مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

فان قلت قد مر منكم عدم سريان العلم إلى الخارج فانه يكون متعلقا بطبيعي النجاسة لا بالفرد الخارجي وهذا لازمه عدم تنجيز العلم بالنسبة إلى الأطراف فضلا عن تنجيزه بالنسبة إلى طرف واحد وهذا يكون تهافت في البيان.

قلت هنا أيضا نقول بعدم سريان العلم ولكن نقول احتمال تطبيق الطبيعي على الفرد هو المانع من جريان الأصل وموجبا للتنجز مضافا بأنه لو كان الأمر كما ذكرتم يلزم أن يقال بجواز المخالفة القطعية وهو كما ترى لا يقول به إلا شاذ ولا يكون مثل الشبهات البدوية لعدم احتمال تطبيق حكم بخصوصه فيها.

فنكتة القول بوجوب الموافقة وترك المخالفة هو احتمال التطبيق لا العلم لأن صقعه النّفس ولا التطبيق الخارجي لأنه غير معلوم فعلى هذا يكون الحاصل مما ذكر هو أن العلم الإجمالي يوجب التنجيز من باب استقلال العقل بأن التكليف اليقينيّ يجب أن يكون فراغه يقينيا.

فان قلت ان التنجيز على هذا يكون للعلم لا للواقع الخارجي لأن الّذي يوجب التكليف يكون العلم به ولا يكون العلم مماسا بالخارج.

قلت يكون سبب التنجيز هو المعلوم الّذي يكون هو النجاسة ويكون على عنوان أحدهما الغير المعين ولكن بلحاظ ما في الخارج من النجاسة الّذي ينطبق عليه صورة المعلوم في الذهن.

والحاصل يكون الاشتغال اليقينيّ حاصلا سواء كان التنجيز سببه ما في الخارج أو المعلوم.

المقام الثاني في بيان أنه هل ينحل العلم الإجمالي بجريان الأصل في بعض الأطراف أم لا وبعبارة أخرى هل يكون العلم الإجمالي علة تامة للموافقة القطعية حتى يجري الأصل في أي طرف فرض أو يكون مقتضيا حتى يجري الأصل الّذي يكون له المعارض.

فقد نسب إلى الشيخ الأنصاري قده الاقتضاء كما عن عدة وقيل أنه قائل بالعلية التامة كما عن الخراسانيّ قده والحق أن كلامه قده متهافت فربما يفهم منه العلية التامة وربما يفهم في موضع آخر الاقتضاء اما عبارته الدالة على العلية التامة فهو ما ذكره في

٤٢١

هذا المقام بقوله (١) قلت أصالة الحل غير جارية هنا بعد فرض كون المحرم الواقعي مكلفا بالاجتناب عنه منجزا على ما هو مقتضى الخطاب بالاجتناب عنه لأن مقتضى العقل في الاشتغال اليقينيّ بترك الحرام الواقعي هو الاحتياط والتحرز عن كلا المشتبهين حتى لا يقع في محذور فعل الحرام وهو معنى المرسل المروي في بعض كتب الفتاوى اترك ما لا بأس به حذرا عما به بأس فلا يبقى مجال للإذن في فعل أحدهما انتهى.

وقال في موضع آخر قلت العلم الإجمالي (٢) كالتفصيلي علة تامة لتنجز التكليف بالمعلوم إلّا ان المعلوم إجمالا يصلح لأن يجعل أحد محتمليه بدلا عنه في الظاهر فكل مورد حكم الشارع بكفاية أحد المحتملين للواقع اما تعيينا كحكمه بالاحتمال المطابق للحالة السابقة واما تخييرا كما في موارد التخيير بين الاحتمالين فهو من باب الاكتفاء عن الواقع بذلك المتحمل لا الترخيص لترك الواقع بلا بدل في الجملة فان الواقع إذا علم به وعلم إرادة المولى لشيء وصدور الخطاب عنه إلى العبيد وان لم يصل إليهم لم يكن بد عن موافقته اما حقيقة بالاحتياط واما حكما بفعل ما جعله الشارع بدلا عنه وقد تقدم الإشارة إلى ذلك في الشبهة المحصورة.

وقوله ان الأصول تجري وتسقط بالمعارضة يكون نصا في الاقتضاء وعدم العلية ولا يخفى ان العلية التامة التي ندعيها لا تكون ما ذكر من تعارض الأصول ثم القول بالاشتغال بحيث لو فرض جريان الأصل بدون المعارض لا يكون فيه الإشكال بل يكون معناه عدم جريان الأصل ولو كان بلا معارض لتنجيز العلم.

وقد وجّه النائيني قده كلام الشيخ بحيث يفيد لنفسه لقوله بالاقتضاء وهو انه يقول ان الموافقة القطعية وان كانت لازمة ولكن بالأعم من التعبدي والوجداني فإذا

__________________

(١) في الرسائل الحاضر عندي ص ٢٣٠

(٢) وجدت عبارته تماما بعد إتعاب شديد في الرسائل في مبحث الاشتغال في المطلب الثاني والمسألة الأولى من قوله القسم الأول في ص ٢٤٨ في الرسائل الحاضر عندي ـ

٤٢٢

كان أصل وجرى يكون لازمه كون الواقع في الطرف الآخر تعبدا والاكتفاء عن الموافقة القطعية به ولكنه غير تام لأن الظاهر من الموافقة القطعية هو الوجداني لا التعبدي.

والمقام الثالث في جعل البدل للواقع

فانه اما ان يكون الأصل أو الأمارة والثانية اما ان تكون موافقة للعلم في مقام الجعل أو تكون في مقام الفراغ كما في موارد قاعدة التجاوز والفراغ فنقول ان كان جعل البدل بجريان الأصل في بعض الأطراف بدلا عن الواقع مثل ان يجري الأصل بالنسبة إلى أحد الكأسين الذين يكون له حالة سابقة في الطهارة عند العلم الإجمالي بنجاسة أحد الكأسين فلازمه يكون هو الاكتفاء بالطرف الآخر عما هو معلوم ومن هذا يكشف أن العلم الإجمالي يكون مقتضيا لا علة تامة.

