مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

وما عن شيخنا النائيني قده من ان الاجزاء السابقة لا شك فيها وانما الشك في اللاحقة غير تام لأن المفروض هو ارتباطية الاجزاء فانه يمكن ان يقال ان ما وقع في الوسط يمكن أن يكون موجبا لفساد ما وقع في السابق فيحصل الشك في قابلية السابق للإلحاق وفي صحة اللاحق أيضا فالإشكال فقط هو أن الأصل مثبت.

ثم ان هنا وجها عن الخراسانيّ قده (١) لجريان استصحاب صحة الاجزاء لإثبات صحة إلحاق البقية بها وهو أن صحة إلحاق البقية يكون من الأحكام الشرعية لا من الآثار العقلية ألا ترى أن استصحاب الطهارة جارية وموجب لإحراز الشرط المترتب عليه المشروط ولا يقال أنه مثبت فكذلك في المقام إحراز الجزء يكون بالأصل ويترتب عليه صحة ساير الاجزاء فان لسان الاستصحاب هو التوسعة في مقام الفراغ بجعل الشرط هو الأعم من الظاهري والواقعي.

واما لسان قاعدة الطهارة عنده فهو الحكم بالطهارة ظاهرا لا ان الشرط هو الأعم من الظاهري والواقعي ويترتب عليه عدم وجوب إعادة ما وقع شرطه باستصحاب الطهارة بعد كشف الخلاف ووجوب إعادة ما وقع بالقاعدة بواسطة كشف الخلاف والحاصل أن الجزء والشرط مثلان في جريان الأصل وعدم وجوب الإعادة (٢).

__________________

(١) أقول ويمكن أن يكون مراده ان الهيئة الاتصالية امر مجعول من الشرع فإذا شك في بقائها بواسطة الزيادة يكون استصحاب صحة الاجزاء السابقة موجبا للقول ببقائها وهو أثر شرعي كما في ترتب المشروط على الشرط فان أصل الترتب إذا كان بيد الشرع يكفي لجريان الأصل.

(٢) أقول من العجب أن القوم لا شبهة لهم في جريان الأصل بالنسبة إلى الشرط الّذي هو الطهارة في صورة الشك فيها مع الحالة السابقة كما في استصحاب الوضوء والطهارة.

وفي المقام يشكل مد ظله عليه بإشكال غير مربوط بهذا فان الاجزاء في استصحاب الطهارة سواء كان ظاهريا أو واقعيا غير مربوط بهذا عند كشف الخلاف.

والحاصل انه كما يجري الأصل في الشرط يجري في الجزء أيضا فان الترتب ان كان عقليا ففيهما وان كان شرعيا ففيهما أيضا.

٦٠١

والجواب عنه قده هو أن لازم هذا القول هو عدم وجوب الإعادة عند كشف الخلاف وهي واجبة بالاتفاق فلا يكون جريان الأصل كافيا للقول بعدم وجوب الإعادة وصحة الاجزاء اللاحقة.

ثم ان هنا تقريبا ثالثا عن (١) الهمدانيّ قده للاستصحاب وهو أن الأمر بإتمام الصلاة قبل إتيان الاجزاء السابقة تعليقي أي يجب إتمام الصلاة لو شرع المكلف فيها واما بعد إتيان الاجزاء السابقة وان كان جزء واحدا فيكون الأمر بالإتمام تنجيزيا فإذا شك في أن الاجزاء السابقة هل تكون قابلة لإلحاق البقية فيستصحب الأمر بالإتمام بالنسبة إلى الاجزاء اللاحقة واستصحاب هذا الأمر يكون من استصحاب الحكم وآثاره وان كان عقليا يترتب عليه فان التعبد بالحكم يصح ويرفع إشكال مثبتية الأصل في المقام فهذا الأمر بالإتمام يترتب عليه صحة المركب.

وفيه ان الاجزاء اللاحقة لا حالة سابقة (٢) لها حتى يستصحب بل وجوب إتمامها يكون معلقا على صحة الاجزاء السابقة وحيث يحتمل وجود المانع في الوسط لا يكون صحة السابقة محرزة ليجب إتمامها.

وثانيا (٣) انه لو فرض كون هذا الأمر من استصحاب الحكم يكون الآثار

__________________

(١) ولعل هذا هو الوجه الّذي تمسك به الشيخ قده وأجاب عنه من الاستدلال بما ورد من النهي عن إبطال العمل بقوله لا تبطلوا أعمالكم فان حرمة إبطال العمل تكون مساوية مع الأمر بالإتمام ولو كان الكلام في دلالة هذا الدليل فحرمة الابطال في خصوص الصلاة إجماعية.

(٢) أقول لا نحتاج إلى الحالة السابقة في الاجزاء بل حرمة إبطال الصلاة والأمر بإتمام ما شرع فيه بواسطة تكبيرة الإحرام يكون لها حالة سابقة بنفس الدخول فيها فيستصحب الوجوب ووجود المانع يكون منشأ للشك في بقاء الوجوب لعدم إحراز مانعيته.

(٣) إذا كان المستصحب هو الحكم الشرعي يترتب عليه جميع الآثار العقلية طولا وعرضا كما يترتب في صورة إحرازه بالوجدان والمانع فقط يكون بالنسبة إلى ـ

٦٠٢

العقلية على نفس هذا الحكم مترتبا لا آثار آثاره العقلية ففي المقام إثبات صحة السابق لوجود الأمر بالنسبة إلى إتمام اللاحقة ولو كان مترتبا على استصحابه ولكن صحة المركب يكون من آثار هذا الأثر العقلي ودليل الاستصحاب منصرف عنه كما كان منصرفا في ما كان الأثر عقليا محضا من دون واسطة حكم شرعي فلا يتم كلامه قده في هذا المقام.

