مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

المحتمل لكونه محكوما والضرر الّذي قام الدليل على الأمن من عقابه ليس ضررا وأما بدونه فالعقل حاكم بوجوب دفعه فانه لو تفحص لظفر فاما يجب الاحتياط أو الفحص وهذا هو الوجه الحق عندنا.

وربما يقال بوجهين آخرين لوجوبه الأول ان نفس الاحتمال يكون من الحجج مثل احتمال صدق مدعى النبوة بالمعجزة فانه يجب الاستماع لكلامه لئلا يلزم إقحام الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين فيجب الفحص بنفس الاحتمال.

والثاني ان البيان الصادر كفى في الحجية ولا نحتاج إلى البيان الواصل وحكم كل واقعة قد صدر عن صاحب الشرع فيجب الفحص للوصول إليه ليتم البيان ولكن لا يخفى ما في الوجهين من الإشكال فان نفس الاحتمال لا يكون عند العقلاء حجة أصلا بل يرجع إلى احتمال الضرر وهو بعد سقوط الأصل الحاكم عليه وهو قبح العقاب بلا بيان يكون حجة عند العقلاء ومن الشواهد على بطلانه هو وجوب الالتزام بوجود العقاب على ترك الفحص ولو لم يكن واقع في البين بحيث لو تفحص أيضا لم يظفر به وهذا لا يترتب على ما مرّ من التحقيق عندنا.

واما الإشكال في الوجه الثاني فلان صدور البيان لا يكفى للحجية إلّا إذا رجع إلى ما قلناه بان يكون الصدور والوصول بالنحو العادي بإرسال الرسل وإنزال الكتب كما في أيدينا من الكتب الأربعة المتقدمة والثلاثة المتأخرة وليس لنا دليل لفظي لوجوب الفحص لنأخذ بإطلاقه حتى في صورة عدم الوصول بالطرق العادية هذا كله في البراءة العقلية ومقتضى القاعدة.

واما البراءة الشرعية فقال صاحب الكفاية وشيخنا الأستاذ العراقي بأن مفاد هذا الدليل عكس مفاد البراءة العقلية فان حديث الرفع بفقرة ما لا يعلمون وغيره من الأحاديث مثل الناس في سعة ما لا يعلمون يكون مطلقا لو خلى وطبعه فان حكم ما لا يعلم وعقابه مرفوع مطلقا.

لا يقال المراد بما لا يعلم ما لا حجة عليه وهي تحصل بعد الفحص عن الدليل.

لأنا نقول الظاهر من العلم هو العلم الوجداني وهو لا يحصل بواسطة وجدان

٦٤١

الحجة مثل الأصل المحرز كالاستصحاب أو الأمارة وإلّا يلزم أن يكون الاستصحاب والأمارات واردا على أصل البراءة من باب ذهاب الموضوع وليس كذلك بل هو مقدم من باب الحكومة.

لا يقال ظاهره الانصراف إلى الجهل المستقر وعدم العلم كذلك ومن له الحجة لا يكون جهله مستقرا فالفحص في الكتب واجب عليه.

لأنا نقول فيما لا مئونة له يكون الانصراف صحيحا كرفع اللحاف من الرّأس ليتضح بقاء الوقت وعدمه واما ما له المئونة فلا انصراف للحديث عنه.

لا يقال فحينئذ ما بقي الفرق بين الشبهات الموضوعية والحكمية بعد إطلاق حديث الرفع وساير الأدلة فكيف يقال بأن الفحص في الشبهات الحكمية واجب وفي الموضوعية لا يجب فعلى فرض الإطلاق ففي المقامين وعلى فرض عدمه أيضا ففيهما أيضا.

لأنا نقول كما قيل بأن الخصوصية في الشبهات الحكمية هي أنه لم يكن في وسع حديث الرفع البراءة من الفحص لأنه يخالف الغرض من جعل الأحكام فان الغرض من جعله هو حصول العلم للمكلفين بالتكليف ليعملوا عليه فلو قلنا بجواز ترك الفحص يلزم تعطيل الأحكام واما الموضوعات فوجودها الاتفاقي يكفى في انطباق الحكم عليه ولا يخالف الغرض من الجعل فعليه يكون الفحص في الأحكام واجبا دون الموضوعات.

هذا ما قيل ولكن بعد لا يخلو عن تأمل وهو ان الأحكام المجعولة في الشرع يكون على ثلاثة أقسام :

الأول ما يستفاد من دليله أن الشارع المقدس لا يرضى بتركه على أي تقدير ويكون الملاك هو الوصول إلى الواقع فانه يجب الاحتياط فيه من هذا الباب كما في باب الفروج والدماء.

والثاني الأحكام التي يكون الغرض منها الوصول العادي إليه بالرجوع إلى الطرق العادية ولا يكون مصلحة الجعل بحيث توجب الاحتياط.

٦٤٢

الثالث الأحكام التي يكون وجودها الاتفاقي مورد غرض الشارع فان وصلت إلى شخص تكون واجب العمل وإلّا فلا.

ثم إطلاق حديث الرفع فيما لم يقم دليل على القسمين الأولين يحكم بالثالث فكل جاهل يجري البراءة ولو كان هذا النحو من الإطلاق مضرا بالغرض يجب أن يقيد الدليل وحيث لم يكن القيد نأخذ بالإطلاق فهذا الدليل لا يكفى في وجوب الفحص في الأحكام فضلا عن الموضوعات.

ثم انه لو سلمناه فكيف يفرض بين الموضوع والحكم بل الموضوع هو الأهم لأن الغرض من علم الناس بالاحكام هو العمل وما يوجب العمل هو الفحص عن الموضوع فإذا قلنا بعدم وجوب الفحص فيه يبطل الغرض من جعل الأحكام على الموضوعات ضرورة ان العلم لا يكون مثل العلم بصفات الباري تعالى الّذي يكون في ذاته المصلحة بل العلم بالاحكام يكون للعمل فتحصل انه لو تم هذا الدليل يشمل الحكم والموضوع ولو لم يتم لا يتم فيهما أيضا (١).

