مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

بحسب اتساع الافراد وصرف العدم أيضا حيث يكون نقيضه يكون متسعا من جهة الافراد.

وفيه ان هذا خلف لأن فرض صرف الوجود هو عدم وجود الافراد له والعدم يكون بديل هذا الّذي لا افراد له فهو بسيط فكيف يكون عدمه هذا كثيرا ومتعددا فعدمه واحد مثل وجوده والإشكال وارد.

وما ذكرنا لا ينافي كون الطبيعي عين الفرد فانه عينه في صرف الوجود أيضا فالفرق بين صرف الوجود والطبيعة السارية في محله.

ثم مع إرجاعهم المانع أو هو مع القاطع إلى شرطية العدم يبدو إشكال آخر وهو أن شرطية العدم روحها يرجع إلى الأمر بحفظ هذا الشرط والمستفاد من الأمر هو صرف الوجود لا الطبيعة السارية فعلى الفرض يجب أن لا يكون الأقل والأكثر في الطبيعة السارية هنا متصورا ليكون مجرى البراءة (١) لتحقق الصرف بالفرد المعلوم وهذا كاشف عن فساد هذا المبنى وعلى ما ذكر لا يكون الشك في تحصيل الشرط من الشك في المحصل لأن صرف الوجود يتحقق في ضمن ترك واحد واما على ما ذكروه فيرجع إلى الشك في المحصل ويجب ترك جميع الافراد ليحصل العلم بترك العدم المطلق.

نعم لو كان المراد بالعدم العدم الصرف في مقابل صرف الوجود يكون من باب الأقل والأكثر حتى على مسلكهم بإرجاعه إلى شرطية العدم لأن الشك يكون في شرطية ما زاد عن المعلوم والأصل البراءة عنه.

__________________

(١) أقول هذا لو كان مفيدا لكان في خصوص الشبهات الموضوعية واما الشبهات الحكمية فلا يكون الخطاب بعنوان المانع والقاطع بأن يقال يشترط في الصلاة عدم القاطع وعدم المانع حتى يقال المقطوع يكون كافيا لامتثال الأمر والمشكوك لا يكون تحت الأمر أصلا.

هذا كله مع ان القائلين يقولون بأن هذا لو رجع إلى الشرط أيضا يكون شرط العدم وصرف العدم لا يتحقق إلّا بترك جميع الافراد فلا يكون الإشكال عليهم ـ

٥٦١

الأمر الثاني

في بيان الشك في ركنية شيء وعدمها بعد إحراز كونه جزء وتصوير خطاب الناسي وعدمه.

وهذا الأمر يكون في الكفاية بعنوان الثاني (ص ٢٤٠) وفي الرسائل بعنوان الأول (ص ٢٧٠) والحاصل كلهم متعرضون لهذا التنبيه : والركن هو ما يبطل العبادة بتركه عمدا أو سهوا.

ثم لا يخفى ان أصل الخطاب مع قطع النّظر عن الدليل الخارجي يقتضى أن يكون الجزء جزء في جميع الحالات لإطلاقه في الدخل فلو كان دخيلا في بعض الأحوال وغير دخيل في بعضه يكون هذا خلاف إطلاق الدخل فما هو جزء سواء كان نقصه بالسهو أو بالعمد يكون مخلا بالعمل فإطلاق الدليل يقتضى ركنية ما هو جزء نعم لو كان لنا دليل حاكم نعمل عليه مثل قاعدة لا تعاد في الصلاة هذا بالنسبة إلى النقيصة واما بالنسبة إلى الزيادة فإطلاق الدليل لا يتكفل بيان فساد العمل بزيادة الجزء فلا بد من التماس دليل آخر لذلك مثل قاعدة من زاد في صلاته فعليه الإعادة فالخطاب الأولى بذاته متكفل للركنية بمعنى مضرية النقص مطلقا لو لا الحاكم ولا يكون متكفلا لبيان الركنية في الزيادة.

إذا عرفت هذا فنقول يجب البحث في مقامين (١) الأول في نقص الجزء عمدا أو سهوا والثاني في زيادة الجزاء عمدا أو سهوا.

والبحث في المقام الأول عن جهات : الجهة الأولى في أنه هل يمكن أن يكون الناسي مخاطبا بخطاب غير الجزء (٢) المنسي وهو البقية أم لا : فيه خلاف.

__________________

(١) والشيخ الأعظم جعل البحث في الرسائل في ثلاث مسائل النقص سهوا والزيادة عمدا والزيادة سهوا.

(٢) أقول البحث اما أن يكون في خطاب الناسي ببقية الاجزاء غير المنسي ـ

٥٦٢

فحاصل ما يستفاد عن الشيخ الأعظم قده هو عدم إمكان خطاب الناسي بعنوانه لأنه إذا قلنا أيها الناسي افعل كذا يصير ذاكرا وخرج عن موضوعية تكليف الناسي وهكذا الإشكال موجود ولو كان الخطاب بعنوان عام مثل يا أيها الذين آمنوا بالنسبة إلى الذاكر والناسي ففي صورة النسيان لا ينطبق الخطاب العام لانحلاله إلى الافراد.

وقد أجاب الخراسانيّ قده عنه في الكفاية وفي الحاشية على الرسائل ص ١٤٧ بأن خطاب الناسي ممكن بعنوان ملازم مثل أن يقال أيها المعمم افعل كذا أو أيها المرطوب مزاجا افعل كذا لأن رطوبة المزاج ملازمة للنسيان.

والجواب عنه قده أن هذا لا يكون دأب العقلاء في الخطابات والكلام فيما هو الدارج لا ما هو ممكن فقط.

