مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٤

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٢

١

٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر

أقول تذكرة لنفسي ولمن أراد التذكر انه لا يخفى على أهل البصيرة ان أفضل ما بأيدينا بعد القرآن الكريم من الكلام كلمات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكلمات الأوصياء العظام الأئمة الاثني عشر روحي لهم الفداء وعليهم‌السلام ويعبر عنها بالسنة وحيث انهم كلمات الله التامات وأسماؤه الحسني بوجودهم يكون كلامهم اللفظي أيضا أتم الكلمات وأمتنها وفي المثل كلام الملوك ملوك الكلام فيجب التدبر جدا فيما صدر عنهم عليهم‌السلام فان كلامهم نور وأمرهم رشد وهو المتن وساير الكلمات في الحاشية ان أخذ من معاني كلماتهم وإلّا فلا وقع لها ولا اعتماد عليها وأي باحث كان في أي امر من الأمور الدينية التي فيها نظام المجتمع ويكون أهم ما بعث له الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين لا بد له من النّظر إلى ما صدر عنهم لأنهم معصومون من الزلل في القول والفعل والتقرير.

ومن هذا الوجه يكون الاخبار روح الفقه وروح الأصول وروح الاعتقادات بعد القرآن الشريف فالحكماء والفقهاء والأصوليون وساير العلماء لا بد لهم من النّظر في كلماتهم أولا ثم التعمق حقه ثم توضيحها كما هو أدب العلماء الشامخين على ما ترى في كتبهم ومؤلفاتهم.

٣

ولنا ان نقول كل من كان في صدد إبداع ما لم يوجد فيها لفظا أو معنى ولم يكن مذاقه مذاقهم يفتضح في مدة قصيرة من مؤلف أو ناطق أو باحث أعاذنا الله تعالى من هذا السبيل الّذي فيه هلاك من سلكه ومن تبع سالكه ونسأل الله التوفيق لفهم كلماتهم والتدبر فيها بعد التدبر التام حسب الوسع في القرآن العظيم فإن ما لا يصدر عن الشهوات والميول النفسانيّة ولم يتصرف فيه أيدي الظلم والجاهلية ولم يتغيره جو عالم التزاحم والمشحون بالنكبات حقيق بأن نتدبر فيه.

ومن هذا السبيل أي سبيل التفكر والتدبر قد مضى عمر جميع كثير من العلماء رضوان الله تعالى عليهم وشكر الله مساعيهم في تأليف الكتب في الفقه والأصول والتفسير والاعتقادات وسائر العلوم وهذا الأمر صار سببا لأن يصير ما ذكرنا في المتن من قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك وأمثاله في عدد من الروايات كتابا قطورا في الاستصحاب وقوله عليه‌السلام رفع ما لا يعلمون في حديث كتابا قطورا في البراءة وهكذا ساير كلماتهم عليهم‌السلام صار كل واحد منه سببا لتأليف رسالة ورسالة في القواعد الفقهية والأصولية وغيرها ولا محيص بعد عدم التصريح بمواردها في كلماتهم وعدم وصولنا إليهم عليهم‌السلام إلّا أن نبحث ونلاحظ هذا الكلام وذاك ثم نستفيد من جمعهما شيئا ليسعنا ان نقول فهمنا هذا الكلام وذاك فإن أحاديثهم صعب مستصعب من هذه الجهة ومن هذا الوجه لا بد من التنبيهات في الاستصحاب وملاحظته مع ساير القواعد كقاعدة التجاوز والفراغ واليد وأصالة الصحة والقرعة وغيرها ولا يسمع القائل ان يقول فهمت معنى لا تنقض اليقين بالشك إلّا ان يبين مورده ويجيب عما ظاهره المناقضة أو المضادة معه ولا يكفى اجتهاد الماضين وفهمهم لمن يكون في صدد الفهم نفسه ففي كل زمان ودورة يجب الفحص والبحث ولا ينتهى أمده ما دام البشر يكون تحت لواء النبوة والإمامة إلى يوم القيامة فليس لقائل ان يقول يكفى ما فهموه وما كتبوه فإن الزحمات التي توجهت إليهم في طول حياتهم لفهم هذه الكلمات وأبرزوها بالكتابة يجب ان تتوجه إلينا لا محالة على العادة حتى نصير مثلهم فكما ان الشيخ الأعظم الأنصاري

٤

قده وصاحب الجواهر قده وغيرهما من المتأخرين والشيخ المفيد والطوسي والسيد المرتضى وأمثالهم قدس الله أسرارهم من المتقدمين قد أتعبوا أنفسهم طول حياتهم في ذلك حتى بلغوا إلى ما بلغوا يجب ان يكون من يريد أن يكون مثلهم أيضا فضلا عن كونه أفضل منهم طول حياته في تعب كذلك ليفهم ما فهموه فإن العلم حسب العادة تدريجي الحصول.

ثم ان الكتب في شتى العلوم كثيرة ولا مجال لمطالعة بعضها المعتنى به فضلا عن جميعها في طول العمر والأفكار متشتتة والآراء مختلفة والخطايا كثيرة في غير ما هو صادر عن المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين فلا بد لمن هو سالك طريق العلم ان يأخذ العلم أولا من الكتاب المحكم ثم السنة ثم من المؤيدين بهما من العلماء الشامخين الذين هم أهل هذا الفن ممن هو معروف بصفاء الباطن وسلامة الفكر عن الوساوس الشيطانية أعاذنا الله منها.