وقد يقرر الدليل على أصل وجوب الفحص بوجه آخر وهو ان الفحص عن الأحكام يكون من صغريات وجوب الفحص عن نبوة الأنبياء فكما أن استماع كلام مدعى النبوة مع المعجزة لازم بحكم العقل كذلك الفحص عما أتى به النبي أيضا واجب وإلّا يلزم لغوية بعثة الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين فنحن بعد قبول النبوة لنا العلم الإجمالي بوجود أحكام في الشريعة يجب العمل عليه ولسنا كالبهائم وهذا العلم يوجب الفحص عن الأحكام بحيث لو ترك الفحص لا يكون لنا حجة عند المولى.

__________________

(١) أقول لا يلزم من عدم الفحص في الموضوعات خلاف غرض الجعل بعد كون أكثر الموضوعات مما هو مبين والافراد المشكوكة قليل فلو جرت البراءة فيها لا يضر بغرض الجعل.

بخلاف الأحكام فانها بمنزلة الكبريات فان من يعلم حرمة شرب الخمر يجتنب عن افراد كثيرة معلومة ولو لم يعلم هذا الحكم يرتكب افرادا كثيرة منه بخلاف من لا يعلم خمرية شيء مائع مشكوك.

٦٤٣

وقد أشكل عليه تارة بأن الدليل أعم من المدعى لأن المدعى (١) هو أن الفحص في الكتب المعتبرة مما بأيدينا من الاخبار واجب لا الفحص عن مطلق الأحكام بمقتضى العلم الإجمالي سواء كان في الشهرات والإجماعات أو في الاخبار وبعد الفحص عن خصوص ما في الكتب يكون العلم الإجمالي بحاله باقيا.

وتارة بأنه أخص من المدعى وتقريره بأن وجوب الفحص يكون في صورة عدم انحلال العلم الإجمالي بواسطة وجدان جملة من الأحكام في الكتب المدونة فانه إذا تفحصنا ووجدنا الأحكام في كتاب الصلاة والزكاة مثلا نحتمل ان يكون أحكامنا المعلوم بالإجمال منطبقا على هذا المقدار فالفحص في ساير الكتب غير لازم مع ان المدعى هو وجوب الفحص حتى بعده.

وقد أجاب شيخنا النائيني قده (في الفوائد ص ٩٧) عن إشكال أخصية الدليل من المدعى بما حاصله ان انحلال العلم الإجمالي يتصور في صورة كون الواقع مرددا من أول الأمر بين الأقل والأكثر مثل ما إذا علمنا بأن بعض الأغنام موطوءة ولا نعلم بأنه العشرة أو العشرون فإذا وجدنا الأقل يحصل الشبهة البدويّة بالنسبة إلى الأكثر.

واما إذا كان المعلوم بالإجمال بعنوانه الخاصّ مرددا بين الأقل والأكثر بما له من الافراد الواقعية فلا يحصل الانحلال كما إذا علمنا بأن الأبيض من الأغنام هو الموطوءة وتردد بين الأقل والأكثر فانه يجب حينئذ الفحص حتى يحصل العلم بعدم وجود أبيض آخر وبوجدان الأقل لا ينحل العلم الإجمالي بالنسبة إلى الأكثر لأن التنجيز

__________________

(١) لا أدري من أين صار المدعى أخص بل المدعى هو الأعم وهو العلم بالاحكام في الكتب الفقهية والروائيّة ووجود الأحكام في الإجماعات والشهرات التي لا توجد الا في الكتب الفقهية فالجواب بالانحلال كما سيجيء عنه مد ظله وعن غيره غير تام.

وهذا يظهر من تقريبهم العلم الإجمالي في الموارد من أنه لسنا كالبهائم والاعتراف بما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأوصياء لازم من أي سند كان.

٦٤٤

تعلق بكل فرد فرد من افراد البيض.

وما نحن فيه يكون من قبيل الثاني فانا نعلم بأن الأحكام مثبتة في الكتب التي بأيدينا ولا ينحل العلم بواسطة الفحص في بعض الكتب مثل من يعلم ان ذمته مشغولة بدين ولا يعلم انه هو الأقل أو الأكثر مع وجود حساب زيد في الدفتر فانه يجب الفحص في جميع صفحاته لا الاكتفاء بالفحص في بعض الصفحات.

والجواب عنه (قده) انا كلما نتفكر لا نفهم الفرق بين كون الأبيض من الأغنام مرددا بين الأقل والأكثر وبين صورة تردد الموطوءة الأعم من الأبيض وغيره بين الطرفين فان الفحص عنه بمقدار معتد به يوجب الشك البدوي في وجود فرد آخر والأصل يقتضى البراءة عنه فلعله كان مراده شيئا آخر غير مفهوم لنا.

وربما (١) يجاب عن أصل الإشكال بأن العلم الإجمالي من بدو الأمر تعلق بما في جميع كتب الفقه من الطهارة إلى الدّيات ومن هذه الجهة لا ينحل العلم بواسطة الفحص في بعض الكتب وهذا يتم لو كان تشكيل العلم في الواقع كذلك.

واما الجواب عن إشكال كون الدليل أعم من المدعى فهو ان لنا علمين إجماليين أحدهما الكبير والثاني الصغير وهو العلم بما في كتب الاخبار فإذا تفحصنا في الكتب نحتمل انطباق الأحكام على ما فيه فينحل (٢) العلم الإجمالي الكبير فالتمسك بالعلم الإجمالي لوجوب الفحص تام.

ولكن بقي الإشكال من جهة أنه ما الفرق بين الموضوعات والأحكام فان فيها أيضا يكون لنا العلم الإجمالي بوجود أحكام ملزمة في ما هو المشتبه من الموضوعات فيجب الفحص عنها أيضا لينحل العلم.

__________________

(١) أقول ولعل هذا هو المراد للنائيني قده كما يظهر من مثاله بالفحص في جميع الدفتر ويكون القصور في بيانه أو بيان مقرره والحق أن العلم الإجمالي بوجود أحكام في كل باب من أبواب الفقه موجود.

