مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

كان صحيحا ولكن لا يجدى بالنسبة إلى عدم الاحتياج إلى مقدمة الأسوئية إلّا على فرض ان يكون أصل جواز العمل بخبر الواحد مفروغا عنه ولكن لخبر الفاسق شرط لا يكون هو لخبر العادل فعليه لا نحتاج إلى المقدمة المذكورة.

واما على فرض عدم مفروغية جواز العمل بخبر الواحد بل كونه في صدد أصل الجواز فيكون وجوب التبين مقدمة للعمل فيكون مرجع هذا الوجوب إلى الوجوب الغيري فهو شرط لوجوب العمل بخبر الفاسق واما نفى هذا الوجوب بالنسبة إلى خبر العادل باقتضاء المفهوم فله فردان عدم وجوبه لعدم وجوب العمل بخبر العادل وعدم وجوبه لعدم جواز العمل بخبره وحيث ان الثاني يوجب أن يكون العادل أسوأ حالا من الفاسق فيتعين الأول وهو ان وجوب العمل بخبره لا يكون مشروطا بهذا الشرط.

والحاصل بعد إسقاط احتمال الوجوب النفسيّ في التبين يدور الأمر بين الوجوب الشرطي ولازمه كون الأمر إرشادا والوجوب المقدمي الغيري فيكون الأمر مولويا وإذا دار الأمر بينهما فالحمل على المولوية مقدم لظهور الأمر فيها وبما ذكرنا يلزم ضم مقدمة الأسوئية.

هذا مضافا بأنه يمكن ان يقال لا يكون هذا الشرط رأسا بالنسبة إلى خبر العادل بل عدم كونه فيه يكون لأنه يحصل الوثوق غالبا منه فلو فرض خبر عادل لم يحصل به الوثوق النوعيّ يكون هذا الشرط فيه أيضا لأنه أيضا موجب للندم على ما هو الظاهر من التعليل في ذيل الآية ، ولا يخفى انه لا يضر بأصل حجية خبر العادل لأن المدار على الوثوق النوعيّ فحيث حصل يكفى وإذا لم يحصل الوثوق للنوع أيضا لا يجب العمل بخبره هذا كلامه قده رفع مقامه.

والجواب عنه قده تأييدا للأنصاري قده هو ان الوجوب النفسيّ إذا كان غير صحيح لكونه خلاف التعليل في ذيل الآية وخلاف تناسب الحكم والموضوع فيكون الوجوب شرطيا ثم ان كان المراد بالوجوب الشرطي هو الإرشاد إلى أن التبين شرط للعمل بخبر الفاسق ليرجع إلى حكم وضعي وهو إناطة حجية الخبر

١٦١

بالتبين كما ان العام قبل الفحص عن المخصص لا يكون حجة فهذا خلاف ظاهر الآية لعدم الخصوصية في التبين لإثبات حجية الخبر وله فارق مع العام لأن الفحص عن المخصص يكون لتحصيل الظهور وهنا ليس كذلك.

واما ان كان معنى الوجوب الشرطي هو الإرشاد إلى الوثوق فانه إذا تفحصنا عن خبر الفاسق يحصل لنا الوثوق بصدقة وكذبه فيكون التبين مقدمة لتحصيل الوثوق فيكون وجوبه وجوبا غيريا فيصير الآية ان التبين يجب لتحصيل الوثوق وحيث ان العادل يكون الوثوق بالنسبة إليه حاصلا من الأول فلا يحتاج إلى التبين فيكون عدم وجوب التبين لعلو شأن العادل ولا نحتاج إلى ضم مقدمة الأسوئية فان أصل الوجوب يكون لتحصيل الوثوق فالوجوب الغيري بهذا المعنى يمكن أن يكون بالنسبة إلى التبين واما الوجوب المقدمي بمعنى ان يكون للتبين دخلا في العمل بخبر الفاسق فلا نسلمه.

اما مفهوم الوصف فائضا بيّنه الشيخ واستنتج منه وهو مع عدم كونه حجة على ما حرر في محله ولكن يمكن ان يكون حجيته في المقام لنكتة وخصيصة فيه وإلّا فإذا قيل النبأ مع كونه عن الفاسق يجب التبين عنه مثل ما إذا قيل أكرم زيدا الجائي فيمكن ان يكون للموصوف خصوصية فليس الدخل في طبيعة الإكرام أو طبيعة التبين على ما هو المشهور في أخذ المفهوم.

واما تقريبه في المقام فهو أن المحمول أنيط بموضوع مركب من امر ذاتي وهو كونه نبأ واحد أو عرضي وهو كونه نبأ الفاسق ويجب في أخذ المفهوم أن يكون ما أنيط به علة منحصرة تامة أعني بخصوصيته الخاصة دخيلا في الحكم فالفسق والنبأ يكونان كلاهما أو أحدهما علة منحصرة وإذا انتفى كلاهما أو أحدهما انتفى ما أنيط به لانتفاء العلة أو أحد اجزائها على فرض كون المركب هو العلة لا أحدهما المعيّن.

وإذا اجتمع العنوانان الذاتي والعرضي فان كان الدخيل في الحكم وما يكون شرطه هو الجهة الذاتيّة يجب ان يقدم في مقام بيان الإناطة ففي المقام الخبر يكون

١٦٢

هو الجهة الذاتيّة وكونه عن فاسق هو الجهة العرضية فلو كان الخبر من حيث هو يحتاج إلى التبين يجب أن يذكر نفسه علة منحصرة للتبين لا كونه عن فاسق فيعلم منه انه يكون خصيصة في الفسق فلو لم يكن المخبر فاسقا لا يجب التبين فإذا كان المخبر عادلا فلا يجب التبين.

والجواب (١) عنه أن الخبرية وكون الخبر عن الفاسق إذا اجتمعا في الكلام لا تقدم لأحدهما على الآخر من حيث كونه علة فكما يمكن ان يكون ذات الخبر علة كذلك يمكن ان يكون الفسق علة للتبين فالمهم ان يقال الخبر الّذي جاء به الفاسق الّذي يكون حصة من الخبر يكون منوطا بالتبين واما حصته الأخرى وهي ما عن العادل فلا يكون منوطا بالتبين لأنه يكون خلاف الارتكاز فإن العادل يكون موثوقا عند العقلاء في نفسه.

