مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

انا نسأل منكم كيف يكون زيارة سيد الشهداء أرواحنا فداه مع ما لها من الثواب العظيم مستحبا وغير واجب والإنفاق على طير من الطيور واجبا فهل المصلحة في الزيارة أقل مما في الإنفاق على الطير.

على أنه لو فرض تفويت مصلحة في الواقع أو وجود مفسدة كذلك يمكن أن يقال انها تتلافى وما يكون له التلافي لا يصدق الضرر بالنسبة إليه والمثبت لذلك إطلاق أدلة الأصول مثل كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام فان هذا الدليل أيضا ناش عن مصلحة بها يتلافى مصلحة الواقع الذي لم يصل إلينا ولم نعمل عليه فان قلت ان الضرر ان كان متوجها إلى المكلف وكان تفويته من قبله يجب عليه التدارك والتلافي واما إذا لم يكن كذلك فلا ففي صورة انفتاح باب العلم لو كان الأصول والطرق مجعولا كان التفويت من قبله واما في صورة انسداده فجعله ما صار موجبا لتفويت الواقع فانه سواء جعله أم لم يجعله ما كان لنا طريق إلى الواقع فلا يكون الفوت مستندا إليه ليتداركه قلت يمكنه جعل الاحتياط في حال الانسداد ليحفظ به الواقع وحيث ما جعله وجعل الأصول والطرق يكون تفويت الواقع مستندا إليه فيتداركه بمصلحة العمل بالأمارات والأصول.

فتحصل انه مع عدم البيان اما لا يكون الضرر متحققا أو يكون متداركا على فرض التحقق.

ثم ان الحكم بوجود الضرر اما ان يكون بالفطرة مع احتماله أو بالعقل أو بحكم العقلاء لا وجه للأول والأخير لأن الحكم الفطري لا يحتاج إلى التأمل وهذا يحتاج إليه وبعده يظهر الحال واما بناء العقلاء فيكون في الأمور النوعية لا الشخصية واحتمال الضرر الدنيوي والعقاب الأخروي يكون في الأمر الشخصي أي شخص المحتمل فلا يكون هذا موضوع بناء العقلاء فلو كان حكم يكون عن العقل ولكن لا ملازمة بين حكم العقل والشرع فان ما ادعى من أن كلما حكم به العقل حكم به الشرع غير تام فان العقل النبوي يكون حكمه هو حكم الشرع لا ساير العقول على فرض استقلاله بوجوب دفع الضرر المحتمل لو كان.

٢٠١

ثم أن شيخنا النائيني قده نقل كلام الشيخ الأنصاري قده ورده بما حاصله هو أن الشيخ قده أذعن بأن دفع الضرر يكون مما استقل به العقل واحتمال العقل يكون محققا لحكمه بوجوده ولكن منع الصغرى وهو انه قال بعد إذعان صدق الضرر يكون متداركا بواسطة جعل الأصول والأمارات فلا يكون في الواقع ضرر فما هو الضرر يكون على الذي لا يتدارك.

وفي مقام الجواب عنه قال أولا بأن التدارك يكون في صورة كون الضرر من ناحية الشارع واما الذي لا دخل له فيه فلا يكون عليه تداركه ففي المقام لو كان جعل الأصول في صورة انفتاح باب العلم كان الشارع موجبا لوقوع المكلف في الضرر ولكن في صورة انسداده سواء جعل الأصول أم لم يجعله لم يكن هو الموجب لعدم الوصول إلى الواقع بل عدم العلم به نعم لو كان العقل حاكما بالاحتياط أو الشرع وجعل الأصل كان هذا موجبا للوقوع في الضرر فيكون تداركه لازما والجواب عنه (١) انه أيّ اهتمام أولى من حكم العقل مستقلا بالضرر ومقتضاه

__________________

(١) أقول هكذا فهمنا كلامه مد ظله في بيان الإشكال وجوابه بعد المراجعة إلى فوائد الأصول ص ٨١ : والبيان في الدرس كان بنحو مجمل خصوصا في بيان الإشكال.

ويمكن ان يقال في جوابه ان جعل الاحتياط شرعا لو ثبت ما كان وجه لجعل الأصول في مورده فقوله في الاستثناء بهذا غير موجه واما العقل فهو حاكم بالاحتياط لو كان الضرر صادقا ففي الواقع لا إشكال من هذه الجهة على الشيخ قده بعد حكم العقل بالاحتياط ومع حكم الشرع به لا معنى لجعل الأصل في مورده للمضادة بينهما.

والعجب انه في مقام بيان كلام الشيخ قده بيّن أن عدم جعل الاحتياط موجب للقول بكون الضرر متداركا ومع ذلك في الجواب في آخر كلامه إشكالا عليه قال إلّا إذا أوجب عليه الاحتياط شرعا أو عقلا وقد لا تكون مصلحة الواقع لازمة الرعاية بجعل المتمم وإيجاب الاحتياط وهذا خلاف فرض الشيخ قده حيث انه جعل العقل ـ

٢٠٢

الاحتياط ومع ذلك يكون جعل الأصل مانعا منه فيكون المورد مورد إيقاع الشارع في المفسدة فيجب أن يتداركه هذا أولا.

وثانيا أجاب بأن العموم في كل مورد يشمل الافراد التي لا تحتاج في كونها مصداقا له إلى مئونة زائدة فلو احتاج إليها لا يشمله إلّا إذا لم يبق له مصداق الا هذا ففي المقام عمومات الأصول لا تشمل مورد الظن بالحكم الذي يلازم مع الظن بالضرر لأن مورد الأصول يكون هو الشك وبعد اليأس عن كل أمارة معتبرة واما الظن الّذي يكون مصداقا له يكون بعد إثبات ان الضرر الّذي يكون في مخالفته متداركا وإثبات ذلك يكون هو المئونة الزائدة ومع عدم شمول العام له لا يبقى بلا مورد لوجود المورد له وهو الشك والوهم فلا يجري الأصل في مورد احتمال الضرر.

والجواب عنه (١) ان كل عام يكون مبرز تطابقه التطبيق بمعنى انه إذا توجهنا

__________________

ـ مستقلا بدفع الضرر المقتضى للاحتياط فهذا الكلام لا يكون في الواقع ردا لكلامه مطلقا على فرض تسليمه بل في مورد لا يحكم العقل بوجوب الاحتياط لا المورد الذي حكم الشرع به فهذا الكلام منه فيه خلط.

