) الدروس ١ : ٤٢٧.

٢٧١

الثاني ـ وهو عبارة الصحيحة ـ لم تثبت دلالته على الوجوب.

نعم ، روى إسحاق بن عمّار في الموثّق : عن جارية لم تحض خرجت مع زوجها وأهلها فحاضت ، فاستحيت أن تعلم أهلها وزوجها حتى قضت المناسك [ وهي على تلك الحالة ] ، وواقعها زوجها ، ورجعت إلى الكوفة ، فقالت لأهلها : كان من الأمر كذا وكذا ، فقال : « عليها سوق بدنة ، وعليها الحجّ من قابل » (١).

إلاّ أنّه يمكن أن لا يكون وجوب البدنة لما هو القدر المشترك بينها وبين المورد من فوات الحجّ ، بل لأمور أخر تميّزت بها ، من الإتيان بالمناسك والوقاع في الإحرام وغيرهما ، مع أنّ الظاهر عدم قول بوجوب البدنة بخصوصها.

المسألة السابعة : يستحبّ للحاجّ حال كونه في المشعر التقاط حصى الجمار منه ، إجماعا محقّقا (٢) ، ومحكيّا مستفيضا (٣) ، له ، ولصحيحتي ابن عمّار (٤) وربعي (٥) : « خذ حصى الجمار من جمع ، وإن أخذته من رحلك بمنى أجزأك ».

ورواية زرارة : عن الحصى التي يرمى بها الجمار ، قال : « تؤخذ من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٥٠ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٢٤١ ـ ١١٥١ ، التهذيب ٥ : ٤٧٥ ـ ١٦٧٦ ، الوسائل ١٣ : ١٤٠ أبواب كفّارات الاستمتاع ب ١٩ ح ١ ، بدل ما بين المعقوفين في النسخ : وهو على تلك ، وما أثبتناه من المصادر.

(٢) انظر الرياض ١ : ٢٨٩.

(٣) انظر الرياض ١ : ٢٨٩.

(٤) الكافي ٤ : ٤٧٧ ـ ١ ، التهذيب ٥ : ١٩٥ ـ ٦٥٠ ، الوسائل ١٤ : ٥٩ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٤ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٧٧ ـ ٣ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ ـ ٦٥١ ، الوسائل ١٤ : ٣١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٨ ح ١.

٢٧٢

جمع ، وتؤخذ بعد ذلك من منى » (١).

ثمَّ إنّها سبعون حصاة ، وهي العدد الواجب ، ولو التقط أزيد منه احتياطا ـ حذرا من سقوط بعضها أو عدم إصابته ـ فلا بأس.

فروع :

أ : هذا على سبيل الاستحباب ، ويجوز أخذها من غير المشعر إجماعا ونصّا ، كما مرّ ويأتي ، إلاّ أنّه يجب أن يكون من أرض الحرم من أيّ جهاتها شاء ، بلا خلاف أجده.

وتدلّ عليه صحيحة زرارة : « حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك » ، قال : وقال : « لا ترم الجمار إلاّ بالحصى » (٢).

وموثّقة حنّان : « يجوز أخذ الحصى من جميع الحرم ، إلاّ من المسجد الحرام ومسجد الخيف » (٣).

ومرسلة حريز : من أين ينبغي أخذ حصى الجمار؟ قال : « لا تأخذه من موضعين : من خارج الحرم ، ومن حصى الجمار ، ولا بأس بأخذه من سائر الحرم » (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٧٧ ـ ٢ ، الوسائل ١٤ : ٣١ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٨ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٧ ـ ٥ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ ـ ٦٥٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٩ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٨ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ ـ ٦٥٢ ، الوسائل ١٤ : ٣٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٩ ح ٢.

(٤) الكافي ١٤ : ٤٧٨ ـ ٩ ، التهذيب ٥ : ١٩٦ ـ ٦٥٣ ، الوسائل ١٤ : ٣٢ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٩ ح ٣.

٢٧٣

ويستثنى من الحرم : المسجد الحرام ومسجد الخيف ، فلا يجوز الأخذ منهما ، للموثّقة المتقدّمة.