ويمكن التقريب بنحو آخر وهو ان التبين يكون لاحتمال كذب خبر الفاسق فيكون موضوعه خبره وخبر العادل حيث لا يكون فيه احتمال الكذب لا يكون موضوعا للتبين فيكون تمام سنخ التبين في صورة مجيء الفاسق بالخبر لهذه النكتة وإلّا فقد حرر في محله ان مفهوم الوصف لا يكون حجة.

وينبغي هنا إشارة إجمالية إلى ان كل وصف أو شرط يكون محقق الموضوع (بمعنى انه لو لم يكن الموضوع للقضية ويصير الانتفاء لانتفاء الموضوع) لا يكون له المفهوم مثل ما إذا قيل ان ركب الأمير فخذ ركابه فانه إذا لم يركب لا يكون معنى للأخذ ٠ بركابه وهذا النحو لا يكون له المفهوم واما ما لا يكون محققا للموضوع فيمكن ان يكون له المفهوم.

__________________

(١) أقول مراد الشيخ قده هو ان الخبر ان كان سببا يلزم ان يذكر فقط ولا دخل لإضافة مجيء الفاسق به فذكر القيد يدل على ان الخبر بنفسه لا يكون فيه الإشكال بل خبر الفاسق ولا يكون هنا في مقام إثبات تقدم الذات على الصفة حتى يقال كل مقام يكون كذلك ولا خصيصة للذكر هنا.

١٦٣

ثم انه قد أشكل على الآية بإشكالات بعضها قابل للذب عند الشيخ قده وبعضها غير قابل له الأول هو ان الشرط محقق للموضوع هنا مثل ما إذا قيل ان ركب الأمير فخذ ركابه فانه ما دام لم يكن ركوب لا يكون معنى لأخذ ركاب الأمير لعدم الموضوع له والمقام أيضا كذلك فانه ما دام لم يكن خبر لا معنى للتبين فلا مفهوم لهذا الوصف أو الشرط ولتنقيح الموضوع في المقام أي في الآية ينبغي ان نتعرض لبيان الأنصاري والخراسانيّ وشيخنا الأستاذ العراقي قدس‌سرهم.

فقال الشيخ الأنصاري قده ان الموضوع مركب من النبأ وكون الجائي به الفاسق والمحمول هو التبين فإذا لم يأت الفاسق بالخبر فلا يكون الموضوع متحققا فلذا لا يكون الحكم عليه بوجوب التبين أيضا متحققا فيكون الانتفاء لانتفائه ولا يكون شيء آخر وهو خبر العادل حتى نقول يجب التبين بالنسبة إليه أم لا فلم يكن الموضوع ذات الخبر بل خبر الفاسق فلا يكون له مفهوم لانحصار الحكم على هذا بهذا الموضوع وهي ساكتة عن حكم ساير الموضوعات وهذا هو الظاهر من الآية.

وفيه ان الظاهر من الآية هو ان الموضوع هو النبأ وشرطه هو مجيء الفاسق به ويمكن بقاء الموضوع بدون الشرط وما ادعاه من الظهور ممنوع.

واما تقريب الخراسانيّ قده فهو انه يقول الموضوع يكون هو النبأ والشرط يكون هو الربط بين النبأ والفسق فإذا سقطت الإضافة بينه وبين الفسق لا يكون الحكم وهو التبين متحققا فإذا جاء العادل بالنبإ لا يكون التبين واجبا لسقوط الربط بين النبأ والفسق فانه معنى حرفي قائم بالطرفين فإذا سقط الربط يبقى الخبر وهو لا يجب فيه التبين.

لا يقال ان تحقق النبأ يكون بواسطة مجيء الفاسق وبدونه ينتفي الموضوع فيكون سالبة بانتفاء الموضوع لأنا نقول شخص هذا الخبر يكون الجائي به الفاسق ولولاه لانتفى واما طبيعي الخبر فلا فيكون موجودا في ضمن خبر العادل.

لا يقال لو كان الموضوع طبيعي النبأ يجب ان يكون خبر العادل الّذي هو فرد من الطبيعي أيضا واجب التبين لأنا نقول بتحصص الطبيعي بواسطة الشرط وهو

١٦٤

مجيء الفاسق ومجيء العادل فحصة منه يجب فيها التبين وحصته الأخرى لا يجب فيها ذلك.

واما تقريب شيخنا العراقي قده فهو انه يقول ان الموضوع يكون هو مهملة النبأ ومجيء الفاسق به أو العادل يكون حالا من حالاته وبالمنشار العقلي يمكن ان يحلل نبأ الفاسق بنبإ ومجيء فاسق به وهذا يكون في كل مقام فان المحمول على الموضوع بنحو اللابشرط لا بنحو بشرط شيء هو المحمول لأنه من تحصيل الحاصل ولا الموضوع بشرط عدم المحمول لأنه يلزمه التضاد فانه إذا قيل زيد قائم يكون الموضوع هو زيد لا بشرط انه قائم ولا بشرط أنه غير قائم فإذا كان الموضوع للتبين هو النبأ فلا محالة يرجع قيد مجيء الفاسق به إلى الحكم فإذا رجع إلى الحكم يبقى النبأ في صورة عدم مجيء الفاسق به غير واجب التبين.

وبعبارة أخرى القيد اما ان يرجع إلى الموضوع أو إلى الحكم فان رجع إلى الموضوع يكون انتفاء الحكم لانتفاء موضوعه واما إذا رجع إلى الحكم فلا يكون كذلك بل الموضوع منحفظ ويجب ملاحظة ان القيد يكون قيد سنخ الحكم أو شخصه فعدم مجيء الفاسق بالخبر اما ان يكون لعدم الموضوع أو لكون الجائي به العادل ولا يجب التبين بالنسبة إليه وهو المطلوب فليس الشرط محققا للموضوع واما ما عن الخراسانيّ (قده) فهو يكون خلاف ظاهر الآية والفهم العرفي يساعد ما ذكرناه.

وفيه ان قوله كلام الخراسانيّ (قده) خلاف ظاهر الآية لعدم العرفية ممنوع لأن تحليل ما ذكره الأستاذ قده يكون هو كلام الخراسانيّ قده واما أصل بيانه فهو متين هذا أولا.