وقد أجاب ثانيا بأن خطابه ممكن بعنوان عام مثل يا الذين آمنوا الشامل للناسي والذاكر بالنسبة إلى بقية الاجزاء ولكن يكون الذاكر مختصا بخطاب يخصه فيكون الجزء الآخر تكليف الذاكر بخطاب يخصه واما في بقية الاجزاء فحيث أن كليهما ذاكران يكون الخطاب العام شاملا لهما ولا محذور فيه فخطاب هذا الشخص بعنوان ملازم أو خطابه من جهة العنوان العام بحيث يكون هذا أحد افراده ممكن ويكون

__________________

ـ واما ان يكون في إمكان خطاب الناسي بالنسبة إلى الجزء المنسي وما أفاده الخراسانيّ (قده) يكون بالنسبة إلى الأول من جهة تعدد الخطاب أو من جهة العنوان الملازم واما الجهة الثانية وهي خطاب الناسي بالنسبة إلى الجزء المنسي وإطلاق الخطاب بالنسبة إليه أو شمول فقرة النسيان في حديث الرفع فائضا يجب ان يبحث عنه في المقام فانه مفيد لما سيجيء من البحث في شمول رفع النسيان للمقام أم لا وسيجيء الإشكال فيه عن العراقي قده.

والظاهر أن خطاب الناسي لا يمكن بالنسبة إلى الجزء المنسي بأي عنوان فرض لعدم توجه الخطاب إلى الغافل المحض إلّا أن يقال انه كالجاهل بالجهل المركب فان التكاليف لا تنجيز لها بالنسبة إلى الجاهل واما أصلها فيكون بالنسبة إليه والناسي كذلك أيضا.

٥٦٣

كافيا في وجوب الامتثال ولو كان الالتفات إلى المأمور به بنحو مجمل.

وقد أشكل عليه بان هذا يلزم منه عدم التناهي في الخطاب بيانه إذا كان زيد ناسيا لجزء وعمرو لجزءين وبكر لثلاثة اجزاء وهكذا يلزم أن يصير الخطاب خطابا آخر بالنسبة إلى الافراد الكثيرة بأن يقال زيد مأمور بما هو ناقص من جزء واحد وعمرو مأمور بما هو ناقص من جزءين وبكر بما هو ناقص من ثلاثة وهكذا بالنسبة إلى افراد الناسي فرب من نسي السورة ورب من نسي الذّكر فيلزم أن يكون الخطاب بمركب واحد خطابات متعددة بحسب نسيان الافراد والاجزاء فيلزم ان يتعدد الخطاب بمقدار غير متناه من الافراد الساهية للاجزاء وهذا يكون خلاف متفاهم الأمر بالاجزاء فان الأمر باجزاء الصلاة وغيرها لا يكون بهذا النحو.

والجواب عن هذا الإشكال ان هذا الكلام لا إشكال فيه ثبوتا كما هو مورد اعتراف المجيب بل يكون الإشكال في الإثبات وعدم كون هذا مستفادا من الأدلة.

فنقول ان الخطاب لا يكون بالنسبة إلى كل شخص شخص ليقال يصير الخطاب غير متناه بحسب كثرة الافراد لأن الخطاب على هذا يتوجه إلى الطبيعي يعنى طبيعي الذاكر بالنسبة إلى بقية الاجزاء وطبيعي الناسي فالذاكر يكون الواجب عليه مثلا أربعة اجزاء في ضمن الخطاب العام الّذي يكون شاملا له وشاملا للناسي للجزء الآخر ويكون له خطاب آخر بخصوص الجزء الخامس لكونه متذكرا فان كان المكلف الطبيعي من الإنسان لا يلزم التعدد الغير المتناهي والخصوصيات الفردية خارجة عن متن الخطاب فهذا الإشكال غير وارد على الخراسانيّ قده.

ثم هنا إشكال تعرض له النائيني (قده) وأجاب عنه وهو انه لو كان الذاكر مختصا بخطاب بالنسبة إلى الجزء الّذي يكون الناسي ناسيا له لا يكون هذا مربوطا بالمركب ليستفاد الارتباط ويقال بنقصه يبطل العبادة بل يكون نظير واجب مستقل في ضمن واجب آخر فكيف يمكن القول بالارتباطية مع استقلال الخطاب.

والجواب عنه هو ان الارتباطية يستفاد من امر واحد بالمركب غاية الأمر يكون هذا الأمر الواحد انحلاليا بالنسبة إلى المكلف بعنوانه وإلى الملتفت بعنوانه.

٥٦٤

مضافا بأن الارتباطية ربما يستفاد من الأمرين أيضا ويكون الوحدة دائرا مدار وحدة المصلحة فيمكن كشف الارتباط ولو مع تعدد الأمر فحيث استفدنا الارتباط نترتب عليه اثره فهذا الإشكال أيضا غير وارد على مقالة الخراسانيّ قده.

ثم انه قد ذكر وجها ثالثا في حاشية الرسائل وهو ان الناسي سواء كان مخاطبا أم لا لا يمكن أن يكون عمله كافيا عن الواقع مثل عمل المضطر فعلى فرض عدم إمكان خطابه أيضا يمكن أن يكون عمله مجزيا عن الواقع والكلام في مقام الإثبات في هذا لا في تحقق الخطاب.

وفيه ان هذا مربوط ببحث الاجزاء وهو الجهة الثالثة على حسب ترتيب هذا البحث.

وقد أشكل عليه بإشكال غير تام وهو ان المصلحة ليست تحت الأمر حتى يجب إحرازها والعمل الخياليّ لا يمكن ان يكون مقربا لأن من لم يحرز الأمر لا يكون عمله الا بخيال إتيانه بمطلوب المولى.

وفيه ان المانع العقلي إذا منع عن إحراز الأمر لا بد (١) من التمسك بالمصلحة وخيال الأمر أيضا يكون مقربا لأن الخطاء يكون في تطبيق الصلاة مثلا على أربعة اجزاء فيكون الباعث هو الأمر بالصلاة المعلومة وجوبها والإتيان بالأقل يكون من جهة نسيانه الجزء الزائد.

فالإشكال في المقام ليس إلّا أن هذا البحث يكون مربوطا بباب الاجزاء وسنبحث عنه في الجهة الثالثة وما هو قابل للاعتماد عليه هو الوجه الأول من كلامه رفع مقامه في الكفاية وبترتيب البحث هنا هو الوجه الثاني على ما نقلناه عنه.

__________________

(١) إذا كان المانع العقلي مسلما فلا يمكن أن يكون إحراز المصلحة في ما لا يمكن الأمر به ولكن ما يكون المانع العقلي عن توجه الأمر به يكون هو الجزء المنسي.

