مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

المعلوم تفصيلا بالتفصيل وبالنسبة إلى ما هو المعلوم بالإجمال بنحو الإجمال فيكون ملتزما بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوصياؤه عليهم‌السلام (١) ولا يخفى ان الإجمال لا يكون في العلم مطلقا بل يكون في المنطبق فيما سمى إجماليا.

تنبيه

لا يخفى عليكم ان وجوب الالتزام لو قلنا به لا يختص بما حصل من القطع بل كل حكم ادى إليه الأمارة أيضا يجب الالتزام بمفادها وكذلك مفاد الأصول المحرزة وغيرها فانها أيضا وظائف قررت للشك فيجب الاعتقاد بان الوظيفة في المورد الكذائي هو العمل على طبق الأصل.

ثم انه في موارد دوران الأمر بين المحذورين أو في مورد المتعارضين مطلقا لو قلنا بأنه يجب الالتزام بأحد أطراف العلم الإجمالي تعيينا لا يمكن لأن الالتزام الجدي بالحكمين سواء كانا وجوبين أو وجوب وتحريم لا يمكن مع العلم بان أحدهما غير موافق للواقع فانه إذا علم ان صلاة الجمعة اما واجبة أو صلاة الظهر أو أنها اما واجبة أو حرام لا يمكنه قصد وجوبهما معا والوجوب والحرمة لأن الالتزام بالحكم فرع ثبوته إلّا بنحو التشريع المحرم بان يجعل ما ليس بواجب أو حرام واجبا أو حراما.

مضافا إلى أنه لا دليل على وجوب هذا الالتزام وهكذا لو قلنا بأن الالتزام

__________________

(١) أقول لو قلنا بوجوب الالتزام من باب الحكم الشرعي والتعبد من دليل اما من باب المقدمية أو طريق آخر لا يلزم منه التسلسل المحال بل يكون مثل الدليل الدال على وجوب تصديق العادل تعبدا فانه ينحل إلى الافراد ويشمل حتى نفسه من باب ان الحكم يكون على الطبيعي وكلما يعتبر المعتبر للالتزام التزام فيجب وإذا انقطع الاعتبار انقطع الحكم ومن المعلوم عندهم ان التسلسل في الأمور الاعتبارية لا يكون محالا لكن لا دليل لنا على الوجوب الشرعي لا من باب الملازمة ولا غيرها وكذلك الوجوب العقلي.

٨١

بأحدهما تخييرا لازم لأن الفرض ان اللازم هو الالتزام بأحدهما تعيينا لا أحدهما تخييرا فيكون أيضا تشريعا وما ورد في باب المتعارضين من التخيير في العمل بأحدهما لا يكون دليلا على وجوب الالتزام أيضا كذلك فإجراء الأصل بالنسبة إلى أطراف العلم الإجمالي بان يقال الأصل عدم وجوب الالتزام بهذا بعينه وذاك كذلك لا مانع منه واما إذا قلنا بان الالتزام الإجمالي لازم فلا يمكن جريان الأصل لأن اللازم منه العلم بالمخالفة القطعية ولكن لا لما ذكره الشيخ الأنصاري (قده) في الرسالة من أن لازم جريان الأصل هو الاذن في المخالفة العملية للتكليف بالالتزام فانه مختص بما إذا كان هنا تكليف مولوي شرعي بالالتزام وهو لم يكن في المقام بل لأن المخالفة الالتزامية أيضا معصية التزامية للتكليف كالمخالفة العملية والاذن في المعصية قبيح في كل شيء بعد وجود العلم الإجمالي بتكليف مردد في البين.

ولا يخفى ان ما ذكره (قده) يكون في صورة ان يكون المراد الالتزام بالحكم المعين واما الالتزام الإجمالي فهو مما لا إشكال فيه فانا نلتزم بأن الواقع المردد في البين هو من الله تعالى مثلا ولا مانع في النّفس من اعتقاد هذا النحو من الحكم كما إذا اعتقد بالإباحة الشرعية إذا كان دوران الأمر بين كون الواجب هذا أو ذاك وكما إذا اعتقد بأصل حكم إلزاميّ في البين إذا كان الدوران بين الوجوب والحرمة من باب ان الانقياد حسن على أي حال.

والحاصل مراد الشيخ (قده) هو ان الالتزام الّذي يكون واجبا يكون هو الالتزام بالحكم وحيث لم يكن حكم منجز لا يكون لوجوب الالتزام معنى ضرورة أنه يكون في رتبة الموضوع له فعلى هذا في موارد دوران الأمر بين المحذورين أو المتعارضين حيث لم يكن في وسعنا ان نقول بوجوب كل واحد بعينه ضرورة انه لا يتمشى القصد القلبي من عاقل على امر لا يعلم بوجوده واقعا فكيف من لم يعلم بوجوب هذا بعينه يلتزم بوجوبه بعينه الا على نحو التشريع على مسلك القوم اللهم إلّا ان يكون البناء الظاهري العملي كالبناء على ان الشك يقين في باب الاستصحاب

٨٢

ففساد هذا القسم يكون من باب عدم تمشي قصده لا من باب التشريع كذلك إذا كان المراد التخيير الواقعي بأن يختار أحدهما معينا ثم يلتزم به كما في خصال الكفارات لأنه لا يكون المقام مثلها ولا يكون التخيير في المتعارضين واقعيا واما التخيير كما في باب التعارض ظاهرا والبناء على الالتزام بما اختاره وان كان ممكنا ثبوتا ولكن لا دليل لنا على وجوب هذا القسم من الالتزام فيمكن على هذا الالتزام الرجائي ولا يكون الالتزام معينا واجبا.

واما الالتزام الإجمالي فهو أيضا غير لازم لعدم تحقق موضوعه وبعبارة واضحة دليل الأصل يكون حاكما على دليل الالتزام ضرورة ان دليل الأصل أمارة فإذا ثبت بأصالة عدم وجوب هذا وذاك التعبد بعدم الحكم لا يتحقق موضوع للالتزام حتى يقال يجب فهذا الدليل يدل على ان الحكم لم يكن والالتزام بالحكم فحيث تعبدنا الشرع بعدم الحكم لا يجب الالتزام أيضا فالأصل في أطراف العلم الإجمالي لم يمنع عنه وجوب الالتزام لو لم يكن مانع آخر.