وثانيا إشكال كون الشرط محققا للموضوع يكون صحيحا على مبناه واما على مبنى المشهور فحيث ان الطبيعي أنيط بالفسق يكون للوصف مفهوم ولا مفهوم له على مبناه من باب انه يلزم إثبات ان المحمول وهو التبين يكون نسخه منوطا بمجيء الفاسق بحيث يرجع القيد إلى الحكم وهو غير ثابت واما نحن فنقول

١٦٥

المدار كله على إثبات كون المحمول سنخا سواء كان الشرط محقق الموضوع أم لا.

فان قلت مقتضى الأدب هو عدم المفهوم للشرط المحقق للموضوع. قلت هذا صحيح ولكن في المقام خصيصة وهي ان تناسب الحكم والموضوع يحكم بأن التبيّن هنا يكون بالنسبة إلى الفاسق لعدم الأمن من كذبه واما العادل حيث يكون مأمونا فلا يكون التبين بالنسبة إليه وبهذا يثبت ان المحمول يكون سنخا ولو كان المفهوم مفهوم الوصف والشرط محقق للموضوع وكل مورد كان كذلك يكون مفهومه حجة.

الإشكال الثاني هو ان ذيل الآية وهو قوله أن تصيبوا قوما بجهالة يمنع عن أخذ المفهوم لأن العلة لوجوب التبيّن إصابة القوم بجهالة وتصديق العادل أيضا يكون فيه احتمال عدم المطابقة مع الواقع والعادل وان كان مأمونا عن الكذب ولكن لا يكون مأمونا عن الخطاء فيحتمل ان لا يطابق خبره الواقع فتحصل الندامة بقبول قوله فيكون خبره أيضا واجب التبين فلا تدل الآية على حجية خبر العادل.

والقول بأن عموم العلة يخصص بخبر العادل لا وجه له لأن التخصيص فرع الحجية.

والجواب عن هذا الإشكال أولا هو أن الجهالة تكون بمعنى السفاهة في المقام لأن تناسب الحكم والموضوع يحكم بأن إصابة القوم بجهالة بالنسبة إلى الفاسق يكون من جهة ان الناس يلومون من يعمل بخبر الفاسق ويرونه خارجا عن زيّ العقلاء واما من عمل بخبر العادل فلا يكون كذلك فانهم لا يلومون من عمل بخبره فالندامة أيضا ترجع معناها إلى الملامة فيكون العامل بخبر الفاسق ملوما دون العامل بخبر العادل والجهل لا يكون هنا في مقابل العلم ولا يكون الملامة لمخالفة الواقع وموافقته فان خالف الواقع يكون للعامل ندامتان ندامة لقبول قول الفاسق وندامة لخلاف الواقع وان وافق الواقع فندامة واحدة وهي للخروج عن زيّ العقلاء بهذا العمل وعلى هذا يقال الآية تكون إرشادا إلى ما حكم به العقل ولا تكون مستقلة في جعل الحجية فالسند في الواقع بنائهم.

١٦٦

ويمكن ان يقال ان الآية تكون في صدد جعل الحجية ولكنها كاشفة عن جعلها في رتبة سابقة.

والحاصل ينبغي ان يقال ان الآية سواء كانت إمضاء لبنائهم أو إرشادا يكون هذا لملاك الوثوق وحيث ان العادل يكون الوثوق بالنسبة إلى خبره حاصلا يصح العمل به واما الفاسق فلا يكون موثقا وإصابة القوم بالجهالة تكون موجبة للندامة سواء كان للتمسك بخبر العادل أو الفاسق ولكن الجهالة التي نشأت عن الوثوق لا توجب الندامة والندامة التي نشأت عن عدم الوثوق توجب الملامة والندامة.

واما الجواب ثانيا فبالحكومة وهو ان العلة تدل على النهي عن متابعة الجهل ومتابعة العلم والصدر حيث يكون موجبا لصيرورة خبر العادل علما فيكون الخروج خروجا موضوعيا ومتابعة العلم التعبدي أيضا مثل متابعة العلم الوجداني فان مفهوم الصدر يدل على حجية خبر العادل ولا يعارضه الذيل والحكومة غير التخصيص فانه يكون مع انحفاظ الموضوع بخلافها ففي المقام يكون العمل على خبر العادل بعنوان انه علم لا بعنوان انه جهل.

لا يقال كما عن العلمين والشيخ محمد حسين الأصفهاني بأن الحكومة إذا كانت في دليلين منفصلين مستقلين لا إشكال فيها واما في المقام فحيث يكون في كلام واحد بالنسبة إلى الصدر والذيل فلا ينعقد المفهوم أولا لأن الذيل يمنع عن اقتضاء الصدر فعليا للمفهوم حتى يصير حاكما فيتوقف الحكومة على عدم المعارضة مع الذيل وعدم المعارضة يتوقف على الحكومة فهي متوقفة على نفسها بملاك تقدم الشيء على نفسه وهذا دور واضح فلا يصح الجواب بالحكومة.

والجواب هو ان المزاحمة لا تكون أصلا لما مر من البيان بان المائز بين تبعية خبر العادل وبين خبر الفاسق فطري بحمل الجهالة على السفاهة فإذا لم يكن إصابة القوم بجهالة بمعنى السفاهة وكان ناشئا عن امر عقلائي لا إشكال فيه.

ثم انه قد أشكل شيخنا العراقي قده على الحكومة بأنها تكون صحيحة على فرض القول بأن حجية الأمارات تكون من باب تتميم الكشف واما على مسلك

١٦٧

الشيخ القائل بتنزيل المؤدى والخراسانيّ القائل بجعل الحجية فلا تصح لعدم حدوث فرد من العلم حتى يقال تبعية خبر العادل لا تكون من الجهل بل هي علم تعبدا حتى يصح الحكومة فالنسبة اما تكون بين الصدر والذيل العام والخاصّ المطلق أو من وجه فيقدم عموم العلة على مفهوم الصدر للأظهرية ويقال بأنه لا فرق بين خبر العادل والفاسق فيجب التبيّن فيهما حتى يحصل العلم.

ولا يقال عليه قده بأن المقام يمكن ان يكون مثل رواية مسعدة بن صدقة لأنها كما تستفاد منها من قوله عليه‌السلام كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام قاعدة الطهارة والحلية واستصحابهما فالصدر يدل على القاعدة والذيل على الاستصحاب ويكون هذا كاشفا عن جعل القاعدة والأصل في رتبة متقدمة وهذا اخبار عنهما فالمقام أيضا كذلك فانه يكون اخبارا عن حجية قول العادل.