ثم ان العلم الّذي نريد أخذه من الاخبار المنسوبة إليهم عليهم‌السلام في غير قليل من الكتب مشوب بالجهل الّذي حصل بدس الدساسين في الاخبار كما لا يخفى وهو امر مشكل جدا مع غيبة الإمام صاحب الزمان روحي له الفداء بل لو فرض الحضور أيضا يحتاج فهم معاني كلماته عليه‌السلام مثل كلمات آبائه الكرام إلى حسن القريحة ولطافة الذهن الّذي لا يحصل إلا بتزكية النّفس وتحصيل الصفاء بالرياضات المشروعة ومن هذه الجهة ورد في الأثر عنهم عليهم‌السلام أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا (في الوسائل باب ٩ من أبواب صفات القاضي ج ١٨ ح ٢٧).

والحاصل الوصول إلى مبلغ من العلم لا بد له من توجه تام إلى مبدأ العلم بالتضرع إليه والالتفات إلى ان الفقير بالذات فقير دائما والغنى بالذات غنى دائما وعدم التكبر بما وجد من قليل من العلم أو الاصطلاح الّذي هو مربوط بالعالم بالذات الّذي يخاطب رسوله الأمين بقول تعالى «سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله انه يعلم الجهر وما يخفى» ليكون غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع غاية ضعفه وفقره في مقابله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بصيرة

٥

من الأمر وانه تعالى متى شاء يأخذ ما أعطاه وان لم يكن الاستثناء في الآية بالنسبة إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الا من باب بيان ربط علمه صلى‌الله‌عليه‌وآله مع عظم شأنه بخالقه الواجب بالذات والواجب في الصفات في مقابل الممكن بالذات والصفات وهذا الاستعداد هو ما يحصل بمناجاة الله تعالى في الأوقات المناسبة من الليل والنهار ومن الإتيان بالنوافل خصوصا في الليل لأن المقام المحمود يحصل بنوافل الليل الّذي يكون شواغل النهار فيه أقل كما قال الله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاما محمودا).

ثم لا يخفى ان فهم كلام واحد ربما يئول إلى إطالة البحث في جوانبه لصعوبة طريق فهمه وبعض المعاني بحيث كلما أريد فيه الاختصار يبدو بوجه آخر مفصلا بحيث لو لا التفصيل لم يحصل الوصول إلى معنى ما هو المختصر وفي ظني ان المحقق الخراسانيّ قده أراد بتأليف الكفاية في الأصول تحصيل الاختصار في المطالب الأصولية بعد شيخه الأستاذ العلامة الأنصاري قده دفعا لبعض ما يرد على التطويل ثم ترى الكتب عن الاعلام من المجتهدين العظام لتوضيح ما اختصره الّذي لا بد منه في مقام التفهيم والتفهم فشأن بعض المطالب هو التوضيح والتشريح لصعوبته.

لا أقول ان ما بأيدينا من الكتب الأصولية في غاية النظام بل يمكن تنقيح المطالب وتحريره بوجه أحسن وحذف بعض المطالب الّذي الا ثمرة له الأعلمية وصرف الفكر في وجه عملي له ثمرة أخرى غير العلمية وان لم يختص أمثال ذلك بعلم الأصول فقط بل ساير العلوم أيضا لا يخلو عنه ولكن مع عدم المجال وكثرة الاشتغال لا يحصل التوفيق غالبا للإحاطة بالكلمات وتأسيس تنظيم خاص الا للأوحدي من العلماء.

ثم ان التأليف الّذي بين أيديكم في الاستصحاب يكون التفصيل فيه في بعض المطالب بوجه لم يوجد في كتب الأصول كالقرعة من القواعد المبحوثة عنها بالمناسبة مع الاستصحاب وهو مجمع الأفكار كما سميته به وأشكر الله فيما هداني ووفقني وما

٦

كنت لأهتدي لو لا ان هداني الله تعالى وأرجو من المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين سيما الإمام الثاني عشر روحي له الفداء وعليه‌السلام ان يقبلوا هذا القليل بمنهم وكرمهم فلو لا رضاهم وقبولهم لكنا من الهالكين وأهدي هذا الكتاب إليهم عليهم‌السلام وأعوذ بالله تعالى من حبط العمل وسوء العاقبة والسلام على الأعاظم من العلماء سيما الأستاذ العلامة مد ظله وعلى إخواني المحصلين الطلاب والعظام وأرجوهم ان لا ينسوني من الدعاء وطلب المغفرة والحمد لله كما هو أهله المؤلف

٧

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

اما بعد فهذه تقريرات بحث شيخنا العلامة الفهامة آية الله العظمى الحاج ميرزا هاشم الآملي أطال الله بقاء وجوده الشريف أبا للعلم والتحقيق مع ما بلغ إليه النّظر بعد البحث والفحص بقدر الوسع والمجال في تذييلاتها من مؤلفه محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي القمي ونسأل الله التوفيق فانه خير رفيق وهو حسبي ونعم الوكيل.

