مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

اما المقام الأول فقد اختلف الكلام فيه فقيل بعدم التقديم أي تقديم القاعدة عليه لا بالحكومة كما هو الحق عندنا ولا بالتخصيص ولا بالجمع العرفي خلافا لما اختاره الخراسانيّ قده من ان التقديم بالجمع العرفي.

ثم للشروع في المقصود يجب التوجه إلى مقدمة وهي ان رفع الضرر والحرج يكون لهما معان كثيرة والمهم هنا بيان معنيين : الأول هو الاختلاف المعروف بين الشيخ الأنصاري والخراسانيّ فان الأول يقول بأن المراد منهما هو رفع الحكم الضرري والثاني يقول ان الموضوع الضرري يرفع حكمه والحق هو ما عن الشيخ لأن قوله تعالى ما جعل عليكم في الدين من حرج وقوله عليه‌السلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام يكون ظاهرا في أن الحكم كذلك غير مجعول في الدين أصلا.

والثاني انه قد اختلف في ان القاعدة بعد كونها للامتنان هل يلزم ان يكون الامتنان في رفعه أو يعم الرفع والوضع بحيث لو كان وضع الحكم خلاف الامتنان تكون القاعدة منطبقة والحق هو أن رفع الحكم يجب ان يكون فيه الامتنان صادقا.

إذا عرفت هذا فنقول تارة يكون الحكم بطبعه ضرريا وحرجيا وتارة يكون في طور من أطواره الحرج والضرر فالأوّل مثل الجهاد والزكاة والخمس وكذلك الاحتياط التام فان طبع الحكم يستلزم الحرج والضرر بإعطاء الأنفس والأموال والثاني مثل نفقة الزوجة فانها بعض أطوارها غير حرجي وبعضه حرجي فان تهية بعض الأغذية بالنسبة إلى بعض الافراد حرجية فقالوا ان المرفوع بالقاعدة هو الّذي يكون بعض أطواره موجبا للحرج لا ما يكون بطبعه موجبا له.

فلا يمكن ان يقال يكون الجهاد مرفوعا للحرج والخمس مرفوعا للضرر وهكذا الاحتياط التام فانه بطبعه حرجي فلا يمكن ان يتوجه إليه القاعدة إلّا ان يلزم منه الإخلال بالنظام فهو غير مرفوع بهذا الدليل.

وقد أجاب شيخنا العراقي قده بأن القاعدة في ابتداء طلوعها لا يكون لها نظر إلى الاحتياط فان الذي تكون القاعدة متوجهة إليه هو الحكم فان الحكم الضرري والحرجي مرفوع وغير مجعول فما هو منشأ لزوم ذلك وهو الحكم مرفوع فيكون

٢٢١

هذا مرفوعا برفعه ولكن حيث يكون الالتزام بجميع الأحكام هو المستلزم للحرج والضرورات تتقدر بقدرها فاما ان يقال بالتبعيض في الاحتياط الذي لا يكون كذلك أو حجية الظن.

وقد يقرب كلامه قده بأن الاحتياط لا يكون حكما ليكون الدليل شاملا له وجوابه ان الشارع لو حكم به لكان حكما فان الحكم بالجمع بين المحتملات أيضا لا ينقص عن ساير الأحكام والعقل لو حكم به أيضا يكون من باب كشفه الملاك وسنده يكون العلم الإجمالي بالتكليف أو لزوم الخروج عن الدين فيكون حكمه ثانيا عن تنجيز المنجز الشرعي الذي استفدنا منه اهتمام الشارع بالاحكام فيمكن رفع تلك الأحكام بواسطة القاعدة.

ولا يقال فالاحتياط غير لازم أصلا فليس يبقى لنا حكم لأنا نقول كما مر ان الضرورات تتقدر بقدرها والحرج في الجميع بين جميع المحتملات لا بعضها.

واما المحقق الخراسانيّ قده فيقول على حسب مبناه من أن الحكم الضرري والحرجي مرفوع عن موضوع كذلك وحيث لا يصدق على الاحتياط كونه موضوعا فانه ليس إلّا الجمع بين المحتملات ولا يكون إتيان كل محتمل حرجيا بل الجمع بين المحتملات.

وفيه ان المبنى فاسد لأن المرفوع هو الحكم كما قال الشيخ قده على أن الموضوع أيضا صادق لأن الحكم صادق على الاحتياط شرعا وعقلا كما مر فللشارع جعل هذا الحكم ففي رفعه الامتنان.

اما المقام الثاني

وهو في نتيجة المقدمات (١) من حيث أنها توجب الكشف عن حجية الظن شرعا كما عن شيخنا النائيني قده أو الحكومة بمعنى أن الظن مرجع بحكم العقل

__________________

(١) أقول هذا المقام لا يكون منوطا بالعسر والحرج بل يعم جميع أدلة عدم وجوب الاحتياط التام ويكون بيانا لنتيجة جميع المقدمات.

٢٢٢

في الثبوت والسقوط كما هو مبنى شيخنا العراقي قده أو لا يكون مرجعا في الثبوت بل في السقوط كما هو مبنى الشيخ الأنصاري قده بعد عدم وجوب الاحتياط التام اما للإجماع أو للزوم العسر والحرج.

اما بيان كلام النائيني قده فهو انه يقول بأنه بعد كون بناء الشرع على وجوب الامتثال التفصيلي ولا يكتفى بالامتثال الإجمالي مع انسداد باب العلم يقتضى حجية الظن شرعا ان كان السند في عدم جواز إهمال الوقائع هو الإجماع والخروج (١) عن الدين ولو كان السند العلم الإجمالي بالتكليف فيكون مقتضى حكم العقل هو حجية الظن من باب لزوم الخروج عن عهدة التكليف بعد العلم به فيكون النتيجة حجية الظن بالحكومة فالإجماع ولزوم الخروج عن الدين حيث يكون سندا شرعيا تعبديا يكون نتيجته أيضا حجية الظن شرعا بعد عدم لزوم الاحتياط التام ولا التبعيض فيه من باب لزوم الامتثال التفصيلي وحيث كان عقليا يكون النتيجة أيضا كذلك.