ويرجع هذا إلى ان يكون الواقع حكمه تعليقيا بان يكون الواقع المعلوم بالإجمال منجزا في ظرف عدم جريان الأصل ولكن حيث يكون الحكم تنجيزيا بحسب حكم العقل لا تصل النوبة إلى جريان الأصل لأنه ينافي التنجيز.

واما ان كان جعل البدل بالأمارة فتارة يكون مفاد الأمارة موافقا للعلم بالمطابقة مثل ان يقوم أمارة بعد العلم بنجاسة أحد الكأسين أن هذا المعين هو النجس فيكون المدلول المطابقي للأمارة موافقا للعلم بالنجاسة لأنه أيضا يقتضى النجاسة ولازمه جريان الأصل في الطرف الآخر أي أصالة الطهارة بل يمكن ان يقال لا نحتاج في الطرف الآخر إلى الأصل أيضا لأن الأمارة كما يشملها دليل الاعتبار في المدلول المطابقي يشمله دليله في المدلول الالتزامي بنحو العرضية لا الطولية وان كان الثاني في طول الأول من حيث الوجود.

فدليل تصديق العادل يقتضى أن يقال ان النجس هذا العين وحيث لا يكون لنا الا نجس واحد بمقتضى العلم الإجمالي فلا بد ان يكون الطاهر الطرف الآخر فان هذا يكون من لوازمه العقلية والالتزام حجة كالمطابقة بدون جريان الأصل في الطرف

٤٢٣

الآخر وهذا النحو من الأمارة يكون مؤكدا للعلم الإجمالي ولا ينافيه كما أنه في موارد قاعدة الفراغ أو التجاوز مع العلم بأن الواقع لا يكون مأتيا به جزما بل احتمالا يكتفي بالامتثال الاحتمالي مقام التفصيلي لقيام الأمارة وهي دليل قاعدة الفراغ أو التجاوز فمع العلم التفصيلي بأن الشيء الفلاني جزء الصلاة يكتفي بالامتثال الاحتمالي ولا يكون العلم الإجمالي أقوى من التفصيلي ليقال لا يكون الأمارة حجة في مورده واما إذا كان الأمارة ضد العلم بمدلولها المطابقي مثل قيام أمارة على طهارة هذا الكأس عند العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما أو على حلية هذا بعد العلم كذلك بحرمة أحدهما ففي هذا المقام ان قلنا بأن العلم الإجمالي علة تامة لا تصل النوبة إلى الأمارة التي تكون ضد العلية بل ضد العلم ولكن حيث يقولون بجريانها قيل بأنه يكشف هذا عن كون العلم مقتضيا لا علة تامة والأصل الّذي يكون بدون المعارض أيضا يكون مثلها لعدم الفرق بين الأصل والأمارة من هذا الحيث.

ولكن الجواب ان الأمارة المضادة بالمدلول المطابقي للعلم حيث تكون أمارة ويكون لازمها العقلي حجة لا إشكال في جريانها لأن القول بأن هذا طاهر لازمه نجاسة الطرف الآخر ومثبت الأمارة حجة فلا تكون مخالفة للعلم مطلقا بل يكون لازمه جعل البدل للواقع والاكتفاء عنه بطرف واحد بخلاف الأصل فان لازمه لا يكون حجة حتى نقول بأنه غير مضاد للعلم.

لا يقال إذا كان كذلك فلم لا يقال في جريان الأصل بذلك فان التخيير بين الأصلين أيضا يمكن تصويره فيجري الأصل في طرف ويكون لازمه جعل البدل في الطرف الآخر وإذا كان الأصل في طرف واحد بلا معارض فيجري فيه تعيينا.

ومثال الأصل بلا معارض في طرف هو صورة العلم بنجاسة أحد الكأسين مع العلم بأن الحالة السابقة في أحدهما الطهارة فاستصحاب الطهارة في ذاك الطرف لا تعارض بالطرف الآخر لعدم الحالة السابقة فيه ويكشف من ذلك أن العلم يكون مقتضيا لا علة تامة.

وفيه ان جعل البدل وان كان ممكنا في الواقع ولكن لا يثمر الإمكان في المقام

٤٢٤

لأن الشارع لم يمضه من جهة لازمه فإن الأصل المثبت لا يكون حجة عند الشرع والقول بجعل البدل في الأمارة يكون من جهة أنه لو لا ذلك يلزم لغوية الأمارة لأنه على فرض قيام الأمارة على نجاسة طرف ولم نقل أن الطاهر هو الآخر يلزم أن لا يكون للمدلول الالتزامي في الأمارة موردا بخلاف الأصل فانه إذا لم يكن جاريا في مورد يكون له موارد أخر فيدفع به محذور اللغوية.

مضافا بأن اللازم من كون الأصل موجبا لجعل البدل هو الدور لأن جريان الأصل متوقف على جعل البدل في الواقع وجعله كذلك يتوقف على جريان الأصل وتطبيقه فلا يمكن أن يكون كاشفا عن جعل البدل.

لا يقال في الأمارة أيضا يلزم الدور إذا كان المراد استفادة جعل البدل في موردها لأن تطبيق الأمارة يتوقف على جعل البدل وهو على تطبيق الأمارة.

لأنا نقول الفرق بينهما هو ان المدلول الالتزامي في الأمارة يكون حجة بنقل دليل حجية الأصل الأمارة فكما أنه ينطبق في المدلول المطابقي ينطبق في المدلول الالتزامي ولا يكون الشك في تطبيقها بالنسبة إليه بخلاف الأصل فان مدلوله الالتزامي لا يكون حجة بواسطة دليل الأصل فللأصل مدلول واحد وللأمارة مدلولان لا يقال ان للأصل أيضا يكون مدلولان مطابقي والتزامي.

لأنا نقول قلنا انه كذلك ولكن لا يكون المدلول الالتزامي حجة وموردا للإمضاء لأن دليل الأصل منصرف عن لوازمه العقلية.

وكذلك الأصل بنحو التخيير إذا كان مع المعارض لا يجري بأن يقال إطلاق جريان الأصل في كل واحد من الطرفين يقيد بصورة عدم جريان الآخر للمضادة مع العلم فحيث لا يمكن جريانهما لذلك فلا بد من القول بالتخيير في جريان الأصل في في أحد الأطراف ويستفاد منه جعل البدل لأن التطبيق فيه أيضا دوري ولا يكون لوازم الأصل حجة سواء كان في طرف واحد أو الطرفين.