وأجاب عنه تلميذه الخراسانيّ (قده) بالدور. وحاصله ان جريان الأصل متوقف على عدم وجود المانع وهو وجوب الالتزام بالحكم وعدم وجوب الالتزام متوقف على جريان الأصل لأنه ما لم يجر الأصل الّذي يكون معدما لموضوع الالتزام لا نعلم عدم المانع الّذي يكون شرط جريان الأصل فيتوقف جريان الأصل على جريان الأصل وهو دور واضح.

وقيل في الجواب عنده (قده) هو ان في الحكومة يلزم ان يكون أحد الدليلين تعليقيا والآخر تنجيزيا واما إذا كان الحكمان تنجيزيين فلا وجه له وهنا حيث يكون حكم العقل بالالتزام معلقا على وجود الحكم فان كان حكم فيجب الالتزام به ودليل الأصل غير معلق بشيء ولذا يرفع موضوع المعلق بدلالته على عدم الحكم الّذي يكون من شروط وجوب الالتزام.

ثم هنا وجه آخر لعدم وجوب الالتزام عن المحقق الخراسانيّ (قده) على تقدير وجوب الالتزام تخييرا ولعل وجهه ان الأصل مقتضاه هو الترخيص في مقام

٨٣

العمل ومعه لا إلزام بالنسبة إلى كل واحد عملا فلا وجه للالتزام وحيث انه فرض وجوبه فلا يجري الأصل فالالتزام بكل واحد تخييرا مع عدم الالتزام عملا بخلاف ما إذا كان الواجب هو الالتزام بما هو الواقع في البين.

وان الالتزام القلبي على طريق الجد لا يتصور بالنسبة إلى خصوص كل واحد ولا يتمشى من المكلف لأنه تابع للعلم وعلم بأحدهما بالخصوص فلا التزام كذلك فالالتزام لا بد أن يكون تعبديا بنائيا برجاء إصابة الواقع ومن الواضح جدا ان هذا النحو من الالتزام بالنسبة إلى خصوص كل واحد من الطرفين لا يصادم الترخيص العملي فلا يمنع الالتزام الكذائي من جريان الأصل.

ولكني أقول كما ان الالتزام بمفاد الحكم لازم كذلك الالتزام بمفاد الأصل أيضا لازم على فرض كون الالتزام بالحكم تنجيزيا أيضا فكما انه يجب الالتزام بالحكم في البين كذلك يجب الالتزام بعدمه من باب أصل البراءة وقد مر ان الالتزام بمفاد الأصل وهو الوظيفة المقررة للشاك أيضا لازم لو قلنا بوجوبه في غيره ومع ذلك كله لا معارضة ولا مزاحمة لا مع الأصل ولا مع الالتزام به اما عدم المعارضة مع الأصل فلان مفاده التعبد بعدم الحكم ظاهرا فنتعبد به ونتعبد في هذا الظرف أيضا بما هو في الواقع حكم ونقول لو كان في الواقع واجبا أو حراما أو هذا واجبا أو ذاك نلتزم به ونلتزم أيضا بعدم الحكم في الظاهر واما عدم منافاته مع الالتزام به فلأنه نلتزم بمفاد الأصل ونلتزم أيضا بما هو الواقع حكم الواقعة ولذا يمكن في بعض الموارد الإتيان بالعمل برجاء الوجوب.

فان قلت الالتزام بالحكم الواقعي والظاهري كليهما متعارض فانه لا يمكن الالتزام بوجوب صلاة الجمعة في الواقع والالتزام بعدم وجوبه أيضا في الظاهر. لأنا نقول التعبد يكون بعدم الحكم في الظاهر والالتزام يكون بما هو المحتمل في الواقع.

فتحصل انه لا مانع من جريان الأصل في موارد المتعارضين من باب وجوب الالتزام.

٨٤

ولا يخفى انه يكون عندهم ثمرة بين جريان الأصلين والتساقط بالتعارض لمنافاته للمعلوم بالإجمال وبين عدم جريانه من الأول والبحث عنها موكول إلى باب التعارض ومن هنا ظهر فائدة البحث في وجوب الالتزام وعدمه.

اما الثمرة الأولى فهي انه يكون نتيجته هي وجوب الالتزام وعدمه وهو حكم فقهي والثمرة الثانية هي ان القول به لا يلزمه ان يكون مانعا من جريان الأصل في موارد المتعارضين لو لم يكن مانع آخر من جريانه عندنا واما عند القائل بلزوم الدور فيكون مانعا من جريان الأصل.

في حجية القطع مطلقا من أي سبب

الأمر السادس في انه لا ريب في ان القطع حجة مطلقا حيث كان سواء حصل من الأسباب العادية أولا وسواء حصل من شخص عادي أو ممن لا يكون عاديا مثل القطاع وقد نسب إلى الأخباريين إنكار ذلك ولكن عند التحقيق يظهر انه ليس المراد ان القطع ليس بحجة.

ثم ان القطع اما طريقي أو موضوعي كما مر ونبحث عن حكم كل واحد منهما في المقام وعن حكم سبب القطع والقطاع. اما القطع الطريقي فحجة وحجيته ذاتية كما مر لا تنالها يد الجعل لأنه يرجع إلى التناقض أو الدور والتسلسل ضرورة ان الشارع لو قال أيها القاطع بحرمة الخمر يحل لك شربه يكون تناقضا حيث انه لو كان حراما فكيف يكون حلالا أيضا فهل هذا إلّا التناقض ولو كانت بجعل الجاعل يلزم ان ننقل الكلام فيما دلّ على حجيته فاما ان يكون بالقطع وحجيته ذاتية أو يحتاج إلى جعل جاعل وهكذا يتسلسل ولو كان متوقفا على سابقه فيدور فليس لأحد ان يقول بأن القطع يكون السبب الخاصّ فيه دخيلا.

والحاصل لا يكون الحكم بوجوب المتابعة تعليقيا بمعنى ان يكون لشخص خاص أو سبب خاص دخل بل تنجيزيا واما القطع الجزء الموضوعي فسيجيء انه يمكن ان يكون القطع الخاصّ دخيلا في الموضوع.

٨٥

ثم لا يخفى عليكم ان هنا امرين : الأول : ان القطع الّذي نقول لا تناله يد الجعل إثباتا ونفيا يكون من جهة إثبات الحكم واما في مقام الفراغ فيمكن ان يتصرف الشارع فيه مثل مورد قاعدة الفراغ فانه يمكن ان يكون اجزاء الصلاة مثلا أربعة واقعا وقطع به القاطع ولكن في مقام العمل نسي إتيان جزء وأتى بثلاثة أجزاء ففي مقام الفراغ يقول المولى قطعك بأن الصلاة أربعة أجزاء ما كان لي سبيل إليه والآن أيضا كذلك ولكن لي أن أقبل في مقام الفراغ الثلاثة مقام الأربعة ففي مقام الجعل يكون الاجزاء أربعة حتى الآن وفي مقام الفراغ يقول تمت صلاته.