واما غيره فلا مانع من الأمر به كما حرره قده في الوجه الثاني وهذا الكلام يكون منشؤه ارتكاز القائل بوجود الأمر.

٥٦٥

ثم أن شيخنا الأستاذ العراقي قال في المقام بأن الصلاة يكون لها مراتب مرتبة للذاكر ومرتبة للناسي والكل صلاة بحسب المورد فكما أنه إذا كان الواجب في الصلاة القيام والركوع يختلف قيام الشاب مع الشيخ الهرم وكذلك في الركوع فان قيام بعض الشيوخ يكون مثل ركوع بعض الشبان وهذا الاختلاف لا يضر بصدق الطبيعي على هذا وذاك فان الكل مصداق له فكذلك في المقام لا يضر وجود مرتبة للناسي ومرتبة لغيره.

وهذا البيان منه قده لا يرد عليه ما ورد على الخراسانيّ قده (١) من تعدد الأمر وإشكال عدم الارتباطية بالنسبة إلى الجزء الزائد الّذي يكون على الذاكر لأنه لا يقول بأن الأمر بالنسبة إلى أربعة اجزاء يكون مشتركا بينهما والذاكر يختص بأمر ما هو متذكر له بل يقول بأن الأمر واحد وهو الأمر بالصلاة مثلا والمفردات لها يكون بعهدة الأمر فإذا لم يكن الخصوصية المفردة بينة فلا يصر بصدق الطبيعي.

وبعبارة أخرى من خصوصيات الشخص الناسي أن لا يكون مأمورا بالجزء الخامس فإذا لم يكن كذلك فلا ربط لصلاته بهذا الجزء ويكون الارتباط بالنسبة إلى من هو ذاكر له.

فان قلت الخطابات انحلالية ويكون الأمر بالصلاة منحلا بعدد الأشخاص فكيف يمكن التفكيك بين الطبيعي والخصوصيات المفردة ولا يكفي الخطاب به بنحو

__________________

(١) أقول حيث ان الموضوع والمصداق يكون شرعيا في المقام ولا يكون الصدق بنظر العرف في القيام لا بد من ملاحظة حكم الشرع في بيان المصاديق فإذا رجعنا إليه ونريد أخذ بيان الاجزاء منه فلا بد من ملاحظة كيفية امر الذاكر بها وامر الناسي بالبقية.

ولا يكفي الأمر الواحد بالصلاة فقط مع أن الأمر بها ليس إلّا الأمر بالاجزاء واقعا فيرجع الأمر إلى كلام الخراسانيّ قده من تعدد الخطاب بالنسبة إلى الناسي والذاكر فهذا بيان آخر لهذا الكلام بهذا التعبير.

٥٦٦

الإجمال حتى يقال أن المراتب في الصدق مختلفة.

قلت البعث يكون إلى الطبيعي ويكون الخطاء في تطبيق المكلف به على الناقص وحدود (١) المكلف به لا يكون تحت الخطاب وإلّا يلزم أن يكون الالتفات إليه والمفروض عدم إمكان الالتفات للناسي فالحد الّذي هو الخمسة لا غير لا يكون تحت الأمر.

الجهة الثانية في أنه هل يمكن في مقام الإثبات أن يكون الدليل الدال على الاجزاء شاملا للناسي أيضا أم لا فان الجهة الأولى كانت في تصوير إمكانه وهذه الجهة تكون من جهة قيام الدليل الاجتهادي أو غيره على أن الناسي يكون تحت الخطاب أم لا بحسب مقام الإثبات.

فنقول ربما يقال بأن إطلاق دليل الاجزاء يكون حاكما على إطلاق دليل المركب فان دليل المركب مثل الصلاة يقتضى أن تكون الصلاة واجبة صحيحة ولو بدون هذا الجزء في حال النسيان ودليل الجزء مثل الركوع يكون مطلقا من جهة انه يدل على الجزئية مطلقا سواء كان المكلف ناسيا أم لا وأدلة الاجزاء تكون بيانا للمركب فيكون ناظرا إليه فيقدم إطلاقها على إطلاقه.

وعلى فرض إهمال دليل المركب أيضا يكون التقديم مع إطلاق الجزء واما على فرض إهمال دليل الجزء وإطلاق دليل المركب فحينئذ يقدم دليل المركب ويقال بصحة الصلاة مثلا في حال النسيان بدون هذا الجزء.

وعلى فرض إهمالهما فلا يكون لنا سند لتقديم أحدهما على الآخر فلا بد من القول بالبراءة عن جزئية المشكوك في حال النسيان فتصل النوبة هنا إلى الأصل بعد

__________________

(١) أقول ما لا التفات إليه لا يكون تحت الأمر وما يكون تحت الأمر هو الأربعة بالنسبة إلى الناسي والخمسة بالنسبة إلى الذاكر والإشكال فيه انما الإشكال في أن يكون حد الذاكر للناسي وهو لا يكون محل الكلام من جهة عدم الإمكان ومن جهة عدم كون البحث فيه.

٥٦٧

سقوط الدليل الاجتهادي عن الاعتبار.

أقول على فرض إطلاق دليلهما لا نسلم تقديم إطلاق دليل الجزء على إطلاق المركب لتعارضهما فلا ينتج بطلان المركب بنقص الجزء ولا يكون دليل المركب محكوما كما يستفاد من عبارة الشيخ في الرسائل وغيره ومقتضى المعارضة التساقط والرجوع إلى أصل آخر.

وقد أجيب عن المعارضة بأن دليل الجزء سواء كان بلسان الوضع مثل لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب أو بلسان التكليف مثل اركع واسجدوا وبلسان غيرهما مثل قيام الإجماع على جزئية شيء للمركب حيث يكون إرشادا إلى الجزئية ومبينا للمركب لا يمكن أن يكون إطلاق المركب شاملا لصورة عدم الجزء أيضا فان نظامه لا يكون إلّا بهذه الاجزاء.

وفيه ان الجزئية بمعنى الدخل في المصلحة من باب التكوين لهذا المركب مسلمة ولكن لا يكون الكلام فيها بل الكلام يكون في الجزئية التي يمكن أن تكون متعلقة للأمر بالنسبة إلى الناسي وهذا النحو من الجزئية اما أن يكون الخطاب بالنسبة إليها مطلقة أولا فعلى فرض الإطلاق يكون للمركب أيضا إطلاق فيتعارضان فيتساقطان فيرجع إلى الأصل وهو البراءة في المقام.