فما عن شيخنا النائيني قده (١) بقوله نعم لا يجوز الاذن في جميع الأطراف

__________________

(١) في ص ١٢ من الفوائد الجزء الرابع.

٤٢٥

لأنه اذن بالمعصية والعقل يستقل بقبحها واما الاذن في البعض فهو مما لا مانع عنه فان ذلك يرجع في الحقيقة إلى جعل الشارع الطرف الغير المأذون فيه بدلا عن الواقع والاكتفاء بتركه عنه لو فرض انه صادف المأذون فيه للواقع وكان هو الحرام المعلوم في البين.

ودعوى انه لا يكون للشارع الاكتفاء ببدله مما لا شاهد عليها وإلى ذلك يرجع ما في كلام الشيخ قده من إمكان جعل بعض الأطراف بدلا عن الواقع فانه ليس المراد تنصيص الشارع بالبدلية بل نفس الاذن في البعض يستلزم بدلية الآخر قهرا.

لا وجه له لما ذكرناه فان الأصل لا يجري أصلا ليتخذ لوازمه والعلم الإجمالي علة تامة لوجوب الموافقة فيكون العلم مانعا عن جعل البدل ولا يكون كلام الشيخ (قده) تماما.

المقام الرابع في التخيير في الأصل

فنقول هنا تخيير عن (١) الشيخ (قده) في جريان الأصل في أحد الأطراف بدون الاحتياج إلى جعل البدل وقد تعرض له النائيني قده (في الفوائد ص ١٠ و ١١) وأجاب عنه.

وحاصل التقريب ان يقال ان التخيير اما ان يكون مستفادا من لسان الدليل في الشرع مثل التخيير في خصال الكفارات فان الإطعام والصوم والعتق ورد وجوب

__________________

(١) أقول هذا النحو من التخيير لم نجده في المقام عن الشيخ بل قوله قده في ص ٢٣٠ في الرسائل الحاضر عندي في المقام الثاني وهو وجوب الموافقة القطعية عنده قلت أصالة الحل غير جارية إلى ان قال وسيجيء في باب الاستصحاب أيضا ان الحكم في تعارض كل أصلين إذا لم يكن أحدهما حاكما على الآخر هو التساقط لا التخيير فارجع إليه.

نعم نقل النائيني قده في ص ١٠ من الفوائد القول بالتخيير عن بعض الأعاظم في حاشيته على الفوائد وبعض أعيان العصر فارجع إليه.

٤٢٦

واحد منه في لسان الدليل ويكون التخيير فقهيا واما ان لا يكون كذلك بل من جهة عدم إمكان امتثال المأمور به بجميع افراده يرجع إلى اختيار أحد الأطراف مع تمامية المصلحة في الطرف الآخر أيضا مثل التخيير في باب التزاحم كإنقاذ أحد الغريقين بعد عدم إمكان إنقاذهما ومن ذلك ما إذا قلنا في باب الأمارات بالسببية فانه في صورة التعارض يؤخذ بمؤدى أحدها من باب التزاحم بخلاف القول بالطريقية فان الأخذ بأحدهما يكون من باب التخيير الأصولي.

ومقامنا هذا يكون من قبيل التخيير في باب التزاحم لا التعارض لأن قوله عليه‌السلام في دليل الاستصحاب لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر حكم عام شامل لجميع موارد الشك مع اليقين السابق وهكذا دليل البراءة بقوله رفع ما لا يعلمون والمصلحة تامة في جميع الافراد فإذا أمكن الامتثال على وفق عمومه فهو واما إذا لم يكن كذلك فاما ان يقال بإسقاط الدليل في جميع الأطراف كما عن الرشتي قده والرجوع إلى حكم العقل بالتخيير أو يقال بأن ما له مزاحم يكون هو إطلاق الدليل وهو يكون ساقطا لا أصل الدليل لأن الضرورات تتقدر بقدرها ولازمه التخيير في مقام الامتثال لأن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح فطرح كلا الأصلين لا وجه له بل يجب الأخذ بمفاد أحدهما على التخيير في مرحلة الامتثال لا مرحلة الجعل فهو يكون من التخيير في باب التزاحم لا التخيير في باب التعارض.

نعم بناء على الطريقية في الأمارات يكون التخيير في مقام الجعل والمقام لو كان من ذاك الباب أيضا يجب ان يقال بالتخيير وعلى أي تقدير نكشف من ذلك ان العلم الإجمالي لا يكون علة تامة بل مقتضيا للامتثال.

والقسم الثالث من التخيير هو الّذي يكون في باب التعارض من مقتضى الجمع بين الأدلة.

وقد أشكل عليه شيخنا النائيني قده (في الفوائد ص ١٠ و ١١) بعد بيان مثال لتقريب كلام الشيخ غاية التقريب وهو انه قال إذا كان الأمر بإكرام العلماء وعلمنا بتخصيص زيد وعمرو منه ولكن لا نعلم ان تخصيص زيد يكون في جميع الأحوال

٤٢٧

حتى حال ترك إكرام عمرو أو يكون مختصا بصورة إكرام عمرو فإذا فرض عدم إكرام عمرو يجب إكرام زيد.

لا شبهة في ان اللازم هو الأخذ بأصالة العموم بالنسبة إلى التخصيص الزائد وهو التخصيص في صورة عدم إكرام الآخر ونكتفي بالتخصيص في ظرف إكرام الآخر وفي المقام يكون جريان الأصل من هذا الباب فان عموم رفع ما لا يعلمون أو لا تنقض اليقين إلخ نعلم انه قد خصص اما في هذا الطرف أو ذاك الطرف والقول بالتخصيص حتى في ظرف عدم جريان الأصل في الطرف الآخر يلزمه زيادة التخصيص والمتيقن منه هو صورة جريان الآخر ويرجع إلى أصالة العموم بالنسبة إلى ما شك فيه فيكون جريان الأصل في بعض الأطراف مما لا مانع منه قضاء لحق العموم في دليل الأصل وهذا غاية التقريب للقول بجريان الأصل في أحد الأطراف تخييرا لأن العلم مانع من جريان الأصل في الطرفين فإطلاق كل مخصص بصورة جريان الأصل في المورد الآخر لا بصورة عدم الجريان أيضا.