فإذا كان اخبارا فيكون مثل الدليل المنفصل المستقل الّذي يستفاد منه الحكومة ولا كلام فيه ولا نريد إثبات الحكومة بصدر هذا الدليل حتى يلزم تعارض الصدر والذيل والدور.

لأنه قده يقول ان المزاحمة والدوران تكون بالنسبة إلى المكشوف لا الكاشف أعني يكون عموم العلة في الذيل بالنسبة إلى حجية خبر العادل واقعا لا بالنسبة إلى ما هو الكاشف عنه فانه ليس إلّا إنشاء وهو لا يكون إلّا لإبراز ما هو المراد.

فلا بد ان يقال بأن الذيل لا يزاحم الصدر أصلا من باب ان الغريزة على ان تبعية خبر العادل الموثق لا يعد في العقلاء جهالة بمعنى السفاهة ولا يوجب الندامة بمعنى الملامة لو خالف الواقع عندهم ولا إشكال في كون الصدر اخبارا عن الجعل أيضا على ما ذكر.

والإشكال الثالث هو ان خبر الفاسق لو لم يكن معتمدا فكيف اعتمد الصحابة على خبر الوليد الفاسق وفيه انهم لم يعلموا فسقه لإظهاره الإسلام والآية تخبر عن فسقه فقبول قوله لم يكن مع فسقه بل للوثوق هذا بيان الإشكالات المختصة بالآية.

١٦٨

في الإشكالات المشتركة بين الآية والاخبار وغيرها

في الخبر الواحد

واما الإشكالات الغير المختصة أي المشتركة بينها وبين الاخبار وساير الأدلة فمن الحري ان نذكر بعد الاستدلال بها ولكن حيث قدمها الشيخ قده قدمناها تبعا له.

فمنها هو أن البحث عن حجية خبر الواحد يكون لإثبات حجية الاخبار الصادرة عن الأئمة عليهم‌السلام وهو في زماننا يكون مع الواسطة بنقل بعض الرّواة عن بعض مثل نقل الطوسي قده عن المفيد وهو عن الصفار وهو عن العسكري صلوات الله عليه والآية لا تشمل هذا النحو من الاخبار فلا اعتماد عليها بوجوه من التقريب للإشكال.

الأول انها منصرفة إلى الاخبار بدون الواسطة وما صدر يكون مع الوسائط والجواب عنه كما عن الأنصاري قده ان الاخبار كلها يكون بدون الواسطة فانه إذا أخبر الشيخ عن المفيد وهو عن الصدوق وهو عن الصفار يكون كل واحد منهم ينقل ما وجده من غيره بدون الواسطة إلى أن يبلغ إلى الإمام عليه‌السلام لا ان يكون مراد القائل هو ما لا يكون له الواسطة عنه عليه‌السلام.

الوجه الثاني من الإشكال في الاخبار مع الواسطة هو عدم الأثر الشرعي وبيانه هو ان كل موضوع تعبدي يجب ان يكون ذا أثر شرعي حتى يصح التعبد به مثل جواز قبول قول العادل في الشهادة على العدالة للأثر الشرعي وهو جواز الاقتداء وفي المقام يكون مفاد قول من يخبر بالواسطة قول أحد من الرّواة أو الفقهاء وقولهم من حيث هو هو غير حجة بل ما هو الحجة هو قول الإمام عليه‌السلام من باب ان قوله وفعله وتقريره حجة لنا بواسطة الدليل الدال عليه ووجوب إطاعة أولي الأمر الذين فرض الله طاعتهم.

والراوي الّذي لا يكون واسطة بينه وبين الإمام عليه‌السلام ويكون مفاد قوله عليه‌السلام لم نجد خبره بالوجدان وما وجدناه لا يكون له الأثر فطرف من الخبر الّذي يمكن

١٦٩

يمكن الاعتماد عليه ما وصل إلينا وما وصل لا يكون له الأثر.

وقد أجيب عن هذا الإشكال بأنه حيث يكون قول كل عادل واجب التصديق بواسطة الأمر بتصديق العادل لا إشكال في التعبد بقول من ينقل عن الواسطة واثره الشرعي يكون هو تصديق الواسطة وكما ان التعبد بالاحكام النفسيّة واجب كذلك التعبد بالاحكام الطريقية.

وأجيب عن الجواب بأن كل حكم يجب أن يكون موضوعه مفروغا عنه ويكون له الأثر وهنا يريد القائل ان يثبت الموضوع بنفس الحكم فان قول الطوسي مثلا لا يثبت إلّا بتصديق العادل الذي يكون اثره تصديق عادل آخر فتصديق العادل الثاني متوقف على تصديق العادل الأول فتصديق العادل يتوقف على تصديق العادل وهذا دور محال ضرورة انه ما لم يصدّق الأول لم يحصل الموضوع للتصديق الثاني وبعبارة أخرى تصديق العادل يتوقف على وجود الأثر الشرعي والأثر الشرعي يتوقف على تصديق العادل.

والجواب عنه لرفع الدور هو انه لا إشكال في كون الأوامر انحلالية في الأحكام النفسيّة فإذا جاء الأمر بالصلاة ينحل إلى كل فرد من افراده بالنسبة إلى كل فرد من المكلفين بالنسبة إلى كل حال مثل كونها في المسجد أو في الدار فكذلك الأحكام الطريقية فان الأمر بتصديق العادل لوجدان الحكم الشرعي يكون انحلاليا وكل فرد من افراد العدول يكون له أحد أفراد وجوب التصديق بالانحلال ولا فرق بين كون الافراد طوليا مثل الاخبار مع الواسطة أو عرضيا كما إذا كان الناقلون كلهم ناقلين عن الإمام عليه‌السلام فكما لا إشكال في الثاني لا إشكال في الأول.

ووجه الطولية هو انه ما لم يصدق الأول لا يكون الوجه لتصديق الثاني والثالث وهكذا ضرورة أن تصديق كل واحد في الرتبة السابقة يثبت الخبر اللاحق ثم يجب تصديقه بعد إثباته فان تصديق الطوسي (قده) مثلا يكون موجبا لإثبات قول المفيد (قده) وما لم يصدّق الأول لا يثبت القول الثاني حتى يكون عليه الحكم بوجوب التصديق وهذا الحكم الطريقي هو الأثر الشرعي فان تصديق الأول يثبت موضوعا

١٧٠

ذا حكم طريقي.