مضافا بأن الجزئية في مقام الجعل بدون الخطاب أيضا لغو بالنسبة إلى الناسي لأنه لا يمكن أن يؤثر بالنسبة إليه لغفلته وان لم يكن لها الإطلاق فيكون إطلاق المركب هو المحكم.

ثم أنه قد فصل جملة من الاعلام كالوحيد البهبهاني والقمي بأن استفادة الجزئية تارة تكون بلسان الوضع مثل لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب وتارة بلسان التكليف مثل اركع واسجد المنتزع منه الجزئية وثالثة بالإجماع فعلى الأول يكون إطلاق الجزء بالنسبة إلى الناسي أيضا متصورا لأنه لا يكون فيه الخطاب حتى لا يمكن بالنسبة إلى الناسي بل صرف دخل هذا في المركب وهذا النحو من الدخل أثر وضعي لهذا الجزء ويكون إطلاقه مقدما على إطلاق المركب.

٥٦٨

واما إذا كان استفادة الجزئية من الإجماع فالمتيقن منه هو صورة عدم المنع العقلي فلا يشمل الناسي وهكذا لو كان السند التكليف لأن خطاب الناسي غير ممكن فيكون إطلاق المركب بحاله وهذا التفصيل لا يكون هو ما يكون في كلام الشيخ قده وسيجيء البحث عنه(١).

وقد أجاب عن هذا التفصيل شيخنا العراقي قده أولا بان الأوامر في باب الاجزاء يكون لها ظهور ثانوي في الوضع كما أن أوامر المعاملات يكون لها ظهور ثانوي في الصحة ونواهيها له ظهور ثانوي في الفساد فمعنى قول القائل اركع هو جزئية الركوع فيكون مثل لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب من جهة بيان الوضع دون التكليف فكل امر بالجزء يكون إرشادا إلى الجزئية واما الإجماع فيكون الأمر فيه ما ذكره المفصل والجواب عنه ان القول بكون الأمر النفسيّ إلى الشيء إرشادا إلى جزئيته في جميع

__________________

(١) أقول لم يبحث عنه فيما سيجيء وقال مد ظله لغموضه ما نقلناه ونحن لاحظنا كلامه قده ولم يكن التفصيل في كلامه الا التفصيل بين الأحكام التكليفية بالاجزاء ولسان الوضع بقوله ان قلت في ص ٢٧١ ثم أجاب عن هذا التفصيل.

وحاصله انه لا فرق بين الأمر التكليفي بالاجزاء ومثل ما يكون بلسان الوضع مثل لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب لأن ما يكون بلسان الأمر لو كان امره نفسيا لا يستفاد منه الجزئية وان كان غيريا يكون من باب المقدمية وعلة الأمر هي مقدمية هذا الجزء لا ان المقدمية تكون معلولة للأمر حتى تسقط بسقوط الأمر إذا كان له المانع مثل النسيان.

وهذا الكلام لا يتم منه قده الا على فرض بقاء الدلالة الالتزامية بعد سقوط المطابقية وهو الّذي يكون في كلام العراقي قده وحيث ان أصل هذا المبنى محل الكلام فلا يتم هذا بسقوط الدلالة الالتزامية بسقوط المطابقية كما عليه صاحب الجواهر والشيخ البهائي وهذا يكون من جهة عدم إثبات المقدمية من ناحية غير هذا الأمر.

مضافا بأن الاجزاء لا يكون مقدمة للمركب بل ليس المركب الا الاجزاء بالأسر ففي الواقع لا يكون الأمر بالمركب الا الأمر بالاجزاء على وجه الإجمال وامر الاجزاء تفصيل هذا الأمر لا غير.

٥٦٩

الموارد غير تام بل يدور مدار الظهور في كل مورد فان الظاهر منه التكليف في بدو الأمر والإرشاد يحتاج إلى القرينة.

وثانيا ان الوضع بالنسبة إلى الناسي بأي لسان كان لغو لأنه لا أثر له بالنسبة إليه في حال النسيان والجزئية التكوينية في نظام المركب تكون خارجة عن البحث فعلى هذا لا فرق بين ما كان بلسان الوضع أو التكليف نعم فرقه قده بين الإجماع وبين الوضع والتكليف في محله.

وأجاب ثانيا على فرض كون الدليل على الجزئية هو التكليف ويكون الوضع منتزعا منه لا ان معناه الإرشاد إلى الجزئية يمكن ان يقال لا فرق بين ما كان بلسان الوضع أو التكليف لأن النسيان مخصص عقلي منفصل ويكون موجبا لسقوط التكليف عن ظهور الحجية لا عن الظهور في الدخل في المركب من حيث المصلحة فان سقوط الدلالة المطابقية للمانع لا يوجب سقوط الدلالة الالتزامية في الدخل فالامر التكليفي في الجزء يكون مثل لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب بلسان الوضع في الدخل في المركب وضعا.

والجواب عنه قده أولا ما مر من ان التكليف لا يكون الوضع منتزعا منه في كل مورد فان الظاهر من الأمر الاستقلالي هو الدخل من باب واجب في واجب لا من باب الجزئية للمركب واستفادتها تحتاج إلى دليل آخر.

وثانيا ان الدخل في نظام جعل الاجزاء بحسب الوضع للناسي لا يمكن لعدم تأثيره بالنسبة إليه في ظرف النسيان فلسان الوضع والتكليف سواء في هذا الإشكال فلا وجه للتفصيل من هذه الجهة.

وأجاب ثالثا بأن إطلاق المادة في الأوامر يحكم بدخل الجزء المأمور به مطلقا حتى في حال النسيان فالمصلحة الملزمة موجودة وان سقط الخطاب عن الحجية بواسطة عدم إمكانه بالنسبة إلى الناسي.