ثم لا يخفى ان التخيير في باب التزاحم يكون تخييرا في المنكشف حسب اصطلاحه والتخيير في باب التعارض يكون من التخيير في الكاشف والتخيير الفقهي هو التخيير في مقام الجعل والواقع.

ثم قال قده إذا عرفت ذلك فنقول لا يجيء التخيير بأقسامه في جريان الأصول اما عدم جريان التخيير الفقهي فواضح لا يحتاج إلى الدليل لأن المقام ليس فيه دليل مثل خصال الكفارات واما التخيير من ناحية الكاشف كما في باب الاخبار المتعارضة فليس لنا دليل وشاهد لجريانه في باب الأصول لأن الأمر بالتخيير يكون في باب الأمارات بقوله عليه‌السلام اذن فتخيّر وليس لنا دليل في المقام كذلك فان دليل جريان كل أصل يقتضى جريانه عينا في كل طرف سواء عارضه أصل آخر أو لم يعارضه.

واما التخيير من ناحية المدلول والمنكشف فلان المجعول في باب الأصول العملية ليس إلّا الحكم بتطبيق العمل على مؤدّى الأصل اما بقيد انه الواقع واما بدونه على اختلاف المجعول في باب الأصول التنزيلية وغيرها.

٤٢٨

ولكن الحكم بذلك ليس على إطلاقه بل له قيود ثلاثة الجهل بالواقع وإمكان الحكم على المؤدى بأنه الواقع وعدم لزوم المخالفة العملية والثالث مفقود في المقام لأن جريان الأصل في الطرفين يلزم منه مخالفة عملية للمعلوم بالإجمال وكون المجعول أحدها تخييرا وان كان ممكنا ثبوتا ولكن لا دليل لنا على جريانه كذلك في مقام الإثبات.

وبعبارة أخرى كما تعرض له في لباس المشكوك ان مفاد الأصول النافية النفي ومفاد الأصول المثبتة ليس إلّا الأمر بتطبيق العمل على طبق ما له مصلحة في الواقع مثل العلم بان الأمر الفلاني كان واجبا ثم الشك في وجوبه فان مفاد الاستصحاب هو القول بالوجوب لمصلحة في الواجب لا لمصلحة في جريان الأصل ليقال انه مثل باب الأمارات واختيار إحدى المصلحتين لازم مثلا.

أقول اما جوابه في إنكاره التخيير من باب الكاشف فهو انه يكون من نسيان المبنى فانه لو كان الأمر كما ذكره فلأي جهة يقول بجريان الأصلين في صورة كون المعلوم في الطرفين في الحالة السابقة النجاسة لأحد الكأسين مثلا ثم حصل العلم الإجمالي بطهارة أحدهما فلو كان للأصل مانع من جهة العلم الإجمالي فلما ذا يقول بجريان الأصل في كلا الطرفين فكما يقول به هناك يجب ان يقول به هنا ولا مجال له لأن يقول لا يجري الأصل بالنسبة إلى المجموع فجريان الأصل لا مانع منه ويكون التنجيز للعلم في مرحلة الامتثال وحكم العقل بالتنجيز يكون متأخرا عن جعل الأصل لأن الامتثال متأخر عن الجعل فكيف يقول بان الأصل لا يجري أصلا فان حكم العقل المتأخر لا يمكن ان يكون مخصصا لدليل الأصل.

ولقد أجاد الشيخ (قده) حيث قال بان أدلة الأصول تشمل كل طرف تعيينا والحكم بالتخيير في كل طرف يكون من باب جعل البدل للواقع في مرحلة الامتثال فالأصل جار لو لم يكن العلم الإجمالي علة تامة ولكنه على التحقيق علة تامة.

واما الجواب عن اشكاله في التخيير من باب المدلول والمنكشف فهو ان الأصول الّذي فرضه بدون المصلحة لا يكون كلاما تاما لأن مصلحة التسهيل في جعل

٤٢٩

الأصول أيضا مصلحة فكيف يقال أنه لا مصلحة فيه الا من قبل الواقع المنطبق عليه فإذا كان المصلحة متصورة فيكون مثل إنقاذ الغريقين فإذا لم يكن القدرة على إنقاذهما ينقذ الواحد وهكذا في المقام إذا لم يكن جريان الأصلين ممكنا يقال بجريان أصل واحد لإحراز المصلحة في الطرف الممكن.

فتحصل من جميع ما تقدم ان العلم لو كان مقتضيا يكون لجريان الأصل في أحد الأطراف وجه واما إذا كان علة تامة فلا يكون لجريانه وجه على التحقيق وما قال بأنه لا ملازمة بين وجوب ترك المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية وجعل هذا في غاية الضعف فنقول في جوابه ان الملازمة عندنا في غاية القوة فالعلم الإجمالي علة تامة لوجوب الموافقة القطعية وترك المخالفة القطعية عندنا.

في النقوض الواردة في الفقه في تنجيز العلم الإجمالي

ثم أنه ورد نقوض على القول بتنجيز العلم الإجمالي على القول بكونه مقتضيا وعلى القول بكونه علة تامة في الفقه نذكرها في المقام كما ذكر الشيخ (١) والنائيني وغيره الأول ان القوم من زمان الشيخ الطوسي إلى الآن قالوا بأن من كان له العلم الإجمالي بأنه اما ان يكون عليه الدين لزيد أو يكون الحج واجبا عليه على فرض عدم الدين أو يكون عليه الصدقة لزيد بألف مثلا بالنذر إذا لم يكن عليه دين بهذا المقدار يجب عليه الحج في الفرض الأول ويجب عليه الصدقة بمقتضى النذر مع أنه على فرض كون العلم الإجمالي علة تامة فأصالة عدم الدين تعارض مع أصالة عدم وجوب الحج وكذلك أصالة عدمه يعارض مع أصالة عدم وجوب الصدقة

__________________

(١) لم يكن في الرسائل هذا النقض بخصوصه لا في باب القطع الإجمالي ولا في المقام وان نسبه كرارا إليه فلعله في مقام آخر لم نجده فارجع إلى الرسائل هنا بقوله ان قلت في ص ٢٢٨ وجوابه في ص ٢٢٩ وهكذا لم يكن في فوائد الأصول عن النائيني قده هنا وفي القطع الإجمالي هذا الفرع بل فروع أخرى.

