مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

الاجزاء فهنا يكون محفوفية الكل باجزائه أشد من محفوفية الشرط بالمشروط لأنه على أي حال يكون غيره ولو لم يكن مستقلا أيضا فجريان البراءة عقلا لا شبهة فيه هذا كله في الشرط والمشروط والقيد والمقيد.

الأمر الثاني

في الجنس والنوع والنوع والفرد انه هل يكون الحكم في الخصوصية البراءة أو الاحتياط من باب التعيين والتخيير أو الاحتياط من باب التباين ففيه خلاف.

فقد استفاد بعض الناظرين إلى عبارة الشيخ قده الاحتياط وبعضهم البراءة والخراسانيّ قده قال في المقام بالاحتياط عقلا وشرعا وفي باب الشرط والقيد بالاحتياط عقلا والبراءة شرعا اما استفادة الاحتياط فهي من باب ان العرف يرى الإنسان متحدا مع الحيوان بدون عناية زائدة فإذا توجه الخطاب إلى الإنسان يرى خصوصية النطق متحدة مع الذات واما في الشرط فلا يرى كذلك بل يحتاج إلى عناية زائدة فان قيد الإيمان أو الطهارة يكون خارجا عرفا عن الذات ويحتاج إلى مزيد عناية فالأصل هنا يقتضى شرط الاحتياط بخلاف الشرط والقيد.

وفيه أولا ان العرف لا شأن له في التحليل مع انه يرى في الجنس والنوع أيضا الأقل والأكثر لأن المهملة الثبوتية محال فاما ان يكون القيد دخيلا أولا.

وبعبارة أخرى اما ان يكون الواجب هو إكرام الإنسان عند الأمر به أو الأعم منه ومن غيره.

ولشيخنا العراقي قده تقريب في المقام وهو أن الطبيعي بالنسبة إلى الافراد اما ان يكون بنحو التساوي ويكون مثل أب الأبناء أو بنحو التفاوت وأب الآباء فإذا كان للإنسان افراد وقلنا أن الأفراد مثل زيد وعمرو وخالد تكون مصداقا لتمام الطبيعي لا يكون في الافراد تفاوت لأن كل واحد يكون مصداق الطبيعي واما ان قلنا أن زيدا غير عمرو وبكر وانه حصة من الطبيعي وهكذا عمرو وبكر يكون الانطباق بالحصة لا بالطبيعي فعلى هذا إذا كان الأمر بإكرام زيد مثلا وشك في أنه هل كان

٥٤١

الموضوع هو زيد بخصوصيته الخاصة أو الإنسان يمكن جريان البراءة على مبنى التساوي فيمكن إكرام عمرو أيضا لأن الطبيعي في كل واحد منهما موجود واما إذا كان المبنى هو اختلاف الافراد فيدور الأمر بين التعيين والتخيير لأنه لا نعلم ان زيدا بخصوصيته الخاصة واجب الإكرام أو الواجب إكرام الأعم منه ومن عمرو فاللازم حينئذ هو إكرام زيد لأنه المتيقن والحصة الأخرى يكون خطابها مشكوكا.

والجواب عنه هو أن الوحدة التي تؤخذ من الافراد ولو على نحو الحصص لا تؤخذ من المتعدد بما هو متعدد بل يجب ملاحظة جهة وحدة واقعية ولو كانت هو الاتحاد في الوجود ولا يكون الإنسان الّذي يؤخذ من الجميع موهوما محضا بل لا بد ان يكون هذا بلحاظ حبل واحد في الجميع فعلى هذا يكون الشك في الخصوصية الزائدة في كل واحد من الافراد مثل صورة تساوى نسبة الطبيعي إلى الجميع فإذا كان الظاهر من ملاحظة الخطاب هو دخل هذه الخصوصية فلا بد من الاحتياط وعدم الاكتفاء بالأعم واما إذا كان الخطاب مما يحتمل الوجهين ويكون المتيقن هو الأعم ويكون الشك في الخصوصية الزائدة فالأصل يقتضى البراءة لرجوعه إلى الأقل والأكثر فالمدار على الخطاب في ذلك ويكون بعد استفادة كونه من الأقل والأكثر مثل الشك في الشروط والاجزاء ولا فرق في ذلك من حيث البراءة العقلية والنقليّة وقال الخراسانيّ في المقام ان البراءة الشرعية أيضا غير جارية كالبراءة العقلية وان كانت الشرعية بالنسبة إلى الشروط جارية فان خصوصية الخاصّ تكون منتزعة عن نفس الخاصّ فيكون الدوران بينه وبين غيره من قبيل الدوران بين المتباينين فيجب الاحتياط وقال شيخنا العراقي ان هذا الكلام منه يكون تاما على فرض كون العلم الإجمالي علة تامة كما هو مسلكه واما على فرض كونه مقتضيا فلا يتم لجريان الأصل بدون المعارض في بعض الأطراف فمثل الشيخ الأعظم والشيخ النائيني لا يكون لهما القول بالاحتياط مطلقا

٥٤٢

وان قلنا بان افراد الطبيعي مختلفة في الصدق بنحو الحصص بيان ذلك هو انا إذا علمنا بوجوب الكفارة اما في ضمن العتق أو الإطعام يكون الناشئ من هذا العلم ثلاثة (١) أمور بعد احتمال تعيين العتق مثلا.

الأول ان يترك العتق في ظرف ترك الإطعام ففي هذه الصورة يكون القطع بالحرمة لأن ترك جميع المحتملات يكون مخالفة قطعية للعلم الإجمالي وأصالة عدم وجوب هذا تعارضه أصالة عدم وجوب ذاك فلا يمكن ترك الطرفين لتعارض الأصلين الثاني ترك العتق في ظرف وجود الإطعام فان هذا الترك لا يكون مقطوع الحرمة لاحتمال امتثال التكليف في ضمن الإطعام فإذا شك في الحرمة فالأصل يقتضى البراءة عنها.