والثاني انه يمكن ان يتصرف الشارع في أسباب القطع فيقول إذا حصل لك القطع من المقدمات الكذائية يجب عليك العمل على طبقه مثل ان يقال للذي يجتهد في الأحكام ان كان اجتهادك من المقدمات القوية مثل الشيخ الأنصاري (قده) لشدة ممارسته في الأصول فلك العمل على طبق الاجتهاد واما ان لم تكن المقدمات قوية فلا متابعة لهذا القطع ففي المثال ان فرّق شخص بين الأقل والأكثر والمتباينين والدوران بين التعيين والتخيير بحيث لا يرجع إلى المتباينين يكون مجتهدا واما من لم يفرّق ففيه التأمل وهكذا فيما إذا كان العلم جزء الموضوع كما يقال مثلا إذا قطعت بالجهر يجب عليك الجهر وإذا قطعت بالقصر يجب عليك القصر فان العلم هنا يكون دخيلا في المصلحة على ما قيل ولا يكون هنا التصرف في القطع أيضا بل يكون التصرف في المقطوع فان الجهر والإخفات والقصر والإتمام في غير صورة القطع لا يكون حكم الشارع وفي صورة القطع يكون حكمه واما نفس القطع فانه حجة من غير تصرف من الشارع هذا كله في القطع الطريقي.

واما القطع الجزء الموضوعي فقد قال جمع من الاعلام كما في الكفاية وعن الشيخ (قده) فيمكن ان يتصرف الشارع فيه بالتوسعة والتضييق فله ان يقول إذا قطعت بخمرية شيء وكان هذا من جهة عادية دون ما كان من مثل القطاع فهو حرام واما إذا قطعت بطريق غير عادي فلا اعتبار به وهكذا الشك فان له ان يقول إذا شككت فابن علي الأكثر ثم يقول بأن كثير الشك لا اعتبار بشكه هكذا قيل.

٨٦

ولكن لنا ان نقول تارة يكون جزء الموضوع بنحو يكون العناية إلى جهة خاصة في حصول المصلحة وهو كما ذكر قابل للتصرف واما إذا قال بنحو عام إذا قطعت بشيء من الطرق التي ينبغي حصول القطع منها فاتبعه فلا يمكن التصرف في القطع الحاصل لأن القاطع لا يرى مقدماته مما لا ينبغي الوصول إلى ذيها ولو كانت في الواقع مما لا ينبغي فله العمل على قطعه ولا يمكن ردعه إلّا بحيث ينقدح في نفسه فساد المقدمات ليزول قطعه وهذا القسم من القطع ليس في الواقع من الموضوعي كما مر في الأمرين السابقين مثل الاجتهاد بالطرق المتعارفة من المقدمات القوية.

ثم ان الأخباريين حيث منعوا من القطع الحاصل من المقدمات العقلية ولا يمكن قبول هذا منهم من باب كون الحجية ذاتية في القطع فوجّهوا كلامهم بتوجيهات لا تتم. الأول ان يكون مرادهم بالقطع هو الموضوعي وصريح كلماتهم يدفعه لأنهم يقولون بان كل ما لا يكون بالسماع من الصادقين عليهما‌السلام لا يكون حجة. والثاني ان يكون مرادهم ان المقدمات العقلية حيث لا يوجب القطع لا يكون متبعا ففي الواقع أنهم يقولون لا يحصل القطع لا انه لا يتبع وهذا أيضا غير وجيه لأن كلامهم في ان المدار يكون على السماع عن المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

والثالث. ان يقال حكم العقل لا يكون بالنسبة إلى حجية القطع تنجيزيا بل يكون تعليقيا بعدم ردع الشرع عنه فحيث يكون مخالفة عنه لا يتبع وهو أيضا ممنوع لأن حكم العقل بذلك تنجيزي لا تعليقي والأولى بشأن الأخباريين ان يقال مرادهم هو ان المقدمات العقلية حيث لا توجب غالبا القطع لا تكون متبعة.

الأمر السابع : في القطع الإجمالي المعبر عنه بالعلم الإجمالي

في انه هل يكون القطع الإجمالي مثل القطع التفصيلي في استقلال العقل بوجوب المتابعة أم لا؟ خلاف بين الاعلام. والبحث تارة يكون في الجعل وتارة في الفراغ فانه ان كان البحث عن ان العلم كذلك هل يوجب إثبات التكليف وهل يكون منجزا كالعلم التفصيلي يكون البحث عن الجعل وان كان البحث في أنه بعد

٨٧

إثبات الحكم بالدليل فهل يكون الامتثال الإجمالي كافيا يكون البحث في الفراغ ويكون البحث كذلك موكولا إلى باب الاشتغال والبحث هنا عنه استطرادي ولنقدم البحث عن الأول.

ونقول يكون البحث عنه في مقامات : الأول في أنه هل يكون للعلم اقتضاء للتنجيز أصلا أم لا؟ الثاني بعد ثبوت الاقتضاء في انه هل يكون بنحو العلية التامة أو يكون مقتضيا؟ والثالث في أنه بعد إثبات كونه علة تامة هل يكون العلية كذلك بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية أو بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية بحيث يكون الاجتناب عن جميع أطراف محتمل الحرمة لازما.

اما المقام الأول فالحق فيه هو ان للعلم الإجمالي اقتضاء للتنجيز ولا يكون مثل الظن بحيث يحتاج في إثبات الحجية له إلى جعل جاعل كما نسب إلى القمي (قده) هذا المذهب. والدليل على ما ذكرنا هو ان العلم الإجمالي كالتفصيلي فعليّ من جميع الجهات بحيث يكون العلم دخيلا في التنجز لا الفعلية وحينئذ حيث لا يكون فرق بينهما من هذه الجهة لا وجه لاختصاص الحجية بأحدهما دون الآخر نعم يكون الفارق هو احتفاف منطبق هذا العلم بالشك بخلاف التفصيلي ومرجع عدم الاقتضاء هو الترخيص فيما علم انه معصية للتكليف المسلم في البين والعقل مستقل بقبح الترخيص فيما علم من التكليف فانه مع العلم بأن الخمر اما هذا أو ذاك فالامر بالاجتناب في البين مسلم ولا شبهة فيه والقول بأنه يمكن ارتكاب كليهما قول بارتكاب المعصية.

