مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

هذا الإطلاق لا تصل النوبة إلى التمسك برفع ما لا يعلم لأنه حاكم عليه فعدم إطلاق دليل الجزء وعدم إطلاق دليل المركب شرط لإمكان التمسك بفقرة ما لا يعلمون فإذا اجتمعت الشرائط فيكون المقام من دوران الأمر بين الأقل والأكثر لأنا لا نعلم أن رفع هذا الجزء هل يكون مختصا بحال النسيان حتى يجب الأكثر وهو وجوب الإعادة مع إتيان الأصل أو يكون أعم حتى يكون الأقل وهو الإتيان بالناقص كافيا فبمقتضى رفع ما لا يعلمون نقول ان الأكثر غير واجب فيفيد اجزاء الناقص.

كما في صورة الشك في أصل جزئية شيء للمأمور به وكذلك مقتضى قبح العقاب بلا بيان جار فمقتضى الأصل العقلي والنقليّ هو البراءة.

واما الخراسانيّ قده فيقول في المقام كما قال في باب الأقل والأكثر من أن مقتضى الأصل العقلي هو الاحتياط ومقتضى الأصل الشرعي البراءة والشيخ قده كلامه مجمل.

لا يقال الجزئية غير مجعولة لأنها امر انتزاعي والجزء غير مجعول ليكون مرفوعا بحكم العقل لأن خطاب الناسي غير ممكن فهو مرفوع عقلا لا شرعا.

لأنا نقول كما قلنا فيما مرّ ان المرفوع هو إيجاب الاحتياط هنا ولازمه رفع الجزء أيضا إرشادا.

أو نقول بأن جعل الجزء في نظام الجعل لا إشكال فيه فهو مرفوع بنفسه لا بواسطة رفع إيجاب الاحتياط.

واما القول بأن الأصل هنا مثبت وهو غير حجة لأن اللازم العقلي لرفع ما لا يعلم هو وجوب البقية ففيه ان هذا هو الأثر العرفي مع ان إثبات البقية يكون بواسطة أصل الدليل وانبساط التكليف وثمرة الأصل هنا هي تقطيع هذا الجزء عن نظام المكلف به.

لا يقال ان المرفوع هو الجزئية في ظرف النسيان فقط لأنا نقول التحديد يكون واقعيا لبقاء عدم العلم حتى بعد رفع النسيان ومعنى كون التحديد واقعيا لا يكون ما ذكرناه في النسيان فان النسيان مع انه يتبدل بالذكر نقول لا إعادة لكون التحديد

٥٨١

واقعيا واما الجهل هنا فحيث يبقى لا ينتفي الموضوع إلى الأبد الا بملاقاة المعصوم عليه‌السلام فلا يكون الإعادة واجبة من باب وجود حديث الرفع بفقرة ما لا يعلمون.

لا يقال فرق بين الجهل بأصل الجزء أو الجهل به في حال بعد حال النسيان فان التكليف يكون محددا من الأول بغير المجهول من أول الأمر بخلاف صورة النسيان فان تكليف الناسي بالبقية غير معلوم رأسا.

لأنا نقول هذا يكون لمكان ارتباطية الاجزاء وهي بعينها تكون في صورة الجهل بالجزء رأسا فانه كما ان رفع الجزء برفع رفع الارتباط فيه فكذلك في المقام.

فتحصل أن التمسك بفقرة ما لا يعلمون أيضا في المقام يكون تاما على فرض اجتماع الشرائط التي ذكرناها في صدر البحث آنفا ولكن العمدة في المقام أن الشيخ قده يكون مخالفا لذلك تمسكا بالإطلاق العقلي فان الجزء وان لم يكن عنده من المكلف به في حال النسيان إلّا انه بعد رفعه يكون الإطلاق بحاله أي لا فرق بين الذاكر والناسي فلا يمكن التمسك بفقرة رفع النسيان لوجود هذا الإطلاق.

وقد مر أن شرط جريانه هو عدم الإطلاق للجزء وهكذا لا يمكن التمسك بفقرة رفع ما لا يعلمون لذلك الإطلاق بخلاف الشك في أصل الجزئية فانه لا يكون الإطلاق العقلي بالنسبة إليه لعدم تعلق التكليف به أصلا.

الجهة الثالثة في هذا المقام هي نسيان الجزئية مع الالتفات إلى الجزء كما إذا كان الشخص ملتفتا بأنه ترك السورة في الصلاة ولكن كان هذا من باب نسيانه حكم السورة وهو وجوبها فيكون هذا من نسيان الحكم الّذي يرجع إلى الجهل به فيكون هذا المقام مثل صورة الجهل بسيطا أو مركبا بالحكم فكما انه لا يمكن أن يقال ان الجهل بالحكم يوجب عدم توجهه إلى المكلف لاشتراك العالم والجاهل في التكليف وإلّا فيأتي دور العلامة فكذلك في المقام لا يمكن ان يقال لا إعادة للصلاة التي يكون الجهل بجزئها من باب نسيان الحكم فيجب الإعادة بعد التوجه إلى الحكم غاية الأمر لا يكون وجود الحكم في هذا الفرض من باب توجه التكليف إلى الناسي لأنه

٥٨٢

يلتفت ان كان بهذا العنوان كما مر في أصل البحث.

فيكون الخطاب بنحو آخر يمكن تطبيقه على الجاهل كذلك نعم في حال الجهل لا يكون له الخطاب وبعده الإعادة فيكون الاجزاء ظاهريا لا واقعيا.

فتحصل من جميع ما تقدم في هذا المقام إمكان التمسك بفقرة النسيان للقول بالاجزاء إلّا ان الدليل في الصلاة يكون قاعدة لا تعاد وينتج هذا في غيرها لو لا الإجماع على خلافه فان الاعلام مثل الشيخ والآخوند والشيخ العراقي والنائيني قدس‌سرهم كانوا مخالفين لما ذكرناه.