فصل في الاستصحاب

والبحث فيه يستدعى تقديم أمور :

الأمر الأول في معناه في نظر الشرع وتعريفه وأن لم يكن له فائدة لعدم الاحتياج إليه بعد ما كان المراد معلوما ولا وجه للنقض والإبرام فيه سواء كان من الأمارات أو من الأصول التعبدية أو الأصول المحرزة ولا نحتاج إلى بيان تعريف جامع ينطبق على جميع المباني في سند حجيته مثل كونه هو الاخبار أو بناء العقلاء أو حكم العقل ولكن لا بأس بالإشارة إليه كما فعله الشيخ قده وقال أنه إبقاء ما كان وقد تعرض لهذا التعريف شيخنا العراقي قده وقال كما قال الشيخ بأن هذا التعريف أسد وأخصر اما أخصريته فواضحة وأما أسديته فلانطباقه على جميع الإسناد في الاستصحاب لأنه لو كان حجة مثل حجية الخبر الواحد فيكون معناه الحكم بالبقاء لقوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك فإن معناه هو ذا ولو كان السند بناء العقلاء فهم أيضا يحكمون بالبقاء على ما كان فزيد محكوم مثلا بالرجوع إلى داره وعدم الحكم بخرابه إذا شك فيه وهكذا لو كان السند هو العقل فانه يدرك ان ما كان يكون باقيا على ما كان للملازمة بين

٨

الحدوث أو البقاء فعلى هذا لا يرد عليه الإشكال مطلقا لا نحافظ معنى البقاء في الجميع ولكن (١) يرد عليه أن المراد بالاستصحاب أن كان هو فعل الآمر فيكون هو الحكم بالبقاء أو الإبقاء لا نفسه فإن فعله ليس إلّا النهي عن نقض اليقين بالشك وأن كان المراد به فعل المأمور فهو ليس إلّا الجري العملي على البقاء لا نفسه هذا لو كان السند الاخبار ولو كان السند بناء العقلاء فهو ليس إلّا الجري العملي على البقاء ولا يكون لهم حكم به ضرورة أنا نرى عملهم في الخارج ورجوعهم إلى منازلهم ولا نرى منهم الحكم بالإبقاء وأفضح من ذلك إذا كان سنده العقل فانه لا وظيفة له الا الدرك وهو ليس البقاء والإبقاء.

وثانيا أن الاستصحاب يطلق عليه الحجة فإن كان هو فعل المأمور فليس هو الحجة لأنه ليس إلّا الجري العملي وأن كان فعل الآمر فهو مدلول الحجة لا نفسه ولا يصدق على مفهوم الإبقاء الحجة وهكذا لو كان الحاكم هو العقل أو العقلاء فلا ينطبق هذا التعريف على جميع الأسباب للحجية من الاخبار وبناء العقلاء والعقل ولا على فعل المأمور ولا على فعل الآمر.

__________________

(١) أقول يمكن رفع الإشكال بأن معنى الإبقاء على أي تقدير يكون منحفظا بيانه أن الاستصحاب لا يكون فعل الأمر لأن فعله ليس إلّا النهي عن النقض ولا يقول به العراقي قده أيضا فهو فعل المأمور وهو الجري العملي ويصدق عليه أنه إبقاء يعنى بلحاظ الأثر وإلّا فالوجود التكويني في النّفس هو الشك فهو نفس الإبقاء وهكذا ولو كان السند بناء العقلاء والعقل وللعقلاء الحكم كما ان للعقل أيضا حكم عقلي مع الجري العملي أيضا فإنكار الحكم العقلائي أيضا فيه خفاء ثم إطلاق الحجة على الجري العملي يكون بلحاظ سنده كما أنه إذا قيل خبر الواحد حجة معناه أن سنده الحجة وإلّا فالخبر خبر والاستصحاب استصحاب فإطلاق الحجة بهذا اللحاظ مما لا إشكال فيه وبلحاظ نفس الإبقاء وأن لم يطلق عليه الحجة ولكن باعتبار سنده تطلق عليه وهذا هو مراده قده والأستاذ مد ظله أيضا اعترف بعد الدرس بإمكان الدفع كذلك وكلامه هنا يكون جريا على البحث في المطلب لا على ما هو الحق.

٩

ولذا عرفه النائيني قده بتعريف آخر حيث رأى ورود الإشكال على هذا التعريف بأنه حكم شرعي ببقاء الإحراز السابق من حيث اثره وهو الجري العملي على طبقه (١) فبين قده مائزه من ساير الأصول بأنه حكم ببقاء الإحراز فإن البراءة حكم تعبدي لا يكون فيها جهة الإحراز ومائزه من الأمارات هو أن الموضوع فيه الشك وفيها يكون المورد هو الشك وفيه أن مبناه قده على أن سند الحجية هو الاخبار فقط ويكون اليقين في قوله عليه‌السلام لا تنقض اليقين بالشك مرآتا عن المتيقن ومعناه ترتيب آثار المتيقن على المشكوك تبعا للشيخ قده وعلى هذا لا ينطبق هذا التعريف لأنه يكون عليه هو الحكم الشرعي بالمحرز وهو المتيقن لا الحكم الشرعي بالإحراز.