(٢) قد مرّ عدم حصول الانحلال بعد العلم بأن في كتب الفقهاء أيضا يوجد أحكام من الإجماعات والشهرات بل يجب الفحص فيها أيضا.

٦٤٥

لا يقال لا يكون الموضوعات جميعها موردا للابتلاء بل بعضها فحينئذ لا يكون العلم منجزا لخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء بخلاف الأحكام. لأنا نقول ان الأحكام أيضا كذلك فان بعضها يكون خارجا عن محل الابتلاء بالنسبة إلى بعض الافراد ولا دليل لنا على وجوب الفحص بالنسبة إلى ما هو خارج عن الابتلاء في الأحكام أيضا ولكن العلم الإجمالي فيما هو محل الابتلاء أيضا يكون موجودا فكما ان الفحص فيها يكون فيما هو محل الابتلاء للعلم الإجمالي فكذلك في الموضوعات التي تكون كذلك نعلم بوجود أحكام ملزمة فيجب الفحص فيها أيضا.

فما تمّ التمسك بالعلم الإجمالي لوجوب الفحص في خصوص الأحكام بل هو شامل للموضوعات أيضا إلّا ان يدعى الإجماع على اختصاص وجوب الفحص في الأحكام فقط دونها أو يتمسك بالروايات الواردة في وجوب التعلم.

فنقول اما الروايات الواردة في وجوب التعلم كما تعرض لها الشيخ قده في الرسائل فلا شبهة في دلالتها على وجوب التعلم في الجملة وان كان الكلام في أن الوجوب نفسيا يكون أو مقدميا أو إرشاديا وبها يخصص الأدلة الدالة على البراءة بإطلاقها ولو قبل الفحص.

المرحلة الثانية

في ان ترك الفحص هل يوجب العقاب أم لا.

وحاصل الأقوال فيه ثلاثة : الأول انه موجب للعقاب مطلقا سواء كان الواقع في البين بحيث لو تفحص لظفر به أو لم يكن بحيث لو تفحص أيضا لم يظفر به وهذا الوجه منسوب إلى صاحب المدارك الثاني ما نسب إلى المشهور من أن العقاب يكون لترك الواقع فحيث لم يكن واقع في البين في الواقع ونفس الأمر لا يكون العقاب لترك الفحص.

الثالث ما عن الخراسانيّ قده وتبعه شيخنا النائيني قده من ان العقاب يكون على ترك التعلم الواصل إلى الواقع لا ما لم يصل إليه والفرق بين الوجهين الآخرين

٦٤٦

علمي محضا لا ثمرة عملية فيه. ووجه الاختلاف هو الاختلاف في نحو وجوب الفحص من الروايات أو غيرها.

فعلى القول بأن الوجوب نفسي استظهارا من الروايات في وجوب التعلم أو كل تكليف يكون ظهوره الأولى في النفسيّة فيكون تركه موجبا للعقاب لأن المولى إذا وضع الكتب للمراجعة إلى قانونه وترك المكلف الفحص كذلك بعد ما لم يكن دأبه إيصال كل تكليف إلى باب دار كل شخص وأمر بالفحص أو العلم بالتكليف أوجب الفحص يكون هذا الترك خلاف رسم العبودية ويعد ظلما على المولى والظلم عليه وترك العبودية قبيح من دون دخل شيء آخر فهذا هو الوجه في اختيار صاحب المدارك من ان العقاب على نفس ترك الفحص والتعلم.

وفيه ان تناسب الحكم والموضوع يرشدنا إلى خلاف هذه المقالة وهو انا نعلم ان المولى لا يكون إلّا بصدد وصول الناس إلى القوانين المجعولة مثل الصلاة والصوم وأحكامهما ويكون وجوب التعلم لحفظ هذه الواقعيات فكيف يمكن أن يقال في أصل الفحص مصلحة ولا يكون للواقع دخل في نظر المولى.

فان وجوب الفحص يكون لدفع الضرر المحتمل في ترك الواجب في الواقع لو كان أو فعل المحرم كذلك بعد سقوط قبح العقاب بلا بيان فالعقاب يكون على ترك الواقع والعلم بأي وجه كان وان ثبت في الفلسفة انه جهة نورية للنفس وان كان هو العلم بالاحكام الشرعية ولكن لا يكون هذه المصلحة في ذاته مطرحا في أحكامنا بل جهة المعرفة بالاحكام للعمل حسب تناسب الحكم والموضوع.

وعلى القول بأن العقاب على الواقع الّذي حصل العلم به كما هو مختار المحقق الخراسانيّ وشيخنا النائيني فتقريبه ان وجوب التعلم يدور بين كونه نفسيا أو طريقيا أو مقدميا.

لا وجه للأول لما مرّ ولا للثالث (١) لأن العلم لا يكون مقدمة للعمل ولا يكون

__________________

(١) أقول التعلم في بعض الصور يكون مقدميته منحصرة كما في صورة عدم ـ

٦٤٧

مثل نصب السلم ولا مثل الوضوء للصلاة فربما يحصل العلم ولا يحصل العمل فالقول بالوجوب الغيري المقدمي أيضا لا وجه له فيبقى الثاني وهو كونه طريقيا لأن الواقع بدون العلم لا تنجيز له والعلم بدون الواقع أيضا لا أثر له لعدم كون الوجوب نفسيا فترك التعلم الّذي كان واصلا إلى الواقع لو حصل يكون موجبا للعقاب مثل ترك تصديق العادل الّذي يخبر بوجوب شيء فان العقاب لا يكون على تركه ان لم يكن مفاد قوله هو الواقع.

والواقع لا يكون قابلا للعقاب عليه قبل تصديق العادل وإثباته فيكون العقاب على الترك الموصل إلى ترك الواقع.

والجواب عنه ان الوجوب لا يكون طريقيا في المقام لأن الطريق يكون جعله من متممات جعل الواقع فإذا وجبت صلاة الجمعة مثلا وتمّ جعل الوجوب ورأى المولى ان الواقع لا يصل إليكم إلّا بأن يجعل الأمارة التي تكون حافظة للواقع يجعل قول زرارة مثلا حجة لأن العادل لا يكذب والخطاء في النقل أيضا لا يضر بما

__________________

ـ حصول الاحتمال حتى يحتاط وفي صورة إمكان الاحتياط يكون من المقدمات أيضا ولكن غير منحصرة وسيجيء في طيّ كلماته قبول القسم الأول فلا شبهة في المقدمية.