الجهة الرابعة من جهات أصل المطلب في قاعدة لا تعاد

وهي انه بعد عدم تمامية ما ذكر من فقرة النسيان للقول بالاجزاء يكون في خصوص الصلاة روايات عديدة دالة على عدم وجوب الإعادة في باب خلل الصلاة فان كان التمسك بفقرة رفع النسيان ممكنا يكون الدليل فيها لعدم وجوب الإعادة هذه ولا تعاد وفي غيرها يكون الدليل هذه الفقرة فقط ومن الروايات التي صارت منشأ تسمية القاعدة بلا تعاد ما عن (١) زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام لا تعاد الصلاة الا من خمس الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود وخلاصة البحث في ذلك تكون في ضمن جهات هنا والإطالة مربوطة بكتاب الصلاة في الفقه.

الجهة الأولى في ان أول ما يرى من هذا الحديث الشريف هو إطلاق الحكم في غير الخمس سواء كان النقص عن عمد أو سهو أو جهل سواء كان الجهل بالموضوع أو الحكم لأن الظاهر من استثناء الخمس وعدم استثناء شيء آخر يكون القول بهذا إلّا ان المستفاد من كلمات الأصحاب هو اختصاص عدم الإعادة بصورة نسيان الموضوع

__________________

(١) في الوسائل ج ٣ باب ٩ من أبواب القبلة ح ١

٥٨٣

فقط كمن نسي السورة في الصلاة ثم تذكر بعدها فالجهل بالحكم سواء كان بسيطا أم مركبا بأن يكون معتقدا بعدم جزئية السورة للصلاة ونسيان الحكم مع الالتفات إلى الموضوع والعمد في الترك لا يكون مشمولا للحديث الشريف.

وهذا الادعاء مع إطلاق الحديث ظاهرا يحتاج إلى الإثبات ولذا وقعوا في الإشكال والرد والإيراد لذلك واستدلوا لذلك بوجوه :

الأول ان القول بشمول الحديث لصورة العمد في الترك يكون منافيا لجعل أدلة الاجزاء فإذا كان الحكم في أدلة الاجزاء بأن السورة واجبة ثم يقال لا تجب الإعادة لو تركت السورة يكون لازمه لغوية الجعل فلأي شيء جعل التكليف لو لم يكن ترك الجزء مخلا بالمركب كما عن الحائري قده وجملة من الاعلام.

والجواب عنه ان مفاد الحديث الشريف لو كان عدم الوجوب في مقام الجعل لكان لما ذكر وجه ولكن ليس كذلك بل يكون عدم الإعادة في مقام الفراغ مع إمكان ان يكون المكلف معاقبا بواسطة تركه المأمور به فربما يقتضى المصلحة جعل عدم الإعادة في مقام الفراغ من باب تفويت مصلحة الواقع وعدم إمكان تداركها بالإعادة وهذا لا غرو فيه لو فرض تمشي قصد القربة مع الترك العمدي كما قال بهذه المقالة أستاذ شيخنا قده الميرزا محمد تقي الشيرازي قده.

الوجه الثاني لعدم شمول الحديث لصورة العمد هو ما عن شيخنا قده وحاصله ان الحديث الشريف يجب ان ينحفظ في مفهومه ولا يخفى ان المفهوم منه ان الإعادة غير لازمة وصدقها شرط في تطبيق الحكم عليها ولا يخفى انها غير صادقة في صورة العمد في الترك ضرورة انه لم يأت ببعض اجزاء العمل مع الالتفات إليه ويكون الأمر الأولى داعيا إلى إتيانه.

واما في صورة السهو فحيث ان المكلف بزعمه يكون آتيا بالمأمور به وصلى الصلاة التامة بزعمه فيمكن ان يقال لا يجب إعادة الصلاة التي صلاها كذلك ويحتاج القول بوجوب الإعادة إلى أمر جديد وهذا يطلق عليه الإعادة زعما لا حقيقة لأن الإعادة الحقيقية هي التي يكون العمل تاما من جهة جميع الاجزاء والشرائط ثم

٥٨٤

يؤتى به كذلك ويستأنس لما ذكره بما ورد بأن من زاد فعليه الإعادة فانه لو لم يكن في خصوص العمد يكون منصرفا إليه لأنه أتى بالعمل تماما فيصدق الإعادة والناقص لا يصدق عليه هذا العنوان إذا كان عن عمد.

والجواب عنه ان ما ذكر لا يكون قاعدة كلية يمكن الالتزام بها في جميع الموارد لأنه في صورة الجهل المركب بالنسبة إلى الحكم واعتقاد عدم كون السورة جزءا مع كونها جزءا وهو جاهل به يصدق الإعادة بالنسبة إليه بزعم المكلف ولكن لا يقولون بأنها غير واجبة لصدق هذا العنوان ، والشاهد عليه ما ورد في صورة الجهل بالحكم من التعبير بأعاد ويعيد الصلاة.

الوجه الثالث للاختصاص بصورة السهو لا العمد هو إجماع الفقهاء فانهم لم يتمسكوا بالحديث في غير هذه الصورة فيكون الحديث معرضا عنه من غير جهة السهو.

ويرد عليه ان هذا يكون لازمه تخصيص الأكثر لأنه مع وجود الإطلاق بالنسبة إلى العمد والسهو والجهل بالحكم إخراج غير السهو يكون من التخصيص بأكثر الافراد ولذا قال شيخنا الحائري ان خروج ما ذكر يكون بالتخصص لا بالتخصيص لانصراف الحديث إلى صورة السهو.

الوجه الرابع للقول بالاختصاص بصورة سهو الموضوع هو الانصراف وقد أخذنا بيانه عن شيخنا الحائري قده في الدرس ولتوضيحه نحتاج إلى بيان مقدمة في معنى الحديث الشريف.

فنقول معنى عدم وجوب الإعادة يكون فيه احتمالات الأول ان يكون معناه العفو عن الجزء الناقص. والثاني ان يكون معناه تنزيل الناقص منزلة التام فيكون معناه ان الطبيعي الّذي كان تحت الأمر قد أتيت به ويدل عليه ما في بعض الروايات بأنه تمت صلاته فكأنه عمل العامل بوظيفة التام.