نعم ينطبق على مسلكنا في ذلك عملا بظهور الرواية وهو أن اليقين لا ينقض بالشك فكل أثر يكون على اليقين نفسه وعلى المتيقن الّذي يكون اليقين مرآتا بالنسبة إليه يترتب عليه فإن بعض الآثار يكون لخصوص اليقين فانه إذا كان جزء الموضوع يكون اليقين الّذي استصحب مقامه لأن المفروض أنه باق وهذا لا يترتب على القول بتنزيل الأثر في المتيقن فقط لأن لازمه هو بقاء المتيقن بحكمه على ما هو عليه لا اليقين ومن مفاسد مبناه هو عدم حكومته على البراءة أيضا لأن الإحراز الّذي هو الفارق لا يكون ثابتا به ومنه عدم جواز الصلاة مع استصحاب الطهارة لأن شرطها هو الطهارة الواقعية وهي لا تثبت بواسطة تنزيل المشكوك منزلة المتيقن.

وثانيا أنه لو كان هو الحكم ببقاء الإحراز لا ينطبق على ما هو فعل المأمور وهو

__________________

(١) هذه العبارات من كتاب أجود التقريرات للعلامة الخوئي مد ظله ص ٣٤٣ ولكن تعبيره في فوائد الأصول (تقرير الشيخ محمد علي الكاظمي قده) بنحو آخر وهو قوله فالأولى في تعريفه أن يقال أن الاستصحاب عبارة عن عدم انتقاض اليقين السابق المتعلق بالحكم أو الموضوع من حيث الأثر والجري العملي بالشك في بقاء متعلق اليقين وهذا المعنى ينطبق على ما هو مفاد الاخبار إلخ وقد رأيت أن اشكاله مد ظله يكون على التعبير في الأجود وتعبيره في الفوائد خال عنه.

١٠

الجري العملي لأنه ليس هو الحكم.

وثالثا على فرض عدم إثبات الإحراز لا يكون له الفرق مع ساير الأصول فهو مثل قاعدة الطهارة والحلية من الأصول الغير المحرزة ولكن على ما هو التحقيق من تنزيل اليقين ينطبق التعريف بوجه.

ثم أن بعض الأعيان قده قال بأن دليل الاستصحاب أن كان الاخبار فهو من الأصول العملية المحرزة وأن كان بناء العقلاء فهو ليس إلّا الجري العملي فقط وأن كان العقل فيمكن إطلاق الحجة عليه لأنه مما يحتج به.

وفيه أن المستفاد من الاخبار بناء على تنزيل الشك منزلة اليقين هو حجية الاستصحاب واما بناء على تنزيل المتيقن منزلة المشكوك فهو أصل عملي لأن المراد به ترتيب الآثار للمتيقن ولا يكون مثل اليقين التنزيلي حجة واما على فرض كون الدليل بناء العقلاء فهو وأن لم يكن الا الجري العملي ولكن كيف لا يطلق عليه الحجة كما يطلق على الخبر الواحد فإن سنده ولو كان بنائهم أيضا ولكن إطلاق الحجة عليه مما لا كلام فيه والاستصحاب على الفرض أيضا يكون كذلك والحاصل إطلاق الحجة عليه على التقادير وعلى مذهب التحقيق من تنزيل اليقين فيه لا إشكال فيه.

الأمر الثاني (١) في أن الاستصحاب يكون من المسائل الأصولية أو الفقهية أو من المبادي أو يكون التفصيل بين الأحكام والموضوعات بالقول بكونه أصولا في الأول فقط فيه خلاف والمراد بالمسألة الأصولية هو ما يقع نتيجته كبرى للصغريات الفقهية من الأحكام كما هو مفاد الأمارات أو يكون منتهيا إلى العمل وتعيين الوظيفة كما في الأصول فانها تكون في مقام بيان وظيفة المتحير عند الشك ، والتحقيق عندنا هو أن البحث إذا كان عن حجية شيء يكون أصوليا وان كان في تطبيق ما هو الحجة على الموارد فيكون فقهيا ولا شبهة في أن البحث عن حجية الاستصحاب من المسائل

__________________

(١) أقول ولا يخفى عدم وجود الثمرة لهذا البحث في الفقه ولا فائدة له الا تقوية الفكر.

١١

الأصولية كما أن البحث عن حجية الخبر الواحد أيضا يكون أصوليا انما الفرق بينهما في أن ما يستفاد من الخبر الواحد يكون حكما من الأحكام لأنه أمارة ولكن ما يستفاد من الاستصحاب وغيره من الأصول يكون بيان وظيفة الشاك فيقال في الأول هذا مما أخبر بوجوبه الثقة وكل ما أخبر بوجوبه الثقة يكون واجبا فهذا واجب وفي الاستصحاب أيضا يقال هذا مما له حالة سابقة يقينية وكل ما كان كذلك يجب عدم نقضه بالشك فهذا يجب عدم نقضه بالشك ولا يخفى أن دخل الاستصحاب في الفقه يكون قريبا ودخل الصرف والنحو والمنطق يكون بعيدا ولهذا يكون البحث فيه من الأصول والبحث فيما ذكر من المبادي وهذا هو الفارق بينه وبين ساير العلوم.