ولا ينافى القول بالمقدمية كونه مقدمة طريقية لأن العلم طريق إلى العمل وهو لا يحصل إلّا بالتعلم وليس له مصلحة إلّا إراءة الواقع كما في الأمارات فإنكار الطريقية أيضا غير موجه فانا نرى ضرورة أنه من متممات جعل الأحكام ولولاه لضاع الدين.

وكان الواصل إلى المكلفين بالبخت والاتفاق غير كاف كما أن الحاصل لهم بالقطع قليل ولا شبهة في الاحتياج إلى جعل الأمارة والمقدمية والطريقية لا تنافي الإرشاد الّذي اختاره مد ظله لأن الحكم الإرشادي هو الّذي يكون للعقل لو لا الشرع سبيل إليه وهو تابع للمرشد إليه.

فان كان مقدمة فالإرشاد إلى المقدمية وان كان طريقا فالإرشاد إلى الطريقية وان كان الوجوب نفسيا فالإرشاد إلى النفسيّة فاختيار الإرشاد لا ينافيها واما الوجوب النفسيّ فلا يكون للتعلم من باب تناسب الحكم والموضوع.

٦٤٨

هو محط النّظر إذا كان الغالب وصول الناس بهذا الطريق إلى الواقع كما هو كذلك غالبا.

فتصديق العادل ينطبق على وجوب صلاة الجمعة مثلا وهذا بخلاف وجوب التعلم فان وجوبه لا يكون مما ينطبق على الواقع بعد كونه شيئا غيره فليس الوجوب اذن طريقيا.

لا يقال نحن بعد جعل وجوب التعلم نفهم لازمه وهو وجوب الاحتياط على فرض تركه بعد عدم كون وجوبه نفسيا ولا مقدميا ووجوب الاحتياط لا شك في أنه طريقي محض فانه يكون للوصول إلى الواقع مثل جعل الأمارة فينحفظ الصلاة بجعل الاحتياط كما ينحفظ بجعل الأمارة فهو طريقي.

لأنا نقول هذا يكون من الأكل عن القفا وإتعاب النّفس بإرجاع وجوب التعلم إلى الاحتياط ولنا طريق أسهل من هذا وهو ان نقول ان العقل يحكم بوجوب الاحتياط إذا كان لنا تكاليف وما حصل لنا العلم به لترك التعلم فوجوب التعلم يكون إرشادا إلى وجوب الاحتياط الّذي يحكم به العقل هذا أولا.

وثانيا بأن العقل يحكم بوجوب الفحص بعد العلم الإجمالي بوجوب واجبات وتحريم محرمات وغيرها في الشريعة وروايات وجوب التعلم أيضا إرشاد إليه ومن هنا ظهر أن انحصار الوجوب اما في النفسيّ أو المقدمي أو الطريقي غير وجيه لأن لنا شقا رابعا وهو الوجوب الإرشادي وقد مرّ ان العلم الإجمالي كان تاما ودليلا على وجوب الفحص وكان الكلام والإشكال في الفرق بين الشبهات الموضوعية والحكمية فقط.

ومن شواهد هذا الوجه هو أن الروايات تكون فيها التهديد من جهة ترك التعلم ولا يقول السائل ما علمت وجوبه بل انه حكم عقله بوجوبه يسكته في مقابل تهديد الإمام عليه‌السلام وما حكم به العقل يكون حكم الشرع به إرشاديا.

وثالثا لا ينتج القول بالطريقية ما كانوا بصدده وهو أن يكون العقاب على حصة من التعلم الموصلة إلى الواقع بل يكون العقاب على ترك الواقع الّذي قامت الأمارة

٦٤٩

عليه والمصادفة وعدمها لا تكون في اختيار العبد حتى تكون دخيلة في العقاب وعدمه.

ثم ينبغي التنبيه على أمور في الفحص

الأول ان ترك الفحص الّذي قلنا أنه موجب للعقاب يكون له صور أربعة الأولى ان يكون تركه الفحص موجبا لكون عمله في الخارج مخالفا للواقع والطريق مثل فرض قيام الأمارة على وجوب الجمعة مع كونها في الواقع واجبة مع تركه لها من جهة عدم الفحص ففي هذه الصورة قالوا بأنه لا شبهة في العقاب لأن عمله خالف الواقع والطريق ولا عذر له عند المولى ولا حجة فيكون معاقبا بعقاب الواقع.

الصورة الثانية أن يكون عمله مع ترك الفحص موافقا للواقع وللطريق المنصوب له ولو تفحص لظفر به مثل صورة إتيان صلاة الجمعة في الفرض السابق في المثال.

فانه لا شبهة في عدم عقابه على الواقع لأنه ما خالف الواقع وما خالف الطريق وان كان هذا حسب الاتفاق ولكن حيث ما كان لوجوب الفحص نفسية وما حصل مخالفة الواقع فلا عقاب عليه نعم يكون متجريا بتركه الفحص الواجب.

الصورة الثالثة أن يكون العمل موافقا لأحدهما مخالفا للآخر فتارة يوافق الواقع مع كون الأمارة التي لو تفحص لظفر بها تكون خلاف الواقع وتارة يوافق العمل مع الأمارة كذلك مع كونه مخالفا للواقع لخطإ الراوي مثلا في النقل أو التلقي عن المعصوم عليه‌السلام وحينئذ في استحقاق العقاب وعدمه خلاف.

فربما قيل كما عن النائيني قده (في الفوائد ص ١٠١) ان العمل إذا كان موافقا للواقع يكفي لعدم استحقاق العقوبة لأن الطريق لا مصلحة في سلوكه بعد عدم كونه مؤديا إلى الواقع وان تجري في تركه الفحص ولكن اتفق وجدان الواقع ولو بدون الفحص لأنه لا يكون واجبا نفسيا ولا يكون تسلكه فيه المصلحة ضرورة أن المصلحة السلوكية تكون لحفظ الواقع وهو محفوظ بدونه.