الثالث ان يكون في مقام جعل وظيفة لكل من لا يعمل بوظيفته فيكون معناه ان الدخول في الصلاة مع الجهل البسيط بأن السورة جزء مثلا أم لا يكون جائزا وبعدها ولو ظهر كونها جزءا يشملها الحديث ونظيره تأخير الصلاة إلى بقاء ركعة

٥٨٥

من الوقت اعتمادا على ما ورد من أن من أدرك ركعة في الوقت فقد أدرك الوقت والمنصرف من الحديث الشريف هو الاحتمال الوسط وهو تنزيل الناقص منزلة التام ولا يكون لسان الحديث الشريف في مقام جعل الحكم فمن كان له عذر مثل النسيان يكون هذا بيانا لعلاج ما وقع بواسطة العذر ويكون هذا مختصا بنسيان الموضوع.

فان قلت فما ذكر لا يكون مختصا بنسيان الموضوع فقط بل جاهل الحكم وناسيه بالجهل المركب أيضا يكون مشمولا للحديث الشريف من جهة ان الوارد في العمل لا يكون ملتفتا إلى جهله لئلا يكون معذورا بل هو معذور ولو من باب الجهل.

قلت المحذور في هذا القول هو اختصاص الأحكام بالعالمين بها ولازمه دور العلامة مع الإجماع على اشتراك العالم والجاهل في التكليف.

اما بيان الدور فلان الحكم يتوقف على الموضوع ووجود الموضوع متوقف على الحكم لأن أحد اجزائه هو الحكم على الفرض أو يلزم منه التصويب المجمع على بطلانه ولو لم يكن محالا وهو دوران الحكم مدار نسيان المكلفين وجهلهم فيختص الحديث بناسي الموضوع فقط هذا.

ولكن يمكن الجواب عن الإشكالين بأن الدور والتصويب يكونان لازمين على فرض كون المراد رفع الحكم في مقابل الجهل واما في مقام الفراغ فلا يلزم منه ذلك فان هذا النحو من التنزيل غير عزيز.

فلا إشكال في شمول الحديث لصورة الجهل والنسيان من جهة الحكم إلّا ان يكون الإجماع على خلافه.

ومن هنا ظهر ما في كلام شيخنا الحائري قده من الجواب عن إشكال تخصيص الأكثر بأن نسيان غير الموضوع وجهله والعمد يكون خارجا بالتخصص لا بالتخصيص ولا يكون كلامه هذا إلّا من جهة ان ذهنه الشريف ذهب إلى مقام الجعل ورأى

٥٨٦

الإشكال في ذلك وإذا قلنا بأن الكلام يكون في مقام الفراغ لا الجعل ينتفي جميع الإشكالات.

فان قلت نسيان الحكم والجهل به يكون لازمه وجوب الإعادة بعد العلم والتذكر لأن الحكم في ظرف الجهل يكون بحسب الظاهر كما في حديث الرفع بالنسبة إلى ما لا يعلمون.

قلت ان الحديث مطلق ويشمل هذا المورد أيضا في مقام الفراغ ويكون حاكما على دليل الجزء مطلقا.

ثم ان هنا تفصيلا عن شيخنا الحائري قده في صورة الجهل وهو أنه تارة يكون عن القصور وتارة عن التقصير والحديث يكون شاملا في الفرض الأول لا الثاني لأن ظاهر الحديث الشريف ان العذر الّذي لا يكون المكلف معاقبا عليه لا يكون الإعادة في ظرفه واما العذر الّذي يكون عليه العقاب فلا يكون مشمولا له وينصرف عنه والجاهل المقصر يكون معاقبا في تركه التعلم وهكذا نسيان الحكم الّذي يكون من جهة ترك التحفظ فانه أيضا تقصير عن المكلف فانه يجب حفظ الأحكام والالتفات إليه واما الجهل الّذي يكون عن قصور فلا يكون المكلف معاقبا عليه والحديث شامل له وهذا التفصيل يكون في وسعه لو لا ادعاء انصرافه عن مورد الجهل مطلقا أو لو لا الإجماع على شموله لخصوص نسيان الموضوع فقط.

فان قلت لو كان الملاك في الشمول وعدمه التحفظ وعدمه بالنسبة إلى النسيان ففي نسيان الموضوع أيضا يجب أن يقال إذا كان عن ترك التحفظ فلا يشمله الحديث قلت الفحص عن الحكم وتعلّمه واجب وكذا حفظه واما الفحص عن الموضوعات فغير لازم وكذلك التحفظ هذا كله في صورة ترك الجزء سهوا اما نسيانا للحكم أو للموضوع أو للجهل بالحكم قصورا أو تقصيرا.

واما الترك العمدي فقد مر أن الحديث منصرف عنه على قول جملة من الاعلام لأنه لا ينافي الجعل لأن جعل الجزء والقول بكفاية الناقص يكون موجبا لتفويت مصلحة الواقع فكأنه لم يكن هذا الجزء جزءا.

٥٨٧

وقد مر منا ما فيه من أنه من الممكن ان يكون مصلحة التفويت وعدم إمكان تدارك هذا الجزء أبدا موجبا للقول بالفراغ في مقام الفراغ لا الجعل مع إمكان كون المكلف معاقبا على ترك الجزء في هذه الصورة وهذا نظير ترك الجهر والإخفات والقصر والإتمام من جهة الجهل بالحكم فانه لا يجب إعادة الصلاة من باب تفويت المصلحة وعدم إمكان تداركها.

نعم لو كان مفاد الحديث الشريف من عمل عملا غير معاقب على هذا النحو من العمل لا يشمل المقام لأن هذا المكلف بتركه العمدي يكون معاقبا على هذا الترك مثل ما مر من التفصيل عند الجهل بالحكم عن تقصير.

واما الجهل المركب بالموضوع مثل ان يكون الشيء الفلاني سورة عنده ثم ظهر انه ليس بسورة فربما قيل ان الحديث منصرف عنه لأنه في صورة نسيان الموضوع فقط.

