مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي

مجمع الأفكار ومطرح الأنظار - ج ٣

المؤلف:

محمد علي الإسماعيل پور الشهرضائي


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٧١

إرشاديا إلى ما يحكم به العقل لأن وجوب متابعة العلم عقلي لا يحتاج إلى امر إلّا بنحو الإرشاد وهو خلاف ظاهر الآية فان ظاهرها هو كون الوجوب مولويا ومقتضاه انه إذا لم يحصل العلم أيضا يجب فيكون الوجوب تعبديا فعليه يجب قبول إنذار المنذر ولو كان واحدا لا يفيد العلم.

ثم ان الخراسانيّ قده أيضا أشكل بإشكالين في المقام أحدهما إشكال الشيخ وصار مرضيا عنده. وحاصله أن الآية تكون في صدد إثبات التحذير العملي بعد إثبات حكم الله تعالى وإثبات حكمه تعالى لا يحصل إلّا بالإنذار المفيد للعلم فالواحد إذا أخبر لم يحصل العلم بحكمه تعالى حتى يجب التحذير والعمل عليه فتكون الآية في صدد بيان وجوب التعلم والإنذار لأنه يكون طريقا لإثبات الأحكام إذا كان موجبا للعلم ففي الواقع يكون حكم الله الواقعي هو المتبع وهو لا يحصل بالخبر الواحد لأنه لا يفيد العلم فلا وجه للإطلاق.

والجواب عنه ان كل تخصيص وتقييد في الشرع يكون هكذا فان روح التخصيص هو التخصص ولكن نحن يكون لنا لسان الدليل بعمومه أو بإطلاقه حجة ففي المقام وان كان ما هو المتبع هو أحكام الله الواقعية ولكن إذا نظرنا إلى إطلاق الإنذار نأخذ بكل حكم أنذره المنذر فإن طابق الواقع فهو وإن لم يطابق فنحن كنا مأمورين بالاخذ بالإطلاق ولنا الحجة على المولى ولو لم نعمل عليه يكون له الحجة علينا بترك الأخذ بالإطلاق.

وثانيهما عنه قده وهو أن الآية تكون في صدد إظهار الحق بواسطة الإنذار فإن القوم أن أنذروا فلا محالة يصير الحق ظاهرا ويكون هذا من آثاره القهرية ولا يكون بصدد إثبات قول الواحد ولو لم يظهر الحق به.

وفيه أن الآية لا تدل على وجوب الإنذار بنحو العام المجموعي حتى يقال يظهر الحق بالجميع بل العام افرادي كما مر في المقدمة وكما هو المعمول في بيان الأحكام فيدور الأمر بين كون وجوب الإنذار لكل أحد غايته إظهار الحق أو التحذير وما ذكر في الآية غاية للإنذار هو التحذير لا إظهار الحق فيتعين فيجب قبول قول

١٨١

المنذر ولو لم يفد العلم ولا غرو في أن الحق أيضا يظهر بذلك تارة ظهورا علميا وتارة ظهورا تعبديا.

وأما الإشكال في المقام بأن التفقه لا يكون معناه نقل الرواية بل صيرورة الشخص فقيها ينقل رأيه وهو من الخبراء يقبل قوله.

فلا وجه له أيضا في المقام لأن التفقه في كل عصر بحسبه كما مر في المقدمة ففي زمان المعصومين سلام الله عليهم أجمعين أو قريب عصرهم كان بنحو نقل الرواية ولكن بمفادها حيث فهموه فكانوا أيضا فقهاء لا الراوي فقط وفي زماننا هذا وقبل زماننا مثل زمن العلامة صار بنحو آخر حسب الاحتياجات وعدم القرب إليهم عليهم‌السلام والوصول لسؤال الأحكام.

وثانيا ان الفقيه أيضا من أين يقبل قوله فهل هذا إلّا واحدا يوجب قوله الظن فلا بد من قبول قوله بدليل حجية خبر الواحد وإلّا فمع عدم الوثوق به لا يقبل قوله.

فالحق دلالة الآية على حجية خبر الواحد وساير الآيات حيث لا يكون دلالتها تامة لا نتعرض لها في المقام وفيما ذكرناها منها غنى وكفاية.

فصل في الاستدلال (١) بالأخبار عن المعصومين عليهم‌السلام

على حجية خبر الواحد

وهي على أربعة طوائف الطائفة الأولى ما ورد في علاج الاخبار المتعارضة والمرجحات التي ذكرت فيها تارة تكون بالنسبة إلى الوثوق المخبري أي حصول الوثوق من ناحية المخبر بالخبر كما في قوله عليه‌السلام خذ بأعدلهما وتارة بالنسبة إلى الوثوق الخبري كما في قوله عليه‌السلام خذ ما خالف العامة وخذ بما اشتهر بين أصحابك.

وتقريب الاستدلال بها ان التعارض يكون بين الاخبار التي تكون ظنية الصدور

__________________

(١) في جامع أحاديث الشيعة تأليف آية الله العظمى المرحوم البروجردي (قده) في باب ٥ ص ٤٨ يبلغ عددها ١١٦.

١٨٢

ولا تعارض بين القطعيين من جهة السند إلّا إذا صدر عن تقية واللازم منه حجية الخبر الّذي يكون له المعارض والاعتناء به ان المتيقن منها هو حجية خبر العادل لأن الملاك عليه في المرجحات أو الملاك بالأوثقية وبتناسب الحكم والموضوع نفهم ان المراد ان كل خبر موثق يكون حجة لأن الّذي يضر هو تعمد الكذب ولا يكون هذا في صورة الاطمئنان بعدم الكذب ولو كان الراوي غير عادل.

الطائفة الثانية الاخبار الدالة على الرجوع إلى أمثال زرارة وأبان بن تغلب في مقام أخذ معالم الدين منهم بقوله عليه‌السلام فلان ثقتي خذ معالم دينك منه فما ادى عني فعني يؤدى وتلك الاخبار كثيرة ومعلوم ان قولهم حيث لا يوجب العلم مع انهم عليهم‌السلام أمروا بقبوله يكون قول الواحد حجة حتى انه مع الظن بالخلاف أيضا يكون قولهم متبعا مثل قضية أبان في دية قطع أصابع المرأة بقوله عليه‌السلام في قطع الأربعة بعشرين إبلا وفي الثلاثة بثلاثين واستند بأن الدية في المرأة إذا بلغت ثلث دية الرّجل في الأطراف تنتصف.