(١) قول حاصل هذا الجواب هو ان التطابق في الواقع يوجب التطبيق فإذا أحرز ان الضرر متدارك بالدليل الخارجي وهو دليل جعل الأصل فلا محالة يكون العموم شاملا له فالأصل بالدلالة الالتزامية يدل على وجود المصلحة التي بها يتدارك الواقع وحجية الالتزامي يكون في عرض حجية المطابقي وان كان ظهوره في طوله فهو بمدلوله الالتزامي يوجب وجود الموضوع لمدلوله المطابقي.

كما ان في الاخبار مع الواسطة بالمدلول الالتزامي من صدّق العادل يستكشف وجود الموضوع له وهذا يكون في صورة حجية المطابقة أولا ثم إسقاطها وبقاء الدلالة الالتزامية والقائل يكون مانعا لأصل المطابقة في المقام بحيث لو تمت لتم الالتزام مع ان بقاء الالتزامية بعد سقوط المطابقية لا نفهمه كما حرر في محله ولكن أصل المطلب صحيح من باب ان التطابق يلازم التطبيق.

٢٠٣

إلى شيء وفهمنا انه مصداقه ولو بمئونة زائدة نحرز ان العام يطابقه فلا يتوقف شمول العام على شيء سوى التطبيق سلمنا ولكن لا يكون التوقف على المئونة الزائدة في الحجية بل في الظهور أي في كون العام شاملا من حيث عمومه لهذا الفرد واما الحجية فلا يتوقف عليها نظير الاخبار مع الواسطة فان بعض أفراد صدّق العادل يحرز الموضوع للبعض الآخر فهنا بتطبيق العام على الضرر الغير المتدارك نفهم انه فرده فمدلوله المطابقي شيء وهو رفع ما لا يعلم مثلا ومدلوله الالتزامي هو تدارك الضرر الّذي يكون محتملا والظن الّذي لا اعتبار به لا يكون إلّا كالشك والوهم فلا فرق بينهما من هذه الجهة حتى يكون مورده البعض دون الآخر.

وثالثا أشكل على الشيخ قده بأن العقل يكون حاكما على الأصل ولا معنى لجريانه في مورده لأن حكمه على فرض الملازمة لا يبقى موضوع له لأن موضوعه يكون هو الشك في الحكم ومع استقلال العقل بوجوب الاجتناب ودفع الضرر لا يبقى شك حتى يكون موضوعا للأصول فهو اما حاكم أو وارد سواء كان الحكم العقلي موضوعيا أو طريقيا.

والجواب عنه ان حكم العقل لا يكون مطلقا بل يكون في صورة عدم التدارك وبعد جريان الأصول يكون موضوع حكم العقل منتفيا لأن الضرر المتدارك لا يكون موضوع حكمه بدفعه.

أضف إليه ان حكم العقل يكون مستفادا من الملازمة بينه وبين حكم الشرع عند استقلال العقل به فإذا حكم الشرع بالبراءة كيف يستكشف حكمه بالدفع فان جعل الأصل يكون مانعا عن هذا الكشف فلا يكون لحكم العقل حكومة أو ورود بالنسبة إلى الأصل فالصحيح ان يقال ان حكم العقل لو كان لكان مقيدا مع انه لم يكن ملازمة حكمه لحكم الشرع محققا عندنا فلا يصح إثبات حجية الظن بهذه القاعدة.

الوجه الثاني : للقول بحجية الظن المطلق انه لو لم يؤخذ بالظن مع انسداد باب العلم يلزم ترجيح المرجوح وهو الشك والوهم على الراجح وهو الظن وهو قبيح عقلا.

٢٠٤

وفيه ان هذه إحدى مقدمات الانسداد ومع ضم ساير المقدمات لو تمت تنتج المطلوب لا هذه فقط ولعل مراده عدم الرجوع إلى الأصل مع الانفتاح وجوابه ان الظن الغير المعتبر كالشك.

الوجه الثالث : ما حكاه أستاذ الشيخ قده عن أستاذه السيد الطباطبائي المجاهد وحاصله انه لا ريب في وجود واجبات ومحرمات كثيرة من المشتبهات ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل الوجوب ولو موهوما وترك ما يحتمل الحرمة كذلك ولكن مقتضى قاعدة نفى الحرج والعسر عدم وجوب ذلك كله فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط وانتفاء الحرج العمل بالاحتياط في المظنونات فقط لأن الجمع على غير هذا الوجه باطل بالإجماع.

وفيه ان هذا (١) أيضا بعض مقدمات الانسداد وبضم البقية لو تمت ، تمت مقالته قده.

الوجه الرابع الدليل المعروف بدليل الانسداد (٢)

وهو مركب من مقدمات لكن عند الشيخ قده مقدماته أربعة وعند الخراسانيّ قده خمسة. الأولى انسداد باب العلم والظن الخاصّ في معظم الفقه. الثانية عدم جواز إهمال الأحكام الشرعية. الثالثة عدم وجوب الاحتياط في جميع المحتملات وعدم إمكان جريان الأصول في كل مورد لأن اللازم منه الحرج أو تعطيل الأحكام.

__________________

(١) أقول مقتضى هذا الدليل العمل بالاحتياط في المظنونات لا العمل بالظن ولو لم يكن موافقا للاحتياط ومقتضى دليل الانسداد هو حجية الظن مطلقا لو تم فيكون هذا وجها آخر وان لم يكن تاما.

(٢) اعلم ان هذا البحث وان لم يكن منتجا للفقه عند المتأخرين لعدم القول بالانسداد ولكن تعرضه مد ظله في البحث وتعرضنا له فيه وفي الطبع يكون من جهة عدم خلوّه عن الفائدة كفهم معنى الاحتياط وعسريته وغير ذلك كما لا يخفى على الخبير الماهر.

٢٠٥

الرابعة عدم الرجوع إلى الوهم والشك في ذلك لأنه مرجوح. والخامسة وهي عن الخراسانيّ (قده) وهي الأولى منها في الكفاية العلم الإجمالي بوجود تكاليف فعلية شرعية في الشريعة.