وفيه أولا ان التفصيل غير صحيح لأن السند على فرض كونه هو الإجماع أو الخروج عن الدين أيضا نعلم بأنه يكون لنا منجز والعقل يستقل بحجية الظن بعد عدم التبعيض في الاحتياط بحكم المقدمة الرابعة وعدم مرجعية الوهم والشك على فرض قبول كون اللازم هو الامتثال التفصيلي فلا فرق بينهما وبين العلم الإجمالي فان عدم جواز إهمال الدين بأي سند كان لازمه حجية الظن بحكم العقل فينتج الحكومة وهذا التفصيل وان لم يكن مرامه قده ولكن الكلام غير تام.

وثانيا ان القول بأنه ان كان السند هو الإجماع أو الخروج من الدين فكذا

__________________

(١) ما نقل عنه في الفوائد في ص ٩٠ حجية الظن شرعا مطلقا بقوله فتحصل إلخ وفصل بين العلم الإجمالي في تبعيض الاحتياط فقال انه عقلي عليه وشرعي على فرض الإجماع والخروج من الدين وهو كلام ظاهره التهافت بين الصدر والذيل من حيث القول بحجية الظن شرعا مطلقا والتفصيل كذلك فان هذا التفصيل مع ضم وجود الامتثال التفصيلي هو التفصيل في النتيجة كما فهمه الأستاذ مد ظله وأشكل عليه فلعله وقع اشتباه في التقرير.

٢٢٣

وان كان العلم الإجمالي فكذا فيكون مجرد فرض وإلّا ففي الواقع يكون السند هو العلم الإجمالي بالتكاليف وهو غير منحل عنده بالعلوم التفصيلية القطعية ببعض التكاليف وكذلك الأصول المثبتة خلافا للخراساني قده فالنتيجة تتعين في الحكومة فالظن حجة عقلية لا شرعية.

وثالثا ان قوله بان الإجماع قائم على عدم كفاية الامتثال الإجمالي ممنوع جدا فيما لا يلزم اللعب بأمر المولى ولم يكن في كلام المتقدمين عنه عين ولا أثر ويمكن القول بعدمه من باب الإطلاق المقامي فان الشارع كما انه يجب عليه بيان التكليف يجب عليه بيان طور الامتثال فحيث ما بين وجوب الامتثال التفصيلي في الأحكام تجري البراءة بالنسبة إليه لأنه تكليف زائد ولا فرق في ذلك بين كون السند لحجية الظن العقل أو الشرع.

ورابعا قال (قده) بوجوب الامتثال التفصيلي فيما أمكن واما في صورة عدم الإمكان كما في المقام فلا بد من القول بكفاية الإجمالي فيجب ان يقول بأن المرجع هو التبعيض في الاحتياط بعد عدم وجوب الاحتياط التام فلا يكون كاشفا عن حجية الظن شرعا.

واما ما أفاده (١) الشيخ قده في التنبيه الثاني فحاصله هو أن الشارع حيث يكون له تكاليف ولا يكون لنا عذر في مقابله بعد العلم به يجب امتثاله حيث انه لا يكون الاحتياط التام واجبا فلا بد من الرجوع إلى ما ثبت بالظن وامتثال امره دون ما يكون موهوما لأن الاحتياط في المشكوكات والموهومات والمظنونات يلزم منه العسر والحرج أو الإجماع على عدم وجوبه فالعقل يحكم بان الاحتياط في المظنونات والمشكوكات لازم في مقام إسقاط التكليف ولا يكون كاشفا عن جعل الشرع هذا

__________________

(١) أقول في فوائد الأصول ص ٩٨ و ٩٩ يكون بيانه وبيان إشكال النائيني قده وجل الكلمات يكون في أواسط البحث عن المقدمة الثالثة في الرسائل الحاضر عندي ص ١١٥ و ١١٦ وبعضه في التنبيه الثاني بقوله الأمر الثاني فان شئت فارجع.

٢٢٤

الظن حجة فالنتيجة الحكومة لا الكشف.

وأول ما يرد على هذا القسم من كلامه عدم تحاشي من أنكر الحكومة عن هذا النحو من حكم العقل فانه يكون من التبعيض في الاحتياط لكن في المظنونات والمشكوكات لا في الموهومات والذي يكون الكلام فيه هو ان يكون العقل حاكما بتبعية (١) الظن بدون لاحتياط أو الشرع.

والحاصل الكلام في مرجعية الظن بحكم العقل أو الشرع لا التبعيض في الاحتياط.

ثم قال قده بعد ذلك اللهم إلّا ان يدعى قيام الإجماع على أن المشكوكات أيضا مثل الموهومات في عدم وجوب الاحتياط والحاصل عدم وجوب امتثال ما هو غير مظنون.

ثم قال فان قلت إذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بأن المرجع في كل مورد منها إلى الأصل الجاري في ذلك المورد فتصير الأصول مظنونة الاعتبار في المسائل المشكوكة فالمظنون في الواقع هو عدم إرادة المولى امتثال التكاليف الواقعية على المكلف وكفاية الرجوع إلى الأصول ولا فرق في حجية الظن المعتبر بدليل الانسداد بين كون المظنون هو الواقع أو المظنون هو الطريق إلى الواقع كما فرض أن الظن بالأصل هنا ظن بطريق الواقع فما هو الحجة يكون الظن شرعا.

ثم أجاب قده بأن حجية الظن بالطريق كذلك فرع المقدمة الثالثة وهي إثبات

__________________

(١) أقول لو اقتصر الشيخ قده على المظنونات وألحق المشكوكات بالموهومات لقلنا ان العمل بكل مظنون لا يكون معناه التبعيض في الاحتياط بل هو العمل بالظن ومع إلحاق المشكوكات بالمظنونات يكون لازمه العمل بالاحتياط في المشكوكات لأن الشك يكون له أطراف والظن يكون مفاده واحدا حتى لا يلزم عليه هذا الإشكال لكنه قده لم يلحق المشكوكات بالموهومات حتى ينتصر له بذلك.