فإن في أمثال هذه الموارد يكون الظن بخلافه من حيث المحاسبة العقلية ولكن السنة إذا قيست محق الدين ومورد هذه الاخبار وان كان خبر العدل في غاية العدالة مثل زرارة وأبان ولكن تناسب الحكم والموضوع يحكم بأن المدار يكون على الوثوق فقط.

والطائفة الثالثة ما دل على الرجوع إلى الرّواة بقولهم عليهم‌السلام واما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة أحاديثنا وهذا يدل على حجية قول الرّواة وهي أيضا كثيرة ولا يمكن دعوى اختصاصها بصورة حصول اليقين من خبرهم لأن الظاهر قبول قول كل فرد منهم لا قول المجموع من حيث المجموع بحيث يفيد العلم فقط ومن المعلوم عدم حصول العلم من اخبار الرّواة غالبا فتدل على المطلوب لكن في صورة الوثوق لا غير كما مر من تناسب الحكم والموضوع.

الطائفة الرابعة هي الاخبار المتفرقة في الموارد المتعددة التي يفهم منها مفروغية جواز العمل بخبر الواحد في الجملة ولو في خصوص موثوق الصدور.

١٨٣

ثم انه قد أشكل على الاستدلال بهذه الاخبار من جهة أنها اخبار آحاد ولا يمكن إثبات حجيتها بها إلّا بنحو الدور لأن حجية خبر الواحد تتوقف على حجية خبر الواحد وقد أجيب عن الإشكال بأن هذه الاخبار الدالة على الحجية وان لم تكن متواترة لا لفظا (١) ولا معنى (٢) إلّا انها متواترة إجمالا بحيث نعلم صدور بعض هذه في الجملة قطعا.

وعليه فيجب ان يؤخذ بأخصها مضمونا وهو ما دل على حجية خبر العادل ولكن حيث نعلم بان المدار على الوثوق فيثبت المطلوب بان كل خبر كان ثقة حجة بل يمكن ان يدعى ان غير ما كان في خصوص العادل أيضا فيه التواتر الإجمالي فيدل بنفسه على حجية خبر الثقة ولو لم يكن عادلا.

وفيه ان التواتر الإجمالي لا أساس له فان صدور اخبار لا يكون الاتحاد في اللفظ ولا في المعنى كيف يمكن القطع به فان كل واحد منها اخبار آحاد في موضوع وضم غير الحجة بغير الحجة لا يفيد القطع ما لم يرجع إلى الاتحاد في المعنى أو اللفظ ولكن يمكن ان يكون مرادهم هو التواتر المعنوي لأن المتفاهم من جميع هذه الاخبار حجية خبر الموثوق في موارد متعددة فتكون متحدة في المعنى مع ان بعضها يكون محفوفا بقرائن يفيد القطع بالصدور.

لا يقال أن المستفاد منها هو الوثوق المخبري فانه معنى قوله فلان ثقتي فلا تشمل الوثوق الخبري مثل الخبر الضعيف المنجبر بالشهرة. لأنا نقول اللازم هو الوثوق بالخبر وهو تارة يحصل بواسطة الوثوق بالمخبر وتارة بالوثوق بالخبر مضافا إلى أن بناء العقلاء يكون في الأعم منه.

فتحصل أن دلالة الاخبار أيضا على حجية الخبر الواحد تامة لا إشكال فيها.

__________________

(١) مثل حديث الثقلين.

(٢) مثل شجاعة أمير المؤمنين عليه‌السلام.

١٨٤

فصل في الدليل الثالث وهو الإجماع على حجية الخبر الواحد

وتقريره على وجوه : الأول الإجماع القولي والثاني الإجماع العملي والثالث سيرة المسلمين والرابع بناء العقلاء بما هم عقلاء.

اما الأول فلا يكون منقولا فقط بل يكون محصلا لوجداننا موارد عديدة على حجية خبر الواحد من كلماتهم فلا تصل النوبة بعد تحصيل الإجماع بمعارضة منقوله بقول السيد قده ونقله عدم الحجية بالإجماع.

لا يقال أن الإجماع حجة في المسألة الفقهية على ما سمعناه ورأيناه في الفقه ولكن الإجماع في المسألة الأصولية لا يكون حجة. لأنا نقول المدار على كشف رأى المعصوم عليه‌السلام منه ولا فرق في ذلك من جهة كون المسألة أصولية أو فرعية. ولكن في المقام يمكن ان يقال انه مدركي ومدركه الاخبار والآيات وبناء العقلاء هذا أولا وثانيا انه معارض بإجماع السيد على خلافه وقد مر الجواب عن الثاني بأن لنا الإجماع المحصل ويمكن أن يكون مراد السيد (قده) أيضا طرد اخبار موضوعة في الدين في زمانه وكان في التقية فقال بعدم حجية اخبار الآحاد مطلقا حتى يحصل الغرض على أنه يستفاد من بعض كلماته عدم حجية ما لا يوثق بصدوره لا ما يوثق به فلا يكون إجماعه معارضا.

واما الإجماع العملي فهو عمل الفقهاء بالأخبار الآحاد في موارد عديدة وأخذوا بالأخبار الواردة في الكتب الأربعة. وقد أشكل شيخنا النائيني عليه بأنه يمكن ان يكون عملهم بما في الكتب الأربعة من باب زعمهم أن كل ما فيها مقطوع الصدور وليس كذلك أو لزعمهم ان مطلق الظن حجة أو لظنهم ان ما دل على حجية الخبر الواحد يكون في خصوص ما في الأربعة فلا يدل عملهم على العمل بكل خبر واحد.

وفيه ان المدعى انهم عملوا بالأخبار الآحاد مطلقا لا بما في خصوص الأربعة ويكشف عملهم عن رضاء المعصوم عليه‌السلام ولكن يمكن ان يقال ان سنده هو الآيات والروايات وبناء العقلاء فلو لم تكن تامة لا يتم الإجماع كذلك.

١٨٥

واما السيرة في المتشرعين من حيث انهم متشرعون ومسلمون فهي أيضا على وجهين الأول السيرة العلمية الثاني السيرة الارتكازية. اما الأولى فهي ان المتشرعين إذا كانت سيرتهم على العمل بالأخبار الآحاد ولم يصل ردع عن صاحب الشريعة نفهم انها كانت موردا لإمضائه ولو ثبتت تكون مخصصة للآيات والروايات الرادعة عن العمل بغير العلم.