وربما قيل ان الفحص عن الموضوع حيث لا يكون واجبا لا يبعد شمول الحديث له لأنه معذور في هذا الترك ولكن كلمات القوم لا يساعد عليه ويأتي ان الجمع بين الروايات التي سيجيء يكون مقتضيا لخروج هذا القسم أيضا عن الحديث الشريف واما الشاك في الحكم فربما يقال بعدم شمول الحديث له أيضا لا لانصرافه إلى نسيان الموضوع فقط بل لمنافاته مع دليل جعل الجزء لأن لازم القول بشموله هو إلقاء الجزئية ببيان تتميم المصلحة بنحو أتم من شمول حديث الرفع لأن حديث الرفع لو شمل الحكم بدون الفحص يكون دليلا ظاهريا يجب الإعادة على فرض كشف خلافه وهذا الحديث ينفي الإعادة أيضا فكما ان دليل البراءة غير شامل للجهل بالحكم قبل الفحص كذلك الحديث لا يشمل الشاك في الحكم بالشك البسيط بل يجب عليه الفحص ليكون معذورا.

والحاصل ان الحديث لو كان في مقام بيان أن هذا الفرد من المصاديق الحقيقية للصلاة مع ترك الجزء يكون من التصويب المحال وعلى فرض كونه في مقام بيان وظيفة عملية فروحه البراءة عن التكليف وعلاج الخلل وهذا ينافي دليل جعل الجزء.

٥٨٨

وفيه ان هذا الكلام يصح لو كان المراد رفع الحكم في مقام الجعل ولكن ليس كذلك بل يكون تتميم العمل في مقام الفرغ وهو يوافق مع القول بكونه معاقبا على ترك الفحص.

نعم على فرض القول بأن مفاد الحديث يكون هو الدخول في العمل مع عدم كون المكلف معاقبا على هذا العمل لا يشمل الجهل بالحكم مع الالتفات إلى الجهل فانه يجب الفحص أو يقال بأن من عمل عملا مع الجزم بأن هذا العمل يكون مطابقا للواقع ولو لم يكن كذلك في الواقع فلا يجب عليه الإعادة فهذا الشخص حيث لا يكون جازما بكفاية هذا العمل لا يشمله الحدث.

ولكن إذا فحص ولم يجد شيئا يدخل في الصلاة بعون البراءة ولم يكن معاقبا على هذا العمل وعدم الجزم لا يضر بعد وجود المؤمن.

ولكن في هذا أيضا يكون كلماتهم غير مساعدة ومختلفة فبعض على وجوب الإعادة وبعض على عدم وجوبها كالسيد صاحب العروة الوثقى والفرق خفي لأن الأمر لو كان راجعا إلى السهو فيكون في المقامين ولو لم يكن ففيهما أيضا وكلاهما أيضا يكونان سندا ومجوزا للدخول في الصلاة فكيف يقال بالإعادة في الدخول في الصلاة بعون البراءة ولا يقال بها في الدخول بعون قاعدة الفراغ والتجاوز.

ولكن عند التحقيق يظهر الفرق وهو ان لسان القاعدتين أيضا هو تتميم العمل فان قوله عليه‌السلام فامضه كما هو وقوله عليه‌السلام هو حين العمل اذكر معناه ان ما أتى به يكون مجزيا ويكون محمولا على الواقع بخلاف لسان حديث الرفع فان الرفع فيما لا يعلمون يكون بلحاظ عدم العلم بالواقع بحيث لو انكشف يكون التكليف متوجها إليه ولا يكون في مقام جعل قاعدة في مقام الفراغ بل معناه انه حيث لا طريق لنا إلى الجعل أو إلى كشفه في الموضوع الخاصّ يكون الحكم مرفوعا ما دام الجهل.

وهذا هو السر في وجوب الإعادة بعد وضوح الواقع بخلاف ما يكون مفاد القاعدتين وان كان الداخل في العمل معذورا على كلا التقديرين.

٥٨٩

فتحصل ان الحديث الشريف يكون له الإطلاق في عدم الإعادة بالنسبة إلى غير صورة الجهل بالحكم وغير صورة نسيان الحكم عن تقصير من السهو في الموضوع وسهو الحكم عن قصور والعمد إلّا ان الإجماع يكون مخالفا لهذا الإطلاق أو ادعاء الانصراف إلى خصوص سهو الموضوع.

واما الشاك في الموضوع في باب الموانع مثل من لا يعلم ان هذا اللباس يكون من وبر ما لا يؤكل لحمه أم لا فانه يمكنه الدخول في الصلاة معه بعون البراءة من جهة عدم إحراز مانعيته فإذا انكشف الخلاف فهل يكون مشمولا للحديث أم لا فيه الخلاف السابق في صورة الشك في الحكم من جهة الفرق بين كون الدليل على الدخول في الصلاة هو البراءة أو الدليل هو قاعدة الفراغ والتجاوز فعلى الأول يقولون بان مفاد البراءة هو الحكم الظاهري واما مفاد القاعدتين كما مر فهو تتميم العمل فلا يجب الإعادة فيهما بخلاف البراءة.

ولا يخفى ان الشك في الموضوع لا يأتي فيه البراءة إذا كان من جهة الشرط أو الجزء لأن إحرازهما لازم فإذا شك في كون هذه سورة أم لا يجب إتيان ما هو سورة مسلما لأن الاشتغال اليقينيّ يحتاج إلى براءة يقينية ولا يكون مجرى البراءة.

واما إحراز عدم المانع فلا يكون شرطا بل عدم إحرازه يكفي ولذا يأتي فيه الكلام.

ثم ان شيخنا الأستاذ العراقي قده قال بأن تخصيص الحديث الشريف بغير العمد والجهل بالحكم ونسيانه يكون مستفادا من الجمع بين الروايات مضافا إلى الإجماع وهي على السنة مختلفة فان الحديث الشريف دل على عدم الإعادة ويعارضه طوائف ثلاثة من الروايات:

الطائفة الأولى ما دل على ان من زاد في صلاته فعليه الإعادة (١).

__________________

(١) في الوسائل في ج ٥ باب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ١ وغيره.

٥٩٠

الثانية ما دل على ان من استيقن انه زاد في صلاته فعليه الإعادة (١) كما عن الشيخ والكليني عن زرارة.