٢٢٥

عدم وجوب الاحتياط أصلا والكلام يكون فيه فما لم يثبت عدم وجوبه لا يثبت حجية الظن بالطريق ولا تكون النتيجة بمقتضى المقدمة الرابعة حجية الظن مطلقا سواء كان بالطريق أو بالواقع والحاصل لم يثبت عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات حتى يكون النتيجة ما ذكر.

وأجاب شيخنا النائيني قده عن هذا الجواب بأن الشيخ قده اعترف بأنه يمكن أن يدعى إجماع على إلحاق المشكوكات بالموهومات وان لم يثبت عنده القطع بهذا الإجماع ولكن الظن بوجود إجماع كذلك لازمه الظن باعتبار الطريق فيكون التكاليف في المشكوكات مثل الموهومات ولو من حيث الأثر لا من حيث الواقع والمفروض عدم وجوب الاحتياط في الموهومات والمشكوكات كذلك فالظن حجة بنفس هذه المقدمة ولا نحتاج إلى المقدمة الرابعة عند الشيخ وهي ترجيح الظن على الشك والوهم. ولذا ضرب الميرزا الشيرازي الخطّ على قوله قلت وقال بدله مرجع الإجماع قطعيا أو ظنيا على الرجوع في المشكوكات إلى الأصل هو الإجماع على وجود الحجية الكافية في المسائل التي انسد فيها باب العلم ومرجع هذا إلى دعوى الإجماع على حجية الظن بعد الانسداد ورضى الشيخ قده بعمله قده هذا كما حكى والحق انه لا وجه لإشكال الشيخ النائيني قده عليه ولا وجه لضرب تلميذه على جوابه لأن العلم الإجمالي عند الشيخ قده علة تامة لوجوب الامتثال ومعنى العلية هو عدم جريان الأصول المرخصة التي يلزم منه المضادة مع العلم فحينئذ فحيث يكون المدعى الإجماع على إلحاق المشكوكات بالموهومات وهو يضاد العلم فلا وجه له لو كان قطعيا فضلا عن كونه ظنيا فان الإجماع بكلا وجهيه لا يقاوم مع العلم الإجمالي حتى يقال يحصل الظن بالطريق وهو مثل الظن بالواقع فيكون حجة فلا بد اما من انحلال العلم الإجمالي أو جعل البدل باكتفاء الشارع بالعمل بمورد المظنونات والمشكوكات دون الموهومات ولا وجه للظن بالإجماع فلا يكون هنا مانع عن القول بلزوم الاحتياط في المشكوكات فهو قده يقول للنائيني قده أين مقدمات الانسداد التي منها عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات حتى يقال الظن الطريقي أي الذي

٢٢٦

يحصل بالنسبة إلى الأصول حجة ولم يثبت بعد عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات وعلى فرض التسليم لا ينتج حجية الظن لأن الاحتياط في دائرة المظنونات على مسلكه بحاله وهذا بمعزل عن حجية الظن (١) بل هو التبعيض في الاحتياط.

فتحصل أن الظن عند الشيخ قده مرجع في السقوط لا في إثبات التكليف فلم يثبت به أن مورده هو حكم الشارع.

واما مسلك شيخنا العراقي قده فهو أن الظن مرجع في الإثبات والإسقاط على نحو الحكومة لكن لا بنحو الحكومة التي تعرض لها الشيخ قده بل بمعنى آخر ولازمه إسقاط العلم الإجمالي فان بناء حكومة الشيخ قده على ثبوت العلم الإجمالي بالتكاليف ولا بد لنا من وجدان طريق في مقام فراغ الذّمّة ومن حكومة العراقي قده على إسقاط العلم الإجمالي بالتكاليف ويكون السند له في عدم جواز إهمال الوقائع هو الإجماع أو الخروج من الدين.

فانظر إلى عبارة الشيخ قده عند قوله الأمر الثاني ليتضح أن مراده هو الحكومة في مقام الفراغ فانه قده قال اما ان يقرر (٢) على وجه يكون العقل منشأ للحكم بوجوب الامتثال الظني فمعنى حسن المعاقبة على تركه وقبح المطالبة بأزيد منه كما يحكم بوجوب تحصيل العلم وعدم كفاية الظن عند التمكن من تحصيل العلم فهذا الحكم العقلي ليس من مجعولات الشارع إذ كما أن نفس وجوب الإطاعة وحرمة المعصية بعد تحقق الأمر والنهي من الشارع ليس من الأحكام المجعولة للشارع بل شيء يستقل به العقل لا على وجه الكشف فكذلك كيفية الإطاعة وانه يكفى فيها الظن

__________________

(١) أقول قد مر انه لو كان المراد هو تبعية الظن بالحكم لا يكون من التبعيض في الاحتياط كما هو المطرح هنا والذي يكون الاحتياط فيه متصورا هو الظن بالامتثال بإتيان المشكوكات والموهومات والمظنونات مثلا وهو خارج عن البحث ولكن مع إلحاق المشكوكات بالمظنونات لا يمكن إصلاح كلامه قده.

(٢) في ص ١٢٩ من الفرائد الحاضر عندي في الأمر الثاني من شبهات الانسداد.

٢٢٧

بتحصيل مراد الشارع في مقام ويعتبر فيها العلم بتحصيل المراد في مقام اما تفصيلا أو إجمالا انتهى فقد عرفت ان كلامه صريح في أن المتابعة من الظن في المقام يكون في مقام الامتثال بعد العلم الإجمالي بالتكليف.

واما شيخنا العراقي قده فيكون حاصل مرامه (١) أن السند الوحيد لعدم جواز إهمال الأحكام هو العلم بهدم الدين فانه لو فرض عدم العلم الإجمالي وعدم تنجيزه على فرض وجوده لمكان لزوم هدم الدين كافيا لعدم جواز الإهمال ولا بد من العمل في الوقائع بحيث لا يلزم هدم الدين وطريقه اما هو الاحتياط التام في جميع الوقائع وهو غير مجعول واما متابعة الوهم والشك وهو مرجوح عند العقل بالنسبة إلى الظن

__________________

(١) أقول أن ما ذكر في كلماتهم إلى الآن من جعل العلم الإجمالي في طرف والإجماع ولزوم هدم الدين في طرف وقالوا بترتيب الأثر العقلي على الأول والشرعي على الثاني يكون خلاف ما نفهم لأن لزوم هدم الدين ليس إلّا من باب العلم الإجمالي بالاحكام فانه ليس الدين الا هذه الأحكام لو فرض عدم العلم الإجمالي لا يبقى وجه لهذا فعلى هذا كان اللازم عليهم جعل العلم الإجمالي وهدم الدين في طرف والإجماع في طرف آخر ليمكن لهم القول بأن هذا دليل شرعي والآخر دليل عقلي.