فان قلت : ما ذكرت صحيح إذا كان الارتكاب دفعة واحدة بان يشرب الكأسين آناً واحدا فانه يعلم انه يعصى في هذا الحال للتكليف واما إذا ارتكب تدريجا فعند ارتكاب الأول لا يكون له العلم بالتكليف بالنسبة إليه وعند ارتكاب الثاني يحتمل ان يكون التكليف في الواقع متوجها إلى الأول بكونه خمرا في الواقع فيرتكبه أيضا ولا يعلم بالمعصية نعم بعد ارتكابهما يعلم بوجود شرب الخمر وحينئذ لا تكليف له.

وبعبارة أخرى في الشبهة المحصورة يقولون بأنه إذا خرج أحد الأطراف عن

٨٨

الابتلاء مثل ما إذا علمت اما بنجاسة ثوبك أو ثوب من مكان في الديار البعيدة عنك لا يجب الاجتناب ففي المقام حيث خرج أحد الأطراف بواسطة ارتكابه عن محل الابتلاء لعدم الموضوع حتى يتوجه إليه الحكم فبالنسبة إلى الآخر تصير كالشبهة البدوية التي يكون الأصل فيها البراءة اتفاقا.

قلت مضافا إلى أن المقام لا يكون من موارد الخروج عن محل الابتلاء حيث لا يكون معناه هو الخروج بأي نحو كان ولو بارتكاب بعض الأطراف بل يكون معناه هو كون التكليف بالنسبة إليه مستهجنا كما مثلناه واما إذا كان التكليف عقلائيا ولو لم يحتج إلى ارتكاب الجميع كالإزار في الحمام فانه إذا احتمل ان يكون النجس هذا أو ذاك يجب عليه الاجتناب لحسن التكليف بالاجتناب ولو لم يكن هذا الشخص مبتلى بجميعه بل ببعضه أن العقل مستقل بعدم جواز الترخيص في محتمل المعصية مع وجود التكليف الفعلي في البين والوجدان أقوى شاهد على ما ذكرناه.

فان قلت ثانيا بأن منشأ حكم العقل بوجوب المتابعة هو انه على فرض عدمها يكون خروجا عن رسم العبودية وهذا في صورة كون التكليف مسلما يصح واما إذا لم يكن كذلك كما في المقام فلا يكون خروجا عن رسمها فان في كل طرف من الأطراف حيث يشك في وجود التكليف تجري البراءة.

قلت هذا في الشبهات البدوية اما المعلوم بالعلم الإجمالي القابل للتطبيق على هذا أو ذاك فلا يكون مما يجري الأصل بالنسبة إليه وبهذا يفارق الشبهات البدوية فتحصل انه لا شبهة في ان العلم الإجمالي يكون له نحو اقتضاء للتنجيز.

واما المقام الثاني وهو البحث عن كونه مقتضيا أو علة تامة فنقول لا شبهة أيضا على التحقيق في أنه يكون علة تامة بالنسبة إلى الامتثال ويكون حكمه تنجيزيا ولا ينوط بعدم جريان الأصل في مورده ولكن ربما يقال بأن حكمه تعليقي بتقريب ان مرتبة الحكم الظاهري منحفظة مع جريان الأصل بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين فان عمدة الإشكال هي ان يكون جريان الأصل مناقضا للعلم وحيث ان العلم يكون بالواقع وهو منحفظ والأصل يكون جاريا في الأطراف فلا مناقضة

٨٩

فالحكم الظاهري البراءة والواقع يكون في عالمه منحفظا كما في الشبهات البدوية والموضوعية فان الأصل الذي يجري حيث انه يكون في مرتبة الظاهر لا ينافى ان يكون حكم الواقعة في الواقع شيئا آخر فإذا جرى الأصل في مورد لا يكون العلم منجزا للتكليف نعم ان كان في مورد المانع من جريانه فالعلم يؤثر أثره.

والجواب عنه هو ان الإشكال لا يكون في المضادة حتى ترفع بواسطة المرتبة الظاهرية والواقعية إذ مرتبة انحفاظ الحكم الظاهري يكون الجهل بالحكم في كل واحد من الأطراف وحيث يكون العلم الإجمالي منجزا بحكم العقل والوجدان يمنع عن جريان المرخص بالنسبة إلى الأطراف وعدم الفرق في نظره بين العلم الإجمالي والتفصيلي فان ارتكاب أحد الأطراف عنده يكون معصية احتمالية وارتكاب كليهما يكون معصية محققة وهذا الارتكاز هو المانع عن جريان الأصل لا التضاد.

وبعبارة أخرى في الشبهات البدوية الجهل بالواقع والكلام في انه كيف يجري الأصل حتى لا يضاد الواقع وفي المقام حيث يكون الحكم الواقعي معلوما في البيان لا يكون الإشكال من ناحية التضاد بين الحكم الظاهري والواقعي فان ما ذكروه يكون من الأكل من القفا لعدم التوجه إلى ما هو المانع من جريان الأصل هنا ، نعم لو لم يكن العلم موجبا لتنجيز التكليف من جميع الجهات يمكن هذا القول ولكن قد مرّ في المقام الأول انه منجز للتكليف.

وتوهم ان إطلاق أدلة الأصول يشمل المقام فان قوله عليه‌السلام كل شيء حلال حتى تعرف انه حرام بعينه يشمل المقام أيضا فمن هذا الإطلاق يستكشف ان العلم يكون مقتضيا لا علة تامة مندفع لأن أدلة الأصول لا يكون موردها منحصرا بالمقام حتى نحكم بدلالة الاقتضاء بذلك بل لها مورد آخر وهو الشبهات البدوية التي لا يكون فيها العلم الإجمالي وبهذا يظهر ان العلم الإجمالي يضاده جريان الأصل ولو أصلحنا مرتبة الحكم الظاهري والواقعي في غير هذا المورد ولا يكفى الشك التفصيلي في كل واحد من الأطراف.