الثالث عكس هذا وهو ترك الإطعام في صورة وجود العتق فان هذا الترك

__________________

(١) أقول المحتملات الثلاثة ـ روحها يرجع إلى إنكار العلم الإجمالي من الأول بأن يقال إتيان محتمل اليقين مبرأ للذمة قطعا ويكون الشك في فردية الفرد الآخر ووجوبه بدوا فلنا علم تفصيلي وشك بدوي في هذه الصورة كما مرّ منه مد ظله في أصل مسلكه في الأقل والأكثر.

نعم لو كان المدار على العلم الإجمالي وقلنا باقتضائه لا عليته يكون الإتيان بغير المعين كافيا ولكن في أمثال المقام يكون مذهب القائل بالاقتضاء أيضا التعيين ويقول مد ظله هذا من عيوب مسلك الاقتضاء في العلم الإجمالي وهكذا القائل بالعلية التامة هذا.

ثم يمكن ان يقال ان خصوصية التعيين في جميع موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير مما لا يكون مبينا من الشرع لا شك أنها كلفة زائدة فالأصل يقتضى البراءة عنها كما يقول به قده في غير مورد من ذاك الباب فلا يبقى ثمرة على هذا بين القول بالاقتضاء أو العلية التامة في العلم الإجمالي.

والّذي افهم من روح كلام النائيني قده هو أنه أيضا قائل بالعلم التفصيلي والشك البدوي ولا يقول بالعلم الإجمالي وان كان في كلام مقرره ولكن التقرير ربما لا يفي بالبيان كما أن كلام نفس الشخص أيضا كذلك.

٥٤٣

أيضا مما لا يكون القطع بحرمته بل ليس بحرام لاحتمال التعيين فالأصل في طرف واحد جار بلا معارض.

فإذا كان كذلك مع العلم الإجمالي بأصل الوجوب فيكون النتيجة التخيير بين امتثال أحد الأطراف لأن الأصل في كل واحد منها مع امتثال الطرف الآخر لا يعارضه الأصل في الطرف الآخر لأنه قد حصل الامتثال قطعا في محتمل التعيين وكل مورد يكون كذلك لا بد من القول بالتخيير فالمعارضة بين الأصلين تختص بصورة ترك الطرفين وحيث لا تعارض يكون العلم الإجمالي على الاقتضاء غير مؤثر واحد فردي التخيير إذا كان حاصلا بالفعل لا يجب إتيان الفرد الآخر.

وهذا هو السر في أن الافراد وان كانت متباينة ولكن لا يجب الجمع فانه في صورة الدوران بين الظهر والعصر يجب الإتيان بهما واما في هذه الصورة ان كانت خصوصية الفرد الّذي هو العتق غير خصوصية الفرد الّذي هو الإطعام ولكن لا يجب الجمع بل يأتي بخصوص ما توجه الخطاب إليه واحتمل تعيينه فتحصل أن الجمع بين الافراد والاحتياط العقلي يختص بمن كان مبناه العلية في العلم الإجمالي لا من كان قائلا بالاقتضاء.

ثم ان الخصوصيات تارة تكون مفردة مثل خصوصيات زيد وعمرو بالنسبة إلى طبيعي الإنسان واما منوعة مثل خصوصية النطق بالنسبة إلى نوع الإنسان وخصوصية الناهقية في الحمار والقول بعدم جريان البراءة يكون في هذه الخصوصيات التي تكون منتزعة عن الذات ولا تكون زائدة عليها واما الخصوصيات الزائدة على الذات فجريان البراءة بالنسبة إليها لا إشكال فيها من جهة دوران الأمر بين الأقل والأكثر فإذا شك في أن الواجب إكرام زيد العادل مثلا أو يكفى إكرام زيد ولو لم يكن عادلا فالأصل يقتضى البراءة عن هذه الخصوصية أي العدالة ولا تكون كالخصوصيات المنوعة والمفردة.

لا يقال لو كان الأمر كذلك فلأي دليل لا يجري الأصل بالنسبة إلى الهاشمية إذا شك في دخالتها في الملاك مع أنها أيضا من الخصوصيات الزائدة على الذات.

٥٤٤

لأنا نقول الفرق بين الهاشمي وغيره هو أن صفة الهاشمية مما لا ينفك عن إنسان كان هاشميا في أول الوجود فليس لنا رجل غير هاشمي يصير هاشميا بعد زمان بل حين وجد اما ان يكون هاشميا أو غيره ولا يكون لنا جامع بينهما ليمكن أن يتوجه التكليف إليه بخلاف مثل العدالة والعلم فانا نتصور إنسانا لا يكون عالما أو عادلا ثم صار كذلك وبالعكس.

فتحصل من جميع ما تقدم أن الضابطة في الأقل والأكثر هي أن يكون لنا متيقن ومشكوك المتيقن هو الأقل والمشكوك هو الأكثر والحق فيه جريان البراءة بالنسبة إلى الأكثر والضابطة في المتباينين هي أن لا يكون لنا جامع ماهوى مثل الظهر والجمعة مع عدم احتمال تعيين بعض الأطراف فالواجب فيه الاحتياط بالجمع قضاء لشأن العلم الإجمالي.

والضابطة في التعيين والتنجيز هي أن يكون الافراد متباينة ولكن نحتمل أن يكون البعض المعين هو المتعين فهنا أيضا يجب الاحتياط ولكن لا بالجمع بين الأطراف بل بإتيان محتمل التعيين ولذا قال بالاحتياط شيخنا الحائري قده في صورة الشك في أن سهم الإمام عليه‌السلام هل يختص بالهاشمي أو يعم الهاشمي وغيره فحيث أن الهاشمي (١) هو محتمل التعيين يكون الاحتياط في اختياره ومن عيوب مسلك الاقتضاء في العلم الإجمالي هو القول بالتخيير في صورة احتمال التعيين مع عدم قولهم بذلك.