ولم يستثن القدماء ـ على ما في الدروس ـ سوى المسجدين (١) ، بل في المختلف التصريح بالجواز من غيرهما عن الصدوق والشيخ والحلبي والحلّي وابن حمزة (٢) ، بل ظاهر التذكرة والمنتهى : الإجماع عليه (٣) ، وإن كان فيهما بعد ذلك الإجماع نسبة التعدّي إلى سائر المساجد إلى بعض علمائنا.

واستثنى جماعة ـ منهم : الجامع والنافع والشرائع والقواعد ـ سائر المساجد أيضا (٤) ، ولم يذكروا دليلا عليه بخصوصه.

نعم ، ينبغي البناء فيه على النهي عن إخراج حصى المساجد وعدمه ، فيحرم على الأول دون الثاني.

وعلى الأول ، فهل يفسد العمل؟

قيل : نعم ، للنهي الموجب للفساد (٥).

وردّ : بأنّ غايته فساد الالتقاط دون الرمي (٦).

وأجيب (٧) : بوجوب الإعادة فورا ، ومقتضاه النهي عن أضداده أيضا ، ومنها الرمي.

وهو حسن لو ثبتت الفوريّة المدّعاة ، مع أنّ في فساد الضدّ المنهيّ‌

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٢٨.

(٢) المختلف : ٣٠٣.

(٣) التذكرة ١ : ٣٧٥ ، المنتهى ٢ : ٧٢٨.

(٤) الجامع للشرائع : ٢٠٩ ، المختصر النافع : ٨٨ ، الشرائع ١ : ٢٥٧ ، القواعد ١ : ٨٧.

(٥) انظر المختلف : ٣٠٣.

(٦) انظر كشف اللثام ١ : ٣٥٩ ، الرياض ١ : ٣٨٩.

(٧) كما في الرياض ١ : ٣٨٩.

٢٧٤

عنه ـ الذي تعلّق [ به ] (١) أمر آخر ولو موسّع ـ كلاما بيّناه في الأصول.

ثمَّ إنّ المراد بحصى الحرم ـ كما هو المتبادر ـ هو : المتكوّن فيه أو ما لم يعلم نقله إليه من غيره ، فلا يكفي ما علم أنّه نقل إليه من غيره ولو بمدّة قبل ذلك.

ب : يجب أن تكون الحصاة أبكارا‌ ـ أي غير مرميّ بها رميا صحيحا ـ إجماعا محقّقا ، ومحكيّا عن الخلاف والغنية والجواهر وفي المدارك والمفاتيح وشرحه (٢) ، وفي الذخيرة : لا أعلم فيه خلافا بين الأصحاب (٣) ، وهو الحجّة فيه المؤيّدة بمرسلة حريز المتقدّمة.

ومرسلة الفقيه : « ولا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمي » (٤).

وفي رواية عبد الأعلى : « ولا تأخذ من حصى الجمار » (٥).

ج : يجب أن يكون ممّا يصدق عليه الحصى ، وفاقا للأكثر ، كما في التحرير والمنتهى (٦) ، لأنّه المأمور به ، وفي صحيحة زرارة المتقدّمة النهي عن الرمي بغيره.

وتجمعه أمور ثلاثة :

كونه حجرا ، وجعله في الانتصار ممّا انفردت به الإماميّة (٧) ، وظاهر‌

__________________

(١) ما بين المعقوفين ، أضفناه لاستقامة المعنى.

(٢) الخلاف ٢ : ٣٤٣ ، الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٨١ ، جواهر الفقه : ٤٣ ، المدارك ٧ : ٤٤١ ، المفاتيح ١ : ٣٤٩.

(٣) الذخيرة : ٦٦١.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٨٥ ـ ١٣٩٨ ، الوسائل ١٤ : ٦٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٥ ح ٢.

(٥) الكافي ٤ : ٤٨٣ ـ ٣ ، الوسائل ١٤ : ٦٠ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٥ ح ٢.

(٦) التحرير ١ : ١٠٣ ، المنتهى ٢ : ٧٣٠.

(٧) الانتصار : ١٠٥.

٢٧٥

التذكرة والمنتهى الإجماع عليه (١) ، فلا يجزئ المدر (٢) والآجر (٣) والخزف والجوهر.