٩٠

في كون العلم الإجمالي علة تامة في المقام الثالث

وهو انه على فرض كونه علة تامة هل تكون هذه العلية بالنسبة إلى الموافقة القطعية أعني يجب الامتثال بالاجتناب عن جميع الأطراف إذا كان العلم بالحرمة مثلا أو تكون العلية بالنسبة إلى ترك المخالفة القطعية بمعنى انه إذا اجتنب عن بعض الأطراف حيث لا تحصل المخالفة القطعية ويبقى بعضها الآخر لمكان العلم يكفى والحق هنا أيضا انه علة تامة بالنسبة إلى الأول ولكن الثاني يظهر من جمع من الاعلام منهم الشيخ النائيني قده ويستدل له بأن جريان الأصول ممنوع حيث يكون مناقضا للعلم الإجمالي وهو إذا كان الاجتناب عن بعض الأطراف مندفع بخلاف ما إذا ارتكب جميعها فانه لا يبقى للعلم أثر أصلا واما عند الاجتناب عن بعضها للعلم فترفع المضادة والشاهد على هذا هو أنه في مقام الامتثال يكتفى بالامتثال الاحتمالي كما مر في موارد قاعدة الفراغ في صورة كون العلم تفصيليا فانه مع العلم بأن الصلاة مثلا أربعة اجزاء يكتفى بالثلاثة فما ظنك بالعلم الإجمالي فان الامتثال الاحتمالي بالنسبة إليه يكفى بالأولوية.

والجواب عنه ان هذا الاستدلال مختل النظام خصوصا من جهة الذيل وشيخنا الأستاذ قده أجل من ذلك فان الصدر يستفاد منه ان العلم لا يكون علة تامة بالنسبة إلى الموافقة القطعية من باب رفع المضادة بين جريان الأصل في بعض الأطراف ولكن في الذيل يتمسك بالأصول في مقام الفراغ فكأنه قده سلم ان العلم يكون علة تامة ولكن في مقام الفراغ يجري الأصول الفراغية ولا يخفى على المتأمل ان الأصول الفراغية تكون مؤكدة للعلم لا مناقضة فان معناها ان الواقع وان كان كذلك ولا محيص عنه ولكن اكتفى في مقام الفراغ بما أتى به لمصلحة من المصالح وكيف كان فالحق ما تقدم من ان العقل حاكم بالوجدان بأنه يلزم الخروج عن عهدة التكليف في البين ولا يكفى الامتثال الاحتمالي.

ان قلت كما أنه يكون من المسلم بأن التكليف إذا كان على الطبيعي الّذي يكون

٩١

متساوي الإقدام بالنسبة إلى الافراد على الجامع ويكون التخيير عقليا أو شرعيا في مقام الامتثال كذلك المقام يكون التكليف بالجامع.

بيانه انه إذا كان الأمر بالصلاة يكون الطبيعي تحت الأمر ولا تكون الخصوصيات من كونها على المنارة أو في المسجد أو في الحمام تحت الأمر فالعقل يرى التخيير في الامتثال بإتيان أحد الافراد القابل لتطبيق الطبيعي عليه وكذلك إذا كان الأمر بخصال الكفارات فان الشرع خيّر المكلف في الإتيان بالجامع بأحد الافراد ففي مقام الامتثال يسقط التكليف بإتيان بعض الافراد والمخالفة تتحقق بترك جميع الافراد.

ففي المقام يكون النجس المردد بين الكأسين هو واجب الاجتناب ويكون هو الجامع فبترك بعض الافراد قد صار الجامع ممتثلا وهذا معنى كون العلم الإجمالي علة تامة بالنسبة إلى ترك المخالفة القطعية ولا يجب الاحتراز عنهما كما لا يجب إتيان جميع خصال الكفارات ولا جميع الافراد المحتملة من الصلاة.

قلت انه فرق واضح بين المقامين وهو ان التكليف في خصال الكفارات يكون على الجامع الغير المنطبق على الافراد وكذلك في الصلاة ويكون التطبيق بيد المكلف وله ان يطبق على أي فرد شاء ويسقط التكليف به واما في المقام فيكون التطبيق على الواقع بيد الآمر ويكون الحكم على الواقع المنطبق بحيث لو كشف الغطاء لكان التكليف معينا في أحدهما ولكن حيث اشتبه الأمر لا ندري أنه على أيهما انطبق في الواقع فيجب الاجتناب عنهما ليحصل العلم بتحصيل الواقع الذي يكون الحكم منطبقا عليه واقعا ولا يكون باختيار المكلف حتى يطبقه على بعض الافراد ويكتفى به فان امتثال البعض هنا لا يقتضى امتثال الجامع يقينا هذا بالنسبة إلى مقام الجعل.

واما الترخيص في مقام الفراغ فهو امر مسلم في بعض الموارد ولكن لا يدل على ان العلم الإجمالي يكون مقتضيا حيث يجري في العلم التفصيلي مع أنه علة تامة بلا إشكال.

٩٢

ولتوضيح المقام نقول ان للعلم حسب نظر العقل جهتين : إحداهما. جهة رؤيته اشتغال الذّمّة بما هو المعلوم وثانيتهما. جهة الفراغ عنه ففي الجهة الأولى يحكم باشتغال الذّمّة بالمعلوم بالإجمال المنطبق بدون حالة منتظرة لعدم إمكان الترخيص المخالف لذلك واما الجهة الثانية فللشرع في مقام المولوية ان يوسع في الامتثال من حيث الفراغ واكتفى بالامتثال الاحتمالي وهذا غير مربوط بمقام الجعل.

فان قلت كلما نتفكر نرى ان وجه اكتفاء الشرع بالامتثال الاحتمالي هو احتمال مصادفة ما مع الواقع فأيّ فرق بين المقامين من الجعل والامتثال مع انهما متماثلان في هذا الاحتمال فان الواقع إذا كان فعليا من جميع الجهات فلا وجه لرفع اليد عنه في المقامين وان لم يكن فعليا من جميع الجهات فلا وجه لإتمام الشارع في مقام الامتثال ورفع اليد عنه فانه مرفوع من الأول.

قلت فرق واضح بينهما وهو ان جهة الفعلية لا تكون محل البحث في المقامين ولكن التصرف في حكم العقل بالتكليف ممنوع حيث انه يكون كاشفا عن الواقع ولا يكون كشفه بالجعل حتى يكون رفعه أيضا بالجعل فانه لا تناله يد الجعل إثباتا ونفيا واما التصرف من الشرع في مقام الامتثال فحيث يكون في مصداق حكم العقل لا في حكمه يمكن ان يتصور فان معناه هو ان ما أدّى إليه العلم هو الحكم ولا محيص عنه ولكن يكتفى بالمصداق ولو لم يكن موافقا له من جميع الجهات.