بقي هنا شيء وهو أن الأصل سواء كان هو الاستصحاب أو البراءة عن المانعية انما يجري في صورة عدم وجود العلم الإجمالي ومعه فلا مجال لجريان الأصل وحيث كان العلم الإجمالي علة تامة لوجوب الامتثال لا يجري الأصل ولو كان بدون المعارض وهو هنا العلم بأن الواجب علينا اما إتمام هذه الصلاة أو وجوب إعادتها ولذا قال بعض الفقهاء يجب الإتمام ثم الإعادة قضاء للعلم الإجمالي فاستصحاب صحة الاجزاء السابقة وان لم يعارضه استصحاب صحة اللاحقة ولكنه غير جار لذلك والجواب عنه ان الشك في وجوب الإعادة مسبب عن الشك في مانعية الزيادة فإذا جرى الأصل بالنسبة إليها فعدم وجوب الإعادة مما لا كلام فيه فالعلم ينحل به لو كان جاريا وانما الكلام في جريانه.

وثانيا ان هذا العلم متوقف على كون الابطال محرما واما إذا كان العمل منبطلا من جهة الزيادة في نفسه فلا يكون العلم بوجوب الإتمام حاصلا فبعض الأطراف لا علم به حتى يتشكل العلم الإجمالي.

فتحصل من جميع ما تقدم أن الأصل الأولى يقتضى عدم إبطال العمل بالزيادة بخلاف النقيصة.

__________________

ـ الأثر العقلي بدون واسطة الأثر الشرعي لعدم التنزيل والتعبد فيما يكون عقليا وهو مفقود في المقام فلا يرد هذا الإشكال عليه قده والحاصل الحق مع الخراسانيّ في جريان استصحاب الصحة وهكذا مع الهمدانيّ فيما ورد (قده) من الطريق.

٦٠٣

الجهة الثانية في بطلان الصلاة بالزيادة لدليل خاص (١)

اعلم أنه وان لم يكن مقتضى القاعدة بطلان العمل بالزيادة ولكن في خصوص الصلاة وردت روايات تدل على بطلانها بالزيادة.

ويجب ملاحظة تلك الروايات مع حديث لا تعاد وهذه هي الجهة الثالثة على حسب ترتيب البحث في صدر المقال.

فنقول مستعينا بالله تعالى ان الروايات على طوائف أربعة الطائفة الأولى ما دل على أن الزيادة موجبة للإعادة مطلقا سواء كان عن سهو أو عمد بقوله من زاد في صلاته فعليه الإعادة (٢).

الطائفة الثانية ما دل على أن الزيادة السهوية توجب الإعادة بقوله عليه من استيقن أنه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته (٣) الطائفة الثالثة حديث لا تعاد (٤). والطائفة الرابعة ما دل على وجوب سجدة السهو عند الزيادة فيجب ملاحظة النسبة بين الطوائف ليظهر أن مقتضى الجمع هو بطلان العمل بالزيادة (٥) أم لا.

فنقول اما النسبة بين الطائفة الأولى وحديث لا تعاد تكون العموم من وجه لأن الأولى تكون في خصوص الزيادة مع الإطلاق من جهة العمد والسهو ولا تعاد يختص بصورة السهو مع العموم من جهة الزيادة والنقيصة بعقد المستثنى منه ومورد

__________________

(١) هذا البحث في الفقه في شرح العروة للحكيم قده ج ٧ في بحث الخلل مسألة ٢ طبع ٣ والرجوع إليه لا يخلو عن بسط في النّظر ومأخذ الروايات فارجع إليه ان شئت.

(٢) في الوسائل ج ٥ باب ١٩ من أبواب خلل الصلاة ح ١.

(٣) في الوسائل ج ٤ باب ١٤ من أبواب الركوع ح ١ وفي ج ٥ باب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح ١.

(٤) في الوسائل باب ٢٩ من أبواب القراءة ح ٥.

(٥) في الوسائل ج ٥ باب ٤ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

٦٠٤

الاجتماع (١) هو الزيادة السهوية.

وفي هذا المورد يحصل التعارض فربما قيل كما عن الشيخ الأنصاري بأن التقديم يكون مع حديث لا تعاد لكونه حاكما على من زاد لأن لسان الثاني يكون لسان ما دل على جعل الجزئية ولا تعاد يكون في مقام ضرب القاعدة في مقام الفراغ والحاكم لا يلاحظ النسبة بينه وبين محكومه بل هو مقدم مطلقا.

وربما يقال بأن التقديم يكون من جهة أظهرية لا تعاد بالنسبة إلى من زاد لكونه نصا بالنسبة إليه.

وقد يقدم لا تعاد على من زاد بوجوه أربعة بعضها مخدوشة.

الأول ان حديث من زاد يكون في الزيادة الركنية لأن مقتضى الجمع بينه وبين ما دل على أن الزيادة السهوية الغير الركنية توجب سجدة السهو لا الإعادة فلا يشمل الزيادة الغير الركنية والزيادة الركنية يكون وجوب الإعادة بالنسبة إليها بمقتضى عقد المستثنى في حديث لا تعاد بقوله الا من خمس الركوع والسجدة وغيرهما فلا معارضة بينهما.

والثاني ان حديث من زاد يكون ضعيف السند لاشتباه إبراهيم بن هاشم بغيره والثالث اختلاف المتن في نسخة الكافي والتهذيب ففي الكافي ان الإعادة تكون في صورة زيادة الركعة وفي التهذيب لا يكون ذكر الركعة ولا يخفى أن الكافي أضبط فلا دلالة له على وجوب الإعادة في غيرها ليعارض مع لا تعاد وقد تعرض لهذا الوجه الهمدانيّ قده.

والرابع ان الإجماع البتي قد قام على أن النقيصة مثل الزيادة في الحكم إذا كانت عن سهو فلو قلنا بان لا تعاد يخصص بمن زاد في الزيادة السهوية وتجب الإعادة

__________________

(١) وعليه فمورد الافتراق في لا تعاد هو النقيصة السهوية فان الحديث شامل له وحديث من زاد ساكت لكونه في خصوص الزيادة ومورد الافتراق في من زاد الزيادة العمدية فانه يدل على وجوب الإعادة ولا تعاد أيضا لا يشمل الزيادة العمدية.