الأمر الثالث في الشك في الأسباب والمحصلات

اعلم انه يكون تشخيص الأسباب في غاية الإشكال وان كان المأمور به هو المسبب فإذا كان المسبب هو تحصيل الطهور والطهارة التي هي صفة قائمة بالنفس

__________________

(١) وحيث أن التعيين عندنا كما مر خصوصية وكلفة زائدة ولا يتم البيان بالنسبة إليها يمكن جريان البراءة عنها وخصوص المسألة أيضا خلاف المشهور من حيث العمل ودأب فقهاء العصر ومن قبلهم الا من شذ منهم.

٥٤٥

في الوضوء والغسل ولكن شك في الغسل أن التولي شرط كما في الوضوء أو يحصل المسبب ولو بدونه أو المسح منكوسا في الوضوء يجوز أم لا وهل يكون سببا أو يتعين أن لا يكون كذلك فتشخيص أن السبب في ذلك ما هو مشكل.

والأقوال في جريان البراءة وعدمه مختلف فقول بالبراءة مطلقا وقول بالاحتياط مطلقا وقول بالتفصيل بين السبب الشرعي والعقلي والعادي ففي الأول البراءة وفي الثاني الاحتياط والتفصيل بين كون المسبب مما يتصور له مراتب مثل الوضوء على الوضوء نور على نور فالأصل البراءة وما لا يقبل المرتبة فالأصل الاحتياط كما هو التحقيق.

اما القول الأول وهو الاحتياط مطلقا فعن شيخنا النائيني قده في تقريراته (في ص ٤٧ الجزء الرابع) وحاصله ان السبب العقلي مثل نصب السلم للكون على السطح أو العادي مثل رفع المانع لإيصال الماء إلى أعضاء الوضوء فإذا شك فيه يكون القول بالاحتياط فيه واضحا لأن المأمور به في الواقع هو المسبب وأسبابه تكويني لا تناله يد الجعل إثباتا ونفيا بل يحكم العقل بتحصيل ما هو السبب ورفع المانع ولو كان محتملا.

واما الأسباب الشرعية فهي أيضا يكون المجعول فيها في الواقع هو المسبب كالطهارة في باب الوضوء ولا يكون الأمر بالمسبب الا الأمر بالسبب لعدم كون السبب والمسبب منفكين فيجب تحصيل المسبب بأي وجه يمكن ولا بد من الاحتياط لتحصيل ذلك والتفصيل في تقريراته.

والحاصل إذا كان الأمر بالمسبب يكون الأسباب الشرعية كالأسباب العقلية مما لا تنالها يد الجعل إثباتا أو نفيا فلا وجه لجريان البراءة وكونه سببا شرعيا يكون من جهة جعل الشارع ذلك سببا لذلك المسبب من دون دخل للعقل في ذلك وهكذا كلام غيره قده.

والجواب عنه وعمّن هو قائل بهذا المسلك أولا هو أن هنا أيضا يكون مثل الشك في الجزء والشرط من جهة ان ما تم البيان بالنسبة إليه وهو الأقل يكون وجوبه

٥٤٦

مقطوعا ولكن الأكثر وهو الأقل مع الجزء الزائد يكون مشكوكا والأصل يقتضى البراءة عنه.

وبعبارة أخرى للمسبب تركان ترك من ناحية الأقل وهو حرام قطعا وترك من ناحية الأكثر وهو غير حرام لعدم تمامية البيان عليه فلا فرق بين الشك في الجزئية والشرطية والأسباب والمحصلات.

وثانيا ما ذكره قده يكون تاما بالنسبة إلى المسبب الّذي يكون بسيطا من جميع الجهات لا ما يتصور له مراتب فان الوضوء مثلا مما له مراتب وكاشفه ان الوضوء على الوضوء نور على نور فإذا شك في أسبابه فما هو مقطوع السببية يجب الإتيان به وما ليس كذلك فلا يجب الإتيان به لأنا لا نعلم ان التكليف بالمرتبة العليا هل يكون حتى يلزم الاحتياط أولا والأصل يقتضى البراءة واما في المسبب الّذي لا يكون له مراتب وكان بسيطا محضا كما لو فرض الوضوء كذلك ويقال لا يحصل المسبب الا بعد تمام الاجزاء والشرائط فلما ذكره قده وجه مع قطع النّظر عن ساير الإشكالات.

وثالثا ان في المقام يجب التفصيل بين كون العلم الإجمالي علة تامة أو مقتضيا فعلى الأول يجب الاحتياط وعلى الثاني يجري البراءة وهو قده ممن هو قائل بالاقتضاء فيجب ان يقول بالبراءة وان قلنا بأنه البسيط ولا مرتبة فيه.

وبيان ذلك ان إتيان الأكثر مع ترك الأقل يكون مقطوع الكفاية والاجزاء وإتيان الأقل مع ترك الأكثر يكون مشكوك الحرمة والأصل يقتضى البراءة عنه ولا معارض له لعدم جريان الأصل بالنسبة إلى الأقل لأنه المقطوع كما ان ترك الأطراف أيضا مقطوع الحرمة واما على العلية (١) فحيث لا نظر إلى جريان الأصل فيجب الاحتياط على فرض وجود العلم الإجمالي واما على فرض القول في باب الأقل والأكثر بالعلم التفصيلي والشك البدوي فلا فرق بين مسلك الاقتضاء والعلية لعدم

__________________

(١) أقول هذا ما ذكرته له بعد الدرس وصدقني فلذا جعلت في تقرير كلامه مد ظله وكان ظاهرا مما مر من مبناه أيضا.

٥٤٧

العلم الإجمالي من رأس.

فتحصل ان الأسباب والمحصلات في ما له مرتبة من المسببات وما يكون بسيطا محضا يجري البراءة بالنسبة إلى الجزء المشكوك فيها كما في الجزء والشرط لأنه أيضا يرجع إلى تحصيل الغرض.

واما القائل بالاقتضاء فله الفرق في الشك في المحصل والشك في غيره وليس للقائل بالعلية الفرق هذا هو التوهم واما الجواب فهو ان قول صاحب الفصول يكون في صورة كون المأمور به الأسباب ويمكن تصور الأقل والأكثر وجريان الأصل فيه بخلاف تعلق التكليف بالمسبب.