والثالثة ما عن زرارة أيضا عن أحدهما عليهما‌السلام قال ان الله تبارك وتعالى فرض الركوع والسجود والقراءة سنة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه (٢) وقوله في خبره الآخر ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته وما ورد في ذيل لا تعاد من قوله عليه‌السلام القراءة سنة والتشهد سنة ولا تنقض الفريضة السنة (٣).

فقال (قده) مقتضى الجمع بين الطائفة الأولى والثانية هو ان يكون المراد بالأولى هو وجوب الإعادة في صورة اليقين بأنه زاد في الصلاة لا مطلقا حتى في صورة الشك.

ثم يقيد وجوب الإعادة بصورة العمد بمقتضى الطائفة الثالثة فمن استيقن انه زاد في صلاته ولكن لم يكن عن عمد بل عن نسيان لا إعادة عليه لقوله عليه‌السلام من نسي فلا شيء عليه ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته.

فإذا لاحظنا ما استفدنا من هذه الروايات من عدم وجوب الإعادة في صورة السهو والنسيان نلاحظ إطلاق حديث لا تعاد ونقول انه يقيّد بصورة كون النقص عن غير العمد جمعا بين الروايات واما الجهل بالحكم ونسيانه فملحق بالعمد من باب ان الجاهل بالحكم يكون كالعامد إذا قصر في التعلم بالإجماع فلا يكون السند لاختصاص الحديث بغير العمد مختصا بالانصراف بل يكون مقتضى الجمع بين الروايات وهذا غير تام عندنا (٤).

__________________

(١) في الوسائل ج ٤ باب ١٤ من أبواب الركوع ح ١ وفي ج ٥ باب ١٩ من أبواب خلل الصلاة ح ١.

(٢) في الوسائل ج ٤ باب ٢٧ من أبواب القراءة ح ١.

(٣) في الوسائل ج ٤ باب ٢٩ من أبواب القراءة ح ٥.

(٤) أقول لم يبين وجه الاستدلال بنحو الوضوح ولم يبين الجواب أيضا ـ

٥٩١

المقام الثاني في حكم الزيادة السهوية أو العمدية

والبحث فيه أيضا عن جهات :

الأولى ان مقتضى إطلاق دليل الجزء هل هو الصحة عند الزيادة أو البطلان الثانية بيان ما ورد في بيان الزيادة عنهم عليهم‌السلام بأنه من زاد في صلاته فعليه الإعادة. الثالثة في البحث عن حديث لا تعاد بالنسبة إلى الزيادة وملاحظتها مع روايات من زاد.

ثم البحث في الجهة الأولى يكون في مقامين الأول في مقام الجعل والثاني في مقام الامتثال وانه هل يكون إتيان العمل مع الزيادة تشريعا أم لا.

والبحث في المقام الأول هنا يحتاج إلى بيان مقدمة وهي أن الزيادة التي توجب فساد العبادة من أي جهة تكون موجبة للفساد هل من جهة رجوعها إلى النقيصة من باب كون الشرط عدم هذا في العمل أو من باب كونها مانعا أو من باب كونها زيادة كل واحد من الثلاثة على سبيل منع الخلو بمعنى أنه يمكن جمع العنوانين أو العناوين الثلاثة بالنسبة إلى شيء واحد وبيان ذلك يحتاج إلى ملاحظة دليل الجزء بأنه هل يكون معتبرا بشرط لا أو بنحو اللابشرط.

__________________

ـ أصلا لأنه كان في آخر الدرس ولم يبينه في الدرس بعده وبعد الرجوع إليه أيضا لم يكن في ذهنه شيء فنقول ان هذا البحث يكون في تقريرات الشيخ محمد تقي البروجردي قده لشيخه العراقي قده في الجزء الثالث ص ٤٣٤ وحاصل التقريب هناك ونكتب لك عبارته بقوله قده فان قوله عليه‌السلام التشهد سنة بمنزلة التعليل لما ذكره أولا من نفي الإعادة فكأنه قال عليه‌السلام لا تعاد الصلاة بترك السنة وبعد تقييده بما في خبر زرارة فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسي فلا شيء عليه يصير المتحصل هو اختصاص نفي الإعادة بصورة الإخلال السهوي انتهى وهذا التقريب بهذا الشاهد مما لا كلام فيه ـ

٥٩٢

ثم لا يخفى ان الزيادة في الشيء يكون صدقها في صورة المسانخة بينها وبين المزيد فيه فإذا قلنا زاد في صلاته يجب أن يكون الزيادة من جنس الصلاة مثل إتيان ركوعين في ركعة واحدة فان الركوع الثاني أيضا ركوع وإذا لم يكن كذلك لا يصدق الزيادة.

فمثل القهقهة في الصلاة لا تسمى زيادة فيها لأنها ليست من جنسها ويقال لأمثالها أنها مانعة عن الصلاة.

ثم ان ملاحظة الجزء بشرط لا اما ان يكون بالنسبة إلى نفسه أو بالنسبة إلى المركب فان أخذ بشرط لا بالنسبة إلى نفسه يكون معناه ان الركوع ليس بركوع لو صار اثنين وان أخذ بالنسبة إلى المركب يكون معناه ان المركب وهو الصلاة مثلا لا يصح بواسطة هذه الزيادة والكلام في المقام يكون في الجهة الثانية فان ملاحظة الجزء بشرط لا عن غيره لا محصل له في المقام.

فنقول إذا كان لسان دليل الجزء أخذه بشرط قد يظهر من كلام الشيخ قده وشيخنا النائيني قده بأن أخذ الجزء كذلك يرجع إلى شرطية عدم الزائد في المركب ويكون فساد العبادة من جهة نقص فيها ولكن صدق الزيادة عرفا لا إشكال فيها لأنه هو المرجع في المصداق فإذا كان بين الزائد والمزيد فيه مسانخة يعبر بالزيادة لا النقيصة ولا يسمى مانعا أيضا لأن المسانخة تمنع عن هذا التعبير.

ومع ان مسلك شيخنا النائيني هو أن العرف يكون مرجعا في المفهوم لا المصداق قال هنا بأنه المرجع في المصداق.