٦٠٥

وكانت النقيصة السهوية بحكمها فلا يبقى مورد لحديث لا تعاد فهو بالنسبة إلى عقد المستثنى منه يصير بلا مورد وهذا بخلاف تقديم لا تعاد على من زاد في الزيادة السهوية لأن المورد له بعد ذلك هو الزيادة العمدية ففيها يتمسك بمن زاد وفي غير العمدية في غير الركن بلا تعاد.

أقول الوجوه الثلاثة المتأخرة لا يتم لأن ضعف السند المنسوب إلى الرواية في غير محله فان إبراهيم بن هاشم روايته حسنة أو كالصحيح بتعبير بعض الفقهاء كما عن الهمدانيّ قده وعن الحكيم قده في المستمسك.

واما اختلال المتن فهو أيضا في غير محله لأن ما في الكافي روايتان إحداهما مشتملة على حكم زيادة الركعة (١) والثانية مطلقة من حيث الركعة وغيرها والتهذيب نقل ما كان متعرضا لزيادة الركعة فقط ولم يتعرض للآخر زعما منه اتحاد الروايتين مع ان سندهما أيضا مختلف وزعم الفقهاء أيضا اتحادهما وهذا ليس من اختلاف المتن في شيء.

واما الإشكال بان حديث لا تعاد يصير بلا مورد ان قدم من زاد في الزيادة بادعاء الإجماع على ان النقيصة السهوية أيضا كذلك.

فلا وجه لعدم اعتبار هذا الإجماع فيمكن ان يكون لا تعاد في النقيصة السهوية ومن زاد في الزيادة السهوية.

فبقي الوجه الأول لتقديم لا تعاد على من زاد تاما لأن من زاد إذا كان معارضا بأن سجدة السهو لكل زيادة ونقيصة لأن المدلول الالتزامي هو أن الصلاة صحيحة

__________________

(١) في الوسائل ج ٤ باب ١٤ من أبواب الركوع ح ١ مصحح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة ركعة فليستقبل صلاته استقبالا.

وفي ج ٥ في باب ١٩ من أبواب الخلل في الصلاة ح ١ ـ مصحح زرارة وبكير إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن ذلك يقينا.

٦٠٦

إذا أتى بسجدة السهو ورواية من زاد مطلقا أو من استيقن انه زاد في المكتوبة دالة على البطلان فبالتعارض يحصل التساقط فيصير حديث لا تعاد في الزيادة والنقيصة السهوية بدون المزاحم وهذا هو الوجه في تقديمه لا الوجوه الثلاثة المتقدمة.

أو يقال ان الجمع مهما أمكن أولى من الطرح فيقال ان من زاد يكون أظهر في الزيادة الركنية وروايات سجدة السهو في الزيادة الغير الركنية والأول يكون هو مفاد عقد المستثنى في لا تعاد والثاني هو مفاد عقد المستثنى منه فلا تعاد الصلاة في غير الركن ويسجد سجدتي السهو.

لا يقال ان روايات سجدة السهو تكون واردة مقام الحكم الحيثي ولا تكون ناظرة إلى إصلاح خلل الصلاة لأن مفادها ان كل مورد صحت الصلاة من ساير الجهات يجب زيادة سجدة السهو في المكلف به للزيادة أو النقيصة فلا تدل على صحة الصلاة لتتعارض مع من زاد بل هي حاكمة عليه.

لأنا نقول ان الظاهر من روايات سجدة السهو هو إصلاح خلل الصلاة لا لا بيان الحكم الحيثي وعلى فرض التسليم فمن أين صار حاكما بل هي ورواية من زاد متساويتان.

لا يقال بعد تعارض من زاد في الزيادة السهوية مع لا تعاد بمقتضى حديث من استيقن أنه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته وعدم شمول صورة العمد فالمرجع بعد التعارض هو العام الفوق وهو عموم من زاد فعليه الإعادة الشامل لصورة العمد والسهو فلا يكون التقديم مع لا تعاد.

لأنا نقول ان العام الفوق كان في صف المعارضة ابتداء مع حديث لا تعاد من جهة الزيادة السهوية وما هو كذلك لا يصير مرجعا.

لا يقال إذا كان مقتضى ما دل على سجدة السهو لكل زيادة ونقيصة هو الإطلاق حتى بالنسبة إلى الركن وهذا معارض مع عقد المستثنى في لا تعاد لأن مقتضى قوله الا من خمس هو عدم الإعادة في غير الأركان فلو حمل في مقام الجمع على الزيادة العمدية فيقال زيادة الركن عمدا موجبة للإعادة وسهوا تكون موجبة لسجدة السهو

٦٠٧

فيكون خلاف الإجماع لأن زيادة الركن عمدا وسهوا يكون مخالفا له مضافا بأن الزيادة العمدية يعلم حكمها من بقية الاخبار ولا يكون الدليل عليها الحديث فالمعارضة مستقرة ولا يمكن التمسك بلا تعاد في الزيادة وبعبارة أخرى ما في سجدة السهو يكون في خصوص السهو ولكن يكون أعم من جهة الركن وغيره ولا تعاد بعقد المستثنى يكون في خصوص الأركان ويكون أعم من السهو والعمد فزيادة الركن عمدا يكون مورد التعارض.

لأنا نقول ان عقد المستثنى نصّ في أن الخمس موجب للإعادة زيادة ونقيصة في صورة السهو (١) وما دل على سجود السهو ظاهر في عدم وجوب الإعادة والنص مقدم على الظهور فالزيادة الركنية السهوية موجبة للإعادة وسجدة السهو تكون في غير الركن هذا أولا.

وثانيا لو فرض سقوط بعض فقرات الحديث بواسطة المعارضة لا يسقط بقيتها ففي عقد المستثنى إذا حصل التعارض ولم يكن هو في عقد المستثنى منه نأخذ به فيما لا مزاحم له.

إلّا أن يقال ان عقد المستثنى منه مع ملاحظة سجدة السهو أيضا يصير بلا مورد لأنه إذا لم يكن في صورة السهو موردا للا تعاد لوجود أحاديث سجدة السهو وفي

__________________

(١) أقول لا يكون عقد المستثنى نصا في السهو إلّا بالقرينة بأن يقال ان الحديث صدرا وذيلا منصرف عن صورة العمد أو يقال زيادة الركن عمدا مما لا كلام في إبطالها الصلاة ويكون هذا في السهو فقط.