وتوهم أن المسألة الأصولية هي التي تكون في الأحكام الكلية ويكون مهارها بيد المجتهد وما يكون مهاره بيد المقلد فليس من الأصول بدليل أن الفحص عن المعارض وعن الدليل في الاستصحاب وغيره يكون من شأن الفقيه ولا حظّ للمقلد فيه بخلاف مثل استصحاب طهارة الشخص لثوب نفسه أو استصحاب حياة زيد فانه يكون شأن المقلد أيضا.

مندفع لأن البحث عن دليلية الدليل هو الأصول والتطبيق تارة يكون بيد المجتهد مثل تطبيق الدليل على الموارد الخاصة وقوله بجريان الاستصحاب مثلا في هذه الواقعة من جهة الحكم وتارة يكون بيد المقلد مثل استصحاب الحياة بعد أخذ حجيته عن المجتهد وهذا هو الوجه لرد هذا التوهم.

ولا يرد عليه ما يقال من أن الاستصحاب في الأحكام بيد المجتهد كيف يصير أصولا وفي الموارد الخاصة كيف يصير فقها مع أن الدليل واحد وهو لا تنقض اليقين بالشك.

لأنه يقول ان الحكم الكلي انحلالي ففي بعض الموارد فقه وفي بعضها أصول.

ثم أنه لا يقال عليه أيضا بأن الأمر لو كان كما ذكرت فما هو مفاد الأمارات أيضا كذلك لأن البحث عن معارضها وسائر ما له دخل في إثبات الحكم مثل الوجوب

١٢

أو التحريم يكون بيد المجتهد فهي أيضا أصول.

لأنه يقول لا أبالي ويلتزم بأن كل مورد يكون البحث في الحكم الكلي فهو أصول وفي الموارد الجزئية فهو فقه.

فتحصل أن الإشكال عليه هو ما ذكرنا من أن كل مورد يكون البحث عن الحجية يكون من الأصول وكل مورد يكون البحث عن التطبيق فهو فقه ومن هنا يظهر أن البحث عن دليل قاعدة ما لا يضمن وقاعدة لا ضرر وقاعدة الفراغ أصول ولو ذكر في الفقه ولم يكن محررا في الأصول والبحث عن تطبيق القواعد على الموارد فقه ولا فرق بين يجب الصلاة ويجب الصلاة ويجب تصديق العادل أو يجب عدم نقض اليقين بالشك بعد إحراز الدليلية والحجية غاية الأمر في مثل يجب الصلاة يكون الحكم نفسيا وفي مثل يجب تصديق العادل وأمثاله يكون الحكم طريقيا وهذا لا يوجب الفرق.

ولا فرق بين أن يكون السند لحجية الاستصحاب هو الاخبار أو بناء العقلاء أو العقل فجزء الأخير من العلة التامة وللاستنباط هو الأصول وبقية ما هو دخيل مثل الصرف والنحو والمنطق من المقدمات والمبادي من أي دليل كان مع حفظ كونه بحثا عن دليلية الدليل.

ثم أن البحث عن حقيقة الاستصحاب وأنه هل هو الجري العملي أو غيره يكون من المباحث الفلسفية لأنها يكون البحث فيها عن حقيقة الأشياء كما هي فالقول بأنه إبقاء ما كان عملا أو بناء يكون من مسائلها ولا ربط له بالفقه ولا الأصول فظهر من جميع ما تقدم ما هو الحق في معنى المسألة الأصولية.

الأمر الثالث في فرق الاستصحاب مع قاعدة المقتضى والمانع ومع قاعدة اليقين وهذا البحث يفيد بالنسبة إلى الدليل الدال على أن اليقين لا ينقض بالشك من جهة التطبيق على أي معنى من المعاني والحق عدم شموله لقاعدة المقتضى والمانع وأن توهم الشيخ هادي الطهراني قده أن الاستصحاب يرجع إليها ويكون دليله دليلها.

وحاصل الفرق هو أن المقتضى لا يكون وجود مقتضاه في الخارج فعليا فان

١٣

اليقين قد تعلق بأصل المقتضى ويكون الشك في وجود المانع فان كان المانع موجودا لم يؤثر اثره وأن لم يكن لأثر الأثر مثل النار المقتضى للإحراق لو لا رطوبة الثوب في التكوين فإن اليقين إذا كان بوجود النار المقتضى للإحراق لا يكون من اليقين بالإحراق وكما أن الملاقاة مقتضية للنجاسة في الشرعيات والكرية مانعة.

وهذا بخلاف قاعدة اليقين فإن المتيقن قد أحرز وجوده في الخارج مثل عدالة زيد يوم الجمعة ثم حصل الشك في عدالته في يوم الجمعة بعدها فقد أحرزت العدالة في زمان من الأزمنة وفي المقتضى يكون الشك في أصل الوجود.

واما الفرق بين قاعدة اليقين والاستصحاب فهو أن الشك في الثاني يكون في طول اليقين ولا يكون متعلقا بالمتيقن في ظرف اليقين بخلاف القاعدة فانا إذا شككنا في عدالة زيد يوم الجمعة مع الشك يوم الخميس في زوالها لا يكون الشك متعلقا بما حصل اليقين بالنسبة إليه في يوم الجمعة.