خلافا للمحكيّ عن الخلاف ، فجوّز بالجوهر والبرام (٤) (٥) ، ولعلّه لصدق الحجر ، وهو في الأخير غير بعيد.

وأن لا يكون كبيرا يخرج عن اسم الحصى. خلافا للدروس (٦).

وأن لا يكون صغيرا كذلك ، والظاهر كفاية حصى الجصّ ، لصدق الاسم.

وفي وجوب طهارة الحصى قولان ـ كما في الذخيرة (٧) ـ وأقربهما : العدم ، للأصل السالم عن المعارض.

د : يستحبّ أن تكون ملتقطة ، رخوة ، برشاء ، كحلية ، منقّطة بقدر الأنملة.

والمراد بالأول : أن تكون كلّ واحدة مأخوذة من الأرض منفصلة ، ولا تكون مكسورة من حجر ، وتدلّ عليه رواية أبي بصير : « التقط الحصى ولا تكسرنّ منه شيئا » (٨).

وبالثاني : أن لا تكون صلبة.

وبالثالث : أن تكون فيه نقط تخالف لونه ، كما نسب إلى المشهور (٩).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٣٧٦ ، المنتهى ٢ : ٧٢٩.

(٢) المدر : قطع الطين الذي لا يخالطه رمل ـ مجمع البحرين ٣ : ٤٧٩.

(٣) الآجر : طبيخ الطين ـ لسان العرب ٤ : ١١.

(٤) البرام : الحجر المعروف بالحجاز واليمن ـ النهاية لابن الأثير ١ : ١٢١.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٤٢.

(٦) الدروس ١ : ٤٣٥.

(٧) الذخيرة : ٦٦١.

(٨) الكافي ٤ : ٤٧٧ ـ ٤ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ ـ ٦٥٧ ، الوسائل ١٤ : ٣٤ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ح ٣.

(٩) نسبه في الرياض ١ : ٣٨٩.

٢٧٦

وحكي عن الجوهري (١) وغيره (٢) ، أو خصوص نقط بيض ، كما عن ابن فارس (٣) ، أو ما فيه لون مختلط حمرة وبياضا وغيرهما ، كما عن النهاية الأثيريّة (٤) ، أو مختلط بحمرة ، كما عن المحيط (٥) ، أو ما فيه ألوان وخلط ، كما عن تهذيب اللغة (٦).

وكيف ما كان ، فتدلّ عليه وعلى سابقة صحيحة هشام بن الحكم : « كره الصمّ منها » ، وقال : « خذ البرش » (٧) ، والصمّ ـ جمع الأصمّ ـ وهو : الصلب من الحجر.

وتدلّ على الثلاثة الأخيرة رواية البزنطي : « حصى الجمار تكون مثل الأنملة ، ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء ، خذها كحليّة منقّطة ، تخذفهنّ خذفا ، تضعها على الإبهام وتدفعها بظفر السبّابة » ، قال : « وارمها من بطن الوادي واجعلهنّ عن يمينك كلّهن ، ولا ترم على الجمرة » ، قال : « وتقف عند الجمرتين الأوليين ولا تقف عند جمرة العقبة » (٨).

ولا يخفى أنّ الأبرش على التفسير الأول يكون مساويا للمنقّطة فيغني‌

__________________

(١) الصحاح ٣ : ٩٩٥.

(٢) كابن منظور في لسان العرب ٦ : ٢٦٤.

(٣) معجم مقاييس اللغة ١ : ٢١٩.

(٤) نهاية ابن الأثير ١ : ١١٨.

(٥) المحيط ٧ : ٣٣١.

(٦) تهذيب اللغة ١١ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.

(٧) الكافي ٤ : ٤٧٧ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ ـ ٦٥٥ ، الوسائل ١٤ : ٣٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ح ١.

(٨) الكافي ٤ : ٤٧٨ ـ ٧ ، التهذيب ٥ : ١٩٧ ـ ٦٥٦ ، قرب الإسناد : ٣٥٩ ـ ١٢٨٤ ، الوسائل ١٤ : ٣٣ أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ح ٢ وص ٦١ أبواب رمي جمرة العقبة ب ٧ ح ١ وص ٦٥ ب ١٠ ح ٣ ، بتفاوت.