والحاصل لا نصوصية في نفس الحديث بل من جمع الروايات يمكن استفادة ذلك مثل ما دل على أن الركوع والسجود فريضة والقراءة سنة ولا تنقض السنة الفريضة والعمد في القراءة غير معفو فضلا عن ما هو المفروض أو ان الإجماع على ذلك وعليه يكون التقديم من باب تقديم الخاصّ على العام فان ما دلّ على تصحيح الصلاة لسجدة السهو مطلق يشمل الركن وغيره وهذا يدل على أن الركن لا يصح بسجدة السهو.

٦٠٨

صورة العمد أيضا فيكون الإضرار بالأولوية لعدم شمول لا تعاد لصورة العمد في الترك أو الزيادة.

فتحصل أن التمسك بحديث لا تعاد في الزيادة السهوية أيضا لا إشكال فيه كما أن التمسك به في النقيصة كان كذلك لحكومته على أحاديث من زاد في صلاته فعليه الإعادة.

فصل في تعذر الجزء بالعجز عنه

قال في الكفاية ص ٢٤٥ الرابع أنه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة ودار الأمر بين أن يكون جزء أو شرطا مطلقا ولو في حال العجز عنه وبين ان يكون جزء أو شرطا في خصوص حال التمكن منه فيسقط الأمر بالعجز عنه على الأول لعدم القدرة حينئذ على المأمور به لا على الثاني فيبقى معلقا بالباقي انتهى.

أقول إذا تعذر الجزء أو الشرط أو المانع ففي سقوط التكليف من باب أن المركب إذا انتفى أحد اجزائه ينتفي أو بقاء التكليف خلاف.

والبحث هنا اما ان يكون على طبق مقتضى القواعد الأولية أو القاعدة الثانوية مثل قاعدة الميسور فالبحث في مقامين.

المقام الأول في تنقيح المرام من جهة القواعد الأولية فنقول ان الدليل الدال على الجزئية أو الشرطية أو المانعية اما ان يكون مطلقا أو مهملا وعلى فرض إهماله فدليل المركب اما أن يكون مطلقا أو مهملا أيضا فعلى فرض إهمال دليل المركب أو إطلاقه وإطلاق دليل الجزء لا شبهة ولا ريب في تقديم دليل الجزء في الإطلاق لأنه حاكم على دليل المركب فإذا امر بالصلاة يكون الأمر بالركوع والسجود وغيره بيانا لهذا المركب فيقدم إطلاقه على المركب سواء كان مطلقا أو مهملا.

فعلى فرض الإطلاق فالتقديم بالحكومة وعلى فرض الإهمال فالتقديم واضح لا شبهة فيه فان الجزء دخيل في الماهية فالصلاة مع الجزء غيرها بدونه فلا يكاد ينطبق عليها الأمر بدون الجزء والشرط أو مع المانع.

٦٠٩

ثم أن الجزء إذا صار متعذرا فتارة يكون البحث في مقام الثبوت وأن المكلف هل يمكن أن يكون مأمورا بالجزء في حال الاضطرار أم لا وتارة يكون في مقام الإثبات.

فنقول لا شبهة في أن العجز مانع عقلا عن توجه التكليف إلى العاجز خطابا وجعلا اما الخطاب فواضح واما الجعل فلأنه يلزم منه اللغوية لأن الجعل بالنسبة إلى العاجز في ظرف العجز يكون لغوا كما أن توجه الخطاب إليه غير ممكن والإثبات تابع للثبوت فإذا امتنع الثبوت امتنع الإثبات أيضا فلا يكون الكلام في خصوص الخطاب كما عن الشيخ والبهبهاني (قده) بل أصل الجعل أيضا محال لما مر.

نعم يمكن أن يستفاد من إطلاق المادة دخل الجزء في جميع مراتب مصلحة الواقع العليا والدنيا لا خصوص العليا فقط ليقال عند التعذر لا يسقط امر المركب فعليه ينتفي المركب بانتفائه أو يقال ان الخطاب وان سقط عن الحجية بالنسبة إلى العاجز ولكن ما سقط عن الظهور في الدخل في المصلحة بالدلالة الالتزامية وهذا هو التحقيق (١) واما إطلاق المادة كما عن القدماء فغير تام عندنا لاحتمال قرينية الخطاب فإذا سقط لا سبيل إلى التمسك بإطلاق المادة لأن شرطه هو عدم ما يحتمل القرينية في التمسك بإطلاق المادة ونفس الخطاب يحتمل القرنية.

ولا فرق فيما ذكرنا بين كون الأمر غيريا أو نفسيا وكذلك النهي من جهة الخطاب والمصلحة.

هذا كله على فرض إطلاق دليل الجزء واما على فرض إهماله مثل أن يكون الدليل هو الإجماع الّذي يكون المتيقن منه غير صورة العجز فيكون المرجع هو إطلاق المركب لو كان وإشكال النسيان هنا مرتفع لأن امر الناسي ببقية الاجزاء كان

__________________

(١) الدلالة الالتزامية أيضا ساقطة بسقوط الخطاب كما أن إطلاق المادة أيضا غير تام وإثبات الدخل تكوينا أيضا لا يفيد بالنسبة إلى القضاء والإعادة إلّا بدليل خاص ومقتضى الارتباطية هو سقوط المأمور به بسقوط الجزء لو ثبت الدخل التكويني.

٦١٠

غير ممكن من باب صيرورته متذكرا بذلك وفي المقام لا إشكال في أن يقال المضطر مأمور بغير الجزء العاجز عنه وهذا الإطلاق على نحوين الأول إطلاق نفس المركب وهو الأمر بالصلاة والثاني إطلاق دليل ساير الاجزاء.

اما إطلاق نفس (١) المركب فلا شبهة في إمكان التمسك به إذا كان الألفاظ في العبادات موضوعة للأعم من الصحيح والفاسد فانه إذا كان العنوان مثل الصلاة صادقا يكون الأمر متوجها إليه ولو لم يكن الجزء المتعذر في نظامها فيكشف عن الإطلاق ان الجزء غير دخيل في هذا الحال ما أقول ان الصلاة وضعت لبقية الاجزاء ليقال أنها موضوع للمجموع.