والجواب عنه هو أن العدم كما مرّ في البحث عن المانع فيما مرّ لا يكون له أثر لأنه العدم فلا يرجع زيادة الجزء إلى دخل شرطية العدم فيبقى ان تكون مفسدة من باب أنها زيادة أو من باب أنها مانعة وحيث ان الشرط في صدق الزيادة هو المسانخة فالدليل الدال على الجزء بشرط لا ينصرف إلى كونها مفسدة من باب أنها زيادة لا من باب أنها مانعة.

٥٩٣

فتحصل ان الجزء إذا أخذ بشرط لا يكون فساد العبادة بواسطة صدق الزيادة لا النقيصة.

واما إذا أخذ الجزء بنحو اللابشرط بمعنى المصداق المجرد يعنى لم يكن معه لحاظ العدم ولا لحاظ الوجود ولا لا لحاظ الوجود والعدم فلا شبهة في أن الوجود الثاني يكون مصداق الزيادة إلّا أن الكلام في أن الزيادة هل تكون مفسدة للعبادة أم لا وسيجيء بحثه.

لا يقال إذا كان المطلوب طبيعي الجزء بنحو صرف الوجود فإذا أمكن إتيان اثنين أو أكثر دفعة واحدة لا تصدق الزيادة لأن الطبيعي بأول الوجود في ضمن أي عدد يكون هو الطبيعي ولا زيادة فيه كما إذا كان الأمر بإعطاء درهم فأعطى درهمين دفعة واحدة.

واما إذا كان بنحو التدريج كما في الركوع مثلا فانه لا يمكن إتيان ركوعين دفعة واحدة فتكون الزيادة متصورة.

لأنا نقول إذا لم يكن عدم الزائد دخيلا في المطلوب لا فرق بين إتيان الأكثر دفعة واحدة أو بالتدريج لأن مصداق الطبيعي فيهما بنحو واحد فان صدق الطبيعي كما يكون في الإتيان دفعة واحدة بأكثر من واحد كذلك يصدق بإتيانه في دفعات.

والحاصل ان الجزء إذا أخذ بنحو اللابشرط لا تصدق الزيادة مطلقا لا حقيقة ولا عرفا(١) واما إذا كان بنحو بشرط لا فتصدق الزيادة حقيقة وعرفا.

إذا عرفت هذه المقدمة فنقول على فرض أخذ الجزء بنحو اللابشرط لا يكون مقتضى الأصل الأولى هو بطلان العبادة بالزيادة اما على مسلك الشيخ والنائيني فلعدم

__________________

(١) أقول صدق الزيادة عرفا في صورة الإتيان بالطبيعي في ضمن فردين دفعة أو في ضمن فردين تدريجا مما لا شبهة فيه والكلام في أنها مضرة أم لا غير منوط بهذا الصدق فإذا كان الدليل بظاهره دالا على كفاية إعطاء درهم واحد فأعطى درهمين في دفعة واحدة يصدق أنه زاد في المتيقن من المأمور به.

٥٩٤

أولها إلى النقيصة وهكذا على مسلك التحقيق من أن صرف الوجود يتحقق بوجود واحد وأكثر واما على فرض أخذ الجزء بشرط لا فيكون مقتضى الأصل الأولى هو بطلان العمل اما لأولها إلى النقيصة كما عنهما قدهما واما لكونها زيادة على التحقيق لإرشاد الدليل إلى أن هذا الوجود الثاني مضرّ بالعبادة ولا يكون البطلان من باب كونها مانعة كما استظهرناه في المقدمة للمسانخة.

واما إذا شك في الدليل بأنه هل يكون أخذ الجزء بنحو اللابشرط أو بشرط لا فيدخل تحت الأقل والأكثر لأن أخذ الجزء بنحو بشرط لا يوجب فساد العبادة وتكليفا زائدا واما إذا كان بنحو اللابشرط فلا. فيكون الشك في التكليف الزائد فالأصل يقتضى على التحقيق البراءة عن كونه بشرط لا على فرض كون البطلان بعنوان الزيادة أو النقيصة واما على فرض كون العنوان المانعية فجريان استصحاب عدم المانعية يمنع عن القول بالبطلان هذا كله في البحث عن كون الجزء الزائد موجبا للبطلان أو عدمه بحسب مقام الجعل.

واما المقام الثاني في هذه الجهة وهو مقام الامتثال فإتيان العمل مع الزيادة له صور عديدة كما عن الشيخ (١) فتارة يأتي بالعمل بداعي الأمر الخياليّ مثل من يعتقد جهلا أو نسيانا أن المأمور به مثلا هو ركوعان في الصلاة في ركعة واحدة بنحو الاستقلال فيتصور هذا الأمر الخياليّ في مقام الامتثال ويكون داعيه إلى العمل فيكون داعيه في الواقع هو ما في صقع نفسه من الأمر.

وتارة يكون الإتيان بالعمل بداعي الأمر الواقعي الإلهي ولكن يكون خطائه في تطبيقه على أكثر من واحد فيكون الخطاء في التطبيق مثل أن يعتقد أن جنس الركوع يصدق على الزائد والمتعدد فعلى فرض كون جزئية الجزء بشرط لا فلا كلام في البطلان في الصورتين واما إذا كان دليل جزئيته بنحو اللابشرط فعلى الأول يكون عمله باطلا لأن الأمر الخياليّ الّذي كان داعيا له في العمل يكون مجرد امر خيالي والبعث

__________________

(١) في الرسائل في المسألة الثانية في زيادة الجزء عمدا.

٥٩٥

منه لا يكون بعثا من امر المولى حتى يكون العمل امتثالا له.

وعلى الثاني فحيث يكون داعيه هو الأمر الواقعي ولكن كان خطائه في التطبيق فيمكن أن يقال بصحة عمله لأن أصل العمل يكون بداعي امر المولى والزيادة تكون من الخطاء الناشئ من الامتثال وهو لا يضر بالعمل هذا في صورة الجهل أو النسيان.

واما في صورة العمد فيكون هذا تشريعا لأنه مع العلم بأن هذا العمل لا يكون إلّا بهذا النحو يتعدى عنه ويضيف إليه شيئا.

