مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

فلا يتسامح في موضوع الأصل هنا.

التقريب الثالث للاستصحاب هو استصحاب التكليف المنبسط على ساير الاجزاء بأن يقال ان التكليف يكون قبل التعذر منحلا ومنبسطا على تمام الاجزاء والتعذر صار سبب انقطاع التكليف عن البعض المتعذر وهذا لا يوجب سقوط التكليف عن البقية فحيث نشك في بقاء الارتباط وسقوط الوجوب عن بقية الاجزاء نستصحب الوجوب الشخصي على سائرها حيث لا دليل على ارتفاع الوجوب عنها.

وهذا الاستصحاب لا يكون فيه إشكال القسم الأول وهو كونه من الكلي القسم الثالث ولا إشكال القسم الثاني وهو التسامح عند العرف في الموضوع ليرد عليه ما مرّ من عدم تصرف للعرف في العباديات والمركبات الشرعية لأنه يكون من استصحاب الشخص لا الطبيعي ولا التسامحي هذا ما قيل.

ولكن التحقيق ان هذا التقريب وان لم يأت فيه التسامح السابق ولكن يكون فيه أيضا نوع تسامح غير ذاك التسامح وهو أن الوجوب قبل التعذر كان على بقية الاجزاء مع الاتصال بالجزء الآخر واما بعد التعذر فقد ضاق حد التكليف وهذا النحو من التعبير يحتاج إلى التسامع وإلّا فمن المحتمل دخل هذا الحد في الوجوب.

الخامس قاعدة الميسور

اعلم انه من القواعد التي يبحث عنها في المقام الثاني لإثبات وجوب البقية بتعذر البعض هي القاعدة المسماة عندهم بقاعدة الميسور.

والسند لها روايات ثلاث وهي واردة في غوالي اللئالي الأولى النبوي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم. والثانية العلوي بقوله عليه‌السلام الميسور لا يسقط بالمعسور. والثالثة العلوي أيضا بقوله عليه‌السلام ما لا يدرك كله لا يترك كله.

وسنده هذه الروايات وان كان ضعيفا للإرسال وللورود في الغوالي الّذي لم يثبت اعتباره ولكن تمسك الفقهاء بها في كل مقام من الفقه يكون موجبا لجبر

٦٢١

الضعف فان تمسكهم برواية يكون أقوى في الوثوق من قول أهل الرّجال من توثيق الراوي فلا وجه للبحث في السند بعد الوثوق من عمل المشهور عليها.

واما الدلالة فتقريب النبوي هو أن يقال ان المراد بالشيء هو الأعم من المركب الّذي يكون له اجزاء مثل الصلاة التي مركبة من التكبير والركوع والسجود والتسليم وساير الاجزاء ومن الطبيعي الّذي يكون له افراد مثل افراد الصلاة وافراد الحج فعليه نقول يكون مفاد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله انه إذا أمرتكم بشيء ولا يمكن لكم الإتيان بجميع اجزائه أو بجميع افراده الواجبة عليكم فأتوا من ذلك الشيء بقدر استطاعتكم ولا يترك العمل من رأس بواسطة تعذر البعض ففي المقام إذا تعذر بعض اجزاء المركب يجب الإتيان ببقية الاجزاء ولو كان مقتضى دليل الجزء هو الإطلاق وعدم وجوب البقية بواسطة التعذر وارتباطية الاجزاء والمراد بكلمة من هو التبعيض.

لا يقال كما قال المحقق الخراسانيّ والنائيني قدهما ان الشيء وان كان أعم من المركب والطبيعي ولكن في خصوص هذه الرواية حيث يكون التطبيق في افراد الطبيعي لا يشمل المركب واجزائه لأن البحث كان عن وجوب الحج والسائل كرّر السؤال مرتين أو ثلاثا بأنه هل يكون في كل سنة أو سنة واحدة فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تهديدا ويحك وما يؤمنك ان أقول نعم والله لو قلت نعم لوجب ولو وجب ما استطعتم إلى ان قال فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم.

ومن هذا يظهر أن الكلام كان في الطبيعي والافراد لا الكل والاجزاء والمراد بكلمة من اما البيان أو هي بمعنى الباء.

لأنا نقول انه لا ندري معنى خوف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فان أحكام الله تعالى لا يكون دائرا مدار الخوف فانه لو كان واجبا يجب ان يقول نعم ولو لم يكن واجبا يجب أن يقول لا في جواب السائل وهذا الّذي لا نفهمه كيف يكون شاهدا على أن المراد من الرواية هو الطبيعي مع الافراد فنحن نأخذ بالإطلاق ونقول يشمل الكل والاجزاء أيضا واما كلمة من فتكون لنحو انقطاع عما سبقها لا التبعيض (١) وهو يختلف

__________________

(١) بل يكون ما ذكره مد ظله معنى التبعيض بنحو أوسع فان التبعيض في ـ

٦٢٢

حسب اختلاف ما سبقها فان كان الطبيعي يكون الانقطاع في بعض افراده وان كان الكل يكون الانقطاع في بعض اجزائه ولا نحتاج إلى جعل من بمعنى الباء أو بيانية.

والمراد بكلمة ما هو المصدرية ولا يضر التطبيق في الطبيعي والفرد في المقام أيضا لأن خصوصية المورد لا تضر بإطلاق الكلام ويكون هذا التقريب موافقا للارتكاز أيضا بل الروايات الثلاثة موافقة له لأن الناس لا يتركون ما يكون في وسعهم بواسطة تعذر غيره.

واما تقريب قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله الميسور لا يسقط بالمعسور فأوضح من النبوي لأن التطبيق في هذه لا يكون على الفرد من الطبيعي حتى يشكل في المقام الشمول للمركب بل يكون ظاهرا في خصوص المركب واجزائه لأن توهم السقوط بتعذر بعض الاجزاء يكون بالنسبة إلى المركب وإلّا فالطبيعي لا معنى لسقوطه بتعذر بعض افراده إلّا أن يكون المطلوب بنحو العام المجموعي لا العام الاستغراقي ولذا نفى السقوط بقوله عليه‌السلام لا يسقط.