بل أقول ان العنوان يكون صادقا واما على فرض وضع ألفاظ العبادات لخصوص الصحيح فحيث أن العنوان غير محرز لاحتمال دخل الجزء المتعذر في المصلحة فلا يمكن التمسك بإطلاق المركب.

واما إطلاق ساير الاجزاء مثل إطلاق اركع واسجد إذا تعذر القراءة فهو أيضا (٢) جار على فرض عدم إطلاق لدليل الجزء المتعذر وإلّا فهو حاكم ويكشف منه عدم الدخل في الملاك في الجزء المتعذر.

__________________

(١) أقول لا إطلاق للمركب في مقام لأن الأمر في الصلاة يتوجه إلى ما هو الصلاة ولا يكون في وسعه إثبات أن هذا الجزء صلاة أم لا وهكذا غيره فدليل المركب لا زال مهمل من هذه الجهة.

وأصل اللفظ لو كان موضوعا للأعم من الصحيح ولكن الأمر يتوجه إلى ما هو الصحيح عند الشرع ببيان اجزائه وشرائطه لا إلى الأعم وصدق العنوان بالنسبة إلى بقية الاجزاء لا يكفي.

(٢) أقول ان أدلة البيانية للاجزاء أيضا لا يكون إلّا في مقام بيان اجزاء المركب ويكون محققا لعنوان المركب ولا يكون له الأمر المستقل فان الوحدة الارتباطية إذا استفيدت من المركب لا يكون لدليل الجزء إطلاق بالنسبة إلى فرض عدم بعض الاجزاء ـ

٦١١

لا يقال ان الجزء لا يكون له الأمر مستقلا بل الأمر بالاجزاء هو الأمر بالمركب فكيف يقال بأن دليل الجزء مطلق وعلى فرض إهماله يكون الحكم إطلاق المركب فان الأمر الواحد المنبسط على الاجزاء لا يمكن القول بالتعدد فيه لمكان الارتباطية وإلّا فتعذر جزء لا يكون مربوطا بالجزء الآخر على فرض عدم الارتباط.

لأنا نقول معنى إهمال دليل الجزء وإطلاق دليل الكل هو تعدد الأمر وإلّا فلا يبقى معنى للقول بالإطلاق والإهمال بالنسبة إلى امر واحد.

لا يقال ان الأمر كذلك ينحلّ على الاجزاء ويصير متعددا بالانحلال ولا مشاحة فيه ولكن ارتباط الاجزاء ودخلها في مصلحة واحدة يمنع عن التفكيك بين الاجزاء فان الواحد المرتبط يسقط بواسطة سقوط أحد اجزائه ولا شبهة في ان هذا البحث في المقام يكون من جهة الارتباط وإلّا فهذا البحث من رأسه يصير ساقطا على فرض عدمه لأن الأمر إذا تعدد ولم يكن امتثال بعضه ممكنا ولم يكن الارتباط في البين لا يجيء الشك في امر ما هو غير متعذر بل هو باق بحاله.

لأنا نقول هذا مسلّم فان الارتباط صار موجبا للشك ولكن نحن ما أحرزنا الارتباط بالنسبة إلى هذه الحصة للشك في أصل الدخل في المركب في ظرف الاضطرار والتعذر فإطلاق المركب أو ساير الاجزاء يكون موجبا لطرد الشك.

فتحصل انه على فرض إطلاق دليل الجزء في الجزئية حتى في حال العجز

__________________

ـ نعم إذا لم يكن في وسع الأدلة البيانية إثبات أن هذا يكون جزءا حتى في حال الاضطرار يسقط الارتباط ظاهرا ولم يكن الدليل الا على البقية وينبسط امر المركب على ما هو المعلوم جزئيته.

والحاصل كل الكلام في ما هو دليل لبيان الموضوع وعدم إحراز دليل على الجزئية يكفي لداعوية الأمر بالمركب الّذي عين الأمر بسائر الاجزاء في وجوب إتيان البقية واما الشك في جزئية هذا الجزء فالأصل يوجب طرده لأن البراءة عن جزئية هذا الجزء المشكوك تكون كافية وهي جارية في الأحكام الوضعيّة كالتكليفية وفاقا للخراساني لا الشيخ (قدهما).

٦١٢

يسقط المركب بتعذره وعلى فرض إهماله فالمرجع إطلاق ساير الاجزاء أو إطلاق المركب وسيجيء الأصل في صورة إهمال الدليلين.

ثم لا فرق بين الجزء والشرط والمانع فان المانع أيضا يكون عدمه على مسلك القوم شرطا للمركب فيرجع إلى الشرط وعلى ما هو التحقيق فيكون وجوده ضارا ولا يصير هذا فارقا في ظرف الاضطرار.

نعم في المانعية فرق بالنسبة إلى لسان الدليل وقد أطال البحث في هذا الفرق شيخنا النائيني في البحث عن لباس المشكوك وحاصله ان المانعية اما ان تكون مستفادة من النهي المتوجه إلى المانع مثل لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه واما ان تكون مستفادة من اجتماع الأمر والنهي بعد عدم المزاحمة في ظرف الجعل فان النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة واستفادة شرطية إباحة المكان في الصلاة يكون من اجتماع مورد الغصب والصلاة ولكن في مرحلة الجعل يكون مصب النهي هو الغصب ومصب الأمر هو الصلاة ولذا ذهب مثل القمي قده ومال إليه بعض الميل شيخنا الحائري قده بأن الصلاة في الدار المغصوبة أيضا صحيحة من جهة ان مركز النهي غير مركز الأمر.

ولا يكون مثل النهي في العبادة فان النهي المتوجه إليها يكون معناه عدم المصلحة فيها أصلا بخلاف باب اجتماع الأمر والنهي فإذا استفدنا ان الغصب مانع عن صحة الصلاة يكون بقاء المانعية في ظرف وجود النهي وعدم المانع عن فعليته.