ثم الإجماع أيضا على التحقيق هنا يكون سنده أيضا العلم الإجمالي ولزوم هدم الدين فلا يكون له وقع فلا بد من أن يقال ان السند الوحيد هو العلم الإجمالي لعدم جواز إهمال الأحكام.

ثم ما ذكره المحقق العراقي قده على فرض كون السند غير العلم الإجمالي لا يتم لأنه بعد كون السند لزوم هدم الدين يسقط الاحتياط بقدر لزوم العسر والحرج فاللازم هو التبعيض في الاحتياط لا حجية الظن بعد الدوران واما ما ذكره من انحلال العلم الإجمالي بواسطة مقارنته مع العسر والحرج وعدم منجزيته فهو أيضا غير تام لأن العسر والحرج إذا أوجب سقوط الاحتياط التام في جميع الأطراف فحيث ان الضرورات تقدر بقدرها يسقط بعض الأطراف عن الاعتبار مثل الموهومات أو هي مع المشكوكات لو فرض لزوم العسر والحرج فيها أيضا ويبقى الباقي ويكون تنجيز العلم بالنسبة إليه بلا إشكال.

٢٢٨

فيكون المرجع هو الظن والحاصل ان العقل حيث لا يجد سبيلا إلى امتثال أحكام الدين يحكم بالمراجعة إلى الظن في مقام الامتثال ولا يكون هذا كاشفا عن حكم الشرع بقانون الملازمة لأن ذلك القانون يكون في صورة حكم العقل في علل الأحكام لا الحكم العقلي بعد الحكم في مقام الامتثال.

ولو فرض أن السند يكون العلم الإجمالي بالاحكام أيضا فلا مجال لكلام الشيخ قده لأنه يسقط عن التنجيز بيانه ان العلم الإجمالي تارة يكون في آن حصوله مبتلى بالمزاحم في التنجيز مثل ما إذا كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء وتارة بعد تحققه يخرج بعض الأطراف عن الابتلاء فالأوّل لا يكون منجزا والثاني يكون

__________________

وبعبارة أخرى هنا علم إجمالي كبير وهو يسقط بواسطة لزوم الحرج والعلم الإجمالي الصغير بان في دائرة المظنونات أو هي مع المشكوكات أيضا يكون أحكام فعلية أيضا فيجب التبعيض في الاحتياط ولو قلنا بلزوم العسر في المشكوكات أيضا يكون العمل بمقتضى الظن في كل مورد هو اللازم وقد مر انه لا يكون من التبعيض في الاحتياط العمل بموارد المظنونات.

فتحصل أنه لا يكون الكشف ولا الحكومة على مسلك الشيخ قده مقتضى المقدمات وما ذكره قده أيضا لا يتم من بعض الجهات فيمكن ان يقال مقتضى المقدمة الثانية هو التبعيض في الاحتياط لو لم يلزم العسر في المشكوكات ولو لزم فالظن حجة في مقام الامتثال في موارد المظنونات.

ثم ان المراد هو إثبات حجية الظن في الإثبات والإسقاط وهذا البيان منه قده يفيد في الإسقاط واما الإثبات فاما بالعلم بالدين أو العلم الإجمالي واما بيانه الأخير من كشف الاهتمام في خصوص المظنونات فهو أيضا يحتاج إلى دليل فانه وان كان من المتيقن ولكن في غيره أيضا يكون احتمال التكليف بحاله إلّا ان يدعى الانحلال وهو متوقف على قبول العلم الإجمالي ثم نسأل منه لو لم يكن علم إجمالي بالتكليف فمن أين ثبت اهتمام الشرع فلا بد من دخل المقدمات جميعا ولا يتم هذه البيانات.

٢٢٩

منجزا فإذا علمنا مثلا بنجاسة أحد الكأسين ثم أهريق أحدهما فخرج عن الابتلاء لا يقال بسقوط العلم الإجمالي عن التنجيز بل يجب الاجتناب عن الآخر أيضا بخلاف ما لو كان أحدهما من الأول خارجا عن الابتلاء ففي المقام نقول حيث أن العلم الإجمالي في ظرف تحققه يكون إتيان جميع أطرافه عسريا وحرجيا وان كان الإتيان ببعض الأطراف مثلا غير حرجي ولا عسري لا يكون منجزا فحيث لم يكن منجزا من الأول لا وجه للقول بالتبعيض في الاحتياط بالنسبة إلى المظنونات فقط أو هي مع المشكوكات لأنه فرع تنجيزه فلا بد من الرجوع إلى الظن من باب عدم جواز هدم الدين وسقط العلم الإجمالي فلا وجه لحكومة الشيخ قده ولا وجه للكشف لأن الحكم بالمراجعة إلى الظن يكون بحكم العقل ولو كان للشرع حكم أيضا لكان إرشاديا مثل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فتكون الحكومة بمعنى حجية الظن في مرحلة الفراغ هي المتعين وهذا هو الحق عندنا تبعا لأستاذنا قده.

ثم هنا لطيفة عرشية وهي انه مع سقوط العلم الإجمالي أيضا نعلم بالوجدان عدم جواز جريان البراءة من باب قبح العقاب بلا بيان وإهمال الوقائع فلا ينتج سقوط العلم الإجمالي شيئا.