٤٣٠

فكيف يقال بتعيين الحج عليه أو الصدقة بجريان الأصل في الدين فان هذا يكون نقضا لقولهم ان العلم الإجمالي منجز كالتفصيلي.

والجواب عنه أولا بأن الأمارة كما مر يكون مثبتها حجة فإذا دل الدليل على أن الكأس النجس يكون هذا الطرف في صورة العلم الإجمالي بنجاسة أحد الكأسين يثبت طهارة الآخر بمدلولها الالتزامي بخلاف الأصل فان مثبته ليس بحجة ولا يمكن الجواب في المقام بهذا النحو بأن يقال العلم يجعل البدل في مدلوله.

ولكن هنا نكتة أخرى يجب التوجه إليها وهي أنه فرق بين جعل البدل وانحلال العلم الإجمالي فان المقام يكون من انحلال العلم الإجمالي لا من باب جعل البدل.

وبيانه هو أن الإشكال في جعل البدل بواسطة الأصل كان من جهة أن الأثر العقلي لا يترتب عليه جريان الأصل واما إذا كان الأثر شرعيا فلا إشكال في ترتبه ففي المقام نقول في الحج يكون الوجوب مترتبا شرعا على ما هو مورد جريان الأصل وفي النذر يكون الترتب بواسطة النذر فإذا كان الترتب شرعيا لا يبقى إشكال في جريان الأصل بالنسبة إلى الدين لترتب هذا الأثر الشرعي فان من آثار عدم الدين شرعا هو وجوب الحج والصدقة.

والإشكال كله كان من جهة كون جعل البدل من الآثار العقلية وهو مفقود هنا بخلافه في الكأسين فان الترتب كان عقليا فينحل العلم الإجمالي ويصير الشك في الدين فيه الأصل والتعبير تارة باستصحاب العدم في الدين وبأصالة البراءة أخرى في كلماتهم يكون سرّ إناطة الوجوب في الحج على عدم الدين واقعا أو على عدمه ظاهرا فان الاستصحاب يكون نظره إلى الواقع فينزل المشكوك منزلة الواقع والبراءة لا يكون لها النّظر إلى الواقع فيكون مفادها الحكم الظاهري فمن كان الشرط عنده هو العدم الواقعي يتمسك بالاستصحاب ومن كان عنده الشرط هو الأعم يتمسك بالبراءة.

والجواب عن النقض ثانيا بأن العلم الإجمالي يجب ان يكون منجزا في أي طرف وقع مثل التنجيز في الاجتناب عن الكأسين واما إذا لم يكن كذلك فلا يكون له الأثر

٤٣١

وهنا لا يكون من هذا القبيل فان وجوب الحج اما ان يكون منوطا بعدم الدين واقعا أو عدم الدين الأعم من الواقعي والظاهري أو عدم الدين المنجز فعلى الفرض الثالث يكون تنجيز الحج متوقفا على عدم الدين المنجز وتنجيز الدين متوقفا على عدم وجوب الحج فلا يكون الدين والحج كلاهما منجزا حتى يقال ان العلم الإجمالي لا يمكن مخالفته فلا يكون لنا من الأول الا الشك في الدين فيجري الأصل بالنسبة إليه ويترتب عليه وجوب الحج بدون المانع.

ولا مانع أيضا على فرض كون عدم الدين واقعا دخيلا في الوجوب أيضا في فرض تنجيز العلم لأنه في صورة التنجيز يمكن القول بأن العلم يمنع عن الواقع أيضا مثل الشك في الإناءين المشتبهين مع وجود الحالة السابقة في أحدهما كان يكون حالته السابقة الطهارة.

فان استصحاب الطهارة يعارض مع قاعدتها في الطرف الآخر ويسقط ويبقى العلم بلا مانع ولكن في المقام استصحاب عدم الدين لا يكون له معارض لعدم تنجيز العلم وكلامنا في العلم المنجز لا في العلم الغير المنجز فلو كان عدم الدين الواقعي أيضا شرطا لوجوب الحج يمكن إحرازه بالاستصحاب.

هذا كله في النقض على القائلين بالعلية التامة وجوابه واما النقض على القائلين بأنه مقتض ويجري الأصل إذا كان بدون المعارض في ظرف العلم الإجمالي وهو أن من المتسالم بين الفقهاء هو الاجتناب عن الكأسين الذين يكون العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما حاصلا مع وجود الحالة السابقة في الطهارة في أحدهما ولو كان العلم الإجمالي مقتضيا يجب ان لا يقال بالاجتناب عن كليهما بل عن أحدهما فيكشف هذا عن أن العلم يكون علة تامة لا مقتضيا خلافا للقائل به.

ولا يخفى أن شيخنا النائيني قده القائل بالاقتضاء أيضا يقول بأن الأصل بلا معارض لا يوجد ولو وجد يكون جاريا وفي المثال أيضا ينكر الصغرى.

اما بيان كون الأصل هنا بلا معارض فلان استصحاب الطهارة فيما يكون له الحالة السابقة يكون معارضا بقاعدة الطهارة في الطرف الآخر فيسقط بالتعارض ويبقى

٤٣٢

قاعدة الطهارة فيما له الحالة السابقة بلا معارض ضرورة أن الساقط فقط هو الاستصحاب بالتعارض لا القاعدة.

فعلى هذا يمكن القول بجريان الأصل وعدم لزوم الاجتناب عن هذا الطرف بخصوصه على القول بكون العلم مقتضيا.

وقد أجاب شيخنا النائيني قده عن هذا بأن الأصل بدون المعارض لا يكون في المقام لأنه لا يتصور وجود استصحاب الطهارة وقاعدة الطهارة في شيء واحد لأن الجعل لغو فعلى هذا يكون أحدهما هو المجعول ويتساقطان بعد المعارضة ولا يبقى أصل آخر يقتضى الطهارة في أحدهما المعين هذا أولا.