ولذا يقال بصحة الصلاة في ظرف الجهل بالغصب لعدم فعلية النهي والتعذر أيضا يكون أحد الموانع عن فعلية النهي فعليه لا يصير التعذر مانعا عن مصلحة الصلاة وهذا بخلاف المانع الّذي يكون مستفادا من توجه النهي بنفس العنوان فانه كاشف عن الدخل في الملاك واقعا ففي صورة التعذر مثل من يكون في البرد الشديد ولا بد من لبس وبر ما لا يؤكل يكون صلاته فاقدة للشرط لو كان عدمه شرطا على مسلك القوم أو يكون الوجود مانعا عن تأثير المقتضى وهذا هو الفرق بين الموانع الّذي يفيد في بحث لباس المشكوك فاحفظه.

٦١٣

ثم انه على فرض الشك في إطلاق الجزء وإطلاق المركب لإهمالهما فأول ما يرى هو القول بالبراءة عن وجوب البقية لأنا لا نعلم انها واجبة بدون هذا الجزء أم لا.

وقد أشكل عليها بأن الشك في البقية مسبب عن الشك في جزئية الجزء لأنا لا نعلم ان هذا الجزء يكون جزئيته حتى في ظرف العجز والاضطرار أم لا والأصل عدم الجزئية حينئذ بمقتضى فقرة رفع ما لا يعلمون فإذا رفعت الجزئية فلا شك في وجوب البقية لأن الشك فيها كان مسببا عن هذا الشك فإذا رفع الشك في السبب يرفع عن المسبب أيضا.

والجواب عنه أولا ان (١) الأحكام الوضعيّة مثل الجزئية غير قابلة للجعل لأن دخلها تكويني وما يكون دخله كذلك لا تناله يد الوضع والرفع إثباتا ونفيا خلافا للخراساني ووفاقا للشيخ.

وثانيا على فرض التسليم فرفع الجزء لا يثبت وجوب البقية الا على القول بالأصل المثبت.

وثالثا ان حديث الرفع يكون للامتنان فإذا كان رفع الجزئية منشأ لوجوب البقية يكون هذا خلاف الامتنان فان إثبات التكليف كلفة زائدة فهذا الأصل غير جار ولا يثبت به وجوب البقية.

لا يقال هذا يكون مثل موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر فانه إذا كان الشك في الجزء من جهة فقد النص أو إجماله أو تعارض النصين فكيف يقال بأن البراءة عن الأكثر جارية ويكون الواجب هو الأقل فكذلك هنا يقال بأن هذا الجزء يكون مرفوع الوجوب فيكون الواجب هو الأقل فقط لا الأكثر فان الاضطرار يكون مثل صورة فقد النص.

__________________

(١) أقول ان الأحكام الوضعيّة قابلة للجعل والرفع كما سيجيء منه في المقام الثاني فالمخالفة مع الخراسانيّ قده غير مستقيمة بنظره أيضا وهذا تهافت في الكلام وما استفدنا منه مد ظله من البحث الخصوصيّ هو موافقته قده ويمكن ان يكون كلامه على ما ذكر مما شاة مع الاعلام.

٦١٤

لأنا نقول الفرق (١) بينهما هو ان الأقل في المقام لا يكون مقطوع الوجوب بخلافه في صورة الشك في دخل الجزء من ناحية فقد النص أو إجماله أو تعارضه فلا علم بالأقل هنا وإثباته بالأصل يكون من الأصل المثبت وهو غير حجة.

في دليل ثانوي على سقوط الجزئية حين الاضطرار

هذا هو المقام الثاني في انه إذا كان لنا دليل دال بإطلاقه على جزئية الجزء حتى في حال الاضطرار فربما يقال بحكومة دليل آخر عليه وينتج وجوب البقية بعد سقوط الجزء عن الجزئية في ظرف الاضطرار وهو أمور :

الأول فقرة ما اضطروا إليه في حديث الرفع ومعنى رفع ما اضطروا إليه هنا هو رفع جزئيته لأنه المناسب لرفع الأحكام الوضعيّة لا العقاب عليه فإذا كانت الجزئية مرفوعة مع كون هذه الفقرة أمارة ومثبتها حجة فنقول بوجوب البقية.

لا يقال ان الجزئية دخلها تكويني ولا تنالها يد الجعل وضعا ورفعا.

لأنا نقول يمكن (٢) ان يجعل دليل بنحو الإرشاد إلى دخله التكويني فحيث كان كذلك فيمكن الإرشاد إلى عدم الدخل بمقتضى رفع ما اضطروا إليه تكوينا نعم

__________________

(١) أقول عدم القطع بوجوبه يكون من جهة احتمال الدخل في المصلحة بالنسبة إلى الجزء المضطرّ إليه.

فان كان للدليل إطلاق في ذلك فلا يبقى شك بالنسبة إلى عدم وجوب البقية وان لم يكن أي دليل الجزء فالشك في الدخل يكون مثل الشك في صورة الشك في الجزئية بفقد النص أو إجماله أو تعارض النصين لأن المركب ينتفي بانتفاء أحد اجزائه لمكان الارتباط نعم الكلام في ثبوت إطلاق دليل الجزء فان الجعل والخطاب بالنسبة إلى المعذور لغو.

(٢) هذا هو الحق ولكن يكون متهافتا مع ما مر منه في المقام الأول من مخالفة الخراسانيّ قده في ان الأحكام الوضعيّة غير مجعولة.

٦١٥

شبهة (١) خلاف الامتنان يجيء هنا أيضا لأن رفع المضطر إليه إذا كان لازمه إثبات التكليف بالنسبة إلى البقية يكون خلاف الامتنان لأنه كلفة زائدة.