قلت يمكن ان يقال هنا بكلام لا يكون مربوطا ببعض مقدمات الانسداد وهو ان يقال انا نعلم ان الشارع يكون له اهتمام بالاحكام والاهتمام له مراتب ثلاثة الاهتمام في موارد المظنونات وفي موارد المشكوكات وفي الموهومات وما هو المتيقن هو الاهتمام في موارد المظنونات فحيث ما كشفنا اهتمامه في غيرها نقول بأنه ساقط عن الاعتبار وهذا طريق سهل للقول بحجية الظن على فرض الانسداد ولا نحتاج إلى المقدمة الرابعة وهي لزوم العسر من الاحتياط لأن الاحتياط لا يلزم من الأول ولا إلى المقدمة الرابعة وهي ترجيح الظن على الوهم والشك لعدم حصول الدوران من باب عدم إحراز اهتمام الشرع في غير مورد الظن فإذا كشفنا اهتمام الشرع بموارد المظنونات يلزم متابعتها لعدم رضاء الشرع بتركها لا من باب حجية الظن عنده.

لا يقال احتمال التكليف فيما بين المشكوكات والموهومات لو لم يكن منجزا

٢٣٠

ولم يكن له أثر ولا يهتم به فيلزم أن يقال بعد لزوم الفحص في الشبهات البدوية بالنسبة إلى التكليف حتى في صورة القول بالانفتاح مع أنهم يقولون بعدم جواز جريان البراءة قبل الفحص عن الدليل ففي مقام الانسداد أيضا يلزم ان يكون كذلك.

لأنا نقول الفحص في صورة الانفتاح يكون مقتضى رسم العبودية فان المقنن إذا وضع قانونه وجعل طريقا للوصول إليه يجب أن يسلك الطريق حتى يكون معذورا وبدونه لا يكون له العذر بخلاف صورة الانسداد فانه لا يكون له ملجأ يلجأ إليه فاللازم هنا العمل على طبق ما كشف الاهتمام به فتحصل ان المؤيد هو الحكومة على مسلك العراقي قده بهذا البيان أيضا.

ثم ان نتيجة الانسداد على فرض تمامية مقدماته يظهر في موارد منها الظن الحاصل من قول اللغوي ومنها صورة اشتراط الاطمئنان في حجية الاخبار لا الوثوق فانه حيث لا يفي ما يطمئن به بالاحكام لا بد من العمل بالأخبار المظنونة.

ثم لا يخفى انه لو كان الظن حجة يكون في خصوص الحاصل من الاخبار (١) لا الذي يكون حاصلا من القياس وغيره. ثم هنا تنبيهات في ذيل البحث عن الانسداد لا نتعرض لها لعدم الفائدة.

خاتمة في البحث عن أمرين

الأول الكلام في حجية الظن في أصول الدين إذا انسد باب العلم فيه ولا نتعرض له والبحث عنه موكول إلى علم الكلام.

والثاني في الظن الذي يكون جابرا أو موهنا بالنسبة إلى الروايات من حيث السند والدلالة فنقول أن الظن الذي يكون حجة في الاخبار تارة يكون المدار على الشخص منه الحاصل من حاق كتب الرواية وتارة يكون أعم منه ومن الخارج وثالثة

__________________

(١) أقول ولعله لادعاء انحلال العلم الإجمالي الكبير بما في الاخبار كما مر في صدر بحث الانسداد.

٢٣١

الظن النوعيّ الحاصل من القرائن الداخلية مثل وثاقة الرّجال في السند ورابعة الأعم من الظن النوعيّ الحاصل من الداخل أو من الخارج كالحاصل من الشهرة الفتوائية أو الروائيّة فعلى الأول الظن الخارجي لا دخل له في الجبر والوهن أصلا لأنه خارج والشرط فيه كونه من الداخل فالشهرة لا توجب الجبر والضعف وكذلك التعديلات الرجالية لأنها غير حاصلة في زماننا وحيث أن الظن يكون شخصيا فانه لا يجتمع المتخالفان منه مثل أن يحصل الظن بالصدور وعدمه كذلك.

وان كان المناط هو الظن النوعيّ الحاصل من القرائن الداخلية فائضا لا دخل للظن الحاصل من القرائن الخارجية فمثل الشهرة لا دخل لها في الجبر والوهن أيضا.

وان كان المناط هو حصول الظن النوعيّ الأعم من الحاصل من الخارج أو الداخل كما هو التحقيق فالشهرة وأمثالها يمكن ان تكون جابرة أو موهنة وهكذا لو كان المناط الظن الشخصي ولكن بالأعم من الخارج والداخل فعليه لو كان جميع الشرائط الداخلية للخبر موجودا من حيث السند والدلالة ولكن أعرض المشهور عنه لا يعتنى به ويقال كلما كان أصح سندا يكون أشد ضعفا لأن إعراضهم يكون شاهدا على وجود قرائن لهم موجبة للضعف وخفيت علينا.

واما الظن الشخصي المخالف للظن النوعيّ فقيل بأنه لا وقع له أصلا والحق هو التفصيل فان كان منشأ هذا الظن الشخصي هو القرائن العامة فهو يكون مضرا كما أن الظن النوعيّ الحاصل من الخارج إذا خالف الظن النوعيّ الحاصل من الداخل يكون مضرا واما لو كان حصوله لاعوجاج في السليقة لخصوص شخص فلا يصغى إليه.

فتحصل ان الظن الحاصل في الاخبار ان كان الخارج دخيلا فيه يكون الظن الحاصل من الخارج الموافق له جابرا للضعف والمخالف له موهنا له هذا مقتضى البحث كبرويا واما البحث عن الصغرى وهو البحث عن كون الشهرة جابرة أو موهنة التي تكون من الظنون الخارجية فقد مضى البحث عنه في الشهرة مستوفاة وقد اخترنا انها توجب الجبر والوهن هذا كله الكلام بالنسبة إلى جبر السند ووهنه.

واما الدلالة فقيل بأنه على مبنى القائل بان المدار على الظهور الواصل لا يكون

٢٣٢

الظن الخارجي دخيلا أصلا فانه إذا لم يكن للخبر ظهور عندنا لا يؤثر فهم قدماء الأصحاب عنه ظهورا شيئا.

ولكن الحق ان يقال ان كان ما هو الحجة هو الظهور المفيد للظن فيأتي فيه ما مر في جبر السند ووهنه من حيث حصول الظن وعدمه وان كان المدار في الظهورات على مطلق الظهور سواء حصل الظن أم لم يحصل.