وقد اقتصر بعضهم (١) على مقدمات الشيخ وأسقطوا ما ذكره قده بأنه ان كان المراد من العلم بالتكاليف في الشريعة هو عدم نسخه فهو مسلم واضح لا يحتاج إلى الشرح وان كان المراد العلم الإجمالي بوجود الحكم في كل واقعة مشتبهة فهو إحدى المقدمات التي ذكرها الشيخ قده فلا وجه لذكر الخامسة من المقدمات.

وفيه ان معنى المقدمية دخل شيء في شيء من باب المقدمية وهو موجود هنا فان العلم بالتكليف هو الذي أوقعنا في البحث عن العمل بالظن على فرض الانسداد ولولاه لم يكن وجه للبحث واما البداهة والوضوح وان كان في محله ولكن لا ينفى بداهة شيء مقدميته لشيء آخر ولا فرق في ذلك بين كون تقريب العلم بالتكاليف في دائرة صغيرة مثل الاخبار الواردة في الكتب أو جميع ما يحصل الظن منه فكما انه كان دخيلا في إثبات حجية الظن الخاصّ الحاصل من الخبر كذلك يكون دخيلا في مطلق الظن لكن أصل إثبات تلك المقدمة لا يحتاج إلى مئونة لبداهتها.

ومن هنا ظهر ما فيما سيجيء عن شيخنا العراقي قده من ان هذه المقدمة دخيلة على فرض القول بالكشف في الانسداد وعدم دخلها على فرض القول بالحكومة لأنه على أي تقدير ما لم يكن العلم بالتكاليف الفعلية لم يكن وجه لحكم العقل بالعمل بالظن كشفا أو حكومة.

واما المقدمة الأولى وهي انسداد باب العلم في معظم الفقه فهي مسلمة على فرض كون المراد بالعلم هو الوجداني ضرورة عدم وفاء القطعيات من الآيات والمتواترات من النصوص إلّا بأقل قليل من الأحكام الفقهية.

واما على فرض كون المراد به الطريق العملي فباب العلم بعد حجية الاخبار

__________________

(١) كما في فوائد الأصول ص ٨٢ تقريرات بحث النائيني قده.

٢٠٦

الآحاد يكون منفتحا لأن معظم الفقه يكون أحكامه مستفادا من الاخبار الواردة في الكتب لو كان الوثوق كافيا في حجيته.

واما على فرض القول بأن الحجة هي الخبر الّذي يكون راويه عادلا إماميّا وعدالة كل راو يجب ان يثبت بعدلين فحيث يكون هذا النحو من الخبر نظير المتواترات قليلا جدا يكون انسداد باب العلم بالنسبة إلى معظم الفقه مسلما وكذلك لو قلنا بمقالة القمي قده من أن الظهورات مقصورة بمن قصد افهامه وهم الذين كانوا في زمن صدور الأحاديث فلا يكون ما وصل إلينا من الظهور حجة ولكن الحق كفاية الوثوق في الخبر والمراد بمفهوم آية النبأ هو الخبر الموثوق به لا خبر العادل وكذلك الظهورات لا تختص بمن قصد افهامه.

هذا لو كان دليل حجية الخبر الواحد الآية واما ان كان بناء العقلاء فهو ان كان في صورة حصول الظن النوعيّ بالصدور فلا إشكال في الانفتاح واما على فرض دخل الظن الشخصي فهو أيضا حيث يكون قليلا لا يفي ما حصل منه بمعظم الفقه والحق كفاية النوعيّ أو قيل بأن الوثوق ولو كان نوعيا ولكن يجب ان يكون بالنسبة إلى المخبر واما الظن النوعيّ بالنسبة إلى الخبر فلا يكفى فانه أيضا قليل ولكن الحق كفاية الظن الخبري وعليه لا تتم هذه المقدمة.

اما المقدمة الثانية وهي عدم إهمال الأحكام فقد استدل لها بوجوه الأول : بإجماع الفقهاء ولكن ان كان المراد منه الإجماع العملي فهو صحيح واما الإجماع القولي فحيث لا يكون له عنوان في الأدلة لا معنى له ولهذا من قال به قال معناه هنا الإجماع التقديري بمعنى أنه لو سألنا عن الفقهاء طرا أجابوا بعدم جواز الإهمال ولكن لا معنى لهذا النحو من الإجماع.

فالصحيح ان يقال ان الإجماع العملي يكون محققا لبحث الفقهاء عن موارد الشبهة وعدم إهمالهم الدين في هذه الموارد.

الوجه الثاني انه يلزم من الرجوع إلى البراءة وأصالة العدم في الوقائع المشتبهة الخروج عن الدين لقلة الأحكام المعلومة بالتفصيل فالاقتصار عليها وترك

٢٠٧

لتعرض للوقائع المشتبهة وإهمالها يوجب المخالفة الكثيرة القطعية بحيث بعد المقتصر على امتثال المعلومات فقط خارجا عن الدين وكأنه غير ملتزم بشريعة سيد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله وهذا بنفسه محذور نعلم انه يكون مرغوبا عنه عند الشرع وان لم نقل بان العلم الإجمالي منجز للتكليف كما هو مبنى الوجه الثالث وهذا الوجه متين جدا.

الوجه الثالث : العلم الإجمالي بثبوت التكاليف الوجوبية والتحريمية في الوقائع المشتبهة والعلم الإجمالي كالعلم التفصيلي منجز للتكليف فيجب موافقته وترك مخالفته فلا تجري الأصول النافية للتكليف في أطرافه والفرق بين هذا الوجه والوجه الثاني هو أن الثاني يكون بنفسه دليلا مستقلا وهو لزوم الخروج عن الدين ولو لم يكن العلم الإجمالي منجزا للتكليف على بعض المسالك وهذا مبنى على كونه منجزا للتكليف.

وقد أشكل المحقق الخراسانيّ (قده) على هذا الفرق بأنه مع القول بتبعيض الاحتياط لا يلزم الخروج عن الدين ان لم يكن لنا علم إجمالي بوجود التكليف ووجوب الامتثال بالنسبة إلى جميع الأطراف فيمكن الاحتياط في بعض الأطراف والبعض الآخر تصير الشبهة بالنسبة إليه بدوية فإذا حصل الاحتياط بالنسبة إلى البعض لا يكون ارتكاب بعض الأطراف الأخر موجبا للخروج عن الدين وقبح العقاب بلا بيان يحكم بعدم المحذور في ارتكابه وأجاب هو قده عن هذا الإشكال بأنا نكشف الحجة من الشرع بأنه اما ان يكون الاحتياط مجعولا في جميع الموارد أو يكون المتبع هو الظن بعد كونه عسريا بعد كشف الاهتمام عن الشارع بالدين.