لا يقال كيف لا يقال بمثل هذا في فقرة رفع النسيان مع انهم تمسكوا بها في رفع الجزء المنسي لأنا نقول هناك كان الكلام في مقام الفراغ بعد جهل المكلف وإتيانه بالبقية وهو ليس خلاف الامتنان بل هو وفق الامتنان لرفع الإعادة بخلاف المقام فانه بهذا الرفع يراد إثبات الوجوب للبقية الثاني من الأدلة الحاكمة على إطلاق دليل الجزء والقول بعدم الجزئية في ظرف الاضطرار ووجوب البقية ما روى من أن التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له (١) وفي فهم هذه الرواية اختلاف فان بعضهم يرى اتصال جملة يضطر إليه ابن آدم بالصدر واما الشريعة الأصفهاني قده يرى الجملتين مستقلتين إحداهما التقية في كل شيء وثانيتهما وكل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحلّه الله له.

وكيف كان فيكون الاستدلال بها في المقام من جهة عنوان الاضطرار والمراد بالحلية في كل مقام يكون ما هو المناسب له والحلية في الأحكام الوضعيّة يكون معناها رفع وجوبها فإذا كان الجزء متعذرا يكون وجوبه مرفوعا فلا يكون الجزء جزءا في ظرف الاضطرار فيكون الباقي هو الواجب.

__________________

(١) أقول نحن لا نريد إثبات وجود البقية بواسطة حديث الرفع بهذه الفقرة بل وجوبها بنفس الدليل الدال عليه والامتنان هنا برفع هذا الجزء عن نظام الجزئية فاصل التكليف يكون خلاف الامتنان بالمعنى الظاهري ولا يكون لازم رفع هذا الجزء وان كان كل تكليف على وفق الامتنان التام بمعنى آخر فالامتنان هنا فقط في ان هذه الفقرة أخرجت المكلف عن التحير كما يقال بمثله في باب الأقل والأكثر فان رفع الأكثر مما يقول به الأستاذ مد ظله وجملة من الاعلام مثل الشيخ الأعظم ولا يقال انه خلاف الامتنان فكذلك نقول في المقام.

(٢) في الوسائل ج ١١ باب ٢٥ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح ٢ وروايات التقية توجد في هذا الباب وما قبله وما بعده.

٦١٦

لا يقال من اضطر إلى الجزء يكون مضطرا إلى الكل أيضا بلحاظ هذا الجزء لمكان الارتباط بين الاجزاء فان من لم يقدر على إتيان جميع اجزاء المركب يكون غير قادر على إتيانه أيضا فكيف لا يقال بأن البقية غير واجبة للاضطرار.

لأنا نقول ان الحكم يكون منطبقا على ما هو الموضوع له لا ما هو خارج عن موضوعيته فان البقية لا تكون مضطرة إليها فلا وجه لتطبيق الحكم عليها فإذا انطبق الحكم على الجزء فقط وكان من آثاره وجوب البقية يكون الدليل أمارة ومثبتها حجة نقول بوجوب البقية ويسقط الارتباط أيضا بالنسبة إليه.

ثم لا يخفى ان الموضوع للدليل هو الاضطرار المستوعب فالمضطر إلى إتيان الصلاة عريانا أو مع البدن النجس يكون اضطراره في صورة كون هذا العذر باقيا إلى آخر آنات الوقت لأن الواجب مثل الصلاة له وقت موسع والاضطرار بالطبيعي لا يكفى في رفع الحكم وإحراز الاضطرار في أول الوقت إلى آخره غير معلوم غالبا ولو أحرز يكون من جهة كاشفيته للواقع فلو كشف بعده الاشتباه يجب الإعادة لعدم الاستيعاب في جميع الوقت وهذا يكون بالنسبة إلى هذه الرواية وفقرة ما اضطروا إليه في حديث الرفع.

الثالث من الأدلة على وجوب البقية استصحاب وجوبها بعد تعذر الجزء.

ولا يخفى ان هذا أصل يكون فرض جريانه في صورة عدم الدليل الاجتهادي فلو فرض إطلاق دليل الجزء أو إطلاق دليل المركب مع إهمال دليل الجزء فيكون المرجع هو الإطلاق وفي الثاني وان كان الإطلاق موافقا له ولكن الدليل الاجتهادي مقدم على الدليل الفقاهتي وان كان موافقا فإطلاق المركب مقدم على الاستصحاب وان كان مفاده وجوب البقية أيضا.

وهكذا لو كان لنا قاعدة الميسور فانها أيضا متقدمة على الأصل لكونها دليلا أو كالدليل بالنسبة إلى الأصل.

الرابع الأصل ويقرر بوجوه اثنان منها عن الشيخ قده :

الأول ان العلم الإجمالي بوجوب بقية الاجزاء قبل طرو الاضطرار اما ان

٦١٧

يكون نفسيا أو غيريا لأن الاجزاء قبل طرو الاضطرار لا شبهة في وجوب جميعها واما مع فرضه فيكون العلم الإجمالي بطبيعي الوجوب الأعم من النفسيّ والغيري فبعد طروّ الاضطرار ما هو الساقط هو الوجوب الغيري واما الوجوب النفسيّ فيكون بحاله.

وفيه أولا ان وجوب الاجزاء لا يكون غيريا فان المركب ليس إلّا الاجزاء بالأسر.

وثانيا ان هذا يكون من استصحاب الكلي القسم الثالث لتباين الكل بدون هذا الجزء ومعه فيكون من الفرد المردد ولا جامع بينهما ضرورة أنه يرجع إلى ان يكون العلم بزوال ما حدث وهو وجوب المجموع واما البقية فيكون الشك في حدوث وجوبها من أول الأمر مثل أن نعلم ان في الدار كان فيل وقد مات ولا نعلم أنه بعد موته هل جاءت بقرة أم لا فيدور الأمر بين مقطوع الزوال ومشكوك الحدوث ولا يكون من كلي القسم الثاني مثل العلم بحدوث حيوان لا ندري أنه فيل أو بق.

فان العلم بوجود الجامع يكون له حالة سابقة ولو كان أثر على الجامع فيترتب عليه ولو لم يرتب أثر الفرد فيه أيضا.

نعم لو فرض كون الوجوب الغيري شديدا والوجوب النفسيّ ضعيفا وعلمنا بأن الشديد قد زال ولكن لا ندري أنه يكون باقيا في ضمن الفرد الضعيف يمكن استصحابه مثل ما إذا كان اللون ذا مرتبة شديدة وعلمنا بأن الشديدة قد زالت ولكن لا نعلم أن المرتبة الضعيفة باقية أم لا فانه يمكن استصحاب الجامع وهو اللون.