ثم ان صاحب الفصول قده فيما تقدم قال بالاحتياط في باب الأقل والأكثر من ناحية الشبهة في تحصيل الغرض وفي المقام لا تتوهم ان القول بالاحتياط في ما يكون المسبب بسيطا يكون تبعية له لأن الكلام هنا في المسبب الّذي لا مرتبة فيه ولا يتصور فيه الأقل والأكثر وكلامه قده كان في السبب وقال بأن تحصيل غرض الأقل لا يمكن إلّا بإتيان الأكثر وهو غير تام لوجود المرتبة في الأقل والأكثر فيما يكون سببا والأصل يقتضى البراءة عن الزائد.

وبعبارة أخرى القائل بالعلية في العلم الإجمالي والاحتياط فيما سبق يجب ان يقول بمقالة صاحب الفصول.

هذا تمام الكلام في باب الأقل والأكثر من ناحية الشبهة الحكمية ولا فرق بين كونها وجوبية أو تحريمية من ناحية فقد النص أو إجماله أو تعارض النصين.

الفصل الثاني

في بيان حكم الأقل والأكثر في الشبهات الموضوعية

وقد تعرض (في الرسائل ص ٢٦٨ المسألة الرابعة) لها الشيخ قده ومثل لها بالشك في المحصل بالنسبة إلى الطهارة وقال تلميذه الأجل الآشتياني بالاحتياط كما قال به

٥٤٨

أيضا وقال بعض الناظرين إلى كلامه قده (١) انه لم يتصور الأقل والأكثر في الشبهات الموضوعية ولذا تمسك بالشك في المحصل في المثال ولكن يمكن تصويره في غير هذا أيضا اما في الاستقلالي فكما يقال أكرم العلماء ثم شك في زيد انه عالم أم لا فان كان عالما يجب لنا إكرام أحد عشر فردا وان لم يكن عالما يكفي إكرام العشرة فزيادة المتعلق موجب لزيادة التكليف ونقصه موجبا لنقصه.

واما في الارتباطي فكما يقال بإكرام العلماء ولكن بنحو العام المجموعي بحيث يكون إكرام هذا المشكوك دخيلا في المصلحة على فرض فرديته للعلماء فيرجع

__________________

(١) أقول وظني به قده ان مراده الاحتياط في صورة الشك في مصداق المأمور به لا الشك في متعلق التكليف ولا شبهة ان الأصل يقتضى الاحتياط فإذا أمر بالصلاة وشك في ان الاجزاء في الخارج هل كان هو الأقل أو الأكثر يجب الاحتياط للاشتغال اليقينيّ والواجب تحصيل الفراغ اليقينيّ كما عليه الكل.

كما ان الإكرام كذلك إذا كان حدوده وقيوده معلوما وشك في إتيانه في الخارج.

واما مثل العلماء الّذي هو متعلق الإكرام فالشك فيه يكون من الشك في المصداق المعروف الّذي يكون الأصل فيه البراءة ومثال الشيخ فيه مسامحة في التعبير وليس مراده الشك في المحصل فقط لأنه مثل الصوم بين الهلالين الّذي لا يكون الشك فيه شكا في المحصل في أكثر الموارد.

وملاحظة عبارات الرسائل أيضا يرشدك إلى هذا المعنى فان قوله فشك في جزئية شيء للوضوء أو الغسل الرافعين إلخ يعلم منه ان المراد ليس الشك من جهة الحكم لأن المفروض الشبهة الموضوعية فمعنى هذه العبارة يكون الشك في الجزئية من حيث المصداق الخارجي مثل ان يمسح على الرّجل أو الرّأس في الوضوء فشك حينئذ انه صار مصداق المسح الصحيح الّذي يكون من أجزاء الوضوء أم لا فان اللازم ان الاشتغال اليقينيّ يقتضى القول بوجوب الفراغ والتكرار لذلك فما صدر عن الاعلام منهم النائيني (قده) من الإشكال على الشيخ قده في غير محله ظاهرا فافهم واغتنم.

٥٤٩

الأمر إلى الأقل والأكثر.

أقول الاحتياط في المقام بهذا النحو من التصوير لا يخلو من وجهين وكلاهما غير تام الأول أن يكون بيان الكبرى كافيا في التطبيق أيضا وهذا في كل شبهة مصداقية ومعلوم أن التمسك بالعمومات في الشبهات المصداقية لا يصلح فان الشبهات البدوية كلها كذلك ولا يقال بالاحتياط فيها فان الشك في حرمة هذا المائع من باب عدم العلم بكونه خمرا مع العلم بحرمة الخمر يكون مجرى البراءة بالاتفاق.

الوجه الثاني أن يكون القول بالاحتياط من ناحية الشك في الزائد مع كون العام مجموعيا وارتباطيا فنكتة الاحتياط الارتباط وهو أيضا مجرى البراءة كما مر بيانه فلا مناص للقول بالاحتياط إذا كان الشك في المحصل والشيخ قده مع جلالة شأنه لا يقول بالاحتياط فيما ذكروه لأن كل شبهة بدوية يرجع امرها إلى الأقل والأكثر ولا يكون الأصل فيها الاحتياط.

ثم من الثمرات الفقهية لهذا البحث ما إذا تردد اللباس بين كونه من وبر ما لا يؤكل لحمه أم لا فان الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه حرام وهذا التكليف معناه مانعية هذا النوع من اللباس للصلاة ولا فرق في هذا الباب بين كون الأقل والأكثر في التكليف الاستقلالي أو الغيري ففي هذا المثال يقال ان النهي عن الصلاة في وبر ما لا يؤكل ينحل إلى جميع افراد اللباس المعلوم كونه من وبر ما لا يؤكل.

فإذا شك في انحلاله إلى هذا الفرد يكون مرجعه إلى الشك في مانعية هذا الزائد فإذا جرى أصالة عدم المانعية والبراءة عن التكليف يصح الصلاة فيه وإذا أخذ ترك اللباس بجميع أعدامه في الصلاة أيضا يكون الأصل البراءة لأن عدم الجميع ينتزع من عدم كل فرد فإذا شك في ذلك فلا يكون عدمه دخيلا لكونه مشكوكا.