والجواب عنه قده ان نقول من أين يكشف الاهتمام لو لم يكن العلم الإجمالي بوجود التكليف في كل مورد فإذا كان العلم بالتكليف نفهم عدم الخروج عن عهدته إلّا بالاحتياط أو العمل بالظن.

وقال شيخنا العراقي قده لا نحتاج إلى الوجه الثالث بعد تمامية الوجه الأول لأنه بعد كشف اهتمام الشرع بالدين بواسطة أن جريان الأصل في الموارد المشتبهة

٢٠٨

يلزم منه الخروج عن الدين فنكشف عن هذا أن الشارع جعل لنا الطريق إلى حفظه اما واصلا بنفسه كما في جعل الاحتياط أو جعل طريق إلى الواقع يوصله فإذا لم يكن الاحتياط مجعولا لعسره فيكون الظن حجة لأنه طريق إلى الواقع ومع كشف المنجز لا نحتاج إلى منجز آخر فان المنجز لا ينجز فالعلم الإجمالي بالتكاليف من المشتبهات وتقريبه لا يزيد على ما حصل من المنجز شيئا وحيث لا وجه للوجه الأول وهو الإجماع التعبدي لعدم وجود إجماع كذلك فلا محالة يكون الوجه في عدم إهمال التكاليف هو الخروج عن الدين فقط.

وقال بعضهم بعكسه وهو أنه مع العلم الإجمالي كذلك لا نحتاج إلى الوجه الثاني ولكن يمكن ان يقال فرق بين العلم بالتكاليف الّذي هو الدين فيما بين مباحات ومكروهات ومستحبات وواجبات ومحرمات وبين خصوص العلم بالتكليف الإلزامي في الوقائع وما هو المفيد في المقام هو العلم الإجمالي بالتكاليف الملزمة في الوقائع الخاصة لا العلم الإجمالي بوجود التكليف في ما بين الخمسة فانه حيث لا يكون بعض أطرافه ملزما لا يكون منجزا.

ثم أن الشيخ (قده) بنى القول بالحكومة أو الكشف في باب الانسداد على الفرق بين الوجوه الثلاثة وقال بحكومة متوسطة بين الكشف والحكومة وكذلك الخراسانيّ (قده) قال بالحكومة وشيخنا العراقي (قده) أيضا ولكن كلام الشيخ غير مفهوم لنا وقال شيخنا النائيني (قده) ان كان المستند هنا هو الإجماع والخروج عن الدين كانت النتيجة الكشف لا محالة فان مرجع الإجماع أو لزوم الخروج عن الدين إلى أن الشارع أراد من العباد التعرض للوقائع المشتبهة ويرخص لهم إهمالها فالعقل يحكم حكما ضروريا بأنه لا بد للشارع جعل طريق للعباد ليتمكنوا من امتثال هذه التكاليف ولا بد ان يكون الطريق المجعول واصلا إلى العباد اما بنفسه أو بطريقه والطريق ينحصر اما في الاحتياط أو العمل بالظن فحيث أن الأول عسري يتعين الثاني نظير جعل الاحتياط في باب الفروج والدماء لإحراز الأهمية وهذا يكون من حكم

٢٠٩

الشرع دون العقل واما لو كان السند العلم الإجمالي فيكون الحاكم هو العقل بتقريب التبعيض في الاحتياط ويمكن ان يكون الشرع فيكون النتيجة الكشف وسيجيء بيانه.

وقال شيخنا العراقي (قده) في المقام بعكس ما ذكره الأستاذ النائيني (قده) وهو أن السند لو كان الإجماع والخروج من الدين فيمكن ان تكون النتيجة الحكومة والكشف وان كان العلم الإجمالي تكون النتيجة الكشف لأنه على فرض لزوم الخروج عن الدين أو الإجماع يكون بعده البحث عن ناحية الفراغ ولا يكون الكلام في الحكم لأن اللازم هو الخروج عن عهدة هذا التكليف لئلا يلزم الخروج عن الدين ومخالفة ما قام عليه الإجماع ولا يكون للشرع في ناحية الفراغ في جهة حكم العقل تصرف بل الحاكم هو العقل بلزوم الخروج عن العهدة.

وان كان للشرع التصرف في غير جهة حكم العقل في الفراغ مثل قاعدة لا تعاد فانها مجعولة في ناحية الفراغ فعليه إذا كان الفراغ لا بد منه فاما أن يكون الطريق الاحتياط التام وهو غير ممكن فتصل النوبة اما إلى التبعيض في الاحتياط أو الرجوع إلى الظن بحكم العقل ومع الإجماع بعدم لزوم التبعيض في الاحتياط فينحصر الطريق في الظن وهذا معنى الحكومة فلا استكشاف لحكم الشرع إلّا إذا لم يكن للعقل حكم ولكنه يحكم بالبيان السابق واما لو كان السند العلم الإجمالي بالتكليف فلا بد للشارع ان يجعل طريقا لحفظ تكاليفه ويتمكن العباد به من الوصول إلى مطلوبه وهو اما ان يكون واصلا بنفسه كالاحتياط أو واصلا بطريقة كالظن ومع عدم الاحتياط فلا محالة يكون الظن هو المرجع اما من باب المرجعية أو من باب الكشف عن الواقع وتتميمه بواسطة تمامية مقدمات الانسداد ويكون هذا معنى الكشف.

ولكن حيث يقول بانحلال العلم الإجمالي بواسطة أن التكليف بواسطة لزوم الخروج عن الدين صار منجزا والمنجز لا ينجز ثانيا بواسطة هذا العلم فيكون المتعين في تلك المقدمة الخروج عن الدين تكون النتيجة هي القول بالحكومة متعينة لاستقلال العقل بذلك ولا أساس للكشف.