واما السيرة الارتكازية فتقريبها ان يقال انا من موارد سؤالات السائلين عن الأئمة عليهم‌السلام نفهم ان ارتكاز المسلمين كان على العمل بالأخبار الآحاد فإذا سئل عن تعيين من أخذ منه معالم الدين والمسائل عنهم عليهم‌السلام يكون المراد هو بيان من هو عالم بأحكامهم عليهم‌السلام لا صرف السؤال عن ان الخبر الواحد حجة أم لا فكان أصل قبوله مفروغا عنه عند السائلين وهذا هو العمدة.

وبعبارة أخرى يكون السؤال عن مصداق العارف بالاحكام بعد المفروغية عن انه إذا بين الحكم يكون حكمه متبعا ولا ردع عن هذه السيرة.

وقد أجاب شيخنا النائيني (قده) عن هذا التقريب أيضا بأنه يمكن ان يكون الارتكاز مستندا إلى الآيات والروايات فلو لم تكن تامة عندنا لا تفيد هذه السيرة على انه لا تكون السيرة كذلك ثابتة ولو كانت ثابتة لا تختص بالفقهاء فيحتمل ان يكون هذا هو بناء العقلاء فلا تكون للمتشرعين فقط حتى تكون دليلا برأسه.

وفيه ان أصل السيرة ثابتة وحيث لا تكون هذه مختصة بالفقهاء يمكن ان يقال لا تكون من باب الاستناد بالآيات والروايات ولكن يكون الإشكال بأنه يكون هو بناء العقلاء في محله فلو تم بنائهم فهو وإلّا فلا يجوز الاستناد بهذه لحجية خبر الواحد واما بناء العقلاء فهو أن الناس كلهم من المسلمين وغيرهم ممن يكون متمسكا بدين خاص أو لم يكن كذلك يتمسكون بالخبر الواحد في أمور معاشهم ومعادهم ولا يكون هذا في الشرع مما ردع عنه فيكون هو السند لنا.

وفيه انه لو كان هذا في امر معادهم أيضا فيكون هذا هو سيرة المتشرعين لأن هذه تكون بالنسبة إلى الشرع وامر المعاد يرجع إليه ولذا لا يكون كلمة امر المعاد

١٨٦

في كلام الشيخ الأنصاري والخراسانيّ في تقريب طريقة العقلاء حتى يرد هذا الإشكال عليه فلا فرق بينهما.

وهنا بيان عن الشيخ الأنصاري قده لا بأس بالإشارة إلى نقل عبارته قده في الرسائل فانه قال الرابع استقرار طريقة العقلاء على الرجوع إلى خبر الثقة في أمورهم العادية ومنها الأوامر الجارية من الموالي إلى العبيد فنقول ان الشارع ان اكتفى بذلك منهم في الأحكام الشرعية فهو وإلّا وجب عليه ردعهم وتنبيههم على بطلان سلوك هذا الطريق في الأحكام الشرعية كما ردع في موارد خاصة وحيث لم يردع علم منه رضاه بذلك لأن اللازم في باب الإطاعة والمعصية الأخذ بما عدّ إطاعة في العرف وترك ما يعد معصية كذلك انتهى.

وقد قالوا في مقام بيان كلامه قده وجوها أربعة ولكنا نبين وجهين الأول : صدر كلامه قده وهو ان قبول خبر الثقة لا يختص بالأمور العادية بل أوامر الموالي والعبيد أيضا يكون كذلك والشارع أيضا لا يكون له طريق جديد في الخطابات فعليه حيث لا يكون له ردع عن هذه الطريقة فهي متبعة ويكون دليلا على حجية خبر الثقة.

وقد أشكل (١) على هذا الوجه بأنه لو تمّ يكون بالنسبة إلى خبر العادل واما خبر الثقة مطلقا فلا يكون كذلك. وجوابه ان بنائهم لو تم يكون في الأعم من خبر العادل الّذي يشمل خبر الثقة أيضا.

وقد أشكل ثانيا بأن هذه الطريقة غير سيرة المتشرعين ولذا يمكن ان يكون الاخبار الناهية عن العمل بغير العلم ردعا عنها بخلاف السيرة فانها لو ثبتت تكون كاشفة عن رأي المعصوم عليه‌السلام ويتضح الجواب عنه فيما سيأتي.

الوجه الثاني : ذيل كلامه قده من أن المدار في الإطاعة والعصيان فإذا أخبر

__________________

(١) أقول لا أساس لهذا الإشكال بعد كون الدليل بناء العقلاء وهذا الإشكال يكون بالنسبة إلى مفهوم آية النبأ له وجه وجوابه ما مر من أن المراد بالمفهوم الخبر الموثق ولكن في المقام لا يكون بناء العقلاء في خصوص العادل بل هم من حيث هم كذلك لا يكون للعدالة بمعنى فعل الواجبات وترك المحرمات موضوع عندهم.

١٨٧

الثقة في الشرع بخبر يجب إطاعته وموافقته عند العقلاء بحيث بعد تاركه في العرف عاصيا وحيث لا خصيصة للشرع في أوامره ونواهيه من حيث انه مولى الموالي فلا محالة يجب الأخذ بالأخبار الآحاد.

لا يقال عليه ان العرف مرجع في أخذ المفهوم لا المصداق(١) فإن شك في مفهوم الإطاعة والعصيان يرجع إليه ولا يكون مرجعا في تعيين المصداق بأن يقول يجب قبول الخبر ليحصل الإطاعة.

لأنا نقول يكون الكلام في المقام في المفهوم أيضا من باب انه يصدق عنده الإطاعة من حيث انه عاقل لو أتى بالمأمور به بالخبر الواحد عن الشرع ويصدق المعصية لو تركه ولو كان وصوله بهذا النحو فهو المرجع في ذلك وبعبارة أخرى لا فرق عنده في وجوب الإطاعة بالنسبة إلى ما علمه من امر الموالي وما قام عليه الخبر الموثق ويكفي الوثوق ولا يشترط العدالة حتى يقال هذا لا يثبت أن خبر الموثق حجة.