واما إذا حصل الشك في العدالة في نفس يوم الجمعة يكون هو من قاعدة اليقين فالشك يكون في اليقين السابق ولذا يسمى شكا ساريا فلا جامع بين الثلاث ليمكن تطبيق دليل الاستصحاب عليه بل كل واحد يكون له معنى غير المعنى الآخر.

وهم ودفع

اما الوهم فهو أنه قد توهم أن الشيخ الأعظم الأنصاري قده حيث يقول بعدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضى يكون مراده هذا المعنى من قاعدة المقتضى والمانع وفي مقابله قوله بجريانه في الشك في الرافع.

واما الدفع فهو أن المقتضى في لسان الأصولي يكون له ثلاث إطلاقات وفي لسان الفيلسوف له إطلاق واحد الأول أن يكون المراد منه هو ما يترشح منه المعلول تكوينا كالنار والإحراق وهو اصطلاح الفلسفي أيضا.

والثاني أن يكون المراد منه ما يقتضى الأثر الشرعي كاقتضاء الملاقاة مع

١٤

النجس للنجاسة ومانعية الكرية عن التأثير.

الثالث أن يكون المراد ما هو ملاك وجود الحكم مثل كون العلم مقتضيا في نظر الشرع للحكم بوجوب الإكرام لو لا المانع وهو الفسق وكل ذلك لا يكون مراد الشيخ قده لأن الكل يكون الشك في وجود مقتضاه ولا يكون الشك في بقائه.

واما مراد الشيخ قده فهو صورة كون الشك في البقاء فان الدار على ساحل البحر يكون له اقتضاء البقاء لو لا طغيان البحر بمائه وخرابه الدار وهذا بخلاف البيت من الحجر وغيره مما لا يؤثر فيه الماء فإن الشك يكون في الرافع لا في بقاء اقتضاء المقتضى.

والحاصل مراده هو الشك في بقاء ما ثبت لا في أصل رشح المعلول عن العلة.

الأمر الرابع ـ في اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة في الاستصحاب وهذا مما لا بد منه وقد ظهر من الأمر الثالث الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين والمقتضى والمانع وقلنا أن ما تعليق به الشك فيه هو الّذي تعلق به اليقين لكن مع اختلاف الرتبة فإذا كان اليقين السابق متعلقا بعدالة زيد يوم الجمعة يجب أن يكون الشك في عدالة زيد يوم السبت فان القضية هي عدالة زيد في صورة الشك واليقين وهذا في الموضوعات الخارجية واضح لا شبهة ولا ريب فيه لأن الاتحاد في الخارج معلوم.

ولكن الاتحاد في الذات لا يكفى ففي الكلي القسم الثالث إذا كان اليقين بوجود زيد في الدار ثم علمنا بخروجه عنه ولكن لا نعلم دخول عمر وأولا بعده لا يمكن أن يقال هما إنسان لاتحاد ذاتهما من هذه الجهة فكان اليقين بوجود الإنسان في الدار والشك في زواله لعدم الاتحاد من جهة الخصوصيات.

ومن هنا قد أشكل في استصحاب الأحكام (١) لأن الحكم يكون على الطبيعة

__________________

(١) قد تعرض لهذا البحث الشيخ الأنصاري قده في الأمر السادس في الرسائل عند قوله الثاني وهو في الرسائل الحاضر عندي في ص ٣٠٤.

١٥

لا على الشخص فإذا كان حكم الماء المتغير بإحدى الأوصاف الثلاث النجاسة ثم زال التغير بنفسه لا يمكن أن يقال ان الماء مشكوك الطهارة وكان في السابق معلوم النجاسة فهكذا الآن لعدم اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة والحكم على الطبيعي لا يثبت حكم الشخص وهو الماء الموجود في حوض زيد.

والجواب عنه أن الطبيعي يكون عليه الحكم بلحاظ الشخص لا بلحاظ الوجود الذهني وبعبارة أخرى منشأ انتزاعه هو الخارج ولا يكون اللحاظ بالنسبة إلى الذهن فيمكن أن يقال الماء المتغير الّذي يكون فرد منه ما في حوض زيد حكمه النجاسة فيما سبق وبعد زوال تغييره بنفسه يكون حكمه كما كان فلا فرق بين استصحاب الحكم والموضوع.

وقد أشكل على الأحكام الشرعية الاستصحاب في الأحكام بإشكال آخر وهو أن من المسلم أن بقاء الموضوع شرط في جريان الاستصحاب وهذا لا يمكن تحققه في صورة الشك في قيد من قيود الحكم كما عن الخراسانيّ قده.

بيانه أن شيخنا النائيني قده ممن قوى أن كل قيد في الحكم يرجع إلى الموضوع وكل قيد الموضوع يرجع إلى الحكم فإذا قلنا أن جاءك زيد فأكرمه يرجع إلى قولنا زيد الجائي أكرمه لأن الإكرام إذا كان وجوبه مشروطا بالمجيء لا يخلو الموضوع من حالات ثلاثة فانه اما أن يكون مطلقا عن القيد بأن يقال زيد سواء كان جائيا أو لا فأكره وهذا محال لأن اللازم منه لغوية الشرط في الحكم واما أن يكون مهملا ثبوتا وهو محال لأن المتكلم يكون في صدد بيان الحكم والإهمال منه قبيح واما ان يكون مقيدا بالمجيء وهذا هو المتعين لأن الأولين لم يكن الالتزام بهما وعليه فيكون قيد الحكم قيد الموضوع.