٢١٠

والخراسانيّ (قده) أيضا يقول بالانحلال ولكن لا من هذا الباب بل من باب وجود القطعيات والأصول المثبتة للتكليف فانه يقول هذا القدر واف بمعظم الأحكام فينحل العلم بالنسبة إلى بقية الموارد.

وقد أشكل عليه النائيني (قده) بأنه كيف يكون موجبا للانحلال مع عدم وفاء ما ذكر إلّا بأقل قليل من الأحكام.

اما المقدمة الرابعة (١) وهو عدم جواز الرجوع إلى الطرق المقررة للشاك والجاهل لأنه اما ان يكون التقليد والمقلد اما ان يكون مجتهده انفتاحيا أو انسداديا فعلى الثاني انه أيضا مثله جاهل آخر وأدلة التقليد تكون في رجوع الجاهل إلى العالم واما على الأول فهو باطل أيضا لأن المقلد ممن يرى خطأ مجتهده في قوله بالانفتاح فكيف يرجع إليه سواء كان الدليل الدال على وجوب رجوع الجاهل إلى العالم في الأحكام الفطرة أو بناء العقلاء أو العقل.

واما ان يكون الأصول اما الأصول النافية أو المثبتة فاما النافية فكالبراءة فانه أيضا لا يمكن ان يرجع إليها مع العلم الإجمالي بالتكاليف في بعض مواردها فجريان هذا الأصل يلزم منه هدم الدين لعدم طريق إلى أحكامه.

لا يقال أن موارد الشبهة كثيرة وما يكون مبتلى به من الموارد لهذا المكلف الخاصّ يكون قسما منها فيمكن أن يجري الأصل بالنسبة إلى هذه الموارد لأنه يمكن ان يكون الأحكام فيما هو خارج عن الابتلاء فلا يكون للمكلف علم بوجود التكليف فيما بيده فيجري أصالة البراءة.

لأنا نقول من المسلم وجود تكاليف فيما هو محل ابتلائه أيضا وإنكاره مكابرة وخلاف الوجدان فيكون العلم الإجمالي مؤثرا.

واما الأصول المثبتة للتكليف فاما ان يكون الاحتياط أو الاستصحاب اما الأول

__________________

(١) أقول وسيجيء البحث عن حال المقدمة الثالثة وهي عدم كون الاحتياط مجعولا شرعا عند تمام هذه المقدمة.

٢١١

ففي الوقائع الشخصية ربما لا يجري لدوران الأمر بين المحذورين من الحرمة والوجوب فلا بد اما من الترك أو الفعل وفي كل واقعة فحيث يكون بعض الأطراف غير ملزم أيضا لا يلزم لأن العلم بأنه اما ان يكون التكليف في هذا المورد الحرمة أو الوجوب الملزمين أو الإباحة وغيرها التي لا توجب الالتزام لا يوجب (١) الاحتياط.

واما الاستصحاب فانه أيضا يكون موارده قليلة جدا لأن الحالة السابقة للحكم يلزم ان تكون وفي كثير من الموارد مع انسداد باب العلمي لا يكون له موضوع لاختلال أركانه وهو اليقين السابق والشك اللاحق.

ثم أن العلمين الشيخ النائيني والعراقي فهما من كلام الشيخ الأنصاري (قده) أن الاحتياط عسري مطلقا فلذا يجب الرجوع إلى الظن فأشكلا عليه بأن الاحتياط بالنسبة إلى العلم الإجمالي الكبير وهو العلم بالدين عسريا أعني الاحتياط التام واما الاحتياط في الوقائع الشخصية فلا يكون عسريا فلا مانع من ارتكابه كما في الموارد المشتبه من الوجوب والحرمة فانه يعبّر عنه بالعلم الإجمالي الصغير ولا يختل النظام منه أيضا الا في موارد المعاملات فان الحكم بعدم ترتيب الأثر في كثير من مواردها يلزم منه الاختلال.

ولكن الذي نفهم من كلام الشيخ (قده) ويمكن الجواب عنهما (قدهما) هو أن كلامه قده يكون بالنسبة إلى العلم الإجمالي الكبير الذي يلزم منه العسر فانه يكون مبينا على أن جريان الأصول النافية يلزم منه هدم الدين هذا أولا.

وثانيا لو سلم أن كلامه قده يكون في العلم الإجمالي الصغير بالنسبة إلى الموارد المشتبهة في الوقائع الشخصية فلا نسلم عدم لزوم الحرج والعسر فيه أيضا لأن تشخيص مورد الاحتياط أيضا وتحصيل الطريق إليه في جميع هذه الموارد أيضا يكون عسريا للمجتهد والمقلد سيما الثاني.

__________________

(١) أقول على فرض لزوم هدم الدين فهذا العلم الإجمالي الكبير أيضا يجب متابعته لو لا محذور عسر الاحتياط ففي صور إمكانه يلزم الجمع بين المحتملات.

٢١٢

وثالثا في موارد دوران الأمر بين جزئية شيء للصلاة مثلا أو شرطيته أو مانعيته لها كيف يمكن الاحتياط فان التكرار في جميع موارد هذه الاحتمالات في الصلاة وفي شرائطها مثل اللباس والطهور وغيره لا محالة يكون عسريا.

والحاصل اما ان نقول ان كلامه يكون بالنسبة إلى العلم الإجمالي الكبير أو نقول بان التبعيض في الاحتياط أيضا عسري فلا إشكال عليه.

واما قوله (قده) بعسر الاستصحاب أيضا فقد أشكل عليه تلامذته (الآشتياني والآخوند وغيرهما) بأنه كلام لا يخلو عن الاعوجاج فان الاستصحاب كيف يكون عسريا مع وضوح سبيله.

ولكن يمكن ان يقال عليهم أيضا بأن نظر الشيخ قده كان إلى ان الاستصحاب لو كان موافقا للاحتياط فيكون المرجع الاحتياط دونه والكلام فيه ما مر وان كان مخالفا للاحتياط فلا يجوز (١) جريانه أصلا فالإشكال عليه من هذا الحيث أيضا مندفع.

ثم ان العلمين النائيني والعراقي (قدهما) لم يقولا بانحلال العلم الإجمالي الكبير وهو العلم بالدين بواسطة الموارد المشتبهة ووجود قطعيات وأصول مثبتة فيها فليس لهما الإشكال على الشيخ قده هكذا لأنه على فرض عدم الانحلال لا بد ان يقال بأن الاحتياط عسري كما قال الشيخ قده.