واما الكلام في أن إمضاء هذا البناء عند الشرع فهو المهم لأن البيع الربوي أيضا يكون عند العقلاء ولكن ما أمضاه الشرع وردع عنه وهنا أيضا يكون الآيات الناهية عن اتباع غير العلم رادعا عنه وفرق المقام وسيرة المتشرعين هو ان السيرة نفس تحققها تكفي لإثبات رأى الشارع ولا يحتاج إلى شيء آخر بخلاف المقام فانه يحتاج إلى الإمضاء.

وبعبارة أخرى سيرة المتشرعين يكون البحث في إثباتها لا في حجيتها ولكن بناء العقلاء بعد إثباته يكون الكلام في حجيتها.

أو يقال ان السيرة موجبة للعلم فتكون حاكمة على الآيات الرادعة بخلاف بنائهم ويقال انها يكون ممضاة لكن في صورة حصول العلم.

__________________

(١) في بعض الموارد يكون العرف مرجعا حتى في تعيين المصداق خصوصا الخبراء منهم في كل فن والمراد هنا هو ان الخطابات الشرعية يكفي فيها مطابقة المأتي به مع المأمور به وهو غير مربوط بالعرف بل يكون تابعا لتحديد الشارع.

١٨٨

والجواب عنه بنحو صحيح عندنا هو الحكومة في المقام أيضا على فرض كون حجية الخبر عند العقلاء من باب تتميم الكشف فان الخبر أيضا عندهم علم ولا يكون اتباعه اتباع غير العلم ولكن على مبنى الخراسانيّ والشيخ القائل بجعل الحجية وتنزيل المؤدى فالإشكال بحاله ولرده طريق آخر ولا يخفى انهما على حسب مبناهما لم يذكر الحكومة لأنهما غير قائلين بتتميم الكشف فما في بعض الكلمات من إلزامهما بذلك يكون من باب عدم التوجه إلى مسلكهما والتعبير بأن قولهما من باب الأكل من القفا إشكال عليهما لا يصح فان عدم تعرضهما للحكومة يكون لغاية فراستهما وملاحظتهما للمبنى.

واما جواب الخراسانيّ (قده) فهو يقول ان الآيات الناهية عن اتباع غير العلم يكون في أصول الدين أولا ولو سلم أنها في غيره تكون منصرفة عن المقام لأن الخبر الذي قام الدليل على حجيته لا يكون مورد نظرها ثم انه (قده) تعرض في المقام لإشكال الدور المتصور في المقام وجوابه وبيان ذلك هو أن السيرة العقلائية تحتاج إلى إمضاء الشارع وعدم ردعه عنها وتوهم ان الآيات الناهية عن اتباع غير العلم رادعة عنها يكون دوريا لأن عمومها للمورد يتوقف على عدم كون السيرة مخصصة لها ومخصصيتها لها متوقفة على عدم ردعها إياها فلا يمكن إثبات الردع لها لا يقال أن الدور من قبل السيرة أيضا متحقق لأنها أيضا لم تكن مخصصيتها للآيات الأعلى فرض عدم ردعها عنها وردعها عنها أيضا متوقف على عدم مخصصيتها لأنه يقول ان التنافي بينهما صحيح إلّا انه بعد سقوط العموم من قبلها والمخصصية كذلك ما أثبتنا الردع عنها ويكفي لحجية السيرة عدم وصول الردع وهنا على الفرض ما ثبت وهو كاف في الإمضاء ولا نحتاج إلى إثبات الإمضاء بدليل آخر.

والجواب عنه قده ان هذا الكلام غير صحيح منه في بيان حجية السيرة بوجوه : الأول فساد المبنى فان الحق في باب الأمارات هو تتميم الكشف تبعا لشيخنا العراقي والنائيني قدهما لا جعل الحجية. والثاني إحراز الإمضاء شرط لا عدم وصول الردع. والثالث انه كما يكفي على فرضه لحجية السيرة عدم وصول الردع كذلك يكفي

١٨٩

لعموم العام أيضا عدم وصول المخصص ونحن في المقام ما أثبتنا مخصصية السيرة على الفرض فالعام رادع. والرابع ان دلالة العام على العموم تنجيزية ودلالة السيرة تعليقية لأن الثانية تتوقف دلالتها لا أقل على عدم وصول الردع ولكن دلالة العام على العموم لا تتوقف على عدم المخصص ولذا يكون المخصص بعد وجدانه هادما للحجية لا هادما لظهور العام (١).

ولا شبهة ان الدلالة التنجيزية مقدمة على الدلالة التعليقية فلا يفيد ما ذكره قده في رفع غائلة الدور وكان قده متوجها للإشكالات فقال فتأمل.

ثم أجاب عن الإشكال بنحو آخر وهو أن العقلاء كانوا قبل نزول الآيات وكان بنائهم أيضا على العمل بالخبر الموثق وحيث لا ندري ان عمومها هل يوجب هدم بنائهم أم لا يستصحب حجيته قبلها.

ثم قال ان قلت حجيته مبنى على عدم الردع ومغيا به والآيات غايتها. قلت يكون مغيا ولكن لا بها بل ما كان غاية في الواقع فان الأمر هنا يدور بين كونها غاية له وناسخا وبين كونه مخصصا للآيات وإذا دار الأمر بين النسخ والتخصيص فالتخصيص مقدم فتخصص الآيات به.

وهذا أيضا لا يتم لأن بنائهم يحتاج إلى الإمضاء اما من قبل الأنبياء السلف أو من قبل نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يقول بالأول لعدم فائدته.

والثاني يكون الكلام فيه وهو غير حاصل على الفرض فعمدة الكلام هي احتياجه إلى الإمضاء وفي المقام إذا كان قياس العام والخاصّ بالنسبة إلى الشرع

__________________

(١) العرف كما مر في ساير الموارد المناسبة يرى هدم الظهور بعد وجدان المخصص المنفصل كالمتصل ولا يكون العام بعد وجدانه ظاهرا في العموم.

والحاصل دلالة العام لو خلى وطبعه على العموم لا كلام فيها فانه كاشف ذاتا عن العموم ولكن بحسب الظهور في مقام الإثبات فلا فرق بين المتصل والمنفصل من المخصص.

١٩٠

السابق فالنسخ مقدم على التخصيص لبناء هذه الشريعة عليه لا العكس ويختص تقديم الأول على الثاني بالعامّ الوارد بعد الخاصّ في شريعتنا لا الشرع السابق فتحصل ان الطريق الصحيح هو حكومة السيرة العقلائية على الآيات الناهية عن اتباع غير العلم ولا يتم ما ذكره قده في المقام وهذا تمام الكلام في بيان الإجماع وتقاريبه على حجية الخبر الواحد.