فدلالة هذا الحديث على عدم سقوط امر ساير الاجزاء بتعذر بعضها تامة.

لا يقال ان الظاهر من قوله عليه‌السلام لا يسقط هو أن البقية واجب الإتيان وعلى هذا فيجب أن يقال بتخصيص الحديث الشريف بالواجبات مع أنهم يقولون بشمول القاعدة للمستحبات أيضا.

لأنا نقول انه لا ملزم لنا للقول بأن ما هو غير الساقط يكون الحكم أو ما في العهدة حتى يلزم الاختصاص بالواجب بل المراد بالميسور هو الموضوع فيقال الميسور من الموضوع لا يسقط بواسطة المعسور منه ويترتب عليه الحكم بحسبه فان كان موضوعا للحكم الوجوبيّ فلا يسقط الوجوب وان كان موضوعا للحكم الاستحبابي فلا يسقط الاستحباب أيضا.

__________________

ـ كل شيء بحسبه ففي الطبيعي بعض افراده وفي المركب بعض اجزائه وهو معنى القطع عن ما سبقه فالتعبير لعدم كونه للتبعيض لعله مسامحة في البيان.

٦٢٣

وهذا يكون نظير ما ورد في الاستحباب بأنه لا تنقض اليقين بالشك فان اليقين منقوض في الواقع ولا يمكن النهي عن نقضه فيكون النهي عنه بمعنى ترتيب اثره عليه ففي المقام إذا قلنا الموضوع لا يسقط بتعذر بعض اجزائه مع حكم الوجدان بسقوطه كله لا بعضه فيكون معناه ترتيب حكمه عليه أيّما كان فهذا الإشكال أيضا غير وارد.

واما تقريب النبوي الأخرى بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لا يدرك كله لا يترك كله فهو أن الموضوع الّذي لا يمكن درك كله لتعذر بعض اجزائه لا يترك كله أي البعض الباقي لا يترك ويكون موافقا للغريزة واخبارا عن هذا الأمر الغريزي وعدم سقوط الموضوع يكون لعدم سقوط حكمه واجبا كان أو استحبابا كما مرّ في السابق.

وقد أشكل في خصوص المقام بأن الظاهر من كلمة ما الموصلة هو الواحد فانه لا يحكى عن المتعدد ولو كان الوضع والموضوع له والمستعمل فيه عاما بخلاف الشيء فيكون مطابقه الفرد الّذي لا يدرك كله لا يترك كله والفرد الواحد يكون ظاهرا في المركب واما الطبيعي فصدق الواحد عليه يكون بالعناية (١).

وعليه يكون الإشكال هو عدم إمكان تصوره في المقام لأنه لو قلنا الفرد الّذي لا يدرك كله بتعذر بعض اجزائه لا يترك كله أي جميع الاجزاء وهذا غير متصور فان الّذي يتعذر بعض اجزائه كيف يمكن أن يقال يجب الإتيان بجميع اجزائه مع عدم إمكانه فلا بد أن يكون ما لا يدرك في خصوص المركب ذي الاجزاء أو العام المجموعي ليصدق ما لا يدرك كله أي جميع اجزائه لا يترك كله بل يجب الإتيان ببقية الاجزاء.

وقد أجيب عن هذا الجواب عن المنطقيين وهو ان جملة ما لا يدرك كله لا يترك كله تكون لسلب العموم لا عموم السلب بمعنى ان ما لا يدرك جميع اجزائه أو جميع افراده بنحو المجموع يعنى التام لا يترك كله يعنى تمامه بل يؤتى بالبعض الممكن منه.

__________________

(١) أقول لا عناية في صدق الواحد على الطبيعي بحسبه وكلام المنطقيين أيضا تام ويكون هو الجواب الحق إلّا انه لعله قد وقع خلط في الدرس في التعبير.

٦٢٤

وبعبارة أخرى السلب مقدم على العموم ولو كان مؤخرا لكان الحق مع المستشكل بأن يقال ما كله لا يدرك كله لا يترك ولكن ليس كذلك كما ترى.

ولكن التحقيق في الجواب هو أن يقال ان لفظة ما وان كانت كاشفة عن الوحدة ولكن وحدة المركب بحسبه ووحدة الطبيعي أيضا بحسبه فان الطبيعي الّذي لا يدرك جميع افراده يكون مثل المركب الّذي لا يدرك جميع اجزائه وإلّا فيجيء الإشكال في المركب ذي الاجزاء أيضا من هذا الباب يعنى سلب العموم أو عموم السلب فان المركب ذي الاجزاء أيضا لا يمكن أن يقال انه إذا تعذر بعض اجزائه يجب الإتيان بجميع الاجزاء حتى المتعذر.

وقد أشكل على الحديث أيضا بأن المراد من كلمة ما لو كان الأعم من الطبيعي والفرد المركب يلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد أو الترجيح بلا مرجح.

بيان ذلك هو أن الأمر بوجوب إتيان البقية في المركب يكون مولويا وفي الطبيعي والافراد إرشاديا لحكم العقل بأن تعذر بعض الافراد لا يمنع عن وجوب الإتيان بالبقية واستعمال اللفظ الواحد في المولوية والإرشاد كليهما ممنوع وان قلنا بتقديم أحدهما لئلا يلزم استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد يكون هذا ترجيحا من غير مرجح وهو أيضا محال فتسقط الرواية عن الاعتبار.

والجواب عنه ان استعمال اللفظ في الأكثر من معنى واحد إذا كان بتعدد الدال والمدلول بعد استعمال اللفظ في المعنى العام لا إشكال فيه فان القرينة لتعيين الطرفين إذا كانت تكون كافية ولا يقال لفظة ما تحمل على المركب لعدم العناية في ذلك فهو متعين بخلاف حمله على الطبيعي فانه فيه العناية لعدم الفرق بينهما في ذلك.

وقد أشكل بإشكال آخر يكون مشتركا بين الروايات الثلاثة وقد مرّ وهو ان الحكم لو كان وجوبيا يكون خلاف دأبهم من جريان قاعدة الميسور في المستحبات أيضا مع كون هذا هو الظاهر من الأمر يعنى المولوية بنحو الوجوب.