وثانيا لو فرض وجود أصلين للطهارة في شيء واحد يكون ذلك لرفع التحير عن الشاك ويكفي في البناء العملي أحدهما وحيث أن البناء العملي واحد على أيّ تقدير فالأصلان كلاهما يسقطان بواسطة الأصل في الطرف الآخر فان البناء العملي على طهارة هذا ينافي البناء كذلك على طهارة الآخر فأين الأصل بلا معارض حتى يرد النقض.

والجواب عنه ان الأصلين في شيء واحد إذا كانا عرضيين يصح ما ذكره قده ولكن ليس كذلك فان استصحاب الطهارة مقدم على قاعدتها ونظره إلى الواقع والتنزيل منزلته بخلاف القاعدة فانها لا تكون محرزة للواقع بل وظيفة قررت للشاك في ظرف عدم الطريق إلى الواقع فالجعل في الرتبتين لا مانع منه.

واما لغوية الجعل فلا تلزم لأن اثره هو ما يظهر في المقام من أنه إذا سقط أحدهما بالتعارض يبقى الآخر وينتج الطهارة ولا يمكن إسقاطهما بالقاعدة في الآخر للطولية فلو لم يكن العلم علة تامة ما كان لنا مانع عن جريان الأصل في أحد الأطراف وقولهم بعدم جريانه كاشف عن العلية.

لا يقال لا نسلم الطولية في الأثر وهو الطهارة فان استصحاب الطهارة بعد جريانه ينتج الطهارة وقاعدة الطهارة أيضا ينتجها فيكون الطهارة المستفادة من الاستصحاب هي الحاصلة بالقاعدة وما مع المتأخر متأخر فيكون رتبة الطهارة المستفادة من الاستصحاب مع

٤٣٣

رتبة الطهارة المستفادة من القاعدة فأين التقدم والتأخر والرتبة.

لأنا نقول لا يتم القاعدة رأسا فان ما مع المتقدم ليس متقدما مطلقا وكذلك ما مع المتأخر فان ملاك التأخر هو المعلولية لعلة أو كون الشيئين معلولين لعلة واحدة وهذا لا يكون في المقام ولو كان الأمر كما ذكر يلزم أن يقال به في الشك السببي والمسببي فان رتبة الأصل في السبب يكون متقدمة على الأصل في المسبب لطولية الموضوع فان الثوب إذا كان مغسولا بالإناء الّذي يكون فيه استصحاب الطهارة يجب ان لا يقال بطهارته مع أنه إذا جرى الأصل في السبب لا يجري في المسبب فلا يتمسك باستصحاب نجاسة الثوب مع ان استصحاب طهارة الماء يوجب رفع الشك وان كان في خصوص المقام الإشكال في طهارة الثوب لأنه يكون غسله بما هو طرف العلم الإجمالي فلا بد من ملاحظة الرتبة والشيخ النائيني قده أيضا يسلم تقدم الأصل السببي على المسببي.

مضافا بأنه لو قلنا بجريان الأصل في الطرف الواحد يلزم ان يقال أن الآخر يكون بدلا عن النجس الواقعي في البين والأصل لا يمكنه جعل البدل لعدم حجية مثبت الأصل كما مر ويلزم منه الدور لتوقف تطبيق الأصل على جعل البدل وهو على تطبيق الأصل ولا يكون انحلالا أيضا لأن الانحلال يكون في صورة قيام الأمارة على أن النجس في البين هو هذا المعين لا قيام الأمارة على طهارة أحدهما فانه يكون اللازم منه جعل البدل وهو يثبت من الأخذ بلازم الأمارة وهو حجة وفي المقام لا يكون جريان الأصل بحيث يستفاد منه الانحلال كالوجه الأول في الأمارة ولا جعل البدل لعدم الدليل على الأول وعدم حجية مثبت الأصل.

فجريان الأصل بلا معارض في المقام لا يوجب إسقاط العلم عن التنجيز لعدم إمكانه من جعل البدل ولا الانحلال وليتأمل في الفرق بين جعل البدل والانحلال وكلما كان الأصل جاريا لا يكون سرّه اقتضاء العلم الإجمالي بل العلم علة تامة بل سره يكون عدم تنجيز العلم من رأس بالنسبة إليه.

٤٣٤

صور عدم تنجيز العلم الإجمالي

وصور عدم تنجيز العلم بالنسبة إلى بعض الأطراف من رأس كثيرة : منها صورة كون العلم التفصيلي بنجاسة أحد الكأسين قبل العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما مثل أن نعلم أن الأبيض نجس فوقع قطرة دم لا ندري انها وقعت فيه أو في الآخر فان العلم الإجمالي هنا لا يكون له أثر بالنسبة إلى الطرف الآخر لا لعدم العلية بل لأن المنجز لا ينجز ثانيا فالمعلوم نجاسته لا يكون الاجتناب عنه بواسطة العلم الإجمالي بل بواسطة التفصيلي وحيث ان العلم الإجمالي يكون محتمل التطبيق على هذا المعنى يكون احتمال النجاسة في الآخر بدويا وهذا لا يكشف عن أن العلم الإجمالي يكون مقتضيا.

وقال شيخنا النائيني قده وبتقريب آخر الأصل حيث لا يكون له المعارض في الطرف الآخر يكون جاريا لأن أصالة الطهارة فيه لا تكون معارضة بأصالة الطهارة في الآخر بل هو يحكم بنجاسته.

وفيه ان السر هو عدم تنجيز العلم لا أنه منجز ويجري الأصل في الطرف الآخر لعدم التعارض فاصل البيان يكون أحسن من التقريب الآخر ومن هذه الصورة صورة وجود العلم الإجمالي المتقدم مع العلم الإجمالي المتأخر مثل أن يكون لنا العلم بنجاسة أحد الكأسين الأبيض أو الأسود ثم وقع قطرة دم اما في الأبيض والأحمر أو في الأسود أو الأحمر.

وبعبارة أخرى إذا كان لنا ثلاثة أطراف حصل العلم بنجاسة اثنين منهما إجمالا فيما تقدم ثم حصل علم إجمالي آخر بين الطرف الثالث وأحد الاثنين بواسطة وقوع نجاسة جديدة في البين فان العلم الثاني لا يكون له الأثر لأن الاجتناب عن الّذي يكون طرفا للعلم الإجمالي الثاني صار واجبا بواسطة العلم الإجمالي الأول لأن اللازم من العلم هو الاجتناب عن الطرفين والعلم الثاني لا يؤثر بالنسبة إليه لأن المنجّز لا ينجّز ثانيا وبالنسبة إلى الثالث أيضا لا يكون له الأثر لأن الشبهة بالنسبة إليه بدوية وهذا أيضا لا يكشف عن كونه مقتضيا بل لم يثبت التنجيز من رأس.