واما الخراسانيّ قده القائل بأن العلم الإجمالي الكبير ينحل من باب وجود قطعيات أو أصول مثبتة مثل الاستصحاب فله ان يقول لا يلزم عسر الاحتياط لأن التام منه غير لازم وما هو لازم لا يكون عسريا على فرض الإغماض عما ذكرناه من لزومه

__________________

(١) أقول بعد كون دليل الاستصحاب بالتعبد فيه رافعا للحجاب كيف يقال معه أيضا يجب الاحتياط فانا إذا شككنا في نجاسة إحدى الكأسين بعد العلم التفصيلي بنجاسة إحداهما قبلا لا يؤثر هذا العلم للاستصحاب فمع وجود الاستصحاب لا وجه للرجوع إلى الاحتياط فضلا عن عدم جوازه.

واما عسر الاستصحاب فهو لا وجه له لأن موارده يوجب تشخيص الوظيفة ولا يكون كالاحتياط عسريا ألا ترى انا لا زال نجريه في موارده ولا يلزم العسر.

٢١٣

بالنسبة إلى العلم الإجمالي الصغير أيضا فانه قده يقول لا نحتاج إلى الاحتياط أصلا (١).

ثم قال شيخنا النائيني (قده) في مقام رد الخراسانيّ قده بعد قوله بجريان الاستصحابات المثبتة وإيجابه الانحلال ان الاستصحاب هنا لا يجري لعدم اجتماع أركانه وحاصله انه بعد العلم الإجمالي بحصول الغاية في بعض الموارد وانتقاض الحالة السابقة لا وجه لجريانه مثلا إذا علمنا بطهارة إحدى الكأسين بعد كونهما نجستين لا يمكن استصحاب النجاسة في كل منهما للعلم بعدم الواقع لهذا العمل لأن معنى الاستصحاب هو ان هذه نجسة واقعا وتلك نجسة واقعا وكيف يمكن هذا مع العلم بعدم الواقعية لإحديهما فان هذا أصل محرز كاشف عن الواقع بخلاف الأصل الغير المحرز مثل أصالة الحل وقاعدة الطهارة.

وفي المقام أيضا يكون كذلك لأنا نعلم ان الحالة السابقة في بعض موارد الاستصحاب في الأحكام قد انتقض مسلما ففي كل مورد نريد إجرائه يلزم ان يقال انه الواقع مع العلم بأن بعض الموارد لا يكون الواقع كذلك فلا يجري الاستصحاب أصلا.

والجواب عنه أولا بأن (٢) العلم لا يكون مجملا بل الإجمال في ناحية المعلوم

__________________

(١) أقول ان الإشكال يكون على فرض قبول المبنى وهو انسداد باب العلم وعدم كفاية ما وصل إلينا بمعظم الأحكام فالخراساني قده له ان يقول بعدم وجوب الاحتياط أصلا واما بعد فرض عدم كفاية ما رآه من الأصول المثبتة والقطعيات بمعظم الأحكام ليس له ان يمنع عسر الاحتياط لأن هذا شيء والقول بالانحلال شيء آخر فان هذا لا يكون من التبعيض في الاحتياط.

(٢) أقول حيث يكون العلم بلحاظ الخارج ويترتب اثره فيه يرى المناقضة بين القول بطهارة كل طرف أو نجاسته إذا كان الحالة السابقة فيهما كذلك وقلنا ببيان الأستاذ النائيني (قده).

ولكن جوابه الثاني مد ظله عنه هو المتعين ولا بد للنائيني قده أن يدفع الإشكال لأن هذا الإشكال لا يختص بالمقام بل جميع الاستصحابات كذلك وهو يقول بجريانه ـ

٢١٤

فانا نعلم بأن النجاسة مثلا في إحدى الكأسين موجودة بالعلم التفصيلي في صقع النّفس ونشك في كل طرف من الأطراف بالشك التفصيلي والمدار على الصور الذهنية كما ان الإنسان يفرّ مما زعمه الحيّة مع عدم كونه كذلك بعد تصوير هذه الصورة عند نفسه وعليه فيكون مجرى الاستصحاب هو الشك التفصيلي في كل طرف والعلم محفوظ في صقعه ولا يضاد هذا البناء له لاختلاف الموطنين في الذهن فلا يضر هذا بالواقع فمع العلم به يجري الأصل في كل طرف.

وثانيا فرق بين القول بأنه الواقع أو كأنه الواقع ولسان دليل الاستصحاب البناء على الواقع في كل طرف لا القول بأنه الواقع حتى يقال نعلم ان أحدهما ليس له واقع بالوجدان فلا يحصل العلم الوجداني بواسطة البناء على الواقع فيجمع مع العلم الإجمالي بخلاف الواقع في بعض الأطراف فلا مخالفة عملية هنا.

ثم ان الشيخ الأنصاري (قده) قال بعدم جريان الاستصحاب من جهة تناقض الصدر والذيل في دليله.

وحاصله ان اليقين في قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك في الصدر يكون معناه الأعم من اليقين الإجمالي والتفصيلي وفي الذيل بقوله ولكن تنقضه بيقين آخر أيضا كذلك فإذا علمنا ببعض الأحكام ثم حصل الشك في بقائه وعلمنا بالعلم الإجمالي انتقاض بعض الحالات السابقة لا يكون لنا البناء على الحالة السابقة لحصول العلم واليقين الّذي كان غاية البناء على الحالة السابقة.

وأجاب عنه المحقق الخراسانيّ بأن المجتهد حين الاستنباط حيث لا يكون ملتفتا إلى جميع الوقائع لعدم إحاطة علمه به ويكون استنباطه تدريجيا ففي كل واقعة يكون له الشك واليقين الفعلي وبمقتضاه يجري الأصل لتمامية أركانه ثم بعد جريان الاستصحاب في جميع الموارد يحصل له علم بعدم موافقة بعض ما فعل

__________________

ـ في الفقه أي نعلم إجمالا بنقض الحالة السابقة في بعض الموارد لا أن كل حالة سابقة يقينية يكون نقضها بالعلم الإجمالي.

٢١٥

للواقع وهو لا يضر ولا يكون له الابتلاء بجميع الوقائع هذا كلامه جوابا لأستاذه قده بعد إذعانه.