وقد مر الجواب عنه بأن المدار على الموضوع ففي المقام الموضوع الّذي

٦٢٥

لا يدرك كله لا يترك كله بمعنى أنه باق على الموضوعية وهذا يكون عليه الحكم سواء كان استحبابيا أو وجوبيا فلا يرد هذا الإشكال أيضا ويتم دلالة الجميع على قاعدة الميسور.

وينبغي التنبيه على أمرين :

الأمر الأول في ضابطة الميسور وغيره من جهة أنه هل يكون بنظر العرف أو بنظر الشرع فيه خلاف.

فاعلم ان الموضوعات تارة تكون من الموضوعات الشرعية مثل الصلاة والحج وتارة تكون من الموضوعات العرفية مثل القيام والقعود فإذا كانت من قبيل الثاني لا شبهة في ان المدار في صدق الميسور وأن هذا مرتبة من ذاك يكون بنظر العرف.

واما الموضوعات الشرعية فربما يقال لا سبيل للعرف في تشخيص ميسورها فان بعض الاجزاء المتعذرة ربما يكون له مصلحة تساوى مصلحة البقية ولا يمكن ان يحكم بأن هذا ميسور أصل العمل.

وفيه ان هذا الحكم غير تام لأن الشارع إذا لم يصل عنه بيان بالنسبة إلى ما هو الميسور من الموضوعات المجعولة بنظره وبيّن لنا كبرى كلية بأن الميسور لا يسقط بالمعسور وكان في صدد البيان لا الإهمال نستكشف منه انّا انه أو كل الميسور بنظر العرف فيما لم يبين ميسوره كما أنه ربما بيّن الميسور من الموضوعات مثل الوضوء جبيرة لمن لا يمكنه بدونها فيكون النّظر العرفي ملاك صدق الميسور وعدمه بالنسبة إلى الاجزاء الباقية.

غاية الأمر تارة يقال بأن نظره ملاك استقلالا وتارة يقال ان نظره يكون ملاكا على وجه الطريقية بأن يكون الميسور هو الميسور الواقعي لا العرفي فقط ولكن في صورة عدم بيان الواقع عن الشرع يكون نظره طريقا إلى الواقع.

والحق هو أن نظر العرف طريق إلى الواقع ولا يكون له الاستقلال.

٦٢٦

وتظهر الثمرة في كون نظره طريقا أو مستقلا في موردين ، الأول أنهم أشكلوا على دخالة العرف في صدق الميسور بأنه حيث نرى أن الشارع المقدس قد أخطأ نظره في موارد يراه ميسورا أو في مورد لا يراه ميسورا مثل الصلاة بالإخطار بالقلب حين الغرق فانه ليس ميسورا بنظر العرف ويكون ميسورا بنظر الشرع فلا يكون لنظره دخلا في ذلك.

ويظهر الجواب عنه إذا فرض كون نظر العرف طريقا فنقول في موارد تخطئة الشارع يسقط نظره عن الطريقية واما في الموارد التي لا تكون التخطئة فالمدار عليه بخلاف صورة القول بأن نظره دخيل بالاستقلال فانه غير قابل للتخطئة لأنه لا يكون له طريقية ليحتمل الخلاف.

الثاني انهم يقولون بأن قاعدة الميسور حيث قد خصصت بتخصيصات كثيرة صارت موهونة بكثرة التخصيص فلا بد من انجبارها بعمل الأصحاب ولكن على فرض كون نظر العرف طريقا لا موضوعية له لا يكون لنا احتياج إلى التمسك بعمل الأصحاب على زعم شيخنا الأستاذ العراقي قده :

بيان ذلك انه إذا كان المدار على الواقع ففي كل مورد يكون تخطئة الشرع يكون الخروج هو الخروج التخصصي بمعنى ان الشارع رأى ما هو الميسور بنظر العرف غير ميسور في الواقع والعرف لو علم ملاك ذلك ليحكم أيضا بأنه غير ميسور كما في باب المعاملات فان العرف من حيث دخل البيع الربوي في النظام يراه بيعا وهو بحيث لو رأى ما رآه الشرع من الإخلال بالنظام ليحكم بأنه ليس فردا للبيع في الواقع لا أنه بيع ولا يكون عليه حكمه بالتخصيص وعلى هذا يشكل التمسك بالعمومات في موارد الشك لأوله إلى الشبهة في المصداق بخلاف صورة القول بالتخصيص ففي المقام أيضا كذلك على فرض كون نظر العرف طريقا فكل مورد لم تنطبق القاعدة يكون الخروج من باب التخصيص ولا يلزم منه التخصيص المستهجن بخلاف كون المدار على نظر العرف بالاستقلال فانه كل مورد يكون ميسورا بنظره ولم يكن عليه الحكم بنظر الشرع يكون من باب التخصيص.

٦٢٧

ففي ساير الموارد نحتاج إلى عمل الأصحاب لانجبار الوهن ومعنى انجبار وهن الدلالة بعملهم هو وجود قرينة في خصوص ذاك المقام عندهم يدل على تطبيق القاعدة وهذا غير جبر ضعف السند بعملهم وفي كل مورد لم يكن عملهم عليها لا يمكن التمسك بها لكثرة التخصيص هذا ما عن شيخنا رفع مقامه.

ولكن يرد عليه انه لم يرد في لسان الشرع الردع عن كون شيء ميسورا بأن يقول هذا ليس بميسور حتى نرجع خطابه هذا إلى الإخراج من باب التخصص لا التخصيص بل أكثر الموارد يكون الميسور بنظر العرف هو الميسور بنظر الشرع وقلما مورد لا يكون شيء ميسورا بنظر الشرع ويكون ميسورا بنظر العرف.

وإشكال كثرة التخصيص قد مر جوابه بأنه إذا كان التخصيص بالعنوان وكان العنوان الباقي أيضا له افراد يكفي لرفع الاستهجان فإذا كان مثلا في باب الصلاة مورد تطبيق القاعدة يكفي لعدم الاستهجان مثل تخصيص إكرام العلماء بالفقيه فقط بعد إخراج النحوي والصرفي وغيرهم فان الافراد الباقية تحت عنوان الفقهاء أيضا كثيرة فتحصل أنه لا إشكال في أن المدار في ما لم يكن البيان عن الشرع على الصدق العرفي والإشكالات مندفعة.