فان قلت يمكن إرجاع التصرف في مقام الجعل في جميع المقامات إلى التصرف في مقام الامتثال بيان ذلك ان المانع عن جريان الأصول هو المناقصة بين الصدر والذيل مثل قوله لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر فان العلم الإجمالي أيضا يقين فلو جرى الأصل في الأطراف يلزم منه عدم العناية إلى ذيل دليل الأصل فيمكن ان يقال ان الأصل في الأطراف يجري ويكون لازمه جعل البدل للواقع والتخيير في مقام العمل بعدم جريان بعضها ومعناه التخيير في الأخذ بإطلاق دليل أحدهما دون الآخر من باب الأبدية كما انه إذا قامت الأمارة على تعيين بعض الأطراف بجعله بدلا عن الواقع كالبينة على أن النجس مثلا هو هذا الكأس الأبيض

٩٣

لا الأحمر ويمكن ان يكون مراد الخراسانيّ قده مع علو شأنه بالاقتضاء هو هذا البيان قلت لا يمكن هذا الا على وجه الدور المحال إذ جريان الأصول متوقف على جعل البدل وجعله يكون متوقفا على جريان الأصول ضرورة انه ما لم يجر الأصل لا يعرف البدلية ولا يعرف البدلية الا من جريانه والمفروض انه لم يكن لنا دليل من الخارج على البدلية.

فان قلت لا ثمرة للنزاع في كون العلم علة تامة لوجوب الموافقة القطعية وعدمها إذ كون العلم علة تامة نتيجته عدم جريان الأصول وعلى الاقتضاء يجري الأصل فيسقط المعارضة إذ لا مجال للتخيير حيث أن المسلك في باب الأمارات هو الطريقية لا السببية ولا مجال له على الثاني فأين الفائدة.

قلت لا مانع من التخيير في الظاهر كما ينبه عليه الشيخ (قده) وأيضا ربما يمكن ان يكون لبعض الأطراف مانع من جريان الأصل فيجري بالنسبة إلى الطرف الآخر كما لو كان أحد طرفي الأصل مسبوقا بالطهارة والآخر غير مسبوق بها في صورة احتمال نجاسة الكأسين فيعارض استصحاب الطهارة مع قاعدتها فيسقطان ثم يرجع إلى قاعدة الطهارة في طرف آخر ولو كان العلم علة تامة لا يجري الأصل أصلا. فتحصل أنه لا إشكال في كون العلم الإجمالي علة تامة مطلقا ويثبت التكليف به هذا هو المقام الأول.

واما المقام الثاني فهو الكلام في الامتثال الإجمالي بعد الفراغ عن ثبوت التكليف بأي طريق كان. والكلام فيه أيضا يكون في جهتين : الأولى : في كفايته بالنظر إلى اعتبار قصد الوجه في العبادات. والثانية : بالنسبة إلى ان المناط في الامتثالات هو نظر العقل أو العرف مع قطع النّظر عن اعتبار قصد الوجه ولا يخفى ان البحث كله يكون في العبادات واما المعاملات بالمعنى الأعم فلا شبهة في كفاية الامتثال الإجمالي بينهم كما انه يكفى غسل الثوبين اللذين يكون أحدهما نجسا ولو أمكن العلم بخصوص النجس. ولنقدم الجهة الثانية وهي الكلام بالنسبة إلى غير قصد الوجه.

٩٤

في أقسام الامتثال

فنتعرض هنا لكلام شيخنا النائيني (قده) فانه قال بأن الامتثالات على أقسام أربعة:

الأول الامتثال اليقينيّ بعد إحراز التكليف يقينا بالنسبة إلى المأمور به سواء كان بالقطع أو بالأمارات أو بالأصول. والثاني الامتثال الإجمالي بمعنى إتيان جميع المحتملات بحيث يحصل اليقين بإتيان ما هو الواجب في البين. والثالث الامتثال الظني. والرابع الامتثال الاحتمالي ولا شبهة في عدم كفاية القسمين الأخيرين في إسقاط التكليف كما انه لا شبهة في كفاية القسم الأول في إسقاطه وانما الكلام في الثاني.

ولا يخفى ان كيفية الامتثالات يكون بنظر العقل وفي بعض الموارد يقول انه يكون بنظر العرف ولكن للشرع ان يتصرف فيه بأن يرى ما يراه العرف امتثالا غير كاف كما في بعض الشرائط والاجزاء الخفية في الصلاة وبالعكس مثل موارد قاعدة الفراغ فان تارك السورة مثلا إذا التفت بعد الصلاة يتم صلاته والعرف لا يراه امتثالا لنقص بعض الاجزاء ثم بعد كون المناط هو نظر العرف في كيفية الامتثال في الامتثال الإجمالي يرجع الأمر إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير فانه لا نعلم أنه هل يتعين الامتثال التفصيلي أو يتخير بينه وبين الإجمالي والقاعدة في ذلك هي التعيين فيقدم التفصيل على الإجمال ولا يرى العرف الثاني امتثالا يقينا وعلى الشك يكون حكمه ما ذكر من اليقين ولا يكون من باب الأقل والأكثر فلا يكفى الإجمالي ولا مجرى للبراءة هذا حاصل كلامه رفع مقامه.

ويرد عليه أولا بأن العقل لا يكون مشرعا حتى يحكم بكفاية الامتثال وعدمها ويتبع حكمه ولو كان المناط على حكم العرف أيضا للشرع ان يتصرف فيه ومع الغمض عن هذا الشك في كيفية الامتثال أيضا يكون من الشك في شرط العبادة أو جزئها فلا ندري انه هل يعتبر ان يكون البعث اليقينيّ موجبا للانبعاث أو الاحتمالي أيضا في كل طرف يكفى فيرجع الأمر إلى الأقل والأكثر والأصل فيه البراءة.

٩٥

وثانيا لو كان المدار على التعيين والتخيير فلا نقول في جميع المقامات بالتعيين بل كل مورد يرجع الشك إلى زيادة التكليف يكون الأصل فيه البراءة والمقام كذلك فان التعيين لم يبين من الشرع فالأصل عدمه فتحصل انه مع كون الامتثال بنظر العرف لا يعتبر الامتثال التفصيلي.

واما على الجهة الثانية وهي اعتبار قصد الوجه فائضا لا يلزم ولا يتم صغرويا وكبرويا اما الصغرى فلعدم اعتبار قصد الوجه ولا يكون الأصل عدم اعتباره في المأمور به ولا يكون في الشرع عنه عين ولا أثر وإطلاق الخطاب أيضا يقتضى عدمه وهو على ثلاثة أنحاء الإطلاق المقامي والإطلاق السعي والإطلاق الذاتي.