وفيه ان إطلاق المادة عنده قده غير تام في محله لأنه يمكن التمسك به في صورة عدم وجود ما يحتمل القرينية والهيئة بنفسها يمكن أن تكون دخيلة في المصلحة فمن

٥٧٠

الممكن ان يكون المصلحة بالنسبة إلى من يمكن أن يكون مخاطبا بهذا الخطاب لا كل أحد فنفس الهيئة مما يحتمل القرينية وهو قده يذعن به ولكن الإنصاف الفرق بين ما كان الجزئية بلسان الوضع وما كان بلسان التكليف فان جعل الجزئية في نظام المركب ينتج بالنسبة إلى القضاء وحال الالتفات وعدم الاكتفاء ببقية الاجزاء كل ذلك كان على مسلك الشيخ قده من عدم إمكان اتخاذ الجزئية الا من جعل تكليفي واما على مسلك الخراسانيّ قده من أن الأحكام الوضعيّة قابلة للجعل الابتدائي فيمكن أن يكون الجعل بلسان الوضع أو بلسان التكليف إرشادا إلى الوضع أوامر نفسي توطئة للجعل واما تفصيل الشيخ قده فانه غامض أغمضنا العين عنه (١) هذا كله مقتضى الأصل الأولى في أدلة الاجزاء والمركب.

واما الجهة الثالثة ففي البحث عن الأصل الثانوي في المقام وهو ما ورد في النبوي الشريف رفع عن أمتي تسعة أشياء ومن فقراته النسيان ومن فقراته رفع ما لا يعلمون.

فنقول اما ان يكون البحث هنا عن نسيان الجزء أو نسيان الجزئية وعلى كل تقدير اما ان يكون التمسك بالحديث من جهة فقرة النسيان أو فقرة ما لا يعلمون وعلى التقادير تارة يكون البحث على فرض إطلاق دليل الجزء وأخرى على فرض إهماله وفرض الشك فالبحث يكون عن جهات :

الأولى في حكم نسيان الجزء وإطلاق دليله مع ملاحظة فقرة النسيان في الحديث الشريف فهل يمكن التمسك بحكومة رفع النسيان على إطلاق الجزء الّذي كان حاكما على إطلاق المركب أم لا فيه خلاف.

وتقريب الاستدلال لذلك بعد عدم إمكان تعلق الرفع بنفس النسيان لأن رفعه يكون مختصا بالأنبياء والأئمة عليهم‌السلام وغيرهم لا يكون النسيان مرفوعا عنه بل هو حليفه

__________________

(١) قد مر البحث عنه في ما سبق آنفا

٥٧١

بالطبع الثانوي ولا يكون المراد ان الناسي من جهة النسيان يكون كالعامد فكأنه لم يكن ناسيا لأن هذا خلاف الامتنان وحديث الرفع يكون في مقام الامتنان فيكون المرفوع هو حكم المنسي لا النسيان.

فالمنسي هو الجزء فلا يكون جزءا في حال النسيان فإذا كان مرفوعا يكون الباقي واجبا فلا يكون العمل فاسدا بترك هذا الجزء فيصير هذه الفقرة حاكمة على إطلاق دليل الجزء.

وقد أشكل قده ان الجزئية تكون كالكلية ولا تكون مجعولة حتى تكون مرفوعة فانها أمر تكويني فما هو المرفوع في المقام وقابل للجعل والرفع هو حكم الجزء وهو الوجوب فبرفع الوجوب ان شئت إثبات وجوب البقية يكون من الأصل المثبت لأن الكل ينتفي بانتفاء أحد اجزائه فإذا رفع وجوب الجزء يكون بقاء الوجوب بالنسبة إلى البقية من الآثار العقلية لرفع هذا الجزء ومعلوم ان الأصل لا يكون مثبته حجة هذا حاصل كلامه وله بيان فني في الرسائل فارجع إليه.

وفيه ان الجزئية أيضا قابلة للرفع كما أنها قابلة للجعل فان الأحكام الوضعيّة كالاحكام التكليفية قابلة للوضع والرفع وفاقا للخراساني (قده) وخلافا له قده فانه مبناه على عدم قابليتها للجعل وهو غير تام.

نعم رفع الجزئية لا يمكن من باب انها امر انتزاعي ولكن يكون رفعه برفع منشأ انتزاعه وهو الجزء.

فإذا كان المرفوع هو إيجاب التحفظ لقصور في المصلحة وإلّا لكان الواجب إيجاب الاحتياط كما في باب الفروج والدماء فنفهم أن عدم (١) إيجابه يكون من

__________________

(١) أقول عدم وجوبه في ظرف النسيان مسلم ولكن تحديد الواقع والإرشاد إلى أن الواقع هو البقية فقط يكون فيه التأمل لأنه من الممكن رفع إيجاب التحفظ من جهة مصلحة التسهيل لا من جهة عدم الملاك للجزء.

والقول بأن وجوب الإعادة خلاف الامتنان على فرض كون المرفوع إيجاب التحفظ فقط مندفع بأن الحديث يلاحظ فيه الامتنان بالنسبة إلى ما تعلق به وهو إيجاب ـ

٥٧٢

جهة عدم جزئية هذا الجزء في ظرف النسيان وغيره ويكون هذا حاكما على دليل الجزئية.

واما إشكال كونه مثبتا فهو غير وارد بالنسبة إلى فقرة النسيان لأن هذا الحديث الشريف بالنسبة إلى هذه الفقرة أمارة لا أصل كما ان مفاده بالنسبة إلى رفع لاضطرار والإكراه كذلك ومثبت الأمارة حجة وهو أصل بالنسبة إلى فقرة رفع ما لا يعلمون.

والعجب منه قده تمسك بهذه الفقرة بالنسبة إلى الشك في الجزئية ولم يقل انه مثبت وفي هذا المقام يقول بأنه مثبت مع انه أمارة.

مضافا بأنه لو فرض كون مفاد هذه الفقرة أيضا هو الأصل يكون المقام اما راجعا إلى الاستثناء كما يقال للحمال احمل غير هذا الصندوق يعنى يجب حمل الجميع غير هذا كما قال في التمسك بحديث الرفع بفقرة ما لا يعلمون في صورة الشك في وجوب جزء فمعنى رفع الجزء المنسي هو ان الباقي يكون واجبا.