الأمر الثاني : في أنه إذا كان الواجب الّذي تعذر بعض اجزائه مما له البدل هل يرجع إلى بدله أو يكتفي بميسوره فيه خلاف وأقوال :

فيظهر عن شيخنا النائيني قده أنه لا يرجع إلى البدل لأن الميسور فرد الواقع لا بد له فما دام يمكن إتيان الفرد لا تصل النوبة إلى البدل كما في مثال الوضوء والتيمم فإذا تعذر بعض اجزاء الوضوء مثل غسل بعض الموضع فلا يرجع إلى البدل بل يكتفي بالجبيرة بحكم القاعدة فضلا عن الدليل الخاصّ.

وقال شيخنا العراقي بأن المكلف مخير بين البدل وإتيان الميسور بعد عدم كون البدل وافيا بمصلحة الواقع وقيل يقدم البدل لأنه واف بتمام المصلحة بخلاف الميسور.

والحاصل لا يخفى عليكم أن البدل يكون له مرتبة من مصلحة المبدل فمن قال

٦٢٨

بأن مصلحته بقدر مصلحة المبدل التام يقول هنا بتقديم البدل على المبدل الناقص ومن لا يقول بوفائه بتمام مصلحة المبدل ولا يرى فردية الميسور للواقع أي يقول بقصور الدليل يعنى القاعدة إثبات هذا يقول بالتخيير ومن يرى أنه فرد الواقع تنزيلا يقول بتقديم المبدل الناقص.

والحق مع شيخنا العراقي القائل بالتخيير لأن الدليل لا يدل إلّا على أن الميسور لا يسقط بالمعسور واما في صورة وجود البدل فلا يكون له وسع إثبات تقديم الميسور عليه وفيما يكون له الدليل بالخصوص مثل ما ورد في الوضوء جبيرة يجب ملاحظة لسان الدليل وأن التقديم هل يكون مطلقا أو في بعض الموارد.

تتمة في بحث الاجزاء والشرائط

وفيها أمران : الأمر الأول في أنه إذا دار الأمر بين ترك شرط أو ترك جزء فهل الملاك هو مراعاة قاعدة باب التزاحم من تقديم ما هو الأهم أو التخيير على فرض التساوي أو يكون التقديم للجزء فيه خلاف.

والحق انه يكون من باب التزاحم بين ملاك الجزء والشرط ويراعى ما هو الأهم ولكن يكون كلام عن شيخنا النائيني قده في بعض المقامات وقاس المقام به من أنه يقدم الجزء اما الكلام في المقيس عليه فهو أنه قده قال في باب دوران الأمر بين ترك القيام في الصلاة في الركعة الأولى أو الركعة الثانية أن المقدم هو القيام في الركعة الأولى وتقديمه فيها على الثانية ولا يراعى قاعدة باب التزاحم والدليل عليه هو أن التكليف قبل مجيء زمانه لا يكون فعليا عنده فإذا جاء زمانه يصير فعليا ويشغل صفحة الوجود فإذا جاء وقت القيام في الركعة الأولى يصير الخطاب فعليا ويشغل صفحة الوجود ويجب امتثاله ولا تصل النوبة إلى خطاب القيام في الركعة الثانية في هذا الوقت فالخطاب الفعلي هو الباعث وما هو غير فعلى لا يكون باعثا ولا فعلية له فإذا جاء وقته ولم يكن للمكلف قدرة على الامتثال يسقط الخطاب بواسطة عدم القدرة ولا يلاحظ الأهمية بين الخطابين اللذين أحدهما فعلى والآخر استقبالي.

٦٢٩

والمقام أيضا كذلك فان خطاب الجزء في مقام الجعل يكون مقدما على خطاب الشرط لأن الجزء داخل في قوام العمل والشرط خارج عنه ويكون بمنزلة الوصف فالخطاب أو لا يكون على الجزء وثانيا على الشرط فيكون النسبة بينهما كالنسبة بين قيام الركعة الأولى والثانية من حيث التدرج في الوجود فان درجة وجود الجزء مقدمة على درجة وجود الشرط فلا يكون المقام مقام تطبيق قاعدة التزاحم بين الشرط والجزء بل الجزء مقدم مطلقا.

وفيه ان الكلام في المقيس والمقيس عليه كليهما غير تام اما المقيس عليه فلان الواجبات بل التكاليف طرا قبل مجيء زمانها أيضا فعليات (١) عندنا والبعث فيها فعلى وأن الانبعاث استقبالي في ظرفه فقيام الركعة الأولى والثانية من حيث الخطاب متساويان واما من جهة الملاك فيجب ملاحظة ما هو الأهم.

واما في المقيس فبطريق أولى يمكن أن يقال بهذه المقالة لأن الخطاب بالنسبة إلى الجزء والشرط يكون في عرض واحد والتفاوت في دخل الجزء في الماهية وكون الشرط خارجا عنها لا يوجب تفاوتا في الخطاب فلا يتم الكلام في المقيس عليه ولا في المقيس فيجب مراعاة باب التزاحم وتقديم ما هو الأهم أو ما يحتمل الأهمية الأمر الثاني في أنه إذا دار الأمر بين شرطية شيء للمركب أو ماهية ذاك الشيء له أو كون الشيء جزء وزيادة مبطلة فهل يكون المدار على الاحتياط بتكرار العمل تارة مع هذا وأخرى مع ذاك أو التخيير من باب دوران الأمر بين المحذورين أو جريان البراءة من الشرطية من باب أنه من الأقل والأكثر فيه خلاف.

__________________

(١) أقول فعلية الخطاب بدرجة من الفعلية التي تكون باعثة إلى المقدمات لا تنكر إلّا أنه في صورة تساوى المتعلق من حيث الخطاب والملاك يكون المقدم في نظر العرف صرف القدرة في ما هو المقدم.

وهكذا يتلقى الخطاب ويرى أن ما بلغ موسمه يكون مقدما على ما لا يبلغ موسمه واما في صورة إحراز الأهمية أو إحرازها في مورد ما فيلاحظ الأهمية.