لا يقال الانحلال في الأحكام إذا كان الموضوع عرضيا لا يكون عزيزا كما في أوفوا بالعقود وأحل الله البيع وأما الأحكام الطولية بالنسبة إلى الموضوعات الطولية فلا يكون كذلك كما عن بعض الاعلام.

لأنا نقول الانحلال إلى الموضوعات الطولية أيضا غير عزيز في الفقه كما في وجوب الشرط والمقدمة بالنسبة إلى المشروط وذي المقدمة مثل الصلاة والطهور فان الأمر بالصلاة ينحل إلى المقدمة وذي المقدمة ولكن أحدهما في طول الآخر فانه ما لم يحصل المقدمة لا يكون وجه لحصول ذي المقدمة ففي المقام أيضا لا إشكال في صيرورة الأمر بتصديق العادل طوليا من حيث الوسائط.

لا يقال ان الأحكام التكليفية لو كان الاعتقاد بها واجبا تعبدا لكان التعبد والاعتقاد بتصديق كل عادل لازما ويحصل الانحلال واما إذا لم يكن كذلك فلا يجب تصديق كل عادل بل ما هو الواجب هو التصديق بالنسبة إلى ما يكون مفاده حكما عمليا لأن الاعتقاد بالاحكام غير لازم وهنا يكون ما له الأثر هو الذي ينقل عن الإمام عليه‌السلام بلا واسطة واما غيره فيكون الإشكال فيه بحاله.

لأنا نقول فيما نحن بصدده يكون لكل واحد من افراد التصديق دخلا في الأثر الّذي يكون هو قول الإمام عليه‌السلام بما ذكرنا من أنه ما لم يصدّق الراوي بالواسطة لا يثبت خبر الراوي بلا واسطة واما إذا صدق فيثبت موضوع الآخر فإذا كان مقول قول زرارة مثلا تجب الصلاة يكون الوسائط بالاخرة واصلا إليه هذا أولا.

وثانيا ان التعبد يحتاج إلى الأثر الشرعي واما وجوب كون هذا الأثر بالفعل وبلا واسطة فلا نسلمه بل يكفى ان يكون بالقوة ولا يكون التعبد لغوا ويندفع المحذور بحذافيره.

وبيانه انا إذا صدقنا المفيد بواسطة قبول قول الطوسي (ره) وكان اثره قول زرارة الذي يكون اثره قول الإمام عليه‌السلام يكفى لأنه يكون في سلسلة ما له الأثر كما في صورة استصحاب بعض اجزاء الموضوع فان ما له الأثر يكون تمام الموضوع

١٧١

ولكن ما يثبت جزئه أيضا يكون دخيلا في ترتيب أثر الكل فالتعبد به بلحاظه لا إشكال فيه ثم ان شيخنا النائيني (قده) قال بأن المسلك في باب حجية الأمارات ان كان تتميم الكشف فلا يكون إشكال في المقام لأن تصديق كل واحد من الوسائط يكون مثل صورة وجدان قوله واما إذا كان المسلك تنزيل المؤدى كما عن الشيخ الأنصاري (قده) أو جعل الحجية كما عن الخراسانيّ (قده) فلا بل الإشكال بحاله ولم يبين (قده) وجه الفرق.

وأجاب عن شيخنا العراقي (قده) بأنه ان كان المراد ان الدخل في الأثر كاف لوجوب التصديق فهو الذي نقول وان كان المراد ترتيب الأثر على كل خبر من الوسائط فيكون الإشكال بحاله لعدم الأثر الشرعي ولا فرق من هذه الجهة بين كون المسلك تنزيل المؤدى أو الجعل أو تتميم الكشف وإحراز الموضوع وان كان بواسطة التعبد بالحكم ولكن لا يكون دخيلا فيه فان ما هو واجب التصديق يكون هو النبأ لا النبأ المحرز حتى يقال انه بتتميم الكشف يحصل الإحراز وبالجعل والتنزيل لا يحصل مثل العدالة فان ما يترتب عليه الأثر وهو جواز الاقتداء وقبول الشهادة يكون هو العدالة لا العدالة المحرزة.

فالحق هو الجواب بالانحلال كما مر والقول بعدم الفرق بين الافراد العرضية والطولية إلّا انه يبقى الكلام في أنه من أيّ جهة صار أحد افراد صدّق حاكما على الآخر فان الخبر بالوجدان يكون منشأ الأثر وفي المقام نريد ان نثبت الخبر بواسطة تصديق العادل الأول ليترتب عليه حكم التصديق وسيجيء عند الوجه الرابع من الإشكال.

لا يقال ان الانحلال يكون بالنسبة إلى الأحكام العرضية اما الطولية فلا يكون فيها الانحلال لتقدم البعض على البعض من حيث الرتبة لأنا نقول يكون المقام مثل دخل قصد الأمر الناشئ من قبله في الامتثال فان الأمر كما يمكن ان ينحل إلى اجزاء الصلاة وقصد امرها في الواقع ولكن في مقام الإثبات نحتاج إلى دال له بتعدد الأمر بأن يقال صل ثم يقال صل الصلاة بدعوة امرها الكاشف عن ان المراد بالأمر

١٧٢

بالصلاة هو الأمر بالأمر أيضا فيكون اخبارا عن إنشائه. فكذلك المقام يكون انحلال صدق على جميع الافراد وبالنسبة إلى ما يكون مع الواسطة وبدون الأثر الشرعي كذلك فانه اخبار عن إنشاء الحكم على الخبر الذي يكون محقق الموضوع أيضا بعد إثبات إطلاق الدليل.

ثم ان الخراسانيّ قده أجاب عن الإشكال الذي تصور في المقام وهو الدور من ناحية عدم الأثر وبيانه منا هو أن الحكم حيث يكون على الطبيعي لا على الشخص يكون شموله لبعض الافراد وهو الذي يكون محقق الموضوع قهريا مثل قولك كل خبري صادق فان شموله لنص هذا الخبر قهري وان كان خبرية هذا الخبر قبل تمامه غير محققة حتى يكون الحكم عليه فان تحقق الموضوع قبل الحكم لازم.