أو يقال بأن الأصل المثبت غير حجة في صورة عدم كون الواسطة خفية واما إذا كانت الواسطة خفية وكان ترتب وجوب البقية امرا عرفيا لازما لرفع الجزء الفلاني فلا إشكال في ترتبه فإذا قلنا ان المنسي مرفوع يرجع الأمر إلى القول بأن الواجب هو غير هذا (١).

__________________

ـ التحفظ ولها الجزء فحيث لم يتعلق به الرفع لا يكون الحديث في صدد الامتنان بالنسبة إلى هذا.

ولكن يمكن ان يقال ان المرفوع هو نفس الجزئية ونفيها يمكن بلحاظ الجعل في نظام التشريع كما عليه الأستاذ مد ظله فيكون التحديد بالنسبة إلى حال النسيان واما بالنسبة إلى ما بعده فيما يكون الوقت موسعا فيه ففيه التأمل شديدا بل ممنوع لعدم طريق لإثباته بل هو مثل الجهل في ذلك.

(١) أقول وأضف إليه كما هو المستفاد من غير هذا الموضع من كلامه مد ظله ان رفع الجزء الزائد يكون بالأصل ووجوب البقية يكون بواسطة أصل التكليف فإذا كان التكليف منبسطا وشككنا في شموله لهذا الجزء أم لا فنرفع هذا الجزء ـ

٥٧٣

لا يقال انه فرق بين فقرة ما لا يعلمون مع هذه الفقرة وهو ان الحكم في صورة عدم العلم لا يكون مجعولا على الظاهر من أصله فيكون المشكوك أصل الجزئية في الشرع واما في المقام فيكون أصل الجزئية معلوما والشك يكون في شمولها لحال النسيان وعدمه وإطلاق الدليل يكون شاملا لحال النسيان أيضا ولا يمكن تقييد الإطلاق بفقرة رفع النسيان لأن الدليل الاجتهادي وهو الإطلاق يكون مقدما على الأصل هذا أولا.

وثانيا ان التحديد فيما لا يعلمون يكون على الظاهر ولذا لو كشف الخلاف يكون الإعادة واجبة في مثل الصلاة بخلاف النسيان فان التحديد فيه واقعي لو كان ولا يكون له كشف الخلاف من هذه الجهة بل هذا حكم لحال النسيان وعند الذّكر لا يكون هذا الحكم.

والجواب اما عن الوجه الأول ان فقرة رفع النسيان لو فرض كونها أصلا يكون حاكما على الإطلاق وتقديم الأمارة على الأصل يكون في صورة التعارض واما في الحكومة فأضعف الأصول مقدم على الأمارة لأنه شارح لها مضافا بما مرّ من ان هذه الفقرة أيضا مفادها أمارة.

واما عن الوجه الثاني فلان التشبيه بما لا يعلمون كان من جهة التحديد فقط لا من كل جهة حتى جهة تحديد الواقع أو الظاهر فان هذا الفرق بينهما لا يضر بأصل بيان التحديد في فقرة النسيان فهذه مثل ما لا يعلمون في تحديد المركب لا في جهة التحديد من الواقعية والظاهرية.

__________________

ـ بهذا الدليل.

وهكذا نرفع ارتباطه على الظاهر ويكون وجوب الباقي بنفس الدليل الدال على وجوب غير هذا وهذا يكون شبيه إرجاع الخراسانيّ قده إلى الاستثناء إذا ضم دليل الرفع مع دليل بقية الاجزاء.

٥٧٤

لا يقال ان (١) هذا الكلام يكون على فرض القول بصحة خطاب الناسي للجزء على ما فرضه الخراسانيّ من تعدد الخطاب بالنسبة إلى الذاكر والناسي واما الشيخ الّذي يكون خطاب الناسي عنده من المحال فلا يكون الخطاب عنده شاملا من أصله ولا نحتاج في رفعه إلى التمسك برفع النسيان ليقال ان الأصل لا يزاحم الأمارة.

لأنا نقول ما أنكره (٢) الشيخ قده يكون هو فعلية خطاب الناسي لا أصل وجود الخطاب على الاقتضاء فانه كما ان الجاهل يكون له مانع عن تنجيز الخطاب بالنسبة إليه كذلك يكون الناسي له المانع من فعلية الخطاب بالنسبة إليه مع كون التكليف بالنسبة إليه اقتضائيا وما ذكرنا من التمسك بحديث الرفع لرفع الجزئية قول جملة من الاعلام منهم السيد محمد الأصفهاني قده.

وقد أشكل على هذا العلمان العراقي والنائيني : فقال لأول ان رفع الجزئية غير ممكن تكوينا وتشريعا اما التكوين فبأن يقال انه في نظام الوجود يكون جزئية هذا في حال النسيان مرفوعا فلا يكون وظيفة المشرع في مقام التشريع.

واما في نظام الجعل فلعدم فائدته بالنسبة إلى الناسي ولو أفاد في الواقع

__________________

(١) أقول بحث الخراسانيّ قده فيما سبق وجوابه عن الإشكال كان بالنسبة إلى خطاب الناسي ببقية الاجزاء بأن يقال أيها الناسي صلاتك أربعة اجزاء.

واما الخطاب بنفس الجزء المنسي فلا يكون مطرحا في كلامه حتى يقال بأن مسلكه غير مسلك الشيخ قده ولكن الحق أن جعل هذا الجزء في نظام الجعل بالنسبة إلى الناسي يمكن كما أنه يمكن بالنسبة إلى الجاهل المركب فضلا عن البسيط ويتمسك بحديث الرفع في رفعه.

(٢) أقول اما الشيخ فاصل وجود الخطاب بالنسبة إلى الناسي إذا كان عنده محالا لا جعله كما يستفاد من جوابه عن الفارق بين استفادة الجزئية من أمثال لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب بلسان الوضع أو مثل اركع بلسان التكليف لا يكون مخالفا للخراساني بل طريقه غير طريقه ويكون هذا روح كلام الأستاذ مد ظله في هذا المقام (فارجع إلى الرسائل في ما ذكرت).

٥٧٥

الاجزاء (١).