٤٣٥

الصورة الثانية هي صورة كون المعلوم التفصيلي متقدما مع كون العلم التفصيلي متأخرا عن العلم الإجمالي مثل ان نعلم في الظهر ان أحد الكأسين يكون نجسا ثم حصل لنا العلم التفصيلي في العصر على ان الكأس الأبيض كان نجسا من الصبح مع فرض كون النجاسة التي تكون محققة للعلم الإجمالي غير النجاسة التي كانت في الكأس الأبيض مثل ان يكون نجسا بالبول ثم العلم الإجمالي تعلق بنجاسة أحدهما بالدم أو بالعكس.

وفي هذه الصورة كان العلم الإجمالي منجزا من الظهر أو العصر والكلام في انحلاله في العصر من جهة انه هل يكون المدار على المعلوم أو العلم فان كان المدار على المعلوم فحيث كان العلم بنجاسة الكأس الأبيض حاصلا من الصبح في الواقع لا يؤثر العلم الإجمالي في الظهر بالنسبة إليه لأن المنجّز لا ينجّز ثانيا فلا يلزم الاجتناب عن الطرف الآخر لانحلال العلم وعدم تنجيزه وهذا هو الحق ولا يكون المدار على المعلوم حتى يقال بأن العلم الإجمالي أثر أثره قبل العصر فلا يكون لشيء أن يخرجه عن التأثير.

لا يقال المطلب على ما قلتم من أن المنجّز لا ينجّز ثانيا يكون بعكس ما قلتم فان الإجمالي يجب ان يكون مقدما على التفصيلي لأن العلم الإجمالي أثر اثره قبل التفصيلي فلا يكون تأثير لهذا العلم المتأخر لأنا نقول العلم لا يكون منجزا لأنه نور وصفة نورية في النّفس بل من جهة انه منوّر للغير ومنوريته للغير يكون في الصبح لا في العصر فيكون التنجيز مقدما في المعلوم التفصيلي (١) فان العلم الإجمالي لا فرق بين ان يكون بهذا الاعتبار غير مؤثر

__________________

(١) أقول السرّ انحلال العلم الإجمالي من باب ان الاجتناب من معلوم النجاسة يكون امره نفسيا والاجتناب في أطراف الإجمالي يكون بالأمر الطريقي فإذا حصل الأمر النفسيّ يصير الاحتمال في الطرف الآخر بدويا لاحتمال التطبيق في المعلوم التفصيلي وإلّا فصرف القول بان المنجز لا ينجز ثانيا لا يكون فيه حلّ الإشكال لأن التنجيز في العلم الإجمالي بمعنى الأمر بالاجتناب يكون تنجيزه مقدما على التفصيلي ففي ـ

٤٣٦

في حال الحدوث أو كان مؤثرا ثم ظهر موته بعد ذلك فانه يسقط عن التأثير بدون الفرق بين الصورتين.

لا يقال ان العلم الإجمالي المتأخر عن العلم الإجمالي المتقدم كما مرّ في الصورة الأولى إذا كان المدار على المعلوم يكون غير مؤثر لأن معلوم العلم الإجمالي الثاني متقدم فيكون التنجيز للعلم الإجمالي الثاني لا الأول لأن أحد أطرافه تعلق به العلم في هذا الحين ولكن من قبل هذا لم يحصل العلم مع وجود المعلوم لأنا نقول لا يضر هذا بما نقول.

الصورة الثالثة ان يكون العلم الإجمالي بنجاسة أحد الكأسين مقدما على العلم التفصيلي بنجاسة أحدهما معينا قال شيخنا النائيني قده هنا ان العلم التفصيلي لا يكون مؤثرا من جهة ان المنجز لا ينجّز ثانيا ضرورة ان أحد الأطراف الّذي تعلق به العلم التفصيلي كان منجزا بالعلم الإجمالي ولم يكن تنجيز التفصيلي غير ما نجز بالإجمالي ولكن لا يتم بل المدار في العلم الإجمالي هو أن يكون في كل طرف تمام العلة للجري العملي على وفقه فإذا كان في بعض الأطراف علم تفصيلي يكون جزء المؤثر لاجتماع العلتين على معلول واحد اللازم منه جزئية كل في العلية لأن العلة المستقلة لا تتعدد بالنسبة إلى معلول واحد.

فهنا حيث يحتمل أن يكون الخبر في البين في الكأس الأبيض مثلا ويكون هو الّذي كان في البين من النجس يصير الاحتمال بالنسبة إلى الطرف الآخر بدويا فيجري الأصل بالنسبة إليه فتحصل أنه لا يكون الصور الّذي لا يكون العلم الإجمالي منجزا من باب القول بالاقتضاء بل من باب عدم تنجيز العلم الإجمالي لا من باب عدم العلية التامة.

__________________

ـ الكل يجب ملاحظة الوجدان بأنه هل يكون العلم الإجمالي بعد التفصيلي باقيا كما كان قبله أولا فإذا لم يكن يكون هذا معنى سقوطه عن التنجيز وفي المقام يكون كذلك.

٤٣٧

فصل في تنبيهات العلم الإجمالي

وينبغي التنبيه على أمور الأمر الأول في أنه لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي بين أن يكون التكليف في البين واحدا شخصيا مثل العلم بالنجاسة في البين وبين ان يكون التكليف واحدا مرددا في البين كما إذا علمنا بأن أحد هذين الكأسين لازم الاجتناب اما من باب انه نجس أو من باب انه غصب ويكون التصرف فيه حراما فان التكليف الإلزامي في البين القابل للامتثال موجود فيجب امتثاله.

وقد خالف في ذلك صاحب الحدائق مستدلا بأنه في كل طرف من الأطراف لا يكون لنا العلم بشيء بل الموجود هو صورة العلم لأنه لا نعلم انه غصب أو نجس والمدار في تنجيز العلم هو كونه في نوع خاص من التكليف.