فتارة يكون الكلام بحيث يحتمل فهم الظهورين المخالفين منه كما في مسألة نجاسة البئر في قوله عليه‌السلام ماء البئر واسع لا يفسده شيء لأن له المادة حيث أن القدماء فهموا منه شيئا فقالوا بأن البئر ينجس والعلامة قده فهم ان وجود المادة مانع عن النجاسة فعليه يمكن مخالفة المشهور في الفهم.

واما لو لم يكن للكلام إلّا وجه واحد نفهمه ولا طريق أصلا لما فهمه المشهور بمعنى عدم قابلية الكلام لذلك فلا بد من متابعتهم في الدلالة لأنه كان كاشفا عن وجود قرينة لهم خفيت علينا وكذلك وهن الدلالة فيه التفصيل المتقدم في الجبر.

واما إذا كان الترديد في الوهن من حيث السند أو الدلالة فيكون إعراضهم موجبا للضعف اما من جهة الدلالة أو السند إجمالا. فتحصل ان الظن ببعض أنحائه يمكن ان يكون جابر الضعف في السند والدلالة وموهنا كذلك وإلى هنا تم ما أردنا إيراده من مباحث الظن والحمد لله أولا وآخرا.

٢٣٣

المقصد السابع في الأصول العملية

وهي التي ينتهى إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل ما دل عليه حكم العقل أو عموم النقل كما في الكفاية ومنها البراءة وينبغي البحث عن أمور قبل الاستدلال على البراءة.

الأمر الأول في وجه الفرق بين الأصل والقاعدة ونسبة الأمارات مع الأصول ووجه التقديم بالحكومة أو الورود فأقول هذا التعبير والتعريف في الأصول العملية عنه قده يكون لإدراج البحث عنه في البحث الأصولي لأن البحث الأصولي عندهم هو الّذي يقع نتيجته في طريق الاستنباط والبحث عن الأمارات يكون كذلك لأنه بعد حجية الاخبار مثلا يتمسك بها في الفقه واما الأصول فلا يكون طريقا لاستنباط أحكام الفقه ولذا قال سيدنا الأصفهاني قده لا يشمل دليل التقليد المجتهد الّذي يكون سنده لحكمه أصالة البراءة لأن غاية ما يستفاد من الدليل الرجوع إلى الغير في الأحكام بالفطرة أو بالعقل أو ببناء العقلاء وهو رجوع الجاهل إلى العالم والمجرى للبراءة نفسه جاهل ولذا قيل ان الدليل الّذي يكون بيانا للحكم أو لتعيين الوظيفة يكون واسطة لبيانها فبيان الوظيفة أيضا يفهم من الأصول فيكون طريقا في استنباط الوظيفة.

ثم هنا إشكال وهو ان قاعدة الطهارة وأمثالها من القواعد الفقهية ولا شبهة انها أيضا مما ينتهى إليها أمر المجتهد في مقام الشك في الوظيفة فكيف يقال بأن الأصول منحصر في الأربعة : البراءة والاحتياط والاستصحاب والتخيير وكما ان الأصل ينتهى

٢٣٤

أمده بواسطة وجدان أمارة على خلافه كذلك القاعدة ينتهى أمدها كذلك لحكومة الأمارة على الأصل فيجب ان تكون من الأصول العملية لا القواعد الفقهية والخطاب أيضا فيها متوجه إلى تمام البشر لا خصوص المجتهد فكما أن قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك متوجه إلى جميع الناس كذلك قوله عليه‌السلام كل شيء طاهر إلخ. والمجتهد وكيل عن المقلد في الجميع لا في خصوص الأصول الأربعة.

فأجاب الخراسانيّ (قده) في الكفاية بما حاصله ان البحث عن القاعدة ليس بمهم لأنها من المسلمات ولكن البحث عن الأصول لازم لاختلاف الناس فيها فانه سيجيء أدلة الأخباريين في النقض والإبرام.

ولا يخفى ان شأنه أجل من أن يجيب بهذا الجواب ولكن الجواد قد يكبوا فان مسلمية شيء وعدم مسلمية شيء آخر لا توجب ان يكون أحدهما مسألة أصولية والآخر قاعدة فقهية مع كون المستفاد منهما حكما كليا لا الحكم الجزئي الفرعي.

ونقل عن درسه (قده) جواب ولا بد لبيان الشيخ قده هنا في معنى النجاسة والطهارة لتوضيحه وجواب الخراسانيّ (قده) عليه. فنقول ان المسالك في أصل النجاسة ثلاثة :

الأول : ان لا تكون النجاسة إلّا الأمر بالاجتناب أو النهي عن الارتكاب وليست الطهارة الا الأمر بالارتكاب كما عن بعض العلماء.

الثاني : ان تكون واقعيات كشف عنها الشرع بالأمر والنهي وهو مسلك الشيخ قده ولم يتعرض لكونها أعيانا أو أعراضا.

والثالث (١) ما عن المحقق الخراسانيّ قده وهو أنها اعتبارات لملاك في الاعتبار

__________________

(١) أقول الظاهر من الإشكال والجواب هو أن المحقق الخراسانيّ قده يكون في مقام بيان الوجه الثاني لصيرورة قاعدة الطهارة مسألة فقهية لا أصولية وبيان كون النجاسة والطهارة اعتبارية أو واقعية يكون لكشف هذا الواقع ما ظهر لنا وجه صحيح لدخل هذا الكلام ولم يبيّنه مد ظله الا بهذا المقدار.

فان كان مراد المحقق الخراسانيّ (قده) القول بأن النجاسة والطهارة من ـ

٢٣٥

لا في المعتبر كما في الملكية فعلى مسلكه هذا أشكل على الشيخ قده بأن قاعدة الطهارة حيث يكون جريانها في الشبهات الموضوعية فلا محالة تكون لبيان الحكم الفرعي الجزئي في الموضوع كما ان الاستصحاب والبراءة في الموضوعات أيضا كذلك فلا تكون في مقام بيان الحكم حتى يكون طريقا للاستنباط.