نعم لو أخذ ترك وبر ما لا يؤكل بنحو السالبة المعدولة شرطا للصلاة يجب ترك جميع الافراد حتى المشكوك مثل ان يكون لسان الدليل يجب أن يكون المصلى غير لابس لغير المأكول فإن إحراز كونه غير لابس لا يمكن إلّا بترك المشكوك أيضا

٥٥٠

لكن الدليل ليس كذلك فان قوله عليه‌السلام لا تصل في وبر ما لا يؤكل لحمه لا يكون معناه بهذا النحو والظاهر أن هذا اللباس مانع وجوده لا أنه يجب الاتصاف بعدم لبسه.

فما توجه إليه القدماء من القول بالاحتياط في المقام كما كان إلى زمان الميرزا محمد تقي الشيرازي قده لا وجه له والحق من بعده من القول بالبراءة ولعل نظرهم إلى الاحتياط في الشبهات الموضوعية بنحو ما مر وقد مر عدم تمامية قولهم بالاحتياط في صدر البحث عن الشبهات الموضوعية في باب الأقل والأكثر.

الفصل الثالث : في البحث عن الأقل والأكثر من باب إجمال النص كما إذا قيل إكرام العلماء ولا ندري أن هذا الإكرام يكون المراد منه الضيافة أو هي مع إعطاء الدراهم أيضا أو يكون المراد من العلماء الأعم من النحويين والفقهاء أو يختص بالفقهاء فحينئذ حيث لا يكون متعلق الإكرام عنوان العلماء بل كل فرد فرد يكون تحت الخطاب يكون تصور الأقل والأكثر فيه بمكان من الإمكان.

واما موضوع التكليف مثل الإكرام فيكون وجوده الزعمي قابلا لتصوير الأقل والأكثر لا الوجود الخارجي لأن الخارج يكون ظرف سقوطه ولا يتصور فيه الأقل والأكثر ومثاله ما تقدم في دوران الأمر بين كون الإكرام بالضيافة أو مع إعطاء الدراهم والأصل هنا أيضا البراءة.

الفصل الرابع : في دوران الأمر بين الأقل والأكثر من جهة تعارض النصين.

مثل أن يكون الشك من جهة دلالة نصّ على جزئية هذا الشيء والآخر على عدم الجزئية فان كان المقام داخلا في اخبار العلاج عند التعارض فمقتضاه التخيير ولا تصل النوبة إلى الأصل واما على فرض عدم الشمول بأن يكون في مورده إطلاق يقتضى أصالة عدم تقييده عدم جزئية هذا المشكوك فائضا يكون المرجع هو هذا

٥٥١

الإطلاق وعلى فرض القول بالتعارض والتساقط فتصل النوبة إلى الأصل فعنوان هذا يكون من هذه الجهة منوطا ببيان الأصل في المسألة.

واما ما أطال الشيخ قده من وجود العموم وعدمه في مورد المتعارضين وأن المرجع هو العموم أم لا فلا نطيل البحث فيه هنا لأنه مربوط بالبحث عن اخبار العلاج وسيأتي الكلام فيه.

ثم ينبغي التنبيه على أمور

الأول في الشك في مانعية شيء وقاطعيته أو في وجوده

اعلم انه (١) إذا شك في مانعية شيء كالقهقهة للصلاة أو قاطعيته كالحدث في الصلاة فهل يكون مرجعه إلى باب الشروط من حيث كونه من الأقل والأكثر في الشروط ويكون القول بالاحتياط أو البراءة حسب ما مر في باب الشك في شرطية شيء للمأمور به أو لا يرجع إليه فيه خلاف.

ربما يقال الشك في المانعية والقاطعية يرجع إلى الشك في كون عدم هذين أي المانع والقاطع شرطا للمأمور به أم لا فعلى القول بالاحتياط فيه يجب القول به هنا أيضا وإلّا فلا وهذا الكلام صدر عن بعض الأصوليين الّذي يكون من الفلاسفة أيضا

__________________

(١) أقول هذا الأمر لا يكون البحث عنه مستقلا في الرسائل والكفاية وتقريرات النائيني قده ولا في تقريرات العراقي على ما حكى الأستاذ عنه ولم تحضرني بل مما أفرده بالبحث شيخنا مد ظله لكثرة الفائدة ويوجد في مطاوي كلماتهم في حكم الزيادة العمدية ففي تقريرات النائيني في الجهة الثانية في مقام بيان حكم الزيادة الجزء الرابع ص ٧٨ و ٧٩ يوجد بعض الكلام وفي الرسائل في ص ٢٧٠ قد أشار إلى شرطية عدم المانع دون القاطع قبل تنبيهات الأمور المتعلقة بالجزء والشرط في ذيل القسم الثاني من الشك في قيدية شيء للمأمور به وشطر من الكلام في الفرق بين القاطع والمانع في طي المسألة الثانية في زيادة الجزء عمدا في ص ٢٧٤ بقوله وحاصل الفرق بينهما إلخ.

٥٥٢

وهذا كلام عجيب لأن العدم لا يكون له الأثر أصلا مع أن الشرط اما ان يكون متمم فاعلية الفاعل أو قابلية القابل والعدم لا يصير متمما لشيء.

أو قيل في مقام الفرق بين القاطع والمانع ان الأول يكون وجوده موجبا لاضمحلال الصورة المركبة في المركب والمانع يكون عدمه شرطا في تأثير المقتضى فوبر ما لا يؤكل الذي هو المانع يكون عدمه شرطا للصلاة والقهقهة وجودها يكون موجبا للاضمحلال.

والجواب عنه هو أن العدم لا تأثير له كما مر ليصير عدمه شرطا لتأثير المقتضى كما مر وعن بعض الفقهاء (١) ان المانع يكون وجوده مضرا في أحوال الصلاة دون أكوانها بخلاف القاطع فلو فرض تلبس الشخص في وسط الصلاة بشعر الهرة فأزاله وأتم الصلاة لا يكون هذا مضرا بخلاف مثل الحدث والقهقهة فان ذلك شرط أكوان الصلاة فإذا كان حدوثه في الصلاة يوجب بطلان العمل من أوله إلى آخره مع كونهما مشتركين في المنع عن اقتضاء المقتضى.