واما لو وافق الأمارة دون الواقع فقال (قده) بأنه يوجب العقاب لأن العلم

٦٥٠

الإجمالي بالاحكام منجّز ولا عذر له في مخالفته فانه اما يجب عليه الاحتياط أو الفحص وحيث تركهما ولم يحصل له الواقع أيضا لم يكن معذورا عند المولى فهو معاقب.

وعندي في هذا الوجه نظر وهو أن الفحص يكون لوجدان الطريق الموصل إلى الواقع فان هذا الشخص لو تفحص أيضا كان له الطريق المانع عن الواقع فكيف يمكن ان يقال انه معاقب على ترك الفحص الّذي وجوده كالعدم بل أسوأ لكونه إغراء بالجهل فان المصلحة في الفحص تكون هي درك الواقع وهو غير مدرك به فلا عقاب على تركه.

الصورة الرابعة هي أن لا يكون فحصه في الكتب المعروفة مؤديا إلى أمارة من الأمارات لا الموافق للواقع ولا المخالف له لعدم ورود رواية في ذلك مع مخالفة عمله للواقع.

فقال قده في هذه الصورة أيضا يكون معاقبا لأن عمله لم يكن موافقا للواقع والعلم الإجمالي بالاحكام كان منجزا ولا يكون له إجراء قبح العقاب بلا بيان فيجب عليه الفحص أو الاحتياط وحيث لم يتفحص لم ينحل العلم الإجمالي فلا يكون معذورا عند المولى.

وفي هذه الصورة أيضا عندي نظر لأن وجوب الفحص يكون لمصلحة درك الواقع بواسطة درك طريقه وحيث انه لو تفحص أيضا لم يظفر بشيء فلا وجه للقول بكونه معاقبا الا على فرض القول بوجوبه النفسيّ وهو مستنكر عنده وعندنا.

ولا يقال ان الفحص حيث لم يكن موجبا لسد الواقع فهو واجب بمقتضى العلم الإجمالي بخلاف صورة وجدان ما هو المخالف للواقع فمع القول بالعقاب في صورة الفحص الّذي يوصل إلى أمارة مخالفة للواقع فهنا نقول به بالأولوية.

لأنا نقول انه لا يتم الكلام لا في السابق ولا هنا فان العقاب لا يكون إلّا على الواقع الّذي لو تفحص لظفر به لا على ترك الفحص مطلقا فالمدار على الواقع لا على ما هو طريقه وقبح التارك للفحص من باب التجري كلام آخر.

الأمر الثاني في البحث عن ان العقاب الّذي يكون على تارك الفحص هل

٦٥١

يكون في الجاهل بالجهل البسيط بالحكم أو يشمل حتى الغافل الّذي لا التفات له إلى جهله فيه خلاف.

والمراد بالغافل هو الّذي التفت في حين من الأحيان إلى وجوب الفحص ثم حصلت الغفلة بعده وأما الغافل الّذي لم يلتفت أبدا فلا يكون الكلام فيه لأنه لا يكون محتملا حتى يكون الاحتمال للضرر موجبا لتنجيز حكم العقل عليه بدفع الضرر المحتمل بعد سقوط قبح العقاب بلا بيان بالنسبة إليه.

وقد اختار الخراسانيّ قده العقاب على الترك وان كان عن غفلة كما مر لأنه ينتهى إلى الاختيار فانه حين الالتفات إذا ترك الفحص باختياره يكون بعده أيضا معاقبا لأن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فهو معاقب لذلك.

وقد أشكل عليه بأن هذا يكون خلاف مبناه وهو الوجوب الطريقي بالنسبة إلى التعلم لا الوجوب المقدمي وهنا يكون ترك التعلم موجبا لترك الواقع فيكون عقابه على ترك التعلم من باب العقاب على تفويت المقدمة التي كانت هي التعلم.

وفيه ان المقدمية للتعلم مطلقا لم تكن منكرة بل في بعض الصور يكون مقدمة لا محالة وهو الصورة التي لا يكون الوصول إلى الواقع إلّا به وإنكار المقدميّة يكون في صورة الالتفات الّذي يمكن معه الاحتياط أيضا فهذا الدليل أخصّ من المدّعى.

فان الإشكال يكون على فرض إنكار المقدمية مطلقا وليس كذلك بل المقدمية مسلمة في بعض الموارد فلا يرد هذا الإشكال عليه قده مضافا بأن الكلام يكون فيمن التفت قبلا وترك الفحص حينه فوقع حين العمل في مخالفة الواقع واما الغافل الّذي لا يحصل له الاحتمال أيضا فلا يقول بأنه معاقب عليه.

لا يقال العالم بالحكم لا يجب عليه التحفظ لئلا يقع في مخالفة الواقع فضلا عن الجاهل المحتمل لأن حديث الرفع بفقرة رفع النسيان يحكم بعدم وجوب التحفظ.

لأنا نقول أصل وجوب التحفظ يكون بحكم العقل من باب العلم الإجمالي بالاحكام انما الكلام في مقدار رفع الحكم الّذي يكون العقل حاكما به مضافا إلى

٦٥٢

إرشاد الشرع وحيث ان حفظ الدين لا يمكن إلّا بالفحص عن أحكامه فلا يشمل الحديث لهذا المورد بل يجب التحفظ وهذا مطابق للفطرة أيضا فان العالمين بالحكم يكون نسيانهم بالنسبة إلى موارد ذكرهم قليلا بخلاف الجاهل بالحكم رأسا فان موارد خطائهم كثير جدا.

ولذا يمكن جعل الرفع بالنسبة إلى العالم دون الجاهل ضرورة أن رفع الحكم بالنسبة إليه يكون موجبا لهدم الدين فلا شبهة في أن المحتمل والملتفت إلى وجوب الفحص إذا تركه ووقع في الخلاف في حين العمل غفلة يكون معاقبا لترك الفحص.