ولكن حيث يكون هذا الحكم على طبيعي الخبر لا يشكل عليه بأنه كيف يمكن ان يكون الحكم محقق موضوعه فان تحقق الحكم يتوقف على تحقق موضوعه وتحقق موضوعه يتوقف على تحقق الحكم لأنه يصير من افراد الطبيعي ولو كان الحكم على شخصه لكان يلزم ما ذكر ففي المقام أيضا نقول يكون حكم وجوب تصديق الخبر الذي يكون له الأثر الشرعي لطبيعي الخبر لا للشخص حتى يقال بأن شخص خبر الطوسي (قده) لا يكون له الأثر وما يكون موضوعا هو الذي يكون له الأثر ولا يترتب الأثر الا بعد تصديقه.

وبعبارة أخرى ما هو الموجود يكون خبر الطوسي (قده) بالوجدان وهو برأسه لا يكون موضوعا بل يحتاج إلى إثبات الأثر الشرعي له حتى يصير موضوع الحكم بالتصديق وحيث ان الأثر وهو قول الإمام عليه‌السلام لا يترتب عليه الا بعد تصديقه حتى يكون مثبت موضوع صدق لما يكون له الأثر حيث أنه لا يكون موجودا بالوجدان وهذا يكون بالنسبة إلى شخص هذا الخبر بل بالنسبة إلى الطبيعي أي طبيعي خبر العادل ذي الأثر الشرعي.

والجواب عنه (قده) ان الطبيعي مهمل بنفسه ولا يكون منشأ الأثر بل الطبيعي مرآتا عن الافراد والأشخاص فيكون الحكم على الشخص بواسطة بسط الطبيعي

١٧٣

على الأشخاص والإشكال يبقى بحاله.

فالحق في الجواب هو الذي اخترناه واختاره من انحلال الأمر وعدم الفرق بين كون الأثر الشرعي حكما طريقيا آخر أو حكما نفسيا هذا أولا.

وثانيا ان المثال يكون في صورة كون افراد الطبيعي عرضيا وكلامنا في الطولي فلا يكون في الثاني إلّا تصوير الاخبار عن الإنشاء.

وله قده جواب آخر وهو أن مناط تصديق ما لا واسطة له هو عدم تعمد الكذب وهو حاصل في الاخبار مع الواسطة أيضا فانه لا فرق بين العدول.

وفيه ان الكلام كله يكون في ترتيب الأثر الشرعي وهو لا يكون في ما له الواسطة فالجواب بالانحلال أحسن.

الوجه الثالث لبيان الإشكال هو ان كل حكم يتوقف على إثبات موضوعه وهذا الوجه والوجه السابق مرتضعان من لبن واحد إلّا انه في أحد أطراف سلسلة الوسائط كان البحث عن عدم الأثر للخبر الّذي يكون بالوجدان كما في خبر الطوسي (قده) وهنا يكون الإشكال من جهة طرف آخر للسلة وهو الخبر الذي يكون له الأثر فانه غير ثابت بالوجدان فما هو ثابت لا أثر له وما له الأثر لا يكون ثابتا بالوجدان والحكم يتوقف على إحراز موضوعه.

والجواب عنه هو ما مر بتفصيله من أنه يثبت بالتعبد وجوده التعبدي ويترتب عليه الأثر فبتصديق الوسائط يثبت الموضوع ولا يبقى إشكال.

الوجه الرابع لبيان الإشكال هو أن مناط حجية الأمارات يكون هو الحكومة ولا فما يكون حجة بالأصالة يكون هو القطع وفي المقام يكون المتبع هو الخبر الذي وجدناه بالوجدان وعلى فرض حجية الخبر الواحد يكون ما وجدناه هو الحجة وفي الاخبار مع الواسطة لا بد من تصوير الحكومة بين بعض افراد صدق العادل على البعض الآخر ويتصور الحكومة فيما إذا كان لنا واقع في البين.

فانه إذا أخبر زرارة عن الصادق عليه‌السلام بوجوب صلاة الجمعة مثلا يكون الحجة هي الواجب الوجداني وبالحكومة ينزل ما أخبر به منزلة ما وجدناه وعلمناه فيكون

١٧٤

دليل تصديق العادل حاكما.

واما إذا كان حكم ظاهري ويراد تقديمه على حكم ظاهري آخر فلا يتصور الحكومة فان تصديق الطوسي قده في المقام يكون بواسطة حكم صدق وهو حكم طريقي ظاهري وهو المثبت لقول زرارة وهو أيضا حكم ظاهري فيكون صدق العادل بالنسبة إلى الطوسي قده حاكما على صدّق بالنسبة إلى زرارة وساير الوسائط كذلك وحيث انه لا حكومة بين الظاهريين لا يمكن إثبات الموضوع ببعض افراد صدّق.

والجواب عنه هو أن هذا يكون مثل حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي فكما ان تقديم أحدهما على الآخر يكون من تقديم حكم ظاهري على ظاهري آخر فكذلك المقام ، مثاله ان الشك في نجاسة الثوب المغسول ، بالماء المشكوك طهارته ونجاسته يكون مسببا عن الشك في الطهارة فإذا جرت أصالة الطهارة بالنسبة إلى الماء لا تبقى نوبة لاستصحاب نجاسة الثوب فاستصحاب طهارة الماء يكون مقدما على استصحاب نجاسة الثوب وموضوع الأصل في المسبب وهو الشك يذهب بواسطة التعبد بالطهارة في الماء.

ففي المقام أيضا وان كان موضوع صدّق هو الخبر بالوجدان ولكن بالتعبد ببعض افراده نفهم انه يكون أعم من الوجدان والتعبد فخبر زرارة وان لم نجده ولكن يكون ثابتا بواسطة التعبد بخبر المفيد والطوسي وغيرهما فلا إشكال في الحكومة أيضا من هذه الجهة.

ومن الإشكالات (١) المختصة بالآية هو أن الآية يلزم ان لا تشمل موردها وعدم شمولها لموردها يكون مستهجنا لأن مورد الآية هو اخبار الوليد عن ارتداد بنى المصطلق والاخبار عنه يكون من الاخبار عن الموضوعات التي يلزم التعدد فيها لأن الشرط في قبولها هو حصول البينة وهي لا تحصل الا باثنين فمورد الخبر

__________________

(١) الحري تقديم هذا الإشكال عند بيان الإشكالات المختصة بالآية لا بعد بيان الإشكال المشترك والأمر سهل.