والجواب عنه انه لا يكون إذعانه لما ذكره أستاذه صحيحا لا لما قيل من انصراف (١) الدليل إلى ما يكون اليقين في الغاية تفصيليا بل لما ذكرناه من أن موطن الشك غير موطن اليقين فجريان الأصل في الأطراف لا ينافى العلم الإجمالي بانتقاض بعض الأطراف بالنسبة إلى حالته السابقة كما ذكر.

ومع تمامية كلام الأستاذ أيضا لا يتم جوابه للإشكال لأن المجتهد بالنسبة إلى تمام المكلفين يكون وكيلا في الاستنباط فيكون جميع الوقائع مورد ابتلائه فعليا فكيف يمكن القول بخروج بعض الأطراف عن محل ابتلائه وعدم لزوم المضادة من جريان الأصل في بعض الأطراف.

ثم انه لا يخفى عليكم ان هذه المباحث بعضها لا يختص بباب الانسداد كما ان الاحتياط والبحث فيه يكون في جميع الفقه مورد الابتلاء ولو كنّا انفتاحيا لأنه يكون البحث فيه بين الاعلام من باب وجوب الامتثال التفصيلي فقيل لا يجوز الاحتياط لأنه ينافى ذلك ومن قال بكفاية الإجمالي من الامتثال يقول بجوازه.

واما المقدمة الثالثة وهي أن الاحتياط لا يكون مجعولا في الشرع واما الدليل عليه فقيل بأنه الإجماع وقيل لأنه يوجب العسر والحرج وهو غير مجعول في الدين وقيل بأنه يوجب اختلال نظام العالم واختلف بينهم فقيل انه لا يجوز الاحتياط كما عن شيخنا النائيني قده وقيل بأنه لا يجب كما عن بعض أساتيذنا مثل سيدنا الأستاذ الأصفهاني قده والبحث في المقام يكون من باب الشبهة في الحكم وفي الفقه يكون في جميع الموارد من الشبهات الموضوعية والحكمية مورد البحث.

واما الإجماع فقيل بأنه يكون تقديريا بمعنى ان الفقهاء لو سألوا عن ان الاحتياط هل يكون مجعولا أم لا. يقولون بأنه غير مجعول وسيجيء منا الكلام فيه.

__________________

(١) بل هو المتعين على فرض الإشكال فيما ذكره مد ظله لما مر آنفا في التذييل ـ

٢١٦

واما شيخنا النائيني فقال في مقام عدم جواز الاحتياط في الأحكام والموضوعات بتقريب لم يسبقه أحد بيانا للإجماع وهو انا فهمنا بالإجماع ان الامتثال الاحتمالي سواء كان من ناحية الشك في الحكم أو في الموضوع يكون مرغوبا عنه عند الشرع لأنا نرى بالوجدان ان المولى لو أمر عبده بإتيان شربة فاحتمل ان يكون الماء وحده أو هو مع الأنجبين أو شيء آخر فأتى بجميع المحتملات ينتزع من عمله هذا التمسخر بالمولى لا الإطاعة له ولا فرق في ذلك بين الاحتياط التام أو التبعيض فيه لوجود الاحتمال فيهما.

فلنا الإجماع بعدم جعل الاحتياط والإجماع بأن الامتثال الاحتمالي غير كاف فنفهم من هذا ان الظن يكون مجعولا بجعل شرعي ويعبر عنه بالكشف لأن مقدمات الانسداد يكون كاشفا عن ذلك ولا يكون النتيجة الحكومة لأن معناها هو أن العقل بعد عدم الطريق له إلى الواقع وعدم إمكان الاحتياط التام يحكم بأن الظن يكون حجة لأنه أرجح من الوهم والشك وهذا أيضا يكون من الامتثال الاحتمالي لأن الظن يحتمل أن يكون مؤداه موصلا إلى الواقع ويحتمل ان يكون امتثال ما ادى إليه امتثالا للأمر ولا يكون القطع به وحيث ان الامتثال التفصيلي لازم.

وعلمنا بمقتضى الإجماع على عدم جواز الامتثال الاحتمالي ان الظن حجة شرعية ويكون استناد العمل به إلى الله تعالى جزميا سواء كان الوجه في عدم جواز إهمال الأحكام المقتضى للقول بحجية الظن هو هدم الدين أو الإجماع أو العلم الإجمالي بالاحكام هذا بناء على كون السند الإجماع على الوجه الثاني.

واما لو كان السند هو الوجه الأول من الإجماع وهو الإجماع على عدم وجوب الجمع بين المحتملات فيختلف النتيجة حسب اختلاف المباني في الوجوه التي ذكروها لعدم جواز إهمال الأحكام فان كان الوجه هو العلم الإجمالي وعدم جواز مخالفته كانت النتيجة التبعيض في الاحتياط لا محالة لأن العلم الإجمالي يقتضى الجمع بين جميع المحتملات فحيث لا يجب للإجماع على عدم وجوبه فيرجع إلى التبعيض في الاحتياط بالجمع بين المحتملات الظنية وهذا يقتضى سقوط

٢١٧

الاحتياط عن بعض الأطراف دون البعض الآخر وح تبقى مقدمات الانسداد بدون النتيجة ولا تصل النوبة إلى القول بحجية الظن من باب ترجيحه على الوهم والشك.

وان كان الوجه (١) في عدم جواز الإهمال هو الإجماع والخروج من الدين اللذان كانا يقتضيان جعل الشارع طريقة الاحتياط في جميع الوقائع فإذا قام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط والجمع بين جميع المحتملات ولكن ذلك لا يقتضى القول بمرجعية الظن بحكم العقل بل يمكن أن يكون التبعيض في الاحتياط هو المجعول أو الظن هو الحجة ولا طريق لإثبات كون الحجة هو الظن فقط بنحو الكشف.

والجواب عنه قده أولا منع الإجماع الأول تعبدا لأن سنده يمكن ان يكون حكم العقل بلزوم اختلال النظام أو للزوم العسر والحرج أو يكون السند هو الإجماع على عدم جوازه كما هو مقتضى الوجه الثاني من الإجماع لو تم.