والجواب عن هذا الفرق أيضا هو أن المانع الأعم من كونه مانعا للأحوال حين الأعمال ومن كونه مانعا في الأكوان والأحوال يتصور ويجب ملاحظة لسان الدليل فان دل على العموم فهو وان دل على الخصوص فهو.

فلا يكون هذا فارق المانعية والقاطعية ولو شك في كونه مانعا للأحوال والأكوان أو لخصوص الأحوال فقط فحيث يكون من دوران الأمر بين الأقل والأكثر فالأصل يقتضى البراءة عن الأكثر فالحق أن يقال ان المانع هو الّذي يوجب وجوده منع المقتضى عن اقتضائه من حين وجوده والقاطع هو الّذي يوجب وجوده اضمحلال صورة المركب من أول وجوده وهذا يكون في المركبات التي يكون لها صورة اتصالية مثل الصلاة والوضوء لا ما لا يكون كذلك مثل الحج والغسل ويختلف حسب اختلاف الأدلة.

__________________

(١) هذا عن الشيخ قده في الرسائل في ص ٢٧٤ فان شئت فارجع إلى ذلك.

٥٥٣

فتحصل ان حاصل الأقوال في القاطع والمانع ثلاثة : الأول كون عدمهما شرطا للمركب وهو قول شيخنا النائيني قده : والثاني أن يكون القاطع وجوده ضارا بالمركب والمانع عدمه شرطا له كما عن العراقي قده : والثالث أن يكون وجودهما ضارا للمركب كما هو التحقيق.

وصور الشك عديدة والمهم هو صورة الشك في كون الأمر الفلاني قاطعا للمركب أو مانعا له أم لا مثل البكاء فدرجة منه قاطعة ودرجة غير قاطعة ودرجة مشكوك القاطعية.

والشك تارة يكون في قاطعية الموجود ومانعيته وتارة في أصل وجود المانع أو القاطع فإذا كان في اليد خاتم لا ندري أنه مانع عن وصول الماء إلى البشرة أم لا يكون الشك في مانعية الموجود وإذا كان الشك في أصل حدوثه يكون الشك في أصل الوجود.

ثم ان البحث عن القاطع والمانع على فرض كون عدمهما شرطا كما هو مسلك شيخنا النائيني أو على فرض كون وجودهما ضارا بالمركب يكون في مسألة واحدة.

واما على فرض شيخنا العراقي بإرجاع القاطع إلى شرطية العدم وإرجاع المانع إلى مضرية الوجود فالبحث في مقامين احتراما له قده.

المقام الأول في البحث عن الشك في القاطع وهو اما يكون في قاطعية الموجود أو أصل وجوده : المقام الثاني في البحث عن المانع وهو أيضا على قسمين مثل القاطع.

اما الشك في أصل وجود القاطع فالأصل يقتضى البراءة عنه سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية على مسلك شيخنا النائيني قده لأن امره يرجع إلى شرطية هذا العدم للمركب أم لا فيرجع الأمر إلى الأقل والأكثر لأن الشرط أيضا يكون زيادة في المركب والأصل كما مر هو البراءة عن الزائد (١).

__________________

(١) أقول لو لم يرجع إلى الأقل والأكثر أيضا يكون الأصل غير مشكل لأن ـ

٥٥٤

وله أيضا استصحاب عدم القاطع أيضا وله حالة سابقة نعتية وهو الحالة التي كانت قبل الدخول في المركب وحيث أن إثبات العدم يكون شرطا للمركب يكون هذا الأثر الشرعي موجبا لجريان هذا الأصل.

واما على التحقيق من أن القاطع وجوده ضار وكذا على مسلك شيخنا العراقي في القاطع بخصوصه فلا يكون الاستصحاب جاريا لعدم إثبات اتصال الاجزاء السابقة وصحتها بذلك لأنه من آثاره العقلية ولا يجري البراءة أيضا لأن الشك لا يرجع إلى الأقل والأكثر وانما يرجع إليه على فرض دخالته في المركب بنحو شرطية العدم وهو خلاف مسلكنا كما مرّ.

فلا بد لنا من التمسك باستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية للمركب وهو كاف فلنا طريق واحد وهو استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية ولشيخنا النائيني طرق ثلاثة هذا والبراءة واستصحاب عدم القاطع إلّا أنه أشكل في استصحاب الهيئة وهو غير وارد كما سيجيء.

لا يقال (١) ان اجزاء المركب كلما وجد جزء منها كان الجزء المتقدم معدوما والاجزاء المتقدمة في الوجود كيف يمكن تصوير الاتصال والهيئة فيها.

لأنا نقول هذا إشكال في جميع التدريجيات مثل بقاء الليل والنهار في الاستصحاب والتدريجيات يكون أول جزء منها في الوجود كاف في الاستصحاب عرفا فهكذا في مثل الصلاة وغيرها مما يؤتى به في عمود الزمان.

__________________

ـ جعل القاطع أيضا كلفة وضيق على المكلف والأصل جار في الشك في الأمور الوضعيّة كما في التكليفية.

واما الشك في وجود القاطع موضوعا لا حكما فيكون مجرى استصحاب العدم لا البراءة نعم الشك في قاطعية الموجود يكون الأصل فيه البراءة لأنها شبهة موضوعية أو بتعبير آخر شبهة مصداقية للقاطع.

(١) هذا البحث في تقريرات النائيني قده ص ٧٨ و ٧٩ من الجزء الرابع.