٦٣٠

والحق عدم جريان قاعدة الأقل والأكثر في المقام لأنها تكون في صورة كون الجزء أو الشرط مما يكون المركب بنحو اللابشرط بالنسبة إليه واما إذا كان بنحو بشرط لا كما في المانع أو بشرط شيء كما في الجزء أو الشرط فلا يكون البراءة جارية عن الأكثر.

واما التخيير فيكون في صورة دوران الأمر بين المحذورين بحيث لا يمكن الامتثال بالتكرار واما في المقام فحيث يمكن التكرار فبمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف يجب الاحتياط بالتكرار وليس الواجب فقط هو الصلاة الواحدة مثلا حتى يقال يكون من دوران الأمر بين المحذورين وان قال به الشيخ قده بناء على القول بعدم وجوب الاحتياط في الشك في الشرطية أو الجزئية ولعله قده حيث رأى عدم خروج المكلف طبعا عن الفعل أو الترك طبعا قال بالتخيير وإلّا فلا وجه للقول بالبراءة عن الشرطية وعن المانعية ولا القول بالتخيير بل يجب الاحتياط.

خاتمة في شرائط جريان الأصل

اعلم ان البحث هنا في فصول : الفصل الأول في أصالة الاحتياط.

فنقول الاحتياط لا شرط له لأنه حسن في كل حال ولأنه ليس إلّا لدرك الواقع بعد عدم العلم القطعي بدركه إذ لم يكن الطريق إليه قطعيا سواء كان ذلك في العبادات أو المعاملات استلزم الاحتياط التكرار في العبادات أو لم يستلزم إذا لم يكن لعبا بأمر المولى.

وسواء قامت الأمارة على عدم وجوب ما احتمل وجوبه أو عدم حرمة ما احتمل حرمته فان إتيان الأول لاحتمال الوجوب في الواقع وترك الثاني باحتمال الحرمة في الواقع يكون إطاعة ان وافق الواقع وانقيادا ان لم يوافق.

وهكذا لا فرق في العمل بين أن يكون العمل على طبق الأمارة في عدم وجوب تقدم العمل بالأمارة على الاحتياط ثم الاحتياط أو الاحتياط ثم العمل على طبق الأمارة مثلا إذا قام دليل على عدم وجوب الاستعاذة في الصلاة لا فرق بين أن يأتي

٦٣١

بها أولا على طبق الأمارة بدون الاستعاذة ثم الاحتياط بإتيانها معها أو الإتيان بها معها أولا ثم العمل على طبق الأمارة فانه لا فرق في ذلك بالنسبة إلى درك الواقع.

ولكن قال شيخنا النائيني قده في المقام ان المقدم هو العمل على طبق الأمارة لأن مفاد حجيتها هو إلقاء احتمال الخلاف فإذا احتمل أن يكون الواقع على خلافها يلزم عدم الاعتناء بهذا الاحتمال.

مضافا بأن الامتثال التفصيلي يكون في صورة عدم الإتيان بغيره أولا فانه إذا كان كذلك فإتيان العمل يكون بعده باحتمال الأمر لأنه من الممكن أن يكون العمل الأول مطابقا للواقع فيصير الامتثال احتماليا ويسقط قصد الوجه أيضا لأنه لا يمكن إتيان العمل بقصد الوجوب وهو الأمر الجزمي ولذا في غسل الجمعة على رأي من لا يقول بكفايته عن الوضوء يقال بوجوب إبطال الغسل ليكون إتيان الوضوء بقصد الوجوب لا باحتمال الأمر فعلى هذا حفظا للامتثال التفصيلي ولقصد الوجه يجب تقديم ما قامت الأمارة على طبقة ثم الاحتياط.

والجواب عن دليله الأول هو أن وجوب إلقاء احتمال الخلاف لا يكون عزيمة بل رخصة للعباد لعدم وجوب الاحتياط وكفاية العمل على طبق الظن لا وجوبه.

واما عن الامتثال التفصيلي فلما مرّ مرارا ان الامتثال التفصيلي غير لازم وتكرار العمل ربما يكون من أحسن أنحاء الامتثال لأنه انقياد بوجه تام كما قال سيدنا الأصفهاني قده.

مضافا بأن الأمر على فرض العمل على طبق الأمارة أيضا كذلك لأن الظن لا زال يكون الاحتمال معه باقيا فيكون إتيان العمل بالأمر الاحتمالي الظني سواء قدم مقتضى الأمارة أو الاحتياط فالتكرار لا يزيد على الاحتمال شيئا.

واما قصد الوجه فهو غير لازم عقلا وشرعا اما عقلا فلان المراد من الأمر هو وصول الآمر إلى مطلوبه فقصد إتيان ما هو المأمور به أيّا ما كان يكون كافيا واما شرعا فلأنه ليس لنا عين ولا أثر في الروايات ليدل على الوجوب.

مع انه لو كان لوصل إلينا لكثرة الابتلاء بمثل الصلاة وغيرها في كل يوم

٦٣٢

وأصل الأمر وان كان لا يمكن أخذ قصد الأمر بوجهه فيه فان الأمر بالصلاة لا يمكن أن يكون أمرا بما هو يأتي من ناحية هذا الأمر لأنه دور وتقدم للشيء على نفسه كما حرر في محله ولكن يمكن إبرازه بأمر آخر بأن يقول صل ثم يقول صل هذه الصلاة بقصد أمره الوجوبيّ.

وحيث لم يكن لنا هذا الأمر الثاني فلا يجب فقصد الأمر التفصيلي والامتثال التفصيلي غير لازم بل الامتثال الظني والاحتمالي أيضا كاف بالبيان السابق فتقديم الاحتياط على العمل على طبق الأمارة كاف لا ريب فيه وكلام شيخنا النائيني قده يكون على حسب مبناه وهو غير صحيح عندنا وعند جملة من الاعلام.

تذييل في الكلام في بعض شئون الاحتياط (١)

وهو أن الاحتياط يكون موارد مختلفة لأنه اما ان يكون في صورة العلم الإجمالي بالتكليف مع اشتباه المتعلق أو يكون في الشبهات البدوية.