وقال بأن القول بأن النجاسات واقعيات كشف عنها الشرع غير صحيح لأنه

__________________

ـ الأمور الاعتبارية والاعتبار يكون في خصوص الموضوعات ولا كبرى له بخلاف صورة كونها أمورا واقعية.

فيمكن ان يقال عليه بأن الموضوع له حالتان حالة الشبهة فيه من جهة عارض خارجي بعد بيان حكم الشرع من ناحيته كما انا نعلم ان الدم نجس ووجدنا رطوبة لا ندري انه دم أم لا بواسطة الظلمة فلا نعلم انه طاهر أو نجس فنجري قاعدة الطهارة مع فقد الحالة السابقة فان كانت النجاسة والطهارة أمرا واقعيا لا نعلم وجود الواقع وعدمه وان كانت امرا اعتباريا لا نعلم اعتبار الشرع في هذا الموضوع فلا نعلم أن الاعتبار الكلي في نجاسة الدم هل انحل إلى هذا المورد أم لا.

وحالة الشبهة في مورد من جهة فقدان النص أو إجماله كما في مورد عرق الجنب من الحرام مثلا فلا نعلم هل يكون الشارع اعتبر النجاسة أم لا أو لا نعلم هل يكون الواقع هنا أم لا ولكن المانع لعدم العلم هو عدم وصول دليل من الشرع فما كان البحث عن واقعية النجاسة والطهارة واعتباريتها مفيد فائدة لصيرورة القاعدة فقها لا أصولا فلا يكون هذا الفرق فارقا فبقي الإشكال بحاله.

ثم نقول في بيان رفع الإشكال بما ذكره الأستاذ مد ظله بعبارة أخرى وهي ان المسألة الأصولية هي التي تكون البحث فيها بحثا لإيضاح الحكم وإثباته من قبل الشرع بنحو يفيد في الموضوعات والمصاديق فكبرى قاعدة الطهارة وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وقاعدة الحلية وغيرها والأصول من الاستصحاب والبراءة بحث أصولي وتطبيق هذه الكبريات في جميع الموارد بحث فقهي وبهذا ينحل الإشكال.

وهذا كله لو كان البحث هنا في فرق المسألة الأصولية والفقهية ولكن ليس ـ

٢٣٦

لو كان كذلك يلزم أن يكون إزالة العين مطهرة كما يقوله إخواننا العامة ولا يقول به قده ويلزم أن لا يكون الملاقاة مع النجاسة منجسة لعدم انتقال العين إلى الملاقى.

مضافا بأن الدم فيما له النّفس السائلة وفيما لا نفس سائلة له المحكوم بالنجاسة في الأول وبالطهارة في الثاني يلزم أن يكون جنسه وفصله متعددا مع انه واحد فان الجميع دم وكذلك القول بطهارة بول الغنم ونجاسة بول الكلب والإنسان مع وحدة الجنس والفصل فلا يكون للنجاسة واقع سيما بالنظر إلى بعض النجاسات الحكمية مثل نجاسة الكافر النظيف وطهارة المسلم الكثيف هذا في النجاسة الخبثية.

واما النجاسة الحدثية فيمكن إنكار واقعيتها لأنها لا محل لها فان الجنب هل ينقص نفسه بالمواقعة ولو كان كذلك فالسفراء الربوبي أيضا كانوا يواقعون فهل يحدث نقص في أنفسهم الشريفة؟!

فالحق إنكار كون النجاسة والطهارة بالمعنى الخبثي والحدثي جوهرا أو عرضا وليستا الا الاعتبار.

والجواب عنه قده ان النجاسات بجميع أنحائها يكون لها واقعيات سواء فرضت من الاعراض التي هي فوق المقولة أو من الاعراض التي هي تحت المقولة كالكيف أو من الوجود العيني الجوهري فانه يمكن إثبات كونها وجودا ولها ما بإزاء خارجي بأي نحو فرض وانه من الواضح أن العرف يحصل له التنفر من بعض الأشياء ولو كان تنفره هذا بعد كشف الموضوع له مثل تنفره عن البول والغائط ولكن ربما لا يفهم الملاك ولا يكون خبيرا بما فيه من المضرة فلا يتنفر فمثل الدم مثلا لا يكون عنده مما يتنفر عنه لعدم علمه بالموضوع كاملا فيكون تنفره عما يجده

__________________

ـ كذلك بل المراد هو الفرق بين الأصل والقاعدة كما هو الظاهر فان الأصل هو الّذي ينتهى إليه المجتهد بعد الفحص واليأس عن الدليل الخاصّ والقاعدة أيضا كذلك وقد ذكرت هذا له مد ظله فلم يجب بشيء ووعد ان يتفكر فيه.

والّذي يمكن ان يقال هنا هو ان القاعدة تكون دائرتها أضيق من الأصل فان قاعدة الطهارة وما لا يضمن وأمثالها تكون في موارد خاصة بخلاف الأصول.

٢٣٧

فيه من الاعراض.

ويمكن ان يكون بعض الأشياء عند الشارع مما يكون مضرا ولكن العرف لا يتوجه إليه فيخبره بعين الحكمة والدقة أن هذا نجس فلو قال بأنه كذلك يمكن كشفه عن عرض فيه.

بل يمكن ان يقال علي ما ثبت في العلم اليوم أن النجاسة يكون لها ما بإزاء خارجي عيني كما أخبرنا بعض أهل الفن بأن البول له بخمسة وعشرين ميكرب والعذرة لها سبعة ميكربات فيمكن ان يكون القول بالنجاسة لما فيهما من الموجودات الضارة.

ويمكن الاستئناس في الشرع أيضا لذلك فانه قيل بأن البول لا يطهره الا الماء والغائط يطهره الأحجار أيضا.

ويمكننا أن نقول في النجاسة الحكمية التي يعبرون عنها بالنجاسة السياسية في الكفار أيضا يحدث في نفس الكافر أو في بدنه بواسطة الأشعة الخبيثة الكفرية عرض من الاعراض أو جوهر من الجواهر يكون مضرا والإيمان بالله تعالى وبالضروريات مما يوجب رفع هذه القذارة.