وعلى فإذا شك في وجود القيد لم يكن الموضوع محرزا ليمكن استصحابه فإذا قيل الماء إذا تغير أحد أوصافه الثلاث ووجدنا ماء قد زال تغييره بنفسه يكون المتغير غير الّذي قد زال تغييره فلا وجه لجريان الاستصحاب بعد عدم صدق الموضوع

١٦

وعدم اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة.

والجواب هو أن هذا المبنى يكون روحه إنكار الواجب المعلق.

والعجب عن المحقق الخراسانيّ قده الّذي تصور الواجب المعلق خلافا للأنصاري قده ومع ذلك قد أجاب باتحاد القضيتين عرفا.

والحق عندنا أن الواجب المشروط والمعلق (١) والمطلق لكل واحد منه مائز ماهوي ثبوتا ولا يمكن القول بالاتحاد بين المشروط والمعلق كما عن الشيخ وعن النائيني قده فإن المطلق لا يكون له شرط أصلا واما المشروط فيكون القيد في رتبة ملاك الحكم والمعلق يكون القيد فيه بعد تمامية الملاك فمثل الاستطاعة قيد لوجوب الحج بحيث لو لم تكن لم يكن للحج ملاك الوجوب ومثل المرض بالنسبة إلى شرب المسهل فانه لا ملاك لشربه بدون المرض.

ولا يمكن ان نفس الحكم قيدا لموضوعه فضلا عما يكون متقدما على الموضوع برتبتين رتبة الحكم ورتبة ملاكه.

واما الواجب المعلق فمثاله الموسم بالنسبة إلى الحج فان الحج قد تم ملاكه بواسطة وجود الاستطاعة ولكن ظرف تحققه هو الموسم ومثل شرب المنضج قبل المسهل مقدمة له بعد إحراز المرض فان شرب المسهل مما تم ملاكه ويفيد في ظرف المنضج فيكون هذا قيد الموضوع لا قيد الحكم وهذا هو الفرق الواضح بين المعلق والمشروط ولا يمكن إنكاره وعليه فإذا شك في قيد من قيود الحكم يمكن استصحابه لبقاء الموضوع والشك يكون في الحكم لاحتمال دخل شيء فيه وهذا في القيود التي يكون للحكم وإثبات ذلك يكون بحسب لسان الدليل والبحث هنا كان في أن الشك في قيد الحكم لا يرجع إلى الشك في بقاء الموضوع.

__________________

(١) أقول وقد مر في مباحث أقسام الواجب في الجلد الأول ان المعلق يرجع إلى المشروط تبعا للعلامة النائيني لأن ما علق عليه الحكم كالشرط فانه لو لم يكن لم يكن الحكم وحيث قد مر الشرح في التذييلات في أقسام الواجب فلا نطيله هنا.

١٧

واما الجواب عن مقالة شيخنا النائيني قده فهو ان لنا الواسطة بين المطلق والمقيد وليس هو الإهمال بل بنحو القضية الحينية في المنطق يعنى الموضوع لا يكون مقيدا ولا مطلقا عن القيد بل في حين وجود القيد يكون الحكم عليه فان كان خفاء عندك فانظر إلى قولنا زيد قائم في حمل الصفة على الموصوف فهل زيد بشرط القيام قائم أو بشرط عدمه أو بنحو الحينية لا سبيل إلى الأولين لأن الموضوع بشرط المحمول يكون المحمول ضروريا بالنسبة إليه ولا معنى للحمل وبشرط عدمه يكون من المستحيل حمله عليه فلا بد أن يقال زيد في حال كونه قائما قائم لا بشرط عدمه ولا بشرط وجوده ليصير قيدا.

فإذا قلنا الماء إذا تغير يكون نجسا يكون معناه أنه حين التغيير يكون كذلك لا بشرطه بحيث إذا فقد يكون موجبا لفقد ان الموضوع فالموضوع هو ذات الماء بدون الإطلاق والتقييد.

والجواب الثاني عن أصل الإشكال هو ما ذكره الخراسانيّ قده وهو أن الموضوع في الاستصحاب يكون بقائه بنظر العرف لا بالدقة العقلية ولا ما في لسان الدليل كما ذكره الشيخ الأعظم قده أيضا ولكن يجب الالتفات إلى أن الموضوع يؤخذ من لسان الدليل ولكن العرف يتصرف فيما يتلقى من الخطاب ضرورة أنه ليس مشرعا وهكذا العقل ولذا ربما يكون متصرفا فيما في لسان الدليل وربما لا يكون متصرفا ويتحد نظره مع ما في الدليل دقة.

ففي المقام نقول ان الموضوع في قوله الماء إذا تغير يكون هو ذات الماء وخصوصية التغيير يكون خارجا عن ذات الموضوع فاستصحاب الأحكام الكلية لا إشكال فيه إذا شك في قيد من قيود الحكم إذا لم يكن القيد جزء الموضوع.