الدليل الرابع لحجية خبر الواحد هو العقل

وهو أيضا يكون بيانه بوجوه :

الوجه الأول ما عن الشيخ الأنصاري (قده) وهو الحكم بوجوب قبول خبر الثقة من باب تمامية مقدمات الانسداد الصغير. وبيانه انا تارة نكون في صدد حجية كل ظن من الخبر أو من ساير الأمارات مثل الشهرات والإجماعات والأولويات أو نكون في صدد إثبات حجية ظن خاص مثل الظن الحاصل من خبر الثقة والأول يكون مسمى بالانسداد الكبير والثاني مسمى بالانسداد الصغير.

والآن نكون في صدد الثاني وإثبات صدور الخبر بواسطة تمامية مقدمات الانسداد ضرورة ان الخبر يكون له جهات عديدة مثل الصدور وعدم كونه عن تقية والظهور وحجية هذا الظهور ولا كلام فعلا في غير الجهة الأولى وهو الصدور فانه على فرض تمامية الجهة والظهور وحجيته يكون الصدور فيه البحث ولذا نسمي البحث عنه بحثا عن الانسداد الصغير ولو كان جميع الجهات غير ثابت لنا بعد احتمال الحكم للواقعة يكون البحث بحثا عن الانسداد الكبير.

اما أصل بيان الانسداد الصغير فهو ان لنا علم إجمالي بصدور عدة من الاخبار فيما بأيدينا من الكتب قطعا والاحتياط في كل واقعة متعذر أو متعسر ولا نكون كالبهائم ولا تجري الأصول في كل واقعة فعليه لا بد من الأخذ بالطريق الظني بعد عدم العلم بالاحكام فيما بين هذه الاخبار معينا فان الظن الحاصل من خبر الثقة يكون له نحو طريقية إلى الواقع فالعقل يحكم بمقتضى العلم الإجمالي بعد سد طريق العلم بوجوب

١٩١

متابعة الظن سواء كان هذا الحكم على نحو الكشف عن حكم الشارع أو على نحو الحكومة من العقل على اختلاف المباني في باب الانسداد هذا حاصل ما أفاده الشيخ بتقرير منا على حجية الاخبار الآحاد من باب حكم العقل.

وقد عدل عنه بأن هذا البيان لا يفيد حجية اخبار الآحاد فقط بل يثبت الأعم لأن لنا علما إجماليا بوجود أحكام في ما بين الاخبار وعلم إجمالي أوسع بوجوده بينه وبين ساير الطرق مثل الإجماعات والشهرات وعلم إجمالي أوسع منه وهو وجوده لكل واقعة ولو لم يكن الطريق عليه من الاخبار والإجماع ولا شبهة أن الثالث ينحل بواسطة العمل بمقتضى الأول والثاني ودليله الوجدان فانا بعد العمل بما في الكتب من الاخبار والإجماعات وغيرها نشك في بقاء حكم آخر بشك بدوي واما الثاني فلا ينحل بواسطة الأول ضرورة انه نعلم بوجود أحكام فيما بين الإجماعات والشهرات ووصول بعضها إلى الواقع.

ولكلامه وجهان الأول (١) انه يقول بأن الثاني يكون طرف العلم الإجمالي

__________________

(١) أقول عند ملاحظة كلامه قده في الفرائد يظهر أن مراده هو أن في المقام علمين إجماليين ولا يكون تعبيره الأول مخالف الثاني بل يكون عبارته هكذا إلّا ان العلم الإجمالي حاصل أيضا في مجموع ما بأيدينا.

ثم في ذيل الكلام يقول فهنا علم إجمالي حاصل في الاخبار وعلم إجمالي حاصل بملاحظة مجموع الاخبار وساير الأمارات المجردة عن الخبر فمراده من الصدر والذيل واحد. ولم يفرض الأولويات وما لا اعتبار به من الظنون ويكون تعبيره بسائر الأمارات شاهدا على ما ذكر ولذا لو فرض حجية الظن فيها أيضا لا يكون خلاف الإجماع يكون في عدم حجية الأولويات والاستحسانات لا مثل الإجماع والشهرة.

سلمنا ولكن في صورة الإجماع على عدم الحجية يخصص الدليل العام في تلك الحجية به وبنقل الأستاذ مد ظله يكون الأمارات الغير المعتبرة داخلة في مطلق الظن وادعى عند انحلاله بالوجدان.

وكيف كان لو لم يحصل الانحلال بالأول لا يضر بشيء إلّا أن الدليل لا يكون خاصا بالظن الخبري بل الظن الحاصل منه ومن كل أمارة ولا إشكال في ذلك.

١٩٢

الأول واما الثالث فلا يكون طرفا منه فهو مباين وعليه كيف يمكن القول بالانحلال والموج الثاني ان لنا علمين إجماليين لا علما واحدا أي لنا علم إجمالي بوجود الأحكام فيما بين الاخبار وعلم إجمالي بوجود أحكام أيضا فيما بين الإجماعات بحيث لا يوجب وجدان بعض الأحكام والعمل به في الاخبار الشك في وجوده في الآخر فمقتضى الانسداد العمل بالظن الحاصل منهما ولا جامع بينهما لينحل فما كان هذا دليلا لخصوص حجية الخبر الواحد بل دليل لسائر الأمارات من الإجماع والشهرة والأولوية والقول بحجية الجميع يكون خلاف الإجماع.

ولتوضيح مرامه قده يقول بما حاصله انا لو وجدنا عدة من الأحكام فيما بين الاخبار لا ينحل العلم الإجمالي بوجود أحكام أخر في ضمن ساير الأمارات لعلمنا انها أيضا متضمنة لطائفة من الأحكام وما عن الخراسانيّ قده من أن العلم ينحل بعد وجدان عدة من الأحكام في الاخبار سيجيء النكتة فيه.