وثانيا ادعائه الإجماع الثاني ممنوع لأنه غير ثابت ومخالفه كثير حتى قال بعضهم ان الامتثال الاحتمالي ربما يكون أوقع في النفوس في صدق الإطاعة وكما ان أصل التكليف يجب ان يكون بيانه من الشرع فكذلك طور التكليف فإذا شك في وجوب الامتثال التفصيلي فالأصل البراءة عنه وكفاية الامتثال الإجمالي.

وثالثا بعد الإجماع على عدم جواز الامتثال الاحتمالي لا يثبت الكشف بل يمكن ان يكون العقل هو الحاكم ولكن من باب تعيين المنجز في الظن فيكون النتيجة الحكومة حتى على فرض قبول هذا الإجماع وما أفاد من أن العقل لو كان حاكما يكون الامتثال احتماليا غير تام لأن العقل يحكم بأن الوظيفة هي العمل على طبق الظن من باب أنه حجة بحكم المقدمة الرابعة في ان الطريق يتعين فيه بعد عدم

__________________

(١) أقول هل يكون لزوم هدم الدين الا بعد العلم إجمالا بوجود الأحكام فيما بين المحتملات فهل فرق بين كون السند العلم الإجمالي أو هدم الدين فأي عقل لا يحكم بالتبعيض في الاحتياط في الثاني ويحكم به في الأول فان العلم بالدين أيضا يقتضى الجمع بين المحتملات ومع عدم لزوم الاحتياط الرجوع إلى الناقص.

٢١٨

لزوم الاحتياط التام فنستكشف حجية الظن بحكم المقدمة الرابعة ولا يكون الامتثال احتماليا فيكون حكومة العقل هي التعيين في مقابل الاحتياط لا الحكومة في أصل الحجية فعلى هذا يكون العقل معينا واما على فرض الخراسانيّ قده يكون العقل منجزا كما سيجيء.

واما قوله في تقريب عدم وجوب الاحتياط على مسلك المشهور من أنه ان كان الوجه في عدم جواز إهمال الأحكام العلم الإجمالي فيجب التبعيض في الاحتياط وتبقى المقدمة الرابعة بلا فائدة لعدم حجية الظن حينئذ فهو قول متين ولقد أجاد فيما أفاد.

واما قوله في صورة كون السند لعدم جواز الإهمال الإجماع والخروج عن الدين بأنه أيضا لا ينحصر الطريق في الظن بل يمكن ان يكون الظن حجة ويمكن ان يكون التبعيض في الاحتياط وحيث ان العقل حاكم به بعد الإجماع على عدم وجوب الاحتياط التام بدون المئونة فهو المتعين لا الرجوع إلى الظن للاحتياج إلى مئونة زائدة جعل الشرع إياه حجة وهو كشف فهو قول غير تام لأن التبعيض في الاحتياط ليس كاشفا عن الواقع ليكون مجعولا وحجة فلم يرجع هذا القول إلى معنى محصل فلا أساس للقول بالكشف بهذا الملاك.

فيمكن ان يقال بالحكومة ولكن في التطبيق يعنى أن العقل حيث يكون الظن عنده طريقا إلى الواقع وكاشفا ناقصا يمكن ان يقال اتكل الشرع عليه فلم يبين بيانا آخر فهو حجة بحكم العقل في مقابل التبعيض في الاحتياط ويكون كشفا لحكم الشرع في هذا المورد أيضا فهو حكومة من جهة التطبيق وكشف من جهة استكشاف حكم الشرع وعدم الطريقية والحجية للتبعيض في الاحتياط.

ثم فذلكة البحث وحاصله لبيان الكلام للأستاذ النائيني قده وما فيه من الإشكال هي انه قده يقول لنا إجماعان إجماع عن المشهور مفاده عدم وجوب الاحتياط وإجماع ادعاه قده وهو عدم جواز الامتثال الإجمالي. فعلى الثاني يقول بأن نتيجة المقدمات في الانسداد هي الكشف لأن التبعيض في الاحتياط والظن الّذي يحكم

٢١٩

به العقل يكون موجبا للامتثال الإجمالي لأن الداعي يكون احتمال التكليف في كل طرف من الأطراف فعليه يجب ان يكون الظن حجة شرعية حتى يكون العمل مستندا إلى الشرع بالامتثال التفصيلي من غير فرق بين ان يكون الوجه في عدم جواز إهمال الدين الإجماع والخروج عن الدين أو العلم الإجمالي بالتكاليف.

وجوابه هو أن الإجماع على المشهور سندي لأنه يمكن ان يكون سنده العسر والحرج واختلال النظام وسيجيء الكلام فيه. واما الإجماع على عدم جواز الامتثال الإجمالي فغير ثابت واما حجية الظن من باب الكشف المحض أيضا فلا تم من باب ان العقل حيث يكون له حكم بترجيح الظن يمكن ان يتكل الشرع عليه في التعيين فيكون هو المعين للمنجز فيكون حاكما من هذه الجهة.

واما على الأول وهو تقريب الإجماع على المشهور فيقول فرق بين أن يكون السند لعدم جواز إهمال الدين العلم الإجمالي أو الخروج من الدين والإجماع فعلى الأول يجب التبعيض في الاحتياط وهو غير مربوط بحجية الظن من باب الانسداد وتصير المقدمة الرابعة بدون النتيجة واما على الثاني فيكون المتعين هو التبعيض في الاحتياط أيضا لكن من باب ان حجية الظن من الشرع تحتاج إلى مئونة زائدة وهو كشف حكم الشرع في مورده ولا فرق بينهما في كونهما حجة فما لا مئونة عليه هو المقدم.

والجواب عنه بعد عدم سندية إجماع المشهور لما ذكر من انه سندي لا إشكال في ان يكون العقل كاشفا عن حكم الشرع في حجية الظن من باب احتمال اتكال الشرع عليه حيث لم يصرح بحجية الظن فهو المعين للحجة واما قوله بعدم النتيجة للمقدمات على فرض كون السند لعدم جواز الإهمال هو العلم الإجمالي فلقد أجاد فيما أفاد.

هذا كله الكلام في فرض كون السند الإجماع واما لو كان سند عدم وجوب الاحتياط التام العسر والحرج فالبحث فيه في مقامين : الأول في بيان النسبة بين الاحتياط وقاعدة العسر والحرج والثاني في بيان نتيجته في المقام.

٢٢٠