ثم إضافة شيء إليه يكون من التشريع على ما هو المشهور من أنه إدخال ما ليس من الدين في الدين لشهوة خبيثة نفسانية لا من جهة أنه يرى نفسه نبيا ولا من جهة دخل هذا في نظام المصلحة كما هو بعض أنحاء التشريع عندنا وهذا تارة يكون لتصرفه في مقام الجعل أو في مقام الامتثال فعلى الأول يكون بعثه نحو العمل بداعي امر خيالي نفساني لا بداعي امر المولى فيكون عمله على هذا الوجه باطلا لأنه لم يكن له داع الا الشهوة النفسيّة.

واما إذا كان تصرفه في مقام الامتثال بأن يكون داعيه من إتيان العمل هو الأمر المولوي ولكن في مقام التطبيق يزيد في المأمور به لداع نفسي فهو يقصد القربة بهذا العمل لإتيانه بداعي امر الله تعالى غاية الأمر أنه ضم إلى العمل أمرا آخر وهو التشريع المحرم فان قلنا بأن التشريع كذلك يسرى إلى الأمر الخارجي فيكون هذا أيضا باطلا لأوله إلى فساد العمل في الخارج لأنه المصداق المحرم.

واما على فرض عدم سرايته إلى الخارج فلا يكون العمل باطلا مثل صورة الجهل ولكن يكون تشريعه حراما هذا هو التشريع في الجزء.

واما التشريع في المركب بأن يعتقد أن المركب من أوله إلى آخره لا يتحقق إلّا بإضافة هذا الأمر اما من جهة اعتقاده بفساد ما أتى به من الجزء أو من باب أن أفضل افراد هذا المركب هو ما يكون فيه هذه الزيادة أو يبنى على هذا.

والحاصل يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه اما لفساده أو لكون هذا هو أفضل الافراد فقال الشيخ قده بأن التشريع على النحو الأول يكون موجبا لفساد العبادة قطعا

٥٩٦

واما التشريع بالنحوين الأخيرين لا يكون موجبا للفساد لأن مرجع ذلك إلى الشك في مانعية الزيادة ومرجعها إلى الشك في شرطية عدمها ومقتضى الأصل فيه البراءة لأنه من الأقل والأكثر ولا نعلم أن العبادة مع هذه الزيادة تبطل أم لا والأصل البراءة عن هذا القيد فلا تبطل العبادة بها.

وقد أشكل عليه بأن البحث تارة يكون في مقام الجعل وتارة في مقام الامتثال فان كان مراده التشريع في مقام الامتثال فيكون مرجع الشك في صورة اعتقاد ان الواجب هو ركوعان مستقلان أيضا إلى الشك في ان عدم هذا الزائد شرط أم لا والأصل يقتضى البراءة كما في الصورة الثانية.

وان كان البحث في مقام الجعل ففي الصورتين يكون إشكال التشريع وأن الداعي يكون هو الأمر الخياليّ ولا يكفي في الامتثال للأمر الواقعي والحاصل على فرض الخطاء في التطبيق لا إشكال في الصورتين الأوليتين وعلى فرض التصرف في الجعل فالإشكال فيهما.

واما الصورة الثالثة فعلاجها التمسك بالبراءة للشك في كون الوجود الثاني باعتقاد فساد الأول أو كونه أفضل مضرا بالعمل لرجوعه إلى الشك في زيادة قيد.

وقال الهمدانيّ قده ان الأدلة الدالة على فساد ما زيد فيه بقوله عليه‌السلام من زاد في صلاته فعليه الإعادة تكون منصرفة عن المقام فان من يريد تصحيح عمله لا يكون مشمولا للأدلة ألا ترى أن من يريد تصحيح بسم الله الرحمن الرحيم ويقول بس بس في أوله لا يقال انه زاد في صلاته والبحث في ذلك مفصل مربوط بباب الصلاة في الفقه.

ثم انه هل يكون صدق الزيادة منوطا بالقصد فمن لا يقصدها لا تكون الزيادة صادقة بالنسبة إليه أو يكون أعم مما قصد أم لا أو يفصل بين ما كان مسانخا كزيادة الركوع فلا يحتاج الصدق إلى القصد وما لا يكون مسانخا فيحتاج إليه لعدم صدقها بدونه أو يفصل بين الأفعال والأقوال بأن الأول محتاج إلى القصد والثاني لا يحتاج إليه بل بنفسه يكون زيادة : وجوه وأقوال :

٥٩٧

والحق أن الزيادة لا تصدق في صورة عدم المسانخة مع القصد وبدونه فان الأجنبي لا يصير جزءا بقصد الجزئية وبدونه.

لا يقال انه زيادة في العمل فان إضافة الشيرج بالدهن لا يوجب زيادة الدهن في الدهنية بل زاد الدهن بإضافته إليه من باب أنه ظرف له لا من باب انه جزئه سواء قصد ذلك أو لم يقصد. والعجب عن شيخنا النائيني قده حيث توهم أن الأجنبي بالقصد يصير زيادة. واما المسانخ فالقصد غير دخيل في صدق الزيادة بالنسبة إليه سواء كان هو الأفعال أو الأقوال فالركوع من افعال الصلاة وتعدده من تعدد المسانخ والقراءة من أقوالها وزيادتها تحصل بالتعدد سواء قصد أم لا واما الزيادة في الجزئية فلا بد من قصدها فمن انحنى بقصد قتل الحية لا يقال انه زاد في ركوعه بل انما تحصل إذا قصد الركوع ومن قرأ بعض القراءة بقصد زيادة التوجه في الصلاة متكررا لا يقال انه زاد في قراءته فثاني (١) الوجودين لا يصدق عليه الزيادة مطلقا بل في صورة

__________________

(١) أقول ثاني الوجودين فيما هو سنخ يصدق عليه الزيادة عرفا وما ذكر من عدم إبطال الركوع بقصد قتل الحية وتكرار بعض اجزاء القراءة يكون لدليل خاص فان العرف يحكم بزيادة ما هو ركوع مثلا.