ثم انه في مقام بيان عدم تأثير العلم الإجمالي الثاني وان هذا الدليل أي الانسداد يكون في خصوص الاخبار لا في الأعم قيل ان العلم الإجمالي الثاني بعد العلم الأول لا يكون له أثر مثل ما إذا علمنا بان أحد الكأسين نجس ولكن لا نعلم أنه يكون الأخضر مثلا أو الأبيض ثم وقعت قطرة دم لا نعلم انه وقع في أيتهما فعلمنا إجمالا بوقوع القطرة في إحداهما ولكن لا يكون له تأثير غير ما كان للأول فان وجوب الاجتناب عنهما كان قبل نزول القطرة أيضا فما أثر العلم الثاني لأن المنجز لا ينجز ثانيا وفي المقام أيضا كذلك فإذا علمنا بوجود الأحكام فيما بين الاخبار فلا يكون تأثير للعلم بوجوده فيما بين ساير الأمارات فلا يكون موجبا للتكليف فلا يكون الاحتياج إلى انحلاله فلنا علم إجمالي واحد منجز وهو في الاخبار فقط.

وفيه ان المفروض وجود أحكام أخر فيما بين ساير الأمارات فلا يكون من باب تنجز المتنجز ولكن الصحيح ان يقال ان الأحكام التي وجدناها من بين الاخبار لا نعلم أن ما في ساير الأمارات يكون غير ما وجدنا فيها فالعلم بوجود أحكام في غير الاخبار وان كان مسلما ولكن يحتمل التطبيق مع ما وجد في الاخبار فيكون بعد ذلك

١٩٣

الشك في وجود حكم آخر فيما بين ساير الأمارات لاحتمال التطبيق.

ولعل النزاع بين العلمين الشيخ والخراسانيّ قدهما يرجع إلى الخلط بين المقام وصورة عدم تنجيز المتنجز في صورة قيام أمارة معتبرة على نجاسة أحد الكأسين ثم علمنا بوقوع قطرة دم في إحداهما فان هذه الصورة حيث يكون أحد أطراف العلم منجزا قبل هذا العلم لا يؤثر العلم شيئا لأن المنجز لا ينجز ثانيا والفرض في تأثير العلم الإجمالي هو ان يكون مؤثرا في الطرفين فإذا خرج أحد الأطراف عن دائرته لا يؤثر شيئا لأن نجاسة أحد الأطراف يقيني والطرف الآخر نجاسته مشكوكة فيكون المقتضى للتنجيز في هذه الصورة متحققا والمانع أيضا متحقق وهو عدم تنجيز المنجز واما في المقام فلا يكون المقتضى للتنجيز أيضا موجودا لعدم العلم (١) من الأول بوجود أحكام فيما بين ساير الأمارات غير ما يكون فيما بين الاخبار ولذا قال أحدهما وهو الخراسانيّ قده بأن العلم الإجمالي منحل وقال الشيخ قده انه لا ينحل فعليه لو سلم وجود العلم الإجمالي المؤثر لا يكون منحلا كما فرض الشيخ وعلى فرض عدمه فلا إشكال في كون الشبهة بدوية بالنسبة إلى وجود حكم في سائر الأمارات.

الإشكال الثاني عن الشيخ قده هو انه لو سلم كون هذا الانسداد دليل على حجية خصوص الخبر ولكن لا يكون للخبر بما هو في نفسه خصيصة بل لكونه كاشفا عن

__________________

(١) أقول هذا غير معلوم عندنا لأن الوجدان حاكم بان العلم الإجمالي موجود ويكون الكلام في انحلاله ولا يحصل الانحلال لو كان بما ذكر لأنه لو قامت الأمارة على أن أحد أطراف المعلوم بالإجمال يكون الكأس الأبيض لا يقول الأستاذ مد ظله بالانحلال بل يجب أن تكون الأمارة ناطقة بأن المعلوم بالإجمال يكون هذا المعين ليحصل الانحلال.

وفي المقام حيث ان وجدان بعض الأحكام في الاخبار يكون نظير الأول لا الثاني فلا ينحل وصرف عدم إثبات كون ما في غير الاخبار من الأحكام غير ما في الاخبار لا يكفي لذلك بل يلزم العلم بأن ما وجدناه فيه يكون عين ما كان في الاخبار حتى يحصل الانحلال.

١٩٤

الواقع ولذا قيل بأن ضعف بعض الاخبار ينجبر بالشهرة فيكون الخبر بما هو كاشف حجة بالانسداد فعليه كل ما كان كاشفا عن الواقع من الإجماع والشهرة أيضا حجة بهذا الدليل فلا يختص بالأخبار.

والإشكال الثالث منه قده يرجع إلى إشكالين الأول أنه لو سلم هذا الدليل يكون بالنسبة إلى الاخبار المثبتة للتكليف الملزمة له لأن إحدى مقدمات الانسداد هي وجود أحكام إلزامية لا محيص عنها وعدم الإهمال بالنسبة إليها فلذا يجب العمل بمقتضى الظن الحاصل منه واما الاخبار النافية للتكليف فلا ملزم لنا بالنسبة إليه حتى نتمسك بالانسداد فانه ان لم يكن حجة لا يضر بشيء من التكاليف فلا يكون هذا الدليل عاما شاملا لجميع الاخبار والثاني هو أن الحكم بذلك يكون من باب الاحتياط أي نعمل بجميع الاخبار ولو كان بعضها غير موافق للواقع ليحصل موافقة ما له الواقع في الجملة ولا يكون حجة شرعية ليكون مخصصا للعمومات وغاية للأصول مثل الاستصحاب والبراءة بعد كون دليلها لفظيا وحجة شرعية وهذا حكم عقلي.

فنقول اما الجواب عن الأخير أولا فلأنه يكون مبنيا على أن يكون الانسداد من باب الحكومة لا الكشف واما عليه فيكون نتيجته الكشف عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في مقابل الوهم والشك وثانيا فلان الاخبار الصادرة يكون لها ظهور وأصالة الظهور على فرض الصدور تحكم بتقييد المطلقات بها وتخصيص العمومات وتقديمها على الأصول.

بيان ذلك يظهر بتنظيره بجريان قاعدة الفراغ في صورة وقوع الصلاة إلى أربع جهات لاشتباه القبلة فانه إذا شك في صحة بعض تلك الصلوات فان قلنا بأن القاعدة تجري في صلاة معينة فلا تجري في المقام واما إذا قلنا بأنها تجري حتى بالنسبة إلى الصلاة في الجملة فنقول به في المقام أيضا فنقول الاخبار الواصلة يكون لها ظهورات فنعلم إجمالا بأن بعض هذه مخصصة للعمومات ومقيدة للمطلقات فبأصالة الظهور نتمسك ونقول بأنه لو كان صادرا يكون ظهوره متبعا وحيث نعلم بصدور البعض نرفع اليد عن كل عام ومطلق واصل به ضرورة انا نعلم بصدور بعض العمومات

١٩٥

والمطلقات والأصول فحيث لا ترجيح لأحدها على الأخرى يسقط الجميع.