٥٥٥

واما القسم الثاني وهو الشك في قاطعية الموجود مثل الدرجة الخفيفة من الضحك أو البكاء فاستصحاب عدم القاطعية في أول الوجود جار لأنا لا ندري أنه وصل إلى مرتبة شديدة مبطلة أم لا فالأصل عدم الوصول إلى هذه المرتبة وهكذا أصالة البراءة جارية على مسلك شيخنا النائيني قده لرجوعه إلى شرطية العدم واما على مسلكنا فلا يجري الاستصحاب لأنه مثبت ولا البراءة لعدم الرجوع إلى الأقل والأكثر وأصالة بقاء الهيئة الاتصالية هي الطريق لنا فقط هذا.

ولكن الفقهاء يفرقون بين المقامين فانهم في الشك في أصل وجود القاطع والمانع يتمسكون بالأصل ولكن في الشك في مانعية الموجود لا يتمسكون به وله سرّ سيجيء ثم ان الشيخ قده ممن يرجع المانع إلى ما يكون عدمه شرطا في المركب وفي القاطع يقول بأن وجوده مضرّ بالهيئة الاتصالية وفي مقام الشك في وجود القاطع يقول بجريان استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية.

وحاصل كلامه (١) بتقريب منا هو أن الأمر بالشيء والبعث إليه على وجه القيدية للمركب ينتزع منه الجزئية والشرطية والزجر عن الشيء بالنهي عنه يرجع إلى المانعية والقاطعية ولا يستفاد من الزجر شرطية العدم بالنسبة إلى المركب.

فان علمنا بأن عدمه شرط فهو المانع وان لم نعلم فيكون قاطعا ونحن نقول نحن نعلم بالبرهان عدم إمكان كون العدم شرطا فعلى رجوعه إلى شرطية العدم فالأصل البراءة في مورد الشك وغيرها كما مرّ وفي صورة عدم الرجوع إليها فاستصحاب بقاء الهيئة الاتصالية جار.

وهكذا يكون مسلك شيخنا العراقي قده وقد أشكل النائيني قده على استصحاب الهيئة الاتصالية بإشكالات ثلاثة : الأول ان النهي عن شيء لا يستفاد منه أن الهيئة الاتصالية شرط في المركب فمن الممكن أن يكون الصلاة مثل الحج في عدم

__________________

(١) قد مر موضع بيانه في الرسائل قبل البحث عن الشبهات في المقام ولم نجد هذا النحو من البيان منه قده وكلامه صريح في شرطية عدم المانع في المركب.

٥٥٦

شرطية الهيئة فيها.

وفيه أن صرف النهي لا يقتضى ذلك ولكن في بعض الأدلة التعبير بالقاطعية وهذا التعبير يكون كاشفا عن اعتبار هيئة اتصالية ولا يكون الزجر فقط كما أنه يستفاد القاطعية من قوله لا عمل في الصلاة.

والثاني انه على فرض تسليم ما ذكر من أين يفهم ان الهيئة تكون مصب الأمر حتى يمكن استصحابها فانه إذا لم يكن لنا دليل على إثبات ان هذا الأثر من الآثار الشرعية لا يجري الأصل بالنسبة إليه لأن التعبد انما يتمشى في الحكم الشرعي والموضوع الّذي يكون ذا أثر.

وفيه ان روح الخطاب بالزجر عن القاطع يرجع إلى وجود هيئة اتصالية في المركب ويكون هذا نقيضها فلو لم تكن تلك الهيئة مؤثرة لم يكن وجه للقول بأن هذا قاطع فيكون حفظ الهيئة تحت الأمر لأن النهي عن نقيضها يلازم الأمر بوجودها.

والثالث (١) ان الهيئة مع تسليم وجودها وكونها مصب الأمر لا يفيد استصحاب بقائها لأن الشك في بقائها مسبب عن الشك في ان الشيء الفلاني قاطع أم لا فيجب ملاحظة الأصل في السبب ليرفع الشك عن المسبب فيجب الرجوع إلى البراءة عن كونه قاطعا.

أو يقال ان وجود القاطع وعدم الهيئة متلازمان وهكذا عدم القاطع ووجودها.

__________________

(١) أقول هذا الإشكال منه (قده) يكون أهم ما قال هنا والجواب عنه بأن المطلوب واحد لا نفهمه لأنه لو كان واحدا أيضا يكون الشك في وجود القاطع وعدمه الّذي صار سببا للشك في بقاء الهيئة.

والترتب وان لم يكن شرعيا ولكن بالوجدان نرى ان الأصل في المسبب لا يرفع الشك عن السبب وجريان الأصل في السبب اثره الوضعي بقاء الهيئة الاتصالية وكفى في الترتب الشرعي هذا النحو من الأثر أيضا لأنه على قوله مد ظله عين عدم القاطع وعدم المانع وهما حكمان وضعيان فاستصحاب العدم جار وليس بمثبت مضافا بجريان البراءة أيضا على ما مرّ منا.

٥٥٧

وفيه ان المطلوب واحد وهو مراعاة الهيئة الاتصالية في العمل وليس لنا هيئة وقاطع يلاحظ كل واحد منهما على حدة فالمهم هو إثبات بقاء الهيئة الاتصالية وهي تثبت بالاستصحاب.

هذا كلّه في الشك في أصل وجود القاطع وقاطعية الموجود ولا فرق فيهما حسب الدليل في مقام الشك من جريان الأصل استصحابا كان أو براءة.

واما المقام الثاني وهو البحث في المانع :

فالكلام فيه الكلام في القاطع فمثل شيخنا النائيني القائل بأن المانع يرجع إلى شرطية عدمه في المركب كما عن الشيخ والعراقي (قدهما) فيمكن جريان أصالة البراءة للشك في الجزء الزائد للمركب وهو الشرط والأصل يقتضى البراءة عنه وهكذا استصحاب عدم المانع لأن اثره إحراز الشرط للمركب واما نحن فلا يجري على مسلكنا هذا الأصل أي البراءة لرجوعه إلى شرطية العدم (١) وهي ممنوعة لأن العدم لا تأثير له بالنسبة إلى شيء ولا يكون لنا استصحاب بقاء الهيئة الاتصالية لأنها لا تكون في المانع بل تكون في القاطع فقط من باب إثبات اعتبار هذه الهيئة.