والثاني اما ان يكون موضوعية أو حكمية والحكمية اما إلزامية أو غير إلزامية والأخير مثل الدعاء عند رؤية الهلال.

ثم قال شيخنا النائيني قده على ما قلناه من وجوب الامتثال التفصيلي ومراعاة قصد الوجه في صورة الإمكان فيكون الاحتياط في القسم الأول وهو المقرون بالعلم الإجمالي واما ما لا يكون كذلك في غير الشبهة الحكمية الإلزامية فلا يجب الفحص لإحراز ما هو الواقع بل يكفي الاحتياط ولو أمكن إحراز التفصيل والامتثال التفصيلي وقصد الوجه وذلك لأن الفحص لا يكون واجبا في الشبهات البدوية الموضوعية والحكمية الغير الإلزامية لأن أصل العمل غير واجب حتى يقال بوجوب إحرازه تفصيلا واما الشبهة الحكمية الالتزامية فاللازم فيه أيضا الفحص لأن الامتثال الاحتمالي يكفي في صورة عدم إمكان التفصيلي القطعي لا في صورة إمكانه مع لزوم العمل.

ومن هنا يظهر أن كلام الأستاذ من أن وجوب الامتثال التفصيلي يختص بصورة

__________________

(١) هذا البحث عن النائيني قده في الفوائد الجزء الرابع ص ٩٤.

٦٣٣

لزوم التكرار غير وجيه بل إذا لم يلزم التكرار أيضا يجب إحراز عنوان العمل.

ثم انه بناء على الشك في وجوب الامتثال تفصيلا أو كفاية غيره فيقول قده كما عن غيره أيضا انه يكون من دوران الأمر بين التعيين والتخيير ومن المعلوم أن أصل التكليف إذا كان معلوما يكون امتثاله دائرا بين ما هو معلوم المسقطية وبين ما هو مشكوك فلا يدرى المكلف ان هذا معينا يكون تكليفه أو مخيرا ومن المحرّر في محله ان المدار على المعين لا المخير في ذلك لأن كيفية الامتثال يكون بيد العرف لا بيد الشرع ليمكن جريان البراءة من باب رجوع الأمر إلى ما هو كالقيد الزائد وهو كيفية الامتثال.

والجواب عنه أولا ان الامتثال التفصيلي غير لازم بل إذا لم يكن لعبا بأمر المولى يكون أحسن حالا من التفصيلي لكشفه عن شدة انقياد العبد لمولاه وهكذا قصد الوجه غير معتبر أصلا لما مر.

وثانيا على فرض لزوم ما ذكر فلو كان مقوم العبادية هو قصد الأمر الجزمي فأي فرق بين ما كان من الشبهة البدوية أو المقرونة بالعلم الإجمالي وسواء كان أمره إلزاميا أو استحبابيا فان العبادة المستحبة أيضا يجب أن يكون عباديته محرزة بقصد الأمر الجزمي ولا يكفي الأمر الاحتمالي لأنه على زعمه (قده) ليس محركا ولو كان ترك الامتثال التفصيلي لعبا بأمر المولى كما هو استدلالهم على وجوبه كيف يفرق بين المستحب والواجب فان اللعب غير حسن فيهما.

وثالثا انه في صورة الشك يكون مقتضى الأصل البراءة لأن كيفية الامتثال كأصل التكليف يكون بنظر الشرع لا بنظر العرف فان كل قيد شك في دخله ولم يصل بيان من الشرع بالنسبة إليه يكون الأصل البراءة عنه والمورد يكون لنا فرد هو الجامع ولا يكون من التعيين والتخيير بحيث لا يكون له فرد جامع.

والشاهد على ذلك هو قوله ان الامتثال الاحتمالي مع عدم إمكان التفصيلي فرد من الامتثال وان الامتثال له مراتب أربعة الإجمالي والتفصيلي والاحتمالي والظني فكل قسم من الأقسام يصدق عليه الامتثال ويكون الشك في دخل الخصوصية الزائدة

٦٣٤

وباب التعيين والتخيير يكون في صورة التباين بين هذا الفرد وذاك.

والحاصل ان الاحتياط لا إشكال فيه عندنا في جميع الصور صورة العلم الإجمالي والشبهات البدوية موضوعية أو حكمية إلزامية أو غير إلزامية واما على حسب مبنى الأستاذ النائيني قده فيجب ان يقول بأن اللازم هو التفصيلي في جميع الصور لأن ملاكه اللعب بأمر المولى وهو قبيح في جميع الصور عنده قده فكيف يفرق بين الصور في ذلك وهذا من أمارات عدم تمامية أصل المبنى أيضا.

بقي في المقام فرعان :

الفرع الأول إذا دار الأمر بين فقد شرط أو فقد جزء كما إذا دار الأمر بين حفظ الستر أو حفظ الامتثال التفصيلي فهل المقدم الستر أو ذاك الامتثال فيه بحث.

ومثاله من كان له ثوبان أحدهما نجس والآخر طاهر ولا يعلم الطاهر من النجس بل له العلم الإجمالي ففي هذه الصورة ان صلى في الثوبين يكون الامتثال إجماليا والستر يكون محفوظا وان كان تفصيليا يكون اللازم منه الصلاة عريانا والحق هو ملاحظة الأدلة من الطرفين فان كان دليل الامتثال التفصيلي مطلقا ودليل الستر مهملا يكون المقدم الأول وان كان بالعكس فالستر مقدم جزما وان كان الإطلاق للدليلين يكون المكلف مخيرا عند التزاحم إذا لم يكن أحدهما أهم.

واما إذا كانا مهملين فالأصل يقتضى البراءة عن كليهما في هذا الحال ويكون التخيير طبعيا.

ثم ان شيخنا النائيني قده في تقريراته قال بأن القول بأن الامتثال التفصيلي مقدم على الستر يستلزم منه الدور وبيانه ان الامتثال التفصيلي متوقف على الإمكان وإمكانه متوقف على سقوط شرطية الشرط وهو الستر وسقوطه متوقف على إمكان الامتثال التفصيلي وهذا دور فلا يكون المقدم الا حفظ الشرط وهو الستر.