ولا يخفى ان قصد الوجه الّذي يكون من شئون قصد الأمر في العبادات لا يمكن أخذه في لسان الدليل أي الخطاب بالمأمور به مثل أصل قصد الأمر لأنه ما لم يأمر لا يكون لنا مأمور به حتى يقال ائت بالصلاة مثلا بقصد الأمر فان الفرض هو حصول الأمر بنفس هذا الخطاب فيلزم منه تقدم الشيء على نفسه بالبيان المفصل الّذي يكون في باب التعبدي والتوصلي ولكن الطرق الثلاثة من الإطلاق يكفى ولو لم يمكن الإطلاق اللفظي.

اما بيان الأول فلان المولى حيث يكون في مقام بيان ما هو مطلوبه وان لم يمكن أخذ القيد في اللفظ مع كون هذا القيد من القيود المغفولة التي تحتاج إلى البيان ولكن يمكنه ان يبيّن قيده ببيان آخر وحيث لم يبيّن نفهم عدم دخله.

وبيان الثاني وهو عن شيخنا النائيني هو ان الأمر الواحد ينحلّ إلى الاجزاء الطولية وبعض افراده المنحلة يوجب الموضوع لبعضها الآخر وهذا غير عزيز فان الاخبار مع الواسطة أيضا يكون بهذا النحو فان تصديق العادل يجب حيث كان لخبره أثر شرعي وهو قول الإمام عليه‌السلام فإذا كان قول العادل مثل محمد بن مسلم هو قول زرارة ولا أثر شرعي لقول زرارة من حيث هو قوله ولكن حيث يكون مقول قوله قول الإمام عليه‌السلام فنتيجة أحد افراد صدق وهو تصديق محمد بن مسلم مثلا توجب وجود الموضوع لما له أثر ضرورة انه ما لم يصدق اللاحق لا يثبت قول السابق ففي

٩٦

المقام أيضا أحد افراد الأمر بالصلاة مثلا يوجب كونها مأمورا بها والفرد الآخر يصير باعثا لإتيانها بقصد الأمر ولكنه يحتاج إلى قرينة دالة على هذا وحيث لم يأت بها نفهم إطلاق الخطاب وعدم شرطية قصد الوجه.

واما بيان الثالث فهو انه حيث لم يمكن أخذ القيد ولا يمكن على الفرض انحلال الأمر إلى افراد طولية ولكن نفس اللفظ يكون بالنسبة إلى القيد والإطلاق عاريا فيكون قابلا للتطبيق على المطلق والمقيد والتعيين في المقيد يحتاج إلى دليل خارج وحيث لم يكن القيد دخيلا فلا يعتبر قصد الوجه أصلا ففي الشك في التعبدي والتوصلي الأصل هو التوصلية وقصد الوجه أيضا كذلك فيكفى إتيان المأمور به بداعي الأمر لا بداعي الأمر الشخصي هذا منع الصغرى واما منع الكبرى وهو على فرض دخل قصد الوجه أيضا يمكن الامتثال الإجمالي فسيجيء بعيد هذا.

ولا بأس هنا بالإشارة إلى وجه آخر لتقريب الاشتغال في صورة الشك في كون قصد الوجه دخيلا أم لا بعد عدم تمامية الأخذ بالإطلاق وهو انه حيث يكون من دوران الأمر بين الأقل والأكثر فاللازم القول بالاشتغال لأن ما هو وظيفة المولى من بيان أصل العمل قد تم فان الصلاة لها اجزاء وشرائط وقد بينه الشارع وكيفية الامتثال ومنها قصد الوجه لا يكون بيانها بعهدته فان العبد بعد العلم بالاشتغال اليقين يجب عليه الفراغ اليقينيّ ويعاقب على ترك الصلاة من ناحية هذا الجزء فانه لا فرق بين ترك الصلاة رأسا أو ترك بعضها شرطا كان أو جزء فان المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه أو شرائطه ففي المقام إتيان العمل بدون قصد الوجه يوجب عدم العمل بما هو الوظيفة لو كان في الواقع دخيلا ولو أتينا به نعلم بالفراغ يقينا فيلزم قصده.

وفيه ان هذا يكون تقريبا من القائلين بالاشتغال في جميع موارد الأقل والأكثر ومنه المقام وحيث أثبتنا في محله أن الأصل البراءة فيه ففي المقام أيضا نقول بها وحاصل الرد هو أن العمل كما يحتاج نفسه إلى البيان من المولى يحتاج كيفية امتثاله أيضا إلى بيانه وحيث نشك في الكيفية من ناحية قصد الوجه أو التميز فالأصل يقتضى البراءة عن الزائد ونحن في مقام العبودية يلزم ان نلاحظ ما أمرنا المولى

٩٧

به ولا يجب علينا حفظ الأغراض الواقعية للمولى ولنا ان نحتج عليه بعدم البيان في امتثال هذا الشرائط والاجزاء وبعبارة أخرى للصلاة مثلا تركان ترك من ناحية بقية الاجزاء المبينة وهو معاقب عليه لتمامية البيان وترك من ناحية الجزء الذي لم يبين وهو غير معاقب عليه فلو كان في الواقع قصد الوجه دخيلا ولم تقع الصلاة ما كان للمولى حجة علينا فلا يتم هذا التقريب للاشتغال أيضا.

وهنا وجه آخر من باب دوران الأمر بين التعيين والتخيير وهو ان العمل الذي كلفنا به يدور امره بين أن يكون مع قصد الوجه فيوجب براءة الذّمّة تعيينا وبدونه نشك فيها وحيث تكون القاعدة في ذلك الاشتغال فيجب الأخذ بالتعيين فهنا يلزم القول بالاشتغال.