اما عدم إرجاعه إلى الأقل والأكثر فلان المركب لا يتصف بعدم هذا الجزء فلا يكون التحديد في المركب بل لا ربط له به من هذه الجهة بل النهي عن التكتف مثلا غيري (٢) ينتزع منه الوضع وهو حكم العقل لأن عدم المانع لازمه تأثير

__________________

(١) مر إمكان جريان البراءة في القاطع وهكذا في المانع ونقول به في الشبهة الحكمية من دون الاحتياج إلى شرطية العدم وإثبات الأقل والأكثر بل نقول جعل المانع يكون من الأحكام الوضعيّة التي يكون ضيقا على المكلف والأصل البراءة عن هذا في مورد الشك.

(٢) أقول معنى النهي الغيري هو ان هذا النهي له دخالة في الغير فكيف يقال لا ربط لهذا بالمركب ومن هذه الجهة كان الاعلام في الضيق وجعلوا الشرط هو العدم ولا يضر انتزاع الوضع من التكليف بحكم العقل ليقال هذا أثر عقلي لا شرعي.

كما ان الجزئية والشرطية تنتزع بحكم العقل من الأمر فعدم الحرمة التكليفية ـ

٥٥٨

المقتضى اثره فإذا شك في وجوده يكون الأصل عدم الوجود يعنى الاستصحاب فان هذا الشيء قبل الصلاة لم يكن مانعا مثلا فبعد الدخول فيها أيضا كذلك هذا في الشك في أصل المانع.

واما الشك في مانعية الموجود كالشك في قاطعية القاطع الموجود فلا يكون مورد جريان الاستصحاب لعدم الحالة السابقة فان هذا الشيء مثل الضحك الخفيف أو التكتف بغير المرتبة المعلومة المانعية لا يكون له حالة سابقة في عدم المانعية حتى يمكن استصحابه.

واما من ناحية الشبهة الموضوعية فيكون جريان الاستصحاب فيه أيضا غير مشكل لأن العمل يكون أحد اجزائه بالوجدان والجزء الآخر بالأصل فانا إذا لم نعلم من باب الشبهة المصداقية ان هذا له مانعية أم لا أو قاطعية أم لا يستصحب عدم تقارن العمل بالمانع والقاطع.

ففرق (١) الفقهاء بين مانعية الموجود وقاطعيته بعدم جريان الأصل فيها بخلاف

__________________

ـ لا تضر بجريان البراءة بل تجري بالنسبة إلى هذا الحكم الوضعي وقد عرضنا عليه هذه المقابلة وما قبلها فلم يأتنا بمقنع وكان نظره مد ظله ان هذا تأسيس منه شكر الله سعيه من جهة الدقة هذا أولا.

وثانيا لو كان الأثر عقليا فكيف يجري الاستصحاب مع انه يحتاج أيضا إلى أثر شرعي فهذا شاهد كفاية كون المستصحب عدمه من الأحكام الوضعيّة لأنه امّا يكون هو الحكم أو موضوع ذي أثر شرعي.

(١) أقول على فرض عدم جريان الاستصحاب فأصالة البراءة في الشبهات الموضوعية في الشك في مانعية الموجود جارية على التحقيق من جريانها في المقام إلّا ان يقال دليل البراءة منصرف عن المورد خصوصا إذا كان مما لا مئونة في الفحص حتى يظهر الحال.

واما إذا كانت الشبهة حكمية فأصالة البراءة عن جعل الحكم سواء كان الشك في مانعية الموجود أو في أصل الجعل جارية على التحقيق وعلى مسلكهم أيضا وهكذا على مسلكه مد ظله من جريان استصحاب العدم هنا.

٥٥٩

أصل وجود المانع والقاطع في محله بعد فرض عدم اتصاف المركب بعدم ما ذكر على ما هو التحقيق واما على فرض الاتصاف بالعدم كما هو مسلك النائيني فيهما أو في خصوص المانع فقط على مسلك شيخنا العراقي والشيخ الأعظم فلا فرق للرجوع إلى الأقل والأكثر.

ثم انه لا فرق في ما ذكرنا من بيان اختلاف المسالك على مسلكهم بين كون النواهي بنحو الطبيعة السارية أو صرف الوجود فانه إذا كان النهي عن التكتف أو الضحك بنحو الطبيعة السارية يكون مثل النهي عن شرب الخمر فان كل فرد من من افراد الخمر يكون تحت النهي وكل فرد من افراد الضحك والتكتف أيضا يكون تحت النهي وفي صرف الوجود يكون النهي عن العدم المطلق فتصوير الأقل والأكثر في الطبيعة السارية مما لا إشكال فيه.

فالأصل يقتضى البراءة عن العدم الزائد في المشكوك على مسلكهم وهكذا على نحو صرف الوجود قالوا في العدم الصرف أنه حيث أنه يكون بنحو التدرج يمكن تصوير الأقل والأكثر ففي أي مورد شك يجزى البراءة.

وقد أشكل على هذا بأن عدم صرف الوجود بسيط لا يتصور فيه التعدد فلا يتصور فيه الأقل والأكثر ليكون الزائد مجرى الأصل.

وقد ذهب عنه شيخنا العراقي قده بأن صرف الوجود أيضا يكون له اتساع

__________________

نعم في الشبهة الموضوعية مع عدم جريان البراءة يكون الفارق بين مانعية الموجود وأصل الوجود فهذا الفرق أيضا لا يتم على جميع المباني حتى نقول انه سر فتوى الفقهاء بالفرق فيمكن ان يكون وجهه ما ذكرنا من انصراف الدليل.

ولا أدري كيف جعل جريان الاستصحاب ممنوعا فيما سبق لأنه مثبت وتمسك به هنا فان كان على فرض القول بجريانه فلا يفيد هذا الفرق بالنسبة إلى مسلكه أيضا لأن مسلكه في المقام هو انحصار الطريق في استصحاب الهيئة الاتصالية فلا احتياج له في ذلك إلى وجود الحالة السابقة وعدمها حتى يفرق بين الشك في أصل الوجود ومانعية الموجود.

٥٦٠