هذا في صورة جريان أصالة الظهور ولو كان البعض صادرا في ضمن الجميع واما ان قلنا أن أصالة الظهور تكون حاكمة بعد إحراز الصدور بخصوصه في كل خبر فحيث لا يكون هذا متحققا فلا يمكن تخصيص ذلك بها ولكن لا يلزم إحراز الصدور بخصوصه.

واما الجواب عن الإشكال بعدم فائدة الاخبار النافية في مقام جريان الأصول النافية لأنه لا ملزم لنا بإثبات النفي. فهو انه لا شبهة ولا ريب في أن الاخبار يكون حاكما على الأصول سواء كان مثل الاستصحاب أو البراءة أو غيرهما فانه يكون كالعلم فإذا قيل لا تنقض اليقين بالشك بل انقضه بيقين آخر يكون ما دل عليه الخبر كاليقين ويكون غاية الاستصحاب وهكذا كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام فان قيام الخبر يكون مثل العلم فيكون غاية لدليل البراءة فلا وجه لجريان الأصول في المقام الّذي يكون العلم الإجمالي بصدور الاخبار لأنه علة تامة ولا يجري الأصل بالنسبة إلى طرف منه.

ولا فرق في ذلك بين الأصول المثبتة والنافية فإذا كان الدليل على وجوب صلاة الجمعة في فاصلة فرسخ بين الجمعتين ثم شك في الوجوب في الأقل منه لا تجري استصحاب الوجوب لو قام خبر على عدم وجوبه وكذلك الأصل العقلي كالاشتغال الجاري لإثبات جزئية شيء أو شرطيته مع وجود خبر على نفيها فيكون هذا كالسابق في انه بعد علمنا بصدور بعض الاخبار وإطلاق أصالة الظهور حتى في هذا المورد يجب الأخذ بظهور الخبر النافي لمفاد الأصل أو العموم أو الإطلاق.

على انه يمكن القول بالانحلال في الأصول الموافقة بأن يقال بعد علمنا بموافقة جملة من الأصول مع الواقع ثم وجدنا اخبارا مثبتة للتكاليف ينحل العلم الإجمالي بالنسبة إلى موارد الأصول ولكن لا وجه لإتعاب النّفس والقول بالانحلال بعد حكومة الأمارة على الأصل.

والحاصل لا يجري الأصل لا النافي ولا المثبت في مورد وجود الأمارات لأنها

١٩٦

حاكمة مطلقا ولا تختص بالخبر المعلوم الصدور بالعلم التفصيلي بل يشمل المقام أيضا الذي نعلم بالصدور واقعا إجمالا وهي سواء كانت نافية أو مثبتة للتكليف تقدم على الأصل وتظهر الثمرة عند المعارضة مع العمومات والإطلاقات وفيما كان المعارضة بنحو التباين فان الأصل لا يقاوم ظهور العام والمطلق ولكن الأمارة تقع في صف التعارض وتقدم لأقوائية الظهور أو للجمع العرفي كما حرر في مقامه.

فلا يقال ما الفائدة في حجية الاخبار النافية للتكليف مع وجود الأصل فان الفرق واضح بين عدم الدليل على إثبات الشيء كما هو مورد الأصل وبين أن يكون الدليل على العدم موجودا كما في موارد الأمارة على النفي إلّا ان يقال بعدم كون حجية الأمارة هنا كما في الموارد الخاصة التي تكون الصدور قطعيا بل يكون مثل الاحتياط وقد مر جوابه.

وقد يقرب العلم الإجمالي في المقام بحيث يندفع به إشكال الاخبار النافية للتكليف من باب عدم كونها ملزمة بأن يقال بأنا نعلم بصدور اخبار كثيرة فيما بأيدينا ويكون حجة لنا بصدورها والتعبد به ولا نكون في صدد المضمون حتى يندفع الإشكال الذي مر من العلم الإجمالي بوجود أحكام فيما بين الشهرات والإجماعات بالقول بعدم حجيتها من رأس لعدم التعبد بالصدور فيها وكذلك الإشكال الثاني عن الأنصاري (قده) بأن حجية الخبر تكون من حيث المضمون والشهرة أيضا كذلك لأنه يكون حجية الخبر من جهة المضمون وان كان نتيجة التعبد بالمضمون وحجيته أيضا حتى يقال ان الشهرة أيضا كذلك وهكذا ليندفع الإشكال الثالث بأن الاخبار النافية لا فائدة لها لأن الكلام ليس بالنسبة إلى الواقع بل يجب التعبد بالصدور وهذا لا يتم لأنه مبنى على كون الاخبار حجة من باب السببية لا الطريقية وهو خلاف التحقيق فالحق في المقام ما ذكرناه من انحلال العلم الإجمالي خلافا للشيخ (قده) والجواب عن الإشكال بالنسبة إلى الاخبار النافية بالحكومة خلافا له أيضا ووفاقا للمحقق الخراسانيّ (قده).

الوجه الثاني من بيان الدليل العقلي هو ما ذكره الشيخ والخراسانيّ (قدهما)

١٩٧

من الوافية وحاصله ان العلم بحجية الاخبار الموجودة في الكتب الأربعة للشيعة حاصل لعمل جمع من العلماء به من غير رد ظاهر.

بوجوه قال الأول انا نقطع ببقاء التكليف إلى يوم القيامة سيما بالأصول الضرورية كالصلاة والصوم والحج والمتاجر والأنكحة ـ ونحوها مع ان جل اجزائها وشرائطها وموانعها انما يثبت بالخبر الغير القطعي بحيث يقطع بخروج حقائق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور عند ترك العمل بخبر الواحد ومن أنكر فانما ينكر باللسان وقلبه مطمئن بالايمان فيكون المرجع (ح) هذه الاخبار التي أفادت الظن بالواقع.

ويرد عليه أولا بأن العلم الإجمالي لا يختص بما في الكتب بل يكون حاصلا بما في غيرها أيضا وثانيا لا يختص بالاجزاء والشرائط بل حرمة الكذب والخمر وغيرها أيضا كذلك فان الخمر والكذب وساير المحرمات يكون حرمته في جميع النشئات حتى في الجنة وثالثا لا يشمل هذا التعبير ما دل على عدم الشرطية والمانعية مع انه أيضا داخل في دائرة العلم ورابعا على فرض تسليم الاختصاص بالأربع يجب ان يحصل الانحلال بالنسبة إلى ما في غيرها من الكتب وهو غير حاصل فالفرض هو اهتمام الشارع بجميع الأحكام من الاجزاء والشرائط والموانع وغيرها بما في الكتب الأربعة أو غيرها.