الأمر الثالث في أن العقاب في الواجب المشروط هل يكون في صورة أداء ترك التعلم إلى ترك الواقع اما للغفلة أو لضيق الوقت أم لا ومنشأ الإشكال هو ان الواجبات المشروطة قبل حصول الشرط لا يكون وجوبها فعليا لعدم حصول الشرط عند المشهور فإذا لم يكن الشرط حاصلا ولا المشروط واجبا فوجوب التعلم من باب المقدمية أو الطريقية أو الإرشاد ساقط.

فإذا سقط الوجوب قبل الوقت لعدم وجود الواقع حتى يحكم العقل أو الشرع بتحصيل ما هو دخيل فيه فإذا دخل الوقت ولم يكن الوقت كافيا للتعلم أو حصلت الغفلة عنه لا وجه للعقاب لأن الغافل لا عقاب عليه والملتفت في الوقت لا يكون له الخطاب لعدم القدرة بضيقه وقبله أيضا يكون المفروض عدم الخطاب.

ومن هنا التجأ المقدس الأردبيلي قده وتلميذه صاحب المدارك قده إلى القول بأن التعلم يكون من الواجب النفسيّ التهيئي يعنى وجوبه يكون لملاك في نفسه للغير ولا يكون خطابه الخطاب المتوجه إلى الغير بحيث يترشح الوجوب عنه إليه ليكون مقدميا.

وارتضى بهذا الوجه المحقق الخراسانيّ قده حيث أنه لا يقول بفعلية وجوب الواجبات المشروطة.

وهكذا في الواجبات الموقتة قبل حضور الوقت يكون القول بوجوب التعلم

٦٥٣

فيه الإشكال كما في الواجب المشروط.

أقول اما نحن فمستريح عن هذا الإشكال لأن الواجبات المشروطة قبل حصول الشرط والموقتة قبل حضور الوقت تكون فعليات عندنا ولا فرق بين المطلق والمشروط عندنا وأثر فعليتها هو وجوب المقدمات التي يفوت الواجب بفوتها في الوقت أو عند حصول الشرط تعيينا ووجوب المقدمات التي لا يفوت الواجب بفوتها تخييرا وحيث فرض في المقام أن التعلم لو لم يكن قبل الشرط والوقت يفوت الواجب اما بالغفلة أو ضيقه فلا بد من القول بوجوبه إرشادا على التحقيق أو طريقا على مسلك الخراسانيّ قده والنائيني أو مقدمة على مسلك الشيخ قده ولا يبقى وجه للإشكال واما على مسلك غيرنا مثل الخراسانيّ فيشكل الأمر.

ولكن لا يكون طريق الخلاص ما اختاره الأردبيلي قده وارتضاه الخراسانيّ وهو الوجوب النفسيّ التهيئي للغير لأنه ليس لنا قبل حصول الشرط غير حتى يحكم العقل بوجوب التعلم له لملاك التهيؤ فلا بد أن يرجع المشروط إلى المعلق أو يقال بأن الواجب هو التحفظ من باب الاهتمام بالاحكام فيكون وجوب التعلم من باب الإرشاد إلى ملاك الحكم واهتمام الشرع به هذا أولا.

وثانيا ان اللازم من كلامه قده هو كون العقاب على ترك التعلم نفسه سواء أدّى إلى مخالفة الواقع أم لا ولا يقولون به.

فتحصل ان وجوب التعلم في الواجبات المشروطة يكون اما من باب فعلية الوجوب قبل الشرط أو الوقت كما هو الحق أو من باب الإرشاد إلى وجوب التحفظ من باب الاهتمام بالاحكام (١) ولا وجه للقول بالوجوب النفسيّ التهيئي للغير بوجه

__________________

(١) أقول ويمكن ان يقال ان الواجب المشروط في نظر العقلاء يكون وجوب بعض مقدماته من آثار الوجوب الإنشائي ولو لم نقل بفعليته من وجه كما هو الحق عندنا فالمقدمات المفوتة يجب تحصيلها ولا يمكن إجراء البراءة من وجوبها فالتعلم واجب بهذا الوجه كما مال إلى ما قلناه المحقق الخراسانيّ في بحث الواجب المشروط وانه أيضا وجه وجيه.

٦٥٤

ويكون العقاب في صورة مخالفة الواقع لتركه على الوجهين.

المرحلة الثالثة في البحث عن حال تاركي طريقي

الاجتهاد والتقليد

من حيث العمل الّذي أتى به والبحث عن عقابه وصحة العمل مع ترك الفحص أو فساده فنقول لا شبهة في ان التارك كذلك إذا وافق عمله الواقع أو الأمارة أو الفتوى يكفى في عدم العقاب وصحة العمل إذا لم يوجد أمارة مخالفة أو فتوى كذلك على خلاف ما أخذه وعمل به بعد الالتفات.

لأنه من الواضح عدم حجية الأمارة ولا فتوى الفقيه الا من باب الطريقية والكاشفية عن الواقع فإذا وجد الواقع بدون الكشف الكذائي أو وافق العمل على طبقه لا وجه للعقاب وإلّا فيرجع إلى القول بالسببية في باب الأمارات وهو فاسد وكذلك لا يكون مصلحة من باب السلوك.

انما الكلام في الأخذ بالأمارة أو الفتوى من بدو الأمر ثم وجدان أمارة أو فتوى على الخلاف أو عدم الأخذ.

فتارة بهما ولكن طابق عمله بدون الأخذ لإحدى الأمارتين أو الفتويين مع تمام شرائط الحجية لهما فعلا فيحصل التعارض ففي صورة استناد عمله في الابتداء إلى إحداهما ثم ظهور المعارض فلا شبهة في انه طابق عمله مع الحجية التي صارت بالاخذ حجة له ويصح واما إذا لم يكن الاستناد إليهما من أول الأمر كما هو الفرض في تاركي طريقي الاجتهاد والتقليد فهل يكون له الأخذ فعلا بما وافق عمله في السابق ليقال بصحة عمله أم لا فيه خلاف ومذهب الاعلام هو كفاية الأخذ بالموافق للتخيير.