والجواب عنه ان المرفوع هو التحفظ الّذي يكون المكلف متوجها إليه ويمكن جعله بالنسبة إليه ومن لوازمه عدم دخل هذا الجزء في الملاك فيكون رفعه إرشادا إلى رفع الجزئية فلا يكون النسيان مانعا عن رفع الجزئية تشريعا هذا.

وأشكل ثانيا بأن الرفع يكون في شيء يكون وضعه خلاف الامتنان ووضع الجزء في المقام لا يكون خلاف الامتنان ليكون رفعه امتنانا وحديث الرفع يكون في مقام بيان الامتنان لأن رفع الجزء أو الجزئية بمنشئها وهو الجزء يكون لازمه فساد العبادة لمكان ارتباطية الاجزاء وهو خلاف الامتنان ولا يمكن ان يكون رفع الجزء معناه تحديد الواقع بأن يكون الواجب على الناسي في الواقع هو البقية لأن الأصل المثبت غير حجة وإثبات وجوب البقية برفع المنسي يكون من الآثار العقلية فلا ينطبق فقرة النسيان في المقام.

وفيه ان ما هو قابل للرفع هو إيجاب التحفظ لا الجزء والجزئية ليقال ان وضعهما بالنسبة إلى الناسي لا يكون خلاف الامتنان ليرفع ومن آثار رفع إيجاب التحفظ هو الإرشاد برفع الجزئية برفع منشأها وهو الجزء وفقرة رفع النسيان لا تكون أصلا بل أمارة ويكون مثبتها حجة والتحديد يكون واقعيا.

وعلى فرض كونها أصلا أيضا مر ان مثبتها حجة من باب خفاء الواسطة وكون هذا هو الأثر العرفي لجريان هذا الأصل وقد مر هذان الإشكالان عن العراقي قده.

والإشكال الثالث عن النائيني والعراقي فانهما مشتركان فيه : وهو أن لسان الحديث الشريف هو الرفع وفرض ما هو موجود في الخارج كالمعدوم ولا يكون مفاده تنزيل ما هو معدوم منزلة الموجود ففي الأوامر لا ينطبق وفي النواهي ينطبق

__________________

(١) أقول هذا الجواب هنا ينافى ما ذكره مد ظله عنه في مقام جواب المفصل بين كون دليل الجزء التكليف أو الوضع فانه قده في ذاك المقام تصور الجعل وفائدته وجوب الإعادة بعد رفع النسيان فان الجزء مرفوع كما ان رفع إيجاب التحفظ أيضا يمكن أن يكون إرشادا إلى رفعه.

٥٧٦

فإذا وجد شرب الخمر في الخارج نسيانا يمكن ان يقال انه مرفوع بلحاظ اثره الشرعي وهو الحد وحصول الفسق.

واما الجزء الّذي يكون مأمورا به وقد تركه الناسي فلا يكون في وسع الحديث أن يحكم بان المعدوم يكون بمنزلة الموجود لأن لسانه رفع ما في صفحة الوجود فلا يكون محدد الواقع ولا يمكن أن يفرض عمل الناسي بالنسبة إلى بقية الاجزاء كالمعدوم لأنه خلاف الامتنان لأن لازمه وجوب العمل ثانيا وعدم الاعتناء بما أتى به.

والجواب عنه ان ما يمكن ان يكون في صفحة الوجود ويكون قابلا للرفع هو إيجاب التحفظ ويكون هو المرفوع في المقام كما ان المرفوع في فقرة رفع ما لا يعلمون يكون إيجاب الاحتياط فإذا رفع هذا يكون لازمه الإرشاد إلى رفع الجزء وخروجه عن نظام العبادة وتحديد الواقع ببقية الاجزاء.

ولا فرق بين الأوامر والنواهي النفسيّة والغيرية في ذلك فاذن يكون فرض الموجود بالنسبة إلى ما نهى عنه كالمعدوم له أثر وفرض ما يكون له اقتضاء الوجود وصار مرفوعا كالجزئية له أثر آخر يناسبه وهو تحديد الواقع في المقام.

وتوهم ان إيجاب التحفظ كإيجاب الاحتياط أيضا لا يكون مما يكون موجودا ليرفع فيكون الإشكال بحاله من عدم تعلق الرفع بالعدم.

مندفع بأن معناه ان ما كان فيه اقتضاء الوجوب يكون مرفوعا بهذا الدليل ولو لم تسلم هذا نقول المراد بالرفع هو الأعم من الرفع في نظام التكوين أو التشريع فيكون الجزئية مرفوعة في نظام التشريع لأنها قابلة للجعل على ما هو التحقيق.

ثم انه يمكن ان يقال بعد الغمض عن جميع ما ذكر أن لسان حديث الرفع في هذه الفقرة يكون مثل لسان لا تعاد (١) الصلاة الا من خمس فان معنى عدم

__________________

(١) أقول فيه تأمل فان رفع المنسي يكون فيه هذا البحث الطويل ليثبت عدم وجوب الإعادة ويكون الاعلام مخالفا لذلك فكيف يمكن ان يقاس بمثل لا تعاد الصريح في عدم وجوب الإعادة في مقام الفراغ.

٥٧٧

وجوب الإعادة الا في الخمس هو أن الشارع في مقام الفراغ اكتفي بالبقية.

ومثل هذا اللسان في موارد مثل إذا تركت السورة تمت الصلاة فليس في مقام تحديد الواقع ليقال انه مثبت ويجيء فيه إشكالات وان أجبنا عنه بل يكون معناه الاكتفاء بالبقية في مقام الفراغ وان كان المجعول في مقام الجعل تمام الاجزاء ولا يكون الجزء مرفوعا في الواقع ففي نظام الجعل يحب المولى حبا شديدا وقوع التمام وفي مقام الفراغ بإتيان البعض يقول يا حيف لم يبق موضوع لإتيان التام فيكون الاجزاء بملاك التفويت.

كما ان العطشان إذا شرب الماء الحار لم يكن له وسع شرب الماء البارد مع الأنجبين هذا.

ولا يقال ان الجزئية في حال النسيان مرفوعة عقلا فلما ذا يتمسك بحديث الرفع ضرورة أن الناسي لا يمكن ان يكون مخاطبا بخطاب وما حكم به العقل لا نحتاج فيه إلى التمسك بالتعبد الشرعي.