والجواب عنه ان كل تكليف من التكاليف يكون القدرة شرطا عقليا له فان الستر أيضا يكون وجوبه متوقفا على القدرة ولو كان الامتثال التفصيلي واجبا لا يكون القدرة على الستر كما أنه لو كان الستر واجبا لا يكون القدرة على ذلك فلا ترجيح

٦٣٥

لأحدهما على الآخر بعد التزاحم والّذي يسهل الخطب انه لا دليل على وجوب الامتثال التفصيلي ولنا دليل على وجوب الستر وما له الدليل هو المقدم فمراعاة الشرط مقدم على مراعاة كيفية الامتثال.

الفرع الثاني فيما إذا عرض في الأثناء أي أثناء العمل المركب الوحداني مثل الصلاة ما يوجب الترديد في صحتها لو أتمها مثل ما إذا شك في جزء ولم يعلم انه تجاوز عن المحل حتى يجري قاعدة التجاوز أو لم يتجاوز حتى لا تجري.

فهنا يدور الأمر بين حفظ الامتثال التفصيلي وبين حرمة قطع الصلاة مثلا لأنه ان لم يقطع الصلاة يكون الإتيان بما بعد الشك من الامتثال الاحتمالي أو قطع الصلاة فيكون من الامتثال التفصيلي بعد إتيانها من رأس.

ولا يخفى ان البحث يكون في صورة عدم احتمال القاطعية أو المانعية واما مع احتمالهما فتكون الصورة خارجة عن محل البحث بل يكون البحث في صورة عدم كون إتيان ما شك فيه مانعا أو قاطعا لو أتى به.

وذلك لوجهين الأول ان استصحاب الصحة التأهلية (١) غير جار بعد عروض ما احتمل مانعيته وكون المورد من الشبهة المصداقية لعام لا تبطلوا أعمالكم من جهة

__________________

(١) لكنه عند التأمل جار كاستصحاب بقاء الشرط وإشكال المثبتية مندفع لخفاء الواسطة.

واما صرف كون الشبهة مصداقية من باب الشك في الصحة لو كان سندا فهو موجود في صورة احتمال زيادة الجزء ولو كان من جهة عدم الامتثال التفصيلي وبعبارة أخرى أصالة عدم المانع والقاطع جارية لو كانت الشبهة موضوعية وأصالة البراءة جارية لو كانت الشبهة حكمية إلّا انه حيث كان في الوسط وشرط جريانها الفحص وهو غير ممكن في الوسط فيحتمل صحة العمل ويحتمل فساده.

فلو كان المفروض حرمة إبطال العمل الصحيح فاحتمال المانع وغيره متساويان ولو فرض الصحة قبل العمل فكذلك لعدم البطلان قبل عروض إهمال المانع أو احتمال زيادة الجزء.

٦٣٦

ان مورده هو العمل الصحيح واما العمل الّذي يكون احتمال انبساطه في نفسه فلا يكون مصداقا له.

ولا يخفى أيضا ان البحث إذا كان في عمل موقت مثل الصلاة وكان الوقت ضيقا يتعين الإتمام ولا تصل النوبة إلى الامتثال التفصيلي لعدم إمكانه في هذه الصورة ولو كان لنا دليل على شرطيته يكون في صورة الإمكان لا صورة عدم إمكانه (١).

ثم انه في غير ما ذكر يكون احتمالات الفرع أربعة : الأول وجوب إتمام العبادة بداعي الاحتمال وعدم جواز القطع والاستئناف لحرمة إبطال العمل الامتثال التفصيلي يكون في صورة إمكانه وهو مع عدم جواز القطع غير ممكن.

وفيه ان الأمر يدور بين الأمرين المتزاحمين ويجب ملاحظة الأهمية فلو كان الامتثال التفصيلي هو الأهم يجب مراعاته وإلّا فالتخيير بين القطع وتركه.

الثاني وجوب قطع العمل واستئنافه بداعي الامتثال التفصيلي للتمكن من ذلك وحرمة قطع العمل مشروطة بالتمكن من إتمامه صحيحا وبعد اعتبار الامتثال كذلك لا يمكن إتمام العمل صحيحا فكما يجب للمصلي قطع الصلاة إذا تعذر التشهد في خصوص هذه كذلك يجوز في صورة شرطية التفصيل في الامتثال وهو (٢) أيضا من الاجزاء.

وفيه أنه بعد القطع أيضا حيث يحتمل المصادفة للواقع لا يبقى مورد لقصد الامتثال التفصيلي.

الثالث التخيير بين القطع والاستئناف أو الإتمام لأنه من المتزاحمين

__________________

(١) أقول هذا أيضا يكون من جهة مسلمية تقديم الوقت عندهم وإلّا فلو خلى وطبعه يلزم مراعاة المزاحمة بين الوقت والامتثال التفصيلي.

(٢) أقول الوجه الصحيح في الجواب هنا هو انه كيف كان من المسلم عند القائل بهذا القول ان حرمة الابطال تنتفي بواسطة تعذر بعض الاجزاء وقاس المقام به ولكن يجب مراعاة التزاحم أيضا وإلّا فلا إشكال على فرض جواز القطع ان الامتثال التفصيلي ممكن لعدم إتمام العمل حتى يحتمل المصادفة.

٦٣٧

ولا ترجيح للوضع على التكليف فان حرمة الابطال حكم تكليفي ومراعاة التفصيل حكم وضعي وهذا هو المختار تبعا لشيخنا الأستاذ العراقي قده.

الرابع هو وجوب الإتمام ثم الاستئناف أيضا للعلم الإجمالي بأنه اما يجب الإتمام لحرمة الابطال أو يجب مراعاة التفصيل فلو فرض مصادفة العمل للواقع أيضا يجب الاستئناف ليحصل العلم بفراغ ما علمه إجمالا.

وفيه أنه لا يمكن الامتثال التفصيلي بعد إتمام العمل لأنه يحتمل مصادفة الواقع أو يعلم مصادفته فكيف يمكنه قصد الأمر الجزمي بالنسبة إلى هذا العمل الّذي طابق الواقع أو يحتمل مطابقته للواقع.