وتارة مع عدم تمامية شرائط الحجية للسابق بأن وجد أمارة على الخلاف كرواية صحيحة مثلا وظهر ضعف الرواية السابقة أو تبدل رأي المجتهد لو كان فتوى من يجب تقليده فعلا مخالفا لفتوى من كان قبله حين العمل ففي هذه الصورة

٦٥٥

مال السيد محمد كاظم صاحب العروة قده بعض الميل إلى أنه يجب الأخذ بأحوط القولين ولا دليل على الصحة.

واما إذا تبدل رأي المجتهد بالنسبة إلى ما استند به نفسه أو مقلده فالقاعدة الأولية يقتضى بطلان ما عمل لأن الأمارات لا موضوعية لها بل الأخذ بها يكون من جهة أن الأخذ بالطريق لازم لدرك الواقع فإذا ثبت خلافه فلا دليل على صحة المأتي به لأنه لم يكن موافقا للمأمور به.

إلّا انه ادعى عدم وجوب الإعادة مطلقا بالإجماع وفي خصوص الصلاة بقاعدة لا تعاد إذا كان شاملا للجهل كذلك أي الجاهل القاصر الّذي لم يجد بعد الفحص أيضا ما يطابق الواقع.

أو يقال في المعاملات بأنه في صورة فقد الموضوع يحكم بالصحّة مثل ما إذا نكح امرأة بعقد فاسد ولم تكن الزوجية باقية واما إذا كانت باقية فيجب إعادة صيغة النكاح مثلا صحيحا في حين الالتفات.

البحث في التفكيك بين صحة العمل وعدم العقاب في الجهر

والإخفات والقصر والإتمام

ثم انه قد ظهر مما مرّ الملازمة بين صحة العمل وعدم العقاب وكذلك الملازمة بين العقاب وبطلان العمل وقلنا ان تارك الفحص يكون عقابه على ترك الواقع فلو اتفق المطابقة مع الواقع لا وجه للقول بالبطلان والعقاب وفي هذا الأمر نبحث عن موارد يكون الانفكاك بين الصحة وعدم العقاب أي يكون العقاب على ترك الفحص ويكون العمل صحيحا وهذا في أربعة موارد أحدهما اختلافي والبقية عليها اتفاق العلماء اما ما اتفقوا عليه فهو صحة العمل في صورة الجهل بحكم الجهر والإخفات.

فإذا أخفت في موضع الجهر في القراءة كصلاة المغرب أو جهر في موضع الإخفات كصلاة الظهر يصح صلاته ويكون معاقبا لتقصيره في التعلم وكذلك إذا

٦٥٦

أتم صلاته في السفر جاهلا بالحكم يصح صلاته ويكون عليه عقاب ترك التعلم واما إذا قصّر في موضع التمام فيكون الاختلاف في الصحة وكيف كان قد تظافرت الأدلة على الصحة في الموارد الثلاثة أو الأربعة مع القول بالعقاب على ترك التعلم للتقصير وصار هذا القول محل الإشكال بين الاعلام.

وحاصل ما يستفاد من كلماتهم ان هذا الحكم مشكل بإشكالات ثلاثة.

الأول انهم يقولون بالعقاب حتى في صورة بقاء الوقت للصلاة التي صلاها مع ان الوقت إذا كان واسعا يجب ان يقال بإعادة ما حصل الإخلال بوصفه واما خارج الوقت فلا يكون فيه هذا الإشكال.

الثاني ان المستفاد من الأدلة هو ان الصلاة التي صلاها المكلف تكون مأمورة بها وان الصحة تكون لمطابقة المأتي به للمأمور به ولا يبقى مع ذلك مجال للعقاب فان العاصي يكون عليه العقاب لا المطيع.

ومن المفروض عدم الأمر بالصلاتين الجهرية والإخفاتية والقصر والتمام بل المكلف مأمور بصلاة واحدة وقد أتى بها.

الثالث ان الجمع بين الصحة والعقاب من الجمع بين الضدين لأن لازم الصحة هو كون العمل مأمورا به ولازم العقاب كونه غير مأمور به فكيف يكون العمل الواحد مأمورا به وغير مأمور به.

وقد أجاب القوم عن الإشكالات في المقام بأجوبة متفاوتة فالجواب الأول عن صاحب الكفاية (ص ٢٦١) وحاصل الجواب هو أن الصلاة القصرية في موضع التمام والإخفاتية في موضع الجهرية وبالعكس فيها تكون واجدة لمرتبة من المصلحة فكان الجامع بين الجهر والإخفات والقصر والإتمام يكون له مصلحة ولكل فرد أيضا مصلحة من باب فردية الجامع وان لم يصرح قده بالجامع للإشكال فيه من جهة عدم مجيء الترتب في المقام لكن أحد الافراد أفضل وأكمل والآخر أنقص ولكنه مع نقصانه يكون صحيحا فالتمام في موضع القصر له مرتبة ناقصة من المصلحة وهكذا الجهر في موضع الإخفات والإتيان بها كذلك يكون مفوت المصلحة في

٦٥٧

الأكمل أي لا يمكن إتيان الأكمل بعد إتيان الأنقص ويكون العقاب على ترك الفرد الأكمل وفقدان المصلحة الزائدة وعليه فلا فرق بين بقاء الوقت وعدمه.

ومثال ذلك هو أن يكون امر المولى بإتيان الماء مع الأنجبين فأتى العبد بالماء الخالص فشربه فانه رفع عطشه ولم يبق وجه بعده لشربه مع الأنجبين بل ربما يكون مضرا بحاله فيكون الاجزاء هنا لمصلحة تفويت الأكمل فالامر والعقاب والصحة كل ذلك لا إشكال فيه.

اما الأمر فلوجود المصلحة واما العقاب فلتفويت الأكمل واما الصحة فلمطابقة المأتي به مع المأمور به.