وفيه قد تقدم وجه لتقريب عدم الاشتغال فيما سبق وهنا نقول بوجه آخر وهو ان ضابط التعيين والتخيير غير ضابط الأقل والأكثر فان المصلحة في الأول تكون متعددة قائمة باعمال متعددة مثل الكفارة بالإطعام أو بالصيام أو بالعتق فإذا كان الأمر دائرا بين هذا معينا أو مع الآخر تخييرا لا يكون الإلزام واحدا ولا يكون له زيادة ونقيصة بل إلزام واحد اما متعلق بهذا أو ذاك فلا يجري البراءة بالنسبة إلى الزائد واما في باب الأقل والأكثر فتكون المصلحة واحدة مثل الصلاة مثلا فان لها مصلحة واحدة صلاتية ويكون لأجزائها وشرائطها قلة وكثرة فإذا شك في الزائد يمكن نفيه بالأصل والشك في قصد الوجه يكون من قبيل الثاني دون الأول فالأصل يقتضى عدم اعتباره وامام مع تسليم الصغرى فلنا كما مر منع الكبرى وهو أن قصد الوجه منحفظ مع الامتثال الإجمالي على مسلك التحقيق وهو ان الداعي في الإتيان بالأطراف لا يكون احتمال الأمر بل الأمر الوجوبيّ في البين ولكن يكون الاحتمال في التطبيق فمن يكرر الصلاة يكون في كل فرد من افرادها داعيه هو الأمر الوجوبيّ وما توهم احتمال الأمر المنافي لقصد الوجه لا يكون له وجه وكذلك قصد التميز بمعنى تعيين العبادة مثل كون الصلاة ظهرا فتكراره لا يضر بهذا الوجه.

وللخراساني قده أيضا هنا تقريب لعدم مضرية الامتثال الإجمالي بقصد الوجه

٩٨

وهو ان الجزء الذي يكون في الأكثر عند إتيانه اما ان يكون من الاجزاء التي لا تضر بالأقل فلا إشكال في ان إتيان الأكثر لا ينافى قصد الوجه بالنسبة إلى الأقل فيأتي بالأقل بقصد الوجوب ويأتي بالجزء الزائد رجاء فان كان دخيلا فقد أتى به وإلّا فلم يأت بشيء مخل بالأقل واما إذا كان الجزء مما يحصل به بطلان العبادة فلا كلام فيه أصلا.

والجواب عنه (قده) أولا ان الكلام لا يكون في الأقل والأكثر إذا لم يكن مستلزما للتكرار بل الكلام يكون فيما إذا استلزمه فانه لا يكون له أقل وأكثر والكلام في قصد الوجه في كل طرف من الأطراف من أوله إلى آخره.

وثانيا اما ان يكون الجزء نسبته مع الأصل بنحو اللابشرط فيكون ضميمته إليه كاتحاد الماء مع الماء ولا يكون له امتياز واما ان يكون الكل بالنسبة إليه بنحو بشرط لا فيكون مضرا بالعبادة فكيف قسم الاجزاء بين الأقل والأكثر. وثالثا الجزء (١) المضاف إلى الأقل لا يصير عين ذلك بل لو كان مستحبا يبقى على استحبابه.

هذا كله في صورة إمكان الامتثال التفصيلي واما إذا لم يكن فلا إشكال في تقديم الإجمالي على الامتثال الظني لأنه المصيب إلى الواقع لا الظن فيما إذا لم يقم دليل على اعتبار الظن الا على فرض عدم إمكان الامتثال الإجمالي واما لو قام دليل على اعتباره مطلقا فلا إشكال في كفاية الظني أيضا خصوصا على مسلك تتميم الكشف لأنه فرد من العلم تنزيلا بخلاف تنزيل المؤدى فان ترتيب أثر الواقع لا يكفى في

__________________

(١) : أقول ان الخراسانيّ (قده) أيضا قائل بالوجه الّذي ذكره الأستاذ في منع الكبرى ويكون تنظيره بالأقل والأكثر لتوضيح الشقوق في المقام وكان يلتفت إلى صورة الاحتياج إلى التكرار وذكر حكمه في الكفاية وكان مراده من الجزء المحتمل دخله هو صورة كون العبادة لا بشرط بالنسبة إليه ولعل مراده ما هو مراد الأستاذ مد ظله وكل موارد البحث في الأقل والأكثر يكون كذلك.

واما اشكاله الأخير عليه فهو أيضا غير واضح فانه ليس في كلامه هنا ما يفهم منه أن حده الاستحبابي يندك أو لا يندك فارجع إلى الكفاية وكيف كان فلا يكون عليه (قده) كثير إشكال.

٩٩

ذلك (١) وكذلك إذا لم يتمكن من الامتثال الإجمالي يمكن ان يعمل بالظن الانسدادي وهكذا يمكن الامتثال الإجمالي ويكفى في صورة وجود الظن الانسدادي وهنا أيضا قال الخراسانيّ (قده) بأن الظن الانسدادي يعتبر إحدى مقدماته عدم لزوم الاحتياط أو بطلان ذلك من باب لزوم الاختلال بالنظام فان كان المختار هو الشق الأول أي عدم لزوم الاحتياط فيمكن الامتثال الإجمالي واختيار الاحتياط لأن المفروض انه لا يكون ممنوعا واما إذا كان المختار هو الشق الثاني أي بطلان الاحتياط من مقدماته فهنا حيث يكون ممنوعا لا يكفى الامتثال الإجمالي في مقابل الظن الانسدادي بل يجب العمل على طبق الظن كذلك بعد عدم الطريق إلى الامتثال التفصيلي وعليه يمكن الحكم ببطلان عبادة تاركي طريقي الاجتهاد والتقليد أي المحتاط فيجب اما الفحص والاجتهاد أو التقليد لأن المفروض بطلان العمل كذلك.

وفيه ان هذا أيضا من العجب فان المطلب له شق ثالث وهو احتمال بطلان العمل بواسطة اعتبار قصد الوجه فالاحتياط لا يمكن على فرض كون مقدمة الانسداد هي عدم لزومه من باب اعتبار قصد الوجه فيجب ان يقول ان الظن الانسدادي هو المتعين في المقام سواء كان مقدمته عدم لزوم الاحتياط أو بطلانه ولا وجه للتفصيل وهذا تمام الكلام في مبحث القطع.

البحث الثاني في الظن

اعلم ان البحث تارة يكون في إمكان التعبد بالظن بعد عدم كون حجيته ذاتية وعدمه والإمكان يطلق في الفلسفة والكلام في معان عديدة ربما تبلغ سبعة وهنا نبحث عن قسميه الوقوعي والذاتي اما الذاتي فهو الذي يكون الماهية بالنسبة إلى الوجود والعدم متساوي الطرفين ولا يرجح أحدهما في نظر العقل فلا يكون فيه اقتضاء أحدهما واما الوقوعي فهو الإمكان الّذي يكون بعد الفراغ عن الإمكان الذاتي للماهية

__________________

(١) : أقول على فرض تنزيل المؤدى أيضا يكفى في كفاية الامتثال لو كان لسان الدليل نزل أثر الواقع عليه أي أثر الامتثال الواقعي.

١٠٠