فتحصل ان أقوى الوجوه وجه شيخنا العراقي قده من التخيير واما ما اختاره شيخنا النائيني قده من وجوب القطع والاستئناف مستقلا بأن المقام وان كان من باب التزاحم ولكن التخيير في ذاك الباب يكون في صورة كون التكليفين استقلاليين واما التكاليف الغيرية فلا يمكن أن يزاحم مع الاستقلالية.

فغير وجيه لأن التكاليف لا فرق بين أن تكون استقلالية أو غيرية فان التزاحم يدور مدار الملاكات فما يكون هو الأهم من حيث الملاك هو المقدم وإلّا فالتخيير وجوابنا عن ساير الوجوه أيضا قد ظهر مما مر فتدبره.

الفصل الثاني

في شرط جريان الأصل في الشبهات الموضوعية فنقول لا شبهة ولا ريب في أن الفحص غير لازم في جريانه في الشبهات الموضوعية سواء كانت تحريمية أو وجوبية فلا شرط لجريانه أيضا كالاحتياط.

والدليل عليه ان الحكم بواسطة انحلاله على افراد الموضوع يصير منجزا على المكلف ولا يحصل التنجيز الا بمعرفة الموضوع فإذا قيل لا تشرب الخمر ينحل هذا الحكم إلى جميع افراد الخمر فكل موضوع علمنا أنه يكون عليه الحكم بالاجتناب وكذا إذا قيل أكرم العالم فان إحراز الموضوع شرط لتوجه الحكم فإذا اشتبه الموضوع

٦٣٨

لا يكون الحكم منطبقا ولا دليل لنا على وجوب الفحص عن الموضوعات لينطبق الحكم عليه بل كلما حصل العلم به اتفاقا يكون انطباق الحكم قهريا وإلّا فلا حكم له وينطبق عليه إطلاق حديث رفع ما لا يعلم فان حكم هذا الموضوع مما لا يعلم فهو مرفوع وهكذا ينطبق عليه قبح العقاب بلا بيان وهو دليل البراءة العقلية.

لا يقال ان الشارع إذا بين الحكم بالعنوان العام فقد ادى ما هو وظيفته وعلينا تسليم مطلوبه فإذا كان موضوع من الموضوعات مشكوكا عندنا يجب علينا الفحص لأن البيان من عنده تام فيجب الفحص ليظهر الحال أو يستقر الشك فيكون مما لا يعلم واقعا بعد أداء العبد وظيفته وهو الفحص ولو تركناه لكنا مذموما عنده وعند العقلاء ولا يكون العقاب عليه بلا بيان فلا تجري البراءة الشرعية والعقلية.

لأنا نقول ان بيان الحكم الكلي لا يكفى في صيرورة الحكم حكما فعليا بالنسبة إلى كل موضوع من الموضوعات فمع عدم العلم بالموضوع لا يكون الحكم واصلا إلى العبد فلا حجة للمولى عليه فيجري الأصل شرعا وعقلا ولا دليل على وجوب الفحص فالأصل هو البراءة عن وجوب الفحص فلا حكم لهذا الموضوع المشتبه لأنه مما لا يعلم أيضا فعدم الدليل عليه دليل العدم فإذا لم يكن الفحص واجبا لا ينطبق الحكم على هذا الموضوع الخاصّ قهرا فلا شرط لجريان الأصل في الشبهات الموضوعية نعم في بعض الموضوعات لا يجوز جريان الأصل لما في الشرع من الدليل عليه ومنه النكاح فان الواجب فيه الاحتياط عند الشبهة لا البراءة وكذلك الدماء ومنه الزكاة والحج فان الفحص عن قدر المال لازم ليعلم أنه بلغ بحد النصاب أم لا وحصلت الاستطاعة أم لا وسره أنه لو لا الفحص لصار الحكم لغوا لأن كل أحد لا يتفحص فيسقط حكم الحج (١) والزكاة من رأس فيجب الفحص من باب عدم لزوم اللغوية.

ومنه الفحص الموجب لاستقرار الشك فانه واجب من جهة انصراف الدليل

__________________

(١) في المثال تأمل فان غالب الناس عارف بوضعه المالي خصوصا مع عنايتهم إلى المال غاية العناية.

٦٣٩

نقلا وعدم تمامية الحجة في مقابل المولى بعد ما كان بيانه بالطرق العادي في يد العبد مثل الكتب المدونة فلا يكون له الحجة بقبح العقاب بلا بيان فان من شك في طلوع الصبح يجب عليه أن يرفع اللحاف من رأسه أو يفتح الباب من بيته ليتضح الحق عليه فانه في يده.

فتحصل أن الفحص الّذي لا مئونة له بكون واجبا وأما ما له المئونة فلا يجب في الشبهات الموضوعية الا ما خصص بالدليل.

الفصل الثالث

في جريان الأصل بالنسبة إلى الشبهات الحكمية والبحث في هذا الفصل في مراحل أربعة :

المرحلة الأولى في شرطية وجوب الفحص فيها الثانية في مقداره والثالثة في العقاب على تركه وعدمه والرابعة في صحة العمل المأتي به بدون الفحص ان صادف الواقع.

فنقول اما أصل وجوب الفحص فهو يكون (١) مقتضى القاعدة الأولية لأن المولى الحكيم إذا كان له تكاليف وقد بينها بالطرق المتعارفة بإرسال الرسل وإنزال الكتب وجعل الأوصياء والعلماء في الناس يجب للعبد الرجوع إليها ولا يكون له إجراء قاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن البيان قد تمّ فإذا احتمل التكليف يحتمل العقاب على تركه فإذا كان كذلك يصير دفع الضرر المحتمل واجبا بعد سقوط الحاكم عليه وهو قبح العقاب بلا بيان ضرورة انه لو جرى الأصل الثاني لا يجري دفع الضرر

__________________

(١) أقول أدلة وجوب الفحص خمسة الأول هذا الوجه والثاني حجية نفس الاحتمال والثالث حجية الخطاب الصادر وان لم يصل والرابع لزوم خلاف غرض الجعل لو جرت البراءة عن وجوب الفحص والخامس العلم الإجمالي بوجود التكاليف كما ذكره مد ظله في طيّ المطالب.

وامتن الوجوه الأول ثم الخامس ثم الرابع وأضعفها الثاني والثالث.

٦٤٠