والملاقاة في جميع هذه الصور أيضا يمكن ان تكون موجبة لسراية القذارة حتى على فرض القول بأنها عرض من الاعراض فان ملاقاة ما كان عرضه هذا الخبيث غير ملاقاة ما لم يكن عرضه ذلك هذا كله في مقام الثبوت ورفع الاستبعاد.

واما في مقام الإثبات أيضا فيمكن ان نفهم من الأدلة الشرعية واقعية النجاسة فإنهم يشترطون في حصول النجاسة السراية بواسطة الرطوبة فلو لم يكن لها واقع فشرطية الرطوبة والسراية لما ذا؟ وان كان لقائل ان يقول هذه أيضا تكون من شرائط اعتبار النجاسة ولكنه بعيد جدا.

وهكذا يستأنس مما مر من كفاية الأحجار لرفع الغائط ووجوب كون رافع البول هو الماء فان كثرة القذارات في البول صارت سببا لذلك.

واما الجواب عن قوله بأن قاعدة الطهارة تكون في الشبهات الموضوعية فهو

٢٣٨

ان الشبهة الموضوعية على نحوين الأول أن يكون الاشتباه من عوارض خارجة مثل ان لا نعلم ان هذا دم أو غير دم أو هذا الماء طاهر أو نجس وتارة يكون الاشتباه من جهة إجمال النص أو فقدانه فان التمسك بالقاعدة في هذه الصورة يكون من التمسك بالمسألة الأصولية لا الفقهية في الحكم الفرعي المحض فلا إشكال في ان تكون قاعدة الطهارة في هذا النحو من الشبهات مسألة أصولية والبحث عنها مما يقع في طريق الاستنباط وفي الشبهات الموضوعية عن غير ناحية إجمال النص أو فقدانه من المسائل الفقهية الفرعية ولا يكون لنا التزام بأن الأصول منحصر في الأربعة وهكذا الأصول الأربعة في الشبهات الموضوعية من المباحث الفقهية.

فصل في النسبة بين الأصول والأمارات

فنتعرض أولا لكلام شيخنا العراقي قده وحاصل مرامه هو أن الأصول مثل الأمارات يكون إمضائيا بمعنى أن العقلاء عند فقدان العلم والعلمي يرجعون إليه والشارع أمضى ما هو الدارج بينهم ويكون موضوعه في طول موضوع الأمارات فان موضوعها هو استتار الواقع بواسطة عدم العلم الوجداني وموضوع الأصول هو استتاره بالعلم الوجداني والعلمي وهو الأمارة فتكون حاكمة على الأصول من باب ان موضوعه مقيد بعدمها وكنا نورد عليه بان موضوع الأصول ليس إلّا الشك ولا يكون في العقلاء أصل تعبدي فلو كان لهم طريق إلى الواقع فهو وإلّا يتوقفون ولا يكون في موضوعه أخذ الاستتار بالعلم والعلمي ومن الشواهد على عدم تمامية ما ذكره هو أن لازم هذا القول هو الورود لأنه بعد وجدان الأمارة يذهب موضوع الأصول واقعا وهو لا يقول به ولكن هو قده ما قبل منا ما ذكرناه.

ثم ان النسبة بين الأصول والأمارات يختلف حسب اختلاف المباني في الأمارات من تتميم الكشف وتنزيل المؤدى وجعل الحجة أو الحجية كما أن الأول رأينا ورأى شيخنا النائيني والثاني رأى الأنصاري قده والثالث رأى الخراسانيّ ره.

اما على مسلك تتميم الكشف فتارة يلاحظ النسبة مع الأصل العقلي مثل قبح

٢٣٩

العقاب بلا بيان وتارة مع الأصل الشرعي الغير المحرز مثل البراءة وتارة مع أصل الشرعي المحرز مثل الاستصحاب فاما النسبة بينها وبين الأصول العقلية مثل قبح العقاب بلا بيان فهو انها واردة عليه لأن موضوع هذا الأصل عدم البيان والأمارة بيان من الشرع فيذهب موضوع هذا الأصل بواسطة وجدان البيان.

واما بالنسبة إلى الأصل الشرعي الغير المحرز مثل البراءة فهي حاكمة لأن الغاية في دليله يكون هو العلم الوجداني فإذا قيل كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام يكون غاية الأصل العلم بالحرمة وجدانا ولكن بواسطة القول بان مفاد الأمارة علم تعبدا لأن معنى تتميم الكشف هو تنزيل الظن منزلة العلم فتكون الغاية حاصلة بالتعبد وحيث يكون لدليل الأمارة النّظر إلى دليل الأصل فيكون حاكما عليه فيكون الأصل منتهى أمده حصول هذا النحو من العلم وهكذا تكون حاكمة بالنسبة إلى الأصول المحرزة من الاستصحاب فإذا قيل لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر فان المراد باليقين هو العلم الوجداني وقد ثبت أن مؤدى الأمارة علم تعبدي.

لا يقال ان الاستصحاب حيث يكون محرزا يكون مثل الأمارة فان الإمضاء يكون بجهة كشفه كما في الأمارة فهو أيضا علم فكيف تقدم الأمارة عليه.

لأنا نقول الفرق بينهما هو أن الحكم في الاستصحاب يكون في موضوع الشك فيقال أيها الشاك لا تنقض اليقين بالشك ولا يكون النّظر إلى جهة كشفه واما الأمارة تكون في مورد الشك فيكون الإمضاء بجهة الكشف لأن العقلاء يرون الظن علما ويكون تبعيتهم له لذلك وتقديم الاستصحاب عليها دوري بخلاف تقديمها عليه مع أنه أيضا علم.

وتظهر ثمرة البحث في كون المبنى في الأمارات تتميم الكشف أو غيره في موارد الأول : في صورة كون القطع جزء الموضوع فان الأمارة تقوم مقامه على ما ذكرناه لأنه علم ولا تقوم مقامه على غير هذا المسلك مثل ما إذا قيل بان ما علم غصبيته يكون مبطلا للصلاة في المكان واللباس.

والثاني في استصحاب الحكم المستفاد من الأمارة بعد الشك فيه فان قلنا

٢٤٠