١٧٥

الذي يكون واحدا لا تشمله الآية مفهوما لأنه خبر واحد وهو غير مقبول في الموضوعات سواء كان المخبر عادلا أو فاسقا فلو كان الاخبار عن الارتداد عن عادل أيضا لما كان مقبولا فلا وجه للتمسك بمفهوم الآية من هذه الجهة.

والحاصل حيث أن المورد لا يقبل فيه خبر الواحد لا يدل المفهوم على حجية خبر العدل.

وأجاب عنه الشيخ الأنصاري قده بأن غاية ما يلزم في المقام هو لزوم تقييد المفهوم بالنسبة إلى الموضوعات بما إذا تعدد المخبر العادل فكل واحد من خبر العدلين في البينة لا يجب التبين فيه بمقتضى المفهوم واما لزوم إخراج المورد فممنوع لأن المورد داخل في منطوق الآية لا مفهومها.

وجعل أصل الخبر عن الارتداد موردا للحكم بوجوب التبين إذا كان المخبر به فاسقا ولعدم الحكم بالتبين إذا كان المخبر به عادلا ، لا يلزم منه الا تقييد الحكم في طرف المفهوم وإخراج بعض افراده وهذا ليس من إخراج المورد المستهجن في شيء.

وأجاب شيخنا النائيني قده عن الشبهة بهذا التقريب وهو أن المورد انما كان من اخبار الوليد الفاسق بارتداد بنى المصطلق والآية الشريفة انما نزلت في شأنه لبيان كبرى كلية والمورد داخل في عموم الكبرى وهي قوله تعالى ان جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا فإن خبر الفاسق لا اعتناء به مطلقا في الموضوعات سواء كان واحدا أو متعددا وكذلك في الأحكام.

واما المفهوم فلم يرد كبرى لصغرى مفروضة الوجود والتحقق لأنه لم يرد في مورد اخبار العادل بارتداد بنى المصطلق بل يكون حكم المفهوم من هذه الجهة حكم سائر العمومات الابتدائية التي لم ترد في مورد خاص قابل للتخصيص بأي مخصص فلا مانع من تخصيص عموم المفهوم بما عدى الخبر القائم في الموضوعات ولا فرق بين المفهوم والعام الابتدائي سوى أن المفهوم مما تقتضيه خصوصية في المنطوق بخلاف العام الابتدائي الّذي لم يرد في مورد خاص ولا ملازمة بين

١٧٦

المفهوم والمنطوق من حيث المورد حتى إذا كان المنطوق في مورد خاص يكون المفهوم أيضا كذلك بل اللازم أن يكون الموضوع في المنطوق عين الموضوع في المفهوم وهو الاخبار عن الارتداد في المقام.

وأجاب عما أفاده الشيخ قده بعد تسليم كون مورد المفهوم هو الخبر بالارتداد فلا محالة يلزم خروج المورد عن عموم المفهوم ولا بد حينئذ من تقييد عموم المفهوم بما ينطبق على المورد فإذا كان المورد مما يعتبر فيه التعدد فالمفهوم يختص بالبينة ولا يصح التمسك به لحجية الخبر الواحد لأن الآية يجب ان تكون في مقام بيان كبرى لصغرى المورد.

وأجاب عنه شيخنا العراقي بما حاصله أن المفهوم لا بد ان يكون تابعا للمنطوق فإذا كان الموضوع في المنطوق هو النبأ الكلي الشامل للخبر عن الارتداد فلا محالة يجب أخذه في طرف المفهوم أيضا فالمفهوم لا يكون ح كليا غير ناظر للمنطوق ليكون كسائر العمومات الابتدائية قابلا للتخصيص فيبقى الإشكال بحاله ثم اختار ما أفاده الشيخ قده.

والحق هو تمامية قول الشيخ وعدم ورود إشكال النائيني عليه كما انه لا يرد إشكال شيخنا العراقي أيضا على النائيني قده لأنه قده أيضا سلم وجوب كون الموضوع في المنطوق والمفهوم واحدا كما ان الشيخ قده أيضا يكون ظاهر كلامه تقييد المفهوم بعد كونه كليا.

بقي في المقام شيء وهو أن القائل بحجية الخبر الواحد لا يكتفى بقبول قول العادل فقط بل يقول بما يكون حسنا أي يكون راويه إماميّا موثقا وغير عادل وما يكون موثقا بأن لا يكون راويه إماميّا ولكن يكون موثقا ومأمونا عن الكذب والآية تشمل قسما واحدا وهو خبر العادل المقابل للفاسق لا الأعم منه ومن غيره.

ودفع هذا الإشكال هو ان يقال ان الاخبار المقبولة بأقسامها داخلة في المنطوق والمفهوم اما المنطوق فلان المراد بالفسق لا يكون إلّا ما يكون سببا للكذب ولذا يكون خبر الفاسق الذي يوجب الوثوق قابلا للاعتماد ألا ترى انهم يعملون بالخبر

١٧٧

الضعيف بواسطة جبره بعمل المشهور مع كون الراوي فاسقا فالفاسق أيضا إذا كان خبره موجبا للوثوق يكون مقبولا سواء كان حسنا أو موثقا وكذلك يدخل خبر العادل أيضا لأن التبين يكون سببا لإحراز خبر الراوي إذا لم يكن خبره موجبا للوثوق لبعض الطواري من انه هل كان موافقا للواقع أم لا فان التبين عن حال الخبر أيضا يكون تبينا ولكن عن الخبر لا عن المخبر إذا كان محرز العدالة.

ويمكن اندراج الأقسام في المفهوم أيضا فان المناط إذا كان هو طرد الخبر الذي لا يوجب الوثوق فخبر الموثق والحسن إذا كان موجبا له وكذلك العادل يكون مقبولا لا يجب التبين بالنسبة إليه والعادل الذي لا يكون خبره موجبا للوثوق يجب التبين عن خبره ويكون داخلا تحت المنطوق فتحصل ان المدار يكون على الوثوق بالخبر من ناحية المخبر أو من جهة أخرى ولا خصيصة للعدالة.