وفيه ما لا يخفى لأن جنس الإلزام في البين حيث يكون ويكون قابلا للامتثال يكون حكم العقل بلزوم الامتثال بدون المانع والسر في تنجيز العلم الإجمالي هو حكم العقل وهو هنا موجود.

وقد أشكل في المثال بعد تسليم أصل المطلب من باب ان الغصب الواقعي لا يكون لازم الاجتناب بل ما هو معلوم الغصبية ألا ترى أن الصلاة في الدار الغصبية صحيحة إذا لم يكن العلم بالغصب حاصلا قبله فالعلم منحل من الأول لأنه ان كان غصبا لا يلزم الاجتناب منه وان كان نجسا يلزم الاجتناب منه ولكن حيث يكون الشك في النجاسة بدويا يجري الأصل بالنسبة إليه.

والجواب عنه ان الغصب أيضا يكون فيه المفسدة كالنجس بحسب الواقع ونفس الأمر والقول بصحة الصلاة في الدار الغصبية يكون من باب ان الشرطية لا تستفاد من لسان الدليل بل من ضم خطاب صلّ ولا تغصب يستفاد اشتراط إباحة مكان المصلى وفي صورة عدم العلم بالغصب لا يكون الخطاب منجزا ويمكنه إتيان العمل بقصد القربة فلذا يقال بصحة الصلاة مع عدم العلم بالغصبية.

التنبيه الثاني : في انه على فرض عصيان الأمر المعلوم أو النهي المعلوم في العلم

٤٣٨

الإجمالي بإتيان الأطراف في صورة العلم بالحرمة وتركه في صورة العلم بالوجوب هل يكون العقاب على كلا الطرفين أو لا يكون العقاب على الواقع المعلوم في البين فيه خلاف.

والتحقيق ان العقاب لا يكون إلّا على الواقع في البين لأن وجوب العمل بمقتضى العلم وترك الأطراف أو فعلها يكون من باب الاحتياط وحفظ الواقع ولا يكون الملاك له في نفسه.

فاما ان يقال بأن الاحتياط يكون مقتضى حكم العقل وما ورد في الشرع من الأمر بالاحتياط مثل قوله عليه‌السلام أخوك دينك فاحتط لدينك يكون إرشادا إلى ما حكم به العقل ولا شبهة في كون حكم العقل لحفظ الواقع.

وعلى فرض القول بان أوامر الاحتياط يكون مولويا أيضا مثل الأمر بتصديق العادل ولو كان خلاف التحقيق ولكن مع ذلك أيضا الأمر المولوي الطريقي لا يكون فيه مصلحة وراء مصلحة الواقع فلا يكون العقاب على ترك الاحتياط الا من باب التجري لو قلنا بأنه أيضا يكون خلاف رسوم العبودية في مورد العلم الإجمالي ولو كان الاحتياط واجبا لمصلحة في نفسه وان كان العقاب على تركه ولكنه خلاف التحقيق فان الاحتياط يكون لحفظ الواقع على ما هو الظاهر في الروايات.

لا يقال احتمال الضرر في كل طرف حيث يكون يجب دفعه ولا يكون المورد مثل احتمال الضرر في الشبهات البدوية لأن البيان هنا تام فترك الاحتياط حيث يوجب الوقوع في الضرر يكون فيه المفسدة وعليه العقاب.

لأنا نقول احتمال الضرر يكون لوجود الواقع في البين فلو فرض عدم الواقع لا يكون للاحتياط وجه فيجب ان يكون العقاب لترك الواقع لا لنفس الاحتياط.

فتحصل ان الأمر إرشادي في الاحتياط ولا يكون العقاب الا على الواقع وعلى المولوية أيضا كذلك.

٤٣٩

التنبيه الثالث (١) في ان التنجيز للعلم الإجمالي في التدريجيات هل يكون مثل الدفعيّات أم لا فيه خلاف فقول بالتنجيز في التدريجيات مطلقا وقول بعدم التنجيز مطلقا وقول بالتفصيل بين ما أخذ الزمان في لسان الدليل قيدا له فيكون العلم غير منجز وبين ما كان الزمان ظرفا فقط فيكون العلم منجزا.

والتحقيق تنجيز العلم الإجمالي التدريجي في جميع الصور فمن علم انه يكون في معاملاته معاملة ربوية اما في أول الشهر أو وسطه أو آخره يجب عليه الاجتناب عن المعاملة والمرأة التي تعلم اما ان يكون ثلاثة أيام في أول الشهر حيضا أو في وسطه أو آخره يجب عليها الاحتياط أيضا وقبل الورود في البحث يجب ملاحظة مقدمة وهي ان الزمان اما ان يكون ظرفا محضا لا دخل له في الملاك ولا للخطاب مثل حرمة الكذب والمعاملة الربوية فان حرمتهما لا تكون مختصة بزمان دون زمان لا من جهة الخطاب ولا من جهة الملاك.

وتارة يكون دخيلا في الخطاب دون الملاك مثل الواجبات المعلقة كوجوب الحج عند الموسم فان الموسم لا يكون دخيلا في ملاك الحج بل هو امر حسن ولكن لا يكون الخطاب به الا في الموسم ولا يكون الخطاب قبله.

وثالثة يكون الزمان دخيلا في الملاك والخطاب كليهما كما في الواجبات المشروطة كالصلاة بالنسبة إلى الدلوك فانه لا مصلحة للصلاة قبله ولا خطاب كذلك.

ثم ان أساتيذنا بعد النّظر إلى كلام الشيخ قده في الرسائل جعلوا المثال الّذي يكون في الرّبا بالعلم الإجمالي بأنه اما ان يكون في أول الشهر معاملة ربوية أو آخره أو وسطه من القسم الأول وهكذا المرأة التي حلف زوجها على ترك وطيها في ليلة جمعة لا يدرى انها في أول الشهر أو الوسط أو آخره فانه حيث لا يكون للزمان دخل في الملاك بل في خصوص الوطء يكون له دخل في الخطاب لخصوصية التعيين.

__________________

(١) هذا هو التنبيه في السادس في الرسائل عن الشيخ ص ٢٤٠ و ٢٤١ وهكذا يكون في تقريرات النائيني.

٤٤٠