الوجه الثالث من حكم العقل ما ذكره المحقق صاحب الحاشية على المعالم (قده) لإثبات حجية الظن الحاصل من الخبر لا مطلقا وملخصه ان وجوب العمل بالكتاب والسنة ثابت بالإجماع بل بالضرورة والاخبار المتواترة وبقاء هذا التكليف أيضا بالنسبة إلينا ثابت بالأدلة المذكورة و (ح) فان أمكن الرجوع إليها على وجه يحصل العلم بهما بحكم أو الظن الخاصّ به فهو وإلّا فالمتبع هو الرجوع إليهما على وجه يحصل الظن منهما هذا حاصل كلامه رفع مقامه والمستفاد منه ان الطريق حجة لنا لو لم يحصل العلم بالواقع.

ويرد عليه أولا ان هذا الدليل بظاهره عبارة عن دليل الانسداد الّذي ذكروه لحجية الظن في الجملة أو مطلقا وذلك لأن المراد بالنسبة هو قول الحجة أو فعله

١٩٨

أو تقريره فإذا وجب علينا الرجوع إلى مدلول الكتاب والسنة ولم نتمكن من الرجوع إلى ما علم انه مدلول الكتاب أو السنة تعين الرجوع باعتراف المستدل إلى ما يظن كونه مدلولا لأحدهما فإذا ظننا ان مؤدى الشهرة أو معقد الإجماع المنقول مدلول الكتاب أو لقول الحجة عليه‌السلام أو فعله أو تقريره وجب الأخذ به ولا اختصاص للحجية بما يظن كونه مدلولا لأحد هذه الثلاثة من جهة حكاية أحدها التي تسمى خبرا أو حديثا في الاصطلاح.

وثانيا ان السنة التي دل الإجماع على الرجوع إليها هي قول الإمام عليه‌السلام أو فعله أو تقريره وهو المحكي لا الخبر الحاكي والحاكي طريق إليها حيث لا موضوعية له فما ادعاه من الضرورة من الدين بالرجوع إليها يكون المحكي وهو غير ثابت واما الرجوع إلى الحاكي من باب الطريقية فيكون من باب دليل الانسداد الذي ذكره الشيخ قده في خصوص الاخبار وهو الوجه الأول من العلم الإجمالي فلا يكون ما ذكره (قده) غير ما ذكره الشيخ من الوجه الأول.

فصل في الأدلة التي أقيمت على حجية مطلق الظن حتى يكون

حجية الخبر الواحد أحد أفراده

وهي على وجوه الأول هو ان المجتهد إذا حصل له الظن بوجوب شيء أو حرمة شيء آخر يكون الظن بوجود المفسدة في ترك الواجب وفعل الحرام حاصلا له وحيث ان المفسدة ضرر فالفعل يحكم بوجوب دفعه والعقاب عليه لو لم يفعل على مقتضاه.

وفيه ان قبح العقاب بلا بيان يكون أيضا حكم العقل وهو حاكم على وجوب دفع الضرر المحتمل وتوضيح ذلك يتوقف على بيان مقدمات.

المقدمة الأولى : ان المصالح والمفاسد في نظر الشارع يكون على أنحاء الأول : ان يكون مراده هو حفظ المصلحة على أيّ نحو كان ودفع المفسدة كذلك فعليه ان يوصل الحكم إلى المكلف بأي نحو كان أو يجعل الاحتياط على فرض عدم الوصول

١٩٩

كما في موارد الفروج والدماء لئلا يفوت الواقع فإذا لم تكن الأهمية كذلك لجعل الطريق الذي يكون وصوله غالبيا فان وصل فهو وان لم يصل بدس الدساسين كانت المصلحة في أصل جعل القانون بهذا النحو فكان وجودها أو عدمها لو وصلت مراده ولا إشكال في ذلك من حيث كون شدة الاهتمام بالحكم من ناحية شدة المصلحة أو المفسدة أو ضعفه كذلك فعلى هذا نقول إذا لم يصل بيان عن الشرع إلينا يكون الحاكم قبح العقاب بلا بيان ولا يكون دفع الضرر المحتمل واجبا ولا يكون العقاب مترتبا عليه ولو كان واجبا يجب على المولى جعل الاحتياط ولم يجعله فعليه بعد الفحص المتعارف عن الدليل إذا لم نجد شيئا من ذلك يجري أصالة البراءة من جهة حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان.

لا يقال العقل نبي من الباطن كما ان الشرع نبي في الظاهر ولا فرق بين حكم العقل بوجوب دفع الضرر أو الشرع فيجب الاحتياط بحكمه لأنا نقول هذا يلزم منه الدور بعد كون المصلحة والمفسدة بالوجود الواصل لا ما يكون في الواقع فان حكم العقل بوجودها متوقف على وصولها ووصولها متوقف على حكم العقل ولا يكون المناط على الواقع إذا لم يكن الاحتياط مجعولا من قبله فظهر عدم الملازمة بين الظن بالحكم والظن بالضرر.

ولا وجه لتوهم الشبهة في المصداق بأن يقال لا ندري أنه يكون من مصاديق حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان أو حكمه بوجوب دفع الضرر المحتمل لأن وصول الحكم وعدمه وجداني لا يجيء فيه الشبهة لدوران امره بين الوجود والعدم فالحق جريان قبح العقاب بلا بيان ولا يثبت حجية الظن بذلك.

المقدمة الثانية في أن الضرر الّذي كان سندا لحكم العقل لا يثبت لا الأخروي ولا الدنيوي وهو انه بعد عدم جعل الاحتياط من الشرع لا يكون الضرر متحققا لأنه كان يتوقف على الوصول وحيث لم يصل لا يكون لنا طريق بأن نقول تحصل مفسدة ومنقصة في النّفس في الدنيا أو عقاب في الآخرة لعدم المثبت لذلك ولا سبيل للعقل إلى المصالح والمفاسد النّفس الأمرية الا من قبل خطاب الشرع والشاهد على ذلك

٢٠٠