ولكن هذا في المقام مجرد فرض لا واقع له مع ان الأمر بالعكس في خصوص المقام لأن الواجب يكون الشديد منه النفسيّ والضعيف هو الغيري ونحن نعلم بذهاب المرتبة الضعيفة ولا علم لنا بحدوث المرتبة القوية فلا يجري الأصل فيه بوجه.

لا يقال ان النفسيّة والغيرية في الوجوب تكون من الجهات التعليلية لا من الجهات التقييدية فتكون من الحالات الطارية للمستصحب فإذا شك فيه من هذه الجهة يكون الشك من ناحية امر خارج عن ذات الموضوع وكل مورد من موارد الاستصحاب يكون كذلك فانا إذا شككنا يكون الشك من جهة طريان حالة صارت موجبة للشك

٦١٨

فهنا إذا ذهبت الغيرية يحتمل وجود علة أخرى وهو النفسيّة.

لأنا نقول انه لا تكون الجهة تعليلية بل تقييدية محضة فان ذات الإرادة في الواجب النفسيّ تخالفه معها في الغيري فإذا اختلفت الإرادتان بالذات فيكون الوجوب الناشئ منها أيضا كذلك فيكون الشك في حدوث إرادة أخرى غير الأولى وهو من كلي القسم الثالث.

هذا مضافا بأنه لا أثر للوجوب الجامع بين الغيري والنفسيّ لو فرض الجامع بينهما.

وثالثا ان الأصل الحاكم يمنع عن جريان هذا الأصل لأن الشك في وجوب البقية مسبب عن الشك في جزئية الجزء حتى في حال الاضطرار فإذا ارتفع الشك عنه بأصالة البراءة عن جزئية الجزء فلا يبقى موضوع لجريان هذا الأصل ولا شك في وجوب الباقي كما أنه إذا استصحب وجوب الجزء حتى في هذا الحال يرفع الشك وينتج عدم وجوب البقية.

لا يقال ان استصحاب وجوب الجزء يكون سقوط بقية الاجزاء من آثاره العقلية والأصل المثبت غير حجة.

لأنا نقول السقوط مثل الثبوت فكما أنه إذا استصحب تكليف ينتج وجوب الإطاعة عقلا كذلك هنا ينتج السقوط ولا غرو فيه وبعبارة أخرى الأثر تارة يكون مترتبا على الواقع وتارة على الأعم من الواقع والظاهر فان استصحاب حياة زيد يكون من آثاره العقلية هو طول لحيته فمن نذر إعطاء درهم لمن طال لحيته واقعا فلا يكون في وسع الأصل والتعبد إثبات الواقع واما في المقام فعدم وجوب البقية يكون من آثاره وجوب الجزء وجزئيته حتى في حال الاضطرار ولو ظاهرا فيكون سقوط البقية من آثار الاستصحاب لا المستصحب وتناله يد الجعل والرفع.

فانه يمكن التعبد بجزئية الجزء في مقام الظاهر ليترتب عليها سقوط البقية نعم لو كان المسلك هو عدم إمكان جعل الجزء في حال الاضطرار خطابا وجعلا للغوية كما هو التحقيق لا يجري الأصل لأنه وان كان من الممكن الإرشاد إلى التكوين

٦١٩

يعنى دخل الجزء تكوينا حتى في حال الاضطرار ولكن حيث يكون الدخل تكوينا لا يمكن إثباته بالأصل فيكون مثل طول اللحية والأثر يكون على الواقع وهو لا يثبت بالتعبد فإشكال استصحاب الجزئية هو المثبتية.

التقريب الثاني في الاستصحاب أيضا عن الشيخ قده وهو ان الموضوع فيه عرفي ولذا يتمسكون باستصحاب الكرية مع نقص الماء ويرون الموضوع في الماء المتغير النجس هو الماء فإذا زال تغييره يقولون ببقاء الموضوع فيحكمون بالاستصحاب وفي المقام أيضا كذلك فان المركب وان انتفى بعض اجزائه ولكن يكون الباقي عندهم بحكم السابق فالصلاة الواجبة إذا تعذر بعض اجزائها يكون موضوع الوجوب وهو الصلاة باقيا عندهم وهكذا ساير المركبات الشرعية وان كانت الصلاة مما لا احتياج لها بالتمسك بالاستصحاب لأنه ورد أن الصلاة لا تترك بحال ففي جميع الأحوال يجب حتى على القول بأنها موضوعة للصحيح.

ولكن في ساير المقامات يمكن التمسك بهذا الأصل لو تمّ ويكون هذا الاستصحاب استصحابا للحكم الشخصي لسائر الاجزاء لا الحكم الكلي الأعم من النفسيّ والغيري حتى يأتي فيه الإشكال السابق من كونه من كلي القسم الثالث.

وقد أشكل على هذا التقريب بإشكال يكون ضارا بإطلاق الكلام وهو أن الجزء اما ان يكون مقوما كالأركان أو غير مقوم والتسامح يكون في الجزء الغير المقوم لا في الجزء المقوم لأن الموضوع في الثاني غير باق عند العرف ولكن الإشكال هو أن المركبات العرفية يكون مهارها بيد العرف ويكون له الحكم ببقاء الموضوع وعدمه من باب أن المفقود هو الجزء المقوم أو غيره ولكن المركبات الشرعية لا يكون مهارها بيد العرف ليحكم ببقاء الموضوع أو فنائه فان القيام المتصل بالركوع الّذي يكون في الصلاة ركنا من أين يفهم العرف أنه دخيل بنحو الركنية.

وهكذا غيرها من العبادات يكون دخل الاجزاء ونحو دخله مقوما أو غيره بيد جاعلها واما الصلاة فقد مرّ أنها لا تترك بحال فكل جزء تعذر منها يجب الإتيان ببقية الاجزاء : فتحصل أنه لا سبيل لنا في المركبات الشرعية إلى تشخيص الموضوع

٦٢٠