في الاستدلال بآية النفر للخبر الواحد

ومن الآيات آية النفر قوله تعالى (ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١) وتقريب الاستدلال يتوقف على التنبيه لأمور.

الأول ان التفقه في كل عصر يكون بحسبه ففي زمان الإمام عليه‌السلام وعصر الحضور يكون عبارة غالبا عن سماع الروايات واستماعها عن الإمام عليه‌السلام ونقلها لمن لم يكن بمحضر منهم عليهم‌السلام أو من كان قريبا بعصرهم مثل الكليني قده فيكون الفقيه في ذاك الزمان هو الّذي ينقل الرواية واما الفقاهة في زمن العلامة صارت بنحو أبسط لكثرة الاحتمالات في الروايات وعدم وصول اليد إلى مرجع الأمر ليسأل عن غالب المسائل من الحلال والحرام وفي زماننا هذا أيضا صارت أبسط ويكون التفقه هو تعلم الأحكام من الحوزات العلمية من النجف الأشرف والقم وساير الحوزات صانها الله

__________________

(١) سورة التوبة آية ١٢٣.

١٧٨

تعالى عن التهادم والتهاجم فاختصاص التفقه ببعض الأعصار دون بعض لا وجه له الثاني ان الإنذار لا يختص بتخويف الناس في امر المعاد وما في جهنم من العقارب والحيات بل بيان الأحكام من الصلاة والصوم وغيرهما أيضا يكون إنذارا للناس لأنهم بعد ما علموا ان الأمر الفلاني يكون امر الله تعالى فلا محالة يجب العمل عليه وكذلك إذا علم ان الشيء الفلاني نهى عنه يجب الانزجار عنه وفي ترك الإطاعة عقاب.

الثالث ان المراد بالطائفة وتفقهوا ولينذروا ويحذرون ليس العام المجموعي بمعنى انه يجب ان يكون التحصيل والتعلم بنحو الاجتماع في مكان ثم الإنذار والتحذير أيضا كذلك بل كل فرد من الافراد ان تعلم الأحكام ينذر ويحذر من ينذره وحيث ان الحذر لا يلزم ان يكون اجتماعيا يكون الذيل شاهدا على ان المراد بالصدر أيضا كذلك.

الرابع ان كلمة لعل يكون عن الله تعالى أيضا مستعملا في معنى الترجي كما أن ساير الألفاظ المستعملة في حقه تعالى مثل العالم والقادر يكون بمعناه المستعمل في غيره إلّا ان نحو المفهوم وطوره في حقه تعالى يكون بنحو آخر.

فما قيل من أن أدوات الترجي والاستفهام وغيره في حقه تعالى مستعملة في غير ما هو الدارج عند الناس لا وجه له فحيث انه ربما يحصل التحذير وربما لا يحصل يكون التعبير كذلك أي بلفظ لعلّ.

الخامس في أن التحذير المراد به هو العمل بعد بيان الأحكام لا ان يحصل خوف من شخص المنذر فانه لا خوف بالنسبة إليه لأن شكله وقيافته غير دخيل في الإنذار بالمعنى الّذي ذكرناه.

إذا عرفت ما ذكر فنقول ان الإنذار يكون مطلقا أي سواء حصل العلم به أم لا يجب ولا معنى للقول بوجوبه مطلقا مع عدم وجوب القبول مطلقا فان حصل العلم به فهو وان لم يحصل أيضا يجب القبول لأنه يكون فرد تعبدي من العلم وخبر الواحد يصير حجة بهذا التقريب.

لا يقال لو كان الأمر كذلك فلا فرق بين الفاسق والعادل فان خبر كل أحد وكل

١٧٩

فقيه ولو كان فاسقا مقبول لأنا نقول تناسب الحكم والموضوع بأنه يكون في صورة حصول الوثوق والفسق مانع عنه لاحتمال تعمد الكذب بالنسبة إلى الفاسق وعلى فرض إطلاق الآية من هذه الجهة يقيد بصورة كون المنذر غير فاسق بواسطة ما مر من آية النبأ ثم إن الشيخ الأنصاري قده أشكل عليها بأن الآية تكون في صدد الأمر بالتعلم والتفقه والإنذار وحيث أن الإنذار لا يوجب العلم من الواحد وما هو المتبع هو العلم وهو القدر المتيقن فالإنذار الذي يوجبه يكون واجب القبول لا ما لا يوجب العلم وحيث يكون المورد مورد التعلم تكون الآية مهملة ولا إطلاق لها حتى تشمل خبر الواحد الّذي لا يوجب العلم.

والحاصل ان عمدة الكلام في المقام إثبات الإطلاق للإنذار ويتبعه الإطلاق في التخدير فان المقدمة إذا كانت مطلقة فلا بد ان يكون ذوها كذلك.

لا يقال ان وجوب المقدمة ناش عن وجوب ذيها فيكون الأمر بالعكس فانه ما لم يثبت إطلاقه لا يثبت إطلاق المقدمة. لأنا نقول في مقام الإثبات يكونان متلازمين وما ذكرتم يكون في مقام الثبوت فان المقدمة لا تكون الا لذيها ولكن إذا قلنا بإطلاق المقدمة فلا محالة يثبت إطلاق ذيها لأنه لو لم يثبت يلزم اللغوية.

وقد أشكل شيخنا الحائري قده على الإطلاق بأنه وان كان صوريا ولكن في الواقع لا يكون لأن الذي يكون مقدمة لحصول التحذير في الواقع هو الذي يكون مفيدا للعلم فإذا لم يحصل العلم لم يحصل التخدير وخبر الواحد لا يوجب العلم فلا يكون حجة ولكن الإطلاق الصوري يكون إظهاره من باب أن الإنذار الذي يكون مفيدا للعلم حيث لا يكون له تميز من بين الإنذارات ضرورة عدم معلومية أن قول زيد هل يوجب العلم أو قول عمرو أو قول كليهما معا مع حصول العلم تارة بواحد أيضا لضم القرائن أوجب الإنذار مطلقا ليصل إلى مقصوده بأي طريق كان فالإنذار واجب مطلقا ولكن المتبع يكون هو العلم فان حصل فهو وإلّا فلا.

وبعبارة أخرى إطلاق الإنذار يكون من باب انه طريق إلى حصول المقصود والجواب عنه قده هو أن هذا التقريب يكون لازمه كون الأمر بالإنذار امرا

١٨٠