٢٧٧

عنها ، ولعلّه لذلك اقتصر الشيخ في التهذيب والفقيه والجمل على البرش (١).

وعلى الثاني يكون أخصّ منها ، وعلى البواقي يكون أعم ، والله أعلم.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٩٦ ، الفقيه ٢ : ٩ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٣٤.

٢٧٨

الفصل الرابع

في نزول منى‌

وما فيها من المناسك والأفعال الثلاثة يوم النحر قبل النفر إلى مكّة.

ولكونها ثلاثة ـ رمي جمرة العقبة ، والهدي ، والحلق أو التقصير ـ فهاهنا مقدّمة ، وثلاثة أبحاث ، وخاتمة.

أمّا المقدّمة : ففي مقدّمات نزول منى.

وهي أمور كلّها مستحبّة إلاّ اثنين :

أحدهما : الإفاضة من المشعر يوم النحر.

والثاني : نزول منى فيه ، لتوقّف الأفعال الواجبة في ذلك اليوم في منى عليهما.

وأمّا المستحبّات :

فمنها : ما مرّ من إفاضة الإمام من المشعر بعد طلوع الشمس ، وإفاضة غيره قبله بقليل.

ومنها : أن لا يتجاوز عن وادي محسّر إلاّ بعد طلوع الشمس ، وفاقا للسرائر والشرائع والنافع والمختلف والتذكرة والمنتهى (١) ، لصحيحة هشام بن الحكم (٢) ، المتقدّمة في مستحبّات الغدوّ إلى عرفات ، القاصرة عن إفادة‌

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٨٦ ، ٥٨٩ ، الشرائع ١ : ٢٥٣ ، النافع : ٨٨ ، المختلف : ٢٩٧ ، التذكرة ١ : ٣٧٦ ، المنتهى ٢ : ٧٢٩.

(٢) الكافي ٤ : ٤٧٠ ـ ٦ ، التهذيب ٥ : ١٩٣ ـ ٦٤٠ ، الوسائل ١٣ : ٢٥ أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٥ ح ٢.

٢٧٩

التحريم ، لاحتمال الجملة الخبريّة.

وخلافا للمحكيّ عن صريح القاضي (١) وظاهر الأكثر ، فيحرم ، للصحيحة.

أقول : قد استدلّوا لمرجوحيّة التجاوز عنه في الإفاضة من منى إلى عرفات ومن المشعر إلى منى بهذه الصحيحة ، وهو يتوقّف على ثبوت جواز هذا النحو من الاستعمال في المعنيين ، وهو غير معلوم ، ولذا ذكر بعضهم الكراهة في الثاني خاصّة (٢).

وأورد في الكافي الصحيحة في الإفاضة من المشعر (٣) ، وفي التهذيب في الإفاضة من منى (٤) ، ومع ذلك فالاستدلال بها على أحدهما أو كليهما مشكل ، إلاّ أن يكون النظر إلى كلّ من الاحتمالين المقتضي لرجحان الاحتياط ، ولكنّ الأمر فيه سهل ، لكفاية فتوى الأصحاب في إثبات الاستحباب.

والمستحبّ عدم قطع الوادي بتمامه ، لأنّه المستفاد من الصحيحة وظاهر الأكثر ، وقد يقال باستحباب عدم قطع بعضه أيضا ، بل قد يجعل ذلك أحوط.

ومنها : أن يهرول ويسعى ـ أي يسرع في المشي ـ إن كان ماشيا ويحرّك دابّته إن كان راكبا في وادي محسّر بتمامه ، كما هو صريح السرائر (٥) وظاهر الأكثر.

كما في صحيحة ابن عمّار : « إذا مررت بوادي محسّر ـ وهو : واد عظيم بين جمع ومنى وهو إلى منى أقرب ـ فاسع فيه حتى تجاوزه ، فإنّ‌

__________________

(١) المهذّب ١ : ٢٥٤.

(٢) السرائر ١ : ٥٨٩.

(٣) الكافي ٤ : ٤٦٨.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧٨.

(٥) السرائر ١ : ٥٨٩.

٢٨٠