وقد تفصى عن الإشكال شيخنا العراقي قده بوجه قريب لما ذكره صاحب الكفاية وهو ان المصلحة قائمة بالجامع بين صورتي الجهل والعلم واحد افراده هو كون المغرب والعشاء والصبح مع الجهر والظهر والعصر مع الإخفات وللصلاة مصلحة تامة كذلك وللإخفات في الجهرية والجهر في الإخفاتية أيضا مصلحة ناقصة وهكذا في القصر والإتمام ولكن حيث يكون التضاد بين المصلحتين لم يكن الأمر بها ولذا لا يقال بوجوب الصلاة لدرك المصلحة الزائدة حتى في الوقت لعدم إمكان الجمع بين المتضادين.

وهذا يرد عليه ان الخطاب إذا كان على الجامع فلا بد ان يكون التطبيق على الفرد اما بنحو التعيين أو التخيير بين الفردين أو يكون الانطباق على وجه الترتب فإذا لم يكن التعيين ولا التخيير فلا بد ان يكون على وجه الترتب بان يكون عصيان أحد الفردين موجبا للخطاب إلى الآخر فلو كان الإشكال في الترتب كبرويا أو صغرويا في خصوص المقام لا يصح القول بالجامع وهذا هو السر في عدم قول صاحب الكفاية بالجامع.

ثم انه أشكل شيخنا النائيني في ذلك بإشكال مشترك على مقالة الخراسانيّ وشيخنا العراقي وهو ان القول بتضاد المصلحتين لا وجه له لأن القدرة من المكلف على الجمع بين القصر والإتمام وإتيان الصلاة مع الجهر في موضعه ومع الإخفات

٦٥٨

كذلك ممكن فلا تضاد بين المصلحتين في الخارج مثل التضاد بين الإزالة والصلاة في صورة نجاسة المسجد.

واما من حيث المصلحة فاما أن يكون المصلحة في القصر مشروطة بعدم سبق التمام بحيث لو سبق لا يكون له المصلحة فلا أمر بالصلاة قصرا بعد إتيانها تماما ولا للصلاة جهرا بعد إتيانها إخفاتا وبالعكس وهذا خلف الفرض لأن الفرض وجود المصلحة وعلى فرض الاشتراط فلا عقاب أصلا من باب عدم الأمر بالصلاة كذلك والعاصي هو المعاقب ولا يكون العصيان هنا متصورا.

واما أن لا يكون الشرط في تحقق المصلحة هو عدم سبق الغير فلا بد حينئذ من القول بوجوب الجمع فلا وجه للقول بالصحّة والعقاب.

والحاصل لو كان القصر للمسافر مثلا دخيلا في العبادية يجب القول بوجوبه ولو سبق التمام لتحصيل العبادة.

والجواب عنه (قده) ان الإشكال غير وارد على هذه المقالة لأن المصلحة الزائدة ولو كانت دخيلة ولكن لم تكن بحيث يضر فقدها بالعبادية فالناقص أيضا عبادة بدونها ولا كمال له والكامل لا يمكن الإتيان به بعده من جهة عدم إمكان الجمع في نظر الشارع لا في نظر العرف فان القدرة العرفية موجودة والقدرة الشرعية مفقودة من باب تفويت المصلحة الزائدة بإتيان الناقص فلا وجه لإشكاله قده على العلمين الخراسانيّ والعراقي قدهما.

والجواب الثاني عن إشكال العقاب مع صحة العمل هو ما عن الشيخ الكبير كاشف الغطاء قده وهو إصلاح المقام بالخطاب الترتبي بأن يقال ان القصر في السفر هو الأهم والتمام فيه هو المهم فإذا عصى المكلف خطاب الأهم ولو من باب جهله بالحكم يكون مخاطبا بخطاب المهم كما أن العاصي إذا عصى أو لم يأت بإزالة النجاسة عن المسجد التي يكون وجوبها فوريا ومقدما على الصلاة يكون صلاته مأمورة بها لأنها المهم فالامر يكون للصلاة تماما في موضع القصر والعقاب يكون لترك الأهم فلا إشكال في الجمع بين الصحة والعقاب وعدم الإتيان بالأهم يكون من

٦٥٩

جهة التضاد بين المصلحتين.

وقد أشكل عليه شيخنا النائيني بإشكالين :

الأول ان الخطاب الترتبي لا يأتي في المقام لأن من شروطه أن يكون لكل من الأهم والمهم مصلحة ولا يكون القدرة للعبد على الجمع بين المصلحتين في آن واحد ومن المعلوم عدم الملاك للأهم والمهم في المقام وإلّا لوجب الجمع بينهما حيث لا مانع منه فعدم الخطاب بهما يكون كاشفا قطعيا عن عدم الملاك.

الثاني هو ان الضابطة في الأمر الترتبي هي عصيان امر الأهم بأن يقال أيها العاصي والتارك للأهم فأت بالمهم بعد عصيانك الأهم وهذا لا يتمشى في المقام لأن الجاهل لم يكن مخاطبا بهذا النحو من الخطاب ضرورة انه في حال الجهل لا يكون ملتفتا إلى العصيان ولو التفت إلى جهله يأتي بالأهم فحيث لا يتصور العصيان هنا لا يكون المقام من صغرى الترتب مع قطع النّظر عن الإشكال في الكبرى أي الترتب في جميع المقامات.

ويرد على اشكاله الأول ان الترتب لم يرد في لسان دليل حتى يقول (قده) بأنه منصرف إلى صورة عدم قدرة العبد على الجمع في الخارج فقط بل يكون من جهة الجمع بين الحلقتين من التكليف وحيث لا يمكن الجمع في نظر الشرع بين المصلحتين فيمكن تصوير الترتب فان عدم الجمع في الخارج لا يكون ملاك الترتب فقط بل عدم إمكان الجمع من حيث الواقع والغرض المتعلق بالشيء أيضا يكفي للترتب.

واما الجواب عن اشكاله الثاني فهو انه لا التزام لنا بأن يكون الترتب في صورة صدق العصيان بل في صورة ترك الأهم وتركه تارة يكون للعصيان وتارة يكون لمجرد عدم الإتيان فيمكن أن يكون الخطاب متوجها إلى هذا الشخص بعنوان أنه تارك للأهم في الواقع.

فان قلت فلو لم يعص فمن أين يكون معاقبا على ترك الأهم قلت يكون

٦٦٠