والجواب الثالث هو أن هذا الإشكال يكون على مبنى الشيخ والنائيني (قدهما) القائلان بأن استصحاب الحكم مع الشك في الموضوع لا يجري واما على ما هو التحقيق من جريان الاستصحاب في بعض صور الشك في الموضوع فربما يكون جاريا بالنسبة

١٨

إلى الحكم فإن الأثر إذا كان على الاستصحاب لا على المستصحب يمكن جريان الأصل في الحكم فإذا نذر أحد أنه لو كان زيد مستصحب العدالة يعطى عمراً درهما فاستصحاب العدالة مع الشك فيها جارية ولو لم يكن حياة زيد محرزة فمع الشك في الحياة لا إشكال في جريان الأصل بخلاف صورة كون الأثر على المستصحب فإن استصحاب عدالة زيد لجواز الاقتداء به لا يمكن مع الشك في الموضوع وهو زيد الحي ضرورة انه لا يمكن ترتيب أثر المستصحب مع الشك في وجوده.

فتحصل من جميع ما تقدم أن الإشكال في جريان الاستصحاب في الأحكام لا يكون إلّا على فرض كون القيد في الحكم راجعا إلى الموضوع وعلى فرض عدم كون الموضوع فيه عرفيا وعلى فرض عدم جريان الأصل مع الشك في الموضوع وقد عرفت أن الكل لا دليل عليه.

ومن العجب أن الآخوند قده ممن لم يرجع قيد الحكم إلى الموضوع ومع ذلك تمسك في دفع الإشكال بعرفية الموضوع فيه وله أن يدفع الإشكال بعدم رجوع قيد الحكم إلى الموضوع.

ومن العجب أن الآخوند قده ممن لم يرجع قيد الحكم إلى الموضوع ومع ذلك تمسك في دفع الإشكال بعرفية الموضوع فيه وله أن يدفع الإشكال بعدم رجوع قيد الحكم إلى الموضوع.

ومن العجب عن شيخنا النائيني قده هو أنه التزم بالإشكال ويقول بأن البحث في الاستصحاب بحث عن مسألة أصولية مع ان لازم هذا القول هو عدم جريانه إلا في الموضوعات وهي بيده المقلد وما يكون كذلك يكون من المسائل الفقهية (١).

__________________

(١) أقول ان النائيني قده يظهر منه من المباحث التالية لهذا البحث في فوائد الأصول انه ممن اعترف بأن الموضوع في الاستصحاب عرفي كما في قوله فيه فكما إلخ في ص ١١٤ من الأمر الخامس.

ولا أظنه ان لا يجري استصحاب الحكم فقها على ما في ذهني من مباحثه الفقهية فيكون مبناه إرجاع القيد إلى الموضوع والإشكال في المقام من جهته ولكن العرفية في الموضوع عنده تام فله ان يقول بان الاستصحاب مسألة أصولية نعم لو كان المدار على إشكال إرجاع قيد الحكم إلى الموضوع لا يكون له ذلك.

١٩

الأمر الخامس

في بيان ان الشك واليقين فيه يجب أن يكونا فعليين ولا اعتبار بالتقديري منهما والدليل عليه.

أولا ان كل عنوان من العناوين إذا أخذ في لسان دليل يكون ظاهرا في دخله فعليا فإذا امر المولى بإكرام العالم يكون عنوان العالمية مما يجب ان يكون فعليا ليترتب الحكم عليه فانه دخيل فيه فإذا ورد لا تنقض اليقين بالشك يكون معناه عدم جوازه نقض اليقين الفعلي بالشك الفعلي فمن لم يكن عالما بشيء في زمان وشاكا في زمان آخر أو في طول اليقين لا يكون أركان استصحابه تاما.

وثانيا يمكن إقامة البرهان على ما ذكر مضافا إلى ظهور لسان الدليل وهو ان الفرق بين الأحكام الظاهرية والواقعية هو ان الثانية يكون الحكم على الواقع فيها ولا دخل لعلم المكلف وجهله بالحكم حتى انها تشمل النائم والساهي.

واما الأولى وهي الأحكام الظاهرية فلا شأن لها الا التنجيز وبيان وظيفة الشاك وهي لا تحصل الا مع الالتفات بما هو موضوع الحكم من الشك واليقين فإذا لم يكن المكلف شاكا لا يكون الحكم في حقه فعليا ومنجزا والتقدير بأنه لو التفت لشك لا يفيد.

ولا فرق فيما ذكر بين كون مفاد الدليل هو تنزيل المتيقن منزلة المشكوك كما هو رأى شيخنا النائيني قده أو تنزيل اليقين منزلة الشك كما هو رأينا لأن إحراز العنوان لازم على ما هو ظاهر الدليل غاية الأمر على المبنى الأول وأن كان لا شأن للشك واليقين من حيث ذاتهما ولكن في مقام ترتيب أثر المتيقن على المشكوك لا بد من إحراز عنوان الشك واليقين ليتصور المشكوك والمتيقن ومن هنا يتم البرهان أيضا على كلا المسلكين بعدم الموضوع للحكم الظاهري قبل تعلق الشك الفعلي بالمشكوك الفعلي وقبل تعلق اليقين فعليا بالمتيقن.

٢٠