لأنا نقول يكون الفرض إمكان جعل الجزئية في نظام التشريع وان لم يمكن الخطاب لا فرض عدم إمكانه كما توهم فاما ان يكون المراد التحديد بالرفع أو التوسعة في الفراغ.

والإشكال الرابع عن النائيني فقط وهو ان ما ذكر من التمسك بالفقرة للتحديد في جميع الأزمنة لا معنى له لأن غاية ما يستفاد من الحديث الشريف هي ان الجزئية مرفوعة في ظرف النسيان ففي الموقت الزماني مثل الصلاة وفيما لا توقيت له ويمكن أدائه ما دام العمر لا يمكن ان يقال رفع الجزئية عن أحد افراد الطبيعي يلزمه عدم وجوب العمل تماما حتى بعد رفع النسيان بل يكون نسيان الجزء مثل نسيان جميع الصلاة فكما انه إذا نسي يجب الإعادة بعد رفع النسيان كذلك جزء العبادة ولا فرق بينهما.

والجواب عنه انه قده كأنه قاس المقام بباب الاضطرار ولذا فرق بين المستوعب وغيره فان الاضطرار المستوعب يوجب سقوط التكليف واما غيره فلا بل يتحول إلى

٥٧٨

الفرد الّذي لا اضطرار فيه من الوقت ولكن ليس كذلك المقام فان المراد تحديد الواقع وخروج الجزء عن نظام العبادة بواسطة النسيان فإذا كان كذلك يكون الواقع بالنسبة إلى الناس هو الناقص لا التام.

بخلاف باب الاضطرار فانه لا دليل على تقييد العبادة في مقام الواقع والفرق بين نسيان المجموع ونسيان الجزء في خصوص الصلاة هو أن الاستثناء فيها أوجب الإعادة فانه لا تعاد الصلاة الا من خمس الركوع وغيره ومن المعلوم ان الناسي للكل ترك ما ذكر في الاستثناء فلذا يجب عليه الإعادة.

واما في غير الصلاة فيمكن ان يتمسك بعدم الوجوب من باب فوت المصلحة وعدم إمكان التدارك ويكون هذا دائرا مدار الدليل.

والإشكال الخامس عن النائيني قده أيضا وهو ان المركب إذا كان اجزائه ارتباطية يكون الأمر الواحد منبسطا على جميع الاجزاء بنحو الوحدة فإذا انتفى الجزء انتفى الكل أيضا لمكان الارتباطية وحيث ان المفروض وحدة الأمر فلا يكون لنا امر ببقية المركب فكيف يمكن ان يقال بأن نسيان الجزء يوجب أن يكون الأمر على البقية ويفيد الاجزاء.

والجواب عنه قده ان رفع المنسي يكون مثل رفع ما لا يعلم فكما أنه ينتج قطع الارتباط في مقام الظاهر فكذلك رفع المنسي (١) يكون معناه قطع ارتباطه بالمركب.

فتحصل (٢) أن التمسك بفقرة رفع النسيان على فرض إطلاق دليل الجزء

__________________

(١) أقول وحاصل الإشكال عليه هو ان إثبات التحديد الواقعي مشكل فمن الممكن ان يكون النسيان مثل الجهل كما مرّ واما ساير الإشكالات من عدم إمكان الجعل وغيره فالحق معه في الجواب عنهم الا في بعض جزئيات المطالب وقد أشرنا إليه فانه فيما يكون الوقت موسعا يكون القول بالاجزاء أشكل وفي صورة عدم توسعة الوقت بالنسبة إلى القضاء فهو مشكل.

(٢) أقول وفيما لا يعلم أيضا القول بالاجزاء بعد العلم بالاشتباه يحتاج إلى دليل مثل لا تعاد في الصلاة وفي غيرها غيره.

٥٧٩

لا إشكال فيه من جهة القول باجزاء البقية عن الواقع إلّا انه لا فائدة فيه في الصلاة لوجود لا تعاد بالنسبة إليها في غير الخمس المذكور في الرواية واما في غير الصلاة وان كان تاما ولكن يجب الفحص في الفقه لنرى انهم هل تمسكوا برفع المنسي للاجزاء أم لا فعلى فرض وجود إجماع على خلافه لا يمكن المخالفة والقول بهذه القاعدة الأصولية مع مخالفة جملة من الاعلام أصولا أيضا فضلا عن مخالفتهم في الفقه

الجهة الثانية في التمسك بفقرة ما لا يعلمون في رفع الجزء والفرق بينه وبين فقرة رفع النسيان من وجوه :

الأول هو أن التمسك بفقرة رفع النسيان كان في صورة إطلاق دليل الجزء لحال النسيان أيضا وفي المقام لا يمكن التمسك بفقرة ما لا يعلم على فرض الإطلاق لأنه يوجب رفع موضوع هذا الأصل لحصول العلم بواسطة الإطلاق فشرطه إهمال دليل الجزء حتى يكون مما لا يعلم

الثاني ان الجهل الّذي يكون موضوع هذا الأصل يكون حتى بعد رفع النسيان بخلاف النسيان الّذي يكون موضوع رفعه ضرورة ان المتذكر بعد رفع نسيانه يكون شاكا في ان الرفع هل يكون مخصوصا بظرف النسيان أو يكون عاما لما بعده فهو لا يعلم ان المرفوع هو الجزئية في ظرف النسيان أو الجزئية حتى بعد رفعه فيشمله رفع ما لا يعلمون لبقاء الموضوع.

والثالث (١) هو أن دليل المركب يجب ان لا يكون له الإطلاق بأنه يجب الصلاة مثلا سواء أتيت بالناقص في ظرف النسيان أو لم تأت به فانه لو كان له

__________________

(١) أقول إطلاق دليل المركب لا يزاحم جريان الأصل لأن أدلة الاجزاء طرا حاكمة على أدلة المركبات فان امره يبعث إلى ما هو صلاة مثلا وبيان الموضوع يكون بعهدة أدلة البيان.

والأصل هنا في ناحية الموضوع فيكون حاكما على دليل المركب وهذا مرّ منه نظيره في ما سبق في هذا البحث.

٥٨٠