فإذا فرض الركوع هو الأنحاء بالمقدار المعلوم مع القصد إلى العنوان أي عنوان الجزئية وكونه ركوع الصلاة لا القصد في أصل العمل الّذي يكون لا بد منه فما لا قصد فيه لا يكون ركوعا أصلا ولا شك فيه.

واما لو كان الركوع هو الأنحاء بالمقدار المعلوم بدون دخل القصد فلا شبهة في صدق الزيادة عرفا ففي المسانخ يكون الحق مع النائيني قده من أن القصد غير دخيل إذا كان مراده عدم دخل القصد في لسان الدليل.

واما في غير المسانخ فلا تصدق الزيادة عرفا ولو قصد الجزئية خلافا له قده بل هو إيجاد شيء في العمل يكون الكلام في إبطاله للصلاة وعدمه واما ما ورد من أن سجدة العزيمة زيادة في المكتوبة فهو عند العرف أيضا يرى سجدة زائدة للصلاة لعدم الفرق من حيث الكيفية مع سجدة الصلاة وقوله عليه‌السلام أنها زيادة في المكتوبة يكون هي حسب فهم العرف.

٥٩٨

قصد الجزئية مع كونها مسانخا ففي صورة عدم القصد أو عدم المسانخة لا تصدق الزيادة.

ثم انه ربما يظهر من بعض الروايات (١) أن الزيادة صادقة حتى مع قصد الخلاف أيضا فان من سجد سجدة العزيمة يقال انه زيادة المكتوبة مع أنه قصد سجدة العزيمة لا سجدة الصلاة وهذا هو قصد الخلاف ومعه يكون التعبير في الخبر بأنها زيادة في المكتوبة فما ورد من الحكم للزيادة يكون أعم من العرفية وإلّا يلزم أن لا تصدق في زيادة سجدة العزيمة أيضا ولكن يمكن الجواب عما ورد من الخبر بان صدق الزيادة يكون من باب العناية ونوع من المجاز وإلّا فكيف لا تكون هذه الزيادة في الصلوات المستحبة مبطلة مع أنه لا فرق بين الواجب والمستحب في صدقها فيكون هذا الحكم لخصوص ما وقع من السجدة في الصلاة الواجبة ولا يكون مضرا بالقاعدة التي مهدناها في صدق الزيادة فهذا دليل خاص وفي كل مورد لم يكن هذا النحو من الدليل تكون القاعدة محكمة.

هذا كله في حكم الزيادة إذا كان الحكم معلوما واما إذا شك في بطلان العمل بشيء زاد المكلف فيه فيكون المرجع الأصل.

في استصحاب الصحة في صورة الشك في إبطال الزيادة

اعلم انه ربما يقال ان مقتضى استصحاب صحة الاجزاء السابقة هو عدم إضرار الزيادة بالعمل سواء كان مضرية الزيادة من باب رجوعها إلى النقيصة أو من باب وجود المانع أو من جهة نفس العنوان فصحة الاجزاء مع لحوق البقية تنتج صحة العمل.

وقد أشكل عليه الشيخ قده بأنه لا وجه لاستصحاب الصحة بالنسبة إلى المجموع وبالنسبة إلى الاجزاء السابقة لأن المجموع لا يكون له حالة سابقة ضرورة انه لم

__________________

(١) في الوسائل ج ٤ باب ٤٠ من أبواب القراءة في الصلاة ح ١ عن زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام قال لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فان السجود زيادة في المكتوبة.

٥٩٩

يتحقق بعد وما كان تحققه الا بعد ضم البقية لو صح الضميمة ولا يتصور استصحاب صحته الا في مثل الشك في أن العجب المتعقب بالصلاة هل هو مبطل أم لا فان استصحاب الصحة له وجه في هذه الصورة لتمامية الصلاة قبل وليس هذا محل الكلام في المقام.

واما الاستصحاب بالنسبة إلى الاجزاء السابقة أيضا فلا يمكن لأنه أن أريد من الصحة التأهلية فلا شك فيها فان الاجزاء لو لم يكن لها مانع يمكن إلحاق البقية إليها وبمعنى تطابق المأمور به للمأتي به أيضا لا شك فيها لأن ما سبق يكون مطابقا للأمر.

واما استصحابه فعلا بمعنى الصحة الفعلية التي لا يكون ما وقع مانعا فلا طريق لنا إليه لأن الاجزاء ارتباطية واحتمال كون الزيادة قاطعا للارتباطية لا يكون له دافع واما الصحة بنحو التعليق بمعنى انه قبل وجود الزيادة كانت الاجزاء صحيحة وبعده يكون الشك فيها فغير جار لما حرر في محله من عدم جريان الاستصحاب التعليقي فلا وجه لجريان الأصل مطلقا.

وقد أجيب عن الأول بأن المركب وان لم يكن مجموعه حاصلا ولكن هذا غير عزيز في الاستصحاب فان الزمان مثل الليل والنهار يستصحب وجوده بواسطة وقوع أول جزء منه فان الليل يستصحب وهكذا النهار والزماني أيضا مثله فإذا تحقق أول اجزاء الصلاة ثم شك في القطع يتمسك باستصحاب بقاء الصلاة بحالها.

واما عن الثاني فبأنه ليس المراد من استصحاب الصحة الصحة التأهلية ولا التعليقية بل الصحة الفعلية فان لكل جزء من الاجزاء مصلحة وامر وقد تحقق الامتثال بالأمر وحصلت المصلحة والأصل بقاء ما تحقق بحاله فلا إشكال في ضم البقية إليه.

ولكن الجواب عن الجوابين هو انا لا يكون شكنا بالنسبة إلى ما سبق من الاجزاء فقط بل يكون الشك في صحة ما لحق ولا حالة سابقة لهذه الاجزاء فلو كان ما وقع في الوسط مانعا عن الضم لا يكون للباقي قابلية الصحة والضم إلى البقية واستصحاب الصحة بالنسبة إلى ما سبق لا يثبت صحة ما لحق الا على فرض جريان الأصل المثبت لأن من الآثار العقلية لصحة ما سبق هو صحة ما لحق أيضا.

٦٠٠